بواسطة طارق علي | أبريل 25, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
أنهت الحرب السورية عامها العاشر بصمت عسكري شبه مطبق، لتحل مكانه مشاكل الاقتصاد التي طفت على السطح كنوع من الأوضاع الصعبة والتي يبدو أنها ستكون طويلة الأمد، فقرار الصباح الاقتصادي ينسفه قرار الليل الأشد وطأة، حتى صارت حياة السوريين من سيء لأسوأ مع مضي كل يوم واقتراب كل غد، وسط غياب تام للحلول وافتقار الداخل لسبل معالجة ما يمكن الاصطلاح عليه بأنّه كوراث بات من المستحيل حلها، فالمشكلة لا تكمن في عدم توافر البنزين وغلاء سعره وانتظار الأيام على “طوابير” محطات التعبئة، بل تجاوزتها الأزمة لتشمل كل مستلزمات الحياة. الغلاء وحده هو المشهد المسيطر في البلاد التي لا يتخطى راتب موظفها في أفضل الأحوال 20$، في حين يتطلب توفير أبسط مستلزمات الحياة ضعف هذا الرقم بعشر مرات على الأقل.
الانهيار الاقتصادي
نشرت الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر عام 2020 تقريراً حول الواقع السوري يتناول الثماني سنوات الأولى من عمر الحرب السورية وخلصت فيه إلى أنّ خسائر الاقتصاد السوري بلغت حتى ذاك الوقت نحو 442 مليار دولار.
كذلك فإنّ قطاع النفط تكبد خسارات هائلة تقدر بنحو 92 مليار دولار بحسب تصريحات لوزير النفط والثروة المعدنية “بسام طعمة” أدلى بها تحت قبة البرلمان في شباط/فبراير من العام الفائت. وبحسب تصريح الوزير فإنّ ما يقارب 80 برميلاً من أصل 89 برميلاً يتم إنتاجها يومياً كانت تستخرج من المناطق خارج سيطرة الحكومة السورية، ليطرح الوزير مقارنةً مع ما كانت تنتجه سوريا في عام 2010 والذي قارب نحو 400 برميل نفط يومياً.
وأيضاً انخفض راتب الموظف الحكومي أكثر من مئة بالمئة وتدهورت قيمة الليرة السورية حوالي مئة ضعف أمام الدولار الأمريكي في السوق السوداء والذي وصل عتبة 4700 ليرة سورية قبيل منتصف آذار/مارس الفائت مقابل كل دولار أمريكي واحد، لتتحسن الليرة في نهايات الشهر المنصرم وتسجل 3700 مقابل الدولار. بينما حافظ المصرف المركزي على سعر الصرف بمعدل 1250 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، وهو رقم لا شك يعتبر رفاهية اقتصادية مواربة، فكل شيء يتم تسعيره في سوريا على قياس السوق السوداء، بدءاً من الإبرة والخيط وصولاً للعقارات، مروراً بكل ما يلزم للمعيشة من أساسيات ورفاهيات، الأساسيات التي ارتفع سعرها قياساً بالليرة السورية بصورة متفاوتة ما بين خمسين ومئة بالمئة.
الكارثة بالأرقام
قالت نقابة عمال المصارف في دمشق في الشهر الأول من العام الحالي عبر بيان تلاه رئيس النقابة “أحمد حامد” خلال المؤتمر السنوي للنقابة إن “خسائر الاقتصاد السوري بلغت حتى الآن أكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010”.
وأشار التقرير أنه “في ظل الحرب قد انعدمت التنمية التي أوصلت أكثر من 80 بالمئة من شعبنا إلى خط الفقر وما دونه، وباتت المجاعة تلوح في الأفق بالرغم من الجهود المبذولة على مستوى الحكومة”.
وأضاف التقرير أنه “حتى هذه اللحظة لم تقدم أي مبادرات حقيقية لتجاوز الأزمات التي نعيشها اليوم بل ازداد احتكار الثروة في أيدي قلة قليلة من المستفيدين على حساب الشريحة الكبرى من المجتمع وأخلّت الحكومة بمسؤوليتها عن واجباتها في إمكانية النهوض بالقطاع العام وإصدار القرارات لتشجيع القطاع الخاص على استثمارات حقيقية ما أدى إلى توقف نشاط المستثمرين الاقتصادي وإغلاق منشآتهم والهجرة خارج البلاد مع أموالهم التي سببت خسائر للاقتصاد الوطني.”
فيما قدرّ التقرير نسبة الدمار في البنية التحتية بنسبة تخطت 40 بالمئة.
وبحسب الأمم المتحدة فهناك أكثر من 13 مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وبحسب برنامج الغذاء العالمي فهناك نحو 12.5 مليون سوري في الداخل يكافحون بشتى السبل للحصول على طعام يكفيهم ليومهم، وكذلك أشارت منظمة “أنقذوا الأطفال” عن وجود ما يقارب 60 بالمئة من الأطفال الذين يعانون من الجوع.
وتتحدث المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن ملايين السوريين الذين هاجروا خارج بلادهم، والنسبة الأكبر باتجاه دول الجوار، ثلثهم من الأطفال، وهو ما يشي بحجم الكارثة الاقتصادية والتخلخل المجتمعي الذي أدى لتشظي الناس، بعد الأخذ بعين الاعتبار أنّ المعارك هي الفصل في ملف الهجرة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن العامل الاقتصادي لم يلعب دوراً مؤثراً وأساسياً في الإطار.
وبحسب دراسة أعدها المركز السوري لبحوث الدراسات فإنّ نسبة الفقر ارتفعت في سوريا من 1% في عام 2010 إلى نحو 86% من السوريين مع نهاية 2019.
وأضافت الدراسة أنّ سوق العمل فقد ما يعادل 3.7 ملايين فرصة عمل، وبالتالي رفعت الخسارة الضخمة لفرص العمل نسبة الإعالة الاقتصادية من 4.13 أشخاص لكل مشتغل في عام 2010 إلى 6.4 أشخاص في عام 2019.
أرقام صادمة
أصدرت منظمة world vision، وشركة frontier economics، تقريراً مشتركاً حول الواقع الاقتصادي السوري، وقالت فيه إنّ الخسائر حتى اليوم بلغت 1200 مليار دولار أمريكي، وفي حال توقفت الحرب اليوم فستستمر الخسائر الاقتصادية حتى عام 2035 بواقع 1400 مليار دولار إضافي، أي تصبح الخسارة المجملة 2600 مليار دولار أمريكي، وبإضافة ملف الحرمان من التعليم والنظام التعليم فقد يصل الرقم إلى 3100 مليار دولار أمريكي.
في الشارع
ليس من الصعب، بل يكاد من المستحيل عدم ملاحظة الأوجه المكفهرة في الطرقات، الناس يعيشون تحت وطأة غضب عارم سببه الفقر والحاجة، فتذبذب أرقام البيع والشراء في المتاجر للأساسيات يختلف ما بين الصباح والمساء. يتعامل التجار (الصغار منهم والكبار) بالدولار ويضعون الأسعار على أساسه، في عملية مداورة لحظية يدفع المواطن ثمنها في فرق ارتفاع الأسعار نحو الأعلى. أما في حال تحسن سعر الصرف، فإنّ الأسعار تبقى على نفسها، ما شكل عبئاً وضغطاً إضافياً بات لا يطاق لذوي الدخل المحدود، وبالمجمل فإنّ كل السوريين تقريباً هم من ذوي الدخل المحدود، أو معدمي الدخل.
في البقالية ارتفع صوت المهندس رامي .د في خلاف مع البائع الذي طلب منه ثمن “صفد” البيض 7 آلاف ليرة، لينتهي الخلاف إلى عدم شراء المهندس للبيض، ليكمل سيره متأففاً من الغلاء، وفي حديث خاص عن تجربته يقول: “يحدث هذا كل يوم، بل وكلّما أردت شراء شيء من الأساسيات لأسرتي، الغلاء لا يصدق، أعمل موظفاً بشهادتي لثماني ساعات يومياً لأتقاضى راتباً بحدود 50 ألفاً، هو لا يكفي لأول ثلاثة أيام بالشهر، هو حرفياً لا يكفي هذه الأيام”. يتساءل رامي عن المصير المقبل، وما الذي ينتظر السوريين: “أنا يائس، لا شيء ينبئ أنّ حلاً اقترب أو يقترب، نحن في كل يوم يستجد نصبح فقراءً أكثر”.
لا يبدو الحال أفضل بالنسبة لميساء .ن (ربة الأسرة التي تعيش وزوجها وطفلها على راتبه الذي يتقاضاه من عمله الخاص)، وعن وضع أسرتها تقول: “صحيح أنّ راتب زوجي أفضل من رواتب الحكومة بقليل، ولكن ماذا سيكفي؟ سينتهي في بضعة أيام قليلة، نحن نعيش مستندين على أهلي، لولا أنهم يساعدوننا في المصروف لكنا الآن في الشارع نتسول ربما، أنا أقول الحقيقة، نحن ستصل بنا الحاجة إلى هناك”. وتؤكد ميساء أنّها لم تجد حلاً بعد بحث طويل بينها وبينَ زوجها سوى الهجرة خارج سوريا والبدء بحياة جديدة.
ومن جهته، يقول أبو سعيد صاحب بقالية في دمشق: “ما ذنبي أنا إذا كنت أشتري من التاجر الكبير بسعر الدولار في السوق السوداء، لستُ سعيداً أنني أبيع بهذه الأسعار، فأنا أولاً وأخيراً مجرد صاحب بقالية صغيرة، مثلي مثل هؤلاء الناس، لكنني أيضاً أريد أن أعيش، لست سعيداً ولكن كيف سأعيش إذا بعت بخسارة، كل الناس تشتمنا وتلومنا، ولكن ماذا نفعل، هذا قضاء على الجميع”. ويختتم حديثه بتمنيه أن يتحسن سعر الصرف لئلا يظل يتحمل نظرات الناس التي تشعره بأنّه يجني منهم أكثر مما يستحق بكثير.
ويشترك العديد من الأشخاص الذين التقيتهم بنظرتهم عن انعدام شرود توافر الحل الذي يمكن أن يحسن الوضع قريباً، ويجمع هؤلاء الأشخاص أن الأفق مبهم والأمور تسوء يوماً بعد يوم، ولا شك أن رأيهم صار يمثل السواد الأعظم. وهذا لا يعني بطبيعة الحال عدم وجود أشخاص متفائلين، وهم أشخاص يعتقدون أنّ الحل سيأتي عاجلاً أم آجلاً، وسيحمل معهم أياماً مريحة، إلّا أنّ هؤلاء الناس نفسهم يئنون تحت وجع الحاجة والفقر، ومثلهم كل البلاد تئن قبالة طبقة فاقت في ثرائها كل ما هو متوقع، الحرب برعت في خلق الأمراء الجدد، الأمراء المتباهين بثرواتهم فوق فقر السوريين وعوزهم.
قبل الحرب
بحسب الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والمكتب المركزي السوري للإحصاء كانت سوريا صاحبة واحد من أعلى معدلات النمو العالمي بالنسبة للدول النامية عشية اندلاع الحرب في آذار/مارس 2011، إذ كانت تنتج حوالي 85 بالمئة من أغذيتها ودوائها واحتياجاتها وتصدر منتجاتها إلى أكثر من 60 دولة. وكانت سوريا تحتل مرتبة بين الدول الخمس الأولى في إنتاج القطن وتربية المواشي وتنتج من الحبوب ما يصل إلى 6 ملايين طن سنوياً ما كان يؤدي لفائض عن حاجة السوق المحلية والذي كان يتم تصديره. ووصل راتب الموظف الحكومي إلى قيمة تتراوح ما بين 300 إلى 600 دولار أمريكي في عام 2010، بحسب ما أورده تلفزيون dw مفصلاً.
إضافةً إلى النشاط السياحي الكبير الذي وصل حدّ استقبال نحو 8 ملايين سائح سنوياً حوالي عام 2010، مع توافر كل الاحتياجات الأساسية من نفط وغاز وبنزين وتعليم وطبابة وأدوية وخبز وأرز وسكر مقابل أسعار لا تشكل شيئاً قياساً بالدخل الجيد حينها.
في ظل كل هذه المعطيات بين الأمس واليوم يمكن الاستنتاج بأنّ الواقع السوري بات مشوهاً اقتصادياً واجتماعياً ما يستدعي البحث في حلول ووضع خطتين واحدة قصيرة الأمد لانتشال ما يمكن انتشاله وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وأخرى طويلة الأمد لتستعيد سوريا القدرة على إنتاج احتياجاتها وتحقيق الاكتفاء المعيشي لسكانها، وهو ما يبدو أنّه بحاجة سنينٍ طويلة ليتحقق، ولتعود سوريا لتحظى بمكانتها الانتاجية السابقة كمصدِّر لا مستورد، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ عقوبات “قيصر” الأخيرة جعلت الكثير من الملفات الاقتصادية أكثر تشعباً وتعقيداً في ظل واقعٍ غير مستقرٍ ومدمّرٍ بالأساس.
Photo credit: Mohammad Alzain, Shutterstock*
بواسطة Firas Al Ali | أبريل 24, 2021 | Cost of War, غير مصنف
يداوم مغتربون سوريون على إرسال الأموال بشكل شهري إلى ذويهم في سوريا بالتزامن مع ارتفاع التكاليف المعيشية وقلة الأجور التي تكاد لا تسد احتياجات بعض العائلات لأيام قليلة.
وليس تحويل الأموال من قبل المغتربين إلى أهاليهم واقعاً جديد بل كان يحصل حتى قبل عام 2011، لكن يؤكد أصحاب مكاتب الحوالات في سوريا أن نسبة الحوالات القادمة من الخارج باتت مرتفعة وبشكل ملحوظ منذ العام الماضي.
ويتزامن ذلك مع انخفاض الليرة السورية إلى مستويات قياسية أمام العملات الأجنبية مقابل ارتفاع أسعار السلع والخدمات فيما لم تسهم زيادة الأجور في سوريا بعلاج هذه الأزمة.
ويؤكد ارتفاع الأسعار ما أعلنه المكتب المركزي للإحصاء في سوريا مؤخراً، حيث تجاوزت أسعار المستهلك اليوم 2000% مقارنة بالأسعار عام 2010، أي قبل الأزمة التي تشهدها البلاد.
وحسب اطلاعنا على العديد من الحوالات التي ترسل إلى سوريا بشكل يومي، يبدو أن أكثر الحوالات المالية تتراوح قيمتها ما بين 50 دولاراً و300 دولار أمريكي.
حوالات شهرية
بات هناك حوالة مالية شهرية يرسلها الشاب السوري بسام لأهله المقيمين في حلب، حيث تُضاف إلى باقي مصاريفه الشهرية كفواتير الماء والكهرباء وإيجار المنزل، ويقول بسام عن تجربته: “الحوالات التي أرسلها شهرياً لأهلي هي مصدر أساسي لهم لتغطية المصاريف في ظل الأزمة المعيشية التي يشهدونها”.
ويتابع أنه رغم أن الحوالات تذهب عبر عدة مكاتب حتى تصل إليهم ولكن لا توجد أية طريقة مباشرة لإرسال الحوالات إلا عبر مكاتب التحويل السورية.
ويضطر الشاب العشريني إلى إرسال الحوالات لمكتب صرافة في تركيا والذي بدوره يُعاود إرسالها إلى سوريا، ما يجعله يتكلف المزيد من الأجور.
وليس بسام هو الوحيد الذي يفعل ذلك، حيث يؤكد أن هناك أصدقاء له يرسلون أموالاً بشكل شهري لذويهم في سوريا في ظل الأزمة المعيشية التي يعاني منها غالبية السوريين.
مصدر أساسي
يبدو أن العائلات السورية التي لديها أحد أفرادها في الخارج وقادر على إرسال الأموال بشكل شهري، لا تزال صامدة نوعاً ما أمام الأزمة المعيشية التي تفشت في البلاد.
ومع قلة فرص العمل ذات الدخل الجيد، يضطر العديد من السوريين للعمل مقابل أجور قليلة تكاد لا تكفي لدفع إيجار منازلهم في بعض الأحيان مما يضطرهم للاستعانة بمصادر دخل إضافية.
وخلال إعداد هذا التقرير، تواصلنا مع أبو قصي وهو رب عائلة سوري يقيم في حلب، وشاركنا عن معاناته مع غلاء المعيشة قائلاً: “راتبي التقاعدي البالغ قرابة 50 ألف ليرة سورية وما يتقاضاه ابني من خلال عمله في محل معجنات لا يكفينا لأول أسبوع من كل شهر بسبب غلاء المعيشة”.
ويضيف أبو قصي أن أحد أبنائه في تركيا ويرسل له شهرياً مبلغا مالياً يعين العائلة على تغطية مصاريف بقية أيام الشهر، واصفاً الوضع بالـ”كارثي.”
ولا تتوفر إحصائية دقيقة توضح قيمة الحوالات المالية التي تدخل إلى سوريا خصوصاً أنها تحصل عبر مكاتب تحويل خاصة وغير مرخصة لدى النظام، كما أن الكثير من الحوالات يتم تحويلها لدول الجوار ومن ثم يعاد تحويلها لداخل سوريا.
مكاتب بالجملة
خلال السنوات الماضية، أسس سوريون مئات مكاتب الحوالات المالية، بعضهم افتتح مكاتب وبدأ عمله على نطاق واسع وآخرون اقتصروا على إرسال واستلام الحوالات دون أن يكون لديهم مركز محدد.
وبات هناك المئات من مكاتب الحوالات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث أصبحت بمثابة الوسيلة الوحيدة لإرسال واستقبال الأموال من وإلى سوريا.
وفي ظل قلة فرص العمل ذات الأجور المناسبة للأوضاع المعيشية في سوريا، لجأ البعض إلى هذه المهنة، ومن بينهم أبو ياسر وهو اسم حركي لشخص يعمل في مجال الحوالات بحلب، حيث يشرح قصته من خلال اتصال هاتفي: “بدأتُ العمل في مجال الصرافة والحوالات منذ قرابة سنتين، ولو لم أعمل في هذا المجال لكنت قد صرفت أموالي التي جمعتها منذ سنوات بسبب غلاء المعيشة”.
ويضيف أنه يعمل بشكل سري خوفاً من حصول مكروه له، حيث يحرص على تسليم الحوالات عبر لقاء الزبائن في الشوارع، أما المردود فهو قليل مقارنة بمخاطر هذا العمل عليه.
وفيما يخص المردود من الحوالات المالية، فحسب إفادات عاملين بهذا المجال، تصل الأجور إلى قرابة 5 دولار مقابل تحويل كل 100 دولار أمريكي إلى سوريا.
بواسطة Hiam Karm | أبريل 22, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
تصرّ الحكومة السورية على الاستمرار في انتهاج سياسات اقتصادية ليبرالية جديدة، والتي كانت ضمن الأسباب العميقة لاندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011، وذلك رغم الحصار الاقتصادي الخانق لعجلة الاقتصاد السوري، وكأنها لا تملك أي استراتيجية لتقليص آثار العقوبات الدولية على سوريا؛ بل هي تفعل العكس، أي تستثمر في اقتصاد الحرب لمصلحة حفنة من داعمي النظام من مافيات الحرب والاقتصاد الجدد. فقد أبقت الاقتصاد ريعيا، متمحورا في قطاعات العقارات والخدمات (المطاعم والمقاهي) والاستيراد، واستمرت في إنهاء دعمها للسلع الأساسية، وتجاهلت التوظيف المالي في الزراعة والصناعة، مما زاد من خلل الميزان التجاري، وبدأ الاعتماد على المديونية تحت حجة عجز الميزانية.
انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي في شهر آذار الماضي إلى قرابة الخمسة آلاف ليرة، ثم تحسن سعر الصرف قليلاً، حيث استفاد من ذلك مضاربو سوق العملة السوداء. ورغم اعتراف النظام بتدهور قيمة الليرة السورية، حيث يلقي باللائمة على المؤامرة والعقوبات الخارجية، لكنه ما زال يرفض رفع سعر دولار الحوالات ليقارب سعر الصرف في السوق السوداء، وهو يفضل تغذية دوائر الفساد المرتبطة بشركات الحوالات، حيث تذهب عمولات التحويلات إلى جيوب منتفعين من مافيات رجال الأعمال والشبكات الأمنية، بدلاً من خزينة الدولة، والتي كانت ستساهم في تحسين سعر الصرف، باعتبار أن قيمة حوالات السوريين القادمة من الخارج معتبرة.
والحكومة السورية لم تقدم دعماً للمنتوج الزراعي والحيواني، للحفاظ على الأمن الغذائي، بل هي تصعّب عودة الأهالي إلى المناطق الزراعية، في المدن والبلدات التي استعاد السيطرة عليها، عبر عدم الاهتمام بترميم بنيتها التحتية، بقصد معاقبتها، ولضرب تماسكها الاجتماعي؛ كما في الغوطة الشرقية، التي كانت رئة العاصمة وخزانها الغذائي، حيث ما زال يمنع إصلاح شبكة الكهرباء اللازمة لاستخراج مياه السقاية.
الحكومة لا تأبه بتحقيق الأمن الغذائي؛ حيث نشط قطاع تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية، للحصول على القطع الأجنبي، أو مبادلتها بالمشتقات النفطية.
انعدام الحلول الناجعة للنظام دفعه إلى الاتجاه إلى جيوب مواطنيه؛ حيث رفع الدعم عن البنزين للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، وكذلك الغاز المنزلي بنسب تجاوزت ال50%، وابتدع ضريبة عقارية جديدة عالية على بيع وشراء العقارات.
السياسة الاقتصادية التي يتبعها النظام لمواجهة أثر التضخم الاقتصادي هي التمويل بالعجز، بتكبيس الأزرار وطباعة أوراق العملة. في حين أنه مستمر في سياسة التشدد في الإجراءات التقشفية؛ واضطر بداية نيسان إلى اتخاذ قرار بتخفيض نسبة دوام العاملين في قطاعات الدولة، حيث لم يعد لديه وقود كافٍ لنقل موظفيه إلى مراكز عملهم.
هذه السياسات الاقتصادية الرديئة زادت من أثر العقوبات الاقتصادية على السوريين؛ حيث بات 2.4 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في أسوأ حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق، وفقاً لتقييم الأمن الغذائي الذي أجري أواخر عام 2020 (تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)) نشر في شباط الماضي (1)
السياسات الليبرالية الممزوجة بالفساد، والمجحفة بحق السوريين، ليست وليدة السنوات العشر الأخيرة؛ فقد رافق الانفتاح الاقتصادي مسيرة حكم حزب البعث إلى جانب الإصلاحات الاشتراكية الطابع. وتوسع القطاع الخاص في 1991 بالمرسوم رقم 10(2)، إرضاء لطبقة رجال الأعمال بعد انتصار النظام على جماعة الإخوان المسلمين في حرب الثمانينات. لكن الانفتاح اكتمل في 2007، في عهد الأسد الابن، وبصيغة ليبرالية جديدة، بعد الانتهاء من إصدار سلسلة مراسيم أحدثت تحولاً في بنية الاقتصاد.
النتائج كانت كارثية؛ حيث انهارت الزراعة مع رفع الدعم عن المازوت والبذور والأسمدة، وحدوث هجرة كبيرة من أهم المناطق الزراعية (منطقة الجزيرة)، إضافة إلى خصخصة مشاريع في القطاع العام والتعليم والطباعة وانهيار صناعات أساسية كالنسيج والصناعات الغذائية والأدوية.
كما أدى الانفتاح وفقاً لمفهوم السوق الاجتماعي إلى تشكل اقتصاد ينشط في (القطاع الثالث) كما يسمى في الفكر الاقتصادي، أي اقتصاد ريعي يقوم على تجارة الاستيراد والخدمات والبنوك والسياحة والعقارات (بالتشارك مع الرأسمال الخليجي ) تديره طبقة من رجال الأعمال الجدد المرتبطين بالسلطة، وأدى استيراد المنتجات الصينية والتركية بتسهيلات جمركية، إلى ضرب الكثير من الصناعات الوطنية، كالموبيليا، وكل ذلك على حساب إفقار الغالبية العظمى من الشعب وارتفاع معدل البطالة؛ وهو ما كان في الأسباب الخلفية لاندلاع الاحتجاجات ضد النظام في 2011.
طيلة سنوات الحرب، استمر النهج الليبرالي الجديد للسلطة القائمة في دمشق؛ إذ أعادت هيكلة الاقتصاد تشريعيا بما يخدم أمراء الحرب الذين صنعتهم كواجهة، بهدف الالتفاف على العقوبات والتخفيف من الضغوطات وعجز الميزانية المرافق لظروف الحرب، وبما يؤسس للنهب المرافق لإعمار ما بعد الحرب.
فاستمرارا في نهج الخصخصة، أعلنت الحكومة السوريّة في شباط من عام 2016، عن خطّة التشاركيّة الوطنيّة”(3)، بوصفها استراتيجيّتها الجديدة، والتي اعتبرتها بديلاً لنموذج “اقتصاد السوق الاجتماعيّ” المُطوَّر في 2005؛ وقد سمح هذا القانون للقطاع الخاص بإدارة وتطوير الأصول الحكومية في جميع قطاعات الاقتصاد بوصفه الشريك أو المالك الرئيسيّ، باستثناء قطاع استخراج النفط.
كما أصدر النظام جملة قوانين تتيح إعادة التوزيع العمراني، بتحويل أراضٍ زراعية إلى أبراج عقارية، والاستثمار العقاري لرأسمالييه في المناطق التي عادت إلى سيطرته، كالمرسوم رقم 66 لعام 2012 ، والقانون رقم 10 لعام 2018 (4) (5)، الذي يشرع سرقة الحكومة للأراضي من ملاكها وإعادة إعمارها بعقود توقعها مع شركات خاصة ومستثمرين.
وبالتوازي مع ذلك وافقت الحكومة عام 2015 على قانون يسمح بتأسيس شركات قابضة خاصة لإدارة الأصول العامة، وخدمات مجالس المدن والوحدات الإدارية الأخرى، مما يتيح مجالا جيداً للمقربين من النظام لاستخدام الأصول العامة في توسيع تجاراتهم العقارية؛ ومنها شركة (دمشق شام القابضة) عام 2016 المسؤولة عن تنفيذ إعادة إعمار مشروع “ماروتا سيتي” لتطوير العقارات الفاخرة في بساتين الرازي وتنظيم كفرسوسة في دمشق بالاستفادة من المرسوم 66، كما أنشئت شركة قابضة في حمص لإحياء مشروع حلم حمص بأبراجه العالية، وشركة قابضة في حلب عام 2018. وفي 2018، تم السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع البنية التحتية (6).
عمل النظام على تنشيط قطاع التجارة لتأمين حاجاته من منتجات معيّنة كالموادّ الغذائيّة والأدوية والمشتقّات البتروليّة، معتمدا على وسطاء اسميين للالتفاف على العقوبات الغربية ، أو وسطاء محميين بشبكاته الأمنية، لتسهيل عملية تبادل المنتجات بين مناطق النفوذ المتعددة، كمجموعة القاطرجي، سيما وأن أكثر من 90 بالمائة من الاحتياطي النفطي، ونصف الغاز السوري، ومعظم الثروات الزراعية تقع خارج، سيطرته.
لقد كان الأهم بالنسبة للنظام الإنفاق على آلته العسكرية، لتمويل توسيع نطاق نفوذه مدعوماً بحليفيه الروسي والإيراني ومقابل ذلك كان عليه توقيع اتفاقيات استراتيجية، مع كل من روسيا وإيران لاستثمار الثروات الطبيعية من نفط وغاز وفوسفات، وموانئ ومطارات، لآجال طويلة (7) لتعويض قيمة مساهمتهما في العمليات العسكرية.
هذا الإصرار الحكومي على السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة، لتغذية النهب عبر العلاقة مع السلطة ومشاركتها، وإصرار النظام على الحل العسكري، بكلفته الدموية والتدميرية، حيث قدرت الكلفة الاقتصادية للحرب السورية ب 1.2 تريليون دولار أمريكي وفقا لتقديرات تقرير مشترك لمنظمة “الرؤية العالمية وورلدفيجن” وشركة “فرونتير إيكونوميكس”(8)، كل ذلك أعطى العقوبات الخارجية فاعلية حقيقية، حيث ارتفعت نسبة الفقر إلى أكثر من 90%، وفقاً لتقرير صدر في آذار عن صندوق الطوارئ الدولي للأطفال (يونيسيف)(9)، وارتفعت معدلات البطالة، مع تدني الأجور وإرث ضخم من الدين الخارجي سيلاحق الأجيال القادمة ويقيد استقلالية الدولة ومستقبلها.
بواسطة Mouaz Laham | أبريل 18, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟“
إذا كنّا نحن الذين دخلنا عقدنا الثالث أو الرابع أو الخامس من عمرنا مع بداية العقد الثاني من الألفية المتزامن مع عقد الثورة والحرب وتداعياتهما، إذا كنا نشتاق إلى أيام كانت الحياة فيها أكثر هدوءاً وأكثر أملاً ورغبة في غد أفضل؛ فإن الشباب الذين بدؤوا حياتهم مع هذا العقد، وعاشوا الحرب إلى ماذا يشتاقون؟
وإذا كان الحنين أو الاشتياق يمتلك في طبيعته مفعولاً رجعياً ماضوياً، فإن اشتياق هذا الجيل سيتضمن مفعولاً مستقبلياً، عندها تتحول الصيغة اللفظية إلى تطلّع، أو إذا جاز التعبيرإلى حنين مستقبليّ، إلى حلم.
ولأنها لا تعطي أجوبة، ربما لأنها هي جوابٌ يحملُ إبهامه الواضح، وعبثيته المنظَّمة، فإنها في كل لحظة، تطرح الحرب أسئلتها المؤتمتة بخيارات مفتوحة، صعبة، مرهِقة وعصية على الحل.
غالباً ما تكون الحرب جواباً لانغلاق الرؤى، لوهم القوة، لاستبداد الطاغية، لغياب الديموقراطية، لاحتشاء فكريّ وعدم احترام الاختلاف. وقد تأتي استجابة لقهر تسلطيّ، لنعي المدنية وانعدام الأفق.
ولأنها جوابٌ ناقص، تطرح نفسها كأسئلة محايثة وضاغطة على أعصاب تشعر أنها تفقد القدرة على التحمل في كل لحظة، أعصاب ليست من قش لكنها مهدَّدة بالاحتراق في كل لحظة أيضاً.
من بين الأسئلة الكثيرة التي تطرحها الحرب تبرز على السطح أسئلة: الهوية، المواطنة، المصير، الذات والآخر، التعددية، العدالة والكرامة الإنسانيتين. ورغم أن هذه المصطلحات، تبدو لأول نظرة وكأنها صياغات لغوية أو فكرية تأطيرية، إلا أنها في الواقع ستأخذ معنى: القتل، التهجير، تدمير المنازل، الاعتقال، عدم الاحترام، الطرد من العمل، غياب الفعل الثقافي، أزمات مستدامة، أزمة وقود، أزمة مياه، والعيش على خط الصفر الحياتيّ دون ضامن، والمستقبل في حكم ضمير غائب.
إن الحرب جريمة عقلانية! بمعنى أن فعل القتل يتم أخذ القرار به وصوغه وتنفيذه بشكل إراديّ وعن سابق إصرار وتصميم، هذا يجعل منها رغم عبثيتها عقلانيةً، وسنرى قَتَلة بثياب أنيقة وأيدٍ بيضاء وبكامل قواهم العقلية، لذلك فإن الحرب لا تُحيل إلى ذلك المعنى التقليدي المتضمن فريقين متحاربين أو أكثر فقط، بل تحيل إلى كلمة أشد عمقاً وأعنف تأثيراً: الفقد. إنها تجعل منه فقداً نهائياً، إنها الكلمة التي لن نجد غيرها.
أرقام باردة..حياة حارة
تقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف مليون شخص قتلوا في سوريا منذ آذار2011.
وتقدر منظمة هيومان رايتس ووتش العدد بـ 400 ألف قتيل، بينما يوثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 384ألف شخص منهم أكثر من 116 ألف مدني من بينهم 22 ألف طفل و 13 ألف امرأة، ومقتل 129 ألف جندي سوري و1637 عنصر من “حزب الله”، و 57 ألف من مقاتلي المعارضة، و 13 ألف من قوات سوريا الديمقراطية. ووثق المصدر مقتل 67 ألف من مقاتلي داعش وجبهة النصرة والفصائل الأخرى و421 شخصاً مجهول الهوية.
وحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة في 2020 هناك 6.6 مليون نازح داخلي، و 5.6مليون لاجئ. بينما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 129973 شخصاً منذ بداية الثورة، و13983 شخصاً قتلوا جراء التعذيب.
في 6 آذار 2019 نشر معهد البحوث والتدريب التابع للأمم المتحدة(VNITAR) أطلساً للدمار في سوريا معتمداً على الوقائع وصور الأقمار الصناعية، مفصلاً حجم الدمار الذي تعرضت له المباني في المدن السورية. تصدرت حلب القائمة بـ 35722 مبنى مدمر بين دمار كليّ أو بالغ أو جزئي: غوطة دمشق34136 مبنى، حمص 13778 مبنى، الرقة 12781 مبنى، حماه 10529 مبنى، دير الزور 6405 مبنى، المخيم والحجر الأسود 5489 مبنى، الزبداني 3364 مبنى، عين العرب 3247 مبنى، درعا 1503 مبنى، ادلب 1415 مبنى، تدمر 651 مبنى.
بالإضافة إلى دمار القرى والبنى التحتية والمدارس والمستشفيات، حيث قدرت الأمم المتحدة حجم الدمار بما قيمته 400مليار دولار.
إلى ماذا نشتاق؟
سؤال حاد تطرحه الأرقام والوقائع والحياة المعاشة. كل بيت فيه فقد، كل عائلة عانت. إننا نفتقد من فقدناهم، نفتقد البيوت ورائحتها. ونتطلع إلى هدوء له ملامح سياسية يأخذ شكل دولة تعددية ديمقراطية، وملامح اقتصادية تأخذ شكل دخول جيدة وفرص متكافئة واقتصاد تعددي بلا استغلال وحياة بلا أزمات، نتطلع إلى دولة تقوم على المواطنة والاحترام والقانون.
إن الكتابة عن الكارثة، لا يمكن أن تعادل الكارثة، إنها نسق متتابع لفظي تكراري يحاول وصف، شرح ، تشريح الحدث المأساوي، الكتابة موازاة، الكارثة شيء متفرد وخارج حدود الكتابة. يمكن أن تكون الكتابة شكل من أشكال الاعتذار من الضوء، من الفجر، من الأرض، من الدم. يمكن أن تكون ندماً دائماً أو إيذاناً ببدء الحداد، لكنها لن تكون بمستوى الجريمة. يمكنها أن تأخذ شكلاً ارتدادياً للصراخ، يمكن أن تأخذ الشكل المعقوف لعلامة استفهام كبرى في “زمن القَتَلة”، لكنها لن تعادل ألم أصوات القتْلى والمفقودين والمهجَّرين.
بواسطة عامر فياض | أبريل 16, 2021 | Cost of War, Culture, Reports, غير مصنف
*تم نشر الجزء الثاني من هذه المقالة تحت عنوان “هجرة الموسيقيين السوريين ٢ من ٢ مبدعون في بلاد الاغتراب“
موسيقيون هاجروا وفرق اختفت وأصوات لجأت إلى الصمت
الحرب التي طال دمارها وأذاها كل أنواع الثقافة والفنون في سورية، طغى صوتها على صوت الموسيقى فهجّر خيرة موسيقيي البلاد الذين كان لهم الفضل الكبير على موسيقاها التي تركوا في تاريخها بصماتٍ ولمساتٍ فريدة وناصعة، لا يمكن محوها، سواء كعازفين أو مؤلفين أو مدرسين، فكان رحيلهم عن البلاد، التي كانت تتنفس وتنبض من خلالهم، خسارة كبيرة وموجعة لا يمكن تعويضها بأي ثمن.
الهجرات المتعاقبة التي سببتها الحرب غيَّبت الكثير من خبرات ومدرسي المعهد العالي للموسيقى، الذين أغنوا الموسيقى الأكاديمية ونهضوا بواقع تدريسها فخرّجوا أفضل الموسيقيين، هذا إلى جانب كونهم أعضاء مؤسسين في أبرز الفرق الموسيقية الوطنية، من بينهم : مغنية الأوبرا العالمية، مدرّسة الغناء الأوبرالي ورئيسة قسم الغناء الشرقي لبانة القنطار. المؤلف الموسيقي، مدرس آلة العود، رئيس قسم الموسيقى الشرقية وقائد الأوركسترا الوطنية للموسيقى العربية عصام رافع. المغني وأستاذ الغناء والكورال ونظريات الموسيقى باسل الصالح .عازف ومدرس آلة العود ونظريات الموسيقى الشرقية أيمن الجسري، وهو مصنع أعواد، عمل على تطوير تلك الصناعة وأضاف إليها الكثير. عازف ومدرس آلات الإيقاع الشرقي جمال السقا. عازف ومدرس آلة القانون فراس شهرستان. وعازف ومدرس آلة الناي مسلم رحال، هذا بالإضافة للملحن وعازف الكلارينيت الشهير كنان العظمة، الذي عزف مع أهم الفرق العالمية وحصل على العديد من الجوائز، وغيرهم الكثير.
إلى جانب ذلك خسرت الفرق الموسيقية الوطنية، التابعة للمعهد العالي ودار الأوبرا، خيرة أعضائها، المشهود لهم بخبراتهم ومقدراتهم ومهاراتهم الاحترافية العالية، والذين عَمِل معظمهم أيضاً كمدرسين، في المعهد العالي ومعهد صلحي الوادي وغيرهما، وكعازفين مع أبرز الفرق السورية، إلى جانب عمل بعضهم في مجال التأليف والتوزيع الموسيقي، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر عازفي القانون توفيق ميرخان، يامن جذبة وعازفي العود ماهر محمود، أنس مراد، مالك وهب، مهند نصر، نبيل هيلانة، جمال بشر ورحاب عازر، عازف الناي محمد فتيان، عازفي الإيقاع فراس حسن، عامر دهبر وبادي رافع وعازف البزق إياد عثمان (توفي في لبنان قبل نحو عامين). هذا إلى جانب عازفي الوتريات: وليد خطبا، جهاد جذبة، أغيد الصغير (كمان). إيهاب أبو فخر، رامي فيصل ورغد حداد (فيولا). باسيليوس عواد وهديل ميرخان (تشيلو). رائد جذبة وفجر العبدالله (كونتر باص). والمغنيون أيهم أبو عمار، بيان رضا، ميرنا قسيس، همسة منيف، طارق الحمد، أسامة كيوان وغيرهم الكثير.
كما غادر سورية فنانون أثبتوا حضورهم في الساحة الفنية وفي ذاكرة السوريين خلال سنوات ما قبل الحرب، من بينهم: مغنية الأوبرا رشا رزق، وهي مُدرِسة سابقة في المعهد العالي للموسيقى، وغنَّت العديد من شارات برامج الأطفال التي علِقَت بأذهان ملايين الناس، وأصدرت ثلاثة ألبومات غنائية ” إطار شمع ، اللعبة، وملاك”. مغنية الأوبرا ديما أورشو التي شاركت مع كثير من الفرق وغنت عدداً من شارات المسلسلات السورية كالمسلسل الشهير “بقعة ضوء”. الملحن والمغني باسل داوود، الذي لحن الكثير من الأغاني وعزف مع فرقة السيدة فيروز وله عدد من المؤلفات من بينها ألبوم “شو قال”. المغنية لينا شاماميان التي دخل صوتها لمعظم بيوت السوريين وأصدرت عدداً من الألبومات الغنائية من بينها “هالأسمر اللون، شامات، غزل البنات”. هذا بالإضافة لأسماء كثيرة أخرى.
الهجرة طالت أيضاً أسماء كبيرة شكلت علامة فارقة في مسيرة الموسيقى السورية كالمؤلف والباحث الموسيقي الكبير نوري اسكندر، وهو من سلط الضوء على جماليات الموسيقى السيريانية ومقاماتها، وله عدد كبير من المؤلفات الآلية والغنائية المميزة من بينها: كونشيرتو العود، كونشيرتو التشيلو، تجليات، والموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات.
فرق موسيقية لم يعد لها وجود في سورية
“حوار، طويس، إطار شمع، بروكار، مرمر، ارتجال، وجوه، حراراة عالية، طنجرة ضغط، أنس أند فريندس، فرقة باسل رجوب، جين، تشيلي باند، شام mcs لموسيقى الراب، سوزدلار، أبو خليل القباني، مسام، إنسانيتي. زودياك”، تلك أسماء لبعض الفرق الموسيقية الكثيرة، المختلفة والمتنوعة الأنماط، والتي كانت تصدح في مسارح البلاد خلال سنوات ما قبل الحرب، فأغنت الذائقة السمعية العامة وأضافت الكثير لواقع الموسيقى السورية، ومع رحيل عازفيها عن البلاد غاب أسماء أغلبها عن سورية، ولم يعد لها أي وجود.
فرقة حوار وتتكون من العازفين: كنان العظمة (كلارينيت)، عصام رافع (عود)، ديمة أورشو (غناء) خالد عمران (كونترباص)، سيمون مريش (درامز)، بادي رافع (إيقاع). قدمت الفرقة أساليب موسيقية متنوعة وجديدة، دمجت بين أنماط مختلفة من الموسيقى الشرقية والكلاسيكية والجاز والأوبرا، وقدمت أعمالاً تعبيرية تعتمد على الحوار بين الآلات الموسيقية والأصوات الغنائية. وقد حققت الفرقة حضوراً متميزاً في المشهد الموسيقي السوري، فإلى جانب ما قدمته من الحفلات الكثيرة على مختلف المسارح السورية، العربية والعالمية، أطلقت ألبومين بعنوان “حوار” و ” تسعة أيام من العزلة”. وخلال الحرب تفرق شمل عازفيها ولم يتبقى منهم داخل سورية سوى الأستاذ سيمون مريش.
فرقة رباعي طويس، وهي تخت شرقي تقليدي، تضم: عصام رافع (عود)، فراس شهرستان (قانون)، مسلم رحال (ناي)، راغب جبيل (إيقاع)، وهو العازف الوحيد، من بينهم، الذي بقي داخل سورية. عملت الفرقة على البحث في جذور الموسيقى الشرقية والعربية وقدمت الكثير من الأعمال الموسيقية الآلية الفريدة كالسماعيات واللونغيات والرقصات، إلى جانب بعض الأعمال الشرقية الكلاسيكية، كما أطلقت ألبوماً موسيقياً بعنوان ” إنسان”.
فرقة “ إطار شمع“، تأسست على يد عازف الغيتار، المؤلف والموزع الموسيقي إبراهيم سليماني، ومغنية الأوبرا رشا رزق، وقد عَمِلا على تأليف معظم الأغاني التي قدمتها الفرقة، والتي عبَّرت عن صوت الشباب وأحلامهم ومشكلاتهم. قدمت الفرقة شكلاً موسيقياً خاصاً يدمج بين أنماط موسيقية مختلفة ويعتمد على الجاز والروك والموسيقى اللاتينية، وأصدرت عدداً من الأعمال الغنائية من بينها ألبوم “بيتنا“. وتضم الفرقة إلى جانب مؤسسيها: طارق صالحية (غيتار) وأنس أبوقوس (غناء)، عمر حرب (غيتار بيس)، ميلاد حنا (درامز)، عمر المصفي (إيقاع) وغيرهم. وقد غاب اسم الفرقة عن سورية مع سفر مؤسسيها وأغلب عازفيها.
فرقة بروكار وتعنى بتقديم الموسيقى الشرقية والعربية، الغنائية والآلية، بأساليب معاصرة وطرق توزيع جديدة، وتتألف من العازفين: عدنان فتح الله (عود)، توفيق ميرخان (قانون)، عامر دهبر (إيقاع)، مضر سلامة (درامز)، فجر العبدالله (غيتار). سافر جميع أعضاء الفرقة باستثناء الأستاذ عدنان فتح الله وهو حاليا عميد المعهد العالي للموسيقى وقائد أوركسترا الموسيقى العربية.
فرق موسيقية قد لا يكتب لها البقاء
فرق موسيقية كثيرة حاولت أن تستمر رغم خساتها لأفضل عازفيها، ولكنها اليوم قد تعجز عن الاستمرار، من بينها فرقة “رباعي العود السوري“. أسسها أستاذ العود والبزق في المعهد العالي محمد عثمان، وشكلت تجربة هامة لآلة العود. وخلال الحرب تبدل عازفوها أكثر من مرة نتيجة الهجرات المتعاقبة، وكانت تضم في آخر تشكيلٍ لها، إلى جانب الأستاذ محمد عثمان، كلاً من نوار زهرة، أنس العودة، فضول سعد. قدمت الفرقة العديد من القطع الموسيقية الآلية التي أبرزت قدرات آلة العود وجمالياتها، وأحيت عدداً من الحفلات في بعض المسارح السورية والعربية، كما حصلت على منحة “اتجاهات- ثقافة مستقلة” وأصدرت ألبوماً موسيقياً بعنوان “ضياع”، ومع بداية العام الحالي سافر اثنان من أعضائها (فضول سعد، أنس العودة).
فرق موسيقية فريدة وأصيلة
الحرب غيَّبت فرقاً موسيقية فريدة ونوعية، تنبض بالأصالة والتاريخ وتحمل في جعبتها إرثاً فنياً نادراً وغنياً، كفرقة “تهليلة” و”شيوخ سلاطين الطرب” و”نوا”. فرقة “تهليلة” وهي بإدارة وإشراف الأستاذ هشام الخطيب، انبثقت عن مؤسسة تهليلة التي تشكلت عام 2000 على يد المنشد السوري العالمي الشيخ الراحل حمزة شكور. الفرقة حافظت على تراثٍ وتاريخٍ فني نادرٍ ومميز يحاكي صوفيي التكايا والزوايا، وقد عمِلت على تقديم الموسيقى الروحية والصوفية والأندلسية، بالإضافة لفن الموشحات والأغاني الصوفية والتراثية، والإنشاد الديني الذي يبرز جماليات التراث الإسلامي، إلى جانب عروض الرقص المولوي (الدراويش) ورقص السماح، وقد قدمت الكثير من العروض في المسارح السورية، ومسارح البلاد العربية والإسلامية وبعض البلدان العالمية، ومثّلَت سورية في الكثير من المهرجانات. وخلال الحرب بدأ أعضاء الفرقة بمغادرة البلاد، وكانت الخسارة الكبرى في أواخر عام 2015، بعد مشاركتها في مهرجان طرابلس الدولي للموسيقى الصوفية والروحية، في لبنان، حيث سافر قسم من أعضائها، عابرين بحر طرابلس نحو تركيا، من بينهم مديرها هشام الخطيب، وقائدها، آنذاك، الموسيقي يامن جذبة.
فرقة “شيوخ سلاطين الطرب“، تأسست عام 2000 في مدينة حلب وضمت خيرة مطربي ومنشدي وعازفي المدينة، وهي امتداد لفرقة “شيوخ الطرب” التي تأسست عام 1956 بإشراف الفنان الكبير صباح فخري ومحمد خيري ومصطفى ماهر. تعنى الفرقة بإحياء التراث العربي ونقله إلى العالمية، وتقدم فن الموشحات والقدود الحلبية والأدوار والقوالب الغنائية المتوارثة في حلب كالمواويل والفاصل وكل ألوان الغناء الطربي الأصيل. شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات السورية والعربية والعالمية، كمهرجان صفاقس والقيروان، وفي عام 2011 أوقفت نشاطاتها الفنية في مدينة حلب بعد تفككها وتفرق شمل أعضائها، ثم عادت لتتشكل بشكل جزئي، في مراحل مختلفة، في لبنان والأردن وبعض الدول العربية، عبر جمع بعض أعضائها الأساسيين لإحياء بعض الحفلات المتفرقة.
فرقة “نوا” تشكلت في مدينة حلب على يد الموسيقي وعازف الإيقاع إبراهيم مسلماني، الذي سافر عام 2012 مع أعضاء آخرين إلى تركيا. عَمِلت الفرقة على تقديم الموشحات والقدود الدينية والغزلية، إلى جانب توثيق وتقديم الكثير من فصول الذكر المتوارثة في حلب، وبعض الألحان والفصول القديمة التي نُسيت أو حُرِفت عبر السنين. الفرقة أغنت الموسيقى السورية بإعادة إحيائها لكثير من الأعمال التراثية التي تعود لعهد الاحتلال العثماني وما بعده، كما نفضت الغبار عن أعمال نادرة وقيِّمة كانت مهددة بالاندثار، فأعادت تجميعها، بعد الإستعانة بكثير من الوثائق، ومن ثم تسجيلها مع الحفاظ على روحها وأصالتها. وقد شاركت الفرقة في كثير من المهرجانات الصوفية والروحية، في بعض المسارح العربية والعالمية، وأصدرت ألبوماً بعنوان “ابتهالات صوفية قديمة وأغاني منسية من حلب”، كان بمثابة كنز نفيس أضاف الكثير لمكتبة الموسيقى العربية.
الفراغ الكبير الذي خلَّفه رحيل الموسيقيين السوريين لا يمكن ملؤه في المستقبل القريب، وقد تحتاج البلاد لسنوات طويلة لتعوِّض ما خسرته برحيلهم الذي سرق معه الكثير من جماليات الموسيقى السورية وإرثها وروحها وغناها وتنوعها، وسيترك آثاره السلبية على هويتها المستقبلية.
بواسطة طارق انطون | أبريل 15, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
لم تعد أحلامنا التخرج من الجامعة والحصول على فرصة عمل لإكمال الطريق في هذه الحياة الموحشة، بل نبحث عن وسيلة نقل لنصل إلى البيت أو الجامعة، هذه كلمات رامي ابن التاسعة عشر عاماً عندما سألناه عن أحلامه بعد عشر سنوات من الحرب في سوريا.
يشير رامي إلى أنه يخرج من منزله قبل ساعتين من أي موعد: “حتى إذا ما لقيت سرفيس ما في حل إلا كمل مشي”. وتشهد مناطق الحكومة السورية وخاصة دمشق نقصاً في المحروقات، ما أثر على وسائل النقل وقلص عددها بشكل كبير جداً، لتعيش العاصمة السورية حالة من الشلل.
حلم ركوب سرفيس سوري
قبل أيام تمكنت من ركوب سرفيس بعد انتظار دام أكثر من ساعة، حيث كان عدد الراكبين قليلاً، قبل أن تتهافت الناس على الركوب في الموقف التالي، وعندما تنظر إلى وجه من يفوز بمقعد بعد معركة من التدافع ترى فرحة وكأنه كسب جائزة يانصيب، أو تذكرة سفر إلى جزر المالديف، حيث يمكنك النظر إلى الوجوه لتكتشف كمية الارتياح وكأنها تقول “حلم وتحقق”.
يصعد الركاب ويقول السائق: “الأجرة 400 ليرة ويلي مو عاجبو ينزل”، صمت يملأ السرفيس ويدفع الجميع المبلغ على الرغم من أن الأجرة هي 75 ليرة سورية. تقول راكبة بجواري: “الكل بدو يستغلك من الصغير للكبير.. المواطن حصالة دهب.. نتفوا ريشنا على الآخر.. صار حلم تركب سرفيس”.
وعندما يصل السرفيس إلى الموقف الأخير ستجد في استقبالك حشداً جماهيرياً لن يسمح لك حتى النزول إلا بعد معاناة كبيرة، والتي قد تفقد خلالها أحد أغراضك الشخصية، فالجميع يريد الفوز بمقعد في السرفيس.
وفي حال لم تتمكن من كسب مقعد في السرفيس، سيكون خيارك الثاني سيارات الأجرة الأغلى سعراً، حيث يأخذ السائق أجرة كما يشاء والتي تصل إلى ضعفين أو ثلاثة عن الأيام السابقة دون حسيب أو رقيب.
ومع قلة وسائل النقل العامة لجأ السوريون إلى سيارات الأجرة مرغمين، والتي تعتمد على تجميع الركاب ونقلهم إلى منطقتهم مقابل مبلغ يرتفع بشكل يومي، أما الراكب فبات الحلقة الأضعف فهو لا يريد سوى الوصول إلى منزله بعد يومٍ من “الشنشطة والتعتير”.
حلول منتهية الصلاحية
ذكرت مصادر من محافظة دمشق أنها تقوم بتسيير العديد من باصات النقل الداخلي ليل -نهار بشكل يومي ، وقال مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق وريفها سامر حداد لوسائل إعلام محلية: “أدت مشكلة المحروقات لخروج منظومة السرافيس بشكل شبه دائم، وبدأت تعود تدريجياً، والنقص الحاصل قمنا بتغطيته بباصات النقل الداخلي بنسبة وصلت ما بين 95٪ و96٪”.
وخلال جولة قصيرة في شوارع العاصمة لن تجد على جوانبها إلا أناساً ينتظرون وسيلة نقلٍ، ويركضون كأنهم في سباق ماراتون عندما يظهر سرفيس وسط استقبال يشبه استقبال الفاتحين.
يقول سامر في منطقة البرامكة بدمشق: “صار عمري خمسين سنة ما ضل عندي لا حلم ولاشي.. بدي أوصل على بيتي بعد الشغل وساعة كهربا زيادة وأمن شوية أكل لعيلتي”.
وبالنسبة للحلول الحكومية وتسيير الباصات تشير رؤى (موظفة في شركة خاصة) إلى عدم فائدتها كون عددها قليلاً وتضيف: “إذا في 100 ألف شخص والمحافظة عم تبعت 10 باصات شو الفائدة!.. الزحمة والقتال والتدافع مستمر حتى نركب”.
هذا الوضع دفع الحكومة السورية لتخفيض عدد العاملين في الوزرات والمؤسسات الرسمية، كما تقرر إيقاف الدوام في الجامعات بحدود الأسبوعين بالإضافة إلى بعض الصفوف في المدراس.
انتهت الأحلام
لم يعد هناك أحلام وطموحات في هذا البلد، لا مجال للتفكير سوى بالمواصلات والكهرباء ولقمة العيش، هذا ما يتحدث عنه سمير (25 عاماً)، ويضيف “تخرجت من كلية العلوم ودورت على شغل وما لقيت إلا مطعم فلافل أشتغل فيه ب80 ألف ما بتكفي مواصلات”.
أما رويدة (طالبة جامعية) تذكر أنها من ستة أشهر تركت كلية السياحة واتجهت للعمل في مشغل خياطة حتى تساعد أهلها في المصروف، وتقول: “تخليت عن حلمي بالتخرج والسفر خارج سوريا، لأن المصاريف أصبحت كبيرة على أهلي”، وتذكر أنها تضطر كل يوم للوقوف على دور الخبز كون والديها كباراً بالسن، ثم تذهب إلى العمل مشياً لعدم توفر المواصلات.
في محال بيع المواد الغذائية ستجد أحلاماً صغيرة كبرت ولم يعد الأطفال قادرين على اللحاق بها، يدخل طفل صغير وبيده 200 ليرة يأخذ قطعة حلوى صغيرة يخبره البائع بأنها أصبحت بـ 500 لترتسم على وجهه معالم الحزن والاستغراب، ويبحث عن شيء آخر بالمبلغ الذي يحمله دون أن يجد ليخرج من المحل على الفور.
ولا يمر يوم دون أن تشهد الأسواق السورية ارتفاعاً في أسعارها بالتزامن مع صعود سعر صرف الدولار، وعندما ينخفض تبقى الأسعار كما هي دون أي تراجع وسط غياب أي رقابة حكومية.
أحلام سورية خالصة
عندما تسأل الشعوب عن أحلامها لابد أن تكون الأجوبة تتعلق بالسفر والسياحة أو شراء سيارة أو منزل أو الزواج في الأحوال الطبيعية وغير ذلك من أحلام الإنسان، لكن في سوريا هذه الأحلام تبخرت واختفت من القاموس السوري منذ سنوات.
يقول جاد: “عمري 30 سنة ما بملك أي شي، لا بدي زواج ولا سفر، بدي حس بالاستقرار والأمان، كل يوم بالبلد عذاب، راكضين ورا الكهربا والخبز والمواصلات.. الناس وصلت على القمر ونحن خارج التغطية”.
أما أحمد (26 عاماً) فيتحدث عن أحلامه عندما كان صغيراً وكيف اختلفت بالكامل: “كان الأستاذ بالمدرسة يسأل الطلاب عن أحلامهم، وكنت جاوب بأني أحب أن أصبح مهندساً”، ويضيف: “لقد تخرجت من الجامعة ولم يتمكن أهلي من مساعدتي بسبب ظروف البلاد، وحالياً أعمل في سوق الهال وأنهي عملي مساء، على أمل أن أعود إلى بيتي وأجد وسيلة نقل بشكل سريع وكهرباء في المنزل لأتمكن من الاستحمام”، ويؤكد أحمد أن هذه أقصى طموحاته حالياً.
يبدو أن الأحلام الاعتيادية الخاصة بالحياة والتي يحلم بها أي شخص بالعالم، قد تلاشت وتبخرت في سوريا لتحل مكانها أحلام حياتية تتعلق بالأكل والمواصلات والكهرباء والتي تطغى على أي شيء عندما تظهر، وكما يقول جرير:”نظرت الى الحياة فلم أجدها سوى حلم يمر ولا يعود”.
Picture Source: Ali A Suliman*