سوريا والعيش في وفرة العتمة

سوريا والعيش في وفرة العتمة

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

بداية قبل التحدث عن الانقطاع شبه التام للكهرباء في سوريا، لا بد للأمانة أن نذكر أن هناك تمييزاً في توفر الكهرباء في سوريا، فمثلاً مشروع دُمر في دمشق مدلل جداً إذ تأتي الكهرباء أربع ساعات متواصلة أو أربع ساعات ونصف الساعة وتنقطع ساعتين (أو ساعة ونصف)، بينما في أطراف دمشق وفي بعض الأحياء الفقيرة المغضوب عليها (لأن النظام يعتبرها انتفضت عليه) تأتي الكهرباء ثلث ساعة في اليوم كله.

بالنسبة لوطن الظلام سوريا أتابع بشكل يومي حياة الناس في ظل انقطاع الكهرباء الطويل، ويمكنني أن أعطي صورة تفصيلية عن حالة الساحل السوري (الذي يُعتبر مُدللاً نسبياً)، حيث تنقطع الكهرباء خمس ساعات وتأتي ساعة واحدة ليعود القطع خمس ساعات، وفي أحسن الأحوال تنقطع الكهرباء أربع ساعات لتأتي ساعة واحدة، وغالباً ما يتم اختزال ساعة الكهرباء إلى نصف ساعة فقط! أحد الأصدقاء في اللاذقية قال لي اكتبي عن تسونامي الكهرباء، وسألته ماذا يعني بتسونامي فقال لي: بعد انتظار خمس ساعات في ظلام مطبق جالسين في البيت مشلولين من الحركة وما أن تأتي الكهرباء نصف ساعة أو ساعة حتى ينتفض كل الشعب السوري ويصبح مثل خلية النحل، من يريد أن يشحن هاتفه الخليوي، ومن يريد أن يكون محظوظاً ويُسخن ماء ليستحم، ومن تريد أن تكمل وجبة الغسيل في الغسالة وهو منقوع فيها لعدة أيام بسبب انقطاع الكهرباء.

ويلاحظ المتابعون لكتابات السوريين في الداخل على مواقع التواصل الاجتماعي أن مشكلة انقطاع الكهرباء تحتل القسم الأكبر من التذمر والشكاوي، وقد وصل الغضب بالبعض وعدم تحمل هذا العيش في الظلام أنهم أصبحوا يكتبون شتائم فاحشة بحق وزير الكهرباء ومؤسسة الكهرباء.

طبعاً على السوري أن يجد حلاً لانقطاع الكهرباء الدائم وهنالك عدة حلول بديلة ، فالسوري الثري أو موفور الحال يشتري بطارية كهرباء سعرها قرابة مليون ليرة سورية وقد تحتاج لأجهزة إضافية (إنفيرتر)، ويصل المبلغ إلى مليون وثلاثمئة ألف، لكن حتى هؤلاء لا يستفيدون من هدر نحو مليون ونصف ثمن بطارية كهربا تضيء لهم غرفة المعيشة (أي أنها لا تستطيع تشغيل براد أو غسالة أو آلة تدفئة كهربائية)؛ فوظيفة هذه البطارية (بسعر مليون وثلاثمئة ألف) إضاءة غرفة المعيشة والمطبخ، وتستمر الإضاءة حوالي ساعتين على أقصى حد لأنه لا يوجد أساساً كهرباء كي تتمكن البطارية من شحن وتخزين الكهرباء. يضطر هؤلاء أن ينتقلوا إلى المستوى الثاني (وهو الذي يلجأ له معظم الشعب) استعمال اللدات الكهربائية التي تعمل على بطارية رخيصة نسبياً (مئتا ألف ليرة سورية)، وهذه اللدات عبارة عن كهارب صغيرة جداً وضوؤها واخز وحاد ومُخرش للعين ويُحدث أذى لشبكية العين تماماً كما يحدثه لحام الكهرباء (أي تسبب ما يشبه حروقاً في الشبكية). هذه اللدات سرعان ما ينوس ضوؤها وتنطفئ بعد ساعة أو ساعة ونصف لأن البطارية الصغيرة التي تشحنها تكون قد فرغت من الشحن أو لم تستطع أن تختزن أو تشحن كمية كافية من الكهرباء خلال ساعة أو أقل  وقد سألت مختصين في تركيب اللدات الكهربائية وأجمعوا جميعاً أنه يتوجب كل شهر أو كل شهر ونصف الشهر شراء بطارية جديدة لتشغيل اللدات؛ فهذه البطاريات صناعة صينية غالباً ورخيصة جداً وسريعة العطب (وأحب أن أذكر أنني خلال عيشي في اللاذقية من 2011 وحتى 2019 اضطررت أن أشتري ثماني بطاريات).

إذاً لم يبق من حل للسوري كي يتغلب على العتمة سوى الشموع، وسعر الشمعة الواحدة بعرض الإصبع ألف ليرة سورية وتذوب تماماً بعد نصف ساعة، لذا على أسرة سورية كي تؤمن إنارة رومانسية بالشموع لأولادها كي يدرسوا أن تستهلك عشر شموع أو عشرين على الأقل أي عشرة آلاف أو عشرين ألف ليرة سورية. ومعظم الأسر السورية (حوالي 80 بالمئة) تعيش تحت خط الفقر وعاجزة حتى عن تأمين شموع ليدرس أولادها.

ثمة مشكلة خطيرة تنجم عن العيش في ظلام شبه دائم هي التأثير النفسي للظلام على نفوس الناس خاصة على الأطفال، فالكثير منهم لديهم رهاب العتمة، وكنت على تواصل مباشر مع أسر سورية فقيرة لديها أطفال يبدؤون بالبكاء والصراخ وتنتابهم نوبات ذعر حين تنقطع الكهرباء لساعات طويلة؛ فتنتابهم حالة عصبية من الهياج والصراخ وتكسير كل ما تفع أيديهم عليه. وقد أقنعت أهلهم أن يقصدوا طبيباً نفسانياً؛ لكن ذلك الذصديق قال لي يومها بأسى كبير: “لا حل لمشكلة هؤلاء الأطفال الذين يُعانون من رهاب العتمة سوى الشراب المنوم”. قلتُ لصديقي الطبيب النفسي: “يعني كأنك تعطيهم مخدراً كي يناموا!” قال: “هل عندك حل آخر؟ هل نترك هؤلاء الأطفال يتقصفون رعباً من العتم، من ظلام دامس يعمي القلوب قبل العيون”. وحكى لي عن طفل حالته شديدة من رهاب العتمة اضطر أن يعطيه أدوية مضادة للاكتئاب!

هؤلاء الأطفال يدرسون في مدارس بائسة في صفوف مُعتمة (لأن الكهرباء مقطوعة)، وبما أن الدولة العتيدة بسبب وباء كورونا قد اتخذت إجراء أن يكون هناك دوامان صباحي ومسائي كي تخفف من ازدحام الطلاب في الصف فإن العديد من الأطفال يدرسون في العتمة (أرسلت إحدى المدرسات صورة لصف في مدرسة عبارة عن لوحة سوداء تماماً)، وبعض الطلاب تعرضوا للسقوط وهم ينزلون الدرج في المدرسة وأصيب العديد منهم بكسور.

سوريا بلد الظلام (ما عدا بعض الشوارع المدعومة كمشروع دمر في دمشق) الذي يسكنه المسؤولون.

الجرائم المُروعة التي تحدث في كل مناطق سوريا والتي يكون الظلام الدامس شريكاً لها، لم نعهدها في المجتمع السوري من قبل  عدا عن السرقة وأحياناً القتل بهدف السرقة فإن هناك تنوعاً مُخيفاً في تلك الجرائم. فمنذ أسابيع قام شابان بإقتحام شقة امرأة تعيش وحيدة في بناية من خمسة عشر طابقاً وهي ثرية وحاصلة على الجنسية الكندية. قاموا بربطها على كرسي وحرقها بعد أخذ كل مصاغها وأموالها وكل ما استطاعوا حمله من أثاث البيت. هذا الفحش في الإجرام (أن يقتلوها حرقاً) يدل على تشوه نفسي كبير وأحقاد مروعة أحدثتها ظروف معينة في نفوس بعض الشباب السوريين.

ليس الفقر وحده سبب هذا التوحش في الإجرام بل مظاهر التباهي والاستعراض والعهر التي يمارسها أثرياء الحرب على مرأى ناس فقراء ينتظرون ساعات في طابور الخبز ليحصلوا على خبز تعاف الدواب أكله، وحين يرى الشباب والمراهقون خاصة أن أحداً من أثرياء الحرب أحيا عيد ميلاد لابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات وكلفه الحفل خمسين مليون ليرة سورية، وينشر صور الحفل على الفيس بوك؛ فإن هذه المظاهر من الوقاحة والتباهي بالثراء الفاحش تولد أحقاداً ونقمة في نفوس الشبان الجياع العاطلين عن العمل والذين لا يشعرون بقيمتهم وينتظرون فرصة ليهجّوا من بلد الظلام والظلم.

في الواقع لا أحد من السوريين يصدق أن مشكلة الكهرباء وانقطاعها شبه الدائم هو بسبب الحرب في سوريا والجماعات الإرهابية التي تخرب شبكة توليد الكهرباء (كما ضج خبر أن قرشاً قضم خط الإنترنيت في سوريا لذلك انقطع. الناس ليسوا أغبياء، الكل يعرف أن قطع الكهرباء غايته إذلال الناس وإلا لماذا الكهرباء متوفرة بشكل شبه دائم في مشروع دمر في دمشق! ولماذا فجأة تصبح سوريا كلها منارة بالضوء حين يكون هناك خطاب لرئيس أو شخصية سياسية مُقدسة! لا أنسى ذات يوم لم تنقطع الكهرباء في بيتي ثلاثة أيام متواصلة مع أن البناية قربي غارقة في العتمة، وأصابتني حالة من القلق والعصبية وتبين أن السبب هو زيارة السيدة وزيرة الشؤون الإجتماعية لمدينة اللاذقية لثلاثة أيام وأن الفندق الذي تقيم فيه يتشارك مع البناية التي أسكنها بخط الكهرباء، شعرت بالقهر والذل ولم أحس بالفرح أبداً.

المُخزي ما وصل إليه السوري من ذل ومهانة. كان السوري يُنفث عن قهره بشتم وزارة الكهرباء أو لعن هذا العيش الذليل حتى أن أحدهم كتب: “لا عزاء لنا سوى صور الأطفال في مخيمات النزوح أقدامهم غارقة في الثلج والوحل، هذا عزاؤنا الوحيد في بيوتنا المظلمة.”

صدر مرسوم أن كل من يتهكم ويشتم ويكتب كتابات توهن الشعور القومي للموطن السوري سيُعاقب وستعتبر كتابته جريمة إلكترونية لأنه يوهن عزيمة الأمة (ويا لها من عزيمة مُصانة بالكهرباء والغاز والراتب الذي يؤمن حياة كريمة وحرية التعبير والكلام…) كم آلمني أن الكثيرين من السوريين ارتعبوا وتوقفوا عن كتابة يبثون من خلالها قهرهم، وقد كتبت امرأة كانت لامعه في انتقاد وضع الكهرباء في سوريا بكتاباتها الجريئة الصادقة خفيفة الظل، كتبت (وكان وقتها عيد الحب) نحن ووزارة الكهرباء غرام دائم، أحلى عيد حب مع وزارة الكهرباء.

تم التدجين بالكامل. تذكر السوريون أن للحيطان آذاناً وأن الفيس بوك مُراقب وكل كلمة يكتبونها قد تجرجرهم إلى فروع الأمن بتهمة (وهن شعور الأمة) وصارت عبارات من مثل (نيالو مات وارتاح) و (نحن أموات ولسنا أحياء…) أقوال يومية في حياة معظم السوريين .سوريا وطن الظلام وأن تقتل نور الأمل وحب الحياة في نفوس الناس وتُجرمهم على كلمات كتبوها فهذا هو الموت.

الطب البديل خيار استراتيجي لمن لا يملك ترف الاختيار

الطب البديل خيار استراتيجي لمن لا يملك ترف الاختيار

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

الطب العربي، طب الأعشاب، الطب البديل، كلها أسماء “لمصلحةٍ” واحدة، وكلها معاً، صارت هدفاً للسوريين. لا يوجد رقم دقيقعن مدى استخدام هذا النوع من الطب الشعبي، ولكن الفقر والجوع دفع بالكثيرين للجوء لهذا الطب فحسب تقديرات الأمم المتحدة أكثر من 90 بالمئة من السوريين يعيش تحت خط الفقر المباشر، أي أنّ نتاج الفرد منهم لا يتخطى دولارين في اليوم الواحد. وعلى أرض الواقع فحتى مبلغ دولارين في اليوم هو حلم بعيد المنال لمعظم المواطنين، فمتوسط راتب الموظف السوري شهرياً هو خمسون ألف ليرة سورية أي ما يعادل 15 دولاراً أمريكياً على حسابات السوق السوداء، وهي حسابات يُحظر التعامل بها في سوريا، سراً أو علانية، إلا أنها تحكم الشارع والتجارة والأسواق والحياة اليومية، فالجميع في الداخل السوري يعمل في المضاربة.

في ضوء هذا الحال، لجأ الكثير من السوريين إلى الطب البديل، لأسباب واضحة، على الصعيد العام ترتبط بالشح الدوائي الخطير في سوريا من جهة، وانهيار المنظومة الطبية من جهة ثانية، فضلاً عن ارتفاع أجور المعاينات الطبية بما لا يتناسب بأي شكل مع الدخل السوري (وصلت معاينة شريحة كبيرة من الأطباء إلى عشرة آلاف ليرة سورية)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأدوية الكيميائية الموصوفة من قبل الأطباء (إن وجدت) فإنها إلى جانب المعاينة قد تكلف صاحبها راتبه كاملاً، وفي أحسن الأحول ثلثه أو نصفه.

ولتوضيح تجارب السوريين في هذا الإطار يقول سامي المعراوي الذي وجد ضالته في الطب البديل: “أقل كلفةً وعناءً ومالاً وجهداً وهو علاج طبيعي مئة بالمئة”. ويضيف عن تجربته مع المرض والأطباء والمشافي التي استنزفت مدخراته المالية: “لديّ مشكلة في الكلى، وعانيت منها طويلاً، وكلفتني الكثير من الأموال دون أن يتفق الأطباء على علاج واحد، حتى لجأت إلى أحد العطارين (العطار اسم شعبي لمن يعمل في الأعشاب) بعد أن سمعت عنه الكثير، وصف ليّ أعشاباً ومغلي الماء بالأعشاب، واظبت على الدواء، بت أشعر أنني الآن أفضل”.

وتعتبر مهنة العطارين نداً للطب التقليدي الذي يشن عليها على الدوام حرباً كبرى، إذ يرى المجمع الطبي أن الطب التقليدي والأدوية المصنعة وجدت لعلاج كل الأمراض نسبياً، في حين أنّ الطب الشعبي يعتريه ما يعتريه من النصب والسرقة والاحتيال. ويتفق الأطباء أن خلطات الأعشاب تفيد طبيعياً بحالات معينة ومؤقتة للغاية (غير مزمنة). فأعشاب كإكليل الجبل واليانسون والزعتر البري والزوفا والمليسة والميرمية والبابونج والشيح والزعفران والزنجبيل والقرفة والكمون وسواهم، تفيد في حالات معينة، كالمغص والصداع والإسهال والتشنج العضلي والمعوي والمفاصل والجيوب والقولون وآلام الظهر العضلية المؤقتة وغيرها؛ ولكنها حكماً لن تغني مريض السرطان عن الجرعات، ولن تعالج تلف الكبد، وبالضرورة فإن الديسكات التي تحتاج جراحة عصبية لن تشفى بالكمون والليمون مثلاً، ولن تكون بديلاً عن الدواء أولاً والمنفسة ثانياً في حال التدهور الصحي لمرضى الكورونا المعروف بـ كوفيد-١٩.

يعتقد المعالج النفسي بشار الماجد أنّ الأمر كلّه مرتبٌط بالحالة النفسية لمتلقي العلاج: “كثيرٌ من الناس يؤمنون بفعالية هذه العلاجات، وهي عادات متوارثة غالباً، نجدها في المجتمعات المغلقة التي تحكمها العادات والتقاليد والقصص المتوارثة، إذن، القصة كلها مرتبطة بالعامل النفسي، وحقيقةً فإن لهذا العامل  دوراً كبيراً للغاية في تحسن مفترض لأي مريض، ولكنه تحسن نفسي غير عضوي وهنا المشكلة، فارتياح الشخص لا يعني أن حالته المرضية لا تتطور، وبالمقابل فمن الممكن أن يحدث العكس تماماً، كل شيء وارد”.

ويرفض العطار أبو هاشم أيّ اتهام بالنصب أو الاحتيال مشدداً “هذا ما وجدنا آباءنا عليه”، ويعتقد من وجهة نظره أنّ العلاج كله يكمن في الطبيعة، ليتساءل حول كيف كان يتعالج الأجداد والقدماء قبل وجود المستخلصات الكيميائية: “نحن طب قائم بقوة العرف، وعشرات الحالات تشفى على أيدينا وهناك الكثير من الأمثلة، نحن نبيع منتجاً طبيعياً والعلاج على ربّ العالمين”.

لبنان والدواء إلى سوريا

لعب إغلاق الحدود بين البلدين دوراً في الانتعاش المرحلي لسوق الأدوية الطبيعية، فالبلد الذي كان متنفساً دوائياً-اقتصاديا لسوريا ما عاد كذلك. فبعد حادثة المرفأ المحزنة بات لبنان نفسه يعاني أزمة دوائية خانقة.

وكان نقيب الصيادلة اللبنانيين ​غسان الأمين​ قد ذكر أواخر العام الماضي أن “هناك أدوية مفقودة من ​الصيدليات​ وذلك بسبب تهافت الناس على شرائها وتخزينها”، مشيراً الى أنه تم “وضع خطة لترشيد دعم ​الدواء​، وتناقلتها وسائل الإعلام بكل أشكالها، الا أنه لليوم لا قرار للحكومة بتبني الخطة، ولا تبني لهذه الخطة من ​مصرف لبنان​ لذلك تتهافت الناس على شراء ​الأدوية​ وتخزينها في المنازل”.

وفي حديث للأمين لصحيفة “الشرق الأوسط” في أيلول/سبتمبر الفائت كان قد قال علانيةً أنّ “مخزون الدواء في المستودعات الذي كان يكفي لستة أشهر عادة، بات لا يكفي لأكثر من شهر ونصف الشهر”، مؤكداً حينها أنّ مشكلة فقدان الدواء مستمرة.

وفضلاً عن كل ذلك لعبت عقوبات قيصر/سيزر دورها في الملف، فلبنان الآن مهدد بعقوبات اقتصادية شاملة وقاسية في حال أجرى أي تعاملٍ اقتصاديٍ مع سوريا بحسب ما نصت بنود القانون الأمريكي، ما خلق مشكلةً مضاعفة للبلدين، فسوريا التي كانت مصدراً دوائياً للبنان في سنوات حربها الأولى باتت الآن بأمس الحاجة لأي دواء من لبنان، سيما مع توقف حركة النقل بين البلدين بشكلها الرسمي وما كان يصحبها من “تجارة الشنطة”، وهي نوع من أنواع التهريب البسيط من خلال السائقين بين البلدين، ليبقى ملف التهريب بشكله العام على المعابر غير الشرعية قائماً، ولكنه دون فائدة يمكن التعويل عليها، فلا لبنان لديه فائض دوائي، ولا سوريا لديها ما تقدمه للبنان، على الرغم من أنّ سوريا أقرت غير مرة إعفاءات ضريبية على إدخال المواد الأولية من لبنان، إلا أنّ عقوبات سيزر أثارت فوضى في الحسابات المحلية والإقليمية وحتى الدولية.

كورونا وصراع المصالح

كانت قد سجلت أول حالة بفيروس كورونا كوفيد-١٩ في سوريا قبل تطبيق القانون الأمريكي بثلاثة أشهر تقريباً، تحديداً في الثاني والعشرين من آذار/مارس الماضي، مما خلق ضغطاً إضافياً على القطاع الطبي-الدوائي في سوريا، فالبلد المحاصر ليس بمقدوره الاستيراد بأي شكل، وبالتالي برزت المشاكل الصحية التي تتعلق بالاستيعاب المرضي من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى تأمين منافس وأدوية مؤقتة تغطي مرحلتي الانفجار المرضي اللتين مرت سوريا بهما، ليطفو إلى السطح سؤال يتداوله الشارع السوري: أين الحلفاء؟، وهم الأفضل في المجال الطبي والتقني والنفطي. بيد أنّ مؤشر الأيام يقول أنّ هؤلاء الحلفاء لا ينظرون إلى الشعب السوري بعين المنطق التشاركي، إنما ينظرون إلى سوريا من منطلق الكعكة الواجب تقاسمها بحدّة وتعزيز المكاسب على الأرض، فالعسكر هم العسكر، وليتولى السوريون أمرهم، هذا ما يقوله الواقع، فلا المنظومة الطبية بخير، ولا القطاعات الخدمية بحال جيد، فسوريا اليوم صارت “جمهورية الطوابير”، الطوابير بمعناها الخدمي، والطوابير بمعناها العسكري.

هل هو “الفصل الاخير” من المفاوضات السورية-الاسرائيلية؟

هل هو “الفصل الاخير” من المفاوضات السورية-الاسرائيلية؟

كانت سوريا وإسرائيل، بفضل وساطة أميركية، على حافة توقيع اتفاق سلام في نهاية فبراير (شباط) 2011، قبل اندلاع الاحتجاجات ضمن «الربيع العربي». صاغ الوسيط الأميركي مسودة اتفاق «ذهبت أبعد بكثير من أي ورقة سابقة»، وتضمنت قطع دمشق لـ«العلاقات العسكرية» مع طهران و«حزب الله» اللبناني، و«تحييد» أي تهديد لإسرائيل، مقابل استعادتها مرتفعات الجولان السورية المحتلة من إسرائيل، إلى خط 4 يونيو (حزيران) 1967.

هذا ما أكده لـ«الشرق الأوسط» مسؤولون كانوا منخرطين في المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي فريد هوف بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتضمنت عقد جلستين على الأقل مع وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، والمستشار القانوني رياض داودي، بحضور السفير الأميركي السابق روبرت فورد. وكان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ونائبه وقتذاك جو بايدن (الرئيس الحالي)، على علم بهذه المفاوضات السرية، مع انخراط كبير من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. ولم يتوفر تعليق رسمي على مضمون هذه المفاوضات من دمشق التي تعلن دائماً التمسك بـ«استعادة كامل الجولان» و«العلاقة الاستراتيجية مع إيران».

– عرض مثير

كان وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري قال في كتابه «كل يوم هو يوم إضافي» إن الأسد بعث إلى الرئيس أوباما مقترحاً لإقامة سلام مع إسرائيل، وإن نتنياهو عندما اطلع على الاقتراح وجده «مثيراً للدهشة». وقال كيري إنه في عام 2009، بينما كان يتولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، زار دمشق وتناول في اجتماع مع الأسد أموراً عدة، بينها اتفاق السلام مع إسرائيل، في ضوء أن المحاولات السابقة في ظل حكومات إسحق رابين وشيمون بيريز وإيهود باراك وأولمرت ونتنياهو (خلال فترته الأولى بين 1996 و1999) انتهت بالفشل.

وقال كيري: «سألني الأسد ما الذي يحتاج إليه الأمر للدخول في مفاوضات سلام حقيقية، على أمل ضمان عودة الجولان التي فقدتها سوريا لحساب إسرائيل عام 1967، أجبته بأنه إذا كان جاداً، فعليه تقديم مقترح غير معلن. وسألني عن الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الاقتراح، فشاركت معه أفكاري. وبالفعل، أصدر توجيهات إلى أحد كبار مساعديه بصياغة خطاب من الأسد إلى أوباما». وكتب كيري أنه في هذا الخطاب، طلب من أوباما دعم محادثات سلام جديدة مع إسرائيل، وأعلن «استعداد سوريا لاتخاذ عدد من الخطوات، مقابل عودة الجولان من إسرائيل».

وبعد اجتماعه مع الأسد، توجه في اليوم التالي جواً إلى إسرائيل، وجلس مع نتنياهو الذي كان قد عاد إلى السلطة بعد 10 و«أطلعته على خطاب الأسد، فشعر نتنياهو بالدهشة من أن الأسد على استعداد لقطع كل هذا الشوط الطويل، والوصول إلى نقطة أبعد بكثير عما كان على استعداد لتقديمه من قبل».

وذكر كيري أنه بعدما عرضه على نتنياهو، حمل «عرض الأسد» إلى واشنطن، وحاولت إدارة أوباما اختبار مدى جدية الرئيس السوري، من خلال طلب اتخاذ «إجراءات لبناء الثقة» تجاه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بينها وقف بعض شحنات الأسلحة لـ«حزب الله»، الأمر الذي لم يحصل. وكتب كيري: «أتذكر أنني سمعت أن الأسد استمر في نمط السلوك ذاته تماماً تجاه (حزب الله) الذي أخبرناه أن يتوقف عنه؛ كان ذلك خيبة أمل، لكنه لم يكن أمراً مفاجئاً».

– ضربات إيرانية

بعد انطلاق مفاوضات السلام عقب مؤتمر مدريد للسلام في 1991، جرت محاولات بين سوريا وإسرائيل بلغت ذروتها مع رابين عبر مفاوضات ما يعرف بـ«أرجل الطاولة الأربع»: الانسحاب، وعلاقات السلم، وترتيبات الأمن، والجدول الزمني، وتضمنت اجتماعات بين رئيسي أركان سوريا وإسرائيل، ومفاوضات سرية وعلنية تضمنت الالتزام بـ«الانسحاب الكامل» من الجولان، وبحث إقامة «علاقات سلم طبيعية» وترتيبات أمنية، والبحث في فتح سفارات وبوابات حدودية على الخط المفترض لـ4 يونيو (حزيران) 1967.

وبعد اغتيال رابين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، حاول بيريز «التحليق في السماء باتفاق سلام مع سوريا»، واستعجل المفاوضات وصولاً إلى معاهدة. وفي بداية 1996، بدأت مفاوضات ثنائية، لكنها انهارت بعد عمليات انتحارية في تل أبيب وعسقلان والقدس. وقتذاك، أبلغ الوفد الإسرائيلي نظيره السوري، في جلسة تفاوض بأميركا، أن «إيران تقف وراء الهجمات لإفشال المفاوضات»، وأنه «يجب أن تدين سوريا العمليات الإرهابية»، حسب قول مصدر مطلع. انهارت المفاوضات، وذهب بيريز إلى عملية «عناقيد الغضب» في لبنان التي أخرجته (بيريز) من الحكومة.

وبعدما تسلم نتنياهو الحكومة 1996، «فاوضه» الرئيس الراحل حافظ الأسد، عبر رجل الأعمال الأميركي رونالد لاودر على اتفاق تفصيلي «متقدم جداً» عام 1998. كما أن خليفة نتنياهو، إيهود باراك، عرض لدى استئناف المفاوضات، وانعقاد لقاء بينه وبين وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الانسحاب من الجولان حتى خط 4 يونيو (حزيران)، مقابل السلام وترتيبات الأمن. وعقدت جلسات عمل تفصيلية في شيبردزتاون، قرب واشنطن، مع تركيز على ملف المياه الشائك، حيث قال الإسرائيليون إن «المياه خط أحمر»، وقدم الأميركيون وقتذاك «ورقة عمل» كانت بمثابة مسودة اتفاق سلام.

باراك أبلغ الأميركيين في ختام جولة المفاوضات في بداية 2000 بأنه لا يستطيع عقد اتفاق سلام بسبب «الوضع الداخلي المعقد» الذي يستدعي ذهابه إلى إسرائيل، ثم العودة إلى بلدة شيبردزتاون لاستئناف المفاوضات، لكنه لم يعد.

وفي مارس (آذار) 2000، كانت آخر محاولة في عهد الأسد (الأب) الذي كان يعاني من مشكلات صحية، عبر لقائه كلينتون في جنيف. أيضاً انهارت القمة السورية – الأميركية بعد 20 دقيقة، جراء الخلاف حول الوصول السوري إلى شاطئ بحيرة طبريا، وعرض كلينتون خريطة لخط 4 يونيو (حزيران) وشاطئ طبريا أمام الأسد كان قد رفضها سابقاً.

وتسلم بشار الأسد الرئاسة في منتصف 2000. وبعد دخول سوريا في عزلة، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005، قدمت دمشق مرونة بالتعبير عن رغبتها في مفاوضات مع تل أبيب لـ«فك عزلة واشنطن عبر عملية تفاوضية مع تل أبيب». وقتها، رعت تركيا في 2008 محادثات وصلت إلى حد التفكير بترتيب مفاوضات مباشرة، بوساطة هاتفية من رجب طيب إردوغان والأسد وأولمرت نهاية 2008، قبل أن تنهار بقصف إسرائيلي لقطاع غزة نهاية ذاك العام.

انتهت العزلة الأوروبية، ثم الأميركية، وجاء روبرت فورد سفيراً أميركياً إلى دمشق. وفي 2010، بنت واشنطن على جهود سابقة، بينها جهود أنقرة، ورغبة إدارة أوباما بتفعيل مسار السلام، وتعيين مبعوثها جورج ميتشل لاختبار مسار التفاوض السوري – الإسرائيلي. واتسمت المحاولة الأخيرة بالسرية. وكان عدد العارفين بمسار التفاوض محدوداً في كل دولة. ومن الجانب الأميركي، كان على علم كل من أوباما وبايدن وكلينتون، ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، والسفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، والسفير الأميركي في دمشق روبرت فورد. ومن الجانب السوري، علم بالمفاوضات بدرجات متفاوتة كل من الأسد والمعلم وداودي، حيث عقدت جلسات بين المعلم وداودي وهوف وفورد. وفي إسرائيل، حصرت لقاءات هوف بنتنياهو في مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء، بحضور باراك وزير الدفاع.

– الأسد-هوف

آخر لقاء ضمن هذه الوساطة، كان بين الأسد وهوف في 28 فبراير (شباط) 2011، أي في خضم «الربيع العربي» الذي غير نظامين في ليبيا ومصر، وبدأت مظاهراته في دمشق. وروى هوف الذي عمل على صوغ مسودة الاتفاق أن الأفكار تضمنت تخلي دمشق عن «العلاقات العسكرية» مع طهران و«حزب الله»، مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الجولان إلى خط 4 يونيو (حزيران).

وكان هوف، القائد السابق في الجيش الأميركي الخبير في مجال ترسيم الحدود بالمناطق المتنازع عليها، أول شخص رسم على الأرض خط 4 يونيو (حزيران) في بدايات تسعينيات القرن الماضي. ويروي فورد لـ«الشرق الأوسط» أن هوف لدى وصوله إلى دمشق، طلب عدم حضور لقائه (هوف) مع الأسد، وأنه وافق على ذلك شرط أن ينام هوف في منزله، مقر السفير الأميركي في دمشق. وقال: «اتصلت به هاتفياً على خط مفتوح كي تسمع المخابرات السورية حديثنا، وقلت: أنا موافق شرط أن تنام في مقر الإقامة الخاص بالسفير، أنت ومساعدك، كي يعرف السوريون أننا فريق واحد. وهذا ما حصل. كما أن هوف أخبرني بمضمون اللقاء، وأترك له ذكر تفاصيل ما حصل في اللقاء مع الأسد، والمفاوضات عموماً».

وقد تضمنت وثائق هوف، حسب تقارير إسرائيلية نشرت في 2012، أن المفاوضات اعتمدت على استعداد نتنياهو للعودة إلى حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، ما يعطي دمشق السيطرة الكاملة على الجولان، مقابل اتفاق سلام شامل، يتضمن «توقعاً» إسرائيلياً بقطع العلاقات بين سوريا وإيران.

وحسب اعتقاد مسؤولين مطلعين على مضمون المحادثات، كان هوف «مقتنعاً بأن اتفاق السلام ممكن، بحيث ينهي الأسد علاقته مع إيران و(حزب الله)، ويتحول في تحالفاته إلى أميركا والدول العربية المعتدلة». وقال أحد المسؤولين لـ«الشرق الأوسط»: «لم أشاهد مسودة اتفاق سلام؛ كانت بداية للتفاوض، وليس النهاية». وذكر مسؤول آخر: «لم يكن واضحاً أن الطرفين اتفقا على جدول زمني محدد، أو توصلا إلى حل مسألة المياه في الجولان. سوريا كانت تقول إنه لا حق لإسرائيل بالمياه وراء خط 4 يونيو (حزيران)، فيما كانت إسرائيل تقول إنه حتى لو يكن لديها جيش وراء خط 4 يونيو (حزيران)، فإنها تريد حضوراً لوجيستياً يسمح بالوصول إلى المياه». وكان الخلاف حول المياه وشاطئ طبريا أحد الأسباب التي أدت إلى انهيار قمة الأسد – كلينتون في مارس (آذار) 2000، حيث أصر الرئيس السوري الراحل على «وضع قدميه» في مياه البحيرة، الأمر الذي رفضه باراك وقتذاك، بل أقام الإسرائيليون طريقاً محيطاً بالشاطئ يجعل الوصول السوري إليها متعذراً دون اتفاق لا يشوبه أي غموض.

هناك من يقول إن وساطة هوف كانت «شرطية – افتراضية»، كما حصل في منتصف التسعينيات، عندما قاد وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستور مفاوضات تحت عنوان «ماذا لو؟»، تضمنت اقتراحاً للأسد: «ماذا لو تعهد رابين بالانسحاب الكامل من الجولان؟ هل أنت مستعد لعلاقات سلام (تطبيع)؟». وقتذاك، وضع رابين في جيب كريستور «وديعة رابين» التي تضمنت الاستعداد للانسحاب الكامل من الجولان، إذا وافق الأسد على مطالب تتضمن علاقات السلم وترتيبات أمنية. ويقول أحد المسؤولين إنه في وساطة هوف، أبدى نتنياهو «الاستعداد للانسحاب الكامل من الجولان، إذا وافق السوريون على اتفاق سلام يتضمن تغيير التوجهات الإقليمية، وقطع العلاقات مع إيران».

وقال مسؤول أميركي سابق على اطلاع على الملف لـ«الشرق الأوسط»: «فيما يتعلق بجدية الطرفين، لا شك في ذلك أبداً. المفاوضات كانت شرطية: الإسرائيليون كانوا يريدون تغييراً استراتيجياً في التوجه السوري، وسوريا كانت تريد إعادة كل الأراضي حتى خط 4 يونيو (حزيران)، وقد حصل كثير من التقدم من الطرفين». وزاد: «أميركا لم يكن لديها أي شك بجدية المفاوضات. الأسد ونتنياهو كانا جديين لمعرفة إلى أي حد سيذهب الطرف الآخر. أيضاً كان هناك تقدم كبير من نتنياهو في موضوع الأراضي أكثر من أي وقت سابق. لقاء هوف مع الأسد في 28 فبراير (شباط) أعطى إشارة واضحة لما يمكن للأسد أن يقوم به».

ويحرص الأميركيون على القول إن المسودة الخطية للاتفاق كانت أميركية، وهو «أمر مهم، ذلك أن المبعوث الأميركي ميتشل لم يقم بصوغ أي ورقة بين نتنياهو والرئيس محمود عباس (أبو مازن)». أيضاً، هناك تأكيد أميركي على عدم حصول لقاء مباشر سوري – إسرائيلي، بل كان التفاوض عبر هوف.

– بناء ثقة

تكتسب المحاولة الأخيرة من المفاوضات أهمية عشية الذكرى العاشرة لاندلاع الاحتجاجات السورية، خصوصاً أن موسكو (اللاعب الرئيسي في سوريا) تقود وساطة لـ«بناء الثقة» بين دمشق وتل أبيب، تضمن عناصر بينها صفقة تبادل الأسرى، وإعادة رفاة جنود إسرائيليين، ورعاية عودة العمل بـ«اتفاق فك الاشتباك» في الجولان 2018، وإبعاد إيران وميليشياتها عن جنوب سوريا.

وهناك أهمية أخرى بعد تردد أنباء عن اهتمام دول عربية بفتح أقنية بين دمشق وتل أبيب، أو عقد اجتماعات سرية لاختبار إمكانات عقد اتفاق سلام، و«الابتعاد» عن إيران، مقابل تقديم «حوافز» مالية تخص إعمار سوريا وحل مشكلاتها الاقتصادية.

لم تبد تل أبيب اهتماماً علنياً بالمفاوضات السياسية، خصوصاً بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب تأييد «السيادة الإسرائيلية» على الجولان في 2019، واستمرارها في شن غارات على «مواقع إيرانية» في سوريا. كما أن دمشق لم تبد اهتماماً علنياً باتفاق سلام لا يتضمن «الانسحاب الكامل» من الجولان، و«تغامر فيه بعلاقتها الاستراتيجية مع إيران».

ومن جهته، قال فورد لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون صعباً على الأسد حالياً توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، إلا إذا حصل في المقابل على الكثير، لأنه يحتاج حالياً إلى الدعم من إيران وميليشياتها و(حزب الله)؛ إذا خرجوا من سوريا، فمن سيساعد النظام على السيطرة على البادية السورية وحمص والسويداء وجزء من درعا؟». وأضاف: «هل ستحصل دمشق على مساعدات مالية غربية حتى لو وقع الأسد اتفاق سلام وفتح سفارة إسرائيلية في دمشق؟ من الصعب تدفق الأموال وإزالة العقوبات بعد كل الجرائم التي حصلت في سوريا. من الممكن إزالة بعض العقوبات الأميركية الخاصة بإدراج منظمات إرهابية أو التدخل في لبنان أو بعض الاستثناءات، ووصول مساعدات عربية أو أوروبية، لكن قانون قيصر (الذي بدأ تنفيذه منتصف العام الماضي) لن يلغى ببساطة»، متابعاً: «لن يكون هناك تعاطف في أميركا مع الأسد، حتى لو تم توقيع اتفاق سلام. هناك حدود لما يمكن أن يقدم في مقابل أي اتفاق سلام».

في المقابل، قال مسؤول عربي مطلع على موقف دمشق: «صعب أن يقبل النظام توقيع اتفاق سلام دون ضمان واضح باستعادة كامل الجولان. صعب أيضاً أن يبتعد النظام كلياً عن إيران».

وبين الموقفين، يقول مسؤول كبير مطلع على الوضع في سوريا وإسرائيل والمنطقة وأميركا: «ربما كان ذلك الفصل الأخير في جهود البحث عن اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، كما عرفناه في العقود الماضية. قد يحصل، في أحسن الأحوال، تفاهم أو اتفاق جديد، لكنه مختلف عما قرأناه وفاوضنا لأجله لعقود».

  • نقلا عن “الشرق الاوسط”
سوريون في بلاد “المسبار”: بين الأمل والألم

سوريون في بلاد “المسبار”: بين الأمل والألم

لم يكن حدث وصول المسبار الإماراتي إلى المريخ حدثاً عادياً في تاريخ دولة الإمارات، ولم يكن هذا الحدث بطبيعة الحال ليمرُّ على الشارع العربي دون أن يشهد مداً وجزراً وآراء متباينة تصل حد العراك الالكتروني أحياناً. الأمر ليس غريباً، فالمشهدية ذاتها تتكرر مراراً تحت مسميات مختلفة، ذلك أنّ الشارع ذاته منقسم على نفسه لدرجة بات قادراً معها على تسخيف أي إنجاز، إذا ما استثنينا أنّ “الشيف بوراك” تمكن من لمّ الصف خلفه. أما فيما يتعلق بالدين والعرق والسياسة والجنس والتكنولوجيا وسواهم فتخضع هذه المواضيع لأخذ ورد ينتهي غالباً بالتكفير والتهديد بإراقة الدماء، ولا يحتاج الكثيرون إلى ذرائع منطقية، فالفتاوى جاهزة وفضفاضة على قاعدة أنّ المقصلة تتسع لجميع الرؤوس.

بالطبع حضرت سوريا على ساحة الرأي حول هذا الحدث، لينقسم الشارع هذه المرة إلى قسمين، قسم بارك لدولة الإمارات وقياداتها وقدم أخلص الأمنيات بدوام تفوقها؛ وقسمٌ راح يسخف الإنجاز ويتندر حوله متذرعاً أنّ كل ما في الإنجاز هو أجنبي باستثناء أرض إطلاق المسبار فكانت عربية. ولم يستطع البعض ممن أبدى رأيه ألّا يغلب السياسة على الحدث، وهنا كان انقسامٌ آخر، فسوريون مدحوا الإنجاز لمجرد مدح دولة افتتحت سفارتها في عاصمتهم وأعادت تمثيلها القنصلي كأول دولة خليجية تكسر العزلة الدبلوماسية حيال دمشق، وقسمٌ آخر رفض الإنجاز على قاعدة أنّ الإمارات عينها كانت ركيزةً سابقة في الحلف الخليجي ضد دمشق، وبين الاثنين برز رأيٌّ آخر تبنته بعض المعارضة على قاعدة أنّ انفتاح الإمارات نحو دمشق يمثل طعنةً لهم.

إذن، لم يستطع السوري بعد هذه السنوات أن يقول رأياً يتبناه بالقناعة المجردة والخالية من العواطف، إذ نجح مرةً جديدة في خلق صراعٍ دون مبرر أو جدوى، فلا هذه الآراء أغنت الإمارات، ولا أنقصت من شأن إنجازها، بيد أنّه اتضح بالدلائل المتتالية أنّ الشارع السوري يبحث عن الخلاف ولو اضطر لخلقه من تحت أظفاره.

الجميع يريد الإمارات

في الظل وخلف الكواليس وفي العلن أيضاً يسعى كثيرون، الفئة الشابة بالعموم، للحصول على فيزا تخولهم الذهاب إلى الإمارات، وغالباً رحيلٌ بلا عودة، نيةٌ تقرأها بين سطور الناس وتدويناتهم، تحديداً أولئك الذين حولوا الحدث إلى كوميديا سوداء، كوميديا من النوع الذي يقارن بين امتلاك الإمارات لإنجاز المسبار، وامتلاك السوريين لإنجاز البطاقة الذكية والطوابير الممتدة والقهر المقيم في يومياتهم.

المقاربة غير عادلة، فتفاوت الفرق الحضاري عززته عشر سنوات من الحرب في سوريا، الحرب التي دمرت أحياء وقرى، وقضت على الواقع الاقتصادي، ومزقت الأسر، وأنجبت الفقر، وكرست السواد، وفعلت ما فعلته في النفوس، قياساً ببلد استند على حاضره ليحجز دوره كخامس دولة حول العالم تصل إلى المريخ، وحقيقةً هي وصلت إلى المريخ بغض النظرعن أنّ عمرها عشرات السنين وعمر دمشق آلاف السنين، هذا تندرٌ آخر نشره سوريون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

الهالة الكبرى

يتخيل كل سوري يسعى للسفر إلى الإمارات بأنّ فرصاً من ذهب تنتظره هناك، وهذا ما حصل مع لمياء منصورة (سورية مقيمة في الإمارات)، حيث تخبرنا أنها قصدت دبي طمعاً بفرصة عمل ذات دخل مرتفع تقلب الموازين في حياتها قياساً بأي مفصل من مفاصل بلدها الأم، وعن تجربتها تقول: “سافرت إلى دبي بحثاً عن مستقبل أفضل، مستقبل مضمون، ولكنني اصطدمت بآلية التدرج الوظيفي المرهقة، لم يكن هذا ما اعتقدت، كان علي أن اجتهد أكثر مما تخيلت، وأن اكتسب خبرة كبيرة”.

عملت لمياء في وظيفة بشركة مقاولات، ولكنها بدأت تكتشف شيئاً فشيئاً أن الحلم الذي رسمته بدأ يخبو بريقه: “لكي أتدرج وأصل إلى مناصب عليا لا يجب أن أكون سوريّة، السوري لم يعد ورقة جوكر في الإمارات، لتحصل على مناصب كبيرة في شركات مهمة يجب عليك أن تكون من حملة الجنسية الأمريكية أو الأوروبية، الوضع تغير عما كان عليه قبل حربنا”.

لا يبدو الأمر أفضل عند فاتح (اسم مستعار – سوري مقيم في الإمارات) حيث يشارك: “لا أريد الحديث عن أي شيء يتعلق بمجيئي إلى الإمارات، لست مرتاحاً، لا أريد أن أتحدث عن الأمر، ولكن باختصار، ذهلت بالعمران والحياة وخذلت في كل ما عدا ذلك”.

البلد الذهبي

أما عبير العلي (سورية مقيمة في الإمارات) فقد سحرها الجو الإماراتي، وتعبر عن ذلك بندمها عن كل لحظة لم تقصد فيها دبي. تُلخص عبير وجودها الذي لم يمض عليه سوى عامٌ واحد بأنّ ما تراه هناك لا يصدق: “تشعر أنك إنسان، وبأنك للتو انتقلت إلى كوكب جديد، هنا تنبهر تماماً، كل شيء مختلف، النظافة، القانون، التنظيم، النظام العام، كل شخص معني بنفسه فقط”.

سرعان ما وجدت عبير فرصة عمل في متجر معروف للألبسة وبراتب عالٍ وتقول بتفاؤل: “أنت وصاحب العمل واحد، حقيقة أنت والجميع واحد، لا تمييز ولا تفرقة، الكل هنا إنسان له الحق بالحياة، هنا أنت حر من كل القيود والمشاكل والصراعات، هذا البلد يحتوينا ويحتوي غيرنا، والهدف يكمن في كله بالعمل لأجل الحياة”.

سفرٌ لدفع البدل

سوريون آخرون سافروا إلى الإمارات لأهداف أخرى بينها قضاء مدة تخولهم دفع بدل الخدمة العسكرية وفق ما تم إقراره من قانون الخدمة الإلزامية، هكذا فعل أحمد بركة (سوري مقيم في الإمارات)، حيث يقول:”جئت إلى الإمارات ووجدتُ عملاً بدخل جيد وكل ذلك بهدف جني مبلغ من المال لأدفع بدل خدمة العسكرية الإلزامية”. وحول سفره يقول: “قدمت أوراقي في أحد مكاتب السفر المعتمدة في سوريا، ثم سافرت إلى الإمارات، في الفترة الأولى تعذبتُ كثيراً حتى تعرفت على الجو واعتدت البلد، وعملت في معمل للشوكولا بينما كنت قد سجلت دورات لتقوية لغتي الإنكليزية، اللغة الأجنبية مطلوبة هنا في كل شيء تقريباً. الآن أعمل في فندق، وأعتقد أنني بعد دفعي للبدل، سأظلّ هنا في الإمارات، المستقبل هنا أفضل وأكثر إشراقاً”.

فقدان الكرامة والمستقبل المأمول

تروي سما إبراهيم (سورية مقيمة في الإمارات منذ أشهر) تجربتها بكثير من المرارة؛ فتفكيرها لا يزال متعلقاً ببلدها الأم، ولكنها رغم ذلك لا تفوت فرصة للمقارنة بين البلدين. وتعتبر سما أنّ سوريا قد استنزفت طاقتها وتفكيرها وحتى مستقبلها: “لم أكن أنوي بأي شكل أن أترك البلد، حتى أني كنت أحقد على من يفكر بهذه الطريقة، ولكنني أصبت بخيبة أمل، وصلنا لمرحلة كدنا نشحذ، ننام على أسعار ونستيقظ على أخرى، مقومات الحياة باتت معدومة، ويمكن القول حرفياً أنني ما عدت أحس بكرامتي”.

تقول سما أنها غادرت حين أحست بالعجز، وضياع المستقبل، وأنّ مصير شباب البلد يتجه نحو المجهول: “بإمكاني أن استخدم كل الكلمات القاسية لوصف مشاعري، من الغضب واليأس والقهر لاضطراري أن أترك بلدي، وثم أجد أنّ كل ما ينقصني هو هنا”.

تؤكد سما أنّ فرص العمل في الإمارات باتت قليلة جداً، سيما مع وجود نظام للترحيل في ظل الظروف القائمة، إذ يتوجب على الشخص إثبات نفسه والارتباط بعقد عمل واضح وصريح، وعن طريقة سفرها، وتقول: “العامل الذي ساعدني كثيراً هو أنني فتاة، لأنّ حصول الفتيات على فيزا أسهل من حصول الشبان عليها بكثير، عانيت في البداية من الغلاء في كل شيء هنا، ولكنني بدأت أتأقلم”.

ويبقى المشترك بين سوري سافر إلى الإمارات، وآخر ينتظر فرصةً للسفر، وثالثٍ متمسك بالبقاء، إيمانهم بأنّ سوريا ما عادت تشبه نفسها، وبأنّ حرب الاقتصاد والجوع أقسى من حرب العسكر والسلاح، وبين الحربين بلادٌ ممزقة ومصير مجهول يعصف بها وبحياة أولادها.

الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا

الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا”المعاناة اليومية في سوريا

تعد السنة الأخيرة من أسوأ الأعوام اقتصادياً التي مرت على سوريا خلال سنوات الحرب مما زاد من تأزم الوضع المعيشي لمعظم الأسر، ووصول نسبة الفقر إلى 90 في المائة مع انعدام فرص تحسين دخل الأسرة والارتفاع الفاحش في الأسعار. أدى هذا الوضع إلى لجوء الكثير من النساء إلى بيع  شعرهن أو  شعر بناتهن بسبب الحاجة المادية لتغطية نفقات الاحتياجات الأساسية من توفير المازوت للتدفئة أو مستلزمات المدارس أو بسبب الحاجة لتأمين دواء وعلاج أو حتى لتوفير الطعام.

فاطمة أم  لثلاث فتيات، واحدة منهن من ذوي الاحتياجات الخاصة وتحتاج إلى علاج ودواء بشكل مستمر؛ أجبرتها الظروف الاقتصادية السيئة إلى بيع شعر ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات. وتقول السيدة الثلاثينية: “اضطررت لقصه وبيعه لأحضر الطعام والدواء لها ولأخواتها، وبسبب اضطراري للمال قبلت بيعه بثمن بخس رغم أنه كثيف وطبيعي منسدل لأسفل ظهرها، في البداية لم تقبل المسؤولة في مركز الحلاقة والتجميل شراءه بسبب العروض الكثيرة التي تأتيها من قبل النساء لبيع شعرهن، وعندما رأته وافقت على شرائه ولكن بمبلغ زهيد.” وتضيف بحرقة: “لو كان في حقيبتي ثمن ربطة خبز لما قمت ببيعه حينها.”

قبل عامين كانت تجارة الشعر الطبيعي في سوريا تقتصر على البيع والشراء في صالونات الحلاقة والتجميل وبشكل محدود. أما في الفترة الأخيرة مع  تزايد عروض بيع الشعر بشكل كبير، أصبح هناك من يعمل في بيع وشراء الشعر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حسب “هادي” الذي يملك صالون للحلاقة النسائية في المزة والذي أضاف: “خلال السنة الأخيرة زاد بيع الشعر بشكل كبير، سابقاً كان يعرض علي شراء الشعر قرابة السبع مرات في الشهر، أما خلال السنة الأخيرة  فقد  بلغت عروض البيع نحو 50 مرة شهرياً من مختلف المحافظات عبر الصفحة الرسمية للمركز.”

ويشير “هادي”  أنه في بداية العام الدراسي ومع تزايد المصاريف بالنسبة للعائلات السورية تزامناً مع الظروف الاقتصادية المنهارة في البلاد، تزايد  بشكل ملفت عدد النساء اللواتي يعرضن شعر بناتهن للبيع، ومعظمهن كان يبيع شعر ابنته ليشتري لها المستلزمات الدراسية من قرطاسية وغيرها. ويشارك “هادي”  إحدى القصص الإنسانية التي صادفته: “في بداية العام الدراسي زارتني سيدة تطلب قص شعر ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات لبيعه. عندما بدأت في القص، بدأت الفتاة بالبكاء وقالت لوالدتها أنها سوف تشتري بكل المبلغ أغراض المدرسة، لتبدأ السيدة بالتحدث عن ظروفها المادية وحاجتها للمال وعدم وجود معيل مع الارتفاع الفاحش بالأسعار مما اضطرها لبيع كل أغراض منزلها وما تملك”.

يُباع الشعر الطبيعي بالغرام، ويختلف سعر الشراء حسب نوع الشعر، ويتراوح سعر الغرام من 200 إلى 400  ليرة شراء من صاحبة الشعر، و يباع أيضاً بالغرام من 3000 إلى 3500  ليرة سورية ( 1 دولار). أقل وصلة شعر يبلغ سعرها في السوق 700 ألف ليرة سورية (230 دولاراً) وقد تصل للمليون ليرة (330 دولاراً) في الصالونات التي تقع في الأحياء الراقية.

تشتري الوصلة من صاحبة الشعر بين 70 – 100 ألفاً وتباع بين 700 ألف إلى المليون حسب وزنها وطولها، والطلب الكبير يكون على شعر الأطفال لأنه يكون كثيفاً وغزيراً ويكون طبيعياً غير معرض لصبغ أو حرارة السيشوار، وعلى أساس ذلك يقدر نوع الشعر كنخب أول أو ثاني أو ثالث.

كان يعتمد في سوريا في صنع وصلات الشعر أو الباروكات على الشعر المستورد من الهند والبرازيل الذي يخضع لمعالجة ويقوى ويصبح صالحاً لمدة سبع سنوات؛ بينما الشعر المحلي لا يخضع لمعالجات مما يجعل استمراريته لا تتجاوز السنتين في حال تم الاعتناء به. وبسبب الظروف الراهنة وصعوبة استيراد الشعر من الخارج، وحتى في حال الاستيراد فبعد الجمركة يصبح ثمن وصلات الشعر مرتفعاً جداً مما يقلل الطلب عليها. لذلك ومع انتشار ظاهرة بيع الشعر أصبح الإقبال على الشعر المحلي أكبر حسب أحد العاملين في تجارة الشعر الطبيعي مع الإشارة إلى نوعية الشعر السوري الممتازة وانخفاض سعره مقارنة بالمستورد.

مع ازدهار تجارة الشعر الطبيعي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المجموعات والصفحات العامة لعروض البيع والشراء، تحوي منشورات بيع الشعر الطبيعي وأغلبهم  لفتيات صغيرات ترفق مع صورة لشعر الفتاة قبل قصه ويطلب تسعيره، مع إرفاق عبارات مثل “جاهز للقص عند طلب الزبونة” أو تنشر صور لضفائر شعرهن مقصوصة  لإيجاد السعر الأفضل. تقول سناء (40 عاماً) والمقيمة في جرمانا في ريف دمشق، والتي عرضت شعر ابنتها للبيع مع إرفاق صورة لضفائر شعرها الذهبي الطويل: “عرضت شعر ابنتي للبيع لأجمع لها المبلغ اللازم لإجراء عمل جراحي في العين اليمنى ولم أكن أرغب بقبول المساعدات المادية من أحد، لتبدأ التعليقات السلبية والشتم من بعض الناس دون الالتفات لسبب وراء ذلك”.

يدير هذه المجموعات أشخاص يعملون كصلة وصل بين البائع والشاري، وجد هؤلاء مهنة جديدة تدر عليهم  دخلاً إضافياً. فمثلاً (هدى “22 عاماً” التي تدرس في كلية الهندسة المقيمة  في منطقة “دف الشوك” في ريف دمشق) أنشأت مجموعة على الفيسبوك تشتري من خلالها الشعر الطبيعي  وتبيعه، وجدت من خلالها مردوداً مادياً يساعدها على تغطية نفقاتها الجامعية، وتشرح الشابة: “بعد شراء الشعر والاتفاق على المبلغ، نقوم بمعالجة الشعر وحبكه ليصبح جاهزاً لنقوم ببيعه.”

تشير الشابة إلى أن انتشار بيع الشعر الطبيعي سبب ارتفاع السعر التي تحصل عليه صاحبة الشعر عما قبل السنتين الماضيتين، لأن النساء أصبحن يعرفن أن الشعر يباع بالغرام بينما قبل ذلك كانت السيدة تبيع شعرها بالجدولة كاملة بمبلغ معين، فأصبح سعر وصلات الشعر مغرياً نوعاً ما للنساء اللواتي يعانين من ضائقة مالية.

لماذا كشفت روسيا الآن «أسرار» الجاسوس كوهين في دمشق؟

لماذا كشفت روسيا الآن «أسرار» الجاسوس كوهين في دمشق؟

الكشف في روسيا عن تفاصيل جديدة عن الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، المعروف باسم «كامل أمين ثابت»، بينها صور نادرة له في أحد شوارع دمشق، و«تصادف» تجسسه وإعدامه مع وجود عميل لـجهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) في العاصمة السورية ومغادرته إياها سنة إعدام كوهين في 1965، طرح أسئلة عن الدور الذي تلعبه موسكو حالياً في إعادة رفاة الجاسوس من دمشق، تلبية لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الرئيس فلاديمير بوتين.

معروف أن كوهين تعرف على الملحق العسكري في السفارة السورية في الأرجنتين، أمين الحافظ الذي عاد إلى دمشق في 1962 وأصبح رئيساً بعد تسلم حزب «البعث» الحكم في 1963. (الحافظ نفى قبل سنوات، حصول لقاء بينهما). وكان كوهين، دخل البلاد باسم كامل ثابت أمين قبل عودة الحافظ، وأقام في حي السفارات في دمشق ونسج شبكة علاقات مع النخبة السورية، حصل تضارب حول عمقها وأهميتها، إلى حين كشف أمره وإعدامه في منتصف 1965.

كوهين، الذي كان يطلق جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) عليه «رجلنا في دمشق»، نسجت حول دوره قصص كثيرة، تناولت أهمية «معلومات» عن تحركات عسكرية للجيش السوري في الجبهة نقلها إلى تل أبيب، عبر بث إشارة ورموز من منزله قرب مقر القوى الجوية السورية وسط دمشق، إضافة إلى دوره في ملاحقة «نازيين» كانوا يقيمون في العاصمة السورية.

كما تعددت الروايات حول كيفية الكشف عنه، بينها وصول معلومات من الاستخبارات المصرية أو احتجاج سفارات مجاورة لمنزله بسبب تشويش على إرسالها. ورجح خبراء سوريون دور اللواء أحمد السويداني، رئيس الأركان لاحقا، خصوصاً أنه «شكك في كوهين من اليوم الأول، وكان له دور محوري في اعتقاله والكشف عن هويته». كما تداول آخرون قصصاً عن دور لخبير إشارة سوفياتي وسيارة رصد سوفياتية في «ضبطه بالجرم المشهود»… قبل محاكمته من صلاح الضلي ثم إعدامه علناً في ساحة المرجة، رعم «مناشدات» قادة غربيين.

كتب عن كوهين الكثير في العقود الأخيرة، كما أن «نيتفلكس» أنتجت مسلسلاً عنه باسم «الجاسوس»، لكن قناة «روسيا اليوم» باللغة الإنجليزية، قدمت فيلماً تضمن عناصر جديدة تنشر للمرة الأولى. الفيلم يتضمن الكثير من الوثائق والصورة، وتبدأ القصة بالحصول على فيلم من محل لبيع القطع الأثرية في سانت بطرسبرغ، تضمن صوراً لشوارع دمشق.

مفتاح القصة، أن الفيلم تضمن صورا لشخص يسير في أحد شوارع دمشق، يعتقد أنه «شارع 29 أيار» الذي أصبح لاحقاً مقرا للمركز الثقافي السوفياتي/الروسي. هذا الشخص هو إيلي كوهين. من هنا، تنطلق القصة المثيرة، خصوصاً لدى البحث لمعرفة الشخص الذي صور الفيلم عبر الوصول إلى أقاربه. تبين، أن الشخص هو بوريس بوكين، حيث تخبر إحدى قريباته أنهم باعوا شقته وأثاثها بما في ذلك الكاميرا والفيلم. ولدى التحقق في سجلات وزارة الدفاع، تبين أن بوكين حصل على ثلاث ميداليات من «النجمة الحمراء» وهو كان تخرج من كلية عسكرية سوفياتية وتخصص في الإشارة والاتصالات.

كان لافتا تزامن وصول بوريس وإيلي إلى دمشق. المثير أنه بين تقارير التجسس التي أرسلها كوهين عبر الترميز السري، واحد عن وصول 150 خبيرا عسكرياً سوفياتياً في لحظة كان الصراع الغربي – السوفياتي على سوريا في خواتمه لصالح موسكو بعد وصول «البعث». والمثير أيضاً، أن «الموساد» علم بوصول بوريس إلى دمشق. هنا، كان الطرفان يلاحقان النازيين في ظلام العاصمة السورية.

وتضمن الفيلم أيضاً، مقابلة مع سيرغي ميدفيدكو ابن ليونيد الذي كان «صحافياً، وربما جاسوسا» أيضاً في شوارع دمشق. ويعرض الفيلم لقطات إعدام كوهين ووضع جثمانه في الكفن من زوايا تصوير من سطح بناية تطل على المرجة، ربما تعرض للمرة الأولى، حيث يتذكر سيرغي كيف ركض أحدهم إلى منزلهم في دمشق للقول إن كوهين «أعدم، أعدم».

كوهين ألقي القبض عليه بعد تعقب إرسال الشيفرة من سيارة متخصصة جاءت من الاتحاد السوفياتي. من غير المعروف ما إذا كان بوريس لعب دورا في الكشف عنه. لكن المثير أن مهمته في دمشق انتهت مع إعدام الجاسوس الإسرائيلي… وعاد إلى موسكو. بعدها بقيت سوريا في المحور السوفياتي رغم التغييرات في موسكو.

في العقود السابقة، كانت دمشق توازن بين الغرب والسوفيات – الروس. وفي نهاية 2015، تدخل الجيش الروسي في سوريا وأقام قاعدتين عسكريتين. حالياً، باتت موسكو توازن بين دمشق والعواصم الأخرى، وتتوسط في ملفات كثيرة. ويقيم بوتين علاقة خاصة مع إسرائيل. نتانياهو يريد توظيفها في إعادة رفاة كوهين كما حصل مع جندي إسرائيلي قتل في لبنان في 1982 وأعيد رفاته بوساطة الرئيس الروسي في بداية 2019.

ونقل عن ضابط رفيع سابق في دمشق، قوله إن رفات كوهين «كان مكانه يتغير كل أسابيع». أما الضلي رئيس المحكمة، فقال لي في 22 مارس (آذار) 2004 إن كوهين «كان مدفوناً بعد إعدامه في كهف على طريق الديماس لكن بعد فترة أخذ الرفات ودفن في مكان آخر غير معروف» وأن أغلب من يعرف أين دفن «تسرح من الجيش أو ذهب أو ترك منصبه».

*من “الشرق الأوسط”