بواسطة الحسناء عدرا | مايو 26, 2020 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
“عيد بأي حال عدت يا عيد”، هذا مطلع من قصيدة للمتنبي في هجاء أحواله التي تزامنت مع قدوم العيد، ويبدو أن معظم السوريين يتبنون بحسرة هذه المقولة التي تعكس بدقة سوء أوضاعهم في ظروف الحجر الصحي وسط مخاوف من انتشار كورونا الذي اتفق حدوثه مع أهم مناسبة يحتفل بها السوريون في عيد الفطر. وقد غيرت ضرورة اتباع إرشادات السلامة العامة من عاداتهم المحلية وفرضت عليهم واقعاً جديداً وعادات معينة تُغير من طقوس الاحتفال بالأعياد وكل ما اعتادوا عليه خلال عقود، من زيارات أهلية وعناقات بالجملة وقبلات حارة والتنزه في الحدائق، جميعها عادات نسفت من قاموس السوريين هذا العام، ليقتصر الوضع على رسائل معايدات من خلف شاشة الجهاز الخليوي والاستعانة بإيموجي العناق الافتراضي الذي أدرجه مؤخراً الحائط الأزرق كبديل للعناق الحي. ناهيك عن الأعباء المادية لتكبد نفقات الحلوى وملابس العيد، حيث أصبحت هذه الأشياء صعبة المتناول لا يصل إليها إلا بمشقة شديدة قليلٌ من الناس. وأكثر من يعاني العوز والقلة جراء الظروف الحالية هم الشريحة التي تعمل في وظائف مياومة حيث يحصل هؤلاء الناس على قوت عملهم يومياً وانقطع مصدر رزقهم بسبب جائحة كورونا.
اضطرت سماهر التي تعمل سكرتيرة في عيادة الطبيب إلى أخذ سلفة مالية من عملها لكي تتمكن من شراء ملابس جديدة لابنتها الوحيدة فراتبها لا يصمد حتى منتصف الشهر، لكنها لم توفق كثيراً فاضطرت إلى أن تقصد سوق البالة، وتقول عن وضعها: “ذهبت أمس إلى السوق بعد أن أخذت سلفة بقيمة 15 ألفاً على راتبي عند طبيب العيون الذي أعمل لديه واشتريت بها بنطال، جينز بـ 10 آلاف ليرة، أما الباقي فاشتريت به قميصاً قطنياً من سوق الملابس المستعملة لأن ثمنها أرخص”.
أما سلمى فليست بأفضل حال، فقد اشترت ثياب العيد لطفليها بالتقسيط بعد معركة طويلة خاضتها في إقناع البائع الذي استسلم أخيراً ووافق على بيعها رأفة بحالها، وتوضح معاناتها: “لم يتوفر معي المال الكافي لشراء الملابس، إلا أن البائع وافق على بيعي إياها بالتقسيط على دفعتين بعد أن أعطيته مبلغ 10 آلاف ليرة كدفعة أولى، والثانية بعد العيد مباشرة”.
أما رهف فلم تتمكن من اقتناء ثياب جديدة لابنتيها بسبب توقف زوجها عن العمل على خلفية جائحة كورونا، وتُفسر حالها: “لم أشتر لطفلتَي أي ملابس جديدة هذا العيد، واكتفيت بثيابهما القديمة، فلدينا أولويات أخرى كدفع أجرة المنزل ومصاريف الطعام والشراب، لاسيما أن عمل زوجي تراجع كثيراً خلال فترة الحجر الصحي، حيث يعمل خياطاً وبقي محله مغلقاً لمدة شهر ونصف، أما راتبي الذي لا يتجاوز 25 ألف ليرة كسكرتيرة طبيب نسائية لا يكفي لسد نفقات أول أسبوع من الشهر”.
وبالنسبة لفراس الذي يعمل في مكان يحسده عليه الكثيرون، وهو موظف في بنك خاص، فقد اضطر إلى المفاضلة بين صيانة سيارته وشراء الملابس، مرجحاً الكفة الأولى، علاوة على الأسعار الجنونية التي تحتاج إلى راتب بأكمله لشراء بدلة كاملة (بنطال ـ كنزة ـ حذاء)، ويعقب بالقول: “بالرغم من أن راتبي يُعد جيداً، لكنني لا أستطيع تحمل نفقات تصليح السيارة وشراء الملابس في آن معاً، فالأخيرة أصبحت غالية جداً لا تتوافق مع نوعيتها الرديئة التي تهترئ بسرعة، وفي حال قررت شراء ثياب فستكون حتماً من البالة لسعرها المناسب وجودتها المتميزة ناهيك عن التزامات أخرى أكثر أهمية كدفع أجرة المنزل أو توفير بعض النقود للزواج”.
سياسة التقنين لحلوى العيد
اعتاد بعض السوريين على شراء حلويات العيد من المحلات، إلا أن البعض منهم تخلى عن هذا الخيار خوفاً من انتشار فيروس كورونا أولاً، ولغلاء سعرها ثانياً. أما من كان معتاداً على صنع الحلوى في المنزل فاتبع سياسة التقنين في المقادير بسبب كلفتها الباهظة، كسمر التي قلصت كمية الحلوى إلى النصف، حيث تَعَوَّدَت على إعداد كميات كبيرة إلا أن هذا العيد كانت تجربتها مختلفة وعن هذا تقول: “لا قيمة للعيد بدون حلوى، لم أعتد على صنع كميات صغيرة منه، ولكن يبقى أفضل من صنع لا شيء، فأسعار مكونات الحلوى باهظة للغاية لا يمكن تكبدها، أما شراؤها جاهزة فسعرها مضاعف، حيث بلغ سعر كيلو المبرومة 35 ألف ليرة “. في حين استبعدت شيرين مادة الفستق الحلبي من لائحة حلويات هذا العام نظراً لكلفتها العالية التي يصل سعر الكيلو الواحد منها إلى راتب موظف لمدة شهر والاستعاضة عنها بالتمر: “اكتفيت هذا العيد بصنع الحلويات المحشوة بالتمر والجوز فقط وبكميات مقننة على غير العادة، أما تلك المملوءة بالفستق فنسفتها من قائمتي فور علمي بسعر الكيلو الذي بلغ 45 ألف ليرة”.
هذا واتجهت بعض العوائل السورية ممن لا يستطيعون تكبد نفقات الحلويات إلى ابتكار وصفات تقشفية والاستعانة بالمواد الأولية وتقديمها إلى مائدة الضيوف كحلوى تقول لانا وهي أم لثلاثة أطفال: “استعنتُ بوصفة جدتي البدائية وغير المكلفة والتي تُدعى التمرية حلوى الفقراء، وهي عبارة عن كرات من التمر يوضع معها ملعقة من السمن لجعلها متماسكة، ثم دحرجتها بوعاء من السمسم أو جوز الهند، بعد ذلك توضع في الفرن ثم يرش عليه بعض السكر، فالرمد أفضل من العمى”.
مسافة أمان
قررت ميس شراء منامة للمنزل لكونها على يقين بأنها لن تخرج خلال أيام العيد، فساعات حظر التجول تبدأ من الساعة السابعة مساء وهو الوقت الأمثل للخروج، لينحصر الأمر على استقبال الضيوف من المقربين، وهو ما يستدعي شراء منامة بمظهر لائق، بينما تؤيدها نيرمين فتنشر منشور على (الفيسبوك) تسأل فيه بجدية بالغة عن محل لبيع ملابس نوم أنيقة وبأسعار مناسبة واتخاذها كملابس للعيد.
أما فيما يتعلق بالزائرين فأعدادهم انخفضت هذا العام، واقتصرت لائحة الضيوف على المقربين جداً ورافقها إرشادات بإطلاق القبلات الهوائية دون لمس الشخص وعدم المصافحة مع الحرص على ترك مسافة أمان بين الضيوف. ويقول غيث عن واقع العيد في زمن الكورونا: “فرض علينا فيروس كورونا عادة جديدة مغايرة لتلك التي اعتدنا عليها وهي المصافحة والتقبيل المبالغ فيه، خاصة وأن هذه العادتين تدلان في مجتمعنا على التعبير عن مشاعر الود والمحبة للآخر، كنا جالسين ومسافة متر تفصل بين أفراد عائلتي، فنحن مجبرون على تفهم الواقع المفروض، لكننا في الوقت ذاته تعودنا عليه”.
بواسطة رياض الزين | مايو 20, 2020 | Cost of War, غير مصنف
بالرغم من انتشار مقاطع مصورة وشهادات فردية وجماعية لمقاتلين سوريين في ليبيا، إلا أن أنقرة وطرابلس وموسكو المسؤولة عن تجنيد السوريين في الحرب الليبية، تنفي مراراً وتكراراً وجود مقاتلين سوريين في ليبيا. بينما كشفت صحيفة “غارديان” البريطانية أن أكثر من 2000 مقاتل سوري سافروا من تركيا إلى ليبيا، للمشاركة في ساحات القتال ودعم حكومة الوفاق الوطني، كما انضم ما يقارب من 3000 سوداني إلى قوات اللواء خليفة حفتر، بالإضافة إلى 600 مقاتل روسي.
هيئت الظروف الاقتصادية السيئة وانتشار الفقر والملاحقات الأمنية، جواً ملائماً لطرح أحد الشركات الروسية مشروعها لكسب شباب سوريين وتجنيدهم بإغراءات مادية وسلطوية، ونقلهم للقتال في ليبيا مع قوات حفتر. بالنسبة لمناطق جنوب سوريا (درعا – القنيطرة – السويداء)، وتعاطيها مع ظاهرة تجنيد الشباب وإرسالهم للقتال في ليبيا، تشير الأحداث الأخيرة إلى أن روسيا ترى في المقاتلين السابقين المعارضين للنظام فرصة لدعم حلفائهم في ليبيا، عبر تجنيد شبان ينحدرون من مناطق مختلفة بريفي درعا والقنيطرة الخاضعة لاتفاق التسوية والمصالحة مع النظام السوري برعاية روسية، حيث أكد أحد سكان بلدة ممتنة في محافظة القنيطرة التي انطلقت منها أولى عملية تطويع شباب من جنوب سوريا وإرسالهم للقتال في ليبيا، أن عشرات الشباب من القنيطرة الذين كانوا قد تطوعوا للقتال قي ليبيا عادوا بعد نقلهم إلى معسكرات التدريب في حمص، عندما أبلغهم أحد ضباط النظام السوري هناك أن مهامهم لن تكون فقط حماية منشآت نفطية، وإنما تمتد لتكون قتالية لجانب قوات حفتر، ما يتناقض مع العقود التي كانوا وقعوا عليها مع شركة فاغنر بأن مهامهم حماية المنشآت النفطية في ليبيا، مقابل 1000 دولار شهرياً وتعويض وتسوية أوضاع المطلوبين وإنهاء الخدمة العسكرية المفروضة عليهم في سوريا.
وأوضح المصدر أن الشركة الروسية اعتمدت على أحد قادة المعارضة سابقاً الذين دخلوا اتفاق التسوية المعروف باسم “أبو جعفر ممتنة” في المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية في القنيطرة لتجنيد الشباب في مناطق مسحرة وممتنة والكوم ودرعا وقد وصل عددهم إلى 125 شخص، لكن توقفت عملية التطويع في المنطقة بعد ضغط الأهالي على أبو جعفر وعودة أبنائهم الذين كانوا قد ذهبوا إلى معسكرات التدريب في حمص، واتضاح المهام الأساسية التي سيذهبون من أجلها إلى ليبيا.
وكشفت مصادر خاصة أن وكلاء عن شركة روسية وضباط من النظام السوري اجتمعوا مع عدد من أبرز قادة المعارضة سابقاً في درعا في محاولات منهم لإقناعهم بتجنيد الشباب وإرسالهم إلى ليبيا بمهام مختلفة منها قتالية يكون فيها راتب المتطوع فيها 1500 دولار أو بمهمة حماية المنشآت النفطية براتب 1000 دولار، مع إنهاء كافة الملاحقات الأمنية بحق المتطوع وإنهاء استدعائه للخدمة الإلزامية والاحتياطية في سوريا.
وقال المصدر إن بعض من قادة المعارضة سابقاً صاحبة النفوذ في المنطقة حالياً لم تبد رفضها أو قبولها تاركة الأمر والقرار بشكل فردي، بينما رفض أحمد العودة خلال الاجتماع العرض المقدم للقتال في ليبيا، وهو أبرز قادة فصائل التسويات والتنسيق مع الروس وقائد للواء الثامن في الفيلق الخامس الروسي في سوريا.
وأضاف المصدر أن الشركة الروسية تعمل على التواصل مع قادة المعارضة سابقاً لتسهيل عملية كسب شباب المنطقة الذين كانوا يقاتلون النظام سابقاً، باعتبارهم الأكثر حاجة لتسوية أوضاعهم وإنهاء الملاحقات الأمنية بحقهم.
وأوضح أن الرفض الشعبي كان سيد الموقف في جنوب سوريا من دعوات التجنيد، واستنكر الأهالي تحويل شباب المنطقة إلى مرتزقة، ولم تستمر عملية التجنيد في القنيطرة، ولم تسجل حالات انضمام في درعا بعد، وعلى أثر ذلك أصدرت اللجان المسؤولة عن التفاوض مع روسيا والنظام في المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية جنوب سوريا بياناً بتاريخ 26 أبريل 2020، ترفض فيه أي محاولات تجنيد للشباب في المنطقة الجنوبية ونقلهم للقتال في مع الأطراف المتصارعة ليبيا، مقابل إغراءات ماليّة وأخرى تتعلق بالوضع الأمني، وجاء البيان بعد أن انتشرت مؤخراً أنباء تحدثت عن دعوات تقوم بها شركة روسية بهدف تجنيد عدد من شباب محافظة القنيطرة والسويداء وغوطة دمشق وحمص للقتال في ليبيا، مقابل مغريات مادية وأمنية للمنظمين.
وفي محافظة السويداء جنوب سوريا كشفت مصادر خاصة لشبكة «السويداء 24» الموقع المسؤول عن نقل أخبار السويداء المحلية، عن تورط حزب سياسي مرخص لدى الحكومة السورية، في العمل على تجنيد مرتزقة من المواطنين في محافظة السويداء (جنوب سوريا)، ومحافظات أخرى، بدعم من شركة أمنية روسية، بغية إرسالهم للقتال في ليبيا.
وقالت الشبكة إنها حصلت على تسجيلات صوتية ومحادثات نصيّة، تعود لمسؤول في فرع حزب «الشباب الوطني» في السويداء، يدعو من خلالها شباباً للقتال في ليبيا، مقابل عروض مختلفة، منها «تسوية أوضاع المطلوبين في قضايا أمنية أو الخدمة الاحتياطية». ويقول أيضاً إن القتال في ليبيا سيكون تحت إشراف شركة «فاغنر» (شركة روسية مختصة بتأمين مقاتلين من خارج الجيش الروسي).
وفي تلك التسجيلات يعرض المسؤول رواتب مغرية، فيقول: «إن الرواتب الشهرية في ليبيا تتراوح بين 1000 دولار أميركي للتطوع في حماية المنشآت، و1500 دولار لمن يتطوع في مجموعات قتالية، فضلاً عن تعويضات إضافية لذوي العناصر في حال مقتلهم أو فقدانهم».
وفي الحين الذي تصل فيه رواتب العسكريين السوريين النظاميين إلى نحو 30 دولاراً، تتراوح رواتب المتطوعين في الميليشيات الرديفة بين الخمسين والمائة دولار. وتشير المعلومات التي أوردتها شبكة «السويداء 24» إلى أن أمين فرع الحزب في السويداء «هو المسؤول عن ملف تجنيد المرتزقة في السويداء لإرسالهم إلى ليبيا، لمساندة قوات المشير خليفة حفتر التي تدعمها روسيا ضد قوات حكومة الوفاق التي تدعمها تركيا».
وحزب «الشباب الوطني السوري» هو أحد الأحزاب المحلية التي سمح النظام السوري بإنشائها وممارسة نشاطها، بوصفها «أحزاباً معارضة وطنية»، بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضده عام 2011. وتعرض الحزب لانشقاق في صفوفه عام 2018 على خلفية توقيف أمينه العام ماهر مرهج في قضايا تتعلق بالفساد.
وبحسب شبكة «السويداء 24» يمتلك الحزب ميليشيا مسلحة، سبق أن أرسلت للقتال في تدمر إلى جانب قوات العميد سهيل الحسن الملقب بـ«النمر»، والمدعوم من روسيا. واتهمت الشبكة الحزب «بتجنيد مواطنين سوريين ضمن ميليشيات مسلحة منذ عام 2014، للقتال في محافظات مختلفة، عبر مكاتب الحزب المنتشرة في معظم المحافظات». وقالت إن الحزب مسؤول عن «تجنيد شباب من السويداء ضمن ميليشيات مسلحة غير رسمية، للقتال إلى جانب قوات النمر، خلال السنوات الماضية، وبتنسيق أيضاً مع ميليشيا (فوج مغاوير البادية)، التابعة للمخابرات العامة فرع 221 في تدمر ودير الزور، ومناطق سورية أخرى».
وصرح أحد العناصر الذي كان ضمن المتطوعين في الميليشيا التي شكلها حزب «الشباب» للشبكة، مفضلاً عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، بأن المسؤول الحزبي أرسله ضمن مجموعة تتألف من 35 مقاتلاً، جميعهم من أبناء السويداء، إلى مدينة تدمر لقتال تنظيم «داعش» أواخر عام 2016، بعدما خدعهم بوجود مغريات مادية ومعنوية، مؤكداً أن المجموعة تم زجها في منطقة خطيرة جداً منذ اليوم الأول لوصولها، وقد قتل وجرح ما لا يقل عن 10 عناصر منها، وفقد آخرون، ليتفاجأ أهالي المفقودين والجرحى والقتلى، لاحقاً، بعدم اعتبار أبنائهم تابعين لأي جهة رسمية في الدولة، وبالتالي عدم حصولهم على تعويضات، خلافاً للوعود والمغريات التي قدمتها الميليشيا.
وأكدت الشبكة أن تجنيد المرتزقة إلى ليبيا لا يزال محدوداً، وأن عدد الذين سجلوا أسماءهم في السويداء طيلة شهر لا يتجاوز 25 شخصاً.
وأكد تقرير للأمم المتحدة وجود مرتزقة روس وسوريين لدعم حفتر في ليبيا، وجاء فيه أن خبراء في الأمم المتحدة يراقبون الحظر المفروض وأكدوا شحن الأسلحة إلى ليبيا ووجود مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية ومقاتلين سوريين جاؤوا من دمشق لدعم المشير خليفة حفتر.
وأوضحت الوثيقة التي تم تسليمها إلى مجلس الأمن الدولي في 24 نيسان/ابريل وحصلت وكالة فرانس برس على ملخص لها الأربعاء أن العلاقات على الأرض بين مجموعة فاغنر ورجل الشرق الليبي القوي الذي يسعى منذ نيسان/ابريل 2019 للسيطرة على طرابلس، تشوبها خلافات.
وتحقيق الخبراء هو تحديث لتقريرهم السنوي الذي صدر في كانون الأول/ديسمبر الماضي وتحدث أساسا عن وجود مجموعات مسلحة أجنبية قدمت من تشاد والسودان، في النزاع. لكنه لم يشر إلى مرتزقة روس.
ويفيد الملخص أن “مجموعة خبراء رصدت وجود عسكريين خاصين من تشي في كا فاغنر في ليبيا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2018”. ويضيف أن عدد هؤلاء “لا يتجاوز ال800 إلى 1200″، لكنه يؤكد أن مجموعة الخبراء “ليست قادرة على التحقق بشكل مستقل من حجم انتشارهم”.
لكن المعلومات عن وجود مقاتلين سوريين جاؤوا من دمشق لمساعدة حفتر لم تكشف من قبل. وكانت سلطات شرق ليبيا أعادت في بداية آذار/مارس فتح سفارة ليبية في دمشق بعد ثماني سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين ليبيا وسوريا. وأوضح الخبراء في تقريرهم أنهم غير قادرين على تحديد المسؤولين عن تجنيد وتمويل المرتزقة الذين أرسلوا للقتال مع المشير حفتر.
ويقول التقرير إن “مجموعة الخبراء تحققت من أن العديد من هؤلاء المقاتلين السوريين تم نقلهم إلى ليبيا من سوريا عن طريق أجنحة الشام وهي شركة طيران سورية خاصة مقرها دمشق، ويضيف أنه منذ الأول من كانون الثاني/يناير تم تسيير 33 رحلة جوية من قبل “أجنحة الشام للطيران”. وكتب في الملخص أن “بعض المصادر على الأرض تقدر عدد المقاتلين السوريين الذين يدعمون عمليات المشير حفتر بأقل من ألفين”، ويتابع أنه “إذا كانت بعض المصادر تقدر عدد المقاتلين السوريين في ليبيا بنحو خمسة آلاف، فهذا يشمل بالتأكيد الذين جندتهم تركيا لمصلحة حكومة الوفاق الوطني”.
ولم يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في تقرير عرضه على مجلس الأمن الدولي في الخامس من أيار/مايو وحصلت فرانس برس على نسخة منه الأربعاء أن روسيا أو سوريا هي مصدر هؤلاء المرتزقة.
لكنه أدان “المعلومات المتواصلة حول تورط مرتزقة أجانب لصالح حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي” الذي يقوده حفتر، “في انتهاك لحظر الأسلحة الصادر في 2011. لكن لم يوص غوتيريش ولا خبراء الأمم المتحدة بمعاقبة المسؤولين المفترضين عن الانتهاكات.
قال مسؤولان أمريكيان بارزان الخميس الماضي إن الولايات المتحدة لا تدعم هجوم قوات خليفة حفتر المتمركزة في شرق ليبيا على العاصمة طرابلس وتعتقد أن روسيا تعمل مع الرئيس السوري بشار الأسد لنقل مقاتلين وعتاد إلى ليبيا.
وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي هنري ووستر في مؤتمر صحفي عبر الهاتف “الولايات المتحدة لا تدعم عمل الجيش الوطني
الليبي (قوات شرق ليبيا) ضد طرابلس، الهجوم على العاصمة يحول الموارد بعيدا عما يعتبر أولوية لنا وهو محاربة الإرهاب”. وشن حفتر حربا قبل عام لانتزاع السيطرة على العاصمة طرابلس ومناطق أخرى بشمال غرب ليبيا. وليبيا مقسمة منذ عام 2014 بين مناطق تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس وشمال غرب البلاد وأخرى خاضعة لسيطرة قوات حفتر المتمركزة في بنغازي بشرق البلاد، ويحظى حفتر بمساعدة الإمارات ومصر وروسيا، في حين تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني، وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظر السلاح على ليبيا في عام 2011 في خضم انتفاضة أطاحت بمعمر القذافي، الذي حكم البلاد لفترة طويلة. وليبيا ميدان قتال مضطرب مع تزايد انخراط مقاتلين أجانب فيه.
ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة والأمم المتحدة حذرتا من تزايد وجود قوات من المتعاقدين العسكريين الروس في حين نشرت تركيا والإمارات طائرات مسيرة.
وفي تصريحات للصحفيين في ذات المؤتمر الصحفي، قال مبعوث أمريكا الخاص بشأن سوريا جيم جيفري إن ميدان المعركة قد يشهد مزيدا من التعقيد. وأضاف “نعرف ذلك. بالتأكيد يعمل الروس مع الأسد على نقل مقاتلين، ربما من دولة ثالثة، وربما من السوريين إلى ليبيا إضافة إلى العتاد”. ولم يذكر جيفري تفاصيل.
بينما أشار تقرير سري للأمم المتحدة اطلعت عليه رويترز منذ فترة قصيرة إلى أن مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة نشرت زهاء 1200 فرد في ليبيا لتعزيز قوات حفتر.
وكانت التفاهمات بين حفتر ودمشق والإمارات سرية وبرعاية الأخيرة، حسب ما كشفه موقع “إمارات ليكس” المعارض، الذي قال إن التفاهمات نصّت على “إرسال آلاف المرتزقة السوريين للقتال في ليبيا ضمن مليشيات حفتر، على أن تتولى الإمارات توفير التمويل المالي اللازم لذلك”. كما تتضمن التفاهمات تنسيقاً أمنياً وعسكرياً بين النظام السوري ومليشيات حفتر انطلاقاً من علاقة الجانبين الوثيقة مع روسيا وعدائهما المشترك لتركيا، حسب الموقع.
كما عبر مسؤولون أمريكيون عن عدم ارتياحهم تجاه العلاقات بين حفتر والأسد. وقال ووستر “هناك أمر آخر مزعج للغاية وهو… إقامة حفتر ما يسمى بعلاقات دبلوماسية مع نظام الأسد وهو جزء من مسألة المرتزقة السوريين على الأقل من جانبه”.
وكان حفتر قد افتتح سفارة في سوريا في مارس\ آذار ودعا دمشق لتوحيد الجهود في حربهما المشتركة ضد الجماعات والمتشددة التي تدعمها تركيا. وتدعو أنقرة منذ فترة طويلة لرحيل الأسد ودعمت مسلحين سوريين ضد قوات النظام السوري.
بواسطة لامار اركندي | مايو 19, 2020 | Cost of War, غير مصنف
تتحرك تركيا داخل الساحة الليبية في خطوطٍ متوازية، فهي تقدم دعماً علنياً لكتائب مسلحة غير تركية، وتستقطب القيادات التي تقبل التعاون معها حتى لو كانت لا تحمل مواقف أيديولوجية واضحة ومؤيدة لها.
أفرزت التدخلات التركية في الأزمة الليبية العديد من الانعكاسات السلبية على مستوى العلاقات الداخلية والخارجية بعدما شهدت ليبيا حالة من الانقسامات السياسية منذ 2014 مما أسفر عن تعقد المشهد على الصعيد الدولي. كما كان لطلب حكومة الوفاق الليبية في 19 ديسمبر2019 من 5 دول هي “الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، والجزائر، وتركيا” تفعيل اتفاقيات التعاون الأمني دورٌ في مفاقمة حدة الأزمة.
مكالمة تكشف مسؤول سوق الرقيق
تمكن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر من اختراق تسجيل صوتي لمكالمة هاتفية جرت مع أحد قادة الفصائل السورية الموالية لأنقرة الذي يخوض مع مسلحيه في ليبيا معاركاً ضارية بأمرة ضباط أتراك لصالح حكومة الوفاق، ذات النفوذ الإخواني، والمدعومة تركياً وقطرياً .
بحسب التسجيل فإنّ (أبو خطاب الأدلبي)، كما عرف عن نفسه في مكالمة هاتفية مع قيادي عسكري تابع للقوات الخاضعة لحكومة الوفاق، طالب بإرسال فتياتٍ له ولمسلحيه لممارسة الجنس معهن. وكشف أبو خطاب عن إجمالي الرواتب الشهرية التي تستلمها كتيبته البالغ عدد أفرادها 25 مقاتلاً، وقد قدرها بـ 50ألف دولار، حيث خُصّص لكل مقاتلٍ منهم راتب شهري وقدره 2000 دولار.
عرضنا التسجيل الصوتي الذي تناقلته وسائل إعلام ليبية ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي على ناجيةٍ إيزيدية كانت قد حُرّرت قبل حوالي السنتين من مدينة إدلب بعد أن انتقلت كسبيةٍ من أسواق النخاسة في مدينة الرقة مركز “دولة الخلافة” سابقاً لتُعرض للبيع داخل سجون هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في مدينة إدلب. وتمكنت الشابة الناجية من التعرف على صوت أبو خطاب وأسمته بالاسم بأنه كان أحد تجار الرقيق في إدلب وأنه كان وكغيره من قادة الهيئة على علاقة وطيدة مع بعض مسؤولي وأمراء تنظيم داعش.
صناديق الموت
تعبُر توابيت الموت الخشبية وبداخلها جثث عشرات المرتزقة من المقاتلين السوريين الذين قضوا في المعارك في ليبيا بعد وصولها جواً من مطار طرابلس إلى مطار إستنبول ومنها إلى معبر حور كلس على الحدود السورية التركية ليستلمها مسلحو الفصائل السورية ويدفنوها حسبما كشف لنا نشطاء من عفرين في أرياف مدينة عفرين وسط تكتم قادة الفصائل عن مكان مقتلهم.
وكشف رضوان خليل مدير شبكة نشطاء روجآفا المختصة بالشأن السوري عامة والكردي خاصة عن وصول دفعة جديدة من جثث المرتزقة السوريين يوم الجمعة إلى (حور كلس) مقر فرقة السلطان مراد الذي يقوده التركماني السوري فهيم عيسى شمال حلب على الحدود السورية التركية، قادمة من ليبيا. وأكد خليل، أن الدفعة الجيدة من القتلى تضم/21/ جثة من مرتزقة ألوية السمرقند وصقور الشمال وفرقة السلطان مراد و لواء السلطان سليمان شاه المعروف بالعمشات دخلت يوم العطلة إلى مناطق درع الفرات.
يقول شيخو، وهو ناشط من مدينة عفرين، إنّ الأعداد الكبيرة التي تصل دورياً من جثث المرتزقة السوريين يتخلص منها قادة الفصائل السورية وبالتنسيق مع الاستخبارات التركية بوضعها داخل شاحنات محروقات أو داخل مراكز عسكرية تابعة لهم وتفجيرها بمفخخات ومنها التفجير الكبير الذي استهدف سوقاً شعبياً وسط مدينة عفرين في 28 أبريل/نيسان 2020. وقد تسبب تفجير صهريج مازوت مفخخ بمقتل وجرح عددٍ من المدنيين لكن أكثر الضحايا كانوا من العسكريين، واتهمت أنقرة وحلفاؤها من الفصائل، كهيئة أركان الجيش الوطني السوري، قوات سوريا الديمقراطية بالتفجير، لكن هذه الأخيرة نفت هذه الاتهامات ودعت المجتمع الدولي لفتح تحقيق عادل حول الانتهاكات التي يتعرض لها مدنيو عفرين.
كتائب من المرتزقة بقيادة ضباط أتراك
كشف الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري في مؤتمر صحفي في الرابع من شهر شباط / فبراير عن أسماء وصور قادة فصائل سوريين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني في طرابلس. وأشار المسماري إلى أنّ ضابطاً في الجيش التركي، يدعى أبو الفرقان، الملقب بـ”سليماني تركيا” نسبة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، ومعاونه عكيد غازي، يقود القوات التركية والمرتزقة الأجانب والسوريين في ليبيا، ولديه أعمال سابقة في قيادة التحركات التركية في سوريا.
كما يُشارك في العمليات العسكرية في ليبيا النقيب السوري المنشق مصطفى الشيوخ قائد “لواء الشمال”، بالإضافة إلى مسؤول تجنيد المقاتلين الأجانب في ليبيا محمد حافظ التابع لفيلق المجد الخاضع لقيادة الرائد ياسر عبدالرحيم، وهذا الأخير كان المسؤول عن أسر المقاتلة الكردية جيجيك كوباني خلال العملية العسكرية التركية المسماة بنبع السلام التي نفذتها تركيا ضد المقاتلين الأكراد في أكتوبر من العام الماضي حيث عاملها بطريقة مهينة وسط تهديدها بالذبح وإطلاق ألفاظ نابية بحقها.
كما تضم قائمة المشاركين مقاتلين من “قوات النخبة” في “الفيلق الأول” بقيادة العقيد المنشق معتز رسلان وقادة الفصائل التركمانية ومنهم فهيم عيسى قائد فرقة السلطان مراد، وهو مرافق شخصي للمدعو أبو الفرقان، ومحمد الجاسم الملقب “أبو عمشة” قائد فرقة السلطان سليمان شاه المتهم بارتكاب انتهاكات وجرائم حرب بحق مدنيي عفرين. وبحسب المسماري فإن كلاً من القادة العشرة المشاركين قد تلقى مبلغاً قدره مليون دولار أمريكي من قبل حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، برئاسة، فائز السراج، لقتال الجيش الوطني الليبي، واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإدارة “شبكة إرهابية دولية من خلال الشركة الأمنية التي أنشأها”.
8000 مقاتل في ليبيا
أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل 268 مقاتلاً بين عناصر قوات المرتزقة السوريين في ليبيا خلال العمليات العسكرية في العاصمة طرابلس. وأكد المرصد أن تركيا مازالت تنقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا وأنّ عدد المرتزقة الذين وصلوا من سوريا إلى ليبيا بلغ 8 آلاف، وأن أكثر من 3 آلاف يتلقون التدريبات في المعسكرات التركية تحضيراً لنقلهم للقتال في ليبيا.
كما كشفت تقارير عن تجنيد أنقرة لأطفال سوريين للقتال بجانب مليشيات حكومة الوفاق في ليبيا حيثُ نُقل ما لايقل عن 2000 طفل دون سن الثامنة عشر للقتال ضمن مليشيات فرقة السلطان مراد في ليبيا، وجُند هؤلاء الأطفال من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وإدلب بعد اخبار ذويهم أنهم ذاهبون للعمل في تركيا، وبعد إتمام تدريبهم على استخدام مختلف أنواع الأسلحة ينقلون جواً الى ليبيا ليزج بهم في معارك الموت لصالح أنقرة .
وبحسب نشطاء من مدينة عفرين فقد قُتل أكثر من 20 طفلاً في ليبيا ودفنوا في جنديرس ومازالت هناك أعداد أكبر من الجثث العالقة في ساحات القتال.
الاقتصاد ومشاريع التوسع
منذ اندلاع الأزمة الليبية في 2011 كان الموقف التركي حاضراً بقوة. ويُقدر حجم المصالح الاقتصادية التركية في ليبيا بنحو 15 مليار دولار، كما تشكل السوق الليبية مجالاً حيوياً للنشاطات التجارية التركية حيث توجد نحو 120 شركة تركية فاعلة. وكان للسياسة التركية الداعمة للتنظيمات المسلحة كميليشيات مدينة مصراتة، والقوات التي شاركت في تحالف فجر ليبيا في مواجهة عملية الكرامة التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في مايو 2014، بقيادة “خليفة حفتر” دورٌ كبير في توتر العلاقات مع شرق ليبيا؛ وأصدر حفتر آنذاك قرارًا بإيقاف التعامل مع الشركات التركية كافة في ليبيا؛ ردّاً على سياساتها الداعمة لتحالف فجر ليبيا.
وتحاول تركيا تعزيز مصالحها في مناطق نفوذها عبر الهيمنة على الفصائل العسكرية الموالية لها بحيث باتت تحركهم علناً وفق إرادتها من بلدٍ لآخر دون أن تتضح ملامح نهاية الصراع.
بواسطة Karim Sa'id | مايو 15, 2020 | Cost of War, غير مصنف
انتقلتْ أسماء الأسد من موظفة في مصرف جي بي مورغان في لندن إلى سيدة القصر الجمهوري في دمشق، وكان الجسر الذي عبرتْ عليه هو زواجها من رجلٍ ورثَ سلطة على بلاد بأكملها جاءتْهُ على طبق من ذهب، فقد كان طالبَ طبٍ، لم يمتلك ميولاً سياسية أو عسكرية. وربما لم يفكر بالرئاسة، لكن خللاً أحدثه القدر في ترتيبات أبيه الرئيس حافظ الأسد، غيّر مسار حياته من طبيب عيون إلى طبيب سياسي فشل في مداواة الجسد السوري وزاد من أمراضه. وكان هذا خطأ ارتكبه هو بقبولهِ للمنصب، بقدر ما ارتكبه من ورّثوه رئاسة سوريا، وكل من لعب دوراً في حدوث ذلك، ذلك أن سوريا ما تزال تدفع ثمن هذا القرار الذي اتخذتْه حلقةٌ ضيقة من الرجال من خلال تمثيلية في برلمان لا وجود له بالمعنى الديمقراطي الحقيقي، ويتسم بعض أعضائه بالجعجعة والتظاهر بمحاربة الفساد وبادعاء العلمانية عبر تصنيع عداوة مسرحية مع وزارة الأوقاف. وظنّ الذين مهّدوا للتوريث أنهم فعلوا الصواب أملاً في إبقاء الوضع في البلاد كما كان في عهد الأب، دون أن يفتحوا أعينهم جيداً ويفكروا باحتمالات أخرى قد يقود إليها الأمر. ولم يعرفوا أن يستثمروا بذكاء قوتهم الضاربة وتحالفاتهم الدولية والإقليمية وعلاقاتهم، ويلعبوا لعبة من ألاعيب عصر الديمقراطية، بل قرروا وضع صمْغ على مؤخراتهم والجلوس على الكرسي والالتصاق بها إلى الأبد، دون اكتراث بانحسار الثروة النفطية، وزحف التصحر والجفاف وشح المياه والأخطار الأخرى الناجمة عن التغير المناخي، ودون معالجة لتصاعد البطالة وللشرخ الطبقي الذي ازداد اتساعاً وللفساد الإداري الذي استشرى، وهيمنة الفاسدين على سلك القضاء، وكل الأزمات الأخرى المتراكمة التي أدت إلى الانتفاضة، وإلى الصراع الذي لم يُحْسم بعد. ولم يكن وضع الصمغ على المؤخرات الأبدية إلا ترجمة لشعارات كان السوريون صغاراً وكباراً يرددونها بقرف حين يُساقون إلى مسيرات التأييد المصطنعة، من الجامعات والمدارس ومن دوائر القطاع العام والخاص، شعارات مسختْ حزب البعث العربي الاشتراكي إلى ببغاء في قفص السلطة. وكانت النتيجة انتفاضة مدنية ملحمية في بداياتها تطورت إلى حرب طاحنة ما تزال احتمالات استمرارها قائمة.
وطفتْ على شاشة الحدث قصةُ صراعٍ جديد على مال شعب السوري دخلت أسماء الأسد كطرف رئيسي فيه، ولم يكن هذا الدخول مفاجئاً ذلك أن أسماء، وبحسب معطيات كثيرة، كانت قد بدأت بترتيباتها الخاصة، وحاولت قنوات إعلامية سورية ودولية تحويلها إلى أيقونة تمثل الوجه الحضاري الناعم للسلطة في سوريا، وقدمتها كمحبة للفنون وللمواهب وللخبرات، والتي تَتوَّجَ حب زوجها الرئيس لها في الآونة الأخيرة بهدية ثمينة، وهي لوحة فنية للفنان العالمي ديفد هوكني اشتُريت من مزاد بريطاني بسعر قارب ٣٠ مليون دولار على ذمة مواقع إعلامية روسية، في وقت يعاني فيه معظم أبناء الشعب السوري من فقر مدقع بعد حرب طويلة مدمرة. وربما كانت الفتاة أسماء تحلم بحياة من نوع مختلف إلا أن “القسمة والنصيب”، كما يقول السوريون، قاداها إلى زواج أخرجها من سياق حياتها العادية ووضعها في سياق آخر يختلط فيه المعشوق بالكرسي، وأحياناً ينحسر الحب ويتحول إلى حب للكرسي. وبدأت أسماء تمارس أدوارها الاجتماعية والاقتصادية والخيرية في ظهوراتها التلفزيونية الكثيرة وانبرت إلى القيام بدور راعية الشباب ومنظِّمتهم ومهندسة المواطن الفاعل، والباحثة عن الموهوبين والمتفوقين، والأهم من ذلك كله دور مصادرة الألم وامتلاكه كما لو أن ألم سوريا هو ألمها، هذا الألم السوري، نتاج الأضاحي الكثيرة لحماية الكرسي. وهذا موضوع أشارت إليه بتعمق الباحثة الأميركية ليزا ودين في كتابها الصادر مؤخراً عن مطبعة جامعة شيكاغو بعنوان”استيعابات سلطوية، الإيديولوجيا والحكم والحداد في سوريا“. وبدأت أسماء عملها كي تصبح ”أم الكل“، عقيلة ”سيد الكل“، إذا ما استعرنا عنوان فيلم دعائي ظهرت فيه أثناء الحرب، والذي أجلست فيه أمامها أمهات الشهداء كي تحدثهم عن معاني الوطنية وتغيير وجه التاريخ، أمهات الشبان الصغار الذين قضَوا على جبهات أعلن السيد الرئيس أثناء زياراته المتقطعة لها أنها جبهات لمعركة كونية، معركة السيطرة على العالم، ضد قوى الشر والاستكبار العالمي، إذا ما استعرنا من قاموس البلاغة الإيرانية. ولكن ينبغي أن نشير هنا، توخياً للدقة والموضوعية، أن تلك الجبهات لم تكن جبهات بريئة، فقد كان هناك ميلشيات ممولة ومدعومة بالمال النفطي ومال الاستخبارات الأردوغانية والسعودية والقطرية والأمريكية والأدوات الأصولية السلفية والجهادية العابرة للحدود. ولم يكن هناك ثوار حالمون، ذلك أن الجيل المدني للثورة السورية تلقى ضربات متواصلة على يد النظام والتيارات الجهادية فقد سُجن من سُجن وقُتل من قُتل وهُجِّر من هُجِّر وهاجر من هاجر وارتد من ارتد، واحتل جبهات القتال مقاتلون منضوون في تنظيمات متشددة ومريبة مرتبطة بقوى أخرى، بل صار بعضهم بنادق قابلة للتأجير خارج سوريا. وحيث يهيمن لوردات الحرب والميلشيات المسلحة والممولة يخمد الحس المدني والنَفس الثوري، ويتحول إلى أصوات مختنقة ومشتتة في الإعلام الاجتماعي، ويُصادَر الخطاب ويُشوَّه. وحين يُصاب المثقفون باليأس يفقدون البوصلة، أو يراهنون حتى على الشياطين، وهذا ما حصل لكثير من المثقفين السوريين المؤيدين للانتفاضة حين وضعوا زعيم جبهة النصرة ابن تنظيم القاعدة الشيخ أبو محمد الجولاني وتشي غيفارا في خانة واحدة، وحجَّ كثيرون منهم إلى البلاط الملكي السعودي وغيره من البلاطات الأوربية والأميركية كي يسترزقوا باسم الثورة وأجّرتْ كثير من الأقلام نفسها لإعداد جرعات السم الطائفية وتوزيعها.
وكما فعلت سوزان مبارك وغيرها من عقيلات القصور الجمهورية سابقاً، بدأت أسماء الأسد برعاية المهرجانات الثقافية والعلمية والطبية وبالتحدث عن دعم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة دون أن يكون هناك تمويل حقيقي للعناية بهم ومتابعة فعلية لهم تتعدى الظهور الإعلامي، ودون أن يكون هناك عدل في استقبال الحالات الكثيرة منهم في المراكز النادرة في سوريا. وغالب الظن أن موضوعهم بات طي النسيان في سنوات الحرب. وقبل ذلك كانت أسماء الأسد تحاول أن تبني شبكات في أوساط الشباب الموهوبين والمجتهدين، وأن تشكل جيلاً جديداً يعكس وجهاً آخر للابن القائد، الذي لم يحصل بعد على لقب الأب القائد، كما لو أنه فشل في امتحان الحصول على لقب البطريرك حتى بين الموالين له. وكما حدث تحول من أسماء الأخرس إلى أسماء الأسد، حدث تحول آخر بدأ يشغل الإعلام العربي والعالمي، وهو التحول من القوة الناعمة إلى القوة الخشنة، ذلك أن وضعيات النعومة والظهورات التلفزيونية المدروسة والمدبرة لا تساعد كثيراً في ترتيب بيت السلطة إذا لم يُرتَّب الوضع المالي، وترتيب الوضع المالي يقتضي وضع اليد على الشركات التي كان رامي مخلوف “مؤْتَمَناً” عليها. هكذا صار لأسماء مخالب أمام باب بيت المال، وبدأت هذه المخالب تخدش وتمزّق. وأسماء ”امرأة تحب السيطرة“، كما وصفها رجل الأعمال السوري فراس طلاس في مقابلة أجرتْها معه قناة الحرة مؤخراً، مضيفاً أنها بدأت تستغل ضعف خصومها وتعيّن موظفين أوفياء لها في مناصب حساسة وتسرّح من لا يُصْغي إلى كلمتها واضعة نصب عينيها هدف السيطرة على الثروة التي يديرها رامي مخلوف لا لكي تعيدها إلى أصحابها وإنما كي تؤمن مستقبل أولادها، عبر لعبة تنقل فيها الإشراف على سيرياتيل وراماك والشركات التابعة إلى الأمانة السورية للتنمية، أو تُلْحقها بوزارة الاتصالات مما يفسح المجال لتقديم زوجها في صورة محارب الفساد، حتى ولو كان الفاسدون من عائلته. ولم يفت فراس طلاس أن يشير بذكاء يميزه عن كثيرين من المتحدثين في الشأن السوري إلى وجود طائفتين في سوريا، الأولى هي الطائفة العلوية التي حاول رامي مخلوف أن يشدها إلى صفه في كلمتيه المصورتين، وطائفة الرئيس، وهي الشبكات التي تشمل أطرافاً من الطوائف كلها في سوريا، تسيطر على المال والقرار، وهذا يحيل إلى موضوع الشبكات الاقتصادية التي شكلها النظام، والتي ضمت مسؤولين وأبناء مسؤولين ورجال أعمال سنة ومن طوائف أخرى، وقد درسها بشكل مستفيض ومتعمق الباحث الأميركي من أصل لبناني بسام حداد في كتابه الموسوم ”شبكات الأعمال في سوريا: الاقتصاد السياسي للمرونة الاستبدادية“، وهو كتاب تساعد قراءته في فهم الصراع الدائر في سوريا من منظور تاريخي يضع في حسبانه السياقات التي توجد فيها سوريا والأطراف المعادية المتربصة بها.
ولا نعرف إن كان رامي مخلوف سيتمكن من الظهور في فيديو آخر كي ينذر بعقابه الإلهي، ذلك أن طلاس توقع في الحوار نفسه أن يغادر رامي المشهد بهدوء بعد أن يعتذر ويتنازل عن الشركات التي لا تشكل إلا ١٠٪ من الثروة، وأن يتم التنازل عن الأموال التي في الخارج عبر ترتيب أو اتفاق معين. وفي أحدث تصريح له في الإعلام الاجتماعي في وقت كتابة هذه السطور قال رامي مخلوف بالحرف الواحد متبنياً لغة دينية باطنية مدروسة: ”بعدما توجهتُ إلى عبادكَ لتبليغ مرادكَ لرفع الظلم عن عبادكَ فلم يعينني أحد… فعدتُ واستجرتُ بالواحد الأحد“، وهذا يؤكد أنه لم ولن يحصل على أية مساعدة من الرئيس، وأن الأمور ستأخذ مجراها في تجريده من الأموال والأملاك. وينطوي لجوء رامي إلى لغة دينية كهذه مدروسة وحمالة أوجه على احتمالات نجهل طبيعتها وعلينا أن ننتظر تطور الأحداث. ولا نعرف إن كان ما يجري نوعاً من ترتيب شبكة جديدة تجمع بين رموز سنية وعلوية لإرضاء الأطراف المغذية للصراع وللوصول إلى حل يخرج سوريا من مأزقها الحالي، إذ لا نمتلك معلومات أو إحصاءات دقيقة حول أي شيء في سوريا، إذا لم يكن مسرباً، ولا أحد يستطيع الوصول إلى أية معلومة، داخل القبضة الأمنية الساهرة على حراسة الأخطاء المتراكمة والمكدسة والتي تحولت إلى طبقات جيولوجية فوق خط زلازل السياسة في منطقة حساسة تشهد صراعاً إقليمياً وعالمياً للسيطرة عليها. ولن يكون هناك دور لأعضاء الحكومة الآخرين أو للمستشارين أو المقربين لأن أسماء وزوجها لا يستشيران إلا نفسيهما، ولا يصغيان إلا إلى ما يقولانه (بالطبع، باستثناء القنوات الأمنية). وروى مرة أحد الأدباء العرب في جلسة شخصية أن الرئيس بشار الأسد وجه دعوة من خلال مسؤولة الثقافة في سوريا السيدة نجاح العطار لعدد كبير من المفكرين العرب لمناقشة قضايا الأمن القومي والأخطار التي تهدد المنطقة. وكان من المتوقع أن يصغي الرئيس إلى المفكرين المدعوين كي يتنوَّر بآرائهم، لكنه قرر بدلاً من ذلك أن ينظّر عليهم كعادته، وحاضر بهم فترة طويلة ثم صرفهم دون أن يصغي إلى أي منهم. ولماذا يصغي؟ ومتى أصغى الدكتاتور العربي إلى مثقف أو مفكر؟ هذا طبيعي جداً في الدكتاتوريات. وأُشيعَ أيضاً أن الرئيس وزوجته لا يجالسان إلا الشخصيات الدرامية ولا يحترمان من المثقفين إلا الممثلين والمخرجين وبعض الرسامين والنحاتين المشهورين، ربما لأنه من السهل إعادة توجيه الممثل أو المخرج ودفعه إلى الاشتغال على موضوعات تخدم توجه السياسي، وهذا يفسّر محاولة بعض الممثلين والمخرجين احتلال دور المثقف المنظّر أو النزول إلى الشوارع لتهدئة المتظاهرين سواء في بدايات الانتفاضة أو بعد تفشي وباء كوفيد ١٩، رغم أن موضوع الدراما، وخاصة الكوميديا، معقد، ويمكن أن تكون الكوميديا أداة للسلطة وتنطوي على تمرد عليها في آن واحد معاً كما تبين الباحثة الأميركية ليزا ودين في كتابها ”استيعابات سلطوية، الإيديولوجيا والحكم والحداد في سوريا“، وهو كتاب يخلو من الآراء المسبقة ومسلح بالأدوات المعرفية والمنهجية الدقيقة، وقائم على بحث ميداني إثنوغرافي دقيق. ومن خلال أدوات معرفية وعبر مناهجية يقرأ الكتاب الحدث السوري بعيداً عن الاصطفافات والولاءات من أجل الإسهام في جدل حول الإيديولوجيا واشتغالاتها على الساحة السورية، مما يلغي الفارق بين باحث من ثقافة أخرى وباحث محلي، لأن الصراع ضد السلطة والهيمنة هو صراع عالمي نظراً لتشابكات السلطة العابرة للحدود القومية وقد تنفع فيه دراسة مكتوبة بلغة أخرى أكثر من دراسة مكتوبة بلغة البلد خاصة إذا كانت تخلو من الموضوعية، مما يقود إلى ضرورة إلغاء النظرة القائمة على الشبهة إلى الباحثين الغرببين الجادين الموروثة من النظرة إلى المستشرقين الذين كانوا موظفين في المشروع الكولونيالي. وتكفي الإشارة هنا إلى أن ليزا ودين فُصلت لمدة عام من جامعة بيركلي لأنها انتقدت الممارسات القمعية والاستيطانية الصهيونية. ويفرد كتابها فصلاً كاملاً للكوميديا السورية بعنوان ”الفكاهة في الأزمنة المظلمة“. وفي الفصل الأول الذي جاء بعنوان ”أوتوقراطية نيوليبرالية وتقويضها“، توضح ودين أنه من خلال تسويق دعائي مدروس حاولت أسماء الأسد أن تجسد الفعالية النيوليبرالية، وتقدم نفسها على أنها الاستعارة السائرة والمتحدثة للنظام الأخلاقي النيوليبرالي، على أساس أن مشاريعها مختلفة عن آليات النظام الاستبدادي في السيطرة الاجتماعية سعياً إلى “المواطن الفاعل“. ذلك أن أسماء التي سماها الإعلام السوري سيدة الياسمين وسمّتْها مجلة فوغ وردة الصحراء، والتي تدير مكتبها، بحسب أحد كتاب هذه المجلة الذي تستشهد به ودين، كما لو أنه مشروع أعمال تجارية، عملت، على أن تُظهر نفسها كوجه من وجوه الثراء الليبرالي الجديد، وبُذلت جهود إعلامية في هذا الإطار لتصنيع صورة نيوليبرالية عن رفاه مزعوم لجذب السوريين إلى مزيد من القبول والإذعان للنظام القائم يختلف عما كان يحدث في العهد السابق. وفي خضم التغطية الإعلامية السائدة للخلاف المزعوم بين رامي وأسماء تُختزل القضية السورية الآن إلى صراع على النفوذ والمال بين أطراف إما تعمل على البقاء في السلطة أو تعمل على أن تجدد السلطة وتمنحها وجهاً جديداً، دون إحداث تغيير جوهري في بنيتها، لإرضاء أطراف معينة قبل أن تبدأ وليمة إعادة الإعمار.
وفي هذه الأثناء يحتدم الصراع على بيت مال السلطة، وتنبري له الخبيرة المصرفية السابقة، التي لم يحدث أن وقفت (لا هي ولا غيرها من المسؤولين) مرة في طابور كي تستلم جرة غاز، ولم تركض لاهثة تحت جسْر عمها الرئيس للحاق بميكرو صغير كي تذهب إلى غرفتها المستأجرة في الضواحي أو في العشوائيات، والتي لم تنتظر أمام فرن في ركن الدين أو القدم أو قدسيا أو التضامن أو دف الشوك أو ال ٨٦ وغيرها من الأحياء الأخرى كي تحظى بربطة خبز تسد بها رمق أولادها. غير أن أسماء الأسد أو رامي أو الرئيس ورجال أعمال المرحلة وأصحاب القرار الآخرين في سوريا يستخرجون ثرواتهم من هذا التهميش والتفقير لسواد الشعب السوري، الذي قرف من التكنوقراط ورجال الأعمال والمقاولين وشركاء البزنس والسياسيين الذين عمَّتْ فضائح صفقاتهم حتى فاحت روائحها الفاسدة.
يختزل الإعلام القضية السورية إلى رواية أبطالها رامي وأسماء وبشار وماهر ومهند لكن القضية أكبر من ذلك، والمشكلة أعقد. وإذا كان النزاع قائماً على ثروات وشركات ستوسّع أموالهم وتمتّن أمنهم، وتساعدهم في التضييق على منافسيهم، وتمول أدوات قمعهم فإن كارثة انهيار المجتمع والدولة، وتمزق الجسد الاجتماعي، والجراح العميقة التي لم تندمل، والتي سيمضي وقت طويل قبل أن تشفى أو تُنسى، لن يفعل لها هذا الصراع على المال شيئا سوى مفاقمتها. ولن تستطيع وردة الصحراء ولا موظفوها ولا الذي كان رامياً بسهام غيره، ولا من قرر أن يتبعه، ولا من اختار الحل الأمني الدموي ولم يُصْغ لنصائح العقلاء في نظامه، أن يفعلوا شيئاً. ربما سيسكنون في فيلات محاطة بالحراس والدشم والرشاشات الثقيلة، ويحلق فوقهم طيران الحليف الروسي، ولكن إلى متى؟
يختزل الخطاب الإعلامي المشكلة السورية إلى صراع مالي داخل المجموعة الحاكمة، ويجيّش “خبراء” النظام والطائفة العلوية وخبراء الداخل ورجال الأعمال السابقين الذين بدأ بعضهم يوزع شهادات الذكاء والغباء من مختبراتهم الإعلامية الطائفية كي يطرحوا مقارباتهم القائمة على التكهنات وتصفية الحسابات، لكن وفي سط كل هذا الضباب الإعلامي تبزغ حقيقة جلية، وهي أن من يضع يده على المال، سواء كان أسماء أم غيرها، قد لا يكون طرفاً في الحل، وإذا ما حالفه الحظ وصار طرفاً فيه فإنه سيرضخ لشروط مفروضة عليه ويلعب دوره المطلوب، ألا وهو ترتيب المصالح الأميركية في نفط شمال شرقي سورية، والمصالح الروسية في طرطوس وتدمر والبادية وكافة البقاع السورية الأخرى، وترتيب المصالح الإسرائيلية تحت مظلة روسية، ناهيك عن المصالح الإيرانية والتركية، ويبقى الخاسر الأكبر في المعادلة هو الشعب السوري.
قذفت الحرب السورية أحجارها على أحد القصور البلورية للنيوليبرالية وهشمته فخرجت منه أسماء الأسد في قناعها النيوليبرالي الجديد ورامي في قناعه الديني كما لو أنه سيعتكف في قبة في قرية بستان الباشا على الساحل السوري، أو سيتم تسفيره إلى بلد آخر كي يسلم المفاتيح، ذلك أن الظلم الذي تعرض له قد فاق طاقته كما يقول في تصريحه الفيسبوكي، وبما أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً حيال ذلك ربما كان الانصراف إلى العبادة حلاً إلى حين. ويبدو أن أسماء الأسد ارتدت ثياب عمل جديدة، ثياب الموظفة المصرفية السابقة وخبيرة الحسابات في جي بي مورغان وشرعت في ترتيب بيت مال الدكتاتورية من جديد كي يرثه أبناؤها وكي تبني قصراً جديداً، تتمظهر فيه النيوليبرالية في أشكال مختلفة إذا ما حالفها الحظ، ويتشكّل أداؤها الآن في دور جديد من أجل فرض ”الكونترول“ على هذا المال (إذا استعرنا الكلمة التي استخدمها فراس طلاس في مقابلته مع الحرة)، وهي تلعب بالنار مع أصابع كثيرة متشابكة مع أصابعها أو منافسة لها، ولا نعرف أية أصابع منها ستحترق، كما لا نعرف في ضوء السرية والغموض اللذين يكتنفان الدكتاتوريات العسكرية ما الذي ستتمخض عنه الأمور.
مراجع معتمدة
1- Wedeen, Lisa. Authoritarian Apprehensions: Ideology, Judgement and Mourning in Syria. Chicago: Chicago University Press, 2019.
2- Haddad, Bassam. Business Networks in Syria: The Political Economy of Authoritarian
Resilience. Stanford: Stanford University Press, 2012.
3- https://www.youtube.com/watch?v=5asF-rCK44s
4-https://www.youtube.com/watch?v=rCI0hZxSkGw
5-https://www.salonsyria.com/رامي–مخلوف–القصة–الكاملة–غير–مكتملة/#.XrjJEy-ZPdc.
6-https://www.salonsyria.com/تطورات–قضية–رامي–مخلوف/#.XrjJLS-ZPdc
7-https://www.facebook.com/watch/?v=1374894359200246
8-https://www.jesrpress.com/2020/04/17/بشار–الأسد–يشتري–لزوجته–لوحة–بقيمة–٣%D9%A0-م/
بواسطة عامر فياض | مايو 13, 2020 | Cost of War, غير مصنف
تسع سنواتٍ ومازال الواقع السكني والمعيشي لمعظم نازحي الداخل على حاله. وتقدر بعض التقارير والإحصائيات الأممية أعدادهم بأكثر من 7 ملايين نازح، يقيم نحو مليونين ونصف منهم في دمشق وريفها. ومنذ بدء حركات النزوح وحتى اليوم، لجأ الكثير منهم، إلى السكن في شققٍ (على العظم) غير مجهزة لذلك ولم تُكس بعد، وذلك نتيجة تزايد الطلب على استئجار البيوت وتحليق أسعار إيجاراتها، ما جعل حارات وأحياءً بأكملها تكتظ بساكني تلك الشقق في ظاهرة تفاقم انتشارها لتتغلل في المشهد العمراني لكثير من المدن، حتى باتت مألوفة بين الناس وفي المكاتب العقارية التي تقدم عروضاً لاستئجار (شقق العظم)، التي كان على ساكنيها أن يستصلحوها بأن يرتجلوا فيها مطبخاً ومرحاضاً ويبتكروا حلولاً ليجلبوا شيئاً من الحياة إلى وحشتها. وقد ظنوا في بداية الأمر أن سكنهم فيها سيكون حلاً إسعافياً مؤقتاً، ولكن هذا المؤقت قد تحول إلى شبه دائم، بعد انعدام خيارات العودة لبيوتهم أو الانتقال إلى سكنٍ أفضل، حيث تجاوزت إقامة بعضهم في تلك الشقق نحو 8 سنواتٍ وأكثر.
أماكن لا تصلح للحياة
حين تدخل شقة أبو عمر تستقبلك على الفور كومة كبيرة، من الحصى والرمل وبقايا قطع الطوب، تم تجميعها في الصالون، بعد أن كانت متناثرة في أنحاء الشقة، لتحتل نصف مساحته، ولتستغني العائلة عنه وتكتفي باستصلاح غرفة واحدة للجلوس والنوم. الجزء المتبقي من الصالون استغله أطفال العائلة كمكان للدراسة فوضعوا فيه طاولة صنعت من قطع (البلوك) التي وضعت فوق بعضها وغطّاها لوح خشبي متآكل.
الغرفة المستصلحة للسكن تمتلئ جدرانها بالحفر والثقوب التي سُدت بقطع الورق والقماش والنايلون. على بابها وضعت ستارة قماشية، وأغلقت نافذتاها بشوادر من النايلون. أما أثاثها فيقتصر على بضع كراتين وصناديق تستخدم كبديل عن الخزانة، وتلفاز صغير من النوع القديم، وضع على أحد الصناديق. وعلى أحد جدرانها ثُبتت قطعة خشبية طويلة فيها مجموعة مسامير عُلِّقت عليها بعض الثياب، فيما فرشت أرضيتها الخشنة بسجادة مهترئة، تماهى لونها مع لون الرمل، وضع فوقها بعض الفرش والبطانيات باهتة اللون. أما ما يسمى بالمطبخ فهو بدوره مكان خاوٍ يفتقر لأبسط مقومات الحياة، يحتوي على بعض أواني الطبخ والصحون وغالونات الماء والصناديق، فيما يغيب عنه أي أثاثٍ (براد، غسالة، بوتوغاز، فرن.. الخ) قد يجعل منه مطبخاً.
في شقة مشابهة تعيش أم عبد الرحمن وأبناؤها الثلاثة، تم استصلاحها بمساعدة الجيران الذين تبرعوا لها بباب خشبي قديم إلى جانب بعض الأثاث المستعمل، وساعدوا في معالجة الثقوب الكثيرة للجدران وتسوية الحفر في أرضيتها الوعرة باستخدام الجبصين والإسمنت. كما قاموا بمد خرطوم ماء وخط كهرباء من بيتهم لإضاءة الشقة البائسة بلمبة صفراء ولتشغيل سخان للطبخ وتسخين الماء. وفي محاولة لتخفيف حدة بشاعة المكان قامت العائلة بجمع الكثير من الكراتين على مدار أيام، فوضعت بعضها تحت السجادة لتخفيف تعرجات الأرضية فيما أُلصق بعضها الآخر، إلى جانب بعض الجرائد، على الجدران والسقف لإخفاء جانب من قبحها وألوانها الكالحة.
تقول أم عبد الرحمن التي توفي زوجها قبل خمسة أعوام:” ندفع إيجار هذه الشقة 20 ألف ليرة ونقيم فيها منذ سنتين. قبل ذلك سكنّا في شقة مشابهة لثلاث سنوات. لا خيار أمامنا سوى شقق كهذه، فإيجار المنزل الجيد يحتاج نحو 50 أو 60 ألفاً وهذا مبلغٌ نعجز عن تأمينه”.
في أحياء مدينة جرمانا تستوقفك مئات البنايات التي تكشف نوافذ شققها، المغلقة بالخشب والشوادر وقطع الطوب وأشياء أخرى، معاناة من يعيش خلفها. أحد تلك البنايات لم تُجهّز للسكن بعد ولم تصلها خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي، ورغم ذلك تقطنها سبع عائلات نازحة منذ نحو خمس سنوات. في مدخلها تتقافز الجرذان بين أكوام القمامة المكدسة عبر سنوات. أدراجها لم تجهز كما يجب وغير آمنة. أبواب شققها مصنعة كيفما اتفق، من بعض الخردة والتنك والخشب.
يروي أبو حسام أحد سكان تلك البناية جانباً من واقعهم السكني: “حين أتينا إلى هنا مكثنا أشهراً في ظروف أكثر سوءاً. في البداية حاولنا إصلاح الشقق فأخرجنا مخلفات البناء من داخلها، أغلقنا النوافذ ووضعنا أبواباً ورممنا بعض الجدران، ثم استطعنا، بعد توسلٍ وعناء، استجرار خطوط الكهرباء من معملٍ لمواد البناء ومن بناية مجاورة، وبعد ذلك جلبنا بعض البراميل والغالونات، لنملأها بالماء، كما جمعنا بعض الأثاث، الذي استغنى أصحابه عنه، من أماكن متفرقة “. ويضيف “تمكنا فيما بعد، كيفما اتفق، من مد خط للصرف الصحي وآخر للماء وبذلك استطعنا توفير مكان يشبه المرحاض داخل شققنا، وقد كنا قبل ذلك نقضي حوائجنا في بعض الشقق غير المسكونة وفي أماكن أخرى”.
معاناة يومية
خلال فصل الشتاء وبينما كان الناس يحتفلون بالمطر الوفير، كانت عائلة أبو محمد تعاني مع كل هطول، فتستنفر لتضع الأواني والطناجر تحت قطرات الماء المتسربة من السقف الرطب، والتي كثيراً ما غافلتهم لتبلّل الفرش والبطانيات والسجادة الوحيدة، ولتحرمهم الراحة والنوم. ولم تتوقف معاناتهم على ذلك، فكثيراً ما تعرضوا لاستنشاق دخان المدافئ، المشتعلة في الطوابق السفلى، والذي ينبعث من ثقوب وتشققات مداخنها التي تعبر من خلال جدران شقتهم الكائنة في الطابق الأخير. وعن ذلك يقول أبو محمد: ” لم يأبه صاحب الشقة بمعاناتنا مع الدخان الذي كان ينتشر في المكان ليسبب لنا اختناقاً يومياً، فنحن بنظره بشر من الدرجة الثانية، ما اضطرني لشراء الإسمنت وخلطه ببعض الرمل، المتوفر حيث نقيم، لإصلاح تلك المداخن، التي تحتاج للصيانة كل حين”.
أبو محمد الذي يختنق من دخان مدافئ سكان البناية لا يمتلك مثلهم مدفأة مازوت : “في فصل الشتاء نبحث في جوارنا عن كل ما يمكن إشعاله كبقايا الأخشاب والكرتون وأكياس الورق والنايلون لنضعها في مدفأة حطب قديمة تبرع لنا بها أحد الجيران”.
في مكان آخر تعاني عائلة أبو مؤيد كل يومٍ في نقل نحو عشرة غالونات ماء إلى الطابق الخامس، حيث تقيم، لتعبئة برميلٍ يؤمن حاجاتهم في الاستحمام والغسيل وجلي الأطباق. برميل الماء هذا كان يستخدم سابقاً في أعمال البناء، لذا تشكلت في قعره طبقة سميكة وصلبة من بقايا الرمل والإسمنت. يقول أبو مؤيد: “قبل النزوح من منزلنا، كان طقس الاستحمام يستغرق وقتاً طويلاً، بصحبة الماء النقي الساخن والروائح العطرة، أما اليوم فنكتفي باستحمام سريع لا يشعرنا بأي بنظافة، نستهلك لأجله ليترات قليلة من الماء العكر والملوث، الذي سبب لنا جفافاً وخشونة في البشرة “. مضيفاً: ” نشعر أن طعم ذلك الماء عالق في الصحون والأواني فيما تفوح من ثيابنا رائحة غير محببة حتى بعد أن نغسلها”.
إلى جانب ذلك تعيش العائلة معاناة يومية مع الحشرات المختلفة، كالذباب والبعوض والصراصير وغيرها، التي تنبع من كل زاوية وكأنها معششة في ثقوب الجدران لتؤرق نومهم وحياتهم، فيما تخرج الفئران من جحورها الكثيرة لتصول وتجول في المكان الذي نُصب فيه خمس مصائد في محاولة لقتل أكبر عدد ممكن منها.
انعدام في الأمان وخصوصية منتهكة
تتحدث أم محمود عن الواقع اليومي الذي تعيشه وعائلتها: ” نشعر وكأننا نعيش في العراء وتحت أنظار الجميع. نضطر للتحدث بصوت خافت، فلا نوافذ ولا أبواب تحجب صوتنا الذي يتسرب لجيراننا. وفي الليل قلما نغفو بعمق، حيث يحاصرنا الخوف والقلق كل لحظةٍ من اقتحام أحد للمكان غير الآمن، لذا نضطر لوضع بعض قطع (البلوك) خلف الباب المتداعي لتدعيمه”.
ظروف مشابهة تعيشها جارتها التي توصد باب شقتها بوضع قطعة خشبية متينة بينه وبين الجدار المقابل له. وتحدثنا عن معاناة أخرى: ” حوَّل متعهد إكساء البناية إحدى غرف شقتنا إلى مستودع لمواد البناء والإكساء التي أصبحنا نعيش معها. وكل يوم وفي أي وقت يدخل العمال ليأخذوا منها ما يحتاجونه لعملهم فيتطفلوا على أدق تفاصيل حياتنا، لنبقى في حالة دائمة من التوتر وعدم الاسترخاء”.
وفي إحدى غرف شقة أبو خالد مستودع من نوع آخر، وَضع فيه صاحبها الذي يقيم في الأسفل بعض الأثاث والخردة بالإضافة لبرميلين من المازوت.
يقول أبو خالد: “يأتي صاحب الشقة متى يشاء ليضع أو ليأخذ شيئاً من مستودعه. وخلال فصل الشتاء، كان يأتي يومياً لنملأ له غالون مازوت للتدفئة، بينما كنا نحن نعيش بصحبة البرد القارس الذي نقاومه بما توفر من حطب ومواد يمكننا إشعالها”. ويضيف: “كثيراً ما يحضر أصحاب المكاتب العقارية بصحبة زبائن راغبين بشراء منزل، فيتفحصون مكاننا وينتهكون خصوصيتنا ويرموننا بسهام الشفقة والدونية”.
سنوات من الانتظار المرهق مرت عليهم، كانت لهم بيوت تزخر بالألفة والخير والكرم، مازالوا يحلمون بالعودة إليها، بالرغم من أن بعضها قد دُمِّر بالكامل. يُمنّون أنفسهم كل يوم بالنجاة من جحيم تلك الشقق التي تجبرهم على التأقلم السلبي مع ظروف تميتهم كل يوم آلاف المرات وتحدد لهم طريقة حياتهم وسلوكهم الاجتماعي. تسلبهم حريتهم وإنسانيتهم وتزرع بداخلهم آثاراً نفسية مدمرة تقتل عندهم طاقات الحياة وتغلق في وجوههم آلاف الآفاق والأحلام.
بواسطة Haifa Hakim | مايو 7, 2020 | Cost of War, Culture, غير مصنف
صحيح أن الدراما السورية انطلقت وحققت انتشاراً ونجاحاً في السنوات الأخيرة، وخاض العديد من المخرجين السوريين مواضيع جريئة وتبدو للوهلة الأولى متجاوزة للخطوط الحمراء وأولها طبعاً الأجهزة الأمنية في سوريا. لكن ثمة رسالة لكل عمل فني وإبداعي. فأية رسالة أوصلتها تلك الأعمال الدرامية الجريئة والناجحة جداً للجمهور السوري والعربي. سأعطي مثالاً عن مسلسل تم إنتاجه في 2018 (أي بعد الثورة السورية)، وهو مسلسل (ترجمان الأشواق) بطولة ممثلين مبدعين غسان مسعود (الذي مثل في أفلام هوليودية وأصبح نجماً عالمياً) والممثل المبدع عباس النوري. قصة المسلسل تحكي عن سجين سياسي (عباس النوري) هرب من سوريا إلى أميركا وبقي فيها عشرين عاماً، ويأتيه خبر أن ابنته الوحيدة ذات العشرين ربيعاً خُطفت، وهو لا يعرف ابنته لأنه حين هرب من سوريا إلى أميركا كانت طفلة صغيرة. ويبدأ صراعاً شرساً في نفسه حول كيفية العودة إلى سوريا (وهو السجين السياسي الهارب منها) وضرورة عودته للبحث عن ابنته المخطوفة. ويقرر أخيراً العودة إلى دمشق كي يبحث عن الخاطفين لابنته الوحيدة، وما أن يصل إلى دمشق حتى يتم إستدعاؤه إلى أحد الفروع الأمنية، ولا أحد من أسرته (أمه العجوز وأخته وصهره) ولا أصدقاؤه (غسان مسعود الذي يعمل طبيباً جراحاً في المسلسل) وغيرهم من المعارف والأصدقاء، لا أحد يعرف أي فرع مخابراتي استدعى السجين السياسي السابق الذي تبين أنه شيوعي لأن مكتبته تضم كتباً عن لينين. وتبدأ حالة من الهيجان والهستيريا عند كل فرد من أسرة السجين السياسي وعند أصدقائه في الترجي والتذلل لشخصيات ذات مناصب عالية في الدولة ومعظمهم ضباط فقط ليعرفوا في أي فرع من فروع أمن الدولة احتجز إبنهم. حالة مُروعة من القلق الذي يصل حد الذعر تصيب أهل السجين السياسي وهم يبحثون عنه في فروع الأمن. ونجد السجين السياسي وهو مترجم مهم ومؤلف كتب جالساً بكل ذل أمام المحقق في أحد فروع المخابرات يسأله المحقق عن رأيه بما يجري في سوريا، فيلتزم الصمت، ويسأله إن كانت له علاقة بتنظيمات معادية للنظام السوري، ثم يطلب منه أن يكتب على ورقة كل تفاصيل حياته وبالتفصيل الدقيق، فيقول له السجين السياسي السابق: لكنكم تعرفون تفاصيل حياتي تماماً فلماذا أكتبها؟
أكثر من عشر حلقات في بداية المسلسل تصور تسلط الأجهزة الأمنية في حياة السوري والرهاب الذي يحسه تجاهها، لدرجة يصبح موضوع المسلسل ليس بحث الأب عن خاطفي ابنته بل الخوف لدرجة الشلل والذعر من سطوة الأجهزة الأمنية على حياة السوريين، والسيناريو المُتقن والتصوير الآسر لممارسات الأجهزة الأمنية، على مدى أكثر من عشر حلقات نرى أقرباء السجين السياسي وأصدقاءه يدورون مُروعين من مسؤول إلى مسؤول فقط ليعرفوا في أي فرع أمني هو! يحضرني الكثير من المسلسلات التي ناقشت سطوة الأجهزة الأمنية في سوريا مثل مسلسل (غزلان في غابة من الذئاب) للمخرجة المبدعة رشا شربتجي حيث حكت بالتفصيل وبمصداقية عالية عن ممارسات (يعرفها بالتفصيل كل أهالي اللاذقية تحديداً) عن أحد الشخصيات من رأس النظام الذي روع أهل اللاذقية بممارساته السادية المجنونة كأن يطلب من مجموعة رجال كهول وعجائز في مقهى أن ينبطحوا تحت الطاولات ثم يقوم بإطلاق النار في الهواء وهو يضحك ضحكاً هستيرياً، أو يختار أجمل فتيات اللاذقية ليصبحن عشيقاته ويقتحم بيوت أهلهن في منتصف الليل ليطلب لقاء الصبية التي يريدها عشيقة. وأدت ممارساته إلى هرب العديد من العائلات في اللاذقية خارج سوريا خوفاً على بناتها من الجنون والسلطة المطلقة لأحد أهم شخصيات النظام الذي لا يجرؤ أحد على محاسبته. أبدعت المخرجة رشا شربتجي في هذا المسلسل وشعر أهل اللاذقية بالنشوة كما لو أنهم ينتقمون بطريقة ما من السافل المجرم الذي أذلهم والذي اشترى شهادة الحقوق وفتح مكتب محاماة. الكثير من المسلسلات والحلقات التلفزيونية خاصة (بقعة ضوء) وتحديداً الحلقات التي كان يعدها ويكتبها المخرج الوطني الراقي ياسر العظمة الذي أبدع في عرض حلقات ساخرة وجريئة حول ممارسات الأجهزة الأمنية وسطوتها وصلاحياتها المطلقة في الهيمنة على حياة الناس. ولا أنسى في أحد الجلسات التي ضمت العديد من الشخصيات الأدبية والفنية وكان أحد أهم ضباط الأمن في سوريا في الجلسة (لأنه أخ أحد المثقفين)، أذكر أنه اعترف متباهياً أنه كان هو شخصياً من يعذب المعارض عارف دليلة. وكان في الجلسة أحد أهم المثقفين الذين أخرسهم هذا الاعتراف الوقح كأنه صفعة، خاصة أن معظم هؤلاء كان قد سُجن لسنوات طويلة بتهم عديدة كالانتماء إلى رابطة العمل الشيوعي أو غيرها.
السؤال الوحيد الأهم الذي يطرح نفسه: ما تأثير هذه الدراما التلفزيونية السورية الناجحة جداً جماهيرياً وذات الحرفية والفنية العالية والتي تبدو أنها تنتقد بجرأة عالية متجاوزة الخطوط الحمراء والأجهزة الأمنية وسطوتها وكيف يعيش الناس مُروعين من سطوة الأجهزة الأمنية! في الواقع هذه المسلسلات ورغم أنها ساعدت الناس كي تنفس عن آلامها وإحساسها بالظلم والقهر وكأنها كانت صرختها المكبوتة لسنوات طويلة، لكن في حقيقة الأمر فإن كل هذه المسلسلات رسخت في وعي الناس ولا وعيهم حقيقة السلطة المطلقة لأجهزة الأمن، وبأنه لن يحصل أي تغيير على أرض الواقع؛ وبأن الاستبداد يتكاثر؛ وبأن شخصية السادي المجرم (كبطل مسلسل المخرجة رشا شربتجي في مسلسل غابة من الذئاب) قد ناب عنه ما هو أوحش منه وأكثر إجراماً ووحشية، وكان من هرم النظام وفوق القوانين، وهو من خطط لخطف العديد من الشبان الأثرياء وطلب فديه بالملايين عنهم. ودفع أهالي المخطوفين الملايين بصمت وذل ولم يجرؤ أي منهم بتقديم شكوى ضد المجرم مطلق الصلاحيات. وأحد الشبان الأثرياء المخطوفين كان من معارفي وكان في الـ 37 من عمره، وحين حرره المجرم من الخطف بعد أن دفع أهله 60 مليون ليرة سورية للخاطف الخارج عن القانون، زرته لأقول له الحمد لله على سلامتك. وطول ساعة قضيتها عنده في البيت لم ينطق بكلمة واحدة هو وزوجته وكل سؤال كنت أسأله له أو لزوجته كان جوابهما الوحيد: “يكثر خير الله”! أي ذل وذعر يعيشه الإنسان السوري الذي لا يجرؤ أن يقول كلمة واحدة حتى بعد أن دفع الملايين لتحريره من عصابة الخطف التي يقودها شخص لا يجرؤ أي قاضي على محاسبته. وهذا المواطن المسحوق الذي يعرف سلفاً أن لا جدوى من التقدم بشكوى بحق الخاطفين، بل كل ما يمكنه قوله: “يكثر خير الله”.
للأسف هذه الأعمال الدرامية السورية خاصة تلك التي انتقدت بفنية عالية ومصداقية عالية ممارسات وتسلط الأجهزة الأمنية في سوريا على حياة الناس، لم يكن لها أي تأثير على أرض الواقع، فتسلط الأجهزة الأمنية ما زال كما هو، بل أزعم بأن هذه الأعمال الدرامية التي سمحت بشيء من التنفيس وفشة الخلق للمواطن السوري من ممارسات الأجهزة الأمنية فإنها في الواقع رسخت في لاوعيه المزيد من الخوف والذعر من فروع المخابرات مُطلقة الصلاحيات. ولأن لا شيء يتغير على أرض الواقع. بالتأكيد لا أنكر أن الكثير من التنظيمات الإرهابية والسلفية مارسات ممارسات وحشية بحق الشعب السوري وخاصة الناشطين منه وخطفت وقتلت وتوحشت، وأن جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية أوغلت في أعمال الإجرام بحق الشعب السوري وبدعم من دول إقليمية عديدة. لكن ما أردت إلقاء الضوء عليه هو تلك الأعمال الدرامية السورية التي حققت نجاحاً لافتاً وشعبية كبيرة لدى الإنسان السوري المُروع من سطوة الأجهزة الأمنية. فهذه الأعمال تظل كمزهرية للزينة فقط، وسط خراب كبير في سوريا هدم الحجر وكبرياء البشر وإحساسهم بكرامتهم وعزة نفسهم.
وبما أن شهر رمضان الفضيل حل أماناً وفرحاً في نفوس الكثيرين، وبما أن هناك ازدحام كبير في عرض المسلسلات الخاصة برمضان (أي التي تُعرض عرضاً أولياً في رمضان)؛ فقد سمح لي فقر الحياة في سورية والفضول في معرفة الجديد والقديم الذي تعرضه هذه المسلسلات المُخصصة للشهر الفضيل. فقد رُوعت حقاً من التدني الفكري والفني لمعظم هذه المسلسلات وأحب أن أذكر بضع نقاط أساسية فيما يخص الدراما الرمضانية:
أولاً: هناك (وكل سنة في شهر رمضان) ما يُسمى مسلسلات أو دراما النجوم كما لو أن هناك قاعدة أن يكون لكل نجم مسلسل خاص به ويقوم ببطولته (كما لو أنهم يُفصلون بدله للممثل) فمثلاً كل سنة وعلى مدار سنوات من دراما رمضان يجب أن يكون هناك مسلسل بطولة الممثلة يسرى ومسلسل آخر بطولة عادل إمام. ومسلسل أو أكثر بطولة عابد فهد ( لذي كرر عدة أدوار كضابط أمني متوحش حتى حفظ الدور ظهراً عن قلب)، وكذلك الممثل جمال سليمان الذي يجب أن يكون له بطولة مطلقة في مسلسلات رمضان. كذلك في الدراما اللبنانية ثمة ترسيخ لنجوم معينين مثل كارين رزق الله وشوقي أبي شقرا. لا أقلل من القيمة الفنية لهؤلاء المبدعين النجوم لكن صدقاً الناس أصابها الملل منهم، خاصة أن الأدوار تُفصل على شخصيتهم أي يتم إبتكار أحداث وكتابة سيناريو حسب رغبة النجم. وغالباً ما يختارون أن يكون دورهم مثالياً وأخلاقياً كما لو أنهم واعظون ومبشرون للخير والفضيلة. أما مواضيع المسلسلات بشكل عام فهي بحالة قطيعة تامة مع واقع الناس وظروف حياتهم. الكثير من المسلسلات تكون القصة فيها الخيانة الزوجية (مثل مسلسل بردانه أنا اللبناني وأولاد آدم لمكسيم خليل، ومسلسل ليالينا 80 المصري وغيره)، وكأن موضوع الخيانة الزوجية هو أزمة الناس في العالم العربي (الذين – كما أعتقد نسوا الجنس وجنسهم) وأصبحوا لاهثين وراء رغيف الخبز ومهددين بالموت جوعاً. ومن الضروري الإشارة إلى عدة مسلسلات سعودية كُتب عنها كثيراً وحضرت بعض حلقاتها وأنا مذهولة وهي تروج علناً للتطبيع مع إسرائيل. وللأسف لم تتعرض تلك المسلسلات للنقد الجاد بل ثمة تواطؤ على التغاضي عنها. معظم مواضيع هذه المسلسلات هزيلة وغير مقنعة ومُفتعلة وتعتمد على الإطالة وتكرار المشاهد لغاية أن يكمل المسلسل 30 حلقة. لا يوجد مسلس عالج موضوع البطالة في العالم العربي وهجرة الشباب اليائس من إيجاد وظيفة في وطنه ولا ظاهرة انتحار الشباب يأساً (كما حصل في تونس وفي لبنان مثلاً)، ولم يتجرأ أي مسلسل أن يشير بشجاعة وصراحة إلى فساد الطبقة الحاكمة، بل دوماً هناك فاسد كبير وناهب للمال العام وعادة يكون تاجر مخدرات ويتمكن غالباً من شراء براءته برشوة القضاء؛ أما هذا الفاسد فلا أحد يعلم من يدعمه وواضح أن كل الطبقة السياسية تدعمه وفي كل العالم العربي (كلون يعني كلون)، لكن لا أحد يجرؤ على المس بشخص النائب أو الوزير (في كل بلدان العالم العربي) وفضح الـ(كلون يعني كلون). مواضيع رمضان هذا العام تُثير الخجل لضعفها الفني والفكري وانفصالها عن الواقع.
ثانياً: من الضروري أن نشير إلى شكل النجمات أو الممثلات أو تجاوزاً الحسناوات، المبالغة في عمليات التجميل وخاصة نفخ الشفاه والخدود ووشم الحواجب بطريقة معينة حيث يبدو الحاجب كخط عريض بعرض الإصبع معيب، كذلك المبالغة في حقن البوتوكس الذي يشل العضلات فيفقد الوجه قدرته التعبيرية. صدقاً لم أعرف مثلاً الممثلة الجميلة (رواد عليو التي لعبت دور عفوفة في ضيعة ضايعة وكانت جميلة جداً وجمالها طبيعي) بعد أن غيرت كل ملامح وجهها من نفخ شفتين وخدود ووشم حاجبيها. صدقاً لم أعرفها، صارت كما يسمونهم في فرنسا (دمية كولاجين) وغيرها من الممثلات اللاتي أصبحن صورة نمطية واحدة لمفهوم الإثارة والجمال ولا أعرف من يحدده! منظر نيكول سابا الجميلة أساساً أصبح مُنفراً بعد حقن شفتيها، كذلك ملكة جمال لبنان سابقاً نادين نجيم أستغرب لماذا حقنت شفتيها وغيرهن كثيرات. كما أن المبالغة في إظهار المفاتن بالثياب الضيقة جداً والفساتين القصيرة والشورت وغيره غريب عن بيئة مجتمعاتنا المحافظة. واضح أن غاية المنتج والمخرج جذب أكبر عدد من المشاهدة عن طريق إغواء وإغراء المشاهد بالممثلات الحسناوات. أستغرب هذا الاستهتار والخيانة للفن الراقي والمقنع للمشاهد فميريل ستريب الحاصلة على أربع أوسكارات لم تقم بحقن نقطة بوتوكس في وجهها وفي مقابلة معها قالت: “أنا أعبر بملامح وجهي، كل خط في وجهي يعبر”. كذلك صرح جورج كلوني الممثل العالمي أنه ممنوع على الممثل تغيير ملامح وجهه لأنها أداته في إيصال الانفعالات والأحاسيس للمشاهد. بينما نجد نجمات مثل نبيلة عبيد وناديا الجندي وبوسي ويسرى وغيرهن بوجوه من كولاجين، ملامح جامدة ولا يوجد خط واحد في وجوههن المنفوخة وقد فقدن القدرة على التعبير. للأسف سقطت معظم الممثلات الشابات في العالم العربي بفخ التجميل، ما يعكس ضغط المجتمع على النساء وإحساسهن بعدم الثقة بجمالهن لدرجة تشعر فيها أجمل نساء المجتمع على شاشات تلفازنا بالضغط لاجراء عمليات تجميل قد لا تمنحهن الثقة التي حرمهن منها المجتمع.
ثالثاً: وأخيراً يؤسفني وأستغرب لماذا تغيب معظم البرامج الهامة الثقافية والاجتماعية الهامة والراقية والتي تعني حقاً بوجع المواطن في شهر رمضان الحالي! هل ثمة تعارض بين حشد التسلية في شهر رمضان والثقافة الأصيلة الجادة!