يوميات سورية: مواسم الحصرم

يوميات سورية: مواسم الحصرم

دمشق

وافق أمجد، الذي يعمل كـ”طورنجي” سيارات، على الالتحاق بالدراسة كطالب بالصف السابع رغم أن عمره تجاوز السابعة عشرة، فهو يدرك عدم إلمامه بالمعلومات الأساسية واللازمة للتقدم لامتحان الشهادة الإعدادية. وجد أمجد مكانه في صف دراسي بمركز تعليمي أعدته جمعية أهلية تراعي ظروف النازحين والمهجرين والمتسربين من التعليم، وتقدم لهم الدروس والمستلزمات المدرسية إضافة للحوافز لتشجيعهم على متابعة الدراسة.

الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين كافة تلعب دوراً أيضاً في زيادة حركة التسرّب من المدارس، والتي يحاول الأهالي والتجار التحايل عليها للاستمرار، ففي مواسم المدارس تبيع العديد من البقاليات الدفاتر والأقلام بالدين دونما فائدة (ليتم دفع المبالغ لاحقاً)، كما أن السوريين باتوا خبراء بتدوير ما لديهم وما يحتاجونه بمهارة عالية، كأن يشتري الأهل علبة أدوات هندسية واحدة لكافة أبنائهم الطلاب، وكذلك علب التلوين والمساطر الرقمية أو الآلات الحاسبة وسواها من المستلزمات المدرسية غالية الثمن.

تقول خلود وهي معلمة رسم بمدرسة ابتدائية حكومية، بأنها سألت تلميذا عن علبة الألوان الخاصة به، فاستأذنها ليحضرها من أخيه في الصف الأعلى، لأنهما يتشاركان علبة تلوين واحدة . “أذكر أيضاً طفلاً جاء إلى المكتبة ليبيع علبة الألوان التي منحوه إياها مجاناً في نادي للنشاطات، ليشتري بثمنها علبة من قطع الجبنة الصفراء.” تروي خلود مضيفة، “كان بمتسعه المحافظة عليها للموسم المدرسي، لكن الجوع أولى بتدابير إسعافيه تضحي بعلبة الألوان مقابل لفافة جبنة تحولت إلى حلم عصي على التحقيق، فليس المهم الوصول إلى الموارد وتصريح أن مليون طفل حصلوا على علب تلوين مجانية، بل المهم هو قدرة الطفل على التحكم بهذه الموارد وضمان ديمومتها.”

لا يبدو هذا خارج السياق العام في سوريا، ففي بلد يعاني ثمانون بالمئة من أهله من الفقر، ويصل متوسط الأجور لأقل من ثمانين دولاراً شهريا، يبدو منطقياً أن تغدو الحقيبة المدرسية حلما مترفا، لكن إن تمكن الأهل من التحايل على ابنهم الأصغر بحمل حقيبة الابن الأكبر، ماذا سيفعلون بالممحاة؟ الدفتر؟ قلم الرصاص؟ الألوان وغيرها…

في موسم المدارس، نشرت المؤسسة السورية للتجارة والمعروفة سابقاً باسم “المؤسسة العامة الاستهلاكية” إعلاناً تقدم فيه عرضاً بمنح قرض مقداره خمسون ألف ليرة دون فوائد يتم دفعه بالتقسيط لمدة عشرة أشهر، أي بواقع خمسة آلاف ليرة شهريا. آثار هذا الإعلان ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة أهالي الطلاب، وركزت التعليقات على فداحة الواقع الاقتصادي للطلاب وذويهم والذي يضطرهم للتقدم لهكذا قرض. كما تم اتهام الجهات المسؤولة بتجاهل الحال الرث الذي وصله الوضع الاقتصادي السوري، ليس للطلاب والتلاميذ وذويهم فحسب وإنما لمجمل السوريين الذين يمضون أيامهم بصعوبة، محاولين سد احتياجاتهم الأساسية، بينما تقوم طبقة صغيرة منهم بالنهب وصرف الملايين بطريقة باذخة واستعراضية تثير السخط والحقد معا.

وإضافة لإظهار القرض للعمق الحقيقي للأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين، فإنه يهدف لتسويق بضاعة مؤسسات السورية للتجارة، وكسر حالة الكساد التي تعاني منها نتيجة لضعف القوة الشرائية ونقص التسويق مما ينتج عنه العجز عن سداد رواتب وأجور العمالة الفائضة عن الحد في هذه المؤسسات، لذلك غالبا ما تلجأ تلك المؤسسات لعرض بعض مراكزها للاستثمار “الضمان” على تجار من خارج الوزارة وخاصة في منافذ بيع الخضار والبقالة التابعة للمؤسسة المذكورة. وغالباً ما تكون أسعار المواد فيها أعلى من السوق المحلية التي يتحكم تجارها بحركة خفض الأسعار حسب قوة العرض والطلب أو نقصهما.

ساهم هذا القرض أيضاً بزيادة صعوبة الوضع الإقتصادي على أصحاب المكتبات، يقول أبو أيمن وهو صاحب مكتبة معروفة في جرمانا الكثيفة السكان والطلاب “كان موسم المدارس العام الفائت خاسراً بامتياز.” فقد حرمه القرض  من الزبائن الطلاب من أبناء الموظفين والعاملين في الدولة. وامتنع تجار القرطاسية عن البيع بالتقسيط الأسبوعي نظرا لانخفاض سعر الدولار، وتخوفهم من ارتفاعات أو انخفاضات متتالية أو مفاجئة تغير من قيمة ما باعوه وتقلّص من قدرتهم على شراء المزيد، وتعويض المستودعات بما فقدته من استجرار كبير في الشهر الأول للعام الدراسي، والشهر الأول هو ذروة الموسم المكتبي والقرطاسية وملابس المدارس الموحدة. كما دفع التغير الحاصل بالقوة الشرائية العديد من أصحاب المحال والمكتبات لإغلاقها بشكل تام ونهائي.

يغفل القرض والمؤسسة أيضاً الجانب الإنساني  المرتبط بالتنمية، وهو حرية اختيار الدفاتر والأقلام والحقائب، وهو جانب ضروري لاكتساب شعور الرضا بالتعامل مع القلم والدفتر والممحاة، من أجل سلامة العملية التعليمية والتربوية. ففي منافذ بيع المؤسسة لا خيارات تذكر، كما سلة الإعانة، على الطالب وأهله شراء المتوفر جيداً كان أم سيئاً، مريحاً أم لا، لا خيار إذ عليك اختيار ما هو هنا ودفعة واحدة لكل ما يتوفر.

يقول البعض إن أجدادنا درسوا وهم يحملون كيساً من القماش “و أكبر بروة قلم الرصاص امتلكوها كانت بحجم الإصبع” متسائلين “لماذا كل هذا البطر الاستهلاكي؟”

إذن لماذا توزع المنظمات الأممية حقائب ملونة للطلاب بدلاً من أكياس طحين قماشية يحولها الأهل لحقائب؟ والموضوع هنا ليس للتندر، بل لتبيان حجم الهوة العميقة التي تصل حد الإدانة لكل من يبحث عن دعم وتطوير العملية التربوية والتعليمية شكلاً ومضموناً لتحقيق هدف التنمية في توسيع خيارات البشرية.

حاول البعض أن يوفر هذه الخيارات شخصياً، فبعض المغتربين أرسلوا مستلزمات مدرسية ملونة وأنيقة لأطفال قريتهم، كما قامت سيدة بإرسال مبلغ مائتي يورو كلفة مواد مدرسية لعشرة طلاب من مدينتها بعد أن وجهت دعوة على صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لكافة المغتربين أو القادرين للمبادرة لسد عوز الأطفال الآخرين.

المشكلة قائمة إذن، ولن يحلها قرض أو تقسيط أو منح أو حقيبة توزع أو تصريح يعج بأرقام بلا روح وبلا أفق. زاد من المشكلة أن الدوام المدرسي تزامن مع موسم المونة وفصل الشتاء المُكلفة للأسر السورية المتوسطة الدخل. هذا عدا عن المدارس الخاصة وتكاليفها التي تصل وسطيا إلى الثلاثمائة ألف ليرة سنويا لستة أشهر من أيام الدراسة الفعلية، إضافة لمشكلة تأمين مواصلات لنقل الطلاب في المدارس العامة والخاصة والتي تتراوح كلفتها مابين الخمسة آلاف والعشرة آلاف شهرياً عدا عن سوء هذه الخدمة وفقدان عوامل الأمان وزج الطلاب  وبأعداد مرتفعة في مكان ضيق.

ونحن نحترف غش أنفسنا بأننا نحيا، وبأننا في وضع ممتاز، والرسالة ظاهرة من العنوان، الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون، حتى الحصرم ولد هذا العام محروقا ويابسا، بفعل المطر الحامضي الذي أحرق المواسم كلها، لتصير وجبة الحصرم علقما واخزا وأوهاما  خادعة.

“الإعلام السوري الحكومي “لشو التغيير؟

“الإعلام السوري الحكومي “لشو التغيير؟

في عالم التطور التقني والرقمي ومع اتساع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مازال الإعلام السوري الحكومي يحبو سعياً للتغير ومواكبة وسائل الإعلام المعاصرة، ورغم الجهود التي يبذلها في سبيل ذلك إلا أنه يبتعد يوماً بعد يوم عن إعادة بناء جسور الثقة التي هُدمت بينه وبين المتلقي المحلي منذ بداية الأزمة في سوريا.

تغييرات عديدة طالت وزارة الإعلام السورية أسوة بالتغيير الحكومي، ورغم تعاقب العديد من المسؤولين على إدارة الملف الإعلامي، إلا أن هذه التغييرات اقتصرت على تغيير الأشخاص وفشلت بإنعاش جثة الإعلام السوري التي رقدت في غياهب الزمن.

ومع التغيير الأخير لوزارة الإعلام، رفعت الوزارة شعارات “مكافحة الفساد الإعلامي” والامتناع عن توظيف من لا يمتلك الكفاءة الإعلامية والمهارات اللازمة للعمل بقطاع الإعلام، كما بدأت بتطبيق نظام “البصمة” لمراقبة حضور والتزام الموظفين، وأخيراً ابتكرت لجنة مختصة تقوم بمهمة “الدعم اللوجستي والتقييم الإداري”، تتبع هذه اللجنة لوزارة التنمية الإدارية . كما أدخلت الوزارة نظام العقوبات والذي ينص على فرض عقوبة تصل لخصم ٥٠٪ من أجر العاملين عند ارتكاب بعض المخالفات أثناء العمل، منها مثلاً التأخر عن موعد الاستراحة المحددة لشرب فنجان قهوة. ويطبق هذا القانون على كل العاملين في المؤسسة من الصحفيين وعاملي التنظيفات.

شغلت هذه التفاصيل الإدارية جوهر خطة التغيير للعمل الإعلامي الحكومي بدلاً من الاهتمام بتغيير المحتوى أو تطوير المضمون وإيصال رسالة إعلامية ترقى لحجم هموم ومتطلبات الشارع السوري. يضاف لهذا منع النقد سواء للحكومة أو للمسؤولين الذين سارعوا إلى تشريع قانون “الجريمة الإلكترونية” للاقتصاص من أي إعلامي تخوله نفسه الإبداء بأي نقد للعمل الحكومي أو فتح ملف فساد يطال شخصيات مسؤولة.

واليوم، بعد مضي ثمانية أشهر على التغييرات الأخيرة في وزارة الإعلام، أطل الإعلام السوري الحكومي بهوية بصرية جديدة. استهدف هذا التغيير الشكل فقط وقد “فشل” بحسب ما وصفه العديد من المشاهدين والعاملين في مجال الإعلام والصورة البصرية، ولم  يلق هذا التغيير صدى إيجابياً لدى المتلقي السوري، الذي أعرض عن متابعة إعلامه المحلي منذ انتشار “الفيس بوك”.

يعود هذا الإعراض لأن الإعلام المحلي فقد مصداقيته خلال الأزمة، وهو يصم آذانه عمن يخالف وجهة نظره أو يوجه له انتقاداً في مكان ما، وبالتالي فإن أي تغيير “للشكل” لا قيمة له مادامت العقليات الإدارية القائمة على الإعلام السوري ثابتة ولم تتقبل لغاية اليوم محاورة من يخالف آراءها رغم الحرب التي تعرضت لها سوريا، علماً أن عقلية المجتمع السوري تغيرت وهناك شريحة من السوريين في الداخل والخارج أصبحت قادرة على تقبل الرأي الآخر ومحاورته بعيداً عن مظاهر العنف والسلاح والإقصاء.

لكن الإعلام السوري المحلي عبر جميع وسائله وقنواته يصر على الاستمرار بعملية التطهير وإقصاء الآخر، حتى إن كان الاختلاف سطحياً كلون صبغة شعره، وهو ما حدث عندما منعت  قناة “الإخبارية ” إحدى الضيفات من الظهور على شاشتها بسبب لون شعرها غير المعتاد.

من المفترض أن تكون الهوية البصرية للإعلام شعاراً يترسخ في أذهان المتلقي فنياً ومهنياً ينطبع في ذاكرة المتلقي خاصة “اللوغو” الذي يمنح كل وسيلة إعلامية هوية فريدة تميزها عن غيرها، ومن المتعارف عليه أن هذا الشعار ثابت لا يمكن تغييره، لكن تجربة الإعلام السوري فريدة من نوعها فمثلاً “قناة الإخبارية السورية” ومنذ انطلاقتها لغاية اليوم غيرت شعاراتها وهويتها البصرية أكثر من ثلاث مرات واليوم وصل هذا التغيير للتلفزيون السوري وقنواته الفضائية، ليصبح لها “لوغو” موحد بألوان مختلفة.

ويشبه هذا اللوغو إلى حد كبير قطعة الكعك الحلو “البتيفور” وهو بعيد كل البعد عن الياسمين الدمشقي، حتى أن بعض المشاهدين ترحموا على لوغو “السيف الدمشقي” الذي ميز انطلاقة التلفزيون السوري.

أثبتت الانطلاقة الجديدة للإعلام السوري فشلها في تحقيق التميّز وإبداع أفكار وبرامج خلاقة قادرة على محاكاة الشارع السوري، ولن نقول العربي أو العالمي، لأن النجاح يبدأ من الداخل وهذا أمر فشل فيه الإعلام السوري الرسمي العام منه والخاص. وبالرغم من العدد القليل للقنوات التلفزيونية السورية إلا أن كل تغيير يجري في وزارة الإعلام، يلغي معه إنجازات السابقين، مثل ما حدث مع “قناة التلاقي” التي أغلقت بزعم قلّة المواد المالية، وقد يتبين لاحقاً بطلان هذه الإدعاءات، وبأن إغلاقها كان قراراً مبنياً على الأهواء والمزاجيات الشخصية.

إعلام حافل بالاستنساخ والتقليد، عاجز عن صناعة رؤيته الخاصة، وقد برهن مع الوقت بأن الخلل لا يتمثل بالكفاءات والمواهب السورية، التي تألقت في منابر الإعلام العربي، وإنما يكمن بالعقلية التي تدير الإعلام السوري والتي آخر صيحاتها استنساخ ما يعرف “بميثاق الشرف الإعلامي”.

أليس الأجدر قبل الغوص بمواثيق الشرف أن تعمل وزارة الإعلام على خلق منابر إعلامية وطنية حرة شاملة لجميع مكونات الشعب السوري بكافة أطيافه، وانتماءاته السياسية والفكرية والثقافية؟

هل يملك الإعلام السوري المحلي الجرأة لاستضافة معارضين وطنيين عبر شاشاته الإعلامية؟ وهل يجرؤ على توجيه نقد بناء لأي مسؤول، بدءاً من القائمين على إدارة الإعلام؟

ماذا عن الإنصات لما يقوله العاملون في أروقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون عن الإدارة الجديدة التي أقصت الكوادر القوية واستبدلتها بالموالين والمؤيدين للقائمين على الإدارة الإعلامية؟

أعتقد أن التغيير الحقيقي يبدأ من المضمون والمحتوى وتقبل الآخر دون الاقتصاص منه ومعاقبته، لكن بما أن الإعلام السوري الحكومي لا يمتلك هذه الذهنية فالتعليق المناسب على الرؤية البصرية الجديدة “لشو التغيير؟” هي أن التشويه البصري لا يصنع إعلاماً.

السوريون والانطلاقة الجديدة لقنواتهم

السوريون والانطلاقة الجديدة لقنواتهم

ثمانية وخمسون عاماً من البث، وما زال التلفزيون السوري يبحث عن هويته، التي غيرها أربع مرات منذ افتتاحه في ٢٣ تموز/يوليو عام ١٩٦٠.

مصادر رسمية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية قالت “إن الهيئة قررت تغيير الهوية البصرية القديمة للقنوات التلفزيونية بعد تلقيها العديد من الانتقادات لعدم وجود معاني ودلالة للوغو السابق، البوابة الدمشقية” وإن وزير الإعلام السوري عماد سارة اختار اللوغو الجديد وهو الوردة الدمشقية، من مجموعة اقتراحات قدمت له.

وكان الوزير سارة وعد في مقابلة له مع طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق، بتغييرات نوعية على مستوى الشكل والمضمون في القنوات السورية، قائلا: “إن الرؤية البصرية تأخر إنجازها بسبب الحرب الدائرة في البلاد”، منوهاً بالانفتاح الكبير للوزارة على كلية الإعلام آملاً أن يغذي طلابها وسائل الإعلام “بدماء جديدة لتغيير الرؤية القديمة” بحسب تعبيره. وتضم القنوات السورية كلاً من الفضائية والإخبارية ودراما والتربوية ونور الشام وسوريانا.

وطلبت وزارة الإعلام من كلية الإعلام ترشيح عدد من الطلبة المتميزين للعمل كمذيعين ومذيعات ضمن الهيئة مع الانطلاقة الجديدة، لكن مصدراً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أكد أنه لم يتم قبول أي من الأسماء المرشحة، حيث تم اختيار مجموعة أخرى دون معايير واضحة، دُربّت لمدرة شهرين فقط لتكون وجه الانطلاقة الجديدة.

سارة نفسه اعترف في حواره مع طلاب كلية الإعلام بوجود “الواسطة”، لكنها برأيه “تنعدم عند وجود التميز والاجتهاد والمثابرة”، أما عن سبب رفض الترشيحات التي جاءت من الكلية فهي بحسب المصدر “لأن الانطلاقة الجديدة بحاجة لمذيعات جميلات وأنيقات المظهر وذكيات إضافة إلى كونهن صغيرات السن وهي مواصفات لم تتوفر بطالبات الإعلام.”

لكن المفاجأة كانت بعدم ظهور أي ممن تم تدريبهم خلال الشهرين الماضيين، حيث جرى استبدالهم أيضا بأخريات قبل يوم واحد فقط من الانطلاقة الجديدة، وذلك بقرار من مدير البرامج الصباحية الجديد عماد الجندلي.

إذا تم رفض ترشيحات كلية الإعلام، ثم المجموعة المدربة ليستعاض عنهم بخمس صبايا “سوبر موديل” بحسب وصف زملاء لهن، اختارهن الجندلي. عُرف من المذيعات المختارات، جيدا الخالدي شقيقة مذيعة قناة سما الفضائية جودي الخالدي التي كانت موجودة إلى جانب الجندلي خلال تقديمه لبرنامج “آخر كلام” على الفضائية السورية، وقد تلقى البرنامج سابقاً نقداً سلبيا لمضمونه وطريقة تقديمه.

الإنطلاقة همشّت العديد من العاملين الأساسيين الذين لم يعلم بعضهم بالإنطلاقة الجديدة حتى شاهدوها كما الجمهور على الهواء مباشرة، فيما استبعدت أسماء عديدة من العمل دون تبرير.

رهف إحدى المعدات في برنامج “صباح الخير” على الفضائية السورية والتي فضلت عدم ذكر اسمها، تقول”إنها استبعدت من فريق إعداد البرنامج قبل ساعات فقط من انطلاقة التلفزيون الجديدة إلى جانب أسماء كثيرة من العاملين القدامى، لصالح أشخاص جدد لم تعرف صفتهم أو الشهادات التي يحملوها بعد، فالهيئة لم تعلن عن أي مسابقة لتوظيف عاملين في التلفزيون، الذي يعاني من تخمة في كادره البشري أصلا.”

وخارج التلفزيون، ترافقت الانطلاقة الجديدة للفضائيات السورية  مع حملة تهكم وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن الرؤية اقتصرت على الشكل دون المضمون، فيما رأى آخرون أن التغييرات كانت “غير موفقة”. كالمخرج السينمائي المهند كلثوم والذي كتب على صفحته في الفيسبوك “بيخطرلي هالدورة البرامجيه كانت عم تتأخر…لأنو هالتلفزيون بلش بسن اليأس” كذلك اختلف المعلقون على تشبيه الشعار الجديد بين “كعك العيد ـ البتيفور”، و “الخسة” أكثر من كونه وردة.

الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي محمد برافي علق على انطلاقة التلفزيون الجديدة بمنشوره “ما هذه الانطلاقة المثيرة، وما هذه الدقة اللي عم تصوروا فيها بموبايل نوكيا، الله يفرج.”

أما الصحفي المتقاعد أبو محمد فقال “إن التغييرات الأخيرة هي عادة درج عليها المسؤولون السوريون في الأعوام الأخيرة، فمع كل إدارة أو وزير جديد يشلح التلفزيون هويته البصرية ليبني هوية جديدة لا تعبر عنه بقدر ما تعبر عن المدير الجديد.”

ويضيف أبو محمد “لوغو القناة الفضائية عادة ما يعبر عن هويتها وسياستها وفرادتها وتميزها عن مثيلاتها، حيث تنفرد كل قناة بشعار خاص بها معبرًا عن معلم بارز أو هوية وطنية متعارف عليها في الدولة، وحتى الآن يبدو الإعلام السوري محتارا في اختيار ما يمثله بين السيف الدمشقي أو الأزهار و البوابات الدمشقية”، يضحك مستدركاً  “لكن المشترك بين كل المسؤولين السابقين هو أنهم اختاروا رمزاً دمشقيا للتعبير عن هوية القنوات التي من المفترض أنها تمثل سوريا كلها!”

من جهة أخرى، عبر البعض عن إعجابهم بالرؤية الجديدة، كالصحفي السوري حيدر مصطفى المقيم في لبنان، قائلاً “أول مرة بحياتي بستمتع لهي الدرجة بمشاهدة التلفزيون السوري، وجوه جديدة مميزة، وبرنامج الصباح على السورية صار بينحضر وبقوة، برافو للكل، ومتل ما مننتقد الخطأ واجب نقول كلمة حق، معالي الوزير عماد سارة عمل اللي ما حدا عمله قبله، عم يقدر يرجع لشاشتنا الوطنية ألقها، برافو كبيرة ويعطيه العافية.”

بدورها اعتبرت الدكتورة في كلية الإعلام نهلة عيسى أن التغييرات الجديدة خطوة أولى  لتحسين الصورة البصرية للإعلام المرئي آملة أن تتبعها خطوات أخرى لتحسين المضمون الإخباري والإعلامي، وأيضاً تحسين أداء المذيعين والمحاورين “بهدف خلق منظومة إعلامية متكاملة متناغمة على كافة المستويات” بحسب ما قالته مضيفة “مشوار الألف ميل دائماً يبدأ بخطوة” وذلك خلال لقائها وزير الإعلام عماد سارة الذي رد عليها مازحا إنه اختار تاريخ عيد ميلادها ليكون موعدا للانطلاقة البصرية الجديدة للإعلام المرئي السوري.

ثمانية وخمسون عاماً مرت على انطلاق شارة التلفزيون السوري من قمة جبل قاسيون، لينطلق من جديد مع عاملين جدد في ٢٧ آب/أغسطس عام ٢٠١٨، ومع كل وزير جديد يحاول التلفزيون مصالحة جمهوره الذي انشق عنه منذ تسعينات القرن الماضي لصالح الفضائيات اللبنانية والعربية الأخرى، فهل يقبل المشاهد السوري العودة إلى حضن الفضائية السورية بعد أن رفعت شعار الوردة الدمشقية؟

من هذا الذي يسلب السوريين ذاكرتهم ويستعد لإحلال البدائل؟

من هذا الذي يسلب السوريين ذاكرتهم ويستعد لإحلال البدائل؟

مرّت سنوات على تحوّل الحراك السوري لحرب باختلاف تسمياتها “أهلية، بالوكالة أو حرب ضد الإرهاب”، مايهم أكثر من التسمية هو أنها جرّت على سوريا الخراب وجعلتها من أخطر دول العالم، بعد أن عرّضت أهلها للموت وشتى أنواع الانتهاكات الإنسانية، مجبرة إياهم على النزوح واللجوء. وحتى من بقي في الداخل السوري أصبحوا يعيشون وضعاً اقتصاديّاً سيئاً وأغلبهم تحت خط الفقر.

هذا كله، لم يعط السوريين الجرأة الكافية لكشف حقيقة ما مروا به دون اعتبارات الاصطفاف لأحد الأطراف، وما يزال الأغلبية جاهلين أو متجاهلين ربما أن تقييم مع وضد من غير مهم.

منذ كارثة تحوّل المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية إلى مطلب إسقاط الرئيس، بدأ تقزيم الحراك وتفريغه من مضمونه الأساسي الساعي للمواطنة المتساوية والعدالة وحقوق الإنسان، ليحل محله مضامين سطحية لا تخدم أهداف الشعب فحسب وإنما تحقق أهدافاً سلطوية لفئات وأحزاب سعت لخلق الشقاق بين السوريين بكل الطرق الممكنة، ولا يمكن إخلاء  مسؤولية أي طرف من مسؤولية تعزيز هذا الشقاق قولاً وفعلاً.

بدأ هذا الشقاق منذ تم الدفع نحو الاستهانة بالجيش ككل، مما ترك تأثيراً سيئاً عند السوريين، فأصبح العديد منهم مستعدين للتهجّم عليه دون وضع استثناءات، حدث هذا منذ البدايات قبل أن يتورط كلياً بتبني سياسة النظام العسكرية، عندها كان الجيش مؤهلاً للانقسام وهذا كان ليُضعف النظام العسكري ويجعله يخسر رهانه على سطوته على الجيش. حتى المنشقون عنه لم ينجوا من التهميش وإساءة التعامل والاستبعاد عن المشاركة في المخططات التي وُضعت لعسكرة الثورة ومزاعم بناء “جيش حر”.

وهكذا نُفذّت الخطوة الأولى لشق السوريين بين لاعن للجيش السوري بمجمله ومدافع مستميت عنه ولو كان قاتلاً مجرماً، وبهذا أصبح الجيش بكليّته موضع شبهة لدى مؤيدي الثورة، وموضع تقديس عند أنصار النظام.

وما إن تمت مهمة تحطيم الجيش كرمز وطني، جاء دور العلم السوري، فأدى استبدال العلم السوري الذي كان رمزاً جامعاً، لزيادة الانقسام السوري السوري، رغم أن النظام سبق له وأن شوهه بوضع صور الأسد الأب عليه، وأهان العلم باستملاكه له، لكن طليعة الحراك تمسكوا به وشدّدوا على قيمته الجامعة، إلى أن طرح علم جديد للثورة وتم التسويق للتمسك به باعتباره رمزاً لهم، من يحمله ثائر ومن يحمل غيره خائن ملعون، من يُقتل تحت رايته شهيد، ومن يموت تحت علم سوريا ليس إلا “فطيسة”، علماً أن أوائل شهداء الحراك جميعاً حملوه وقُتلوا تحت رايته، فهل يلعنونهم؟

تبنى أنصار النظام أيضاً الادّعاءات ذاتها نحو العلم الدخيل، فوسموا كل من يحمله بالخيانة، معتبرين من يموت تحت ظلّه “فطيسة”، لم يستثنوا أو يرحموا أحداً، وهكذا تم هدم رمز ثان كان جامعاً للسوريين.

خلال هذا بدأ مؤيدو الثورة يخفون الأسرار عن ممارسات لا تشبه تلك التي انطلق من أجلها وبها الحراك، ولم يتجرأ العديد منهم على فضح هذه الممارسات  اليومية متبنّين مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”.

ورغم أنهم أدركوا بعد سنوات أنهم لم يصلوا للغاية، إلا أنهم ظلّوا يهربون من الحقيقة تحت مزاعم حماية ما اصبح اسمه “ثورة” وعلى رأسهم مثقفوهم.

بعض هؤلاء المثقفين لم يتمكنوا من الخروج من عباءة أحقادهم الدفينة نحو الأسد الأب وانتهاكاته التي قام بها بحقهم، فتغلبت مشاعر الثأر فيهم على المصلحة العامة، بينما تورط بعضهم الآخر بشكل مباشر بعلاقات مشبوهة مع مجموعات ودول تدخلت بالصراع العسكري وساهمت في إيصال سوريا إلى ما آلت إليه. وبالتالي كان المثقفون الثوريون إما أدوات للتخريب أو ساعين للشعبوية، أو باحثين عن موطئ قدم في مستقبل سوريا، إن بقي لها من المستقبل شيء يُذكر.

وعلى التوازي مع كل ما يجري، أقيمت حملات تشويه سمعة وتنمر ضد كل من يعترض على العسكرة أو يحاول قول الحقيقة بهدف التنبيه والتصحيح. وتم استثمار ميول السوريين الدينية التّي اشتدت باشتداد وطأة القتل، فلم يبق لدى كثير منهم حل سوى بالبحث عن الله واللجوء إليه، وصحت طائفيتهم ليتم صبغ الحراك بصبغة دينية و يتحوّل أخيراً “جهاداً لإعلاء كلمة الله”.

ساهم في هذا موقف سياسيي ومثقفي ما أصبح اسمه “الثورة”، حين مدوا حبال الود والتآخي مع حملة شعار “هي لله” آملين بسرعة إسقاط النظام بمساعدتهم، ومنكرين لأسلمة الحراك، كما أنهم أيضاً ادعّوا أن الكارثة عبارة عن مرحلة مؤقتة ستنتهي بانتهاء النظام الديكتاتوري.

ليس خافياً أن للسلطة الاستبدادية اليد الطولى في تجريد الشعب من انتمائه للوطن، واعتباره ملكية خاصة للسلطة الحاكمة، وبهذا يعتقد المواطن أن كل ممتلكات الدولة العامة هي للسلطة، لا يعنيه منها شيء وبالتالي عبء دمارها يضر بالسلطة المافيوية وحدها وليس خسارة وطنية للشعب السوري.

وأصبح استهداف ممتلكات الدولة يعني استهداف السلطة، وبهذا تمت استباحة الممتلكات العامة ولم يتوان أي أحد عن عن تخريبها وتدميرها وسرقتها، كالمتاحف والآثار والمشافي والمؤسسات والمدارس وغيرها.

ويشهد كثيرون منذ البدايات، على عمليات نهب وتدمير طالت ما تصل له اليد، ودوما المبرر لذلك هو “رد الفعل على همجية النظام”، وكأن الدولة هي النظام والنظام هو الدولة، وهذا لا يختلف بشيء عن تبرير البعض لغض طرفهم عن إجرام السلطة وتاريخها الطويل في تدمير الدولة بحجة أنهم يواجهون معركة مع الإرهاب، فالحراك بالنسبة لهم  هو مجموعة من “الإرهابيين والقتلة”.

بهذا المنطق تم تحويل السوريين جميعاً لقتلة، وهو منطق مشوّه قائم على جهل الطرفين بما كان يجري حقيقة في الطرف الآخر، أو صمتهم عند علمهم بهذا، فمواجهة الجرائم وإدانة أصحابها سيجرد الجميع من حججهم للتستر على جرائم الطرف الذي يدعمون وفضح جرائم خصومهم.

بعد قطع آخر حبال الانتماء للوطن، واعتبار الدولة عدواً يحلّ تدميره، ربما يجب الانتقال إلى المهمة الأخطر التي نواجهها اليوم بشراسة رغم أنها بدأت منذ زمن، وهي تخريب الذاكرة السورية المشتركة.

لماذا يريد أي شخص تشويه كل من مر بالتاريخ السوري من سياسيين وكتاب وأدباء وفنانين ووسمهم بالخيانة والعمالة والاصطفاف مع الديكتاتور، وتشويه إرثهم وسحب المصداقية من تاريخهم وآثارهم بمن فيهم الموتى؟ لماذا يتم تدمير الهوية الثقافية للسوريين كاملة ، لمصلحة من وما الهدف؟

قد نفهم هذا الموقف ممن اصطف علناً مع همجية النظام وآلته العسكرية وأيد قتل الشعب واعتقاله وتهجيره، لكن لا يمكن أن نفهمه من المعتدلين الذين لم يعلنوا اصطفافهم مع “الثورة” “بعجرها وبجرها”، ولا أولئك الذين لا يرون فيها وبمن يمثلها ما يشبههم.

ليس من حقنا أن نطالب أي كان أن يكون مع “الثورة” التي لا تحمل أهدافه ولا قيمه ولا أخلاقه أو أن نتهمه بالخيانة والعمالة، كثيرون ممن يتم لعنهم علناً أو ممن يتوارون عن الأنظار، يحملون قيماً وأخلاقاً ثورية أكثر بكثير من زبد السطح الظاهر على ضفة “الثورة”، لكنها لا تمثلهم. هم يعرفون ما ننكره ونخفيه وعليه بنوا مواقفهم، كما نعرف نحن ما ينكرونه ويخفونه وعليه بنينا مواقفنا.

لم يسلم أحد من طوفان الرجم واللعن من كل الأطراف، الطوفان يأخد الجميع، وإن بقي الطريق مفتوحاً له، سيلتهم ذاكرتنا كاملة ثم يلفظها مشوهة وقميئة، دافناً إياها مع كل ما أنجزه او كتبه أو أبدعه السوريون، لنصبح بلا هوية ثقافية، وبهذا يَسهُل إحلال بديل مسخ لها.

ما يؤسف هنا، هو ردة فعل نخبة السوريين وصمتهم أو تأييدهم لما يجري، ولو بمواربة وقليل من الاستحياء، إما إرضاء  للجمهور أوحرصاً على المريدين أوحفاظاً على مكانة “ثورية”.

قاربنا ثماني السنوات من الحرب، وما زال سياسيو ومثقفو الثورة يدورون في نفس الدائرة، دون أن يتعلموا من التجربة أو يتجنبوا الوقوع في الوحل مرة تلو أخرى. هذا الوحل الذي سيشهد عليهم أنهم شهود زور وشياطين خُرس، لم يحترموا أن جلّ من يتم تشويههم ساهموا في تكوينهم شخصياً، أو كانوا رفاق درب تشاركوا الحلو والمر عبر سنوات طويلة من الاستبداد والقهر.

ويبقى سؤال، هل يوجد سوريون آخرون؟ نعم هناك من يحمل قيم الحق ويسعى للعدالة ويأمل ببناء دولة المواطنة المتساوية داخل سوريا وخارجها، من يُصدقون القول ويحسنون الحكم، يعرفون موضع الخطأ ويعترفون به بأمانة، دون تمييز أو تحيّز، هؤلاء السوريون، يواجهون الكارثة ويعلمون حجمها ساعين لوقفها، وآملين بأن يستطيعوا بناء سوريا كما يجب أن تكون، دون استبداد ولا استعمار، دولة ديمقراطية قائمة على العدالة والمساواة.

ثلاث اولويات اميركية في سوريا

ثلاث اولويات اميركية في سوريا

باستكمال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعيين فريقها المختص بسوريا، بات موقف واشنطن أكثر وضوحاً من هذا الملف لتحقيق ثلاث أولويات: هزيمة «داعش» ومنع عودة ظهور التنظيم شمال شرقي سوريا، وتقليص النفوذ الإيراني، والعمل مع موسكو بالحوار والضغط للوصول إلى حل سياسي وفق القرار «2254». وهناك مقترحات خطية لخبراء أميركيين بينهم المبعوث الجديد إلى سوريا، تضمن إقامة «حظر جوي وبري» شرق سوريا لتحقيق هذه الأهداف.

وتتقاطع اهتمامات إدارة ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «احتواء إيران» في سوريا، الأمر الذي سيكون حاضراً في لقاء مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، في جنيف، الخميس، بعد عودة بولتون من إسرائيل.

لكن موسكو لا تزال تسير وحيدة في مسارات أخرى متنافسة مع مفاوضات جنيف: إذ يزور وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو موسكو الجمعة، لبحث مصير إدلب وعزل «جبهة النصرة» قبل القمة الروسية – التركية – الإيرانية في طهران يومي 7 و8 الشهر المقبل على أن تجري مشاورات إضافية لعقد القمة الروسية – التركية – الألمانية – الفرنسية بعد ذلك وقبل مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من سبتمبر (أيلول) المقبل.

ويتوقع أن تصب جميع هذه الاتصالات في بلورة أرضية دولية – إقليمية تسمح للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالمضي قدماً في تشكيل اللجنة الدستورية، واستضافة لقاء لممثلي الدول الثلاث الضامنة لعملية آستانة (روسيا، إيران، تركيا) في جنيف، الشهر المقبل.

ذلك المسار، الذي لا تزال واشنطن تنظر إليه بشكوك وتنأى بنفسها عنه، الأمر الذي برز في لقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ودي ميستورا في واشنطن الأسبوع الماضي، عندما رفض الجانب الأميركي أي إسهام في إعمار سوريا (المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق) قبل تحقيق اختراق سياسي بموجب مسار جنيف.

موقف بومبيو كان منسجماً مع التغييرات التي حصلت في الفريق الأميركي للملف السوري – الإيراني. إذ إنه بعد مشاورات طويلة، حسم إدارة ترمب ملف التعيينات. مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي جويل روبان الذي جرى تداول اسمه سابقاً مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، عين نائب مساعد وزير الخارجية لينضم إلى مسؤول الشرق الأوسط في الخارجية ديفيد شينكر بدلاً من ديفيد ساترفيلد الذي ينتظر تثبيته سفيراً في أنقرة.

والمفاجأة كانت بتعيين السفير الأميركي الأسبق في بغداد وأنقرة جيمس جيفري ممثلاً لوزير الخارجية لـ«الانخراط» في سوريا.
شينكر وجيفري وآخرون سينضمون إلى الإدارة، جاءوا من «معهد واشنطن للشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية. واللافت أن تعيينهم تزامن مع تسمية فريق أميركي خاص بـ«العمل في شأن إيران». كما أن تعيين جيفري نص على أن جزءاً من مهمته العمل على «تقليص النفوذ الإيراني»، إضافة إلى منع ظهور «داعش» بعد هزيمة التحالف الدولي لهذا التنظيم المتوقعة في نهاية العام الحالي.

وإذ يقول محللون عارفون بالمبعوث الأميركي الجديد إن جيفري معروف بمعاداته لإيران، وإن موقفه كان واضحاً من ذلك، عندما كان سفيراً في بغداد بين 2007 و2008 وعبر بوضوح عن رفضه الانسحاب الأميركي من العراق، ما يجعله يقف على الضفة الأخرى من المبعوث الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» بريت ماغورك.

وإذ تأتي هذه التعيينات وسط الجدل في شأن البقاء الأميركي شرق سوريا وترجيح كفة استمرار الوجود العسكري شرق نهر الفرات بمعنى أو آخر، خصوصاً بعد إقناع حلفاء واشنطن الرئيس ترمب بـ«ضرورة عدم تكرار خطأ سلفه باراك أوباما بالانسحاب من العراق في 2011». وإذ أوقفت إدارة ترمب مساعداتها البالغة 230 مليون دولار لشمال شرقي سوريا، فإن أعضاء دول التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش» وفروا 300 مليون دولار لدعم الاستقرار والتنمية في هذه المنطقة التي تشكل ثلث مساحة سوريا (185 ألف كيلومتر مربع).

كما تأتي التعيينات في وقت تعمل موسكو وواشنطن على ترتيبات «تضمن أمن إسرائيل» بموجب تفاهم ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي. ترجم ذلك، بعودة القوات الحكومية السورية إلى الجولان وتفعيل اتفاق فك الاشتباك وحصول إسرائيل على «تفويض من بوتين بضرب البنية التحتية لإيران في سوريا ومنع قيام جبهة ثانية في الجولان (بعد جنوب لبنان) لـ(حزب الله) وإيران»، بحسب مسؤول غربي.

إجراءات محددة وتوصيات

وتبدو أفكار واشنطن حالياً واضحة في ورقة أعدَّها مجموعة خبراء بينهم المبعوث الأميركي الجديد لسوريا في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» في 11 من الشهر الماضي، خصوصاً أن التوصيات التي ظهرت فيها كانت بين أسباب اختيار جيفري لمنصبه.

وجاء في التوصيات التي رفعت إلى الإدارة، بعنوان «نحو سياسة جديدة في سوريا»، أنه «من شأن فرض عقوبات ومنطقة حظر جوي وبري شمال شرقي سوريا حرمان نظام الأسد والقوات الإيرانية من الحصول على إمدادات، الأمر الذي سيثير غضب السنة المحليين ويدفع نحو عودة تنظيم (داعش)».

ومن شأن وجود مثل هذه المنطقة بجانب فرض عقوبات فرض تكاليف كبيرة على نظام الأسد عبر حرمانه من الأموال والدخول اللازمة لضمان فرضه سيطرته وإبقائه على شبكات الولاء التي يعتمد عليها نفوذه.

كما «سيؤدي هذا الأمر بدوره إلى خلق أعباء مالية على كاهل إيران وروسيا في خضم جهودهما للإبقاء على نظام الأسد. في الوقت نفسه ستتراجع قدرة طهران على توفير تكاليف هذا الدعم الذي تقدمه للنظام السوري بسبب السياسة الأميركية الساعية لفرض الحد الأقصى من الضغوط عليها. من ناحية أخرى فإن الحملة الإسرائيلية لمنع إيران من بناء بنية تحتية لها داخل سوريا تحمل مخاطر تهديد المكاسب العسكرية التي نالها النظام السوري بصعوبة.

وهنا تظهر معضلة أمام موسكو: هل ينبغي أن تلتزم بجهود ذات تكلفة متزايدة للإبقاء على الأسد في السلطة، وهو مسار يحمل مخاطرة اشتعال حرب بين إسرائيل وإيران، أم عليها العمل مع الولايات المتحدة للتخلص من الأسد والحفاظ على المكاسب الروسية في سوريا».
وخلصت الورقة إلى التوصيات الآتية:

– الحيلولة دون عودة ظهور «داعش» ومنع إيران من بناء هيكل عسكري واستخباراتي دائم في سوريا ومنطقة الهلال الخصيب بوجه عام.

– منع القوات الإيرانية والأخرى التابعة للأسد من الدخول إلى شمال شرقي سوريا بعد هزيمة «داعش»، وفرض منطقة حظر جوي وبري في شمال وشرق نهر الفرات باستخدام القوة الجوية ووجود عسكري صغير على الأرض.

– الإبقاء على منطقة حظر جوي وبري حتى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برقم 2254 والساعي لإقرار حكومة سورية مستقلة دون مشاركة الأسد والقوات المدعومة من إيران الداعمة لحكمه.

– دعم الجهود الإسرائيلية لخلق شقاق بين إيران وروسيا والأسد بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع عسكرية إيرانية.

– تشديد العقوبات ضد البنوك التي تصدر اعتمادات لنظام الأسد، ومن يوفرون الموارد لوكلاء إيران داخل سوريا والنظام السوري الذين ييسرون الاستثمارات الإيرانية في سوريا.

– معاونة حلفاء الولايات المتحدة داخل شمال شرقي سوريا على إيجاد أسواق بديلة للنفط والصادرات الزراعية التي يبيعونها حاليا للنظام (تضم منطقة شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية 90 في المائة من النفط السوري و45 في المائة من الغاز وأكبر ثلاثة سدود ومعظم المنتجات الزراعية خصوصا القطن).

– العمل مع تركيا في منبج وغيرها من المناطق لخلق نفوذ ضد الروس».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

معركة ادلب مؤجلة وأربعة احتمالات تنتظرها

معركة ادلب مؤجلة وأربعة احتمالات تنتظرها

السباق مستمر على إدلب بين خيارين: التسوية أو التصعيد الشامل أو الجزئي. دمشق تريد الإفادة من «الزخم» بعد السيطرة على غوطة دمشق وريف حمص وجنوب سوريا لـ«حسم الشمال». أنقرة نشرت 12 نقطة مراقبة وحصنتها بجدران الإسمنت، لكنها تعرض خطة لحل ملف الشمال. أكراد سوريا يخططون لشن هجوم على عفرين بالتزامن مع هجوم دمشق على إدلب.

موسكو، كما حصل في مرات سابقة، تلعب دور الميزان بين مواقف مختلفة. مددت اتفاق «خفض التصعيد» في إدلب إلى سبتمبر (أيلول) المقبل. وأعلن المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف عدم وجود «عملية شاملة» في إدلب، لكن وزارة الدفاع عادت وأشارت إلى ضرورة «تطهير» هذه المنطقة من «الإرهابيين» وأنهم بدأوا يشنون هجمات على «القوات الشرعية» شمال سوريا.

وتضم إدلب في مثلث حلب – حماة – اللاذقية نحو ثلاثة ملايين شخص أكثر من نصفهم من النازحين والمهجرين من مناطق أخرى، وفيها أكثر من 70 ألف مقاتل من فصائل إسلامية وأخرى متطرفة. وتشكل نحو 4 في المائة من مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع. وهي تقع بين محافظتي طرطوس واللاذقية، حيث تقع القاعدتان العسكريتان الروسيتان والقاعدة الشعبية للنظام من الغرب وحلب من الشرق ثاني أكبر مدينة سورية وحماة من الجنوب، التي ترتبط بحساسية كبيرة في المخيلة السورية بعد «مجزرة» عام 1982.

وشكلت إدلب وجهة لعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفضوا اتفاقيات تسوية مع النظام وبدأ المقاتلون ينظمون أنفسهم «أمام معادلة واحدة هي القتال حتى النهاية». كما أن وجود النازحين يجعل أي عملية عسكرية تهديداً لهم وإمكانية الضغط على تركيا. وقال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا بانوس مومتزيس في يونيو (حزيران): «ليس هناك إدلب أخرى لإرسالهم إليها (…) هذا هو الموقع الأخير، ولا يوجد مكان آخر ليتم نقلهم إليه».

التصور التركي

ضغطت أنقرة على فصائل معارضة في شمال سوريا للمضي في التوحد وتشكيل «الجبهة الوطنية للتحرير» التي تضم نحو 70 ألف مقاتل، بحسب تقديرات مطلعين مقابل قول قيادي عسكري معارض، إن العدد بين 40 و50 ألفاً. والتشكيل الجديد من تحالف «جبهة تحرير سوريا» و«ألوية صقور الشام» و«جيش الأحرار» و«تجمع دمشق» (من الزبداني وريف دمشق والغوطة). اللافت، أن التشكيل الجديد يضم خلطة مقاتلين من «الجيش الحر» والمنشقين وفصائل إسلامية وفصائل من المهجرين من مناطق أخرى في سوريا، وتحديداً من قرب العاصمة. وكان معظمهم مدرجاً على قائمة «غرفة العمليات العسكرية» برئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في تركيا المعروفة بـ«موم»، قبل قرار واشنطن إلغاء البرنامج السري. وعين فضل الله الحجي، وهو زعيم «فيلق الشام» سابقاً، قائداً للتشكيل الجديد وأحمد سرحان نائباً أول ووليد المشيعل نائباً ثانياً (الثلاثة من إدلب)، إضافة إلى تعيين عناد الدرويش رئيساً للأركان ومحمد منصور نائباً آخر (الاثنان من حماة).

لم يبلغ المسؤولون الأتراك قادة الفصائل المتحدة الأفكار الموجودة في ذهن أنقرة. وبحسب المعلومات، فإن الخطة التركية تتضمن تقديم التدريب والتسليح لهذا التشكيل الجديد بحيث يشكل «نواة لجيش وطني»، أي أن يكون في سوريا ثلاثة تكتلات: «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية التي تضم 75 ألف مقاتل ويدعمها التحالف الدولي شمال شرقي سوريا، «الجبهة الوطنية لتحرير» وتدعمها أنقرة وتضم 70 ألفاً، إضافة إلى قوات الحكومة السورية التي يدعمها الجيش الروسي بما فيها «الفيلق الخامس» وإلى «قوات الدفاع الوطني» والميليشيات المحلية التي تدعمها إيران.

الأفكار التركية تتضمن أيضاً إعطاء مهلة لـ«هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل بينها «فتح الشام» (النصرة سابقاً) كي تحل نفسها بحيث ينضم السوريون من التحالف ضمن الكتلة الجديدة و«إيجاد آلية» للأجانب من المقاتلين لـ«الخروج من سوريا بعد توفير ضمانات». ويشمل «العزل» أو «التحييد» أو «الإبعاد» المقاتلين الأجانب الموجودين في «حراس الدين» التنظيم الذي تشكل في مارس (آذار) الماضي من مقاتلين غير سوريين في الفصائل و«الجيش التركستاني الإسلامي» وهم من الايغور الصينيين. ويقدر عدد الأجانب بين 6 آلاف و12 ألفاً.

واصل الجيش التركي تحصين نقاط المراقبة التي يصل أحدها إلى حدود محافظة حماة جنوب إدلب، في وقت حصلت أنقرة على مهلة من موسكو في اجتماع سوتشي الأخير للبحث عن «تسوية» للشمال بالتزامن مع انعقاد القمة الروسية – الألمانية – الفرنسية – التركية في 7 سبتمبر المقبل.

بندقية دمشق على إدلب

منذ خسارة محافظة إدلب في مارس 2015، تسعى قوات الحكومة للعودة إلى إدلب. سيطرت على غوطة دمشق وريف حمص وجنوب البلاد وجنوبها الغربي. بقيت ثلاث مناطق: شمال شرقي وتقع أمامها تعقيدات بسبب الوجود الأميركي المنتشر إلى قاعدة التنف، منطقتا «درع الفرات» و«غصن الزيتون» اللتان حصلت تركيا عليهما برعاية روسيا، محافظة إدلب التي تقع ضمن اتفاق «خفض التصعيد» وفق عملية آستانة الموقع في مايو (أيار) 2017 لستة أشهر.

انتهت مناطق «خفض التصعيد» الثلاث وبقيت إدلب. وقال الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي «هدفنا الآن هو إدلب رغم أنها ليست الهدف الوحيد». وتريد دمشق خصوصاً استعادة الجزء الأخير من طريق دولية، تمر عبر إدلب وتكمن أهميتها في كونها تربط بين أبرز المدن السورية التي باتت تحت سيطرة القوات الحكومية، من حلب شمالاً مروراً بحماة وحمص ثم دمشق، وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن. وقبل الوصول إلى حلب، يمر جزء من الطريق في مدن رئيسية في إدلب تحت سيطرة الفصائل، أبرزها سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون.

وبدأت قوات الحكومة عمليات شمال حماة وشنت قصفاً على مواقع معارضين، لكنها لا تزال حذرة في الاقتراب من مواقع تركيا التي لا تريد تكرار موقف الأردن وأميركا بالتخلي عن فصائل الجنوب السوري. غير أن الحملة الإعلامية بدأت بالتركيز على إدلب. اللافت، هو ضم الصين إلى هذه الحملة؛ إذ نقلت صحيفة «الوطن» الموالية لدمشق تصريحات للسفير الصيني في سوريا بأن بلاده ستساعد الجيش السوري في إدلب. على الأغلب، بسبب وجود الاوغور ضمن «الجيش التركستاني الإسلامي» الذي يقدر عدده عناصره وعائلاتهم بنحو 2500 شخص.

وكان اتفاق تسوية أدى إلى تهجير آلاف من قريتين مواليتين لدمشق في ريف إدلب، برعاية روسية – تركية؛ ما عزز الشكوك من احتمال حصول عمل عسكري. كما أن مسؤولين في «وحدات حماية الشعب» الكردية عرضوا على دمشق العمل سوية ضد تركيا في عفرين التي خسروها بداية العام وفي إدلب. وقالت مصادر، إن «الوحدات» تخطط لشن هجوم على عفرين في حال شنت دمشق هجوماً على إدلب.

رسائل روسية متناقضة

بخلاف تصريحات المسؤولين في دمشق، جزم الموفد الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في ختام اجتماعات سوتشي الثلاثاء «لن يكون وارداً في الوقت الحاضر، شن هجوم واسع على إدلب». ونقلت مصادر، أن توتراً حصل بين موسكو ودمشق بعد تصريحات رئيس وفد الحكومة إلى سوتشي بشار الجعفري ضد «الاحتلال التركي».

موسكو التي بدأت تروج لخطة لإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار لا تريد أزمة لجوء جديدة؛ إذ يهدد التصعيد بتدفق موجات كبرى من اللاجئين إلى تركيا، وهو ما لن تسمح به مع رغبتها بتسريع عودة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ تدفقوا إلى أراضيها منذ اندلاع النزاع في 2011. وتراهن موسكو على أن يقوم الأتراك بحل ملف «هيئة تحرير الشام» لا أن تكون «قضية يمكن للأسد أن يستخدمها لإطلاق هجوم على إدلب». وتراهن روسيا على تركيا لإنجاز هذه المهمة، بحسب لافرنتييف. لكن في الوقت نفسه، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى «قلق إزاء تصاعد الأوضاع في منطقة خفض التصعيد في إدلب نتيجة استهداف المسلحين مواقع للجيش السوري ومساكن مدنية في حلب وحماة واللاذقية»، مشيرة إلى «تسجيل 84 عملية قصف خلال الأيام الـ10 الماضية، ذلك إضافة إلى هجمات متكررة باستخدام طائرات بلا طيار ضد قاعدة حميميم الروسية انطلاقاً من إدلب». وتزامن ذلك مع هجمات شنها تنظيم «حراس الدين» على مواقع للحكومة شمال البلاد.

احتمالات

أمام هذه الصورة تظهر احتمالات عدة:

الأول، أن تجر دمشق موسكو إلى خيارها بالتصعيد العسكري في إدلب كما حصل في مناسبات سابقاً عندما فرضت الحكومة السورية أجندتها على الحليف الروسي. قد تستخدم الهجمات على قاعدة حميميم أو فشل الجانب التركي واستمرار هجمات المتطرفين ذريعة لذلك.

الثاني، أن تذهب دمشق وحيدة إلى إدلب من دون غطاء روسي؛ ما يعني احتمال انضمام «الوحدات» الكردية وميليشيات إيرانية إلى العملية بهجوم على عفرين، وبالتالي انتقال: «الوحدات» عبر أراضٍ تسيطر عليها قوات الحكومة.

الثالث، أن تتبع قوات الحكومة سياسة «القضم» بحيث تسيطر على مواقع استراتيجية على طريق حماة – حلب، وعلى طريق اللاذقية – جسر الشغور، وفي سهل الغاب بين إدلب وحماة.

الرابع، وصول روسيا وتركيا وأميركا (إيران) إلى تفاهم الكبار تفرض على اللاعبين السوريين تتضمن ترتيبات للشمال السوري (بعد الجنوب) بحيث تنتشر القوات الحكومية ورموز الدولة على النقاط الحدودية، بما فيها مع العراق وتركيا (شمال شرقي وشمال) والجنوب مع الأردن.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»