الغرب والسوريون: مبيعات الأسلحة الأمريكية والأوروبية للشرق الأوسط 2011- 2014

الغرب والسوريون: مبيعات الأسلحة الأمريكية والأوروبية للشرق الأوسط 2011- 2014

كَثُر الحديث في أوروبا والولايات المتحدة في العامين المنصرمين حول أعباء استضافة اللاجئين السوريين وغير السوريين، بينما غاب ذكر منحى آخر من تورط البلدان الأجنبية في الصراع ألا وهو حجم مبيعاتها للسلاح في الشرق الأوسط. فبين عامي 2011 و2014، وبناءً على تقديرات متحفظة، فقد كسبت أوروبا 21 بليون يورو من صفقات تجارة السلاح إلى الشرق الأوسط بينما اَنفقت 19 بليون على استضافة ما يقارب مليون لاجئ سوري. يجدر هنا السؤال: بالرغم من إدراكهم تبعات تدفق السلاح في إطالة الحرب، هل إختار السياسيون الغربيون المقايضة بين جني الأرباح لصالح صانعي السلاح مقابل تحميل دافعي الضرائب نفقات استضافة اللاجئين؟

على امتداد حقبة الحرب السورية، سهلت الدول الغربية الحصول على السلاح الغربي المنشأ لكافة فصائل المعارضة السورية التي تقاتل النظام السوري من جهة، ومن أجل تصفية الحسابات بين تلك الفصائل من جهة اخرى. على سبيل المثال، ذكرت تقارير صادرة في عام 2012 بأن الجماعات السورية استخدمت أسلحة سويسرية الصنع كانت بالأصل مباعة إلى الإمارات العربية المتحدة. ونتيجة لتلك التقارير خفضت بيرن من تصدير سلاحها إلى الإمارات من 132 مليون يورو عام 2012 إلى 10 ملايين يورو في العام 2013، لكنها عادت فزادت من صادراتها إلى 14 مليون يورو في العام 2014 . كذلك تم نقل أسلحة مصنعة في بلجيكا إلى مختلف الفصائل المتحاربة على الأرض السورية.

سويسرا التي تفخر بكونها رمزا للحِياد، بلغت فيها عائدات السلاح المُصَدر إلى المنطقة ما بين عامي 2011 و 2014 ضعف ونصف الضعف مما أنفقته على إيواء 13,000 لاجئ سوري على أراضيها. الأمر ذاته ينسحب على بلجيكا حيث بلغت مبيعات السلاح فيها إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ما يقارب 1.18 بليون يورو، بينما أنفقت بما قيمته 0.71 بليون يورو فقط على إيواء 16,000 لاجئ سوري على أراضيها. سيُظهر هذا التقرير لاحقا أن هذه النسب كبيرة بشكل مذهل عند باقي الدول المنتجة للسلاح.

تهدف هذه الدراسة الموجزة إلى تقييم مبيعات السلاح الرسمية إلى الشرق الأوسط بين عامي 2011 و2014. ستركز الدراسة على الصفقات المبرمة مع الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والسعودية وتركيا، تلك الدول التي كانت لها علاقات مقربة مع الفصائل السورية المعارضة. سيتم مقارنة عائدات بيع السلاح مع تكلفة إيواء اللاجئين السوريين الذين ينشدون الحماية في تلك الدول التي كانت ومازالت تساهم في تصدير السلاح 1-آخذين بعين الإعتبار أن مقارنة بيع السلاح مع إيواء اللاجئين لا تشرعن أو تخفف من عدم أخلاقية تلك التجارة. سنقوم بجدولة منتجي السلاح والدول المستوردة له تحت شعار “أصدقاء سورية” بالإشارة إلى المجموعة التي تم تشكيلها عام 2012 من قبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والتي ضمت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية ومصر والأردن وندرج باقي الدول المصدرة تحت “أوروبا الشرقية”. لا بد من التنويه هنا أن الدراسة تركز على البلدان الغربية ليس لأنها المسؤولة الوحيدة عن تجارة السلاح، و لكن بسبب صعوبة الحصول على مصادر موثقة عن صادرات السلاح من الصين وروسيا وايران. وسنسعى إلى تزويد بعض التقديرات المعقولة بحسب البيانات المتوفرة. غير أن عدم الأخذ بهذه الأرقام في حساباتنا لن يؤثر على الفكرة الأساسية لهذه الدراسة وهي العلاقة المتوقعة بين تدفق السلاح الغربي إلى منطقة الشرق الأوسط وموجة اللاجئين .

اعتَمدت هذه الدراسة على التقارير الوطنية الرسمية التي تحصي قيمة السلاح المرخص للتصدير وليس السلاح الذي تم بالفعل إنتاجه وشحنه إلى الدول المستوردة. يَكمُن الفرق هنا بأنه قد تتم الموافقة على رخص التصدير في عام محدد بينما قد يتأخر التسليم لعدة أعوام وذلك نتيجة دورة إنتاج السلاح. إضافة إلى ذلك، نشير إلى أن أرقام مبيعات السلاح الرسمية هي تقديرات متحفظة مع العلم أن اثنين بالمائة على الأقل من تجارة السلاح هي غير معلنة وتتم بصفقات من خلف الستار. و كما سنُظهر لاحقا، فإن هناك أدلة قوية تشير إلى أن بعض البلدان تُصَدر السلاح إلى الشرق الأوسط دون أن ينعكس ذلك في سجلاتها الرسمية.

في تقدير تكلفة إيواء اللاجئين اعتبارا من نيسان 2011 (2)، افترضنا أن الحكومات استمرت بدعم اللاجئين بدءا من قبول لجوئهم ولغاية نهاية فترة إعداد هذه الدراسة (تموز 2016) 3. كذلك، بحال عدم توفر البيانات الدقيقة لبعض الدول حول تكلفة استضافة اللاجئين، تبنينا التكلفة الأسبانية لإيواء الفرد علما أن التكاليف المعيشية في جنوب أوروبا تقارب مثيلاتها في أوروبا الشرقية 4. سوف نبني النقاش استنادا
إلى الجداول والرسومات البيانية والملحقات التالية المعدة من قبل المؤلف 5.

الجدول رقم 1 : تصنيف الدول

تصنيف الدول-التي تتعدى صادرات السلاح فيها 100 مليون يورو أو تلك التي يتجاوز طالبو اللجوء فيها 100,000 من حيث نسبة الدخل من تجارة السلاح بالمقارنة مع الإنفاق على اللاجئين في تلك الدول .

[1] بالنظر إلى أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن صربيا قد سجلت رقما كبيرا وصل إلى 300 000 طلب لجوء بين عامي 2011 و 2016. يبدو أن الوضع في بلغراد يمثل حالة خاصة نجمت عن أن دول الجوار مثل هنغاريا وكرواتيا -المتموضعتين على طول الطريق المؤدي إلى أوروبا الغربية قد أغلقوا حدودهم مما لم يترك الخيار لصربيا إلا أن تقبل اللاجئين المتواجدين على أراضيها. بالمقارنة وتبعا لما قاله وزير الداخلية ستيفانوفي، هناك 500 لاجئ فقط طلبوا اللجوء، و250 اختاروا البقاء. بالرغم من ذلك، فإن تقارير منظمة العفو الدولية تشير إلى أن أعداد الأشخاص الذين تم ايقافهم وهم يعبرون الحدود الصربية- الهنغارية قد ارتفع أكثر من 2500% بين 2010 و 2015 ( من 2,370 إلى 60,602 ). نجم ذلك عن قفزة حادة في أعداد طالبي اللجوء في صربيا. لمواجهة هذه الأعداد، أعلن الاتحاد الأوروبي بأنه سيدعم صربيا بأكثر من 3.8 مليون يورو وذلك لتوسعة الملاجئ المؤقتة والأعتناء بالنفايات والصرف الصحي والحاجات الأخرى. مؤخرا صرح الرئيس الصربي توميسلاف نيكولك بأن صربيا تتوقع إيواء بين 5000 و 6000 مهاجر (من مختلف الجنسيات)، مشيرا أنه كما لم يكن الاتحاد الآوروبي غاضبا من هنغاريا على طريقة تعاملها مع المهاجرين،ف لن يكون غاضبا من صربيا أيضا.

[2] تظهر الإحصائيات الرسمية في كندا قيمة المعدات العسكرية المصدرة فعليا وليس رخص التصدير لتلك المعدات كما يتم في باقي الدول تحت الدراسة. يعكس ذلك أرقاما أصغر من باقي البلدان. لقد أضحت كندا في الواقع، ثاني أكبر مصدر إلى الشرق الأوسط في عام 2015 بعد الولايات المتحدة.

تبعا للحسابات التي أجريناها، فقد أنفقت أوروبا والولايات المتحدة وكندا منذ عام 2011 ما قيمته 20.1 بليون يورو لاستضافة مايقارب المليون لاجئ سوري خلال خمس سنوات. في الوقت ذاته، أمعنت مصانع السلاح الغربية بتزويد المعدات العسكرية إلى الشرق الأوسط والتي ذهب جزء كبير منها إلى الحرب السورية. وقد علق مدير المكتب الأوروبي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR على هذه النقطة بنعت صناعة السلاح بانها “ تقتل وتخلق لاجئين“.

“أصدقاء سورية” أو الأنصار التقليديون لصناعة السلاح

المصدر الأول للسلاح في الشرق الأوسط يبقى بلا منازع الولايات المتحدة، و هي ترى نفسها الأقل اهتماما بالكوارث التي تسببها عبر الإقليم. ولأسباب جغرافية على أقل تقدير، فان أمواج اللاجئين الفارين من الصراعات في سوريا و الشرق الأوسط عموما، تبدو أيضا بعيدة عن الشواطئ الأمريكية! تأتي الديمقراطيات الأوروبية الرائدة في الدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة في توريد السلاح للمنطقة (لغاية 2014) وهي سريعة في تلبية حاجة مشتري السلاح الكبار في الشرق الأوسط. وفي هذا الشأن، عندما يتعلق الأمر بتجارة السلاح، يبدو أن القانون الدولي والقوانين القومية بالغة المرونة في مصلحة إتمام الصفقات .

مع بداية ما يسمى “الربيع العربي”، أظهرت الحكومات الغربية ابتهاجها لانتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط. بالرغم من ذلك، بعد عام واحد من إشراقة “الربيع العربي”، زادت تراخيص بيع السلاح للمنطقة من الإتحاد الأوروبي بنسبة 22% ومن الولايات المتحدة بنسبة 300%. أما الأنظمة الخليجية القلقة من المد الذي اجتاح المنطقة، فقد أطلقت حملة “الثورة المضادة” وانضم الغرب لدعم هذه الحملة وتزويدها بالتجهيزات العسكرية (من ضمن مساعدات أخرى). والحرب في سورية لم تُستثن من ذلك.

لقد تم انتقاد إدارة أوباما من جهات عدة لعدم تدخلها الفعال في سورية، فقد كان التدخل الرسمي المعلن للإدارة يدعي التركيز فقط على توريد السلاح غير القاتل إلى جماعات المعارضة. غير أن واشنطن تقوم بتوريد السلاح القاتل إلى شركائها العرب ، وتوافق في الوقت ذاته على إيصال هذه المعدات لسورية كموقع تسليم نهائي. وبالتالي، فان صواريخ تاو، المصنوعة في أميركا، والتي تم بيعها سابقا إلى السعودية وتركيا غالبا ما كانت تظهر في مقاطع فيديو يَنشرها مسلحون في سوريا .

بالنظر إلى الأرقام، فإن دول “أصدقاء سورية” قد غنمت ما قيمته 31.88 بليون يورو من مبيعات الأسلحة إلى الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت السعودية وتركيا، بينما أنفقت ما قيمته 10.45 بليون يورو على إيواء اللاجئين السوريين. باستثناء الأرقام الألمانية، فإن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا غنمت 27.92 بليون يورو من مبيعات السلاح مقارنة بما قيمته 1.18 بليون يورو اُنفِقَت على اللاجئين، أي أن هذه الدول كسبت 23 ضعفا من مبيعات السلاح.

يطرح المسؤولون في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية أسبابا عدة لتبرير مبيعاتهم للسلاح. بالنسبة للمستشارة الألمانية، سوق السلاح هو شأن استراتيجي: فقد دافعت عقيدة ميركل عن تصدير السلاح بحجة أنه أداة أساسية لحفظ السلام في البلدان التي لا يوجد فيها لألمانيا وجود فعال لكن حيث لها مصالح راسخة. وبناء على ذلك فقد طَلبت المستشارة باستمرار تسليم السلاح حتى يتمكن هؤلاء الحلفاء من إنجاز الأهداف المشتركة. أدى هذا، و في زمن المستشارة ميركل، إلى إتمام صفقة غير مسبوقة مقارنة بالحكوما ت المتعاقبة، وذلك ببيع 270 دبابة حديثة إلى السعودية، مع موافقة ضمنية من إسرائيل. علاوة على ذلك، بينما يدعي مراقبون ألمان أنه بحال امتنعت ألمانيا من توريد السلاح فستحل مكانها دول أخرى، فقد ناقش الصحافي الألماني يورغن غراسلين بأن عكس ذلك هو الصحيح: عندما رفض البرلمان الهولندي تصدير دبابات ليوبارد المستعملة إلى اندونيسيا، سارعت ألمانيا ووافقت على إتمام الصفقة ذاتها. وبالتزامن، فقد دعت مجموعات معارضة في ألمانيا إلى حظر شامل لمبيعات السلاح إلى السعودية بناء على انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان. دفع هذا ميركل ووزير الاقتصاد سيغمار غابرييل إلى إجراء “مراجعة نقدية” لمبيعات السلاح إلى الرياض وقرر في عام 2015 حصر الصادرات إلى السعودية بالأسلحة ذات الطابع الدفاعي فقط، متضمنة بذلك المركبات المدرعة الرباعية وأنظمة التزود بالوقود في الجو وقطع المقاتلات النفاثة وزوارق المراقبة والطائرات بدون طيار. بالرغم من حجم هذه المراجعات، ازدادت الصادرات الألمانية إلى السعودية من 179 مليون يورو إلى 484 مليون يورو في النصف الأول من عام 2016. إن استيعاب ألمانيا للجزء الأكبر من اللاجئين السوريين (نحو 400,000) لا يمنحها صك البراءة من الاستفادة من النزاعات في الشرق الأوسط وإطالة أمدها نتيجة توريد السلاح. إن عدم التطرق إلى هذه الحقيقة يكون مشابها ببيع الهيروين بالقرب من المدارس من ناحية، والتبجح في تحمل نفقات إعادة تأهيل بضعة أطفال من الإدمان من ناحية أخرى.

من الأسباب الأخرى التي تم التذرع بها لاستمرار تصدير السلاح هو التهديد الذي سيطال اليد العاملة المحلية بحال تطبيق القيود على تصدير السلاح. وتضافرت مراكز الأبحاث التابعة لتجارة السلاح مع وسائل إعلام التيار الرئيسي في دعم صريح لبيع السلاح: فقد أبدى مذيع الأخبار المخضرم وولف بليتزر من شبكة CNN الإخبارية قلقا غريبا من إمكانية إيقاف مبيعات السلاح إلى السعودية: ففي نظره، تبعات فقدان الوظائف لدى متعهدي الدفاع الأمريكيين تفوق أية حجة أخلاقية قد تثار في دعم السعودية في جرائم حربها في اليمن. وبغض النظر عن الناحية الأخلاقية، فإن وولف بليتزر يبالغ بتقدير إمكانية مصانع السلاح في خلق فرص العمل. في الواقع، في العديد من البلدان،يعاني قطاع صناعة السلاح لولا الدعم الحكومي : ففي ألمانيا مثلا، يعمل في صناعة السلاح 100,000 شخص بينما في قطاع الطاقة المتجددة، حيث يمكن استيعاب نفس المهارات، يتم خلق 300,000 فرصة عمل سنويا. وفي الولايات المتحدة، فإن تخصيص الإنفاق العام في الطاقة المتجددة اوقطاع الصحة اوالتعليم من شأنه أن يخلق فرص عمل أكثر ب 50 إلى 140 بالمائة مما لو كانت أُنفقت في القطاع الحربي.

من المُستغرب أن مسؤولين غربين آخرين يؤيدون بيع السلاح على أسس إنسانية: فقد قال وزير الخارجيةالبريطانية بوريس جونسون بأنه في حال توقفت بلاده عن تزويد السعودية بالسلاح، “فإن هناك عددا من الدول الغربية الأخرى سوف يسعدها أن تقوم بتزويدها دون أن يكون لديها معايير أو أي احترام للقانون الإنساني كما في بريطانيا”. أما بالنسبة لتقارير استخدام السعودية للأسلحة في جرائم حرب، فقد ادعى بعض الوزراء البريطانيون بشكل مثير للدهشة بأن التحقيقات الحكومية في السعودية (التي برأت الجيش السعودي) كافية ولا تستدعي المزيد من التحقيقات. وراح مسؤولون آخرون إلى أبعد من هذا في تبريراتهم، فقد قال مؤخرا وزير التجارة الأسبق في بريطانيا فينيس كابيل بأنه قد غرر به من قبل وزارة الدفاع ليوقع عقد بيع صواريخ بافواي 4 الموجهة بالليزر إلى السعودية لتستخدمها في قصفها لليمن. وقد أوقف فينيس كابيل الصفقة في البداية نظرا للمخاوف التي تشمل قتل المدنيين، لكنه عاد فسمح بها عندما وُعد بأنه سيتم التدقيق على الأهداف المحتملة، الشيء الذي تنفيه الآن وزارة الدفاع.

أخيرا، بالنسبة لبعض الساسة الأوروبيين، فإن مسألة تصدير السلاح يتم البت فيها على أساس نقدي بحت. فقد تفاخر رئيس الوزراء البريطاني السابق دايفد كاميرون بجهوده لمساعدة بيع “أشياء بارعة” مثل المقاتلات يوروفايتر تايفون إلى الرياض، في ذات اليوم الذي صوَت فيه البرلمان الأوروبي على حظر السلاح على السعودية نتيجة لقصفها اليمن. سارت خليفته تيريزا ماي على الخطى ذاتها في تصدير السلاح وقالت إن العلاقات الوثيقة بين لندن والرياض قد لعبت دورا حاسما في مكافحة الإرهاب وأن التعاون مع النظام السعودي “سيساعد على إبقاء الناس في شوارع بريطانيا بأمان“. ومن السخرية، أن السياسيين الذين يستخدمون واقع تدفق اللاجئين كأداة لزرع الخشية بين المواطنين، هم في الوقت ذاته الأكثر حماسا لصناعة الأسلحة: لا يسعنا هنا إلا استذكار رئيس حزب استقلال المملكة المتحدة UKIP في بريطانيا، نايجل فراج.

فيما يتعلق بفرنسا، تبدو العلاقات مع السعودية وطيدة على الدوام وقد قلد الرئيس هولاند الأمير محمد بن نايف وسام جوقة الشرف وذلك لقاء جهود الرياض ” في مكافحة الإرهاب والتطرف”. بحصيلة مبيعات السلاح التي فاقت 3 بليون يورو إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والأردن وتركيا، تكون فرنسا 6 قد أنفقت أقل من عشر هذا المبلغ (0.31 بليون يورو) على إيواء ما يقارب 12,000 لاجئ سوري. بالنسبة إلى إيطاليا، فقد اقترح رئيس الوزراء ماثيو رينزي إعفاء مصنعي المعدات العسكرية من دفع ضريبة القيمة المضافة وأن يتاح لهم التقديم على منح للأبحاث من الاتحاد الأوروبي. أحرزت إيطاليا رقما مذهلا بنسبة 24 ضعفا بين عائدات بيع السلاح وما أنفقته على 3,300 لاجئ سوري.

إن غالبية القادة الغربيين في البلدان المتقدمة في صناعة السلاح يدافعون بفخر عن شركاتهم المصنعة للسلاح. ويبدو إما أنهم مرتاحون لما يجري أو غافلون بسذاجة عن أية علاقة بين تصدير السلاح واللاجئين… فهم يرتعدون خوفا أمام أمواج اللاجئين غير المسبوقة على حدودهم. ولا بد أن نسأل: ماذا كان يمكن أن يتوقعوا؟

الأصدقاء الجدد، أو إحياء صناعة الأسلحة في أوروبا الشرقية

فتحت دول أوروبا الشرقية أبوابها على مخازن السلاح في يوغوسلافيا السابقة وأحيت صناعة الأسلحة المحلية لديها وذلك نتيجة الارتفاع الكبير في وتيرة تصدير السلاح إلى الشرق الأوسط. لكن وفي الوقت ذاته، فقد أبدت هذه الدول قدرا كبيرا من العنصرية حول اللاجئين الفارين من الحروب .

نشرت شبكة التحقيقات الصحافية البلقانية (BIRN) مع الOCCRP في تموز من عام 2016 تقريرا يفيد بأن بلدان أوروبا الشرقية الثمانية (البوسنة، بلغاريا، كرواتيا، تشيكيا، الجبل الأسود، سلوفاكيا، صربيا ورومانيا) قد وافقت على تصدير أسلحة وذخيرة منذ عام 2012 بما يقارب 1.2 بليون يورو إلى السعودية (806 مليون يورو)، الأردن (155 مليون يورو)، الإمارات العربية المتحدة (135 مليون يورو) وتركيا (87 مليون يورو).

يشير هذا التقرير أن صادرات هذه البلدان يتم توزيعها من قبل السعودية على حليفتيها الإقليميتين، الأردن وتركيا، اللتين تشرفان على مركزين لنقل السلاح عن طريق البر أو الجو إلى سورية. و بالتدريج، بدأت الأسلحة المصنعة في يوغوسلافيا السابقة تظهر بين أيدي العديد من المنظمات المسلحة حول مناطق النزاع في سورية. وقد تم توثيق توزيع هذه الأسلحة خلال حقبة النزاع من قبل اليوت هيغنز تحت اسم مستعار براون موزيس.

وفقا لذلك، أصبحت بلغراد وزغرب وبراتسلافا وصوفيا محاور رئيسية لتصدير السلاح إلى منطقة الشرق الأوسط. ففي العام 2015 بالتحديد، وافقت صربيا على تراخيص لتصدير ما قيمته 135 مليون يورو من السلاح إلى السعودية. بينما تم رفض طلبات مشابهة في عام 2013 وذلك تحت ذريعة الخوف من انتقال هذه الأسلحة إلى سورية. بناء على التقارير الصربية الرسمية، فان إجمالي قيمة تراخيص السلاح إلى السعودية التي تم رفضها في عام 2013 قد بلغت 22 مليون دولار7. وفي عام 2013 رفضت أيضاً الحكومة الصربية أربعة طلبات استيراد صفقات سلاح ومعدات عسكرية من المملكة المتحدة وبلغاريا وبيلاروسيا وجمهورية التشيك بما قيمته 9.9 مليون دولار كان من المزمع إعادة بيعها (عن طريق صادرات) إلى السعودية 8. بعد تحقيق أجرته شبكة الصحفيين الاستقصائيين في البلقان BIRN ظهر رئيس الوزراء الصربي الكسندر فوتتش في مؤتمر صحافي في آب 2016 وقال بأنه من خلال عمله كوزيرا للدفاع في عام 2013، كان “من الممكن” أن يكون قد تسلم تقارير استخباراتية بأن هذه الأسلحة قد تنتهي في سورية. وتابع قائلا: “لا تسألوني ماذا تغير. ففي عام 2015 لم أكن وزيرا للدفاع ولا أعلم [ماذا جرى]. وسوف أتحقق من ذلك”. وكان فوتتش صريحا في معرض قوله عن فوائد تجارة السلاح عندما قال في 2016: ” أنا أعشق عندما نصدر السلاح، يكون هذا تدفقاً للعملات الأجنبية”.

في العام 2015، ذكرت مؤسسة الإذاعة والراديو الوطنية في براتسلافا بأن “سلوفاكيا صدرت إلى السعودية 40,000 بندقية وأكثر من 1,000 مدفع هاون و14 قاعدة لإطلاق الصواريخ وما يقارب 500 مدفع رشاش ثقيل وأكثر من 1,500 RPG”. ودافع رئيس الوزراء عن صفقة السلاح هذه بقوله “إذا لم نبع لهم السلاح، فإن غيرنا سيبيعه، لكن لاتأتوا إلي متباكين إذا سبب النقص في الصفقات فقدان الوظائف”. رحبت سلوفاكيا فيما بعد بعدد ملفت من اللاجئين السوريين: 64 لاجئ فقط مما رتب عليها تكاليف بلغت 400 ألف يورو. بذلك يمكن لسلوفاكيا أن تحرز قصب السبق من حيث نسبة كلف اللاجئين إلى عائدات بيع السلاح والتي بلغت 284 ضعفا.

أظهرت البيانات الرسمية أن كرواتيا قد باعت بين 2013 و2014 بأكثر من 155 مليون يورو من الذخيرة والأسلحة الصغيرة إلى السعودية و أكثر من 115 مليون دولار إلى الأردن . وفقا للبيانات الرسمية لا يوجد تاريخ تجارة أسلحة بين كرواتيا و الأردن ففي الماضي اقتصرت هذه التجارة على بيع 15 مسدسا بقيمة 1053 دولار في 2001 إلى عمان. وفي حين لا تشير البيانات الرسمية إلى أي صادرات في 2012 بين كرواتيا و الأردن، وفق النيويورك تايمز تم تسجيل 36 رحلة جوية مكوكية بين العاصمتين خلال الفترة بين كانون الأول 2012 وشباط 2013 حيث نقلت طائرات الشحن الأردنية مشتريات سعودية ضخمة من زغرب إلى عمان. و وفقاَ لمشروع التغطية الصحفية لأخبار الجريمة المنظمة والفساد OCCRP فاقت قيمة الصادرات غير الرسمية إلى الأردن 6.5 مليون دولار في شهر كانون الأول 2012. يمكن بذلك أن نفترض بثقة عن واقع بيانات رسمية متحفظ جدا و عن وجود صفقات تتم من تحت الطاولة دون التصريح عنها البتة.

في السياق ذاته و كنقطة إضافية حول القوى غير المباشرة والفاعلة على المسرح السوري، فإن مجموعة CPR Impex 9 الصربية والشركة الإسرائيلية ATL Atlantic Technology قد اشتروا شركة الجبل الأسود لصناعات الدفاع MDI في شباط 2015 . واعتبارا من آب 2015 أبرمت MDI عدة صفقات تصدير أسلحة إلى السعودية شملت 250 طناً من الذخيرة و 10,000 من الأنظمة المضادة للدروع بما يفوق 2.7 مليون يورو. ونلفت الانتباه بأنه قبل 2015 ومنذ 2006 (تاريخ توفر التقارير)، لم تنجز الجبل الأسود أية صفقة أسلحة ذات أهمية مع الشرق الأوسط إلا لإسرائيل و اليمن في العام 2010.

أما بلغاريا، فقد سجل أكبر منتج حكومي للسلاح، مصنع VMZ-Sopot أرقاما قياسية : بعد أن أشهر إفلاسه عام 2008، راح المصنع يعمل بكامل طاقته منذ 2015 مسددا بذلك ديونه البالغة 11 مليون يورو ووفر من العام المذكور 1,200 فرصة عمل جديدة. إضافة إلى ذلك، فقد نمت المبيعات من قرابة 19 مليون يورو في النصف الأول من عام 2015 إلى 86 مليون يورو في النصف الأول من 2016. ارتفعت الأرباح الصافية لمصنع VMZ-Sopot إلى حوالي 600,000 يورو بعدما كان مديناً بمبلغ 35 مليون يورو. في حين استقبلت بلغاريا 18,000 لاجئ سوري، أظهر تقرير صادر عن المؤسسة الألمانية للاجئين بعنوان “الإذلال وسوء المعاملة وعدم الحماية” حقائق صادمة عن طالبي اللجوء في بلغاريا، حيث يتعرض اللاجئون لمعاملة غير إنسانية ومهينة من قبل الشرطة وحراس السجون متضمنا ذلك الابتزاز والتعذيب.

أما روسيا، وهي مورد أساسي للسلاح للحكومة السورية، فالبرغم من محدودية مصادر البيانات- نعلم أنه على الأقل 10 % من صادرات السلاح الروسي ذهبت إلى سورية: “يقال إن روسيا لديها عقود سلاح مع سورية بقيمة 1.5 بليون دولار لأنظمة صواريخ متعددة ولتحديث الدبابات والطائرات، و بهذا تضاعفت هذه الاستثمارات في الأسلحة الصغيرة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية”. علاوة على ذلك، فإن التدريبات العسكرية الروسية التي تُزود بها سورية منذ بداية الصراع يجب أن تُؤخذ بالحسبان. وبالرغم من الدور المباشر الذي لعبته روسيا في الحرب السورية، فقد قبلت 1395 لاجئا سوريا فقط بشكل لجوء مؤقت، و حتى انها رحلت أحد اللاجئين لديها.

من خلال انتقال كميات من السلاح ليست بالقليلة إلى الجماعات السورية اكتسبت بلدان أوروبا الشرقية دورا غير متوقع لكن هام في الحرب السورية. وبالرغم من ذلك، فقد سارعت هذه البلدان بدفع اللاجئين باتجاه أوروبا الغربية بعد أن أخذوا حفنة مضحكة من طالبي اللجوء على أراضيهم.

 نقاش مضلل –بمجمله

فيما تحظى صناعة السلاح بالاستحسان نظرا لدفعها عجلة الاقتصاد في البلاد المُصنعة، لا شيء يذكر عن الدمار الذي تسببه هذه الصناعة في أمكنة أخرى من العالم. مؤخراً، ومع الكميات غير المسبوقة للسلاح المباع إلى الشرق الأوسط والمنقول إلى سوريا، فقد بدأت الحقيقة تتجلى مع تداعيات أقرب إلى عقر دار البلاد المُصنعة. وأصبح لابد من أن يطرح نقاش من نوع آخر.

برؤية مغايرة، فإن دولا أخرى مثل البرتغال تعتبر قدوم اللاجئين فرصة لإحياء بعض المقاطعات في البلاد. في الواقع فإن لشبونة قد عرضت قبول ما يقارب 5,800 لاجئ إضافة إلى 4,500 لاجئ تمت الموافقة عليهم كجزء من نظام حصص اللاجئين في الاتحاد الأوروبي. تجدر الإشارة هنا أن البرتغال باعت بما قيمته 500,000 يورو من الأسلحة إلى الشرق الأوسط.

وبحسب فيليب ليغران، المستشار الاقتصادي السابق لرئيس المفوضية الأوروبية، فإن اللاجئين في الواقع لن يؤثروا على تخفيض الرواتب أو ازدياد معدل البطالة لدى البلدان المُضيفة. في الحقيقة، تُظهر الحسابات بأنه بالرغم من أن استيعاب أفواج اللاجئين سوف يزيد من الدين العام لدول الاتحاد الأوروبي بما يقارب 69 بليون يورو بين عامي 2015 و 2020، فإن اللاجئين وفي خلال الفترة ذاتها سوف يساهمون في نمو الناتج المحلي الإجمالي GDP بقيمة 126.6 بليون يورو. في الواقع، فإن استثمار مبلغ 1 يورو في استقبال اللاجئين يمكن أن يجني ما يقارب 2 يورو في العوائد الاقتصادية خلال خمس سنوات . أوضح ليغران أيضا كيف يمكن للاجئين أن يساهموا في حل مشاكل ديمغرافية وشيكة في أوروبا.

النقاش حول تدفق اللاجئين وما يترتب عليه من أعباء ثقيلة على المجتمعات هو إذا خاطىء. ليس فقط في أنه يلقي باللائمة على اللاجئين وهروبهم من الحرب المشتعلة في بلادهم ورغبتهم في الاستقرار، بل يتجاهل تواطؤ البلدان الغربية في جني الأموال من الحروب التي يفر اللاجئون منها. وزيادة على ذلك، يبقى السؤال عن الرابح من تجارة السلاح ما بين الحكومات التي توافق على الصفقات أو الشركات المصنعة، علماً بأن الحكومات هي التي تغطي نفقات إعادة توطين اللاجئين. فبدلا من توجيه الغضب والاعتراض إلى اللاجئين، يجب توجيهه إلى شركات صناعة السلاح وعلاقتها بصانعي القرار والسياسات الداعمة للحروب التي ينتهجونها .

بينما تم التركيز في نقاشنا على قضية اللاجئين السوريين وعلى الأسلحة التي تغذي الحرب في سورية، هناك صراعات أخرى في الشرق الأوسط تستحق التمحيص ذاته. إن مبيعات السلاح من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والتي تغذي الصراعات في العراق واليمن وليبيا يجب أيضا أن تؤخذ بعين الاعتبار في احتساب مديونية الغرب إلى الشعوب في العراق واليمن وليبيا. إن السبب في عدم انضمام اليمنيين إلى اللاجئين السوريين في أوروبا وغيرها من البلدان الغربية هو أن بلادهم محاصرة بريا من السعودية من ناحية و من حظر بحري خانق من ناحية أخرى. يوجد حاليا 3 ملايين يمني نازح   داخليا و 14 مليون يمني يعاني من شح الأمن الغذائي.

[اضغط/ي هنا للنسخة الإنجليزية من المقال]

هوامش:

1. تحليلاتنا تعتمد على بيانات مأخوذة من أبحاث متاحة للجميع تشمل المقالات وبيانات رسمية للاتحاد الأوروبي وبيانات منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية بالإضافة الى أبحاث قامت بها مراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية حول تجارة السلاح. نرحب بأية معلومات إضافية من القراء والتي قد لا تكون متاحة الى العامة .

2. بداية توفر البيانات من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بخصوص اللاجئين السورين في اوروبا.

3.من أجل تفاصيل الاحتساب الرجاء الإشارة الى الملحق رقم 2

4. بلغت تكلفة اسبانيا 3329 يورو لايواء لاجئ واحد لمدة عام وانسحب ذلك على بوسنيا وبلغاريا وكرواتيا والجمهورية التشيكية وقبرص واليونان ومالطا والجبل الأسود ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا وسلوفينيا.

5. حول موضوع مساهمات الدول الغربية في البرنامج السنوي للأمم المتحدة لخطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية (Regional Response Plan, RRP) تهدف هذه الخطة الى تغطية حاجات اللاجئين والجماعات المضيفة لهم في الجوار السوري (الأردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر)والتي استقبلت نحو 4.8 مليون لاجئ. البيانات الموثوقة والمتناسقة حول حقيقة المساهمات الفعلية (مقارنة بالتعهدات) في هذا البرنامج محدودة وغير متكاملة لكافة الدول المانحة موضوع الدراسة خلال الفترة 2011 – 2016 وقد أدرجنا المساهمات الفعلية في الجدول رقم 1 أدناه معتمدين الأرقام المذكورة في خدمات التتبع المالي لدى
Financial Tracking Service OCHA. هذه المحدودية في البيانات لا تؤثر على حساباتنا التي تتناول مسألة إيواء اللاجئين في البلدان المصدرة للسلاح و ليس هؤلاء في بلدان الجوار السوري. في حين أن الضرائب في الغرب هي التي تمول النفقات في كلا الحالتين( دعم اللاجئين في الغرب وفي بلدان الجوار السوري )، لم تكن مسألة دعم لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر في استضافة اللاجئين مطروحة على بساط البحث في الغرب. بهذا المعنى، تهدف هذه الدراسة المساهمة في النقاش عن موجات اللاجئين في الغرب وعلى أرضه.

6. لقد لفت انتباهنا بأن أحد المصادر الحكومية الفرنسية أظهر أنه في عام 2014جنت فرنسا 3.6 بليون يورو في صفقات بيع السلاح إلى للسعودية بينما الرقم المعلن من قبل الحملة المناهضة لتجارة السلاح(CAAT) كان أقل من ذلك بكثير. بالرغم من أرقام أكثر تحفظاً لتلك المنظمة سوف نعتمدها في هذه الدراسة لإمكانية ودقة المقارنة مع باقي الدول .

“2013 Report On Performed Activities of Exports and Imports of Arms, Military Equipment, Dual Use Goods, Arms Brokering and Technical Assistance”, Serbian Ministry of Trade، Tourism and Telecommunications، Stockholm International Peace Research Institute, الملحق 10 صفحة 76

8. المرجع ذاته، الفقرة 11 الصفحة 27 والملحف 11، صفحة 77

9. تم توقيف صاحب شركة المدعو كوموغوراك في تموز 2014 من قبل البوليس الصربي بتهمة سوء الاستخدام المكتبي من خلال عدد من المناقصات العسكرية لتزويد معدات عسكرية فائضة خلال الفترة بين 2011 و 2013 . وقد اسقطت هذه الاتهامات فيما بعد، لكن من وقتها تم التحقيق معه من قبل الأمم المتحدة بزعم انتهاك عقوبات منع تجارة السلاح مع ليبيا.

[تُنشر هذه المقالة ضمن اتفاقية شراكة مع جدلية]
[.This article is published jointly in partnership with Jadaliyya]
ذاكرة المستقبل

ذاكرة المستقبل

كنت جالساً البارحة بمفردي، وهذا بحد ذاته الآن شيء لا ينصح به لكل السوريين في المهجر، أتابع الأخبار. لا شغف ولا إثارة كانت تأتي من جميع القنوات الاخبارية أوصفحات التواصل الاجتماعي. على الرغم من أن معظم الأخبار كانت تركّز على مدينتي الجريحة. ليس فقط على المدينة، بل أكثر تحديداً على بعض الأحياء التي قضيت فيها سنين مراهقتي الشقية. السنين التي تعرفت فيها على عشيقتي التي قضيت معها ثلاثة عشر عاماً من الحب، حبيبتي حلب.

في سن الثالثة عشرة، اتخذت قراراً مبكراً بمغادرة قريتي البسيطة والذهاب إلى المدينة. حلب وقتها لم تكن غريبة علي وبنفس الوقت لم تكن ذلك المكان الذي آلفه جيداً أيضاً. حصل والدي الذي كان يعمل في المؤسسة العامة للاتصالات على منزل في حي سكني يدعى «مساكن هنانو». لم يكن والدي يعشق حياة المدينة ولكن قراره بالحصول على المنزل كان براغماتياً. القيمة الحقيقية للمنزل كانت أكثر بكثير من الأقساط الشهرية التي كان يدفعها والدي لمؤسسة الاسكان العسكرية وأيضاً فإن والدي قد رأى بأن هناك حركة هجرة متزايدة من الريف إلى المدينة لذلك فإن قيمة العقار سترتفع بدون أدنى شك. 

قرر أحد أشقائي أن يسكن في ذلك المنزل في الحي الجديد مع أسرته وبعد سنتين قررت الانضمام إليه بحكم أن قريتي الصغيرة لم تكن فيها مدرسة اعدادية ولم تكن تتسع لأحلامي الكبيرة حسب ما رأى أساتذتي في الابتدائية. كان حي مساكن هنانو وقتها جديداً ومميزاً تسكنه العديد من الفئات الاجتماعية المختلفة من طبقات وأديان واثنيات. يبدو أن والدي لم يكن الشخص البراغماتي الوحيد حينها. الكثير من الناس من الطبقة الوسطى من موظفين ومدرسين ومهندسين ومحامين قرروا استثمار مبلغ مادي بسيط للحصول على منزل في مساكن هنانو. الحي كان أيضاً يحتوي على أحياء سكنية للعاملين بقطاعات معينة مثل الجيش والشرطة وبعض مؤسسات الدولة الأخرى. 

هذه البنية الاجتماعية لم تستمر طويلاً مع الأسف إذ أن أغلب البراغماتيين بدأووا ببيع بيوتهم أو تأجيرها عندما أصبح ذلك ممكناً. وفي فترة معينة تحول الحي إلى مكان يسكنه أصحاب الدخل المحدود من عمال وموظفين. استمر الحي بالتغير جزئياً وفي مرحلة أخرى بدأ أصحاب الدخل المحدود أنفسهم بالتفكير بشكل رأسمالي يتماشى مع الأوتوقراطية الجديدة التي أوحت بها سياسات الرئيس الابن والتي كانت مليئة بالفساد والرشاوى وسياسات تحت الطاولة. بدأ العديد من الآباء من مساكن هنانو بشراء أراض مجاورة للحي الذي كان يشبه لدرجة كبيرة أي مستوطنة اشتراكية في بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة حيث لايمكن لأكثر من عائلة صغيرة أن تسكن في الشقة. المنطقة الجديدة كانت تدعى «الأرض الحمرا». ومن الاسم نعرف بأنها كانت منطقة أراضي زراعية على الأغلب. 

اشترى أحد جيراننا قطعة صغيرة من الأرض ليبني بيتاً لولديه اللذين كانا من أصدقائي المقربين جداً وكانا وقتها في سن الزواج حسب العرف الشائع في المنطقة. كان ذلك قبل وقت قصير من مغادرتي للحي ورحلتي الشيقة للعيش في أحياء مختلفة في المدينة أثناء دراستي الجامعية.

 أتذكر تلك الأيام التي كنت أعود فيها منهكاً من العمل وبعد يوم دراسي شاق ثم أذهب لمساعدة صديقيّ في نقل القرميد وزق النحاتة البيضاء. كان لذلك معنى رمزياً كبيراً فأنا أساعد أصدقائي في بناء منزلهم. أما المعنى الآخر فكان هاجسي بأن أثبت لهما بأن ذهابي إلى الجامعة وقراري بترك الحي لن يغيرني ولن يغير طبيعة صداقتنا مهما كان الثمن. كان شباب الحي الدين قرروا البقاء، وربما شراء قطعة أرض في الأرض الحمرا متواجدين بشكل يومي لمساعدة صديقيّ. بالنسبة لهم ربما كان ذلك نوع من الإقرار الذي يجب أن يتخذوه ليشعروا بالطمأنينة والتعزيز للموقف الذي اتخذوه ببناء منازلهم والاستمرار بحياتهم هناك. شعور مفعم بالانتماء. لم أرغب حينها بأن أشعر بأنني الشخص الغريب أو الشخص الذي قرر الانسلاخ عن الحي وسكان الحي الذين كبر معهم وأصبحوا جزءاً من ذاكرته وتاريخه الشخصي.

البارحة كانت الكثير من الأخبار المصورة تأتي من حي مساكن هنانو وكيف تمكن الجيش النظامي من السيطرة عليه بعد أن دمّر العديد من المباني وألحق الضرر بالمباني الباقية وهجّــر من تبقى من أهله أو من أوى إليه بعد أن فقد منزله في مكان آخر. جاءت كل هذه الذكريات ثقيلة وكثيفة دفعة واحدة. حاولت أن أتمسك بها أوأضعها على الورق للتعبير عن موقفي وعن غضبي ولكنني عجزت عن إمساك القلم وظلّت الذكريات تسيل كالماءالمخلوط بالزيت من بين أصابعي التي تابعت ممارسة عجزها عن فعل الكتابة. 

اليوم عشت ساعات طويلة من التشويش الفكري الذي حجب عني قدرة النظر إلى الخلف. لم أعرف إن كان هذا فعلاً إرادياً من وعي مسيـــر أم أنه فقط ردة فعل من لاوعي قرر السير قدماً والنظر إلى الأمام. امتلاك ذاكرة في زمن الصراعات من هذا النوع هو أمر مرعب ومثير للإرباك! عندما تركّز على ماض كان جميلاً ثم تراه يختفي وأنت لا تستطيع فعل شيء، فإن شعورك اليومي بالعجز يتنامى لدرجة ترفض فيها أن تقبل بمطالبة تلك الذكريات بالعودة وبنفس الوقت، تمتلك رغبة جامحة بعدم خسارتها!

الشيء الذي أرهقني هو أنني تذكرت يوم قررت الرحيل، قررت أن أترك دفاتر قصائد المراهقة وكراسات القصص القصيرة التي لم أمل من قراءتها لأصدقائي في المدرسة على طريق العودة من حي الصاخور حتى عندما كان الطقس بارداً. قراري بترك تلك الدفاتر كان بياناً رسمياً بانتمائي للمكان. أتذكر وقتها بأنني فكرت فكرت طويلاً ثم قلت لنفسي بأنني أريد أن أترك جذوراً لي هنا. عندما أعود- لأنني سأعود يوماً- أريد أن أشعر بانتمائي لذكرى الأمكنة وقصص الخيال الذي منحتني إياه المدينة بأضواءها وأزقتها الضيقة وضحكات صباياها من خلف ستائر شبابيك الشتاء.

اليوم رأيت منزلي في مساكن هنانو مخرباً. صفعتني ذاكرة غريبة بدون وجه ومضت سريعاً. كان عندي قدرة هائلة بالتعرف وتذكرالحي والمبنى والشارع والمنزل رغم كل الدمار الذي حل بهم. سمعت صوت دفاتري القديمة وكان الصوت غريباً علي. خدر كثيف أصاب ذاكرتي لفترة ليست بقصيرة وعندما صحوت شعرت برفض تام بالعودة إلى الخلف. لم أفهم لماذا؟ مازلت غير قادر على تفسير هذا الشعور. الشيء الوحيد الذي أفكر به الآن، (ويزعجني ويضايقني بمجرد وجوده في حيز تفكيري)، هو ما سأقوله غداً لصديق يسألني عن حلب أو شريكة تحاول التخفيف عني أو حتى لطفل لا أتوقع قدومه حتى الآن. أريد ذاكرة للمستقبل ولكن كيف؟ لست أدري.

أجلس الآن في غرفتي الصغيرة في السكن الجامعي في بودابست. أحاول صرف انتباهي عن الذاكرة بسماع الموسيقى والتفكير بما سيأتي. أجلس وحيداً وأعرف أنه ليس الشيء الذي علي فعله الآن. أنظر إلى شاشتي الصغيرة وأضيع مجدداً في الأخبار القادمة من مدينتي من حينا ومن منزلي القديم. أرى الناس تهجــر قسرياً وتعود إلى دائرة الهتاف البعثي القديم وتخليد الابن بعد الأب والذود عنه بالروح وبالدم. أحاول أن أنظر في عيونهم عبر شاشتي الصغيرة. لا أرى أي تعابير. وجوههم أيضاً فقدت تعابيرها. ربما هم مثلي خسروا شيئاً من تاريخهم الشخصي أو ربما هم أفضل مني بكثير… فأنا مازلت جالساً هنا أشعر بالعجز وأمارس حياتي اليومية وأبني ذاكرة جديدة للمستقبل.

[تُنشر هذه المقالة ضمن اتفاقية شراكة مع جدلية]
[.This article is published jointly in partnership with Jadaliyya]
الآثار السمّية للحرب السورية

الآثار السمّية للحرب السورية

 

أدت الحرب التي ما تزال متواصلة في سوريا إلى قتل أعداد كبيرة وسببت دماراً كبيراً في المدن والبلدات السورية وبالإضافة إلى التأثير المباشر للصراع المسلح على حيوات السكان وسبل معيشتهم فإن هناك تأثيرات صحية وبيئية بدأت تفرض نفسها كمشكلات خطيرة تستحق انتباهاً مباشراً وطويل الأمد.

وتخلّف الحرب الأهلية السورية آثاراً سمّية ناجمة بشكل مباشر أو غير مباشر عن تلوث ذي منشأ عسكري تسهم فيه كل الأطراف. فالمعادن الثقيلة في الذخائر والمخلفات السامة من قذائف المدفعية والقنابل الأخرى ودمار الأبنية ومصادر المياه واستهداف المناطق الصناعية ونهب المنشآت الكيماوية، يحدثون تأثيرات سلبية طويلة الأمد في الجماعات التي تعاني في الحرب.

ويوحي وزن النشاط العسكري في سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة بأن الملوثات والتلوث غير المباشر سيتركون خلفهم ميراثاً سمّياً طويل الأمد في البيئة يمكن أن تنجم عنه مشكلات صحية خطيرة في السنوات القادمة. ووسط عنف متواصل من المبكر جداً تقويم النطاق الكامل للمخاطر على الصحة البشرية والبيئية في أنحاء سوريا الناجمة عن مواد سامة أو مشعة مصدرها الذخائر والأنشطة العسكرية.

وقد كشفت دراسة أجرتها المنظمة الهولندية غير الحكومية باكسعن سلسلة من المشكلات في مناطق معينة. فالاستخدام المكثف للأسلحة ذات العيار الكبير في الحصار المطول للمدن كحمص وحلب أدى إلى تناثر ذخائر متنوعة تحتوي على مواد سامة معروفة كالمعادن الثقيلة ومخلفات انفجارية من المدفعية وقصائد الهاون والأسلحة محلية الصنع التي فيها مواد مسرطنة معروفة مثل التي إن تي والوقود الدفعي الصاروخي السام من صواريخ مختلفة يطلقها كلٌّ من الجيش السوري وقوات معارضة.

إن المثال الأفضل المعروف هو قنابل البراميل المتفجرة والتي تحتوي على مئات الكيلوغرامات من التي إن تي والآر دي إكس ومواد حيوية أخرى والتي غالباً لا تنفجر ويمكن أن تؤدي إلى تلوث محلي إذا لم تُنظف بشكل ملائم.

وعلى نحو مشابه، إن التصنيع  غير الدقيق للذخائر في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة يشمل القيام بسلسلة من عمليات الخلط الكيماوية السامة تتطلب خبرة مهنية وبيئات عمل آمنة غير متوفرة في مشاغل المعارضة.

أما استخدام الأطفال في جمع مواد الخردة وفي عمليات الإنتاج يطرح مخاطر صحية كبيرة. أضف إلى ذلك مجازفة التعرض لمواد بناء مدمرة يمكن أن تحتوي على مادة الإسبست وملوثات أخرى. وهناك ذرات الغبار السمية التي يمكن ان تُستنشق أو تُبتلع بما أنها تنتهي غالباً إلى داخل المنازل وإلى مصادر المياه والخضار.

وفي مناطق كالمدينة القديمة المدمرة في حمص حيث بدأ المشردون بالعودة تنتشر على نطاق واسع أنقاض الأبنية والغبار السمي من المواد المتفجرة وهذا يعرض الجماعة المحلية وعمال الإغاثة لمشاكل صحية خطيرة. فضلاً عن ذلك، إن غياب إدارة المخلفات في المناطق المدينية التي يسودها العنف يمنع الجماعات من تخليص حاراتهم من المواد السامة التي يمكن أن تحدث تأثيراً خطيراً على رفاههم طويل الأمد.

ومن الواضح أن كارثة بيئية وصحية عامة تحدث في المناطق السورية المنتجة للنفط حيث تنتشر صناعة النفط المخالفة للقانون وحيث يعمل المتمردون والمدنيون غير الماهرين ويتعاملون مع مواد خطرة. فالاستخراج البدائي للنفط وعمليات تكريره التي تتم في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون يسببون انتشار الغازات السامة وتلوث الماء والتربة في الجماعات المحلية. ومن خلال الدخان والغبار اللذين يثيرهما الاستخراج غير المنظم وغير النظيف وعمليات التكرير والتسربات التي تلوث المياه الجوفية النادرة في منطقة هي بالأساس زراعية فإن تلوث مصافي النفط الخام ينتشر إلى القرى الصحراوية المحيطة.

وحذرت تقارير الناشطين المحليين من أمراض مرتبطة بالنفط تنتشر في دير الزور كالسعال المتواصل والحروق الكيماوية التي من المحتمل أن تسبب أوراماً. وفي المستقبل المنظور سيواجه المدنيون في المناطق المتأثرة بهذه المشكلات مجازفات خطيرة بسبب التعرض للغازات السامة بينما من المحتمل أن تصبح مناطق واسعة غير صالحة للزراعة.

وما تزال العواقب الإنسانية والبيئية المحتملة لاستهداف المواقع والمخزونات الصناعية والعسكرية غير واضحة. فمدينة الشيخ نجار الصناعية والتي تأوي آلاف النازحين من حلب القريبة شهدت قتالاً عنيفاً أدى إلى خطر تعرض المدنيين لمواد سامة مخزونة مثيرة للقلق سواء من خلال استهداف المنشآت في الموقع أو من خلال إجبار اللاجئين على البقاء في بيئة خطيرة.

إن تأثير الصراع العنيف على الصحة والبيئة يتطلب عملاً عاجلاً لتقويم النتائج طويلة الأمد للحروب، وذلك من منظور عسكري يتعلق بالآثار السمية لبعض الأسلحة التقليدية ومن منظور آخر يتعلق بتقييم ما بعد الصراع والذي يجب أن يشمل وعياً أكبر حيال تأمين ومراقبة الصحة والبيئة.

المصدر: موقع كاونتر بنش
*بيتر بوث: باحث يعمل في المنظمة غير الحكومية باكس التي تقوم بدراسة حول المخلفات السمّية للحرب في سوريا.

ترجمة: أسامة إسبر

سوريا بين التلوث الفكري والتلوث البيئي

سوريا بين التلوث الفكري والتلوث البيئي

لا يكترث المتحاربون بتساقط الضحايا ولا بدمار العمران، كما لا تهمهم نتائج أفعالهم على المدى الطويل، ويتمخض الصراع في سوريا كل يوم عن آثار ونتائج ستؤدي إلى أن ينال العذاب والموت لا ضحايا الحرب المباشرين بل الأجيال القادمة التي لا ذنب لها إلا أنها تولد في مناطق الصراع، والدمار الذي طال المدن ببنائها الحديث وآثارها العريقة وأسواقها التاريخية والنهب المنظم للآثار أو تدمير ما لا يمكن المتاجرة به منها، والاستخراج والتكرير البدائي للنفط والذخيرة المستخدمة ضد أهداف مدنية أو عسكرية.

في هذا السياق المتولد عن الحرب التي ما تزال رحاها دائرة تغلغل السم إلى كأس الماء الذي يشرب منه السوري، وفي الخضراوات التي يصنع منها سلطته وفي الهواء الذي يتنفسه.

وليس التلوث مادياً فحسب، إنه معنوي أيضاً، فالصمت عن الجريمة تلوث، والصمت عن قول الحق تلوث، والكراهية تلوث، وتبرير قتل الإنسان تحت أي شعار أو كذبة تلوث، والشماتة بما يجري للآخرين تلوث، وفي فضاء الحرب السورية تتقاطع أشكال التلوث الروحي والمادي كي تتجلى في الانقسام الطائفي الحاد، وفي الأمراض الخبيثة والقاتلة، وفي التشوهات الخلقية والأمراض الجلدية وفي السعال المتواصل.

وكما تنفجر الذخائر وتزرع سمومها في التراب والمياه والهواء تنفجر الأفكار القاتلة ناثرة بذور مرضها في النفوس ولا شفاء من كل هذا إلا بالصحوة المدنية، التي تؤسس دولة القانون، الدولة المدنية التي تحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير وتحرسها.

حين تسقط قذيفة، أو قنبلة، أو صاروخ على موقع أو هدف سواء كان عسكرياً أو مدنياً فإنهم يحدثون نوعين من التدمير والقتل: النوع الأول هو القتل المباشر والقضاء الفوري على الهدف ومحيطه، والثاني هو القتل غير المباشر والذي يمكن أن يؤدي إلى سقوط الضحايا على نحو بطيء أو سريع في مدة زمنية قد تطول أو تقصر، وهذا القتل، النوع الثاني منه، هو قتل البيئة بالسموم والمواد الكيماوية الناجمة عن انفجار الذخائر، والتي تلوث التربة والمياه ومن ثم تنبثق في الجسد السوري في سرطانات وأمراض جلدية وتشوهات خلقية وهذا ما تشهده سوريا في أثناء الحرب بأرقام مخيفة.

وبحسب أرقام كشفت عنها مصادر سورية رسمية يحتل مرض السرطان المرتبة الأولى بين الأمراض التي تصيب السوريين بسبب المواد السامة والمؤكسدة وأشكال التلوث الأخرى، ومما يزيد الطين بلة صعوبة تلقي العلاج بسبب ظروف الحرب والغلاء الرهيب للأدوية وعدم توفرها أحياناً.

وفي دير الزور، وبحسب تقارير محلية ودولية، انتشرت أكاسيد الكبريت وكبريت الهيدروجين والهيدروكربونات بسبب قيام داعش باستخدام أساليب بدائية في استخراج النفط وتكريره أدت إلى انبعاث الدخان الذي أطلق هذه المواد التي سببت انتشار الأمراض الجلدية والتشوهات الخطيرة. وتشكلت نتيجة لذلك أمطار حامضية محملة بأكاسيد الرصاص المسرطنة.

لا يقتصر الأمر على هذا، فقد تراكمت النفايات في مناطق عديدة على امتداد البلاد وقد أدى تخمرها إلى تلوث التربة والمياه الجوفية كما أن القطع المنظم للأشجار في كل أنحاء البلاد بسبب أزمة الوقود التي أجبرت السكان على أن يعانوا من شتاءات قارسة جرد البيئة من أهم دفاعاتها.

وإذا ما تجول المرء في الغابات وفي السفوح الجبلية والأودية السورية سيسمع أنين الجذور المبتورة ويرى ملامح التصحر في تقاطيع المكان، فأشجار السنديان والبلوط والدلب والسرو والحور والقطلب والزعرور والدوام استهدفتها فؤوس الحرب وتجارها الذين جردوا سوريا من جيش طبيعي مسلح بالخضرة يحمي بيئتها.

وفي المدن السورية الكبرى إما تتراكم النفايات أو تْحرق وكل أمر أسوأ من الآخر فإحراقها يؤدي إلى إطلاق السموم في الجو، وعدم التمكن من إزالتها يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة كما أن تخمرها وتعفنها يلوثان التربة والمياه الجوفية.

هذا جزء من الواقع الذي أنتجته الحرب في سوريا والتي أدت إلى تدمير وقتل وتشريد لا مثيل لهم في العصر الحديث، ويمكن القول إن النتائج السلبية لهذه الحرب لن تنتهي مع توقف هدير الدبابات والطائرات وصوت البنادق، لأن التخلص من التلوث وسمومه يحتاج إلى وقت طويل.

ولا يسعني إلا أن أقول إنه تقع على عاتق السوريين المعنيين بمستقبل سوريا مهمتان مصيريتان: الأولى هي حماية ما تبقى من البيئة وتنظيف ما تلوث منها، وهذا يحتاج إلى جهود جبارة، أما المهمة الثانية فهي تنقية البيئة الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية من التلوث الطائفي عبر حوار وطني شامل من الصعب تخيل كيف يمكن أن يحدث الآن. لكن ربما في المحاولة يكمن جزء من النجاح.

Syria war: ‘Dozens of civilians killed’ in Raqqa air strikes

Syria war: ‘Dozens of civilians killed’ in Raqqa air strikes

“US-led coalition air strikes have killed dozens of civilians in the Syrian city of Raqqa over the past 24 hours, activists and state media say.

The Syrian Observatory for Human Rights reported that 42 had died in attacks on areas held by so-called Islamic State.

Anti-IS group Raqqa is Being Slaughtered Silently said 32 were killed in one district alone.

The coalition said it adhered to strict targeting processes and procedures aimed to minimise risks to civilians.

Its aircraft are supporting a ground assault on Raqqa by the Syrian Democratic Forces (SDF) alliance, which is believed to have captured more than than half of the de facto capital of the IS “caliphate” since early June.

The Syrian Observatory, a UK-based group that monitors the six-year-old civil war through a network of sources, said on Tuesday that 19 children and 12 women were among those killed in Monday’s air raids on the Sukhani and Badu districts.

The figures took to 167 the number of civilians killed in coalition strikes since 14 August, it said.

‘The tolls are high because the air strikes are hitting neighbourhoods in the city centre that are densely packed with civilians,’ Syrian Observatory director Rami Abdul Rahman told AFP news agency.

Hussam Essa of Raqqa is Being Slaughtered Silently said: ‘Unfortunately, civilians have no way to protect themselves. All they can do is try to hide in whatever shelter they can and avoid going out into the street as much as possible.’

The coalition said it took all allegations of civilian casualties seriously and assessed those deemed credible, but that those made by the Syrian Observatory in recent days lacked ‘specificity and detail making it very difficult to properly assess.’

‘The coalition respects human life and our goal is always for zero civilian casualties,’ it added. ‘Coalition forces take all reasonable precautions during the planning and execution of airstrikes to reduce the risk of harm to civilians.’

Earlier, it said coalition warplanes had conducted 20 air strikes in the Raqqa area on Monday, engaging 13 IS tactical units and destroying 24 fighting positions, a vehicle, a logistics node and communications infrastructure.

At the start of June, the coalition said its 22,983 air strikes in Syria and Iraq since 2014 had unintentionally killed at least 624 civilians. However, human rights groups believe the true figure is far higher.

Airwars, an organisation that tracks allegations of civilian deaths, said that as of 8 August, coalition air strikes were likely to have killed at least 4,487 civilians.

On Monday, UN spokesman Stéphane Dujarric told reporters that it was deeply concerned for the safety of up to 25,000 civilians trapped inside Raqqa, many of them women and children.

Tens of thousands of people had fled the city, but those remaining faced severe restrictions of movement in and out of the city, which had dwindling food and water supplies, he said.

‘The UN stresses again that all parties to the fighting are obligated to protect civilians under international humanitarian law as well as the need for sustained and unhindered access to those who need help,’ Mr Dujarric added.”

[This article was originally published by the BBC.]

!أرقام رسمية سورية “صادمة” لعدد ضحايا الحرب

!أرقام رسمية سورية “صادمة” لعدد ضحايا الحرب

علاء حلبي – سوريا

على الرغم من صعوبة إحصاء عدد ضحايا الحرب المندلعة في سوريا منذ عام 2011 وحتى الآن، إلا أن مؤشرات رقمية دلالية يمكن أن تعطي صورة تقريبية لحقيقة هذا الرقم، الذي دخل المزاد الأممي، ودعايات الناشطين، بين من زاد العدد على مليون ضحية وآخرين قاموا بتحجيمه بدرجات كبيرة.

رئيس قسم الطب الشرعي في كلية الطب في جامعة دمشق الدكتور حسين نوفل قام بتنفيذ إحصاء تقريبي يوضح حقيقة هذا الرقم معتمداً على عدد الضحايا المسجلين في المستشفيات السورية بشكل رسمي، في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث قام بإحصاء أكثر من 400 ألف ضحية تم تسجيلها في المشافي السورية.

وقال الدكتور نوفل لموقع قناة ‘الجديد’ إن ‘هذا الرقم هو تقريبي، حيث يصعب تحديد الرقم الدقيق بسبب طبيعة الحرب في سوريا وصعوبة الوصول إلى ارقام موثوقة من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة’، وتابع: ‘طبعاً إذا حلنا على أرقام دقيقة من تلك المناطق فإن الرقم سيكون أكبر من هذا الرقم بكثير.’

وأشار رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق إلى أن مستشفيات دمشق وريفها تشيع يومياً نحو 40 إلى 50 ضحية، وأنها تستقبل نحو 150 مصاباً، وأضاف ‘ عدد المصابين يكون بنحو 10 أضعاف الضحايا ما يعني أن عدد المصابين جراء الحرب السورية يبلغ نحو 4 ملايين مصاب’

وتقترب هذه الأرقام بشكل كبير من الأرقام التي ذكرها ‘المرصد السوري لحقوق الانسان’ المعارض الذي ينشط من بريطانيا، والذي قدر في آخر إحصاء له عدد ضحايا الحرب بنحو 460 ألف ضحية، إلا أنها تبتعد بشكل كبير عن إحصاءات الأمم المتحدة التي أصدرتها العام الماضي والتي قدرت عدد الضحايا بنحو 250 ألف ضحية.

الأرقام الرسمية الجديدة التي قدمها الدكتور نوفل لا تتضمن تحديد نسب واضحة للضحايا من النساء والأطفال بسبب “صعوبة الحصول على أرقام دقيقة في هذا الشأن”، وفي الدكتور نوفل، إلا أن ‘قسم كبير من الضحايا تم تسجيلهم في مواقع التماس والمناطق التي شهدت أعمالاً قتالية.’

وخلال حديثه، كشف الدكتور نوفل عما أطلق عليه اسم ‘البرنامج السوري’ للتعرف على هوية الضحايا، وأوضح ‘ بداية الأحداث حاولنا تطبيق البرنامج الأميركي الذي تم اعتماده بعد حادثة برجي التجارة العالميين، للتعرف على هوية الضحايا، خصوصا الذين تعرضوا للتشويه بسبب التفجيرات وغيرها، إلا أن البرنامج الأميركي اعتمد على بيانات شركات التأمين، وهي بيانات غير موجودة بالشكل الكافي في سوريا، كما حاولنا تطبيق برنامج تسونامي، إلا أننا واجهنا ذات المشكلة وهي عدم وجود بيانات كافية، لذلك قمنا بدراسة الوضع في سوريا بشكل كامل وقمنا بتصميم برنامج يتناسب مع شكل البيانات المتاحة في سوريا الأمر الذي سهّل بشكل كبير من عملية التعرف على هوية الضحايا.’

في السياق ذاته، اشار الدكتور نوفل إلى أن عدد الضحايا الذي تم جمعه من المستشفيات السورية، يتضمن ايضاً جثث المسلحين والارهابيين الذين قاموا بتفجير أنفسهم، و أوضح “مثلاً في التفجير الأول الذي وقع في دمشق، تم إحصاء وجود 6 جثث لأشخاص مجهولي الهوية لم يتم التعرف عليهم، ولم يتقدم أي أحد للتعرف عليهم فتم أخذ عينات من الحمض النووي لهم، وهم من المسلحين الذين قاموا بتنفيذ الاعتداء وتفجير أنفسهم.’

يذكر أن عدد الضحايا الناجم عن الحرب في سوريا يأتي ضمن سلسلة أرقام توضح حجم “الكارثة” الانسانية التي حلت بسوريا جراء اندلاع الحرب، فبالإضافة إلى هذا الرقم الكبير، تشير إحصاءات وكالة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن الحرب خلفت نحو 3 ملايين معاق، و 4 من كل 5 أطفال سوريين لاجئين فقدوا فردا واحدا على الأقل من أسرهم، بالإضافة لأرقام أخرى تتعلق بشكل الحياة في ظل الحرب منها أن 7 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و 85 % من السوريين يعيشون في فقر.”

قناة ‘الجديد’