بواسطة الحسناء عدرا | أبريل 2, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
يتصدر الحصول على ربطة خبز بشق الأنفس عبر البطاقة “الغبية” وفق ما يسميها السوريون، طليعة أزماتهم اليومية وأشدها إيلاماً. حالة ازدحام خانقة تشهدها الأفران حتى ساعات الليل المتأخرة. نادراً ما تقع عيناك على وجه يرتدي كمامة أو أن ترى أحداً يتبع أدنى الإجراءات الوقائية من فيروس “كورونا” في نسخته الجديدة انطلاقاً من مبدأ المساومة بين الموت جوعاً أو بالفيروس، لتمتد ساعات الانتظار إلى أكثر من أربع ساعات متواصلة، إلا أنه في حالات استثنائية وعند ووجود “واسطة جوا الفرن” يمكن للمرء تجاوز الأدوار والمرور متخطياً العناقيد البشرية الملتحمة فوق بعضها، فهنا لكل شيء ثمن، لكن هناك من يعجز عن رشوة الانتظار، تراه يضبط جهازه الخليوي عند الساعة الرابعة فجراً لينهض منذ ساعات الشقاء الأولى لحجز مكان له في طابور الخبز الذي لا ينتهي، كي يفوز ببضعة أرغفة ساخنة تسد بطون أطفاله الخاوية بعد انتظار ذليل، لأنه لا يملك ترفي الاختيار والتململ. يقول أحدهم: “ببساطة، إذا ما نطرت، بناموا ولادي جوعانين وبيبكوا من الجوع “.
تقف أم عمر إلى جانب محل بزورية بانتظار خروج ابنتها ظافرة بزجاجة عرق سوس تحضيراً لقدوم شهر رمضان الذي يبدو أنه سيكون غير كريم هذا العام على خلاف السنوات الماضية. تستقبلها بشهقة طويلة لدى سماعها سعر العبوة الذي تضاعف ثلاث مرات، فيما لائحة الاحتياجات الأساسية تطول وتتمدد، تقول السيدة الخمسينية بحسرة: “أنفقت اليوم مبلغ ستين ألف ليرة على حاجيات صغيرة، منها ليتر زيت نباتي بـ 7 آلاف ليرة، بت أقنن استعماله وأستخدمه عند الضرورة القصوى، قلصت وجبات المقالي، لأستبدلها بالمشوي، كما اشتريت كيلو تفاح وآخر برتقال، بعد أن ألح أحفادي على شرائه بعد طول اشتهاء، ابني أيضاً لديه امتحانات ويجب أن يتناول بعض الفواكه”.
قاطعت السيدة مجبرة صنف البيض منذ أكثر من 15 يوماً لارتفاع سعره، ليوبخها الطبيب على فعلتها المشينة بحق صحتها، وتعقب: “أعاني من مرض هشاشة العظام، قاطعت الحليب والبيض، وبخني الطبيب على ذلك، لا أستطيع شرائهما، فسعر صحن البيض يصل إلى 6500 ليرة”. تختصر حديثها بالقول: “صرتي تخافي تطلعي برا البيت من كتر الغلا، كل يوم سعر جديد”.
أسعار اللحومات والخضار تحلق عاليا ًعلى إيقاع “الدولار” الذي يعتبر التعامل معه في العلن تهمة تقودك إلى السجن، بينما راتب الموظف الهزيل مازال على الليرة السورية،
فسعر كيلو لحم الغنم يصل إلى 28 ألف ليرة، وكيلو الدجاج 6 آلاف ليرة. هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار دفع العديد من الأسر السورية إلى إتباع سياسة التقتير وإزاحة الكماليات لصالح الضروريات القصوى، كحال أحلام التي اعتمدت على المأكولات الغنية بالخضار والإكثار منها في برنامج أسرتها الغذائي اليومي وتوضح: “لم أعد أذكر آخر مرة دخلت اللحمة منزلنا، أما الدجاج فمرة بالأسبوع، احتفظ بفروج في الثلاجة منذ 20 يوماً تحسباً لأي دعوة غداء مفاجأة”.
غير أن هذا الغلاء الفاحش لا يمكن أن تجد له أثراً على شاشات الإعلام المحلي، بل يختفي ويتلاشى تماماً عبر حركة خُلبية بـ”الكاميرا السحرية” التي تتجول في صالات البيع المباشر بحثاً عن لائحة أسعار غير منطقية لتبدلها بأخرى منطقية يتقبلها عقل وجيب المواطن، وما إن ترحل “الكاميرا السحرية” يُعاد تعليق لائحة الأسعار الحقيقة.
تتلقف سمر خبر ارتفاع سعر ليتر الزيت النباتي الذي وصل إلى 8 آلاف ليرة بالسخرية والتهكم قائلة: “أفكر جدياً بتعبئة الزيت في عبوة الكحول ورش الطعام بقطرات معدودة، الغلاء لا يصدقه عقل”.
أخذت التوابل والبهارات والمكسرات حصة الأسد من موجة الغلاء، إذ تفوق الصنوبرعلى الذهب، فوصل سعر الكيلو الواحد إلى 240 ألف ليرة، أي ما يقارب غرام وربع من الذهب. أصيبت أم عبدو بالدهشة لدى سماعها بسعر الوقية الذي وصل إلى 80 ألف، تقول والذهول يغزو معالم وجهها: “حتماَ، سيكون الدخل الشهري للشخص الذي سيشتري الصنوبر بالملايين، بالنسبة لي نسيته منذ دهر، واستبدلته بحبات فستق العبيد”.
أُلحقت أزمة الوقود بأخواتها، إذ أصدرت اللجنة المتخصصة بالمحروقات منذ عدة أيام قراراً بتخفيض حجم الكمية من المواد البترولية بالنسبة للسيارات بمعدل ما يقارب 50% في العاصمة دمشق، حيث خصصت للسيارات الخاصة والسياحية 20 لتر بنزين كل 7 أيام، أما بالنسبة للسيارات العمومية (تاكسي) فقد تم تخفيض الكمية إلى 20 لتراً وتعبئتها كل 4 أيام.
فيما شمل القرار السرافيس العاملة على الخطوط داخل العاصمة وإيقاف إمدادها بمادة المازوت أيام الجمعة. ويقول إبراهيم الذي يعمل سائق سيارة أجرة ظهراً وموظفاً صباحاً: “رفعوا سعر البنزين وماعادت توفي معنا، العالم ماعم تركب تكاسي، عدا عن نوعية البنزين السيئة، مخلوطة مع زيت وكلها شوائب”.
يعزو المحلل الاقتصادي شادي أحمد سبب تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا إلى “اختلال قوى الإنتاج نتيجة الحرب أولاً، والعقوبات الاقتصادية ثانياً، وخروج معظم الإمدادات كالقطن والنفط من سيطرة الحكومة السورية ثالثاً، الأمر الذي حول الاقتصاد السوري من اقتصاد يستورد كل شيء بعد أن كان يصدر معظم ما ينتج”. يوضح المحلل “أن الأسرة السورية وفق سلم النفقات باتت تحتاج إلى 3 منتجين لتتمكن من العيش، أي تشكل حوالي 80% من الدخل ينفق على الطعام والشراب وبعض الدواء بسبب غلاء الأسعار، بمعنى آخر لا تستطيع العيش بدخل واحد”.
وكانت صحيفة الوطن المحلية نشرت تقريراً صادراً عن “نقابات العمال” في بداية العام يوضح ارتفاع تكاليف المعيشة في سوريا بشكل غير مسبوق، حيث ذكر التقرير أن الأسرة المكونة من 5 أشخاص أصبحت تحتاج إلى 600 ألف ليرة سورية لسد نفقات المعيشة في الشهر، ليشير التقرير إلى تراجع القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة 90% نتيجة الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية التي وصلت إلى مستويات تجاوزت 1000%. في الوقت الذي أصبح هناك فجوة كبيرة بين الأسر السورية فهناك عائلات لا يتجاوز متوسط دخلها الشهري حاجز50 ألف ليرة سورية.
بواسطة Mason Al-Shaheen | أبريل 1, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
“كعادتي كل صباح أشرب القهوة أمام نافذة غرفتي المطلة على الشارع الرئيسي في المدينة، أراقب الغيوم الرمادية في السماء فأتوقع طقساً ماطراً؛ ثم أسأل نفسي ماذا عن طقس الشارع اليوم؟ أطالع وجوه المارة بحثاً عن إجابة فيتوقف نظري بالتحديد عند الصيدلية المقابلة لمنزلي، لا يكاد يخرج أحدهم منها حتى يدخل الآخر، حركةٌ من النشاط اللافت لا تشبه حالة الركود التي تعيشها البلد أو المحلات المجاورة لها والفارغة إلا من أصحابها، أستذكرُ اعتياد عائلتي منذ الطفولة على تقديم مساعدة مادية لصيدلية القرية في كل موسم أو مناسبة. أعود لأسأل نفسي ماذا عن صيدلية المدينة هل يمكنني فعل شيء؟ وقبل أن أنهي القهوة غادرت المنزل قاصدةً تلك الصيدلية وسمعت الإجابة التي أريد: “نعم بالتأكيد.”بهذه العبارات تحدثت راما (اسم مستعار) والتي تبلغ من العمر 26 ربيعاً وتقطن في مدينة جرمانا في ريف دمشق الجنوبي.
تعمل راما في مجال التدريب الشبابي وتكمل دراستها العليا في جامعة دمشق. تفكر راما في مدى الحاجة إلى الدواء، في حرب تدخل عامها العاشر، وتواصل إطلاق رصاصها على حياة السوريين بدءاً من انهيار الليرة السورية وما يرافقه من جنون في الأسعار، وصولاً إلى طوابير انتظار الخبز وليس انتهاءً بالوقود والدواء. هذا كله ووباء كورونا في أرض الديار والذي فاقم أزمة الأدوية من ناحية فقدانها أو ارتفاع تكلفتها، فبحسب مديرة الشؤون الدوائية في وزارة الصحة د. رزان سلوطة في تصريحات سابقة لها لوسائل إعلام محلية منذ مدة تقول: “هناك شح في بعض المواد الأولية التي نستوردها نتيجة أزمة كورونا وكثير من الدول أحجمت عن تصدير المواد الأولية لديها.” كما وتتحدث عن جاهزية المعامل التي تعمل بكامل طاقاتها لتأمين كافة أنواع الأدوية خاصة أدوية الضغط والسكري والقلب، ولكن ما أن ينتهي الحديث عن تغيب أو توافر بعض أصناف الدواء ليبدأ حول الارتفاع الكبير في أسعاره وتغيير التسعير من وقت لآخر ومن يوم لآخر إن صح القول.
خبايا الصيدلية
“الخير لو قليل بس موجود والدنيا ما بتخلا” هكذا بدأ السيد (منير) حديثه والذي فضّل عدم ذكر اسمه الحقيقي لأنه بحسب قوله “عمل الخير لا يحتاج أسماء.” ومنير صاحب واحدة من أقدم الصيدليات في جرمانا -هي ذاتها التي قصدتها راما- وعند سؤاله عن المساعدات المالية تحدث عن تردد ثلاثة أشخاص بشكل مستمر على صيدليته منذ ما يقارب ثلاث سنوات، يضعون لديه مبلغاً من المال كي يتم تقديم الدواء مجاناً للمرضى الذين لا يملكون ثمنه، وعند سؤاله عن المعايير التي على أساسها يقدم الدواء مجاناً يقول: “لا شروط ولا معايير هذا يعود للتقدير الشخصي للحالات” ويتابع حديثه؛ عند دخول سيدة كبيرة تسأل في البدء عن تكلفة وصفة الدواء الذي طلبه الطبيب فعندما يرى ارتسام علامات التردد والارتباك على ملامحها يدرك حينها ضرورة تقديم الدواء دون أخذ حقه ويقول للسيدة: “هذا الدواء من فاعل خير”.
ويذكر السيد منير أنه في بعض الحالات تأتي إحداهن وتسأله عن سعر الدواء وبعد معرفتها تخبره أنها ربما تعود ثانيةً فيحدثها عن ضرورة أخذ الدواء ويقدمه دون مقابل وإذا ما رفضت يقول لها: “الدوا ضروري لحالتك خديه وروحي يا حجة”، ذلك أنه حتى عند صرف كامل المبلغ الموجود في الصيدلية من قبل فاعلي الخير، تقديم الدواء مجاناً لبعض الحالات لا يتوقف عند صاحب الصيدلية الذي يقول عن إعطاء دواء لمريض دون مقابل “المريض بشوفها كبيرة كتير”.
كما يذكر أنه عند تقديم الدواء مجاناً لأحد أبناء المنطقة والذين يعرفهم بحكم عمر الصيدلية البالغ نحو 40 عاماً، قد يرفض أحدهم في البداية وذلك بسبب الحرج الاجتماعي لكنه يردد على مسامعهم أن ذلك من فاعل خير كي يخفف من وطأة الموقف عليهم.
بضع حبات تكفي
لا يقتصر الأمر على تقديم المال فقط فهناك العديد من العائلات التي تذهب إلى الصيدلية وفي جعبتها الكثير من علب الدواء المتنوعة التي تنقصها بضع حبات فقط وضمن مدة الصلاحية ليتم تجميعها في صندوق مخصص يتم تقديمه إلى جمعيات خيرية أو مؤسسات أو نشطاء الخدمة الاجتماعية في بعض الكنائس، إذ تملك هذه الجمعيات طبيباً مختصاً قادراً على فرز وتصنيف ووصف الدواء للأفراد الذين يرتادون هذه الجمعيات، كما يمكن تقديمه لبعض المرضى أيضاً وهذا موجود في أغلب صيدليات المنطقة بحسب السيد منير.
تناقضات صارخة
حيث يد الغلاء تضرب وتجرح في كل مكان تأتي يد الخير لتداوي أيضاً في كل مكان، هذا ما يؤكده حديث راما: “صديقتي في القرية التي أنتمي إليها في ريف السويداء الجنوبي افتتحت صيدلية جديدة وباتت تعرف العائلات والنساء الأرامل وأضع لديها مبلغاً من المال بالقدر الذي أستطيع”، وتابعت: “لست وحدي من يفعل ذلك، صديقتي الثانية في القرية محامية تعمل كل فترة على القيام بمبادرات شخصية كجمع مبالغ مالية منها ومن عائلتها وأصدقائها المسافرين في الخارج ووضعه في صيدلية القرية الأساسية خاصة وأنّ صاحبها يعرف كل أهل القرية وعلى دراية بالعائلات والأشخاص الذين لا يمكنهم دفع ثمن الدواء وتحديداً أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري والقلب وبحاجة مستمرة إلى الأدوية، حيث يوجد في الصيدلية أيضاً صندوق مخصص للمساعدات المالية يتم دعمه بشكل كبير من قبل المغتربين.” كما تطرقت إلى عدم اقتصار المبادرات على الدواء، ففي شهر أيلول ومع اقتراب المدارس تم إطلاق مبادرات اجتماعية لدعم التعليم، وكمثال عن ذلك تقول المحامية ميرفت: “قمنا وأصدقائي المقيمين في الخارج بإنشاء مبادرة اجتماعية هدفها جمع التبرعات من أجل تجهيز كافة الطلاب في القرية، ولكافة المراحل التعليمية بالدفاتر والأقلام والكتب نظراً لغلاء القرطاسية ومستلزمات المدارس وكي لا يكون هناك فوارق طبقية بين الطلاب، وتشمل المبادرة تأمين متطلبات الفصل الأول والثاني”، علماً أن هذه المبادرة ليست الأولى فمع بداية الحجر الذي فُرض على البلاد في الشتاء الماضي قامت ميرفت وأصدقائها بتأمين سلال غذائية للعائلات المحتاجة في القرية حسب ما روت.
إننا محكومون بالدواء
من الجدير ذكره أن المبادرات التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات وخاصة المبادرات الفردية والشبابية ازدادت في الفترة الأخيرة في سوريا خاصة في ظل الظروف التي فرضها كورونا والحاجة إلى الأدوية بمختلف أصنافها، إذ يبدو الاستئذان من المسرحي السوري سعدالله ونوس صاحب مقولة “إننا محكومون بالأمل” وارد جداً الآن، فبعد مضي نحو 24 عاماً على مقولته تلك وفي عصر الوباء بات القول اليوم “إننا محكومون بالدواء”، لا سيما في بلد يشهد حالة من الانهيار الاقتصادي وانخفاض مقومات الحياة وارتفاع الأسعار الجنوني ما قد يعني إصابة أفراده بضغط الغلاء لا الدم فقط، وفرط الجوع لا السكري فقط، لكن كما هو الحال في علاج كورونا حيث لا قدرة إلا على معالجة الأعراض لا الأسباب، هكذا تأتي مبادرات السوريين على الصعيد الشخصي والاجتماعي لتكون مسكّناً يساعد في الصبر على آلام المعيشة وتضييق الخناق.
بواسطة Ibrahim Hamidi | مارس 17, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
مر عقد على بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا، ضمن موجات «الربيع العربي». يختلف السوريون على موعد الذكرى، كما يختلفون حول أمور كثيرة أخرى. وخلال السنوات العشر الماضية، تغيرت أمور كثيرة في الجغرافيا والعسكرة والنسيج الاجتماعي، وفي السياسة. ربما شيء وحيد لم يتغير كثيراً، ألا وهو المعاناة.
يتجادل السوريون حول الكثير من الأمور، وتفرقهم قضايا ومسائل، لكنهم جميعاً يشعرون بأنهم في مأزق، داخل البلاد وخارجها، مع أو ضد، عمل سلمي أو عنفي، في مناطق الحكومة أو خارجها. وبصرف النظر عن اللغة و«الداعم»، فهناك جامع واحد: المعاناة. قد تختلف درجاتها، لكن من الصعب العثور على شخص لم يتأثر بشكل مباشر في السنوات العشر المنصرمة. الاستثناء الوحيد هو فئة، قلة قليلة، استفادت في مكان وخسرت في أمكنة، استفادت في الجغرافيا وخسرت التاريخ، أو كسبت الجغرافيا وخسرت المستقبل.
تطوي سوريا اليوم عشر سنوات وتبدأ سنة جديدة. إنها مناسبة للعودة إلى جذور الأزمة ومراجعة ما حصل بالعقد الأخير مع محاولة لاستشراف السنوات المقبلة.
– كيف بدأت؟
موجات «الربيع العربي»، بدأت شرارتها في نهاية 2010 في تونس وشمال أفريقيا. تأخر وصولها إلى سوريا. بدأت تجمعاتها بوقفات احتجاجية أمام السفارة الليبية في دمشق، لدعم الانتفاضات الأخرى، في «تحدٍ حذرٍ» للسلطات المقيمة في البلاد منذ عقود. كانت الهتافات تخاطب تونس وطرابلس والقاهرة، لكنها كانت «تتحدث» مع دمشق. همّ النشطاء كان نقل الشرارة إلى البلاد. ويقول الحقوقي مازن درويش لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن السؤال كان: «من هو البوعزيزي السوري؟»، في إشارة إلى البائع التونسي المتجوِّل الذي أضرم النار في نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، وشكّل ذلك شرارة انتفاضة تونس.
وفي اعتقاده أن الشرارة كانت على جدران مدرسة في درعا جنوب البلاد، كُتب عليها: «أجاك الدور يا دكتور»، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد، ومصير نظيره التونسي زين العابدين بن علي. واعتقل فُتيان من درعا وتعرضوا للتعذيب؛ ما دفع المحتجين للخروج إلى الشارع. خرجوا في درعا، وتظاهر آخرون في سوق الحريقة وسط دمشق في 17 فبراير (شباط). لكن اليوم الذي خرجت فيه المظاهرات في شكل متزامن هو 15 مارس (آذار) 2011، ما اعتبره كثيرون تاريخ «بدء الانتفاضة السورية».
كُسر جدار الخوف، وتحطم الصمت، واتسعت المظاهرات. تصاعدت مطالبها بسبب العنف والدعم الخارجي، من شعارات محلية مطلبية، إلى لافتات سياسة تطالب بـ«إسقاط النظام». وبلغت المظاهرات ذروتها في يوليو (تموز) 2011 بمسيرة ضخمة في حماة، وقف فيها سفراء، بينهم السفير الأميركي روبرت فورد. وتركت زيارته إلى المدينة يومها، انطباعاً بأن حلفاء المظاهرات يؤيدون شعاراتها ويدعمون «إسقاط النظام». وجاء تصريح الرئيس باراك أوباما في أغسطس (آب) 2011 عن «تنحّي الأسد» ليعزز هذا الانطباع الخاطئ.
– كيف تحولت إلى العسكرة؟
تراكمت مجموعة من الأسباب للانتقال إلى العسكرة. بداية، واجهت قوات الحكومة وأجهزة الأمن المظاهرات بالعنف والسلاح و«البراميل» والقصف والحصار واتهامات بـ«مندسين» بالقيام بذلك. وتحدث كثيرون عن إطلاق آلاف المعتقلين من المتطرفين كانوا في سجون السلطات، عدد كبير منهم قاتل الأميركيين في العراق بعد 2003، واستغلوا تجاربهم التنظيمية والقتالية في التوسع في الأرض. وهذا الأمر وضع الغرب بين خيارين: النظام أو «داعش».
في المقابل، تشكلت كتلة «مجموعة أصدقاء سوريا» التي دعمت المعارضة، بدءاً من المنشقين عن الجيش، الذي شكلوا «الجيش السوري الحر». كما كان لافتاً أثر الانقسام بين الدول الداعمة للمعارضة ووجود اتجاهات مختلفة فيها. ودعمت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) في نهاية 2012 برنامجاً سرياً لدعم المعارضة انطلاقا من الأردن وتركيا.
وخفت صوت المحتجين سلمياً، في وقت ذهب الدعم الخارجي إلى لاعبين آخرين، داعمين في معظمهم للنزاع المسلح. وفي 2012، حذر أوباما الأسد من استعمال الأسلحة الكيماوية، وقال إنها «خط أحمر». ويقول خبراء ومسؤولون غربيون، إنه عندما تجاوز النظام هذا الخط بعد عام، عبر هجوم كيماوي استهدف الغوطة الشرقية قرب دمشق في أغسطس 2013، امتنع أوباما عن القيام بتدخل عسكري انتظره كثيرون.
بالنسبة لكثيرين، كان تلك نقطة فارقة. كانت الفصائل المعارضة قد تمكنت من إلحاق خسائر كبيرة بالجيش السوري، الذي أضعفته أيضاً الانشقاقات. في المقابل، ساهم التدخل المبكر لإيران وميليشياتها و«حزب الله» في لجم تقدم المعارضة. لكنّ توصل روسيا وأميركا إلى اتفاق بنزع السلاح الكيماوي في سبتمبر (أيلول) 2013 وعدم استعمال القوة، أصاب المعارضين وحلفاءهم بالإحباط. والتطور الأهم هنا هو بدء تمدد تنظيم «داعش» والفصائل المتطرقة في البلاد، بحيث زادت سيطرتها على نصف مساحة سوريا.
– متى ولماذا تدخلت أميركا وروسيا؟
أمام تقدم «داعش» في سوريا والعراق في 2014، شكلت أميركا تحالفاً دولياً للقتال ضد هذا التنظيم، يضم حالياً نحو 80 دولة ومنظمة. وحددت أميركا هدفها بمحاربة «داعش»، وقلّصت دعمها للمعارضة في قتال قوات الحكومة. وفي بداية 2014، تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وكان هذا أيضاً منعطفاً؛ إذ إنه بدأ الربط بين أوكرانيا وسوريا. وقتذاك، لم تمارس روسيا أي ضغط على الوفد الحكومي السوري في مفاوضات برعاية أممية لتطبيق «بيان جنيف» الصادر في يونيو (حزيران) والقاضي بتشكيل «هيئة حكم انتقالية».
وإذ واصل حلفاء المعارضة دعمها عسكرياً ومالياً، بحيث تراجعت مناطق الحكومة إلى حدود 15 في المائة في ربيع 2015، بعد خسارة جنوب درعا ومناطق إدلب، وجد الرئيس بوتين فرصة سانحة سارع لاستغلالها، وتمثلت في التدخل العسكري المباشر. هذا التدخل جاء بعد رجاء من قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في صيف 2015 إلى الكرملين، للإسراع في التدخل و«إنقاذ الحليف السوري». والصفقة كانت كالآتي: روسيا في الجو، إيران على الأرض. والهدف: إنقاذ النظام – الحليف دون غوص روسيا في «المستنقع السوري»، كما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
التدخل الروسي الحاسم في سبتمبر 2015، غيّر المعادلات في الميدان تدريجياً لصالح الأسد، بعدما كانت قواته قد فقدت سيطرتها على نحو 85 في المائة من مساحة سوريا، تشمل مدناً رئيسية وحقول نفط. ووصلت فصائل المعارضة إلى مشارف دمشق. وبدعم من طائرات وعتاد ومستشارين روس، وبمساندة من مجموعات موالية لطهران، على رأسها «حزب الله»، استعاد الأسد زمام المبادرة، ونفذت قواته حملة انتقامية، متبعة سياسة «الأرض المحروقة» لاستعادة المناطق التي خسرتها.
– لماذا توغلت تركيا؟
قال الأسد في فبراير 2016، إن هدفه ليس أقلّ من استعادة كامل الأراضي السورية. وقال «سواءً أكانت لدينا القدرة أو لم تكن، هذا هدف سنعمل عليه من دون تردّد. من غير المنطقي أن نقول إن هناك جزءاً سنتخلّى عنه».
في نهاية 2016، بدأت الكفة تميل لصالح النظام؛ إذ استعاد الأحياء الشرقية من حلب. وتكرر هذا المشهد بـ«استسلام» مناطق معارضة أخرى جنوب البلاد ووسطها، بموجب اتفاقات تسوية تضمنت إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، حيث يقيم قرابة ثلاثة ملايين نسمة حالياً، نصفهم نازحون تقريباً، في ظروف صعبة، تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً).
لكن هذه الاستعادة للأراضي، أدخلت البلاد في مرحلة جديدة، وهي تأسيس «مناطق النفوذ». وفي مايو (أيار) 2017، أسست روسيا مساراً جديداً مع تركيا وإيران يتمثل بـ«عملية آستانة». وكان الهدف، عسكرياً، التوصل إلى اتفاقات «خفض التصعيد» في درعا وغوطة دمشق وحمص وإدلب. عملياً، أدى هذا إلى مقايضات بين المناطق: مقابل استعادة شرق حلب، دخلت فصائل موالية لتركيا إلى شمال حلب، وشكلت «درع الفرات». ومقابل استعادة الغوطة وحمص، دخلت فصائل موالية لتركيا، في عملية «غصن الزيتون»، إلى عفرين، شمال حلب، في بداية 2018.
وأمام الدعم الأميركي لأكراد سوريا في قتال «داعش» شرق الفرات، خفضت تركيا سقف توقعاتها للعودة إلى المصالح الاستراتيجية، وهي منع كيان كردي على حدودها الجنوبية. فـ«درع الفرات» قطعت الطريق أمام تواصل كيان كردي من شرق الفرات إلى غربه، و«غصن الزيتون» قطع أوصال إقليم كردي محتمل. وتكرر هذا المشهد أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما تدخلت تركيا شرق الفرات وقلصت مساحة مناطق كانت تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا.
إضافة إلى التوغل التركي ضد الأكراد، اتسع القلق الإقليمي من النفوذ الإيراني في سوريا. وبدأت إسرائيل بشن غارات على «مواقع إيران» لمنع تموضعها في سوريا، كما أن أميركا وروسيا والأردن توصلت في منتصف 2018 إلى «صفقة الجنوب» التي تضمنت إبعاد إيران وميليشياتها عن الجولان والأردن، وعودة قوات الحكومة السورية إلى ريفي درعا والقنيطرة.
– كيف تأسست «مناطق النفوذ»؟
استقرت المعارك والمقايضات على ثلاث مناطق: منطقة للحكومة بدعم روسي – إيراني، وتشكل نحو 65 في المائة من سوريا، وتضم معظم المدن والناس، ومنطقة للأكراد بدعم أميركي وتشكل 23 في المائة من البلاد، وتضم معظم ثروات البلاد الاستراتيجية، وأخيراً منطقة لفصائل للمعارضة تدعمها تركيا وتسيطر على ما تبقى من البلاد، وهي تتاخم القاعدتين الروسيتين في طرطوس واللاذقية غرب البلاد، وقاعدة للنظام السوري.
وبعد جولة معارك في بداية العام الماضي، توصل الرئيسان بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى هدنة في إدلب، في 5 مارس 2020، واستغل الجيش التركي ذلك ونشر نحو 15 ألف جندي وآلاف الآليات وعشرات النقاط والقواعد العسكرية في شمال غربي سوريا.
لأول مرة منذ 2011، لم تتحرك خطوط التماس لأكثر من سنة، أي منذ بداية مارس 2020. ويبدو احتمال شنّ قوات الحكومة هجوماً، لطالما هدّدت به، مستبعداً في الوقت الحاضر. ويقول محللون، إنّ من شأن أي هجوم جديد أن يضع القوتين العسكريتين، أي روسيا وتركيا، في صدام مباشر، في وقت تقوم بينهما علاقات استراتيجية أوسع من إدلب.
وفي هذه «المناطق الثلاث»، هناك الكثير من المقاتلين والقواعد العسكرية ومئات نقاط المراقبة تحت مظلتين جويتين أميركية شرقاً وروسية غرباً، بحث جاز القول بوجود خمسة جيوش في البقعة السورية، وهي الأميركي، والروسي، والإيراني، والتركي، والإسرائيلي.
أيضاً، تقاسمت هذه الأطراف السيطرة على الحدود والمعابر. وقال الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، إنّ القوات الحكومية «تسيطر على 15 في المائة فقط من حدود سوريا». ويستنتج أن «الحدود هي رمز السيادة بامتياز، وبطاقة أداء النظام لا تزال فارغة تقريباً على تلك الجبهة». وتسيطر القوات التركية والأميركية والكردية والمجموعات المدعومة من طهران، بحكم الأمر الواقع، على ما تبقى من الحدود.
-الى أين؟
عليه، باتت البلاد بشكل غير رسمي مقسمة رسمياً إلى مناطق نفوذ متعددة، وتسيطر قوى متناحرة بشكل أحادي على معظم حدودها. وما على السوريين، الذين تتعمق جروحهم وتتفاقم معاناتهم إلا انتظار الفرج القادم من الآخرين وتفاهماتهم وصفقاتهم. وصدق قول أحدهم في دمشق «انتهت الحرب، بمعنى توقف القتال والمعارك، لكن جراحنا ما زالت تنزف».
بواسطة Muhammad Mustafa Eid | مارس 16, 2021 | Cost of War, Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
لم تكن فاطمة كردي ابنة الأحد عشر ربيعاً تعلم أن هناك على الجانب الآخر من وطنها، أطفالاً يواصلون دراستهم في غرف صفية نظيفة، ويتمتعون بالدفء، دون أن يتسلل البرد إلى عظامهم، ويحظون برعاية أسرهم ومجتمعاتهم، فهي لم تدرك، حتى الآن ماذا يعني أنها تركت المدرسة في سن صغيرة وهي التي ولدت قبل عام واحد من عمر أزمتنا السورية. تحدثنا معها، وكانت أجوبتها بسيطة وعفوية، فتكلمت عن القصف المتواصل الذي طال مناطقها، وأن صوت الطائرة، بات جزءاً أصيلاً ضمن مخيلتها، لا يحمل معه غير صفة الدمار والتشرد. وتسرد فاطمة ذكرياتها بحرقة وألم طفولي، وكيف نزحت مع أسرتها لأكثر من مكان، حتى استقرت في أحد مخيمات أريحا شمال سوريا، وتؤكد بكلماتها المتناثرة بأن توقفها عن الدراسة في الصف الثالث الابتدائي (كما أخوتها الثلاثة الآخرين) لم يكن بإرادتها، بل بسبب الظروف القاسية التي أحاطت بها، فاضطرت مع أخوتها بأن تلتحق بسوق العمل في سن مبكرة، لتساعد والدها. فعملت عند أصحاب الأراضي الزراعية في المنطقة التي تقطن بها، ورغم ابتعادها عن جو الدراسة، ما يزال لدى فاطمة حلم بامتلاك حقيبة مدرسية ودفتر وألوان، لكي تواصل دراستها كأقرانها ممن هم بعمرها. لكن يبدو أن الكارثة التي ألمت بسوريا، صنعت أطفالاً مشردين مسلوبي الحقوق والإرادة ، يعانون مرارة الحرمان والقهر.
إن الأرقام التي ترشح عن منظمات دولية وإقليمية ومحلية، لظاهرة الطلاب المتسربين من المدارس أو التلاميذ غير الملتحقين بالمدرسة أساساً، تدعو للقلق، وتعطي صورة قاتمة لمستقبل هذه الشريحة الهامة ضمن المجتمع السوري. ووفق إحصائية صدرت عن منظمة اليونسف لعام 2019 تخص الجانب التعليمي للأطفال من هم في سن التعليم، فقد قدرت المنظمة الدولية عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة بأكثر من 2.4 مليون طفل، منهم 40 في المائة تقريباً من الفتيات، وهذه الأرقام لم تبق على حالها، بل ارتفعت، نتيجة تأثير جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سوريا، بينما تغيب عن الأطفال القادرين على الالتحاق بالمدارس، المرافق الرئيسية، كانعدام شبكات الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة والتهوية. كما لا يقتصر التعليم على المدارس المنشأة، بل ظاهرة التعليم في الخيام باتت منتشرة بكثرة في مناطق المخيمات بعد الدمار الهائل الذي لحق بالمنشآت المدرسية، نتيجة الحرب السورية الدائرة منذ أكثر من عشرة أعوام.
وفي تحقيقنا الاستقصائي ستتمحور عينة البحث على منطقة الشمال الغربي السوري (إدلب وريفها) وتسليط الضوء على واقع ظاهرة الطلاب المتسربين من المدارس في هذه المناطق، بعيداً عن المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري التابعة إداريا لمحافظة إدلب، حيث تعيش منطقة الشمال الغربي السوري ظروفاً صعبة من حيث غياب الناحية الأمنية والوضع المعيشي الصعب، الذي يعتبر ضاغطاً على الكثير من الأسر التي عمدت على الامتناع عن إرسال أبنائها إلى المدارس وتشغيلهم في العديد من المهن وأبرزها العمل في الأرض، ما أدى إلى تعميق ظاهرة العمالة المبكرة للأطفال. وأيضاً لا ننسى أن مشكلة الزواج المبكر للفتيات من الأسباب الرئيسية للتسرب المدرسي، إلا أن جوهر المشكلة في هذه الظاهرة يبقى في الوضع الأمني والعمليات العسكرية الواقعة ضمن هذا القطاع الجغرافي، واستمرار القصف من قبل النظام السوري والقوات الروسية، ما أدى إلى تخوّف الكثير من الأهالي وامتناعهم عن إرسال أبنائهم للمدارس، علاوة على الظروف المناخية السيئة في فصل الشتاء والتي فرضت أيضاً إيقاعها على مشكلة التسرب.
النطاق الجغرافي للتحقيق
تعمل مديرية تربية إدلب (غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري) على مساحة جغرافية تتضمن مركز المحافظة وريفها إضافة إلى بعض المناطق في ريف حلب الشمالي ويوجد عدة تجمعات ونقاط تعليمية حيث المناطق التي تغطيها تعليميا المديرية هي مجمّعات: حارم، جسر الشغور، الدانه، المخيمات بأكملها، أريحا، إدلب، ومجمع معرة مصرين. وتكمن أهمية معالجة قضية التسرب المدرسي للتلاميذ السوريين وخاصة في (إدلب وريفها) في أنها تسلط الضوء على ظاهرة اجتماعية خطيرة، ناتجة عن فقدان التعليم لشريحة اجتماعية هامة داخل المجتمع السوري وهي واحدة من أخطر الكوارث، لأن انهيار التعليم وغياب الحلول الاستراتيجية للقطاع التعليمي، لتدارك هذه الكارثة التي تشمل ثلث السوريين المؤهلين للدراسة، سيضع مصير جيل كامل في المجهول.
تساؤلات مشروعة
إن أي معالجة لظاهرة داخل المجتمع، لا بد أن يسبقها مجموعة من التساؤلات قبل الخوض في تفاصيلها وتشعباتها من أجل تقديم إجابات معمقة لفهم المشكلة المطروحة:
- ما الأسباب الرئيسية وراء ظاهرة تسرب تلاميذ المدارس؟
- هل الظاهرة تقتصر على مناطق إدلب وريفها الخارجة عن سيطرة النظام السوري، أم تمتد على كامل الجغرافية السورية؟
- ما الآثار التي يمكن أن يتركها غياب التعليم عن شريحة كبيرة من أطفال سوريا؟
- أين دور المنظمات الدولية والمحلية في توفير الدعم لشريحة هامة من المجتمع السوري؟
- هل توجد استراتيجية تعليمية شاملة، لإعادة تأهيل الطلاب الذين فاتهم قطار التعليم، سواء التعليم التقليدي أو التعليم المهني الفني ؟
- متى يتحرك المجتمع الدولي، ويعي حجم الكارثة التي يعيشها أطفال سوريا في ظل مستقبل غير واضح المعالم؟
أرقام مُحبطة
قبل عام وفي شهرشباط\فبراير من العام 2020 أقرت المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتا فور أمام مجلس الأمن في حديثها عن وضع الأطفال في سوريا أن الحرب السورية سلبت فرصة التعليم بوحشية بالنسبة لـ 280 ألف طفل في الشمال الغربي السوري، وهناك حوالي 180 مدرسة لا تصلح للعمل نتيجة تدميرها أو تعرضها للضرر أو استخدامها كملاجئ. بالمقابل فإن الأرقام المحبطة التي أرسلها لنا فريق (منسقو استجابة سوريا) عن الواقع التعليمي في المناطق التي تشمل محافظة إدلب وريفها، وهي حديثة وصادرة خلال العام الجاري 2021 توضح حجم كارثة قطاع التعليم في هذه المناطق، حيث تتضمن الإحصائيات بحسب فريق منسقي استجابة سوريا مجموعة من النقاط حول عدد التلاميذ والمدارس والكادر التعليمي كما تبين الوثيقة أدناه.
وثيقة من “منسقو استجابة سوريا” توضح وضع التعليم في محافظة إدلب وريفها
ويقول الدكتور المهندس محمد حلاج مدير (منسقو استجابة سوريا) : “إن التعليم في ادلب بشكل عام يعاني من مشاكل كثيرة، حيث لا يوجد استقرار بشكل كامل فيما يتعلق بالتلاميذ ولدينا نقص كبير بوجود الكوادر التعليمية، علاوة على الدمار الكبير للمدارس حيث الكثير منها متضرر جزئياً، وهذا كان له أثر سلبي على ارتياد التلاميذ للمدارس. وبالنسبة للمخيمات فإن الوضع التعليمي أشد سوءاً ويكون مرتبطاً بالكوارث الطبيعية التي تحدث بالمخيمات نتيجة انقطاع الطرقات أثناء الأمطار. كما أن المخيمات لا يوجد فيها مدارس كافية، مما يساهم في كثافة أعداد الطلبة ضمن الغرفة الصفية الواحدة.”
216 ألف تلميذ متسرب
الأرقام التي حصلنا عليها من مديرية التربية في محافظة إدلب -التابعة للحكومة السورية المؤقتة- لعدد التلاميذ المتسربين في المناطق الجغرافية التي تغطيها التربية قد تكون مختلفة قليلاً مقارنة مع الأرقام السابقة التي تم استعراضها من قبل “منسقو استجابة سوريا”، ويمكن تبرير ذلك أنه لا يوجد مركز إحصائي متخصص في سبر الأرقام الحقيقية، كما أن المعطيات المتغيرة على الأرض في تلك المناطق وعدم الاستقرار نتيجة الظروف الأمنية المضطربة، لا تساعد في الوصول إلى رقم دقيق.
وفي حديث مع الأستاذ محمود الباشا رئيس دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية بإدلب أوضح أن عدد الأطفال المتسربين في المنطقة التي تشرف عليها مديرية التربية في إدلب حسب إحصائية العام الحالي 2021 يبلغ حوالي 216 ألف طفل متسرب. طبعاً هؤلاء الأطفال مسجلون في المدارس لكنهم انقطعوا عن الدوام، بينما الأطفال غير المسجلين في النفوس أو المدارس، فأعدادهم قد يتجاوز الأعداد المعلن عنها بالأساس. بينما الصعوبات التي تواجه الطلاب في هذه المنطقة هو النقص في عدد المدارس والتجهيزات، مما يسبب ضغطاً كبيراً على المدارس في منطقة المخيمات والدانة، ويوجد في الفصل الدراسي الواحد أكثر من 50 طالباً.
ويرجع الباشا أسباب التسرب لمجموعة من الأسباب أبرزها أن أهالي الأطفال يقومون بتشغيل أبنائهم بورشات للعمل من أجل مساعدتهم، كما أن الأطفال الذي يعيشون ضمن الخيم المتفرقة وهي بعيدة عن التجمعات ولا يمكن الوصول إليهم بسبب وعورة المنطقة، ولا تساعدهم على إيصال التعليم لهم، فمن المستحيل تفريغ معلم لتدريس طفل أو طفلين في هذه الخيم، فمديرية التربية تعمل على كل تجمع يوجد فيه حوالي 60 تلميذاً، ويوضع له خيمة تعليمية حيث تكفل منظمة إغاثية هذه الخيمة، الذي يدرس فيها مدرس اسمه معلم قائد أو جوال وممكن أن توفر المديرية مدرسة من الخيام إذا كان عدد التلاميذ يفوق 100 تلميذ وتكفلها منظمة تطوعية. والمنهاج الذي تدرسه مديرية التربية الحرة يتوافق مع منهاج السوريين، مع اختلاف طفيف في بعض المواد المتعلقة بالتربية القومية، وتتكفل طباعة الكتب مؤسسة قطر الخيرية.
المزيد من القصص الإنسانية المؤلمة
قصة عائلة عليوي من معرة مصرين تشبه الكثير من قصص حرمان الأطفال من التعليم، فهذه العائلة التي لديها ثمانية أطفال خارج المدرسة، وبأعمار تبدأ من خمسة أعوام إلى خمسة عشر عاماً، تخبرنا عنهم أم عبادة عليوي التي تقطن مع أبيها ووالدتها في إحدى المدارس في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها العائلة أسوة بالكثير من العائلات في المنطقة، الأمر الذي ساهم في عدم ارتياد أولاد أخيها الخمسة للمدرسة، والانتقال للعمل مع والدهم، كما أن أختها التي لديها ثلاثة أولاد ليسوا أحسن حالاً من أولاد أخيها، فجميعهم لم يتم تسجيلهم بالمدرسة، ويعيشون على المساعدات التي تأتيهم من المنظمات الدولية أو ما يتبرع به أصحاب الخير.
بينما أبو إبراهيم بكري من منطقة جسر الشغور لديه ولدان خارج المدرسة، فيبرر عدم ارتياد أولاده للمدرسة بمجموعة أسباب وأولها الوضع المعاشي الصعب، مما يضطره لأخذهم للعمل في الحقل، كما أن المسافة ما بين منزله والمدرسة تتجاوز 600 متر، وفي فصل الشتاء يكون قطع هذه المسافة صعباً، وكثيراً ما يعلق الدوام في مـدارس المخيمات، فهذه الأسباب يعتبرها غير مشجعة لإرسال أبنائه إلى المدرسة.
هجرة المدرسين
إن هذه الحالات التي تم استعراضها ليست سوى غيض من فيض، فنسبة التسرب المدرسي، في الشمال السوري عالية جداً، ويقول المدرس السابق محمد الحسين الذي ترك مهنة التدريس منذ أكثر من عام وكان يدرس ضمن مديرية التربية والتعليم في إدلب: “إن نسبة تسرب الطلاب في محافظة إدلب وريفها والمناطق المجاورة تتجاوز 35%، أي ما يزيد عن 240 ألف طالب خارج العملية التعليمية، علماً أن عدد طلاب محافظة إدلب بلغ العام الماضي بحدود 414 ألف طالب من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية.” أما عن أسباب التسرب فيرجعها الحسين إلى أسباب عديدة وأبرزها الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وخاصة عمليات القصف والتدمير التي طالت المدارس والمنشآت التعليمية المختلفة في المناطق الشمالية. كما أن المدارس المدمرة رافقها عدم استقرار في العملية التعليمية وخوف الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس إضافة إلى قلة الكوادر التعليمية المؤهلة بسبب الهجرة والتشرد وعدم وجود الدعم المادي لهم وهذا عامل رئيسي. كما أن الكثير من المدرسين فصلوا من عملهم، وظلوا بدون رواتب لعدم دعمهم من المنظمات التعليمية، حيث اضطروا للذهاب إلى أعمال حرة من أجل تأمين لقمة العيش لأسرهم.
تهديد استقرار المنطقة
وفي هذه النقطة يؤكد الدكتور فايز نايف القنطار أستاذ سابق في جامعة دمشق في كلية التربية أن أول ضحايا هذه الحرب الإجرامية المستمرة هم الأطفال. ويتساءل القنطار كيف يمكن أن يعيش في القرن 21 هذا الجيل الذي حرم من التعليم وهو أبسط حقوق الطفل وهذا الخطر لا يشمل سوريا فقط بل يهدد أمن واستقرار المنطقة. ويحذر أن هؤلاء الأطفال المتسربين يمكن أن يصبحوا مرتعاً خصباً للتطرف والاستقطاب من قبل المنظمات الإرهابية؛ فالطفل الذي يترك المدرسة سيكون عرضة للاستغلال، وعرضة للعمل المبكر وعرضة لكل أشكال الإذلال والاهانة وسيكون الطفل مضّطرباً وغير متوازن ويعيش مهمشاً.
غرف صفية بدون أسقف
بينت نتائج تقرير أعدته وحدة إدارة المعلومات IMU (في وحدة تنسيق الدعم ACU) خلال عام 2019 لتقييم التعليم المشترك الخاص بالأطفال خارج المدرسة JENA في شمال غرب سوريا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري أن 66% (1.130.299 طفلاً) من الأطفال في شمال غرب سوريا ملتحقون بالمدارس؛ فيما كان 34% (582.239 طفلاً) منهم خارج المدرسة (متسربون من المدارس). كما رصد التقرير ظروف المخيمات الصعبة حيث تنقطع الطرقات في فصل الشـتاء في فتـرات هطـول الأمطار ممـا يجعـل وصول الطلاب إلى المدارس صعبـاً. وتشـير المعلومات أن ضمن مـدارس مخيمات الشـمال السـوري غـرف اسـمنتية مسـقوفة بلـوح توتيـاء (صفائح معدنيـة)؛ كما تواجدت مدارس مكونة من غرف اسـمنتية بدون أسـقف ويتم تغطيتهـا بعوازل مطريـة فقط؛ إذاً من خلال ما تقدم في معطيات التقرير، نجد أن البنية التحتية للمدارس في مناطق الشمال الغربي السوري لا تحقق المعايير الحقيقية في توفير بيئة تعليمية مناسبة للدراسة.
جيل في مهب المجهول
وبما أن البيئة التعليمية غير متوفرة في تلك المناطق، فإن للتسرب المدرسي آثاراً سلبية نفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة على المجتمع. وتفشي هذه الظاهرة في سوريا، يثير قلق منظمات المجتمع الدولي، لما سوف تتركه من آثار كارثية ليس على المتسرب فقط بل على المجتمع ككل. فالتسرب يزيد من معدل البطالة وانتشار الجهل والفقر وغير ذلك من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك يرى الدكتور طلال عبد المعطي المصطفى أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق سابقاً والباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة خلال حديثنا معه بأن كارثة التعليم هي واحدة من أخطر الكوارث التي ضربت المجتمع السوري، فانهيار التعليم الكمي والنوعي، وانخفاض عدد الكادر التدريسي المؤهل، وانعدام حوافز العملية التعليمية وضبابية أهدافها، بالإضافة إلى فقدان التمدرس الذي يشمل ثلث السوريين المؤهلين للدراسة حاليا، سيضع مصير جيل كامل في مهب المجهول، ويضع مصير وطن ممزق أمام المزيد من الأزمات والانقسامات المقبلة.
ويصف المصطفى كارثة التعليم بالكارثة المزدوجة بمساريها الفردي والمجتمعي، وهي من الكوارث التي تترك آثاراً مديدة وتمتد إلى أجيال لاحقة لما يترتب عنها من تبعات اقتصادية واجتماعية ونفسية على المديين القصير والمتوسط، وربما على المدى الطويل أيضاً، لذلك فردم الفجوة الحاصلة في التعليم هي من أولى المهمات لإعادة البناء البشري والمادي، وهي الاستثمار الحقيقي الأمثل القادر على ردم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وخلق قاعدة صلبة يمكنها المساهمة الفعالة في عملية التعافي وإعادة البناء، وقهر العجز للوصول إلى حالة التنمية المستدامة.
تحديات
نحن أمام قضية خطيرة، قضية الأطفال المتسربين وجيل تم تجهيله بأكمله، وعلى ما يبدو أن هذا الأمر مقصود ومسيس بعد مرور10 أعوام على الأزمة السورية، فالأطفال الذين عاشوا الحرب بتفاصيلها وتركوا التعليم سيكونون لاحقاً عرضة للانحراف في ظل الفوضى الموجودة والسلاح المنفلت. ومن المؤكد أن الآثار التي ستنتج عن شريحة الأطفال غير المتعلمين ستكون كارثية وخطيرة وسيشكلون عالة على المجتمع في حالة عدم حصولهم على إعادة التأهيل والتدريب لهذه الفئة المتسربة من المدارس في مرحلة معينة وبالتحديد في مرحلة استمرار الحرب وتعطيل الحل السياسي، لذلك هذه الشريحة المغيبة إذا استمر الوضع على حاله سيرسخ لديها الميل إلى العدوانية والعنف الزائد، في ظل فقدان كامل للرعاية الأسرية اللازمة في هذا السن المبكر، أضف إلى غياب دور المنظمات الدولية، وعدم تخصيص شبكة ضمان اجتماعي خاصة بالأسر للحد من استغلال أطفالهم لغرض الأعمال التي لا تتناسب مع أعمارهم وشخصيتهم. أما في حال حصول الحل السياسي وبالتالي السلام، فمن المفترض أن يكون هناك إعادة بناء في سورية على كافة الصعد ومنها الصعيد التعليمي والتأهيلي، وبهذه الحالة وبحكم العمر المتقدم لهؤلاء المتسربين من الضروري أن يخضعوا لدورات تعليمية مكثفة للكبار وتأهيل مهني حتى لا يكونوا ضمن الفئة المهمشة في المجتمع.
بواسطة الحسناء عدرا | مارس 7, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
في منتصف شهر آذار/2020 أعلنت وزارة الصحة السورية عن أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19، تعود لشخص قادم من خارج البلاد، وسط إجراءات صارمة للوقاية من انتشار الفيروس المستجد. هذه الإجراءات هي ذاتها أصبحت موضع شك وقلة ثقة تحكمان الشارع السوري، خاصة في ظل بلاد خرجت للتو من حرب امتدت لـ 9 سنوات، خلفت وراءها رضوضاً في الجسم الطبي واستنزفت طاقته، بدءاً من هجرة العديد من الكفاءات الطبية وصولاً إلى تدمير الكثير من المشافي والمستوصفات والبنى التحتية، لتأتي بعدها العقوبات الأمريكية لتشد الخناق على عنق الاقتصاد السوري مما حال دون استيراد جملة من الأدوية والمواد الخام الداخلة في الصناعات الدوائية.
هناك شبه إجماع لدى السوريين على عدم كفاءة وجاهزية المستشفيات العامة للتعاطي مع فيروس كورونا. وفي هذا الإطار قمتُ باجراء لقاءات مع عدة أطباء تحدثوا بشكل متضارب حول إجراءات التعقيم ونقص الأدوية والأطباء ومستوى الجاهزية وفق مشاهداتهم اليومية خلال فترة الجائحة. وتقول سهيل (طبيبة ـ 28 عاما ) التي فضلت عدم الكشف عن اسم المشفى الحكومي الذي تعمل فيه: “في بداية الجائحة كان الاهتمام ملحوظاً ومكثفاً، إذ كانت المستشفى تخضع للتعقيم اليومي والمستمر كل أربع ساعات، وجميع الأطباء والممرضين كانوا متحمسين ويلتزمون بالكمامات والقفازات مع تبديلها باستمرار، كما كان يمنع على المرضى الدخول بدون وضع الكمامة”. غير أن هذا الاهتمام خف تدريجياً نتيجة إصابة الأطباء والمرضى معاً بالملل وفقدان الحماس وسلموا أمرهم للعناية الإلهية، بالإضافة الى ترديدهم الجملة المعتادة: “لقد أصبنا بالفيروس ونجونا منه، لدينا مناعة لأشهر عديدة”، وفقاً لكلام الطبيبة.
تشير الطبيبة إلى مرور المستشفى بفترة من الفترات بمرحلة نقص في أعداد الكمامات، ما دفع الأطباء إلى شرائها على نفقتهم الخاصة، إذ تقول: “واجهت المستشفى نقصاً حاداً بكمامات نوع N95 كما كان يتم احتكارها من قبل الإداريين الذين هم أقل احتكاكاً مع المرضى، فيما وزعت الكمامات نوع 95 الأقل حماية على الأطباء ويسمح لنا بواحدة فقط مع أنه يتوجب علينا تبديلها كل 4 ساعات، وعندما اعترضنا على ذلك، كانوا يجيبون أن السبب هو وجود طلب كبير على الكمامات يقابلها عراقيل باستلام الكمامات جراء العقوبات الاقتصادية على البلاد”. أضافت أنها مرة سمعت إدارة المستشفى تقدم النصح بالمواظبة على الكمامات العادية والاكتفاء بها حالياً، لتستخدم الكمامات الأعلى حماية عند ذروة الجائحة والحالات الطارئة، وذلك حسب كلامها.
ولا تنكر سهيل وجود تعقيم على الدوام في المستشفى التي تعمل فيها، حيث يتم تغيير ملاءات السرير وتنظيف أعمدته وذلك عقب تخريج كل مريض(كورونا)، إلى جانب رمي كل الأدوات التي استعملها في القمامة. أما متابعة حالة المريض من قبل الأطباء فهذا أمر “نسبي”، إذ تقول: “هناك أطباء أنانيون كانوا يخشون على أنفسهم التقاط العدوى متجنبين الاحتكاك الكثير بالمصاب، فيكتفون بالاطمئنان عليه مرة واحدة يومياً، إلا إذا ساءت حالته، بالمقابل، يوجد أطباء يطمئنون على المريض كل ساعتين ومتأهبين طوال 24 ساعة”.
عانت معظم المستشفيات الحكومية لبرهة من الزمن من نقص في أدوية الالتهاب وفيتامين سي ودال الضروريين لرفع مناعة الجسم والكمامات والشاس المعقم وسيرومات (مَصل) طبية، إلى جانب أسطوانات أكسجين بمأخذين للهواء.
تتحدث نهاد عن تجربتها كطبيبة في مواجهة فيروس “كورونا” في مستشفى عام رفضتأيضاً الكشف عن اسمها، حيث تبدأ الشابة بالكوادر الطبية والضغط الشديد عليها، لاسيما في فترات الذروة التي شهدتها سوريا، وتقول: “في شهر 12 عام 2020، كانت الموجة الثالثةقد بدأت، فكنتُ وثلاثة أطباء في قسم العزل نواجه مشقات كبيرة من ناحية ارتفاع عدد المرضى مقابل عدد الأطباء، حيث كان لكل طبيب 5 مرضى وأكثر يتولى الإشراف عليهم، وهذا ضغط كبير علينا”، لافتة إلى قيام المستشفى في كثير من الأحيان باستدعاء أطباء من أقسام أخرى لتفادي حصول نقص في قسم عزل مرضى كورونا.
تحدي آخر واجه المستشفى عموماً، والطبيبة خاصة، هو التدهور المفاجئ لحالة المريض، ما يتطلب مهارة عالية في “التنبيب” وهو إجراء يتطلب مهارة عالية يتم من خلاله تأمين مجرى هوائي عبر إدخال أنبوب من الحنجرة إلى رئة المريض قبل وضعه واختيار إعدادات جهاز التنفس الاصطناعي المناسبة له، وتتابع حديثها: “أمر مرعب بالنسبة لنا كأطباء مواجهةمرض جديد ومجهول ومتحول، لا نعرف عنه شيئاً، خاصة في بلد كسورية ينتمي للبلدان النامية والتي خرجت منهكة من حرب طويلة، فاختيار الإعدادات المناسبة وفقاً لحالة كل مريض ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى خبرة ودقة عاليتين”.
“لقد أصبنا بالفيروس ولا داعي للتعقيم الشديد”، هذا هو المبدأ السائد لدى العديد من الأطباء في غالبية المستشفيات الحكومية وربما الخاصة أيضاً، وتقول الطبيبة جورجيت التي تعمل في إحداها متحفظة عن ذكر الاسم: “انطلاقاً من أن الجسم البشري أصيب بالعدوى، ويحتوي على أجسام مضادة تحميه لأشهر قادمة، فلا ضرورة للمغالاة في إجراءات التعقيم بالرغم من توفرها، هذا هو ما يفكر به العديد من الأطباء هنا”. وعن وضع التعقيم في المستشفى، تجيب الطبيبة بأنه: “سابقاً كانت الاجراءات صارمة وتتسم بالالتزام، لكنها الآن أصبحت عادية، لا تليق بوضع وبائي، كأننا في أيام طبيعية، وأصبح يُسمح بزيارة المصابين في قسم العزل والاختلاط معهم في الآونة الأخيرة”.
هذا الواقع الخدمي الطبي ليس معمماً بالضرورة، بل مازال شديد الصرامة لغاية الآن بالرغم من مرور عام على انتشار فيروس “كورونا”، إذ ينفي الطبيب باسل حصول إهمال وتقصير في المستشفى الذي يعمل فيه يومياً ويقول عن تجربته: “مازالت إدارة المستشفى تعاقب الكادر الطبي من غير الملتزمين بأساليب الوقاية، ويمنع منعا باتاً على الأطباء ممن يدخلون قسم العزل الاحتكاك مع زملائهم وعليهم التقيد بكافة وسائل التعقيم وعدم السماح للمصابين بمخالطة ذويهم وأقربائهم قبل شفائهم كلياً”.
بواسطة سحر حويجة | مارس 6, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
برر السفير الروسي في دمشق الكسندر يفيموف سبب عدم تقديم بلاده الدعم المالي للنظام السوري، وصرح أن الوضع صعب للغاية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، ووصف حال الاقتصاد السوري بالاستنزاف العام، وأضاف أنه رغم أهمية الدعم متعدد الأوجه، إلا أن روسيا تعمل على تعزيز جهودها العسكرية لمحاربة الإرهاب. ونوه أن روسيا نفسها تحت تأثير العقوبات، وتعاني ركوداً اقتصادياً بسبب جائحة كورونا، على الرغم من إعلان روسيا عن مشاريع استثمارية كبيرة في سوريا والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
ليس خافياً على أحد، أن سلسلة الأهداف التي تسعى لها روسيا من تواجدها في سوريا، تذهب أبعد من النظام واستمراره. ففي الوقت الذي يشكل لها النظام ضمان استمرار المصالح الروسية وتمددها، تشير الوقائع، على أنه كلما ضعف النظام واستنزف قدراته كلما قويت شوكة روسيا وازدادت مكاسبها العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث لا انفكاك ولا بديل للنظام السوري عن الدعم الروسي، خاصة مع زيادة الخناق على الدعم الإيراني للنظام، سواء بسبب العقوبات والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، أم بسبب الاتفاق على تحجيم الوجود الإيراني بالاتفاق بين أمريكا وإسرائيل وروسيا، عبر مسلسل طويل من الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. هذا الواقع المعقد يجعل من حلم تمدد إيران وتوسعها في سوريا كابوساً؛ فالتواطؤ الروسي مع هذه الضربات يسعى لإضعاف وتحجيم إيران، وإعادة اقتسام الغنائم لصالح روسيا.
في الوقت ذاته تعمل روسيا على احتواء إيران، ووضعها تحت جناحيها لتدور بفلكها، بعد أن سدت جميع المنافذ بوجهها، و أضعفت هامش مناوراتها. فروسيا التي تسيطر على الأرض بقواعدها العسكرية، وتتدخل على الصعيد العسكري لخلق معادلات جديدة تزيد من نفوذها وتوغلها في مفاصل الحياة السورية وتدخلها في هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن ويعزز سيطرتها.
سلم تطور العلاقات الاقتصادية الروسية مع سوريا
منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015عملت روسيا إلى جانب الدعم العسكري على تمتين العلاقات الاقتصادية التي كانت متواضعة بين الجانبين، وعملت على تأسيس علاقات اقتصادية طويلة الأمد. من المعروف أن دمشق احتفظت دوماً بعلاقات سياسية جيدة مع موسكو، لكن علاقاتهما الاقتصادية اكتسبت أهمية أكبر بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011 ؛ فوفقاً لبيانات رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا في العام 2010 نحو مليار دولار أمريكي، لكنه ارتفع بعد اندلاع الاحتجاجات في عام 2011 إلى نحو 2 مليار دولار.
في عام 2013 وقعت الحكومة السورية اتفاقاً مع شركة “سيوزنفتاغاز” (Soyuzneftegaz) الروسية من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، قبالة الساحل السوري، وفقاً لعقد يستمر لمدة 25 عاماً.
هذه الاتفاقية تحقق أحد أهداف روسيا للاستثمار في قطاع الطاقة السوري، حتى يكون لها حصة فيه بدلاً من التنافس معه، باعتبار أن سوريا مكان محتمل، لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية.
بعد أن تمكن النظام بمساعدة حليفيه روسيا وإيران، من استعادة سيطرته على نسبة 70 بالمائة من أراضي سوريا، وفي سياق عملية التفاوض المتعثرة، دخلت روسيا في سباق التنافس مع إيران، على اقتسام الكعكة السورية، وكان واضحاً أن روسيا تقبض ثمن كل خطوة تدعم بها النظام، واتجهت بقوة نحو الاقتصاد حيث استطاعت روسيا، استمالة حيتان المال، وصبت سيولتهم المالية في بنوكها، وعقدت ما شاءت من صفقات وعقود، ترهن فيها البلد لمصالحها.
أخذت تطالب النظام بمستحقاتها من الديون قبل أن يدخل قانون قيصر حيز التطبيق، وروسيا عالمة بحجم الخلاف بين حيتان المال ورامي مخلوف في الصراع على الحصص، والتنافس على النفوذ الاقتصادي. وتبين مع الوقت كيف أن روسيا أخذت تلعب على التناقضات القائمة بين مخلوف والسلطة، لتصل الى مبتغاها ليس المالي فحسب، بل السياسي أيضاً في سوريا.
واستغلت روسيا فترة السبات الانتخابي في أمريكا التي امتدت لمدة ستة أشهر، وأصابت السياسة الأمريكية الخارجية بالشلل، لتعزيز مكانتها واستثمار نفوذها وفرض وقائع جديدة، حيث زار لافروف على رأس وفد روسي دمشق وشدد حينها على أن إعادة الإعمار في سوريا لها أولوية، بعد أن انتصرت على الإرهاب بدعم روسيا.
وبالفعل، وقعت روسيا مع النظام عدة اتفاقيات استراتيجية، في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية في البحر المتوسط، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، كما وقعت “ترانس غاز” مع حكومة النظام اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً.
ولم تقتصر الاتفاقيات بين الطرفين على البترول والغاز والطاقة وحسب، بل شملت جوانب أخرى، منها الحبوب والأغذية، حيث بموجب هذه الاتفاقيات، أصبحت روسيا الدولة الأولى في تصدير مادة القمح لسوريا، إضافة إلى الاتفاق على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني أن القمح الذي يشكل المادة الأساسية في قوت السوريين، بات بيد روسيا بشكل شبه تام.
إضافة لذلك حازت على اهتمام القيادة الروسية عقود إعادة الإعمار، وكشفت مؤسسة الإسكان على لسان مديرها “أيمن مطلق” على أنها توصلت مع شركات روسية إلى مراحل متقدمة من النقاش حول المشاريع الإسكانية. وأعلن في وقت لاحق ممثل مركز المصالحة الروسي، على أن بلاده تقوم بدراسة مشاريع، تتعلق بإعادة الإعمار، بهدف عودة اللاجئين. وهكذا استطاعت روسيا أن تعقد من الاتفاقات ما تريد، وترهن سوريا مقابل تعهدها بدعم وجود النظام، لكن لو فرضنا أنها تخلت عن النظام، ونكصت بوعدها هل بإمكان النظام أن يفعل شيئاً! إلى أين المفر! ما يراهن عليه النظام هو أن روسيا لن تجد بديلاً أفضل منه، ولن تتخلى عنه! إلا أن روسيا التي أبرمت هذه الاتفاقيات لتصبح أوراقا إضافية بيدها، فعلت ذلك لتثبت قدرتها على التحكم بالنظام والضغط عليه لتساوم المجتمع الدولي على مستقبل سوريا، بانتظار معرفة وجلاء الموقف الأمريكي الجديد، بقيادة الرئيس بايدن. نعم أبرمت روسيا هذه الاتفاقيات مع وقف التنفيذ، بحجة قانون قيصر الذي يسلط سيف العقوبات على الدول والشركات التي تدعم النظام السوري، فهي لن تستطيع إدخال المواد والأجهزة التي تمكنها من تنفيذ هذه المشاريع! أما النظام فما دفعه إلى إبرام هذه الاتفاقيات هو الأزمة السياسية والعسكرية والاقتصادية وضرورة تحقيق الاستقرار للبدء بإعادة الإعمار، خشية من تجدد اندلاع النزاعات المسلحة خاصة مع أمريكا.
استثمار روسيا للواقع الاقتصادي المزري لخدمة أهدافها
عمل النظام السوري بشكل مستمر على نقل عبء الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعقوبات المفروضة عليه إلى عاتق الشعب السوري، حتى أصبح أكثر من 80 بالمائة منه مهدداً بالجوع، وصارت سوريا بأسفل قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم. حاول النظام الاستثمار بوضع الشعب المزري، ودعا إلى زيادة الدعم والمعونات سواء من الدول على شكل مساعدات أو من اللاجئين بضخ العملة الصعبة إلى أهاليهم في سوريا لإنقاذهم من الموت جوعاً، حتى أن النظام استخدم وباء الكورونا من أجل الضغط على الخارج لدعمه ورفع العقوبات عنه. إضافة لذلك استغل النظام الوضع المعيشي الصعب وانهيار الاقتصاد وتفشي البطالة، لعسكرة الشارع والتجنيد في صفوف الجيش.
أيضاً عملت روسيا على استغلال الوضع الاقتصادي المذري، لتحقيق أهدافها في التغول أكثر في المجتمع السوري، وتعزيز نفوذها العسكري والأمني. فمنذ أن بدأت روسيا تدخّلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015 عملت على خضوع النظام السوري عسكرياً وأمنياً لقراراتها، لكن ذلك لم يمنعها من المضي في مسار موازٍ لتشكيل كيانات عسكرية تابعة لها، بصورة مباشرة، لضمان الولاء العسكري لها على المدى الطويل.
وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية، شكلت روسيا فرقة النمر بقيادة الضابط البارز في قوات النظام سهيل الحسن، وأغدقت عليه العتاد والدعم. كما أنشأت الفيلق الخامس، الذي فتح أبوابه للمتطوعين والمنشقين سابقاً، وحتى للمقاتلين السابقين في صفوف الجيش الحر، ممن انخرطوا في التسويات والمصالحات في المناطق التي كانت يُهجَّر سكانها، وذلك كملجأ لهم يعيدهم إلى النظام، ولكنه يحميهم من انتقامه في الوقت نفسه. وبناء على ذلك يعد الفيلق الخامس تشكيلاً عسكرياً كبيراً، تابعاً للنظام السوري رسمياً، ويأتمر بأوامر قاعدة حميميم الروسية عملياً، ويتلقى من روسيا دعماً مادياً ولوجستياً وعسكرياً، ويوجد في عدة محافظات سورية.
تجنيد الشباب السوري كمرتزفة
إن البطالة والفقر المدقع والوضع الاقتصادي المزري، كانت من أهم العوامل لنجاح روسيا في تجنيد آلاف المرتزقة وإرسالهم إلى الجهة التي تريدها، بما يخدم مصالحها وسياستها التوسعية عبر العالم، حيث كشف تقرير مفصّل صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، عن قيام شركات أمنية روسية بتواطؤ مع النظام السوري بتجنيد ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل سوري، لغرض القتال في ليبيا، دعماً لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ضد قوات “حكومة الوفاق”.
انتشرت عمليات التجنيد في كافة المحافظات السورية، ولاقت رواجاً كبيراً بدءاً من مدينة السويداء وانتقالاً فيما بعد إلى القنيطرة ودرعا ودمشق وريفها (جنوباً)، وحمص وحماة (وسط)، والحسكة والرقة ودير الزور (شمال شرق البلاد)
ورغم المصير الأسود الذي ينتظر هؤلاء المرتزقة، والنيل من سمعتهم وانتمائهم الوطني إلا أن الظروف الاقتصادية المزرية، والرواتب المغرية التي قدمتها روسيا لهم، كانت كفيلة بجذبهم وتجنيدهم ليشكلوا ظهيراً عسكرياً لدعم روسيا ليس في الداخل السوري فحسب، بل خارج الحدود.
الخلاصة
استنزفت روسيا النظام رغم الأزمة الخانقة التي يعيشها، حين طالبت بديونها ثمناً للسلاح الذي استخدم لاستعادة المناطق وحماية النظام. ورهنت سوريا عبر الاتفاقات والعقود والقواعد العسكرية، بالمقابل كان دعمها المالي والاقتصادي محصوراً بالقوى الموالية لها التي تأتمر بأمرها كقوات نمر والفيلق الخامس والمرتزقة. وبعد كل ما حصلت عليه وكل الوعود التي قدمتها لدعم النظام، أخذت تُحمل النظام مسؤولية الوضع الاقتصادي القائم، وتتخلى عن التزاماتها اتجاهه، لتترك الباب مفتوحاً على المساومات والضغوط بما يناسب مصالحها.