!هل يتيتّم سوريو ألمانيا برحيل ماما ميركل

!هل يتيتّم سوريو ألمانيا برحيل ماما ميركل

“ستؤثر استقالة ميركل علينا طبعاً، خاصة أن قضية اللاجئين هي أحد أسباب الاستقالة، أتخوف من السياسيّ الذي سيأتي بعدها والقرارات الجديدة التي قد يتخدها بحقنا نحن اللاجئين”، تقول المصورة السورية رنا سليم والتي تقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، مضيفةً “وازدادت مخاوفي مع الإشاعات الكبيرة حول مشروع إعادة اللاجئين إلى سوريا، والتي جاءت بعد أن أشاع النظام السوري إلغاء طلب الشباب لخدمة العلم الاحتياطية، إضافة لترويجه بأن دمشق أصبحت عاصمة آمنة، وصالحة للعيش.”

ورنا كما آلاف السوريين في ألمانيا، لا ترى في المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مجرد شخصية سياسية عابرة، بل “أما حنون” لم تخف تعاطفها الكبير مع اللاجئين ودعمها لهم في شتى مجالات الحياة، ولهذا فإن إعلانها لعدم نيتها الترشح لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي من جديد، سيترك مئات آلاف اللاجئين السوريين في مهب رياح التغيير.

وأعلنت ميركل عدم نيتها للترشح بعد ثمانية عشرة عاماً أمضتها في هذا المنصب، فيما ذكرت مصادر في الحزب أنها لن تترشح أيضاً لانتخابات البونستاغ الألماني (البرلمان الاتحادي) المقبلة التي ستجري عام ٢٠٢١.

لا تشارك آلاء المقيمة في ألمانيا منذ ثلاث سنوات وتعمل كمحاسبة رنا قلقها، فهي تقول “لا يوجد لدي أي تخوف من السياسي الذي سيأتي بعد ميركل لأن ألمانيا بلد قانون، وبالنسبة لاستقالة ميركل فالخبر متوقّع، لأن الرأي العام الألماني أصبح ضدها في الفترة الأخيرة، بالطبع هي كانت إيجابية بتعاطيها مع قضايا اللاجئين لكنها لم تكن حكيمة بما فيه الكفاية، لأنها واقفت على دخول عدد كبير من اللاجئين الذين لا يحملون شهادات علمية، أو أولئك الذين لم يتم التأكد من سلوكهم وملفاتهم الأمنية.”

يتفق الشاب شام سيروان والذي يعمل في مجال إصلاح الأجهزة الالكترونية مع رنا فهو يرى أن استقالة ميركل “أمر طبيعي، فالزعماء في البلدان الأوروبية لا يبقون إلى الأبد عكس نظرائهم في الدول العربية” مضيفاً ” الشيء غير الطبيعي برأيي أن نعتقد أنّ الحال سيسوء بعد رحيلها، فهي اتبعت سياسة فاشلة بما يتعلق باللجوء، وحتى لو استلم الحزب البديل النازي زمام الأمور، لا أتوقع أن يتغير شيء بوضع اللاجئين سوى أن تزيد الكراهية تجاههم وتصبح علنية، أما بالنسبة لموضوع الحقوق والواجبات فستبقى كما هي لأن ألمانيا بلد قانون يحترم دستوره.”

وقدر “مكتب الإحصاء الاتحادي” خلال شهر أبريل/نيسان من العام الحالي، عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية في عام ٢٠١٧ بحوالي ٦٩٩ ألف شخص، ليصبحوا بذلك ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد بعد الأتراك والبولنديين، حسب ما نقلت صحيفة “دي فيلت” الألمانية.

وحول تخوّف بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا من رحيل ميركل، قال الصحفي محمد وانلي “لا أحد يستطيع إنكار أن ميركل كانت إنسانية جداً بقراراتها حيال اللاجئين السوريين، ولكن بالنهاية هناك حكومة كاملة خلفها تخطط لهذه القرارات وتشرف عليها وتنفذها، وبالتالي لا نستطيع أن ننسب الفضل لشخصها فقط، وهي كانت تعمل لمصلحة بلادها بالدرجة الأولى.”

وعن تأثير رحيل ميركل على السوريين أضاف وانلي “منذ أيام قمت ومجموعة من الصحفيين السوريين بزيارة لمجلس الشعب الألماني، الجميع طمأننا أنه لا يوجد داعي للخوف، لأن الحزب هو الذي يحكم وليس ميركل، وبالتالي لن تختلف الأمور كثيراً، وفي الوقت نفسه من المستحيل أن ينجح اليمين المتطرف بالانتخابات المقبلة لأنه بالأساس مرفوض من الشعب الألماني.”

من جهته يشير المختص بشؤون اللاجئين الحقوقي السوري كاظم هنداوي أن ميركل لعبت دوراً إيجابياً لاشك في ملف اللاجئين، ولكن ذلك كان بناءً على اتفاقات دولية مُسبقة، فاتفاقية جنيف لحقوق الإنسان عام ١٩٥٢ دعت لاستقبال الفارّين من الحروب، وإعطاء اللجوء لمستحقيه. ويقول هنداوي “يجب التوضيح أن ميركل لعبت دوراً بتحسين أوضاع اللاجئين وليس استقبالهم، فالمستشارة فتحت لهم الأبواب أكثر في مجال تعلّم اللغة ودخول سوق العمل، وساعدتهم على نيل امتيازات عديدة، ودعت دائماً لتسهيل أمور حياتهم وعملية اندماجهم بالمجتمع الجديد.”

وعن تأثير ابتعادها عن المشهد السياسي يضيف هنداوي “في حال كانت الحكومة المقبلة أكثر صرامة، فمن الممكن أن تحرم اللاجئين مثلاً من إكمال دراستهم، أو تضيّق عليهم في سوق العمل، ولكن من المستحيل اتخاذ أي إجراء يتعلق بترحيلهم وخاصة أن الوضع في سوريا لازال على ما هو عليه، أي أنّ بشار الأسد بقي في السلطة، ولازالت الإجراءات الأمنية التعسفية قائمة.”

وكانت المستشارة خلال مراهقتها، الطالبة الأولى على مدرستها وكانت ترغب في أن تصبح معلّمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبهاً بها، لذلك فقد درست الفيزياء في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وعملت خلال تلك الفترة كنادلة في حانة.

ودخلت ميركل، معترك السياسة عام ١٩٨٩، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية، وألمانيا الغربية، فأصبحت متحدثة باسم آخر حكومة في ألمانيا الشرقية، وارتقت في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي في عام ٢٠٠٠ ، لتصبح عام ٢٠٠٥، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية.

وأطلقت الصحف والمجلات العديد من الألقاب على المستشارة الألمانية منها “السيدة الحديدية”، لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، بينما أطلق عليها الألمان واللاجئون لقب “الأم”، لما يجدون فيها من تعاطف حقيقي مع أوضاعهم.

وصنفتها مجلة فوربس الأمريكية أقوى امرأة في العالم نظرا لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي الباهر وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت أن تودي بأخرى إلى الإفلاس.

ويذكر أن ميركل احتفظت بلقب زوجها الأول، أولريخ ميركل، الذي انفصلت عنه عام ١٩٨١، وهي متزوجة حاليا من جواكيم ساور، وتشترك معه في هوايتها الوحيدة وهي الشعر الغنائي، كما أنها حاذقة في الطبخ، وشغوفة بمشاهدة مباريات كرة القدم، ولكن اليوم وبعد قرارها النهائي بالرحيل، ترى بملعب من ستكون الكرة، وهل سيكون خلفها هدافاً محترفاً؟

جبهة النصرة وتحولات جمهورها

جبهة النصرة وتحولات جمهورها

على مدار السنوات السابقة تم إبعاد السوريين عن دائرة صنع القرار وكانوا دائماً آخر من يُبلّغ، فاقتصر دورهم على التماهي مع الأحداث التي لا يعلمون عن خلفيتها إلا القليل.

من أمثلة هذا ”جبهة النصرة“ التنظيم المتطرف المرتبط ببيعة لتنظيم القاعدة الأم منذ نشأته نهاية عام ٢٠١١، ورغم أن النصرة لا تخفي هذا إلا أنها حظيت بحماس وتأييد العديد من السوريين ممن رؤوا فيها ”جيشاً حراً“ بينهم معارضون وناشطون وكتّاب وإعلاميون مشهورون على الساحة الإعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تنصل الجميع منها لاحقاً.

البعض لم يُنكر ارتباط ”جبهة النصرة“ بالقاعدة، إلا أنه اعتبر أن هناك جبهتي نصرة: واحدة تقاتل النظام وتقف إلى جانب الجيش الحر، وأخرى صنيعة النظام ترتبط بالقاعدة بغاية تشويه الجيش الحر.

خلال هذا أخذت أعداد المقاتلين السوريين تزداد تحت قيادة جبهة النصرة، فهي الأكثر تنظيماً وتدريباً من غيرها، كما أنها تملك المال والعتاد الأفضل مقارنة بالفصائل المعارضة، وإضافة لما تملكه اشترت النصرة الكثير من السلاح الخفيف والثقيل الذي غنمته الفصائل من معاركها مع النظام ومن السيطرة على مستودعاته بأسعار مغرية، كذلك كانت غرف الموك في تركيا والأردن بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، تراقب انتقال مضادات الدبابات والأسلحة النوعية من يد حلفائها من الفصائل المعارضة إلى جبهة النصرة. فما هو مصدر المال الذي تشتري به جبهة النصرة هذا الكم من السلاح؟

في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٢ صنّفت الإدارة الأمريكية ”جبهة النصرة“ على أنها جماعة إرهابية، وهو الأمر الذي لقي رفضاً من العديد من ممثلي المعارضة السورية وقادة الجيش الحر والمعارضين، تجسد هذا بخطبة رئيس الائتلاف السوري السابق الشيخ معاذ الخطيب في نهاية ٢٠١٢ في مراكش أثناء اجتماع أصدقاء الشعب السوري، حين دافع عن جبهة النصرة وقال ”إن القرار باعتبار إحدى الجهات التي تقاتل النظام جهة إرهابية تلزم اعادة النظر فيه“ مضيفاً “قد نختلف مع بعض الجهات في أفكارها ورؤيتها السياسية والفكرية، ولكننا نؤكد أنّ كل بنادق الثوار هدفها إسقاط نظام طاغوتي مجرم.” وكذلك أخرجت جماعة الإخوان المسلمين بياناً تقول فيه ”إننا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية نرى في إقدام بعض الدول على تصنيف قوى ثورية على الأرض السورية في عداد المنظمات الإرهابية إجراء متعجلاً وخاطئاً ومستنكَراً، وهو مناقض لدعم مشروع الحرية والكرامة الانسانية“ هذا أيضا كان رأي رئيس المجلس العسكري في مدينة حلب العقيد عبد الجبار عكيدي ورئيس هيئة أركان الجيش الحر سابقاً اللواء سليم إدريس، و رئيس المجلس الوطني السوري ونائب رئيس الإئتلاف  الوطني سابقاً جورج صبرة، الذي استغرب إدراج الولايات المتحدة “جبهة النصرة” على لائحة الإرهاب، مشدداً على أن “الشعب السوري يعتبرها جزءاً من الثورة.”

وامتازت معارك جبهة النصرة ضد النظام السوري بالقوة والتأثير، كما رحبت شريحة من المعارضة بعملياتها الانتحارية ضد جيش النظام والميليشيا التابعة له وسط الأحياء السكنية. وسعت ”جبهة النصرة“ إلى إرضاء داعميها، فإعلامها وممارساتها تُزكّي الطائفية وتُرسّخ لها، كاختطاف راهبات معلولا في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٣، واختطاف نساء وأطفال من الطائفة العلوية من قرى الساحل السوري بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية في آب/أغسطس ٢٠١٣، وكذلك اضطهادها لأهالي من الطائفة الدرزية في قرى جبل السماق في محافظة إدلب، بعد سيطرتها على المنطقة في ٢٠١٣.

كذلك حاولت النصرة تهديد أمن لبنان وزعزعة استقراره الهش بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية، كحادثة اختطاف عناصر من الأمن اللبناني في منطقة عرسال الحدودية، وقاتلت أيضاً وحدات حماية الشعب الكردي في رأس العين وعين العرب وتل أبيض، قبل أن تخرجها الأخيرة من هناك في نهاية ٢٠١٣. ورغم هذا بقيت النصرة رأس حربة في المعارك التي كانت تدعمها وترسمها غرف الموك، عبر وسيط ممثَّل في تلك الغرف، فلقد قاتلت مع فصائل الجيش الحر قبل أن تستولي على مستودعاته في بلدة ”بابسقا“ قرب باب الهوى صيف ٢٠١٣، وقاتلت إلى جانب ”جبهة ثوار سوريا“ قبل أن تبتلعها في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٤، وقاتلت مع ”حركة حزم“ قبل أن تنهيها أيضاً في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٣. الفصيل الوحيد الذي ربما تنبه لخطرها عليه، هو “جيش الإسلام”، إذ واجهها في الغوطة الشرقية وقتل وأسر العديد من عناصرها وقادتها في أبريل/نيسان ٢٠١٧، وكاد أن يقتلعها نهائياً لولا تدخل “فيلق الرحمن” لإنقاذ ما تبقى منها.

أشارت أصابع الاتهام لدولة قطر التي كانت ترعى العديد من الفصائل الإسلامية في سوريا، وكانت غالباً الطرف الوسيط في عمليات تبادل الأسرى أو دفع الفدية التي كانت تجريها الجهات المختلفة مع جبهة النصرة. ومن جهة أخرى، كان تعاون جبهة النصرة مع تنظيم ”الدولة الإسلامية في العراق والشام“ واضحاً في الكثير من العمليات المشتركة ضد الجيش السوري، ولم يُسجّل أي خلاف بينهما حتى قام تنظيم الدولة بالسيطرة على مدينة الرقة السورية بعد خروج جبهة النصرة منها، وأعلن عن قيام دولة خلافته في العراق وسوريا في حزيران/يونيو ٢٠١٤.

ويبدو واضحاً أن خلاف ”جبهة النصرة“ مع ”داعش“ هو شرعي وتنظيمي بحت، فكلا التنظيمين تابعين لتنظيم القاعدة الأم، ويرتبطان ببيعة لزعيمه أيمن الظواهري، وحين نصّب ”أبو بكر البغدادي“ نفسه خليفة للمسلمين دون الرجوع والتشاور مع قادة تنظيم القاعدة، كان بذلك قد ارتكب مخالفة شرعية في عرف التنظيمات الإسلامية الجهادية، كما أنها تعمل على شق الصف، لأن تنصيب خليفة للمسلمين في أي مكان ما بالعالم، يستوجب مبايعته وطاعته، ويحرّم تنصيب خليفة آخر. كما أن الخلافة لم تكن في سلم الأولويات لدى تنظيم القاعدة، وبالتالي كانت رسالة الظواهري حاسمة عندما قال “لا نعترف بهذه الخلافة ولا نراها خلافة على منهاج النبوة، بل هي إمارة استيلاء بلا شورى، ولا يلزم المسلمين مبايعتها، ولا نرى أبا بكر البغدادي أهلا للخلافة.“ وبذلك بدأت الخلافات والمعارك في سوريا بين جبهة النصرة، التي بقي قائدها ”أبو محمد الجولاني“ على بيعته للظواهري ضد تنظيم الدولة الإسلامية التي بدأت بتثبيت حدود مناطق سيطرتها بعد تركيزها على مناطق استخراج النفط والغاز.

كذلك انسحب الخلاف السعودي – القطري، الذي بدأ بعد الانتفاضة على حكم مرسي وانقلاب السيسي في مصر في تموز/يوليو ٢٠١٣، إلى الداخل السوري لينعكس على علاقات الفصائل المدعومة من كلا الطرفين، فبدأت جبهة النصرة تفقد بريقها لدى جمهور المعارضة وناشطيها، وخاصة بعد قضائها على العديد من فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، مما أعطى النظام السوري فرصة لاستعادة السيطرة على بعض المناطق والتمدد في ريف المحافظة. إلا أن شعبية النصرة كجزء من الثورة عادت من جديد عندما قامت بتشكيل ”جيش الفتح“ في آذار/مارس ٢٠١٥ بالتعاون عدة فصائل إسلامية في محافظة إدلب وشمال سوريا، وبدأت عملياتها مباشرة ضد الجيش السوري والميليشيا التابعة له، فاستطاعت خلال فترة وجيزة السيطرة على مدينة إدلب وجسر الشغور والعديد من قرى ومناطق المحافظة، إضافة إلى مناطق وأرياف محافظتي حماه وحلب.

لم يستمر هذا طويلاً، إذ تلت سيطرة النصرة على هذه المناطق نشرها للافتات تصف فيها ”العلمانية بالكفر، والديمقراطية بالشرك“ وبدأت رحلة جديدة من الخلاف والاقتتال بعد أن اختلف أصحاب الكلمة والرأي لدى الفصائل، وعادت جبهة النصرة إلى خانة الاتهام من قبل المهللين لها، على الرغم من محاولات قطر والإخوان المسلمين تلميع صورتها وحثها لفك بيعتها مع تنظيم القاعدة وتغيير اسمها. ورغم أن هذا تمّ لاحقاً فتحولت جبهة النصرة لهيئة تحرير الشام إلا أن التنظيم بقي مُدرجاً على قائمة الإرهاب لدى مجلس الأمن والدول الكبرى.

في نهاية عام ٢٠١٧ صرح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف ”إنّ المهمة الرئيسية في سوريا لعام ٢٠١٨ هي تدمير مسلحي جبهة النصرة الإرهابية، الذين يتواجد بعضهم في مناطق خفض التصعيد،“ وهكذا مع خروج أغلب الدول اللاعبة في المقتلة السورية، استطاعت روسيا أن تُغيّر معادلة اللعب لصالحها وصالح حلفائها، حيث أفضى التنسيق الروسي – التركي – الإيراني من جهة والتنسيق الروسي – الأمريكي من جهة ثانية إلى انتزاع مناطق سيطرة المعارضة وعودتها إلى سيطرة النظام في الغوطة الشرقية وجبال القلمون الشرقي، وجنوب دمشق ومخيم اليرموك، ثم شمال محافظة حمص، وفي درعا والجنوب السوري، لينتهي بضغط تركي – إيراني مشترك لعقد اتفاق تثبيت مناطق الهدنة في إدلب ومحيطها، والالتفات نحو شرق الفرات حيث الإدارة الذاتية للأكراد، التي “تهدد الأمن القومي التركي” بحسب تركيا، والتواجد الأمريكي الذي يهدد إيران وتسلّلها إلى المنطقة بحسب إيران.

حالياً، وضعت تركيا جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) على قائمة الإرهاب لديها، وعملت على دمج كافة الفصائل الموجودة في محافظة إدلب تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”، داعية النصرة لحل ذاتها والانخراط في التجمّع الجديد، إلا أن النصرة لا زالت على وضعها، تتمسك بمناطقها وبسلاحها وبحكومة إنقاذها، دون وجود أي ضغط لتجفيف منابع مواردها، وهذا يجعلنا في تساؤل، من له المصلحة في الحفاظ على تنظيم ”جبهة النصرة“؟ وما هي الغاية الحقيقية للحفاظ عليها؟

ويبقى مصير محافظة إدلب معلّقاً بالاتفاق غير المعلن بين روسيا وتركيا، وتبقى أحلام الثورة التي يعمل على تحقيقها وتثبيتها المجتمع المحلي مهددة من بطش وملاحقة المتطرفين في جبهة النصرة وأخواتها، وما كان اغتيال الناشِطَين رائد الفارس وحمود جنيد في معرة النعمان خلال الأسبوع الفائت، إلا حلقة جديدة من مسلسل التشدد والتخلف الذي تفرضه تلك الفئة على الكلمة الحرة وعلى التنمية بكافة أشكالها. وبالتالي، فإن كان النظام وأدواته الأمنية يمنعون تحقيق ذلك في مناطق السيطرة الحكومية، فإنّ جبهة النصرة وأتباعها يمنعون تحقيق ذلك في المناطق الخارجة عن سيطرته.

إعادة الإعمار في سوريا: تفاهمات أمريكية روسية إيرانية

إعادة الإعمار في سوريا: تفاهمات أمريكية روسية إيرانية

لم يعد الجدل القائم في الساحة السورية حول من سيحسم الصراع لصالحه، النظام أم الفصائل المعارضِة، فقد انتهت معركتا الغوطة الشرقية ومخيم اليرموك بين نيسان/أبريل وأيار/مايو من هذا العام، وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بخروج الفصائل المسلحة باتجاه الشمال، تلا هذا حسم معركة درعا لصالح النظام. خلفت هذه المعارك دماراً هائلا مع ما سبقها في حلب وحمص ودير الزور، وضربات التحالف لمدينة الرقة، وقد طال هذا الدمار ما يقارب ثلث المباني المنزلية، كما أوردت مذكرة مكتب مفوضية الأمم المتحدة  لحقوق الإنسان، إذ قدر تقرير منظمة “الإسكوا” لهذا العام كلفة إعادة الإعمار بما يزيد عن ٣٨٨ مليار دولار. بيد أن دراسة أخرى  للباحث الاقتصادي عمار يوسف أصدرها عام ٢٠١٧، قدرت خسائر سوريا بترليون و١٧٠ مليار دولار، آخذاً بالحسبان حجم الدمار وكلفة إعادة بنائه، وخسائر القطاعات المصرفية والصناعية والزراعية والصحية.

وبينما تنعقد المنتديات والدعوات لإعادة إعمار سوريا في روسيا وغيرها، وتبدي العديد من الشركات العربية والأجنبية استعدادها للمشاركة في العملية، إلا أنه ما من ترجمة فعلية لهذا حتى الآن. فأعمال الترميم الجارية فردية لمواطنين تضررت منازلهم بشكل جزئي، كما يحدث في بلدة عين ترما في الغوطة الشرقية، حيث منزل أبو فيصل، الذي اضُطر إلى تركه منذ عام ٢٠١٢  واستئجار منزل يسكنه في حي الميدان الدمشقي، ليعود إليه اليوم ويرممه، كما موّل مكتب الأمم المتحدة الإنمائي بعض عمليات إعادة الإعمار كمشروع تأهيل أسواق حمص القديمة.

خلاف روسي أمريكي

يُعتبر ملف إعادة الإعمار من أكثر الملفات تعقيداً، بعد انحسار المعارك بنسبة كبيرة فوق الأراضي السورية، “فهو مرتبط بالحل السياسي القائم على تفاهمات روسية أمريكية تركية، وعلى الوجود الإيراني في سوريا”، بحسب تصريح المحلل السياسي عبد المسيح الشامي. وعلى الرغم من أن الحديث عن تفاهمات روسية أمريكية بشأن عملية إعادة الإعمار في سوريا قد يكون سابقاً لأوانه، نظراً لأن أمريكا امتنعت عن المشاركة في تمويل هذا الملف.

إلا أن الخلافات الروسية الأمريكية تبدو عميقة من أجل التوصل إلى تفاهم بشأن الوضع السوري، فأمريكا كما أوضحت نيكي هايلي -سفيرتها السابقة لدى الأمم المتحدة- “لن تنظر بعين الاعتبار إلى مناشدات بوتين لها لتساهم في إعادة الإعمار، ما لم ترى نتائج ملموسة لعملية سياسية حقيقية تنهي الحرب وتوفر الحرية للشعب السوري”، و خاصة وأن الحسم في إدلب لم يتحدد شكله بعد، في ظل تبادل الاتهامات بين روسيا وأمريكا، حول الضربات الجوية التي تصيب الكثير من المدنيين هناك. فبينما تصر روسيا والنظام السوري على حسم الوضع في إدلب وإعادتها إلى السيطرة، يؤكد الدكتور اسكندر كفوري الخبير بالشأن الروسي، أن هذا الحسم “يُفقد أمريكا آخر الاحتمالات في الرهان على الجماعات المسلحة، التي تشكل أداة ضغط لها من أجل تحقيق أهدافها العسكرية والاقتصادية في سوريا، وبخسارتها هذه تصبح حلول عملية إعادة الإعمار وشيكة”.

ولا تتوانى روسيا عن الضغط على أمريكا بعد فشل مساعيها المباشرة معها، من خلال إقناع الدول الأوروبية بالتخلي عن دعم الرئيس ترامب، والتحول إلى  المساعدة في تمويل إعادة الإعمار، ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عبّر ناومكين -أحد كبار المساعدين الروس في السياسة السورية- عن رغبة روسيا بتغيير الوجهة الأوروبية بقوله: “لا أعتقد أنه على أوروبا أن تنحني دائماً لواشنطن.” وتوضح تَوَجُه بوتين نحو أوروبا من خلال لقائه بنظيرته الألمانية أنجيلا ميركل في آب/أغسطس الماضي، وأكدت ميركل أن مشاركة ألمانيا بتمويل إعادة الإعمار مشروط بحل سياسي يؤدي إلى انتخابات سورية حرة.

ولم تتوضح بعد قدرة روسيا على إقناع الدول الأوروبية بالمساهمة في التمويل، فهذه الدول برأي الدكتور اسكندر “تأتمر من الإدارة الأمريكية، وإقناعها يتوقف على ما ستحققه روسيا من تقدم عسكري في الميدان السوري”.

هيمنة روسية إيرانية

لا تنطبق استراتيجات إعادة الإعمار نفسها على كل المناطق السورية، فبعضها سيحظى باتفاقيات خاصة، من ناحية الجهات المُمَوِلة والمُستَثمِرة، والإطار العام الذي سيحدد هيكلية إعادة الإعمار. ففي الرقة مثلا، أدى التواجد الكردي الأمريكي فيها لخروجها من دائرة الاستثمارات الروسية الإيرانية، مما أثار حماسة السعودية التي قدمت مبلغ ١٠٠ مليون دولار لصالح مشاريع إعادة الإعمار شمال شرق سوريا، جاء هذا بعد تغريدة للرئيس ترامب يطالب فيها السعودية والدول الغنية في الشرق الأوسط بالبدء بتسديد الدفعات المالية بدلاً من أمريكا.

ويشكل مخيم اليرموك -وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين- تمثيلاً آخر، فالتركيبة السكانية والسياسية للمخيم الواقع في دمشق تفرض حلولاً مختلفة لإعادة الإعمار عن بقية المناطق المدمرة في سوريا. في تشرين الثاني/نوفمبر أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على عودة سكان مخيم اليرموك، “المدمر بنسبة ٦٠% بين دمار جزئي وكلي”، حسب تصريح بسام رجا الكاتب والإعلامي الفلسطيني، مضيفاً أن رأس المال الفلسطيني سيتولى جزءاً من إعادة الإعمار، بدءاً من سُلطة الرئيس أبو مازن التي أرسلت مبلغ مليوني دولار لترميم مقبرة الشهداء، والمساهمة ببعض الإصلاحات داخل المخيم، كما أن وكالة الغوث الفلسطينية ستعمل على ترميم المستشفيات والمدارس المدمرة.

وتتصدر إيران وروسيا قائمة المستثمرين لمختلف المشاريع، وهذا ما أوضحه سابقاً الرئيس السوري ووزير الخارجية وليد المعلم، مشيرين إلى أن “الشركات الروسية والإيرانية سيكون لها الأولوية في إعادة الإعمار.” وحصلت إيران على رخصة لإنشاء شبكة اتصالات، ووقِعَت الاتفاقيات السورية الإيرانية المشتركة في مجالات النقل والمصارف والجمارك وإعادة الإعمار، كما أُعلن في بداية العام بأن روسيا ستتولى إعادة تأهيل وتركيب محطات الكهرباء الخارجة عن الخدمة، كذلك مُنحت روسيا العديد من عقود استثمار النفط والغاز في سوريا.

وقد لا تكتفي روسيا وإيران بحصولهما على النصيب الأكبر من الاستثمارات في سوريا، “بل ستكون لهما سلطة على ما تبقى من مشاريع” برأي عبد المسيح الشامي، فمن خلالهما ستُحدد هوية الدول والشركات الأخرى التي ستتمكن من توقيع الاتفاقيات في سوريا. وفي حين أن مصلحة روسيا تكون في التوصل إلى استقرار الأوضاع في سوريا، والدخول في الاستثمارات السريعة كي تُترجم على شكل اتفاقيات سياسية مع الغرب، تكمن الرؤية الإيرانية في عدم الإسراع بعملية الإعمار، وإطالة الحرب ضماناً لاستمرار وجودها، فسوريا تشكل منطقة الاشتباك الأهم لها، لتمرير صراعاتها مع الغرب.

سوريا في أسبوع، ٣ كانون الأول

سوريا في أسبوع، ٣ كانون الأول

طفلان يحترقان
٣ كانون الأول/ديسمبر

توفي لاجئان سوريان أحدهما طفل، فجر الإثنين جراء حريق نشبّ في مخيمهم في بلدة اليمونة في شرق لبنان، وفق ما قال نائب رئيس البلدية حسين شريف لوكالة فرانس برس. وقال شريف إن الحريق الذي اندلع فجراً أسفر عن “احتراق ٢٣ خيمة من أصل نحو ٧٠ موجودة في المخيم، كما توفي رجل في الـ٤٦ من العمر، وطفل عمره سبع أو ثماني سنوات.”

وأشار شريف إلى أن أسباب الحريق ليست واضحة حتى الآن. وقال “يبدو أن أحدهم ترك نيران المدفئة شاعلة ليلاً أو قد يكون ماساً كهربائياً”، موضحاً أن “انفجار برميل مازوت في أحد الخيم كان السبب وراء انتشار الحريق.” وتوجهت القوى الأمنية إلى المكان كما أرسلت الأمم المتحدة فريقاً إلى المخيم، وفق شريف.

وروى أحد اللاجئين لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه “عند الساعة الثالثة فجراً، سمعنا أصوات صراخ وإذ بنا نجد النيران (تلتهم المخيم) ونحن غير قادرين على إطفائها.” وأظهرت صور  خيماً وقد تحولت إلى رماد ولم يبق منها سوى أعمدة. وفي إحدى الصور، بدت طفلة وهي تبحث بين كومة من الثياب المحترقة، وفي أخرى وقف شبان عاجزين ينظرون إلى الخراب من حولهم. وتولت فرق إطفاء الدفاع المدني، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، “إخماد النيران وسط صعوبة في الرؤية بسبب الضباب الكثيف والدخان.”

وتعرضت مخيمات للاجئين السوريين مرات عدة لحرائق خلال السنوات الماضية. ويقدر لبنان راهناً وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري على أراضيه، بينما تفيد بيانات مفوضية شؤون اللاجئين عن وجود أقل من مليون. ويعيش اللاجئون وسط ظروف صعبة بعضهم في مخيمات عشوائية ويعتمد قسم كبير منهم على مساعدات تقدمها منظمات إنسانية. وتتعرض تلك المخيمات، خصوصاً الواقعة في منطقة البقاع في شرق البلاد، لمداهمات أمنية بين الحين والآخر.

وأوقف الجيش اللبناني الأسبوع الماضي إثر مداهمة لمخيمات في بلدة عرسال نحو ٤٠٠ لاجئ سوري بينهم ٣٠٠ بسبب انتهاء صلاحية أوراق إقامتهم فضلاً عن أكثر من ٣٠ مطلوباً بموجب مذكرات توقيف.

ومنذ مطلع العام الحالي، ينظم الأمن العام اللبناني على دفعات، عودة جماعية للاجئين السوريين بالتعاون مع دمشق، عاد بموجبها نحو ثمانية آلاف لاجئ، وفق إحصاء استناداً الى بيانات الأمن العام، الى مناطق سورية توقفت فيها المعارك.

ويتحدث الأمن العام بدوره عن عودة عشرات الآلاف الى سوريا، إن عبر رحلات منسقة مع دمشق أو بمبادرة شخصية منهم. ويعفي الأمن العام مخالفي شروط الاقامة من السوريين من الغرامات في حال اتخاذهم قرارا بالعودة الى سوريا.

قتل وقصف
٣ كانون الأول/ديسمبر

أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مقتل جهادي بارز في تنظيم “داعش” الأحد بضربات نفذها في البادية السورية، وكان ضالعاً في عملية إعدام العامل الانساني الأميركي بيتر كاسيغ قبل سنوات.

وقال المتحدّث باسم التحالف الدولي الكولونيل شون راين في رسالة إلكترونية “نفّذت قوات التحالف ضربات دقيقة ضد عنصر بارز من تنظيم الدولة الاسلامية، أبو العمرين (…) ضالع في قتل كاسيغ” الذي خطف في سوريا في ٢٠١٣ وبث التنظيم الجهادي شريط فيديو لإعدامه في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٤. وأكد راين أن الجهادي “قتل”.

واستهدفت الضربات ذاتها وفق راين، عناصر آخرين من التنظيم الجهادي الى جانب أبو العمرين الذي كان “مرتبطاً ومشاركاً بشكل مباشر في إعدام العديد من السجناء” لدى التنظيم.

وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها التحالف الدولي قتل جهادي له علاقة بإعدام كاسيغ منذ بدء تدخله الجوي ضد الجهاديين في سوريا والعراق في العام 2014. ولم يذكر المتحدث أي تفاصيل عن دور هذا الجهادي في عملية إعدام كاسيغ.

وكان التنظيم المتطرّف نشر في ١٧ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٤ شريط فيديو ظهر فيه رجل ملثّم يرتدي ملابس سوداء، وهو يدل على رأس رجل ملقى عند قدميه، ويقول باللغة الإنكليزية “هذا هو بيتر إدوارد كاسيغ المواطن الأميركي.”

وبيتر كاسيغ جندي أميركي سابق قاتل في العراق، لكنّه ترك الجيش وقرّر تكريس حياته للعمل التطوّعي، فعمل في مستشفيات وعيادات في لبنان وتركيا تستقبل السوريين الذين فروا من بلادهم، بالاضافة إلى عمله في مناطق منكوبة في سوريا.

ويقول أصدقاء كاسيغ إنّه اعتنق الإسلام واتّخذ لنفسه اسم عبد الرحمن. وخطف في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٣ بينما كان في مهمّة لنقل مساعدات إنسانية الى سوريا. قبل إعلان التحالف قتل الجهادي البارز، اتهمته دمشق بشن ضربات صاروخية ضد مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري في البادية في ريف حمص (وسط) الشرقي.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري أنّ “قوات التحالف الأميركية أطلقت حوالى الساعة الثامنة ليلاً صواريخ عدة باتجاه بعض مواقع تشكيلاتنا في جبل الغراب جنوب السخنة”، الواقعة في ريف حمص الشرقي.

من جهته أوضح مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن أن قوات التحالف المتمركزة في قاعدة التنف على الحدود مع العراق أطلقت “أكثر من ١٤ صاروخاً” على رتل لقوات النظام أثناء مروره في البادية في أقصى ريف حمص الشرقي.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن “الرتل كان تائهاً وسط الصحراء على بعد نحو ٣٥ كيلومتراً من قاعدة التنف”، حيث تتمركز قوات أميركية وبريطانية بشكل خاص.

ونفى المتحدث باسم التحالف الدولي داً على سؤال لفرانس برس استهداف مواقع عسكرية للجيش السوري ووصف تلك التقارير بـ”الخاطئة”، مؤكداً أن أن الضربات التي وجهها في البادية استهدفت الجهادي المتورط في إعدام كاسيغ. وشنّ التحالف الدولي ضربات عدة سابقاً ضد قوات النظام في محيط منطقة التنف في البادية السورية وفي محافظة دير الزور شرقاً.

على مر السنوات الماضية، قتل التحالف الدولي مئات العناصر من تنظيم “داعش” بينهم قادة مثل المتحدث السابق باسم التنظيم أبو محمد العدناني في العام ٢٠١٦، فضلاً عن آخرين بارزين متورطين في تنفيذ اعتداءات في الخارج مثل صلاح قرماط وسامي جدو.

وتسببت غارة للتحالف في العام ٢٠١٥ بمقتل محمد أموازي الجهادي البريطاني المعروف بـ”الجهادي جون”، والذي يُعتقد أنه كان يرأس خلية الإعدامات في تنظيم “داعش” والمعروفة بـ”البيتلز” والمسؤولة عن قطع رؤوس رهائن عدة خصوصاً أجانب بينهم الصحفيان الأمريكيان جيمس فولاي وستيفن سوتلوف. كما ألقت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف، القبض على آلاف الجهاديين بينهم مئات الجهاديين الأجانب. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، اعتقلت تلك القوات كل من الكسندا كوتي والشافعي الشيخ، جهاديان بريطانيان انتميا الى مجموعة “البيتلز”.

ومنذ العام ٢٠١٤، يوجّه التحالف ضربات تستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، حيث تقلّصت مساحة سيطرة التنظيم الجهادي إلى مناطق محدودة في البادية السورية، أبرزها في ريف حمص الشرقي وفي محافظة دير الزور شرقاً. ويستهدف التحالف الدولي يومياً بغارات عنيفة الجيب الأخير الواقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في ريف دير الزور الشرقي قرب الحدود العراقية، حيث تخوض قوات سوريا الديموقراطية منذ نحو ثلاثة أشهر معارك لطرد الجهاديين. وتخوض قوات النظام معارك ضد تنظيم الدولة الاسلامية الذي ينتشر في جيوب في الصحراء المترامية في ريف حمص الشرقي. لكن يبدو أن  حسم المعركة ضد الجهاديين في سوريا سيتطلب وقتاً لأسباب عدة، بحسب محللين، أبرزها تمرس الجهاديين في القتال واستماتتهم في الدفاع عن آخر معاقلهم بعد انحسار نفوذهم، واختبائهم في مواقع صحراوية يصعب استهدافها.

شمعة لأطفال سوريا
٢ كانون الأول/ديسمبر

الفاتيكان، (أ ف ب) -أضاء البابا فرنسيس الأحد شمعة في الفاتيكان على نية الأطفال ضحايا النزاعات في العالم وخصوصا في سوريا. وقال البابا “فترة ما قبل الميلاد هي فترة أمل. وأملي اليوم هو السلام لأطفال سوريا التي تشهد حربا مستمرة منذ ثماني سنوات.” وأضاف “أضيء هذه الشمعة كالعديد من الأولاد السوريين والمؤمنين في العالم أجمع.” وتابع “لتبدد نيران الأمل ظلال الحروب!” و”شموع للسلام في سوريا” مبادرة لمناسبة الميلاد أطلقتها المنظمة الخيرية الكاثوليكية العالمية “مساعدة لكنيسة في محنة.”

وقام حرفي من حي باب توما في دمشق بتزيين الشمعة الكبيرة وهي تحمل صور أربعين طفلا معظمهم يتحدرون من حلب. وأوقعت الحرب في سوريا أكثر من ٣٦٠ ألف قتيل وتسببت بتهجير الملايين. ويحتاج أكثر من ١٣ مليون سوري لمساعدة إنسانية.

قصف اسرائيلي مجددا
٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر

أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن طائرات إسرائيلية شنّت مساء الخميس غارات على أهداف في ريف دمشق وأخرى في جنوب سوريا، مشيراً إلى أنّ الدفاعات الجوية السورية أطلقت نيرانها بكثافة على الطائرات المغيرة.

وقال المرصد إن “القوات الإسرائيلية تستهدف بشكل مستمر منذ نحو ساعة مناطق في القطاع الجنوبي والقطاع الجنوبي الغربي من ريف العاصمة دمشق ومناطق على الحدود الإدارية مع ريف القنيطرة، كما شوهدت الدفاعات الجوية تطلق صواريخها بكثافة” في سماء المنطقة.

وقالت مصادر اسرائيلية بان القصف وهو الأول منذ تسلم سوريا صواريخ “اس 300” استهدف “مواقع ايرانية”. وقالت دمشق انها قصفت باتجاه “الاهداف المعادية”. ولم يذكر الاعلام الرسمي السوري بداية إسرائيل، مكتفياً بوصف الهجوم الذي استمر نحو ساعة كاملة، بـ”المعادي”، مؤكدا إفشاله.

إلا أن وزارة الخارجية السورية وفي رسالة إلى مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة دانت الجمعة “العدوان الإسرائيلي” على منطقة الكسوة جنوب دمشق. وهي الضربة “الإسرائيلية” الأولى في سوريا منذ حادثة إسقاط الدفاعات الجوية السورية بالخطأ في معرض ردها على صواريخ إسرائيلية في ١٧ أيلول/سبتمبر، طائرة حربية روسية.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إنّ القوات الإسرائيلية استهدفت “مستودعات أسلحة لحزب الله والقوات الإيرانية” في الكسوة، تُستخدم، على حد قوله، “لتخزين الصواريخ بشكل مؤقت.” وأضاف “يبدو أن الإسرائيليين كانت لديهم معلومات استخباراتية بأن أسلحة وصلت حديثاً إلى تلك المستودعات.” كما استهدف القصف منطقة حرفا “على الحدود الإدارية مع ريف القنيطرة” في جنوب البلاد، قال المرصد إن فيها قاعدة عسكرية للجيش السوري. وأشار الى أن “الدفاعات الجوية السورية شوهدت تطلق صواريخها بكثافة” ردا على القصف الإسرائيلي، وتمكنت من إسقاط صواريخ عدة لم تصل إلى أهدافها.

وكانت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) أفادت ليلاً نقلاً عن مصدر عسكري أنّ الدفاعات الجوية السورية تصدّت “لأهداف معادية فوق منطقة الكسوة” بريف دمشق و”أسقطتها”، من دون أن توضح طبيعة هذه الأهداف. وأشارت “سانا” إلى أن “العدوان (…) لم يستطع رغم كثافته تحقيق أي هدف من أهدافه”، و”تمّ التعامل مع جميع الأهداف المعادية وإسقاطها.”

وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن أياً من طائراته أو “أهدافه الجوية” لم تصب، من دون أن يعلق بالنفي أو الإيجاب على استهدافه مواقع في سوريا. وذكر البيان أن “المعلومات عن إصابة طائرة أو أي هدف جوي اسرائيلي كاذبة.” وأورد أن صاروخ أرض جو أطلق باتجاه منطقة غير مأهولة بالسكان من هضبة الجولان السورية، لكنه لم يوضح ما إذا كان سقط في الجزء الذي تحتله الدولة العبرية.

ولم تسفر الضربات، وفق تقارير أولية للمرصد السوري، عن أي خسائر بشرية.
واعتبرت وزارة الخارجية السورية أن “الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة” هي “دليل آخر على دعمها (إسرائيل) للمجموعات الإرهابية المسلحة ومحاولتها إطالة أمد الازمة في سوريا.”

ومنذ بدء النزاع في سوريا في 2011، قصفت اسرائيل مرارا أهدافاً عسكرية للجيش السوري أو أخرى لحزب الله ولمقاتلين إيرانيين في سوريا. ونادراً ما تعلق إسرائيل على استهدافها سوريا، إلا أنها أعلنت في أيلول/سبتمبر أنها شنت مئتي غارة في سوريا خلال ١٨ شهراً ضد أهداف غالبيتها إيرانية. واستهدف قصف إسرائيلي في أيار/مايو الماضي مستودع أسلحة للحرس الثوري الإيراني في منطقة الكسوة، كما قالت اسرائيل. كما استهدفت في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٧ مواقع عسكرية في المنطقة، بينها مستودع أسلحة.

ومساء الخميس كانت المرة الأولى التي تطلق فيها الدفاعات الجوية السورية نيرانها على أهداف جوية منذ ١٧ أيلول/سبتمبر حين أسقطت هذه الدفاعات عن طريق الخطأ طائرة عسكرية روسية إثر غارة إسرائيلية، في حادث أدّى إلى مقتل ١٥ عسكرياً روسياً.
يومها اتّهم الجيش الروسي الطيّارين الإسرائيليين باستخدام الطائرة الروسية غطاء للإفلات من نيران الدفاعات السورية، لكن إسرائيل نفت ذلك، مؤكدة أن الطائرة الروسية أصيبت بعد عودة طائراتها إلى الأجواء الإسرائيلية.

وأعلنت روسيا بعدها عن تدابير أمنية تهدف الى حماية جيشها في سوريا بينها تعزيز الدفاعات الجوية السورية عبر نشر بطاريات صواريخ أس-300 وتشويش اتصالات الطائرات القريبة منها.
وأعلنت موسكو في تشرين الأول/أكتوبر أنها سلمت هذه المنظومة إلى سوريا. لكن لم يُعرف ما إذا كان تم استخدامها في معرض الرد على هجوم مساء الخميس. وكانت دمشق اعتبرت أن تلك المنظومة ستجبر إسرائيل على القيام بـ”حسابات دقيقة” قبل تنفيذ ضربات جديدة ضدها.

وتكرّر إسرائيل أنها ستواصل تصديها لما وصفه رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو بمحاولات إيران الرامية لترسيخ وجودها العسكري في سوريا وإرسال أسلحة متطوّرة إلى حزب الله اللبناني.

ومنذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في العام ٢٠١٥، والذي ساهم بشكل كبير في استعادة القوات الحكومية لمناطق واسعة في البلاد وتحقيق انتصارات متتالية، أقامت موسكو مع إسرائيل آلية “منع الاحتكاك” تفاديا للصدام بين الطرفين.

وزراء جدد
٢٩ تشرين الثاني /نوفمبر

أدى اليمين الدستورية أمام الرئيس السوري  بشار الأسد الخميس، الوزراء الجدد في الحكومة.

والوزراء الجدد هم اللواء محمد خالد الرحمون وزير الداخلية والمهندس محمد رامي رضوان مرتيني وزير السياحة وعماد موفق العزب وزير التربية و بسام بشير ابراهيم وزيرا للتعليم العالي، والمهندس سهيل محمد عبد اللطيف وزير الأشغال العامة والإسكان والمهندس إياد محمد الخطيب وزير الاتصالات والتقنية والمهندس محمد معن زين العابدين جذبة وزير الصناعة، بحسب الوكالة العربية السورية للأنباء(سانا).

بعد ذلك ترأس الرئيس الأسد اجتماعا للحكومة بكامل أعضائها تحدث فيه عن أولويات العمل في المرحلة المقبلة ومحورها الأساسي هو مكافحة الفساد. كان  الرئيس السوري  قد اجرى في السادس والعشرين من الشهر الجاري  تعديلاً وزاريا شمل تسعة وزراء أبرزهم وزير الداخلية.

وحسب سانا، ألغى الأسد وزارة المصالحة التي تشكلت عام ٢٠١٢ واستحدث هيئة عامة ذات طابع إداري باسم “هيئة المصالحة الوطنية” مقرها مدينة دمشق، وترتبط برئيس مجلس الوزراء. ويعتبر هذا التعديل الثالث على حكومة رئيس الوزراء عماد خميس الذي عين رئيسا للحكومة في عام ٢٠١٦.

“فرصة ضائعة”
٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر

عبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا الخميس عن أسفه “لفرصة ضائعة” في جهود التوصل الى حل سياسي في سوريا مع اختتام محادثات استانا التي لم تحقق تقدما في اتجاه إنهاء النزاع في هذا البلد.

وانهى دي ميستورا الذي قدم استقالته الشهر الماضي، مهامه كمبعوث خاص لجهود السلام بيومين من المحادثات في عاصمة كازاخستان بمشاركة روسيا وإيران الداعمتين للنظام السوري، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة.

وقال دي ميستورا في بيان نشره مكتبه “لم يكن هناك أي تقدم ملموس في التغلب على المأزق الذي دام عشرة أشهر حول تشكيل اللجنة الدستورية.” وأضاف “كانت هذه هي المناسبة الأخيرة لاجتماع أستانا في عام ٢٠١٨ ، ولكنه للأسف، كان بالنسبة للشعب السوري فرصة ضائعة للإسراع في إنشاء لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة، تمتلكها وتقودها سوريا وتيسرها الأمم المتحدة.”

واختتمت المحادثات التي استمرت يومين الخميس وكانت الجولة ال١١ منذ بدء موسكو جهودها الدبلوماسية مطلع العام ٢٠١٧ والتي طغت على مسار المحادثات التي كانت تشرف عليها الامم المتحدة.

وقد رسخ مسار استانا دور موسكو المهم بعد أن أتاح تدخلها العسكري في خريف ٢٠١٥ تغيير المعطيات الميدانية لصالح النظام السوري. يغادر دي ميستورا منصبه في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر بعد أكثر من أربع سنوات من الوساطة غير المثمرة.

وهدف اللجنة الدستورية صياغة دستور جديد لسوريا، لكن دمشق تعارض التشكيلة التي عرضتها الأمم المتحدة. وقال المفاوض الروسي الكسندر لافرينتييف بعد المحادثات إن اللجنة تكتسي “أهمية كبرى.” وأضاف “أود أن أقول إننا قريبون من هدفنا المرجو” بدون تحديد أي موعد.

بدأت المحادثات الاربعاء وتناولت بشكل خاص اتفاق الهدنة في إدلب، آخر معاقل الفصائل المعارضة والجهادية في سوريا، التي بات مصيرها مهددا بعد هجوم كيميائي مفترض في حلب السبت دفع روسيا الى شن غارات على المنطقة العازلة قرب المحافظة. وأتت الغارات الجوية الأحد غداة إصابة أكثر من مئة شخص بحالات اختناق في حلب، الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، إثر تعرض المدينة لقصف بـ”غازات سامة”، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي السوري.

واتهمت روسيا، حليفة دمشق، “مجموعات إرهابية” في المنطقة المنزوعة السلاح باستخدام أسلحة كيميائية تحتوي على غاز الكلور في قصف مدينة حلب. وتوصّلت روسيا وتركيا قبل نحو شهرين إلى اتّفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومحيطها بعمق يتراوح بين ١٥ و٢٠ كيلومتراً، بعدما لوّحت دمشق على مدى أسابيع بشنّ عملية عسكرية واسعة في المنطقة، التي تُعدّ آخر معقل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا.

وتقع المنطقة المنزوعة السلاح على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل المعارضة والجهادية، ومن المفترض أن تشمل جزءاً من محافظة إدلب مع مناطق في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي.

وجاء الاتفاق الروسي-التركي بعد استعادة قوات النظام خلال الأعوام الثلاثة الماضية أكثر من ثلثي مساحة البلاد بفعل الدعم الروسي. ولا تزال هناك منطقتان كبيرتان خارجتين عن سيطرتها: إدلب ومحيطها حيث النفوذ التركي، ومناطق سيطرة الأكراد المدعومين أميركياً في شمال شرق البلاد.

أدت محادثات استانا الى إبقاء الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على مسافة من المساعي المتعلقة بسوريا. وأثار بيان مشترك اتفقت عليه الدول الراعية الثلاث للمحادثات، مسألة استمرار الوجود العسكري الاميركي في سوريا. وقال إن الدول الراعية “ترفض كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.”

وفي وقت سابق هذا الأسبوع، اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الولايات المتحدة باستخدام وجود تنظيم الدولة الاسلامية في جنوب سوريا ذريعة لابقاء قواتها منتشرة هناك.

وكانت الولايات المتحدة حضرت جولات سابقة في أستانا بصفة مراقب لكن الموفد الخاص إلى سوريا جيمس جيفري استبعد اعتبارا من الأسبوع الماضي مشاركة واشنطن في هذه الجولة. ومن المرتقب أن تنظم جولة جديدة من المحادثات حول سوريا في أستانا في مطلع شباط/فبراير بحسب البيان المشترك.

وتشهد سوريا منذ العام ٢٠١١ نزاعاً مدمّراً تسبّب بمقتل أكثر من٣٦٠ ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

“واقع جديد”؟
٣ كانون الأول/ديسمبر

جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتهام واشنطن بالعمل بشكل متعمد لـ”اقامة واقع جديد في مناطق شرق الفرات” ووصف تصرفات الولايات المتحدة في بأنها تنتهك بشكل سافر مبدأ وحدة الأراضي السورية.

وحمل لافروف في حديث صحافي على السياسة الغربية في سوريا ووصفها بأنها “لا تمتلك استراتيجية خلافا للنهج التي تسير عليه موسكو.”  وزاد أن “الحقيقة التي تزداد وضوحا مع مرور الزمن، أن ما يحدث على الضفة الشرقية لنهر الفرات أمر غير مقبول وله تأثيرات سلبية جدا.”

وأوضح لافروف أن الولايات المتحدة تحاول أن تنشئ في هذه المناطق “مؤسسات حكومية بديلة” وخصصت مئات الملايين من الدولارات لإعادة إعمار هذه المناطق، لكنها في الوقت نفسه ترفض إعادة إعمار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، واصفا ما يجري شرق الفرات بأنه “انتهاك سافر لمبدأ وحدة أراضي سوريا، الذي أعلنت كل الاطراف تمسكها به والذي أكده قرار مجلس الأمن الدولي.”

واشار لافروف إلى أن “أحد عناصر السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في سوريا هو اللعب بالورقة الكردية.” محذرا من أن هذه “لعبة خطرة جدا، نظرا لحساسية المسألة الكردية بالنسبة لعدد من دول المنطقة، أي ليس بالنسبة الى سوريا فقط، بل وبالنسبة لكل من العراق، وإيران، وتركيا.” وذكر الوزير أن الرئيسين الروسي والتركي، فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، بحثا هذا الموضوع في اليوم الثاني من أعمال قمة “العشرين”، وأكدا تمسكهما بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب. وزاد أن “المسلحين المتطرفين هناك لم ينفذوا بعد طلب الانسحاب إلى ما وراء الشريط المنزوع السلاح بمسافة ٢٠ كيلومترا، على الرغم من جهود أنقرة في هذا المسار.”

وأكد الوزير أن بوتين وأردوغان اتفقا على اتخاذ خطوات لاحقة لضمان تنفيذ الاتفاق حول إقامة هذا الشريط، وإجراءات كفيلة بإفشال محاولات المتطرفين تقويضه. وشدد لافروف على أن معظم الدول باتت تقر بأن اللجنة الدستورية السورية التي يتم تشكيلها حاليا بمبادرة من “ضامني استانة” (روسيا، تركيا، إيران) تمثل “آلية وحيدة تسمح بالشروع في تنفيذ القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي القاضي بضرورة أن يجلس جميع السوريين إلى طاولة المفاوضات.”

وقال أن موسكو لا ترى من الدول الغربية، على امتداد سنوات طويلة “أي اقتراحات معقولة بديلة عن مبادرات وأفكار “مسار أستانة”، فيما يخص محاربة الإرهاب في سوريا وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين، وتقديم المساعدات الإنسانية وبناء العملية السياسية في البلاد.”

السوريون و الجنس: رعشات في الخفاء

السوريون و الجنس: رعشات في الخفاء

لم يكن الجنس يوماً من المواضيع التي يمكن تداولها بشكل صريح في المجتمع السوري، وقد ارتبط الجنس دائماً لدى الأسرة السورية بـ”العيب والحرام”، انطلاقاً من مفهومي الأخلاق والدين.

وبرغم تغييب الرقابة الفنية “للمشاهد الساخنة” من المسلسلات الدرامية السورية، إلا أن العديد من مواليد جيل الثمانينيات من الفتيات والشبان، يذكرون حالة الارتباك التي كانت تصيبهم أمام الوالدين، عندما كانت تمر صدفة، مشاهد قُبلات ناديا الجندي وفاروق الفيشاوي، وإغراء سهير رمزي لمحمود ياسين وحسن يوسف، في الأفلام المصرية القديمة.

وللآن ما زالت مواضيع التثقيف والتوعية الجنسية لكلّ من الوالدين والأبناء غائبة تماماً عن  مناهج التعليم السوري العلمية والتربوية، وبهذا بقي الجنس محصوراً بين ما ينتجه الخيال من “فنتازيا جنسية”، وممارسة العادة السرية، هذا طبعاً في حال عدم ممارسته بشكل فعلي، وهذا منتشر لأسباب تتعلق بالقيود الاجتماعية التي تحرّمه على المرأة أكثر مما تحرّمه على الرجل، وأخرى استندت إلى نصوص دينية جعلت منه “زنا” إن مورس خارج إطار العقد الزوجي.

وعلى الرغم من التعدد الديني والثقافي والطبقي في المجتمع السوري، إلا أنه لا يقل تعقيداً في بنيته عن حال المجتمعات العربية، كما تختلف درجة الانفتاح فيه والتعصب الديني والاجتماعي، بين الريف والمدينة، ومن مدينة إلى أخرى، تبعاً للمستوى الثقافي والتعليمي والتوزع الطائفي.

تعدى الانفتاح الظاهري في بعض المناطق السورية في الكثير من الأوقات مسألة الاختلاط بين الجنسين – ضمن أطر حددتها الأعراف الاجتماعية-، وارتداء آخر صيحات الموضة من فساتين مكشوفة وسراويل ممزقة، إلا أنه لم يصل إلى حد اعتبار الجنس ممارسة طبيعية تندرج ضمن مفهوم الحرية الشخصية، بل ظلت الأجساد الملتهبة تلتقي وتتأوه سراً.

منتجات الإثارة الجنسية وليالي السوريين الساخنة

تفخر محلات بيع “اللانجري” في أسواق دمشق، بصناعة واستيراد أحدث الموديلات ذات الألوان والنقوش العديدة، القطنية منها والدانتيل والشَبَك، و”التفريعة” كما تُعرف باللهجة الدارجة، ولا تكتفي ببيع الألبسة الداخلية فحسب، بل تبيع دون أي حرج منتجات الإثارة الجنسية، من زيوت ومزلقات مُعطَّرة، وكريمات جيلاتينية مُنكّهة، بالفريز والموز والتوت، والتي تُدهَن على كامل الجسم، أو الأجزاء الحساسة منه، كحلمتي الصدر والأعضاء التناسلية، “وتباع هذه البضاعة لشرائح مختلفة من النساء يستشرنني في كيفية استخدامها وأي منها أكثر إثارة لليلة ساخنة” كما يقول حسام صاحب أحد محلات اللانجري في سوق الحميدية.

لكن هذه الحالة ليست عامة، فالعديد ممن بلغوا الثلاثينات من عمرهم لم يحظوا بعد بليلة “ساخنة”،  ومازال إحساس النشوة الجنسية لديهم مرتبطاً “بطرق تفريغ ذاتية”، كما يسميها سامر خريج قسم اللغة العربية من جامعة دمشق، والبالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، ويضيف سامر “يرافق إحساس النشوة هذا ترقب ممزوج بالخوف، ورغبة لاقتطاف اللذة بصعوبة”. فبعد تعرض سامر للرفض مرات عديدة من قبل فتيات شعر نحوهن بالانجذاب، فقد ثقته بنفسه ولجأ لممارسة العادة السرية للخروج من حالة الكبت والتشتت العقلي بفعل ضغط غريزته الجنسية، ويقوم سامر بهذا موظفاً مخيلته في استدعاء ممثلة معجب بها، أو أي فتاة يثير جسدها غريزته الجنسية، لبلوغ لحظة الذروة.

ووجد البعض حلولاً إضافية غير العادة السرية التي يمارسها الشبان والفتيات على حد سواء لتفريغ طاقتهم الجنسية في حال عدم توفر شريك عاطفي، أو تأخر سن الزواج.

بالنسبة لرانيا، البالغة ثمانية وثلاثين عاماً، والتي لم تمارس الجنس في حياتها أبداً وهي من سكان دمشق القديمة، شراء قطعة “لانجري” صارخة، أو مشاهدة فيلم رومانسي، قد يساعدها على تهدئة طاقتها الجنسية. ورغم أن رانيا كانت على علاقة عاطفية، إلا أنها لم تستجب لرغبة حبيبها بالمجامعة الجسدية، “لأنه لم يقدم لها ضمانات بالبقاء معها إلى الأبد، فقررت عدم المجازفة” بحسب تعبيرها، مخافة أن ينبذها بعد انقضاء شهوته، وتخسر فرصتها المقبلة في الزواج.

ولا يرتبط الجنس بحالاته المختلفة -سواء نشأ عن حب، أو لقضاء ليلة من الليالي العابرة- بشروط حياتية صارمة كما في حالة رانيا. فبالنسبة لنشأت المنحدر من مدينة السويداء، والمقيم في الخارج، الممارسة الأولى للجنس تكون “لاكتشاف الجسد وآلية عمل أعضائه، في حين أن الجنس من أجل الحب، يجعلك تقوم بكل ما يُمتِع الشريك دون تردد، بما في ذلك الجنس الفموي بالشفاه أو اللسان، فهو يداهمك في أي وقت ودون تنظيم مسبق” بحسب قوله.

أما جوليا البالغة سبعة وعشرين عاماً، فالجنس بالنسبة لها “ليس مسألة ذوق شخصي، فقد أصبح أمراً بالغ التعقيد، يخضع فيه الشريك أو الصاحب لعدة اختبارات، للتأكد من صدق مشاعره ونبل أخلاقه، قبل الجماع في سرير واحد” كما تقول، وتعود هذه الاختبارات لكون جوليا عاشت تجربة زواج فاشلة، لم تكن فيها حياتها الجنسية مع زوجها السابق في أفضل حالاتها، ورغم مضي عام ونصف على آخر ممارسة جنسية لها، و شعورها الحالي بالوحدة والإهمال، إلا أنها باتت أكثر تروياً، خاصة وأن لديها بنتين، ” ألسنة الناس وأحكام المجتمع” بحسب قولها.

ولا تقتصر حكايا الجنس وخباياه في المجتمع السوري على العازبين والوحيدين، فبعض الأزواج من الرجال والنساء لا يكتفون بالجنس مع الشريك “الشرعي”، إذ تتحول العملية الحميمية أحياناً مع مرور الوقت لفعل روتيني، يشوبه إحساس بالبرود والتوتر، والبُعد.

كما حدث مع شذى من سكان جرمانا في ريف دمشق، المتزوجة منذ خمس سنوات، ودفعها هذا لممارسة الجنس مع غير زوجها، دون أن تطلق على ما تفعله صفة “الخيانة”. فحبيبها السري كما تصف ضاحكة “يقبّل كل سنتمتر في جسدي، و في كل مرة يلمسني فيها أئن وأرتجف وكأنها المرة الأولى”. أما فؤاد البالغ من العمر اثنين وأربعين عاماً، فيصف علاقته بزوجته بالممتازة، ومع ذلك لا يمتنع عن ممارسة الجنس مع نساء أخريات، فالنساء بتعبيره “أحلى شيء في الوجود.”

فحولة كبار السن

ولا تقتصر الرغبة الجنسية على فئة عمرية محددة، فإن كان المجتمع السوري يدين الجنس غير الشرعي، فنظرته أكثر تشدداً لعلاقات المتقدمين بالسن، لدرجة أن لقب “المتصابي أو المتصابية العجوز” شائع الاستخدام بين المعارضين لهذا النوع من العلاقات، فهم يرون به استغلالاً بين طرفي العلاقة، وقد ارتفعت نسبته نتيجة الحرب إثر الخلل الكبير في التركيبة الجنسية للسكان، حيث تَفَوقَ عدد الإناث على عدد الذكور بشكل كبير، إثر نزوح ومقتل العديد منهم.

يروي عبد الله البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً، كيف هجرته خطيبته بعد مضي سنتين على التحاقه بالخدمة، “لترتمي في أحضان رجل ستيني يملك المال ولا يملك الفحولة الجنسية” كما يقول. من ناحية ثانية يروي خليل المعروف بـ”أبو صالح”، والذي تجاوز الخامسة والستين وهو من سكان حي العمارة في دمشق، حكايات عن تجاربه الجنسية مع فتيات يصغرنه بسنوات عديدة، ويقول “إن الأمر لا يتعلق بقوة الإيلاج، لأن السن ليس عائقاً أمامي، فاستثارة جسد المرأة بالمداعبة، قد يصل بها إلى النشوة أكثر من الإيلاج نفسه”.

ويمهد للانجذاب الجنسي بين طرفي العلاقة عوامل تختلف من شخص لآخر، فالاهتمام بالنظافة الشخصية كالتخلص من الشعر الزائد في الجسم، ولون أظافر اليدين والقدمين، يُعتبر من الأساسيات بالنسبة لماهر البالغ أربعة وثلاثين عاماً، والمهتم باقتناء اللوحات الفنية. كما أن القبلة الفرنسية، أو كما يسميها “البوسة باستخدام اللسان”، تفصيل مهم لديه للبدء بالعملية الجنسية، “فلو وقفت أمامي أنجلينا جولي، ولم تكن تُفضل هذا النوع من القبلات، سيختفي لدي شعور الإثارة والقدرة على الانسجام” بحسب وصفه.

الجنس بين الدين وترقيع غشاء البكارة

يصر أصحاب الرأي الديني على عدم إباحة العلاقات الجنسية دون إطار شرعي، كما يؤكد الشيخ محمد خير الشعال في أحد دروسه، “أن من لا قدرة له على الزواج عليه بالعفة وغض البصر والصوم”، فيما ترتفع أصوات أخرى ترى في الطروحات الدينية إجحافاً بحق الطبيعة البشرية. “فنسبة كبيرة من رواد المواقع الإباحية هم من المجتمعات المتدينة” حسب قول إياد مهندس الاتصالات من مدينة جبلة، والمقيم في تشيك منذ عامين، والذي يرى “أنه لا يمكن للأديان أن تحدد شكل الممارسة الجنسية، إذ يجب أن تكون متوفرة ودون قيود، وأن تعتمد على المتعة المتبادلة، دون هيمنة أحد طرفي العلاقة.”

ولم تحرّم الأديان ممارسة الجنس دون زواج فقط، بل وضعت ضوابط أخرى، أدانت فيها ممارسته من الدبر. فبولس الرسول أوضح موقف المسيحية من الإتيان بالمرأة بما هو مخالف للطبيعة، في رسالته إلى أهل رومية، “لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى أَهْوَاءِ الْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ”، والأمر سيان في الإسلام، الذي نهى عنه في حديث النبي محمد “مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا.”

وقد تساعد ممارسة الجنس من الدبر بإنهاء زواج عاسر، كما حدث مع سلمى “اسم مستعار”، والتي تقدمت إلى البطرياركية الأرثوذكسية في دمشق بطلب فسخ زواج، لأن “زوجها مهمل وعنيف، إضافة إلى أنها ترفض المجامعة من الخلف.”

إلا أن هذه الممارسة أيضاً تعتبر سبباً لإمتاع الكثير من الإناث والذكور على حد سواء، وتلجأ إليها الكثير من الفتيات خوفاً من فض غشاء البكارة قبل الزواج. الصيدلانية سارة والبالغة من العمر تسعة وعشرين عاماً تقول “من غير المعقول أن أمتنع عن اختبار الرعشة الجنسية إلى أن أجد العريس المناسب، وهذا ما جعلني أوافق على ممارسة الجنس من الخلف، فهو على الأقل يبقيني عذراء بنظر الدين والمجتمع.”

ورغم أن عذرية الفتاة قبل الزواج، شرط يحظى بإجماع شبه كلي في المجتمع السوري، إلا أن بعضاً من الشبان لم يعودوا يقتنعون به، بعد انتشار عملية ترقيع غشاء البكارة، فباتوا أكثر تقبلاً لعدم عذرية الفتاة، لمعرفتهم الجيدة أن الكثيرات تمارسن الجنس، إما دون المساس بغشاء البكارة، أو أنهن يتدبرن الأمر داخل عيادة طبيب النسائية بتقريب حواف الغشاء، وتبلغ تكلفة هذه العملية بين المئة إلى مئتي دولار.

باسل الشاب الثلاثيني من مدينة درعا، والذي يعمل سائقاً على خط دمشق بيروت، يقول: “إن عذرية الفتاة لا تعنيني، بقدر ما تعنيني الطريقة التي خسرت فيها عذريتها، فلا ضير إن فعلت ذلك عن حب.”

تعد نظرة باسل استثناء عن نظرة الشرف العامة المتعلقة “بقطرات الدم”، فغالبية الأزواج لا زالوا يصرّون على رؤية المنديل الملون بالأحمر، كما تؤكد هدى الحداد وهي طبيبة نسائية في ريف دمشق. وترفق الدكتورة هدى إجراء عملية ترقيع الغشاء إلا في بعض الحالات الاستثنائية ذات الدوافع الإنسانية، كالاغتصاب، أو بناء على طلب الزوجين بإجراء شق جراحي في غشاء البكارة ذي النوع المطاطي، المعروف بتمدده ليناسب طول القضيب، فيطمئن الزوج لرؤية قطرات الدم بعينيه.

مقهى أبو جوزيف: فضاء بديل للمنازل المفقودة

مقهى أبو جوزيف: فضاء بديل للمنازل المفقودة

في قلب باب شرقي، على يمين كنيسة حنانيا، يطل المقهى القديم المعروف بمقهى أبو جوزيف، في آخر حارة ضيقة بسقوف منازل قديمة تصدعت جدرانها بفعل الزمن وبعض القذائف التي سقطت على دمشق القديمة. على بعض النوافذ عُلّقت ثياب بمقاييس مختلفة لتجف بفعل الريح الخفيفة. وقبل أن تصل للمقهى، يستوقفك جدار “الحب” الذي كتب عليه مجهول “بحبك لعند الله”، تخليداً لمشاعره في مقاومة النسيان.

“ما إن وقعت عيناي على المقهى قبل عام، حتى سحرتني بساطته، وتحولت لزبون مواظب في الصباح والمساء، دون أن أصاب بالملل أو الضجر”، يقول نبيل واصفاً علاقته بالمقهى القديم الذي يلوذ إليه بحثاً عن “ألفة مفقودة و رائحة العائلة الغائبة وأنفاس المنزل المغيب قهراً جراء الحرب” بحسب وصفه.

فالمقهى يعطي لنبيل شعوراً وكأنه “بغرفة المعيشة في بيتي بحلب فهو يمنحني إحساس العائلة، ويخفف من شعوري بالوحدة ووطأة غربتهم عني، لا مكان هنا  للرسمية والتكلف، فبإمكاني مثلاً صنع قهوتي بنفسي عندما يكون العم أبو جوزيف مشغولاً، حتى أنني أحياناً أساعده في تنظيف المكان”، ويجزم نبيل أن “جميع من يزور هذا المقهى  يقصدونه من أجل إحساسهم بحنين ودفء البيت الذي يمدهم به.”

تشاطر نبال نبيل مشاعره تجاه مقهى أبو جوزيف “الاستثنائي” كما تقول وتروي “أرتاد المقهى القديم بشكل شبه يومي، فهذا المكان لا يشبه أبداً الأماكن التي زرتها، وأعود إليه دائماً مهما كانت ظروفي، فهو ملاذي في فرحي وكآبتي و خلوتي وهروبي من الضجيج”، وعن أسباب تعلقها بالمقهى تشرح نبال “ارتباطي به يمدني بشعور جميل، أعتقد أن المعاملة اللطيفة التي أتلقاها هنا هي ما يشدني إليه، فهم يستقبلوننا بكلمة أهلين حبيباتي وكأننا من أفراد العائلة، وهذا الترحيب فريد لا تجده في المقاهي الأخرى، حتى أنني أفتقدهم إذا أطلت الغياب عنهم.”

المشاعر العائلية والراحة أيضاً هي ما دفع جميلة لتختار مقهى أبو جوزف دون سواه لقضاء الوقت مع أصحابها لتمضية الوقت أو لعب طاولة النرد، تقول جميلة “أُفَضل هذا المكان لشعوري بالراحة دون أي تكلف، فأنا أحب هذا الجو الذي يشبه العائلة والزمن القديم، لا أشعر أنني غريبة، وأستطيع التصرف بعفوية دون تصنع، وما أقل الأماكن التي تمنحك الراحة والطمأنينة!”

فكيف استطاع أبو جوزيف أن يصنع من مقهاه منزلاً مألوفا ً وحميمياً للسوريين على اختلاف مشاربهم؟

عمل الياس، أبو جوزيف، كنجار موزاييك وهي مهنة ورثها عن جده وأبيه قبل أن يعتزلها مرغماً منذ أربع سنوات بفعل الحرب. يقول أبو جوزيف “أجهزت الحرب على  مهنتي التي ورثتها عن جدي وأبي، فالقسط الأكبر من مصدر رزقي كان يأتي من السائحين الأجانب الذين أفلوا منذ السنة الأولى للحرب، كما أن معظم أشغالي اليدوية التي أودعتها في مستودع بمعلولا تعرضت للسرقة والتدمير والحرق، ولم ينج إلا جزء بسيط مازلت أحتفظ به.”

غامر عندها أبو جوزيف بفتح هذا المقهى الذي يتسع لعشرين طاولة إذ لم يكن أمامه من خيار آخر لكسب عيشه. يقول أبو جوزيف ساخراً  “أن أعمل قهوجياً خير من الجلوس مكتوف اليدين، فصندوق خشبي مركون على الرفوف لن يمكنني من شراء علبة سمنة أو ربطة خبز.”

دشن أبو جوزيف مقهاه بالخدمة الذاتية، إلا أنه تعلم أصول المهنة  بمساعدة زبائنه، وعن أسلوب الخدمة غير المألوف في دمشق يقول أبو جوزيف “في البداية كانت الخدمة ذاتية، حيث يقوم الزبائن بتحضير مشروباتهم بأنفسهم، بينما كنت أقف أراقبهم كيف يفعلون هذا، كما تعلمت طريقة تحضير النارجيلة فأنا لم أجربها قبلاً ولست مدخناً حتى.”

ومع المشروبات والنرجيلة، ابتكر الياس وصفة ناجعة لجذب الزبائن، قائمة على مقادير متساوية من الكرم والألفة والابتسامة، وعن ذلك يقول “يحتاج الناس إلى من يشعرهم بالراحة والألفة واستقبالهم بوجه باسم وكلمة طيبة، فالزبون كثيراً ما يأتي إلينا لابتغاء الراحة، والترويح عن النفس المثقلة بالتعب والهموم.” يخجل أبو جوزيف أيضاً من تقاضي ثمن عبوات المياه من زبائنه، ولذا ينهض منذ الصباح الباكر لتأمين حاجته منها، وتعبئتها في قوارير فارغة ليتمكن من تقديمها لزبائنه مجاناً.

تتقاسم تيريز العمل مع الياس منذ ثلاث سنوات ونصف، حين قررت تمضية أوقات الفراغ الطويلة بمساعدة صديق الطفولة، تقول تيريز “لم أفكر يوماً بالعمل في مقهى، إلى أن قرر الياس افتتاح مقهاه، فعرضت عليه بدوري المساعدة في خدمة الزبائن، كان الأمر جديداً بالنسبة لي، وبدأت بتعلم صنع المشروبات على الإنترنت.” وطورت تيريز علاقاتها مع زبائن المقهى من الخدمة وكسب العيش لتصبح علاقة ألفة ومحبة فقدهما العديد من السوريين خلال سنوات الحرب. تروي تيريز “أنا أؤمن أن الكلمة الجميلة تدخل إلى قلب المرء، فنحن أحوج في هذه الأوقات إلى التفاهم والمحبة فيما بيننا بعد سنوات من الموت والدمار، لقد بدأت علاقة عفوية متميزة بيني وبين العديد من الزبونات، فأحياناً يسمعونني عبارات الإطراء مما يشعرني بالسعادة، ويشجعني على العمل رغم الإنهاك والتعب طوال اليوم.”

وكأي مهنة أخرى لا يخلو العمل في المقهى من المنغصات، التي يواجهها أبو جوزيف “بروح رياضية” حسب وصفه، ومن هذه المنغصات يعدد “تحمل المزاج السيئ لعاشقين متخاصمين، وأن أكون شاهداً حياً على الوعود والعهود ومحاولات الاسترضاء من قبل أحدهما  للآخر، ومحاولاتي البسيطة بترطيب الأجواء من أجل تخفيف التوتر بينهما دون التدخل بشؤونهم الخاصة.”

ولا تنتهي كل قصص العاشقين هنا بالخصام، إذ يذكر أبو جوزيف علاقة ربطت بين شاب يرتاد مقاه على الدوام مع صبية تعرف عليها فيه، فتحابا وتزوجا وأصرا في يوم زفافهما على المرور بسيارتهما من جانب المقهى، لإلقاء التحية عليه كتعبير عن حبهما للمكان الذي التقيا فيه.