لغز  تلاشي عناصر ‘داعش’ و ‘خفافيش الليل’ تلاحقهم

لغز تلاشي عناصر ‘داعش’ و ‘خفافيش الليل’ تلاحقهم

دمشق

حلق عناصر “داعش” ذقونهم وحمل بعضهم بطاقات شخصية مزورة وغادروا مناطق سيطرة التنظيم في اتجاهات متعددة بعد تقدم قوات الحكومة السورية و”قوات سورية الديمقراطية” الكردية – العربية وسط وشمال شرقي سورية واختفى الاف منهم واصبح السؤال: اين اختفى عناصر “داعش؟”

تغيب الارقام الحقيقة حول اعداد عناصر التنظيم ومناصريهم، وهناك تقديرات بان عددهم يصل الى عشرات الاف  ما مكنهم من بسط سيطرتهم على اكثر من نصف سورية منتصف عام 2015 .

ونقل موقع أميركي عن وثيقة صادرة عن أحد أكبر اجهزة المخابرات في الشرق الاوسط في شهر شباط (فبراير) عام ٢٠١٥  أن تنظيم “داعش” يمتلك “جيشا يقدر عدده بنحو ١٨٠ ألف مقاتل، كما أنهم يعملون بقوة على تأسيس تحالف مستدام من المسلحين المتطرفين.” وبحسب الوثيقة، فإن “تعداد الجيش الداعشي يقدر بـ٦ أضعاف توقعات وكالة المخابرات المركزية الأميركية ( سي آي إيه ) والتي توقعت أن جيش داعش يتكون من 20 ألف مقاتل.”

أمير “داعشي” من ابناء محافظة الرقة شمال شرقي سورية، التي أعلنت عاصمة التنظيم، قدر اعداد عناصرهم في “ولاية الرقة” المتداخلة مع ريف حلب الشرقي وريفي دير الزور والحسكة بأكثر من ٢٠ الف عنصر ينتشرون في محافظة الرقة. وينقل احد ابناء محافظة الرقة عن علي موسى الشواخ “ابو لقمان” وهو “والي الرقة”، أن “اعداد عناصر التنظيم في محافظة الرقة تتراوح بين ١٥و٢٥ الف، لكن هذه الارقام متغيرة باعتبار ان التنظيم خاض حروبا في عدة جبهات في ريف حلب وحماة وحمص مع قوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة وتعد الرقة منطقة عبور لعناصر التنظيم.”

ويضيف ابن مدينة الرقة الذي طلب عدم الكشف عن اسمه نقلاً عن “ابو لقمان”: “لدينا عدة معسكرات للتدريب وتخرج منها الاف وهؤلاء فقط من الانصار (السوريين) ناهيك عن المهاجرين (الاجانب) الذين لا اعلم كم هو عددهم.”

ويقدر ابن مدينة الرقة الذي غادرها منتصف شهر نيسان (ابريل) الماضي بعد تقدم “قوات سورية الديمقراطية” وسيطرتها على اغلب اراضي المحافظة “عدد مقاتلي داعش داخل الرقة بانه لا يتجاوز ١٥٠٠ مقاتل وتم نقل اغلب قادة التنظيم وعائلاتهم الى محافظة دير الزور.” ويؤكد ابن مدينة الرقة الذي امضى حوالي ستة اشهر يعيش في ريف الرقة الشمالي ان “الكثير من عناصر التنظيم بل حتى قياديين منهم شاهدتهم يتنقلون ويعيشون في ريف الرقة الشمالي، بعد تسوية اوضاعهم مع قوات سورية الديمقراطية.”

وأصبحت مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” شمال شرقي سورية هي المساحة الاوسع التي اختفى وسطها عناصر تنظيم “داعش” ممن غادروا مناطق التنظيم في محافظتي الرقة ودير الزور والحسكة وريفي حلب وحمص، واصبح الشمال السوري مقراً او جسر عبور الى ريف حلب الشمالي ومنه الى تركيا للانتقال اوروبا وغيرها.

ونفى قيادي في “قوات سورية الديمقراطية” وجود اتفاق مع عناصر تنظيم “داعش” عند بدء العمليات العسكرية لتحرير محافظتي الرقة ودير الزور. واعلنت “قوات سورية الديمقراطية” انها ستنظر بوضع كل من يسلم نفسه لقواتها و “بالفعل هناك المئات من عناصر التنظيم ممن سلموا انفسهم وتم التحقيق معهم ومن لم يثبت عليه انه ارتكب جرائم اخلي سبيله بعد فترة التحقيق.” وأوضح القيادي ان “بعض عناصر داعش لم يتم التحقيق معهم بل اطلق سراحهم فوراً وذلك لتعاونهم مع قواتنا اثناء وجودهم مع داعش من خلال تقديم المعلومات لنا.”

ويضيف القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه: ” قبل اعلان السيطرة على مدينة الرقة في شهر تشرين أول (اكتوبر) الماضي تدخل شيوخ ووجهاء من محافظة الرقة لخروج مسلحي التنظيم والعفو عنهم، لكن البعض لا يزال يتم التحقيق معهم في المقرات الامنية في مدينة الطبقة وسيطلق سراحهم لاحقاً وكذلك من تم اعتقالهم من قبلنا خلال المعارك او بعدها.”

يؤكد عبد اللطيف الحمد، الصحافي في شبكة “فرات بوست” المتخصصة في نقل أخبار المناطق الشرقية من سورية أن “عملية تهريب وهروب عناصر داعش من المناطق التي يسيطرون عليها خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت عندما فتحت قوات سوريا الديمقراطية طريق تهريب عناصر التنظيم وأسرهم إلى مناطقها عبر بادية أبو خشب (٧٠ كلم شمال غربي مدينة دير الزور)، والتي تبعد نحو ١٧ كلم عن نهر الفرات  وعمدت هذه القوات إلى تنسيب بعض مقاتلي التنظيم من الجنسية السورية، بهدف سد النقص العددي الذي تعانيه، إضافة إلى زيادة عدد المكون العربي داخلها، والذي يخضع لقيادتها العسكرية الكردية، بل وعمدت إلى منح بعضهم نفوذاً على المقاتلين العرب داخل “قوات سورية الديمقراطية” ومن بينهم القيادي المعروف باسم أبو خولة والذي عين رئيس مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سورية الديمقراطية.”

اما من طلب مغادرة الشمال السوري، فكانت وجهتم داخل الاراضي السورية او الى تركيا: “بقية المقاتلين المحليين الذين وصلوا إلى أراضي سيطرة قوات سورية الديمقراطية، فقد خرج أغلبهم مع المقاتلين الأجانب من التنظيم إلى تركيا عبر أراضي خاضعة لسيطرة المعارضة السورية في الشمال السوري، ومنهم من توجه إلى مناطق سيطرة داعش أو فصائل مؤيدة له في ريف حماة أو الجنوب السوري مرورا بمناطق سيطرة قوات النظام.”

وحول مصير المقاتلين الاجانب، يقول الحمد: “الطريق الذين اتبعوه للعودة إلى دولهم كان عبر دفع مبالغ مالية كبيرة تصل الى ١٠٠ الف دولار اميركي للعنصر الداعشي ويتم ذلك عبر المتعاملين مع قوات سورية الديمقراطية الذي بدوره يضمن وصوله إلى أشخاص آخرين في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل درع الفرات المدعومة من تركيا، ومنها إلى تركيا، ومن ثم يتم سفرهم بجوازات سفر مزورة أعدت لهم مسبقاً إلى الدولة التي ينتمي إليها كل واحد.”

ويكشف الصحافي في “فرات بوست”: “ان بعض عناصر وقادة التنظيم، اختاروا طريق الوصول إلى كردستان العراق منفذاً للوصول إلى مناطق أخرى من العالم، ولعل من أبرزهم غسان الرحال، المعروف باسم عبد الرحمن التونسي الذي اعلن التنظيم جائزة مالية كبيرة على من يدل مكانه، وسط معلومات تفيد بأنه عميل استخبارات خارجية  وبين الاسماء التي اختفت في شمال سورية القيادي في تنظيم داعش اسامة بن عثمان الملقب أبو زينب التونسي والذي ارتكب جرائم حرب ضد المدنيين في الرقة دير الزور وقبل خروجه وعناصر داعش من مدينة الرقة في صفقة نقل مقاتلي داعش من مدينة الرقة الى دير الزور ثم انتقل الى الشمال السوري واحتفى برفقة زوجته السورية وابنته زينب ويحمل بطاقة شخصية لشقيق زوجته.”

بعض قادة تنظيم الدولة تمكنوا من الخروج من مناطق سيطرته من خلال استعادتهم وسحبهم بواسطة طائرات التحالف التي نفذت اكثر من ٢٠ عملية انزال في مناطق التنظيم في شرق سورية وتحديداً في ريف دير الزور بحسب مصادر، في وقت نفاه هذه المعلومات مسؤولون غربيون. أما من تبقى منهم داخل مناطق خاضعة لـ “داعش”، فقد “اختاروا البادية، والمناطق غير المأهولة بالسكان مركزاً لاختبائهم، وخاصة على الحدود السورية – العراقية الممتدة على مسافات شاسعة، وتشمل ضمنها أراض تتبع إدارياً لمحافظتي دير الزور والحسكة واراضي في بادية الميادين في ريف دير الزور الشرقي .”

الصحافي صهيب الجابر من محافظة دير الزور يقول: “الجميع يسأل إلى أين توجه مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي؟ بعدما تقلص نفوذهم في المنطقة الشرقية من سورية وخسروا غالبية مناطق نفوذهم.” ويؤكد جابر أن “قوات سورية الديمقراطية صدّرت أكثر من ٤٠٠٠ مقاتل من داعش من جنسيات متعددة باتجاه الشمال السوري ليتوافد خلال تلك الفترة العديد من نواب رؤساء الدول والقادة العسكريين والامنيين الأجانب الموجودين في سورية لاسترداد هؤلاء المقاتلين وعوائلهم إلى بلدانهم الأوروبية، بينهم نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي زياد سبسبي الذي اعاد عائلات مقاتلين روس من وحدات حماية الشعب الكردي عبر مطار القامشلي” شمال شرقي سورية.

ويضيف الجابر: “ما لا يعرفه كثيرين أيضاً، أن هؤلاء المقاتلين من داعش عرضوا على قوات التحالف وقوات سورية الديمقراطية الخروج من مدينة الرقة من دون قتال. وكان هذا قبل بداية المعركة التي استمرت أكثر من أربعة أشهر ودمرت خلالها أكثر من ٨٠ في المئة من المدينة وقتل من مدنيوها أكثر من١٨٠٠ شخص، إلا أن قوات التحالف رفضت خروجهم حينها تحت ذريعة القضاء على التنظيم الإرهابي.”

علاوة على الأسماء العديدة لمقاتلي وقادة داعش ممكن التحقوا بصفوف “قوات سورية الديمقراطية” خلال الشهرين الماضيين وعلى امتداد فترة النزاع، ومنهم أحمد الخبيل “ابو خولة” الذي يشغل منصب قائد “المجلس العسكري لدير الزور” والأخوين أحمد ومحمد عبيد العمر اللذان ارتكبا العديد من المجازر عندما كانا بصفوف “داعش” ومنها مجزرة الشعيطات، علاوة على العديد من القادة الذين سهلت “قوات سورية الديمقراطية” مرورهم باتجاه الشمال السوري بعد دفع مبالغ طائلة، ومنهم يوسف المرهون أمير منطقة القائم العراقية والكثيرين غيره.

خفافيش الليل

مسؤول في المكتب الامني لمدينة جرابلس التابع للمعارضة السورية، أكد القاء القبض على العشرات من عناصر تنظيم “داعش” خلال محاولتهم المرور الى ريف حلب الشرقي. ويضيف المسؤول الامني: “لدينا بعض الاسماء والمعلومات من كتائب الجيش الحر في محافظة دير الزور تضم اسماء القياديين في تنظيم داعش ولدى مرور هؤلاء في حواجز مناطق درع الفرات يتم الغاء القبض عليهم ويتواجد عناصر من كتائب المنطقة الشرقية في بعض حواجز جرابلس للتعرف على عناصر داعش الذين يصل بعضهم بوثائق مزورة او بدون وثائق وقد تم القاء القبض على العشرات منهم واعترف البعض منهم بدفع مبالغ مالية كبيرة لعناصر قوات سورية الديمقراطية  لتأمين وصولهم وعائلاتهم الى مناطق درع الفرات للتوجه منها الى تركيا.”

وفي شهر كانون اول (ديسمبر) الماضي اعدمت مجموعة تطلق على نفسها اسم “خفافيش الليل” في مدينتي جرابلس والباب بريف حلب الشرقي عدداً من عناصر تنظيم “داعش”، متورطين بقتل مدنيين في المدينتين خلال فترة سيطرة التنظيم على المنطقة اعوام ٢٠١٤-٢٠١٦. ومجموعة “خفافيش الليل” أعلنت في منشورات وزعت في مدينتي جرابلس والباب انهما يتبعون لـ “الجيش السوري الحر سيصفون أي عنصر من تنظيم الدولة متورط بدماء المدنيين، أو من اعتدى على الجيش الحر.”

ولم تكتفي ملاحقة عناصر “داعش” داخل الاراضي السورية بل تم ملاحقتهم في تركيا من قبل مجموعة من عناصر “الجيش الحر.” ويقول مصدر موثق مقرب من المجموعة: “جميع عناصر المجموعة هم من كتائب الجيش الحر في محافظات الرقة ودير الزور وريف حلب يقوم هؤلاء بملاحقة والبحث عن عناصر داعش الذين وصلوا الى تركيا ويعرف هؤلاء بـقناص داعش  وتم القاء القبض على عشرات من عناصر التنظيم في مدن جنوب تركيا ومنها شانلي اورفا وغازي عنتاب وحتى في ريف تركيا الجنوبي  بينهم قياديون كبار سوريون وعراقيون واجانب .”

ماذا يحدث في ادلب؟

ماذا يحدث في ادلب؟

ماذا يحدث في ادلب؟ وما تأثير ذلك على مناطق خفض التصعيد ومؤتمر الحوار في سوتشي؟ وهل سوف تتأثر العلاقات التركية الروسية بما يحصل حقيقة؟

لاشكّ أنّ التصعيد الأخير في إدلب قد فتح الباب أمام الكثير من التكهنات والاستنتاجات، بعضها، إن لم يكن أغلبها، وصل إلى ترجيح حتمية انهيار التوافق الروسي التركي في سوريا والذي كان قد أعطى مساحة واسعة للحل في سوريا وتهدئةَ للصراع وخاصة في مدينة إدلب ومحيطها. لكن قبل القفز للاستنتاجات لابد لنا من تحليل العلاقات والمصالح والرؤى لكل الأطراف في سوريا وتحديد اتجاهات كل منها، وكيف يمكن أن تتصادم أو تلتقي.

هناك أربع مناطق خفض تصعيد في سوريا، الغوطة الشرقية، مناطق معينة في شمال محافظة حمص، مناطق معيّنة في جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، ومحافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب). لكن التعاطي مع هذه المناطق يختلف بحسب من يسيطر عليها وفقاً للاتفاقيات الموقعة، ففي الغوطة الشرقية وقّع الجانب الروسي اتفاقية خفض تصعيد بشكل مباشر مع جيش الإسلام ومن ثم مع فيلق الرحمن، وهذا اعتراف ضمني بكلا الفصيلين وتحييدهما بحسب التصنيف الروسي عن قائمة الفصائل المصنفة “إرهابية” في سوريا، أمّا في الجنوب السوري فقد تم توقيع الاتفاقية مع الجانب الأمريكي والأردني وليس مع الفصائل المتواجدة هناك، وكذلك الحال في منطقة إدلب ومحيطها، فقد تم إقرار منطقة خفض تصعيد في مفاوضات أستانا بالتوافق بين روسيا وتركيا وإيران وليس مع الفصائل المتواجدة في المنطقة، وهذا يعني بأنّ روسيا في حِلّ من أي اتفاق مع جبهة النصرة أو أحرار الشام أو كتائب نور الدين الزنكي، وتأكيداً لذلك أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنّ محاربة التنظيمات الإرهابيةمثل داعش وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) ستتواصل رغم إقرار هذه المناطق.

بالنسبة إلى تركيا، بعد تبدّد حلم التوسع في سوريا وباقي دول الربيع العربي، لم يتبق لها إلا حماية أمنها القومي من خطر قيام أي كيان أو تنظيم كردي في الشمال السوري وتحت أي مسمى كان، فهذا خط أحمر حقيقي للرئيس رجب طيب أردوغان لن يتغاضى عنه مهما كلف الأمر. رغم أنّ أردوغان قد تعاون مع بوتين لإخراج المعارضة المسلحة من مدينة حلب ولكنه في المقابل دخل بقواته العسكرية إلى مدينة جرابلس وتوسّع في الشمال السوري بحسب اتفاقه مع الحليف الروسي. وبعد نجاح عملية درع الفراتفي طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من منطقة الشمال السوري وإبعاد المقاتلين الأكراد الى شرق نهر الفرات أصبح واضحاً لدى الجميع بأن فصائل المعارضة في الشمال السوري ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا في وجه القوى الكردية المدعومة أمريكياً، وبالتالي لن تتخلى تركيا عن حلفائها من الفصائل السورية المعارضة حتى لصالح روسيا نفسها. صحيح بأنّ جبهة فتح الشام كانت قد عاندت التعامل مع الحكومة التركية في عملية درع الفرات وأصدرت بياناً حول ذلك، لكنها تعلم بأن تركيا قادرة على حمايتها من النار الروسية وقادرة أيضاً على إنهاء وجودها إذا أرادت، وبالتالي لم يكن أمامها سوى الاستسلام طواعية للإرادة التركية. وقد عملت جبهة فتح الشام مؤخراً على تطهير صفوفها عبر اعتقال العناصر المتشددة والأجنبية، خاصة المرتبطة بتنظيم القاعدة الأم، مما أغضب الظواهري الذي خرج متوعداً أبو محمد الجولاني ومؤكداً بأنّ البيعة لا يمكن فكاكهاوقبلها أيضاً شهد تنظيم أحرار الشام حركة انقسام شاقولية بعد خروج المتشددين منها وانضمامهم الى جبهة فتح الشام وركن الآخر في منطقة سهل الغاب في الريف الحموي.
لكن رغم التحفظ التركي، وقبل أيام من نهاية العام ٢٠١٧ أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية أنّ الحرب على الإرهاب مستمرة وتعهّد بالقضاء على تنظيم جبهة النصرة” (جبهة فتح الشام) والجماعات المنضوية تحت زعامتها في سوريا خلال العام المقبل.

أما بالنسبة للحل السياسي في سوريا، فإنّ روسيا كانت ولا تزال تنظر للحل من زاوية واحدة فقط، دعم الحليف الأسد وتهميش المعارضة السورية، ولقد أثمرت سياستها تلك بعد أن عملت على تجميع كافة دول أصدقاء المعارضة وأصدقاء النظام في مجموعة دعم سورياثم الخروج باتفاقية فيينا3 ، ثم اتفاق مناطق خفض التصعيد في أربع مناطق أساسية ومهمة في سوريا وذلك بالتوافق مع تركيا وايران في أستانا، وحالياً التحضير لمؤتمر الحوار في سوتشي والتي تعوّل على نجاحه كثيراً وتعمل على ذلك رغم وجود معارضة تركية واضحة لأي تمثيل كردي في المؤتمر، وهذا يُضعف إمكانية الحل الشاملة التي تنظر إليها روسيا، وبالتالي تجعل الأكراد أكثر التصاقاً بالولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أي روسيا بأنّ وجودها في الشمال السوري غير مبرر بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.

يبدو أن التصعيد الروسي الأخير في إدلب وريفها حمل هاتين الإشكاليتين إلى القيادة الروسية والتركية معاً، فروسيا التي تدعم قوات الجيش السوري في حملته الأخيرة واجهت رداً قوياً ومباغتاً من قوات فيلق الشام وإلى جانبها فصائل جيش إدلب الحر، جيش النخبة والجيش الثاني، وليس من جبهة فتح الشام  أو أحرار الشام أو الزنكي التابعين مباشرة للقيادة التركية، واستطاع فيلق الشام الصغير عدة وعتاداً استعادة جزء كبير من المناطق التي خسرتها المعارضة في ريف ادلب، وهذا  بحسب ما ورد بفضل الكم الكبير من السلاح النوعي التركي المساند.

لا تزال المعارك دائرة في ريف ادلب بشكل ضمني بين رؤية روسيا للحل ومصالح تركيا وأمنها القومي، ومما زاد من تعقيد الموقف أكثر هو إعلان المتحدث باسم التحالف الأمريكي يوم الاحد لوكالة الصحافة الفرنسية عزم بلاده تشكيل قوة حماية الحدودالكردية في الحزام الأمني الذي يمتد من أربيل وحتى البحر المتوسط على طول الحدود السورية التركية، تحت ذريعة منع أي عودة لـ الدولة الإسلامية، ولكن بمقصد أكثر وضوحاً عبرت عنه السيدة فوزة يوسف العضو البارز في مناطق الإدارة الذاتية في تصريح لوكالة رويترز هناك تهديدات من الدولة التركية، أيضاً النظام قام أكثر من مرة بالتصريح بالهجوموأضافت من أجل أن نتجنب أي هجوميجب أن يكون هناك قوة رادعة تقوم بحراسة الحدود التي تفصل بين مناطقنا والمناطق الأخرى …”

قد يعيد هذا التطور الجديد خلط الأوراق مرةً أخرى لتتجه الأنظار نحو تهديد صريح من واشنطن التي تعتزم الابقاء على قاعدتها العسكرية في الشمال السوري تحت حماية كردية، الأمر الذي عارضته روسيا مراراً ودعتها للخروج بقواتها من سوريا بعد زوال خطر الدولة الإسلامية. وتتفق أنقرة مع الموقف الروسي في هذا الشأن حيث ترى في تعزيز القوة الكردية خطراً يهدد أمنها القومي بشكل مباشر وتوعدت بوأده على لسان الرئيس أردوغان الذي أكد أن الجيش التركي على أهبة الاستعداد لعملية عسكرية كبرى، قد تبدأ في عفرين ومنبج شمال سوريا. تفتح هذه التناقضات الجيوسياسية الباب أمام عدة تساؤلات: هل ستستمر معارك إدلب الخفية بين روسيا وتركيا أم أنّ الأنظار ستتجه نحو الخطر المشترك الذي يشكله تواجد القوات الأمريكية ومشروعهم في الشمال السوري والذي قد يؤدي إلى تقسيم سوريا، أم أنّ روسيا تمتلك مفاتيحاً كردية للحل أكد بعضها بأن مستقبل القوات الكردية سيكون ضمن وحدات الجيش السوري بعد إعادة هيكلتها نتيجة لحل سياسي يضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري؟ يصعب التكهن بما تحمله الأشهر القادمة في ظل التغيرات المتسارعة والتنافس الشديد بين من يريد أن يبقى مسيطراً على مناطقه في مثلث المصالح الروسية والأمريكية والتركية في الشمال السوري.

تشظيات

تشظيات

* 1*

اختفى فجأة البحارة الثلاثة الوحيدون، من مركب مهاجرين غير شرعيين، مكتظ بأكثر من 300 شخص، بعد مغادرته السواحل الليبية بحوالي الساعة. يبدو أنهم فروا بقارب صغير مجهز بمحرك، في غفلة من المهاجرين على المركب، وتركوهم في عرض البحر لمصير مجهول، بعد أن دفعوا أجراً عالياً من أجل التوجه بهم إلى سواحل إيطاليا. وسيتوه المركب العتيق، المثقل بركابه، في عرض البحر على غير هدى، في غياب البحارة المرشدين، ولا أحد فيه سوى مهاجرين، لا يدرون ماذا يفعلون، سوى الاتصال بالمجهول عبر الهواتف المحمولة.

كان البحارة الثلاثة جزءاً من شبكة تهريب كبيرة، في أعلى درجات الاحتيال والابتزاز، واستطاع المعلم الكبيرأن يكسب ثقة المسافرين المهاجرين بخبث شديد، فهو لم يقبض أجور السفر العالية الاستثنائية منهم، إلا عند تأكدهم من وجود المركب، وفي لحظة صعودهم إليه. وكان قد وعدهم باقتصارهم على مجموعات من السوريين والفلسطينيين والعراقيين، الهاربين من حروب مناطقهم عبر مصر، وبإنزالهم على الشواطئ الإيطالية مباشرة، بعد رحلة قصيرة، وبوجود ستر نجاة وكميات من طعام ومياه كافية للجميع. لكن سيفاجأ المسافرون بصعود أعداد كبيرة متتالية من الإفريقيين، تجاوزوا بها طاقة المركب بأضعاف. وعندما حاولوا الاعتراض، كانت الأمور قد مضت سريعاً، بحيث وجدوا أنفسهم في عرض البحر، مع ثلاثة من البحارة، الذين ادعوا بعدم معرفتهم بما يحدث، وبأنهم مجرد مهاجرين مثلهم، لكنهم ما لبثوا أن اختفوا تاركين المركب في عرض البحر. وزاد من سوء الوضع الازدحام الشديد على ظهره، مما جعل المسافرين، المختلفين بلغاتهم وجنسياتهم، يتدافعون ويتنازعون على مساحات للجلوس، تُقاس بالسنتيمترات، واكتشافهم متأخرين بعدم وجود ستر نجاة أو أي طعام أو مياه.

حاول بعض الركاب إطلاق نداءات استغاثة عبر هواتفهم المحمولة، إلا أنها كانت دون جدوى، ولم يشاهدوا طوال الوقت أي سفينة شحن عابرة تمر من قربهم، كي تنقذهم. وسرعان ما نفذ في اليوم الأول معظم الطعام والمياه، الذي كان يحمله مصادفة بعض المسافرين، الموعودين بالوصول إلى الشاطئ الإيطالي خلال بضع ساعات. وفي اليوم الثاني، أخذت علائم التعب والجوع والعطش تظهر على الجميع، وتشكلت عصابات صغيرة، أخذت تستولي بالقوة على بقايا الطعام والمياه. في اليوم الثالث، استسلم الجميع لقدرهم، وأخذوا ينهارون الواحد تلو الأخر، وأصيب بعضهم بالإغماء نتيجة الإنهاك والجوع والعطش، دون وجود إمكانية لتقديم أي مساعدة لهم.

كانت حنان من بين المسافرين على المركب، واختارت مع رضيعتها شهد، البالغة من العمر تسعة أشهر، مكاناً في قاعه، بالقرب من المحرك، إذ كان منظر البحر، الذي تركبه لأول مرة، يصيبها بالرهبة والدوار، فيما كان زوجها عمر يتحرك بين القاع والسطح، مستطلعاً الأوضاع باستمرار. لكنها أخذت تشعر بحاجة مستمرة للإقياء، بسبب استنشاقها في القاع خليطاً مقززاً عطناً من روائح الديزل والعفونة القديمة والبول، الذي يفرغه جحيم المسافرين المزدحمين حولها، والضاجين بجنون، فيما لم تنفك صغيرتها عن البكاء، وإبداء علائم الاختناق، مما دفع زوجها عمر الفلسطيني إلى إخراجهما إلى سطح المركب، وبصعوبة وجد لهما مكاناً صغيراً هناك. تقول حنان لعمر، وقد تركت صغيرتها تتلقى الهواء الحار، المثقل بالرطوبة الشمس القاسية ودوار البحر هنا أرحم بكثير من الازدحام المجنون، والروائح العطنة في القاع.” يبتسم عمر لها ابتسامة مرة، ويقول اصبري، بضع ساعات فقط، ونصل إلى إيطاليا، وننتهي من هذه المحنة.”

في نهاية اليوم الأول، انتهت الكمية القليلة من الطعام والمياه لدى حنان وعمر، بما فيها المخصصة للرضيعة شهد، إذ لم يتوقعا أن الأمور ستتطور إلى هذه الأحوال من الضياع، وشعرت حنان أن الحليب يجف في صدرها، وبخاصة مع جوعها وعطشها المستمر. في اليوم الثاني، أخذ عمر يستجدي بعض المياه، وأي طعام يمكن هرسه للصغيرة. وبالطبع، لم يكن لأحد أن يستغني عن طعامه ومياهه بسهولة في هذه الظروف، مما اضطره أن يشتري الجرعات وفتات الطعام، باليورو والدولار، فالنقود لم تعد تعني شيئاً أمام المجهول المرعب، المخيم على الأجواء. في اليوم الثالث، انتهى الطعام والمياه لدى جميع المسافرين على ظهر المركب، احتمل الأب والأم التعب والجوع بعض الشيء، لكن الطفلة الرضيعة شهد توقفت عن البكاء، وأخذت تصيبها حالات غشيان، مما اضطر والدتها أن تعطيها جرعات صغيرة من ماء البحر، رغم معرفتها بملوحته القاتلة، وهي تنظر إلى الآفاق المسدودة في كل الاتجاهات، مثل كل المسافرين في المركب، الذي كانت تتقاذفه الأمواج، بعد انتهاء الوقود فيه، على أمل أن تلوح لهم سفينة عابرة تنقذهم.

* 2 *

تحب حنان بيت والدها، الذي ولدت وعاشت فيه، وهو بالأحرى بيت جدها أبو حمود، زوج خالتي، ذلك البيت الريفي القديم الواسع، الواقع في أحد أحياء البلدة القديمة، الذي مازال يقيم فيه عم وعمتان لها، إلى جانب أهلها. وعندما غادرته بسبب زواجها، تأقلمت بصعوبة مع الشقة الحديثة المرفهة، التي انتقلت إليها في مخيم اليرموك، لكن الحنين إلى ذكرياتها القديمة فيه كان يدفعها لزيارة أهلها أسبوعياً.

 كان يتم الوصول إلى بيت الجد عبر حارة واسعة، تتوزع على جوانبها البيوت الريفية القديمة، المبنية من الحجر والطين، ببواباتها الخشبية العالية، ومصاطبها الطينية عند مداخلها لقضاء الأمسيات الصيفية عليها مع الجيران. وكان بيت الجد واحداً من هذه البيوت القديمة، حيث تنتصب عند مدخله بوابة خشبية عالية، مزينة بزخرفات شرقية، وحدوة حصان معلقة عليها، تيمناً بعودة الغياب المسافرين بعيداً، وطبعات أيدي قديمة، ملوثة بذبائح الأضحيات للحفاظ عليه من الأرواح الشريرة. ويتوسط البوابة باب صغير، ينتهي في الأعلى بقوس، عُلقت عليه قبضة معدنية، على شكل يد تقبض على طابة، يقرع بواسطتها الضيف للإعلان عن قدومه، وما أن يأتيه صوت من الداخل مُرحباً شد الحبلة وادخل، حتى يشد المزلاج الداخلي المربوط بحبلة معقودة الطرف في الخارج، ويدلف إلى البيت عبر ممر مسقوف. أما البوابة الكبيرة، فقد كانت تُفتح بالكامل قديماً عند إدخال المحاصيل الزراعية المحملة على الحمير والبغال إلى مستودعاتها في الداخل. ومع أن هذه العادة انتهت بتغير الزمان والأحوال، لكن البوابة الكبيرة بقيت منتصبة ذكرى لتلك الأيام، لا يُستخدم منها إلا الباب الصغير، الذي يتوسطها، من أجل الدخول.

تتوسط بيت الجد أبو حمودفسحة كبيرة واسعة، شبه مستطيلة، هي فناء البيت، تحيط بها الغرف، المتوزعة على جوانبها، بأبوابها، ونوافذها الخشبية، التي يغطيها شبك المناخل الناعم لدرء الحشرات، وبمصاطب صغيرة للجلوس أمامها، تُفرد عليها الحصائر والبسط والمخدات للتمدد عند العصريات. وتنتشر على الجوانب أحواض زهور، ياسمين معرش على الجدران، والجوري والنرجس والأقحوان والزنبق والقرنفل والشكرية والمنثور، تُشعل أجواء البيت بكرنفالات ألوان، تُدهش الأبصار، وبمويجات عبق، تُسكر الأرواح. وفي أحد الأطراف، تنهض شجيرات برتقال، وليمون، ونارنج، وعرائش تمتد أغصانها عالياً فوق صقالة خشبية لتغطي الفناء كله، فتمنحه في الصيف الظلال، وهي تتثاقل بعناقيد العنب الزيني والحلواني. وفي طرف الباحة، تنهض بئر يحميها جدار دائري، يعلوه دولاب بمقابض، يتدلى منه جنزير، كي يرفع دلواً جلدياً أسود من عمقها، عند نضح الماء.

لم يتغير شكل بيت الجد كثيراً بعد وفاته، سوى تحويل الفناء من أرضية متربة إلى باحة إسمنتية، بأحواض ذات أطراف حجرية، واستبدال صقائل العرائش الخشبية بمعدنية، وتم رفع دعامات إسمنتية في أطراف الغرف من أجل التوسع ببناء غرف طابق ثاني، أخذ يستقل بها الأبناء المتزوجون مع عائلاتهم، فتم الاستغناء عن المدحلة الحجرية البيضاء القديمة، التي كان يتم بواسطتها دحل السطح الترابي القديم في أيام المطر، ورُكنت كذكرى في أحد جوانب الفناء، وأُغلق البئر، عندما وصلت التمديدات المائية إلى البيوت. لكن البوابة الكبيرة بقيت شاهداً على صمودها عبر الزمن، كما بقيت المطرقة المعدنية، التي تم الاستغناء عن استخدامها بوجود جرس كهربائي.

ليست فقط حنان هي التي تشعر بحنين إلى بيت الجد أبو حمود، الذي قضت فيه طفولتها ويفاعتها، بل وتتفجر فيه ذكريات طفولتي المبثوثة في جنباته، أنا أيضاً، قبل ولادتها بثلاثين عاماُ من عمرها، تتصاعد منها روائح لفافات الزيت والزعتر بالخبز الرقيق الساخن، الذي كانت تخبزه خالتي أم حمودفي تنور الحارة. وقد شهدتُ فيه أعراس معظم أولاد خالتي، الذين بلغ عددهم ثلاثة عشر ابناً وابنة، عندما كان يحضر الأقارب والجيران إليه دون دعوة، ويرقص الشباب والصبايا معاً حتى مطلع الفجر على إيقاع الدربكة والأغاني الشعبية. وأذكر ذات عرس في ستينيات القرن الماضي، كيف نهض جار من وهو عسكري من الساحل، مستأجر غرفة في الحارة، ورقص ببذلته العسكرية رقصة رجال حلوة مع زوجته الصغيرة الخجولة، وأتبعها برقصة مقلداً فيها النساء، وسط حماس المصفقين، فملأ العرس بالبهجة والحبور. وأتذكر أن ابنة خالتي الكبيرة فاطمة الحلوة، أول معلمة في البلدة، تتخرج من معهد خاص لإعداد المدرسين، استقلت بشخصيتها، وقد أصبح لها راتب شهري من الدولة، فاشترت للبيت واحداً من أوائل أجهزة التلفزيون بالأبيض والأسود، تضعه صيفاً في الفناء، وشتاء في الغرفة الكبيرة، وأخذ عندئذ الأقارب والجيران والمعارف يزحفون إلى بيت خالتي في الأمسيات لمشاهدة مسلسلات المحطة الوحيدة للتلفزيون السوري، وببعض التحايل على اللاقط المرتفع على السطح،  محطة التلفزيون اللبناني.

* 3  *

عندما فك العسكر الحصار عن البلدة، وانسحبت المدرعات منها، سمح الحاجز العسكري للأهالي المنتظرين عند مدخلها الرئيسي بالعبور إليها، وقد هبط المساء. ووصلت حنان إلى حارة أهلها مع والدة زوجها وأخته بواسطة سيارة عابرة، بدا سائقها حزيناً، زائغ النظرات، وبقي صامتاً طوال الطريق، وقد هالها منظر الشوارع شبه الفارغة من الناس، والمحلات التجارية المغلقة، وأكياس النايلون يتلاعب بها الهواء. كان أخوها الكبير مصعب ينتظرها عند مدخل الحارة، فشعرت بالاضطراب لرؤيته ممتقع الوجه، وهو يتناول الطفلة المتعبة منها، وسرعان ما لمحت تصاعد الدخان من الحارة، فسارعت إلى سؤال أخيها بلوعة ماذا حدث؟ هل أهلي جميعهم بخير؟.”

يرد عليها جميعهم بخير، لا تقلقي

عاودت السؤال، وهي تسرع إلى البيت ووالدي ووالدتي وأخي الصغير، وعمي وعماتي؟ بخير؟ لماذا أنت ممتقع الوجه؟.”

قلت لك جميعهم بخير، كانت لدينا حملة مداهمة شديدة اليوم، خربوا بيتنا قليلاً.”

ماذا يعني قليلاً؟ وهذا الدخان، من أين يتصاعد؟.”

من بيت جارنا أبو خيرو، ألقى العسكر متفجرة في البئر، الذي يسقون حديقتهم منه، انفجرت في قعره بصوت عميق مكتوم، لكن الأرض اهتزت حوله كزلزال، وردمه التراب. قالوا إن فيه أنفاقاً تقود إلى خارج البلدة، يتسلل منها الإرهابيونمع أسلحتهم. ثم أحضروا بلدوزراً، وهدموا البيت الجميل، وأشعلوا النيران في أخشابه القديمة الجميلة، أمام أعين الوالد والوالدة والبنات المرعوبين، اللذين كانوا يصرخون باكين، ولم يسمحوا بحضور سيارة إطفاء البلدية. قال الضابط المتغطرس، الذي أعطى الأمر بهدمه وإحراقه، أن أولاد أبو خيرو إرهابيون، يحملون السلاح ضد الدولة. وبعد ذهاب العسكر، قمنا نحن والجيران بإطفاء النيران حتى لا تمتد إلى البيوت المجاورة، وبالكاد استطعنا إنقاذ بعض الأثاث.”

لم أسمع بحياتي بأنفاق في آبار حارتنا، فهي لا تكاد تتسع لنضح المياه بالدلاء، من أين للعسكر هذه المخيلة؟ وأولاد أبو خيرو، أين هم؟.”

التجؤوا إلى الحقول، هرباً من الاعتقال العشوائي، صحيح أنهم كانوا يقودون المظاهرات بالهتافات، إلا أنهم لم يحملوا السلاح أبداً. تعرفينهم كم هم شرسون، هم أبناء الحقول والريح، لا يرضون بأن يهينهم أحد، فكيف بإحراق بيت ذكرياتهم، سيحملون السلاح الآن، بعد أن كانوا يرفضون ذلك، وسيغتالون بالتأكيد المخبرين السريينفي حاراتنا القديمة، هؤلاء الذين جاؤوا بلاء للناس…… وهدم العسكر الكثير من البيوت في الأحياء القديمة حولنا، بدعوى أنها فارغة من أهاليها الإرهابيين، الذين هربوا من المداهمات والاعتقالات، كلها بيوت قديمة جميلة، مثل بيتنا، يا خسارة.”

مرت حنان أمام بيت أبو خيرو، الذي أصر أولاده على الحفاظ على بنائه من الحجر والطين بالترميم المستمر، وبنوا إلى جانبه، في فسحة الحديقة الواسعة، غرفاً إسمنتية، لكنهم لم يستغنوا عن الغرف القديمة. تحسرت حنان، وهي تشاهد البيت القديم الآن دون سقف، وقد تهدمت جدرانه، وسقطت عوارضه الخشبية المحترقة على أثاث الغرف، وانهال معها التراب والحجارة، واتشح كل شيء بسواد الدخان. امتلأ في أحد الزوايا سرير بأكوام من الأنقاض، ظهر من طرفها شرشف أبيض، أصبح الآن مسوداً ومغبراً، وانكشفت رفوف كتبية في جدار لم يسقط بكامله، فيها بقية صحون قديمة مكسرة، ومزهرية، مازالت فيها ورود جوري زهرية اللون، إنما ذابلة، وزحف ناربيج نارجيلة من تحت الركام، فيما تلاعب النسيمات أوراق دفاتر مدرسية، تمزقت الكلمات عليها. وفي غرفة المؤونة، تناثرت الخوابي الفخارية المحطمة، وانساحت محتوياتها من العدس والبرغل والكشك على الأرض، واختلطت بالتراب. وبين الأنقاض، تناثرت هنا وهناك حطام خزانة، فيها بعض ألعاب أطفال، وطاولة طعام عليها كسرات خبز وصحن فارغ وكؤوس شاي مغبرة، وبقايا ملابس محترقة، تم استخدامها لإذكاء النار. وعلى بقايا جدار، مازالت صورة أبو خيرو، وأم خيروبالأسود والأبيض، ذكرى يوم الزفاف، وإلى جانبها صورة البلدة، وفي خلفيتها جبل الشيخمكللاً رأسه بثلج الشتاء.

قالت لها والدتها الحزينة، وهو تعانقها، والدموع تبلل وجهها قلبوا الأثاث رأساً على عقب في بيتنا، وهم يصرخون أين السلاح؟“.

قال أخوها مصعب دخل عسكر إلى غرفة الجلوس، وفتشوا بلامبالاة، فقط لأن شبيحاًكان يرافقهم، وعندما خرجوا منها، ربّت أحدهم بهدوء على كتفي، وهمس متمتماً عليك بالصبر، فعلى الأغلب يعاني أهلي مثلكم في قرانا.”

قالت العمة قلبوا أصص زهور الفناء، التي أعتني بها دائماً.”

يردف الأب المريض بحسرة لكن الشبيحةهم الحقيرون، لم يكونوا يفتشون، بل كانوا يخربون بحقد، وهم يقلبون الأثاث، فيما حمل أحدهم دفتراً، وأخذ يُسجل بدقة عدد الغرف، وعدد المقيمين في البيت، ومن  الغائب منهم، وفعلوا هذا في كل البيوت. غريب، كأنهم سيقتسمون بيوتنا، ونحن مازلنا فيها.”

يتصل عمر بحنان على الهاتف المحمول في هذه اللحظات، قائلاً ” “مخيم اليرموكأصبح مغلقاً بالكامل، لا يمكن الدخول إليه أو الخروج منه، الجيد أنك خرجت مع أهلي. سقطت قذيفة على بنايتنا في المخيم، فاشتعلت النيران في الشقق، ومن بينها شقتنا. هل تستطيع والدتي وأختي البقاء عند أهلك لبضعة أيام؟ لن أغادر الآن المستشفى، لدينا ضغط عمليات جراحية خطيرة، امتلأت الأروقة بمدنيين مصابين بشظايا قذائف هاون، تسقط بجنون على دمشق.”

بعد عدة أيام يتصل عمر بحنان ستقيم والدتي وأختي مع أخي في شقته بـمشروع دمر، الوضع هناك آمن. لم يعد من الممكن الاستمرار في الحياة هنا، بكل هذا الجنون، وأبلغني أصدقاء أنني كفلسطيني مطلوب لخدمة الاحتياط في جيش التحرير الفلسطيني.” لذلك، سنهاجر إلى ألمانيا عبر مصر، فليبيا، ومنها عبر البحر إلى أوروبا. أنا طبيب جراح، وأنت مهندسة معمارية، لم يبق لنا شيء هنا، وسنجد عملاً كريماً وأماناً هناك، جهزي نفسك أنت وشهد، وودعي أهلك.”

في يوم خروج حنان للمرة الأخيرة من بيت جدها، نظرت طويلاً إلى ورود الفناء، والمدحلة الحجرية المركونة جانباً، والبوابة الكبيرة، وحدوة الحصان، وبكت بصمت. تذكرت أنها عندما خرجت من مخيم اليرموك، لم تستطع أن تلقي نظرة أخيرة على شقتها، تركت هناك ذكريات سنتين من زواجها، وتحسرت بتنهيدة طويلة، وتمنت لو استطاعت فقط إنقاذ ألبومات الصور, كي تحمل معها شيئاً مادياً من ذكريات روحها. وفي أثناء مرورها في الحارة، توقفت طويلاً أمام بيت أبو خيروالمهدم، كان الوالدان العجوزان يجلسان على مصطبة البيت، يستمتعان بشمس الصباح، ويشربان الشاي، فهما لن يغادرانه إلى أي مكان.

* 4  *

يمر اليوم الثالث، وسفينة المهاجرين غير الشرعيين مازالت تائهة في البحر، دون بحارة، دون وقود، تتلاعب بها الأمواج، وقد بلغ الجوع والعطش أشدهما لدى ركابها، بعد نفاذ الطعام والمياه لديهم منذ اليوم الثاني، ولم يبق شيء منهما لسرقته من قبل أفراد العصابات المتشكلة على ظهرها، واستسلم الجميع لقدرهم، ناهبون ومنهوبون، في تلك اللحظات الضيقة بين الحياة والموت. وازدادت حالات الإغماء، دون وجود إمكانية لإنقاذ المصابين، سوى غسل وجوههم بمياه البحر المالحة. وفي هذه الأثناء، كانت مياه البحر قد أخذت تتسرب ببطء إلى قاع المركب، من شقوق الأخشاب البالية المهترئة في طرفه الأيمن، ولم يكن بالمستطاع فعل شيء، سوى انتظار الغرق، إلا إذا ظهرت سفينة تنقذ ركابه في اللحظات الأخيرة.

كانت حنان تجلس في ظل صاري السفينة، ورضيعتها شهد في حضنها، تتحايل بظله على الشمس، تعيش هلوسات الجوع والعطش والإنهاك، ولم تعد تدرك شيئاً مما  يحدث حولها، وقد تحجرت الدموع في عينيها. كانت قد تركت أحد ثدييها مرخياً في العراء، قرب وجه شهد، التي لم تعد تلتقطه، في شبه غياب عن الحياة، وقد ازرقت شفتاها الرقيقتان، وتقشرتا، بعد أن سقاها والدها عمر بعضاً من مياه البحر، عله يمد في عمرها قليلاً. أما هو، فقد استسلم للقدر، بعد محاولات شراء فاشلة لقطرات مياه، ولقيمات طعام، بأغلى الأسعار، إذ نفذ كل شيء من على ظهر السفينة، حتى مع مجموعات العصابات. لقد دفع الكثير من المال، كي يؤمن سفراً أمناً ومريحاً لعائلته، هارباً من الموت في البلاد، لكن لم يتوقع بكل خبرته في الحياة أن يقع ضحية مهربين بدرجة عالية من الاحتيال، فيقع من جديد بين براثن الموت.

وفجأة، عند عصر اليوم الثالث، أطلق أحد الركاب بصوت مخنوق كلاماً غير مفهوم عن سفينة تلوح في الأفق، لم يلتف إليه أحد ممن حوله بالعيون نصف المغمضة، المستسلمة لتأرجحات وهدهدات الموت على الأمواج. صرخ أثنان، ثلاثة، إنها سفينة، فحدث هرج ومرج بين شبه الموتى على ظهر المركب، وانتقل بينهم بمويجات همهمات، ونهض أولئك ممن يستطيعون الوقوف، غير مصدقين، وأخذوا يلوحون بالأيدي والملابس. تساءل عمر، هل تم أخيراً التقاط  نداء استغاثة من أحد الهواتف المحمولة للركاب، أم أنها سفينة مارة بالصدفةلا يهم، فهي  قادمة لإنقاذنا، وقد تنجو حنان وشهد، اللتان شارفتا على الهلاك، هذا إذا لم تكن شهد قد لفظت الأنفاس.

كانت سفينة شحن مالطية، تمضي في خط سيرها الاعتيادي، عندما لاحظ بحارتها من بعيد الوضع المتأزم لمركب يتأرجح بين الأمواج. عاين قبطانها الوضع بمنظاره، وشاهد مركباً خشبياً متهالكاً، محشواً بالناس نصف الأموات، وعرف أنه يقل مهاجرين غير شرعيين، مرميين في البحر من قبل عصابات التهريب. توجه بالسفينة نحوهم لإنقاذهم، متوقعاً حدوث كارثة في أي حركة مفاجئة غير طبيعية منهم على ظهر مركبهم، فأمسك مكبر صوت، طالباً منهم باللغة الإنكليزية الهدوء وعدم الحركة، لكن من كان في تلك اللحظات يفهمه، أو حتى يسمعه. وحدث ما توقع القبطان، فما أن عرف الركاب الثلاثمائة أن السفينة المنقذة قادمة إليهم، حتى تدافعوا متجهين بكتلتهم كلها إلى طرف المركب المتهالك المقابل لها، دون أن يدركوا بأنه أخذ يميل شيئاً فشيئاً مع ثقلهم المفاجئ. وسرعان ما انقلب المركب على جانبه في لحظات، وأفرغ بدفعة واحدة معظم حمولته من البشر في مياه البحر، فتبعثروا هنا وهناك بين الأمواج، التي أخذت تصعد بهم وتهبط، وتذهب بهم بعيداً، وهم يخبطون بأيديهم ضربات عشوائية مجنونة يائسة، إذ تبين أن معظمهم لا يعرف السباحة، ولا أحد لديه سترة نجاة. في حين حاول البعض في لحظة الانقلاب التعلق بأي عارضة يتمسك بها، فيتأرجح جسده قليلاً في الهواء، ثم لا يلبث أن تخذله قواه، ويسقط في المياه. واستطاع بعض المتأرجحين تسلق الظهر المنقلب للمركب، لكن ما الفائدة، وقد أخذ يغوص ببطء في المياه.

لم تقوَ حنان، شبه فاقدة الوعي، على الحراك، والناس يتدافعون حولها، ثم مروا من فوقها، غير آبهين بها. وبدلاً من أن تنهض، أو تبحث عن شيء تتمسك به، تشبثت أكثر برضيعتها شهد، تشدها إلى صدرها، وألصقت ظهرها إلى الصاري أكثر حتى لا يأخذها الزحام. ولم تدر إلا والمركب أخذ يميل بها، وإذا بها تتدحرج على سطحه مع كتل من الناس، وتسقط  فجأة لتصطدم بالمياه، التي أعادتها إلى بعض من وعيها، فزادها هذا من تمسكها بطفلتها. حدث هذا في ثوان غريبة سريعة، دون أن تدرك ما حدث لها، فإذا بها في مياه البحر، الذي تخاف حتى من مرآه، فأصابها جنون غريب، وأخذت تنادي زوجها باكية.

أما عمر، الذي استطاع في اللحظة الأخيرة التمسك مصادفة بحلقة حديدية، في لحظة الانقلاب، فقد بقي معلقاً في الهواء، يحاول التسلق إلى طرف المركب، كي يعلوه، ليعي نفسه فجأة، ويدرك أن زوجته وطفلته سقطتا في المياه. بحث عنهما بعينيه بين الجموع المتخبطة اليائسة في المياه، وقد بلغ به الهلع أشده، فلم يستطع أن يشاهدهما، لكنه أحس بمكانهما بقلبه، فقفز إلى المياه وراءهما كالمجنون، وأندفع يسبح نحوهما. كان عمر قد مر بدورة قاسية من التدريب العسكري، في أثناء خدمته الإلزامية في جيش التحرير الفلسطيني، جعلت مهاراته في السباحة تزداد، لكن كان ذلك في حوض سباحة مريح، وأحياناً في بحيرة صغيرة، إنما ليس في بحر متلاطم الأمواج، وفي حالة من الهلع والارتباك. وسرعان ما وجد زوجته في وضع يائس، وهي تصارع الأمواج بيدها اليمنى، فيما تشد باليسرى رضيعتها إلى صدرها. كانت تحاول أن تطفو بصعوبة، إنما كان يعرف أن مهاراتها في العوم لم تكن تتجاوز القفز في مسبح صالة الجلاءفي دمشق، حيث كانت تقضي أيام العطل صيفاً معه، وأنها كانت تفضل البقاء معظم الوقت مسترخية في الظلال، بدلاً من السباحة، إذ لم تتوقع أنها ستواجه البحر ذات اليوم في حياتها الأمنة.

صدمت الكارثة السريعة بحارة السفينة المُنقذة، الذين لم يتوقعوا أنها ستصل إلى هذه الدرجة من السوء، وهم يشاهدون من بعيد المركب المتهالك ينقلب بركابه اليائسين في الماء، دون أن تنفع تنبيهاتهم لهم بالهدوء. وما أن وصلوا إلى مكان الكارثة حتى رموا بكل ما لديهم من سترات نجاة للغارقين، واتبعوها بقوارب إنقاذ مطاطية فارغة، ثم نزل بعضاً منهم في قوارب ذات محرك، وأخذوا يصارعون بكل قواهم لإنقاذ ما يستطيعون من الأحياء، يسابقون الزمن ضد الأمواج، التي كانت تبعثرهم في كل الاتجاهات، ثم ما تلبث أن تبتلعهم، ولم يعودوا يميزون الأحياء من الأموات.

وفيما كان عمر يسبح باتجاه زوجته وطفلته، تعلق به أحد الغرقى اليائسين، الذين لا يعرفون السباحة، وأخذ يعيق حركة يديه وقدميه، ويشده معه نحو الأعماق. وبصعوبة تخلص من الغريق اليائس، وشهد بعينيه كيف ابتلعه البحر أمام عينيه، دون أن يستطيع فعل أي شيء له. اقترب من زوجته، التي تكاد تستسلم للموت، وهي تشد إلى صدرها الطفلة، التي شعر أنها فقدت الحياة، ولاحظ أن وجودها يمنع حنان من السباحة بكلتا يديها، وستغرقها إن لم تفلتها. كان بحاجة، هو وحنان، إلى ما تبقى من طاقتهما المتداعية للصمود في وجه الأمواج، التي أخذت تلقي بهم بعيداً عن القوارب المنقذة.

صرخ عمر بحنان اتركي شهد، دعيها، ذهبت إلى رحمة الله، واسبحي أنت بكلتا يديك“.

لكن حنان ازدادت تشبثاً بشهد، وتمتمت لا ، إنها حية، لن أفلتها.”

يصرخ من جديد يائساً إنها ميتة منذ أن كانت على ظهر المركب، لا فائدة يا حنان، ستغرقين معها.”

لا ترد حنان، تضعف حركة يدها اليمنى، التي تطفو بها، وقد بلغ الإنهاك بها درجة جعلها تفقد قواها بالكامل، وغابت عن الوعي. أقترب عمر من خلفها، أمسك بها بيده اليسرى من سترتها عند رقبتها، وحاول أن يطفو بيده اليمنى. نظر حوله، فشاهد من بعيد قارب بحارة يحاول إنقاذ الأحياء، صرخ منادياً، لم يخرج صوت من فمه. تذكر أنه كان ينبغي شراء سترات نجاة، وصفارة بحر لمثل هذه الحالات، لكن المعلموعده بأن كل احتياجات النجاة موجودة على المركب، وما هي إلا بضع ساعات، ويصل إلى شواطئ إيطاليا. وما أن حاول عمر التلويح بيديه لبحارة القارب حتى أفلتت يده حنان، وأخذت تغوص، فلحق بها من جديد ليمسك بها، وينتشلها، ويحاول أن يطفو بها. وعاد من جديد يلوح بيده إلى القارب، الذي أخذ يبتعد عنهم، فتفلت حنان منه. ومع أنه استنزف آخر قواه بالكامل، إلا أن صوتاً خرج من حلقه يائساً، وأطلق صرخته الأخيرة.

* 5  *

لماذا كل ما حولي أزرق، صاف، جميل، شفاف، أرى عبره كل الأشياء، آه، أنا أغطس في ماء أزرق صاف، غريب، وأتنفسه مثل سمكة، وابنتي شهد الرائعة أيضاً تتنفسه مثل سمكة. تبتسم شهد، وهي تمضي معي في نزهة تحت الماء، مسرورة لأنها أصبحت سمكة، مثل تلك، التي كانت تراقبها في الوعاء الزجاجي على طاولة في غرفتها، وأنا أيضاً أصبحت سمكة. ربما أنا وشهد تحولنا إلى حوريات بحر، ونعيش في عالم بحري، مثل اللواتي كانت تقرأ لي عمتي قصصهن في كتاب أطفال ملون، عندما كنت صغيرة. ستكون الحياة حلوة هنا، في عالم دون حرائق وانفجارات، والركض هرباً منها في الطرقات، الماء يطفئها، الماء حياة. لماذا نسيت أن أحضر معي من شقتي في المخيم ألبوم صور زواجنا، وصور شهد، وهي تطلق أولى الضحكات، وتحبو، وتغمز بعينيها. عندما تكبر هنا في عالم الماء، كيف ستتذكر طفولتها، مع أنه كان هناك متسع للألبومات في صندوق الشاحنة الفارغة، التي أقلتني إلى بيت جدي. ربما أحضرتها، قبل أن تحترق شقتنا، إلى بيت أهلي، وأنقذتها من بين جميع الأشياء، التي ستحترق بقذيفة. آه، تذكرت، أحضرتها إلى بيت جدي، لكني نسيتها في حضن والدتي. كنا نجلس معاً في الفناء، أنا ووالدتي ووالدي وأخواي، تحت ظلال العريشة، يغمرنا أريج الياسمين، المعرش على جدار بيت جدي، وكنا نتفرج على صور الألبومات. وكان هناك ماء أزرق شفاف يغمرنا، ونحن نتفرج عليها، ماء يغمر فناء بيت جدي، ويعلوه بأمتار، يتجاوز أسطح غرف الطابق الثاني، وكنا نحن جميعاً نتنفس الماء، مثل الأسماك، ونبتسم في الماء لشهد، وهي تقلب الألبومات معنا، وهي تتنقل بيننا. منذ متى أصبحت شهد تمشي، يسرقني الزمن، دون أن أدري. شهد تفتح الباب الخارجي في بيت جدي، تشد المزلاج المربوط بحبلة إلى الخارج، متى أعاد أبي تركيبه مع أنه وضع جرساً كهربائياً. شهد تتطاول إلى مطرقة الباب تتلهى بها، وعندما أفتحه لها، تركض ضاحكة أمامي في الحارة. إلى أين تذهبين يا شهد؟ وألحقها، أسمع صوت عرس في الجوار، إيقاع دربكة، وأكفاً تصفق، وأصوت غناء، تصدر جميعها من بيت الجد أبو خيرو“. أقترب من البيت، الشباب أبناؤه يتزوجون اليوم دفعة واحدة، هو عرسهم، ويرقصون فرحين في قلب النار مع عرائسهم الحلوات، لكن بين جدران مهدمة، متشحة بالأحمر، وقد علقوا بنادقهم عليها. غريب من هدم لهم الدار الحلوة، وأحرق خشبها المزين بالزخارف الملونة، النار تحرق الأخشاب الحلوة، كي يرقصوا حولها. لكن لماذا لا تنطفئ النار، والماء يغمر كل البيت، أزرق، صافي، شفاف، ألسنة النيران تتراقص في عالم من الماء، والجد أبو خيرووالجدة أم خيروتركا العرس، وراحا يشربان القهوة على المصطبة الطينية أمام البيت، يشربان قهوة في عالم الماء، وأنا أشم رائحة القهوة. لماذا يا عمر تشدني، أنت عدت متعباً من المشفى، تقول لي إنك تريد شرب القهوة معي، تعال أنت واشربها معي هنا، أنا وشهد مسرورتان في عالم الماء، نحن الآن حوريات بحر، وشجرة ياسمين تعرش حولنا في الماء، وأريجها يفوح في الماء. لماذا تصر أن تشدني لعندك إلى الأعلى؟ دائماً أنت صعب المراس، لا أستطيع أن أقنعك بآرائي إلا بصعوبة، لماذا تشدني يا عمر، أنا مسترخية هنا، وأرغب أن أنام طويلاً، مسرورة هنا، أنا وشهد، وسننام، لماذا توترنا، وتشدنا إلى الأعلى، تشدنا نحو الهواء، أنت تعرف أننا أصبحنا نختنق في الهواء، لا نحب الهواء، نختنق فيه.

أين أنت يا شهد، أين أنت يا عمر، لماذا كل ما حولي أبيض، سرير أبيض، شراشف بيض، غمامات بيضاء في الغرفة، همسات بيض، وأشباح بيض تتحرك حولي، كل شيء أبيض، يغمرني الأبيض، أتنفس الأبيض بدلاً من الماء. لا أفهم ماذا حدث، متى غادرت عالم الماء الأزرق الشفاف، وانتقلت إلى عالم أبيض، أتنفس فيه هواء، هواء أبيض. أين أنت يا شهد، لماذا أنت تبكين يا صغيرتي، أسمع صوتك بوضوح غريب، هناك يدان تقتربان بك مني، يدان بيضاوان، أفتح ذراعي، وأتلقاك على صدري، لماذا تبكين يا شهد، يا حبيبتي، كأنك تبحثين عن ثديي. أنت دافئة شهد، تتنفسين، وتمتصين حلمة ثديي، أنت حية يا شهد، الله يسامحك يا عمر، كيف تقول لي أنها ذهبت إلى رحمة الله، شهد حية يا عمر.

نجوت أنت وابنتك بأعجوبة، وزوجك حي أيضاً، أنتم في مستشفى، في مالطا، أنتم محظوظون، فقد غرق معظم المسافرين في مركبكم، الذي انقلب في البحر، والقليل منهم من نجاتقول ممرضة لحنان بلغة إنكليزية، وبلهجة ودودة.

**نص بُني على شهادات حية حول المآسي التي تعرض لها السوريون الذين حاولوا الهرب في قوارب الموت إلى أوربا، وقد تمت صياغتها أدبياً، وستكون الأساس لرواية جديدة يعمل عليها المؤلف.
Syrian City’s Survivors Describe Three Years of Siege Under the Islamic State

Syrian City’s Survivors Describe Three Years of Siege Under the Islamic State

“TWELVE-YEAR-OLD MUSTAFA GRINNED as he bit into an apple, munching away excitedly. Only a month ago, he sunk his teeth into a piece of fresh fruit for the first time in three years. Mustafa, along with his family, survived a siege.

Mustafa’s mother, Sara, her face gaunt like that of her teenage daughter, described how they made it. “We would have to buy tomato paste by the gram,” said Sara, whose family name The Intercept is withholding for security reasons. “Our daily food consisted of rice or lentils. Get meat, fruit, or vegetables out of your head, they didn’t exist. Forget the fridge, there was never any power to keep it running. Forget everything.” Pointing to Mustafa, she asked, “Look at him. Does he look like a normal 12-year-old? Look at the girls. Do they look healthy?”All the children in Deir al-Zour appear small for their ages.

Mustafa looked like a child of eight or nine years old. All the children in Deir al-Zour appear small for their ages. Sara’s daughters had dark circles under their eyes, their skin tinged yellow, and their cheeks ever so slightly sunken in.

Since the end of 2014, the residents of the city of Deir al-Zour in Syria had been all but cut off from the outside, besieged by the Islamic State as it attempted to consolidate its power base across northern Syria and Iraq. Water, fuel, electricity, and channels for communication slowly disappeared. Basic food products like tea, sugar, meat, and fresh produce became unaffordable luxuries, held hostage by a handful looking to profit off the siege.

After months of intense battles, the Syrian army and its allies broke the Islamic State siege on Deir al-Zour in early September. It took another three days for Syrian forces to reach the main entrance of the city; the Islamic State had surrounded the nearby military post with thousands of landmines.

The city is the capital of a region of the same name. Deir al-Zour Governorate, too, was mostly freed from the Islamic State’s grip following months of heavy fighting by both the Syrian government and its allies on one side of the region and the U.S.-backed Syrian Democratic Forces on the other. Today, control of the province is split along the Euphrates River: The government and its allies control the territory south of the river, while the Syrian Democratic Forces and its allies control the territory north of the river.

Sections of the road to reach the city of Deir al-Zour still remained under Islamic State control for a few weeks after the siege ended. Traveling by air remained the only way to access the city. By mid-October, however, according to Syrian military officials, the road leading directly to Deir al-Zour was cleared of standing threats. Aid trucks, civilians, and, finally, journalists were finally able to travel by land to the city.

Deir al-Zour is a shell of what it used to be. Once a bustling city home to around 700,000 people, now the city’s roads are pockmarked by years of shelling; its buildings lie crumbling, caught between destruction and abandonment; and the city still wants for basic services, such as electricity and communication lines. Mobile phone reception is sporadic at best, and most houses are running full-time on generators or large battery packs. A World Bank report released in July 2017 estimated that Deir al-Zour province suffered the highest housing destruction as a result of the war.

Residents who stayed behind, approximately 100,000 by January 2017, as the blockade drew on endured a double siege: One siege by the Islamic State, which prevented people or supplies from entering or exiting; and the other inside city limits, perpetrated by those who saw in the misery an opportunity to turn a profit.

Today, they are war-weary, undernourished, and frustrated. While some neighborhoods are pushing to return to normal, there is an underlying concern that, just as the city had been overlooked during the siege, its residents will quickly be forgotten about as the cries of liberation and victory fade away.

SITUATED BETWEEN THE two former Islamic State capitals, Raqqa and Mosul, the city of Deir al-Zour, on the banks of the Euphrates River, was a flashpoint in the conflict, yet its residents were overlooked by all the warring parties. As a result, residents suffered at the hands of local war profiteers inside the city while also fending off attacks, infiltrations, and onslaughts from the Islamic State, which sought Deir al-Zour to consolidate its control over the surrounding area.

At the outset of the uprising against President Bashar al-Assad in 2011, Deir al-Zour was a hotbed of opposition activity, and was attacked by the Syrian army. By 2013, rebels from the Nusra Front and other groups held the city, jostling for control with other rebel factions and fighting off government offensives. By 2014, the Islamic State took over much of the surrounding area and laid siege to the city — until its defeat this fall.

The road to Deir al-Zour, a nine-hour drive from Damascus through a vast expanse of unfriendly desert, reveals how much still needs to be done before civilians can return to any sort of normalcy following the Syrian government’s recapturing of territory from both the Islamic State and the Syrian opposition. Palmyra, the last major town before Deir al-Zour that was recaptured from the Islamic State — for the second time — in March 2017, is still in ruins. Only a handful of civilians remain. Instead, pro-government militiamen — from the Lebanese group Hezbollah, to the Afghan Fatemiyoun group, to local Syrian forces — dot the streets, with each faction commandeering its own residence from what buildings still stand, while Russian troops guard the ancient ruins.

Most of the vehicles traveling beyond Palmyra have a military purpose. The Russians are here, along with Syrian regular forces and pro-government paramilitary groups. Pickup trucks with Syrian, Afghan, and Lebanese fighters pass by, their flags flapping in the wind. One particular checkpoint on the main thoroughfare connecting the province of Homs to northeastern Syria — the cities of Deir al-Zour, Al Mayadeen, and Abu Kamal — is manned by a Syrian soldier, a Russian soldier, and an Afghan fighter. At the entrance of the recently recaptured town of Sukhnah stands a massive billboard with the words “Death to America and Israel” plastered across it, with Fatemiyoun flags at its edges.

As the road approaches Deir al-Zour, the landscape is scattered with small clusters of flat, one-story houses, now abandoned and derelict. Just beyond the main Syrian army checkpoint, an arch with large pieces of its mosaic tile design missing welcomes visitors to Deir al-Zour. According to local residents and Syrian military, landmines still dot the vast expanse of desert stretching out around the city entrance, making it unsafe to travel by foot. After another Syrian army checkpoint, a large statue of a jug welcomes visitors, but no one stops here — Islamic State snipers still lurk in the distance.

As the city turns to residential blocks, Syrian army checkpoints dot the streets. Jeeps with young men in military fatigues — a mix of Syrian army and local pro-government forces — can be seen driving through the connecting neighborhoods. They are keeping close watch over what is left of Deir al-Zour; in the western outskirts of the city, entire neighborhoods are completely destroyed, the enormous scars of the Islamic State’s presence and the subsequent battles that forced them out.

ON A RECENT night, the market on Wadi Street inside Deir al-Zour was full. The city was pitch-black, except for the flicker of battery-powered bulbs. Explosions could still be heard in the near distance above the din of generators but were not threatening enough to stop people from socializing. Before they were routed, shelling from the Islamic State drove people to take cover, for fear of becoming one of the thousands of civilians killed in 2017 during the battle for the city. Now, smoke-filled coffee shops bustle with young men puffing hookah, gathered around the few TV sets currently operational in the city. Others pause by the market stalls, inspecting the fresh produce, now more readily available.

Loud whispers of the “tujjar” — the Arabic word for traders or anyone who demands money in exchange for something, including services — float between shoppers in the souk, as residents, vegetable sellers, and even children talk of how they were, as one shopkeeper described it, “under siege on the outside and the inside.”

The tujjar tended to be locals, either from the city or the countryside, who capitalized on the Islamic State siege. They sold everything from bread, wheat, rice, bulgur, and canned food, to aid, diesel, wheat, oil, government passes, and spaces on planes or helicopters to be airlifted out. The tujjar hailed from many different backgrounds. Some were from local gangs who had been absorbed into the different branches of the National Defense Forces, a pro-government militia; others, like Hossam Qaterji, were high-powered businessmen who organized aid drops and allegedly negotiated trade deals over wheat with the Islamic State.

Sara described how the tujjar lined their pockets. “The aid drops we got were collected by the tujjar, divided into two, of which half was put into warehouses to expire” — in order to inflate prices — “and the other half would be sold at exorbitant prices to the residents in the souks,” she explained. They “are also responsible for our suffering.”

Once the sun set, gangs would often loot the neighborhoods and houses of those who had fled. According to one resident, his neighbor found his entire kitchen, including the fridge, for sale off the back of a pickup in a nearby city.

“Just watch now, the pickup trucks coming back from Al Mayadeen, full of goods looted from the homes there,” said Abu Mohammad, who asked his proper name not be used because of security risks. “These gangs did the same here, inside our city.”

“Everything was for sale in Deir al-Zour,” explained Mohammed Saleh Alftayeh, an expert on the Syrian military and politics, who is from Deir al-Zour. “Everyone had something that others needed.”

In order for a government employee to be able to leave the city, for instance, he would have to get official permission, which came at a price. Once the government employee left, he would have to pay his way through checkpoints on the outskirts of the city to allow him to travel by land or pay even more to be allowed to use helicopters or a cargo plane. And the fees increased as the siege went on.

In February 2015, the fee to get airlifted out was around 25,000 SYP (around $100 at the time) per person, according to a number of residents both inside and outside the city, including those who left via airlift. In the fall of 2015, when Islamic State forces crept too close to the airport, airlifts by cargo plane stopped entirely. With only smaller planes — and therefore fewer seats — making the flight out, prices skyrocketed. By October 2015, the fee had increased tenfold: A family of three would have to pay 700,000 SYP — and, even then, a waitlist remained, full of people waiting to escape.

Those who could not afford to be airlifted risked their lives by attempting to cross by land through Islamic State territory.

WITH MOST OF Deir al-Zour liberated from the Islamic State siege, attention has now turned to reconstruction and returning civilians. But based on how little attention was paid to Deir al-Zour during the siege, some residents feel the city’s reconstruction needs will again be overlooked.

“I doubt it will be a focus for the government in terms of reconstruction,” said Alftayeh, the military and political analyst. He pointed to the government’s retaking of the war-torn city of Aleppo in December 2016. “It has been almost a year now for Aleppo, and there is no organized, government-led reconstruction,” Alftayeh said. “As long as there is no international funding, I doubt there will be serious reconstruction in Deir al-Zour, where the scale of destruction is huge.”

Residents are expected to come back to the city, yet two months after the siege was broken, only a slow trickle have returned. “There will be a flow back, partly because the section that was under the control of the government during the past years is in better condition that other parts, and it can accommodate significant numbers,” said Alftayeh, “and partly because the government wants internally displaced people to return to their original cities, Deir al-Zour included.”

In late September, the government issued a decree stating all public sector employees must return to their original workplaces within a month; in the case of Deir al-Zour, the deadline was extended to the end of the year.

Some humanitarian organizations are eager to see public sector workers return home, including to Deir al-Zour. “Public sector workers tend to fall into the poorest class bracket, and they are the ones who provide the basic services to any community for it to work properly again,” said one official working with an international organization across Syria, who asked for anonymity because he was not permitted to speak to the media, “so we are keen to see them return.”

Those who stayed behind and weathered the siege in Deir al-Zour, however, are less optimistic about the future. Haifaa, another resident in Qusour who was forced to stay behind while her husband left to seek medical treatment for their child in Damascus, said, “It will be another 10 years before anything can get back to normal here.””

[This article was originally published by The Intercept.]

Survival Through Destruction

Survival Through Destruction

“In the midst of Syria’s wartime devastation, the regime saw a path to its own revival.

November 2017 marks the effective end of Syria’s armed conflict and the beginning of movement toward a political settlement. In all likelihood this will allow the Assad regime to retain much authority. Instead of forcing the regime to compromise, the mechanisms of war and destruction, including the anti-Islamic State campaign, allowed it to block any political transition, destroy the prewar order, and create a new one in which it could survive.

Syria’s destruction has its genesis in the Assad regime’s loss of control over much of the country in summer 2012. At that time, it had become clear that the regime could not simply push its opponents off the streets and silence dissent. Within months the momentum of war had picked up as rebel factions took control of pockets of territory, the regime withdrew from Kurdish-populated areas, and gradually the conflict took on a multilayered dimension involving local, regional, and international actors, provoking massive damage in the country.

The regime’s barrel bombings of opposition areas systematically destroyed entire neighborhoods of Syria’s most populous cities. Fighting displaced over half of the country’s population, and a wide array of forces contributed to the destruction, each in pursuit of its own objectives. Jihadi movements gained ground, and in summer 2014 the Islamic State established a self-declared caliphate across Syria and Iraq, provoking foreign military intervention from a U.S.-led coalition, accompanied by heavy bombing campaigns. Starting in 2015, Russian bombing helped the regime retake opposition areas. A year later it was Turkey’s turn, as it deployed troops in northern Syria in support of opposition factions and to block the advance of the People’s Protection Units affiliated with the Kurdistan Workers’ Party.

Most participants in Syria’s war have thrived in its destruction, but many also ended up being destroyed themselves. The Islamic State is the latest and most notable example of this phenomenon. The only party to the destruction that managed to hang on was the regime, in spite of its limited military capacities.

The war offered the regime a means of navigating a transition from a prewar order to a new one. By annihilating the environment in which its opponents could operate, the war left the regime with no counterpart with whom it needed to negotiate. In fact, destruction served as a buffer against negotiations, enabling the regime to remain in place.

Seen from this angle, Syria’s physical destruction had less a military aim than being a central factor in the political struggle to win the war. The regime survived the destruction of the physical and social makeup of Syria and thereby won leverage to steer the reconstruction effort, control the return of populations, place them in positions of dependency with regard to the state, channel funding through new, loyal intermediaries between Damascus and Syrian cities, and empower new business figures. It also obliged the international community to deal with the regime in order to resolve the massive refugee crisis.

But rather than demonstrating the regime’s genius in orchestrating the conflict, the enormous scale of the damage necessary for it to retain its hold over power only proved the regime’s weakness. As it could not adapt to meet the demands of its citizens, the regime took advantage of the instruments of war to alter the surrounding environment. Faced with its own limitations, it could find no means to win except to destroy the prewar Syrian order. Aleppo, Homs, Deir Ezzor, Darayya, and most likely Raqqa, all seriously damaged, were either recaptured by the regime or are likely to be, allowing it to take the lead in their reconstruction. The ruins of war had the paradoxical effect of bolstering the regime’s potential to regain control of what, in 2012, it could not defend militarily.

Aleppo is perhaps the best example. It is a city that the regime lost and could claim back only once many of its quarters, in particular those in its eastern half, were obliterated (destruction to which not only the regime contributed, but also other political actors, opposition groups included). Because the business class had abandoned the city, the regime forged new relationships there through a fresh network of business figures.

The debate over Syria’s reconstruction frequently begins from the standpoint of returning Syria’s physical and social fabric to its prewar state. However, reconstruction is not a mere technical question. Indeed, the very sites that need to be rebuilt, versus those that remained intact throughout seven years of fighting, were a product of decisions by actors about what to destroy. Regardless of how reconstruction funding flows into Syria, a new order has been in the making since the collapse of the prewar order and there will probably be no returning to the economic or social arrangements that existed prior to 2011.

Destruction and reconstruction are not necessarily neatly complementary, with one smoothly following from the other. Instead, the cycle of destruction and construction replaced a deadlocked political transition in Syria, developing in the context of a war that none of the sides were winning. In many cases this cycle was integrated into the political objectives of the regime, creating a fertile environment in which the regime could survive, despite its shortcomings.”

[This article was originally published by Carnegie Middle East Center.]

Lebanon: Nationalist Stimulation, Syrian Dehumanization

Lebanon: Nationalist Stimulation, Syrian Dehumanization

During a misty summer dawn, on Friday 30 June 2017, Lebanese Army Forces (LAF) troops—reinforced with several tanks—stormed two Syrian refugee camps located on the outskirts of Arsal, in northeast Lebanon. The first, al-Nour Camp, is located in Jafar. The second, Qara, is located in Wadi al-Hosn. That dawn, LAF soldiers took their positions surrounding each of the camps and waited for the zero hour. Once the time came, around six o’clock in the morning, the troops began moving into the camps. As the soldiers combed through the tents that made up the refugee camps, they came under attack from unidentified armed men. According to reports, the armed men who shot at the LAF soldiers were affiliated with either Jabhat Fateh al-Sham (formally known as Jabhat al-Nusra) and the Islamic State—both sets of whom infiltrated the camps. Seven LAF soldiers were wounded and another was killed during these military raids.

Details Emerge

During the clashes between the army and gunmen, the troops continued to comb the tents. In some instances, they tossed hand grenades into tents—resulting in severe human casualties and material damage. By the end, the LAF had demolished approximately thirty housing units in the camp, while damaging dozens of other housing units and killing nineteen people. According to local sources, “it was the army that launched an attack using heavy weapons that caused one wall to fall on a girl, killing her, and another that killed a handicapped man—whose corpse was confiscated and handed back for burial days later.” After the battle was over the army arrested 356 Syrian men. Several estimates put the number of people injured during the raid at over three hundred. According to both Lebanese and Syrian sources on the ground in Arsal, there were no suicide bombers during the raid.

Yet the above details were not necessarily those announced by the LAF in its communications with the public in general and the media in particular. According to Reuters, the LAF claimed “five suicide bombers attacked Lebanese soldiers as they raided two Syrian refugee camps in Arsal at the border with Syria.” The news agency went on to report that the LAF “said seven soldiers were wounded and a girl was killed after one of the suicide bombers blew himself up in the midst of a family of refugees. It did not elaborate.” To Syrians, and some Lebanese, this particular set of raids was considered a most brutal military operation against the most destitute Syrian refugees in Lebanon. More importantly, the events ushered the beginning of a new manufactured discourse about the LAF, Syrian refugees, and alleged terrorist threats.

Following the raids, images circulated on social media showing hundreds of Syrian men handcuffed. Most were topless, tagged with spray paint on the backs of their naked bodies. Many of these Syrian bodies show signs of recent severe beatings. Some of the residents of the two camps managed to escape to other neighboring camps. Many others were detained by the LAF. As the day came to an end, a hashtag in support of the LAF began trending across social media: #Purge_the_hills of_Irsal.

In the days that followed the raids, the living conditions Syrians in their ransacked camps deteriorated to a point beyond the capacity of local relief organizations to address. Remarkably, the UN High Commission on Refugees (UNHCR)—which is the international body tasked with overseeing assistance to Syrian refugees and which has facilitated the establishment of several camps around Arsal—was absent and provided no protection to refugees during this disaster. In the weeks that followed the raids, thousands of Syrian refugees in Arsal returned to Syria as a function of the deteriorating conditions. It merits considering the fact that the situation deteriorated so much in Arsal that these refugees preferred to return to what they had originally fled from in Syria. Those Syrian refugees that remained in Arsal, continue to be terrified by random arrests. Many of them spend their nights in hiding on side roads and in between graves of the village’s main cemetery.

Framing the Narrative

As the dust settled on that day of the raids, there appeared to be two very different yet complimentary operations at play. The first was a military operation to “cleanse” the camps from the alleged presence and threat of dangerous militants. The second was public relations campaign to establish hegemony over how the raids were represented, which include celebrating the idea and concept of “cleansing.” Despite initial confusion by residents of the camps and those that followed the conflicting news that emerged, the end of the day featured a specific set of facts and framing of the facts that dominated the public sphere. There were now two narratives of what transpired: one that was fed to and disseminated by Lebanese media outlets; and another that was only whispered among those left alive in Arsal.

The production of the official narrative of what transpired in Arsal was very clearly intended to compliment the military operation from the start. The Lebanese minister of defense was quoted as saying the “incident showed the importance of tackling the refugee crisis – Lebanon is hosting over 1 million refugees – and vindicated a policy of ‘pre-emptive strikes’ against militant sleeper cells.” The crucial question that remains unanswered is how was brutalizing the bodies of Syrian refugees supposed to solve the refugee crisis?

In the Beqaa Valley, three refugee camps were burned down in the day immediately following the raids in Arsal. The fires killed at least three people and left hundreds homeless (or tentless) with severe burn injuries. There were conflicting reasons for the alleged arsons that began to spread. The inhabitants of the camps insisted that there were unknown assailants who set fire to the camps. They also claim that the nearby local police did not take their pleas seriously when reporting the men or the fires. Alternatively, the mainstream media reported that the reasons for the arson remained unknown. Some hinted that the cause of fires was high summer temperatures. Furthermore, the army raided refugee encampments in different areas of Beqaa, detaining many Syrians for entering Lebanon illegally or not having residency permits.

Destroying the Evidence

It was not enough for officials to frame the narrative and feed it to local and international media outlets. They went so far as to destroy evidence which contradicted their narrative. Diala Shehadeh is a lawyer representing families of the Syrian men who the LAF arrested in Arsal and later died in custody. She gave a written account on her Facebook page of how the attempt to establish credible autopsy reports of the men’s bodies undermined. She accused military intelligence of seizing the samples she was transporting for independent autopsies, and then sending those samples to the governmental hospital. Shehadeh’s Facebook account included a video of this encounter.

As her account began to spread on social media, the Beirut Bar Association issued a directive preventing Shehadeh from appearing in the media pending a decision by Antonio Hashim, the head of the Beirut Bar Association. Shehadeh’s potential testimony was an inconvenient truth that had to be censored before it could have undermined the official framing of events. On 4 July 2017, the military issued a statement stating the cause of death for the four detained Syrian men. It “said that four detainees who ‘suffered from chronic health issues that were aggravated due to the climate condition’ died before being interrogated. It identified them as Mustafa Abd el Karim Absse, 57; Khaled Hussein el-Mleis, 43; Anas Hussein el-Husseiki, 32; and Othman Merhi el-Mleis. The army did not specify where it had detained them.”

According to Human Rights Watch (HRW), “On July 4, 2017, the Lebanese military issued a statement saying four Syrians died in its custody following mass raids in Arsal, a restricted access area in northeast Lebanon where many Syrian refugees live. On July 14, Human Rights Watch received credible reports that a fifth Syrian detainee had also died in custody.” HRW went further to state that on “July 15, the army released a statement saying that it detained 356 people following these raids. It referred 56 for prosecution and 257 to the General Security agency for lack of residency. A humanitarian organization official told Human Rights Watch that children were among those detained.” HRW concluded that “any statement that the deaths of these individuals was due to natural causes is inconsistent with these photographs.”

Stimulating a Nationalist Mania

As time passed and more information from Arsal emerged, it became clear that the official framing of the Arsal raids and their aftermath was meant to justify the military operation while at the same time delegitimize efforts at solidarity with Syrian refugees in Lebanon. As the propaganda became ubiquitous, an ultra nationalist sentiment turned Syrians in Lebanon to an enemy within. They were rapidly dehumanized.

In response, the Socialist Forum called for a sit-in in solidarity with Syrian refugees to take place in downtown Beirut on Tuesday 18 July. The organization applied for and received official clearance from the Municipality of Beirut for the sit-in. This initiative challenged the dominant discourse and threatened to obstruct the systematic campaign to rally public opinion around the LAF. In order to undermine the initiative, apologists for the raids took to social media and created or shared a Facebook page titled the “Syrian People’s Union in Lebanon.” This page hijacked Socialist Forum’s call for a solidarity sit-in and sought to incite (or act like it was inciting) the public against the army. Yet several people noticed the use of Lebanese dialect in these posts, which led many to wonder which intelligence branch was operating the page. It was then that the Socialist Forum’s permit for the sit-in was leaked from inside the municipality, which then threatened the safety of organization’s members whose names were on the permit. In an atmosphere of extreme fear and intimidation, the Socialist Forum decided to canceled the sit-in.

Surrounding these developments was intensity of rumor production and circulation, primarily through social media (Facebook and WhatsApp in particular). What was effectively fake news regarding the intended sit-in by Socialist Forum was mobilized into a heightened sense of Lebanese nationalism. By the climax of the circulation of these rumors, the sit-in was framed as a call by Syrians to publicly insult the LAF. What followed was a literal festival of publically bashing Syrians. This in turn further stimulated the nationalist sentiment as violent images and videos went viral on social media. Several videos showed euphoric mobs of Lebanese men beating up Syrian boys and men.

In one video, a group of five Lebanese men grabbed a young Syrian man by the arm and led him around. One sees a bewildered victim being slapped around by a man who is also filming the act. The cameraman then invites his friends to partake in the beating of the trapped Syrian man as they shout, “Where are your papers?” A slap on the Syrian man’s head is followed by his timid replies of “my papers are at home, master. By god I didn’t do any thing, master.” The fact that this man had no papers on him was reason enough for this Lebanese mob to attack him, kicking and beating him, while shouting at him, “What are you doing out on the street at night? Fuck your sister . . . Do you support ISIS you fucking pimp? Fuck you and fuck ISIS. Are you going to protest tomorrow you pimp?” And another slap. At this point in the video, the Syrian man starts attempting to use his free arm to block the punches from different directions. The video ends with men shouting at their captive, summing up the essence of the nationalist hysteria that swept the country: “Say God and the Lebanese Army! Say fuck ISIS! Say fuck the most important person in Syria!” The insistence on the evocation of the Lebanese army’s superior status by these Lebanese men portrayed the transcendence of the army into a divine savior and sacred cow in the many of the public’s imagination.

This was not the first time Lebanese men mob Syrian men in Lebanon. Bursts of violence against Syrian men can be traced back to 2005, following the assassination of former Prime Minister Rafiq Hariri and the subsequent withdrawal of the Syrian military from Lebanon. This was also the year that ushered in the wave of political polarization and attendant socioeconomic breakdown in Lebanon which has now reached a critical stages. Yet the Syrians are certainly not the first group to experience the lash of intentionally mobilized Lebanese hyper nationalism. Palestinian refugees in Lebanon have had their share of violence since 1948. It is a kind of violence that is literally pumped into the psyche of resentful Lebanese citizens, diverting their anger toward the other, the “stranger.”

The Intimacy of Nationalist Frenzy

On the morning of Monday 17July, there was Lebanese wartime music playing on the street in our neighborhood. The unusual calm that overtook a weekday morning in Ras Beirut felt like the same kind of quiet the city exhibits in times of war. On the street below the apartment, there was a neighbor’s car blasting the music. The sky blue Kia had one of its front doors wide open. Around it stood men from the neighborhood who had flocked to the music. There they were: the barber, the butcher, and the taxi driver, along with three other men sipping coffee and blowing smoke in silence and anticipation. All six men had their heads craned in one direction, waiting to catch every soundbite of breaking news about the topic that the country was gripped by. The scene did not bode well. I quickly had a flash back to previous periods of war in Lebanon, when the intensity of events overtook the daily routines and their chaotic noise. War—and there was talk of war—certainly unites. However, that particular type of Beirut moment corresponds to particular wars: when Israel attacks Lebanon; or at times when the Lebanese army attacks non-Lebanese residents of the country. People had literally taken the bait and began feeling like and thinking of the country was being at war.

It is worth noting that the Monday I am describing was that which followed the cancellation of the Socialist Forum sit-in, which was originally planned for Tuesday of that same week. It was during the weekend before these two days that we can identify the consolidation of an official narrative that succeeded in diverting peoples’ frustrations and directing it toward the “stranger” within. Then, the minister of interior announced a total ban on demonstrations throughout the country. He asserted that he has given instructions to reject all protest permit requests in order to preserve security and peace. It is worth noting that was all happening at the same time the other protests were planned against the government’s planned increases to various taxes and fees.

On Friday 21 July, I was chatting with the manager of a construction site in one affluent Ras Beirut neighborhood. Being much older than the twelve builders on the site, and the one who had been in Lebanon the longest, Abu Ahmad makes sure each worker is doing his assigned job from seven in the morning until five in the afternoon. As we spoke, Beirut’s sun was hotter than usual. With Friday prayers about to begin, the street had suddenly quieted down. From a distance, I could hear the imam of the nearby mosque. It was then that I realized Abu Ahmad and his team were still working on the construction site even though it was their habit to take their lunch break after coming back from Friday prayers at the mosque. I asked Abu Ahmad why he was not at the mosque for Friday prayers. He looked at me with suspicious eyes, then wiped the sweat from his forehead with the red towel on his shoulder. He went on cleaning his whole face with the towel as if trying to hide his sense of guilt for not attending Friday prayers at the mosque. “Look my brother, we don’t need the headache. May God forgive us for abandoning our duty.” I asked what he meant by not needing any headache, and since when was it a problem to go to the mosque on Friday? My question was followed by a good ten seconds of silence as Abu Ahmad started to get fidgety, moving his towel from one shoulder to another. As I stood there waiting, he said, “Can’t you see what is going on? Syrians have to be careful these days not to arouse any suspicion. Any word we say or any place we attend has to be one of the utmost necessity. It is better that we focus on making our living here.” Abu Ahmad’s sunburned wrinkled face became twitchy. He was visibly uncomfortable as he went on saying, “Look, my brother, it maybe the signs of the end of times and God only knows, a pious Syrian these days could easily be mistaken for an extremist.” Abu Ahmad walked away looking around as if to see if anyone else was listening to our conversation. As he walked away, he said, “May god keep the watching eyes away from us.” This was another indication of how fear-stricken Syrians had become in context of their intensified dehumanization following the Arsal raid.

Structural Scapegoating or Fundamental Racism?

To simply attribute what has transpired as a function of Lebanese citizens being “naturally racist,” as some activists do, is to negate the ongoing systematic campaign to produce a literally permissible body for the public to vent their outrage on. Categorizing all outbursts of violence against Syrians as a function of permanent racism is an over-simplification that overlooks the workings of this systemic campaign. Beyond being morally irreprehensible, the demonization and targeting of Syrians has effectively diverted many Lebanese citizen’s frustration at their own rulers, channeling it toward scapegoating Syrian refugees. This violence against Syrians did not simply surface, it was mobilized, encouraged, and sanctioned through the speeches of Lebanese politicians, the branding of Lebanese public relations firms, the coverage of media outlets, and the manipulation of social media networks.

The influx of Syrian refugees since 2011 has created contradictory sentiments among the broader population of Lebanon. On the one hand, there is an element of genuine human sympathy, which can be identified in numerous individual acts of kindness, generosity, and solidarity. One Lebanese mother opened up her dead son’s grave for a Syrian family to bury their son. He had died in a fire that consumed al-Raed Camp in the Bekaa Valley, and yet all the surrounding villages refused to have him buried in their graveyards.

On the other hand, political elites and forces, along with affiliated media outlets, propagate a dominant narrative that demonizes Syrians. They have actively scapegoated Syrian refugees and literally blamed them for economic, social, and security failures in the country. These discourses are then replicated echoed and contributed to through the daily politics of many individuals and groups, forging a xenophobic and racist popular culture that is anti-Syrian refugees. This scapegoating and dehumanization is not a function of some natural inclination toward racism. Rather, it signals a deep crisis that the Lebanese state and its ruling elite have been facing at least since 2005, which intensified during the 2015 garbage protests. This crisis is simultaneously political, economic, and social.

One must not lose sight of the fact that this most recent wave of anti-Syrian xenophobia has effectively diverted some of the social pressures and political frustrations that were targeting the government in particular but the political elites more generally. This is not new of course. Quite the contrary, these political forces have regularly deflected attention away from themselves, mobilizing parts of the population against the weakest bodies in the country: women, migrant workers, refugees, and the impoverished.

With the public caught up in the nationalist rhetoric of standing with the army and defending the nation, the political elite were able to use the Arsal operations and their aftermath to reset the public agenda. The elites effectively deflated significant (and angry) calls for protests against the government’s plans to pass a controversial tax bill. The public outrage against the government was, according to some analysts, poised to galvanize the public in ways reminiscent of the 2015 protests. Instead, many of those energies now took up alleged threat posted by Syrians and the need to defend the LAF against material and symbolic injury. This is evidenced by the fact that politicians convened a closed parliamentary session and indeed passed the controversial tax bill with little to no public scrutiny as to what was being plotted inside an illegitimate expired parliament. On Wednesday, 19 July, parliamentarians had passed a second legislative bill concerning taxes meant to finance the public sector wage hike. The bill was passed with some amendments. Article 11 of the bill imposed an exit travel fee for those leaving Lebanon through the airport. The new tax bill made all Lebanese citizens, independent of income levels, owe the same percentage as tax. The worker who earns a monthly salary of $400 delivering drinking water now pays the same tax rate as a millionaire who owns luxury apartment buildings on Beirut’s seafront. These new taxes were an addition to a different set of tax hikes approved in March, including an increase in the VAT tax rate to eleven percent.

Syrian and Lebanese: Victims of the Same Social Order

As the battle to “cleanse” Arsal’s hills was waged by LAF and Hizballah, all eyes were fixed on the extensive live coverage of the battle. The dominant public discourse was at its peak when centered in scenario that pitted a hero fighting a villain. The LAF was made to look like everyone’s protecting father and the “Syrians” were dressed in the role of the villain. As the battle intensified in the hills of Arsal, a public relations campaign swept the country. The LAF became a brand. Advertisement companies, who ran ads for banks, restaurants, and various economic sectors now pushed images of military men with sleazy catch phrases about protection.

One day, I was sitting and melting inside a taxi that was moving sluggishly through Beirut’s traffic. While the radio was playing nationalist songs interrupted by breaking news from the battlefield, a scene of wretchedness unfolded outside my passenger widow. In between bumpers, a frantic moth-eaten man was carrying a young girl who wrapped herself around his thin body. The man was holding a yellow money note in his other hand and anxiously waved down a woman across the street from him. His eyes were wide open in astonishment. As he shouted in the direction of the woman across the street, his voice grew more high-pitched. He beseeched her. Shuffling single-mindedly toward the man was a woman who pried herself from her shady spot under a massive rubber tree on the other side of the street from him. She began to zigzag her way between the slow-moving cars. The woman herself was holding an infant while two young boys clung to her as they tailed on her heels.

“Come over, move quickly, bring the children and hurry up. The man in the black car just gave me 10,000 liras [approximately six dollars].” This exhausted woman was merely reacting to her husband’s urgency and astonishment. “Come, come hurry up grab the bag of tissues and go to the man in the black car before he drives away. I’m telling you he gave me 10,000. Look 10,000.” The frantic husband flashed the yellow note for his wife to see. The struggling woman was clearly trying to maintain her composure, but her face failed to hide her embarrassment. Streams of sweat ran down her forehead. She pushed closer to the black car. But the traffic light flashed green and the black car drove away. As our car started to move away the husband’s voice broke out in anguish, shouting at his apparent wife who just missed their chance to perhaps score another 10,000.

While we sat in the car and watched this scene of a Syrian family struggling on the streets selling hand tissues and not yet begging, the taxi driver next to me snapped. “10,000? How nice, did you see that? The Syrians are living much better than us in our own country. Nothing is left for us.” The woman in the backseat and I both remained silent, dumbfounded by the humiliating experience that took place right next to us. After few seconds of silence, the taxi driver went on again, “I drive all day so I can take 40,000 liras home.” To this, I responded with “at least we are still sitting inside the car.” The driver, who was no older than forty, released his clinched hands from the steering wheel wiped his sweaty palms on his jeans and replied “by god you are right, may god never bring us to such disgrace. May god help them get out of the street. What a terrible situation for us all, O god forgive us”. The car drove away from the scene of human devastation and the driver took out his generic pack of cigarettes and offered me and the other passenger to join him. As he lit his cigarette, inhaling deeply, the taxi driver went back to the usual line of resentful complaints cursing and insulting Lebanese politicians: “The thieves….”