بواسطة Abdullah Al Hassan | أبريل 12, 2018 | Cost of War, News, Reports, غير مصنف
(اعتمد هذا المقال على العديد من المصادر القريبة من مجريات الأحداث الأخيرة في مدينة دوما)
انتهت أزمة المدنيين في مدينة دوما، وتوصّل طرفا القتال إلى اتفاقٍ يقضي بخروج عناصر جيش الإسلام إلى مدينة جرابلس، الخاضعة لسيطرة قوات درع الفرات، وبقاء من يرغب من المدنيين تحت شروط مشابهة لأقرانهم في مدينة حرستا والقطاع الأوسط في الغوطة الشرقية، حيث تشمل الاتفاقية تسوية أوضاع الراغبين في البقاء من خلال لجنة تسوية مع ضمان عدم الملاحقة، ويُمنَح الفارّون والمتخلفون عن خدمة العلم مدة ستة أشهر قبل سوقهم والتحاقهم. وبالنسبة لطلاب الجامعات والمدارس، يستطيعون الالتحاق بأماكن دراستهم وكلياتهم بعد تسوية وضعهم الدراسي أصولاً، وأيضاً ستدخل الشرطة العسكرية الروسية (كتيبة شيشانية) كضامنٍ لعدم دخول قوات الجيش السوري وقوات الأمن الرديفة، وتدخل لجنة من محافظة ريف دمشق لتسوية جميع القضايا المدنية بالتعاون مع لجنة مدنية محلية من مدينة دوما، ويُفتح المعبر أمام الحركة التجارية بمجرد دخول الشرطة العسكرية الروسية.
تُظهِر الشروط المتعلقة بالمدنيين بأنها شروط عادية لا تختلف كثيراً عن أي من شروط تسوية المناطق الأخرى، وبالتالي كان بالإمكان الحصول عليها دون دفع فاتورة كل هذا الدم، وخاصة إبان التصعيد الأخير في السادس من نيسان حين حصل انتكاس في المفاوضات أدى إلى تصعيدٍ عسكري شديد من طرف النظام السوري وحليفه الروسي، راح ضحيته أكثر من ١٩٠ مدنياً في مدينة دوما، مع شبهةٍ واضحة لاستخدام مادة كيميائية محرمة دولياً خلال القصف.
في الرابع من نيسان، وبعد مفاوضاتٍ مكثفة، قدّم الكولونيل الروسي ألكسندر زورين ورقةً لمدير المكتب السياسي في جيش الإسلام ”ياسر دلوان“، تم تسريبها للإعلام لاحقاً، كان أبرز بنودها تسليم سلاح ”جيش الإسلام“ الثقيل خلال ثلاثة أيام، والسلاح الخفيف خلال أسبوع، ثم بعد تسوية أوضاع عناصر جيش الإسلام يتم تشكيل شرطة مدنية في المدينة تتبع لوزارة الداخلية، وكتيبة ”جيش الإسلام“ يكون تسليحها من الجيش الروسي، ومهامها محصورة في محاربة تنظيم ”داعش“ وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وتأتي لجنة من محافظة ريف دمشق لحل جميع مشاكل المدينة، ويكون الضامن لذلك دولة روسيا الاتحادية.
يبدو أن قيادة جيش الإسلام أساءت تقدير موقف المفاوِض الروسي، وظنّت بأنها تملك أوراق تفاوضية تُمكّنها من طلب المزيد، خاصة وأنه خلال جلسات التفاوض، أرسل مكتب اللواء علي مملوك (الأمن الوطني) رسائل عدة إلى قادة جيش الإسلام، في محاولة للتواصل وبحث اتفاقٍ ما بمعزل عن الجانب الروسي، فكان أن دخل نائب قائد جيش الإسلام (أبو قصي الديراني) على خط التفاوض، واجتمع مع الكولونيل زورين في مكتبه عند مدخل معبر الوافدين في الخامس من نيسان، واقترح عليه تسويةً جديدةً، تحمل في طياتها ”تشكيل لجنة مشتركة من الشرطة العسكرية الروسية وجيش الإسلام مهمتها جرد السلاح الثقيل وتثبيت أماكن تواجده والقائمين عليه، على أن يبقى في مكانه“ وأن ”يرتبط تسليم السلاح النهائي وبشكل كامل بالحل السياسي الشامل في كل سوريا“ بالإضافة إلى تشكيل شرطة مدنية من عناصر الشرطة المدنية الموجودة حالياً، على أن تتبع لوزارة الداخلية بالرواتب والقوانين، واعتماد محاكم دوما بعد أن تتبع لوزارة العدل، والمصادقة على العمليات المدنية التي تمت خلال الفترة السابقة بما يتوافق مع قوانين الدولة، وفتح المعبر بشكل حر وآمن للأشخاص والبضائع، وأيضاً ”ضمان حق جيش الإسلام في العمل السياسي المعارض، وحرية حركة سياسييه داخل وخارج سوريا“، وذلك بوجود ضمانات دولية لمنع دخول قوات النظام والأمن إلى داخل المدينة.
يبدو أن طرح ”جيش الإسلام“ الجديد أزعج الجانب الروسي، ودخول نائب قائد جيش الإسلام وكلامه المتعالي، أعطى إشارة إلى المفاوِض الروسي بأن انقلاباً ما قد حدث داخل جيش الإسلام، حتى أن وكالات الأنباء الروسية والسورية والإيرانية في صباح السادس من نيسان نقلت تأكيداً لعملية الانقلاب، وتلميحاً حول اغتيالٍ حدث لقائد جيش الإسلام ”عصام البويضاني“ في عملية الانقلاب المزعوم، وأتبع ذلك اتهامات غير صحيحة بأنّ جيش الإسلام قام بقصف ضاحية الأسد (ضاحية حرستا)، وفي حوالي الساعة الرابعة عصراً بدأ الطيران الحربي السوري بقصف مدينة دوما دون سابق إنذار، موقعاً في الربع الساعة الأولى أكثر من ٣٠ ضحية من المدنيين (يبلغ تعداد من بقي في دوما حوالي مائة ألف) الذين فاجأهم القصف بعد عشرة أيام من الهدوء. استمر الأمر بشكلٍ تصاعدي ٍمع استخدام ٍلراجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة، أدّى إلى وقوع العشرات من الضحايا بين صفوف المدنيين. استمر القصف بدون توقف حتى اليوم التالي، في محاولة للضغط على قادة جيش الإسلام لأجل العودة إلى بنود المقترح الروسي، وكان الكولونيل زورين قد أرسل لهم عدة رسائل يحثهم فيها على العودة إلى الورقة التي قدمها سابقاً ”خطتكم تقود إلى الحرب، لأن الأسلحة تبقى لدى الجميع، خطتي تقود إلى السلام، عليكم ان تخبروني قراركم حول خطتي بسرعة، أنتظر ردكم حتى الثامنة مساءً. خطتكم في الأساس غير مقبولة، بدون نزع السلاح لن يكون هناك سلام، انتظر اليوم حتى الثامنة مساءً، بعدها أوقف التفاوض“
لم يكن هناك رد من جيش الإسلام، رغم الضغوطات التي مُورِست عليه، وفي مساء يوم السبت، ذكر مشفى ريف دمشق التخصصي، في بيان له “في تمام الساعة ٧،٤٥ دقيقة من مساء السبت، ومع القصف المستمر على الأحياء السكنية في مدينة دوما، وردت العديد من الحالات تصل إلى ٥٠٠ حالة إلى النقاط الطبّية، أغلبهم من النساء والأطفال، بأعراض زلّة تنفسية وزرقة مركزية، وخروج زبَد من الفم، وانبعاث رائحة واخزة تشبه رائحة الكلور، لوحظ لديهم حروق قرنيّة بالفحص السريري، خراخر قصبية خشنة ووزيز،“ وأكد على أنّ “المعطيات السابقة تشير إلى حالات اختناق بغاز سام.“ بعدها بعدة ساعات، اتصل قائد جيش الإسلام بالكولونيل زورين وأبلغه استعدادهم للتراجع عن مطالبهم الأخيرة، مع تسليم السلاح الثقيل فوراً، وطلب أن يكون هناك اجتماع في صباح اليوم التالي لترتيب الاتفاق وتوقيعه. على الرغم من ذلك، لم يتوقف القصف طوال الليل، وإن أصبح بوتيرة أقل، وكذلك الحال في صباح اليوم التالي، مع أن جميع رسائل جيش الإسلام كانت تؤكد بأنه يتجاوب تماماً مع شروط الجانب الروسي، ولن يغامر مرة أخرى، لكن كان واضحاً بأن المفاوِض الروسي كان يريد أن يُلقّن ”جيش الإسلام“ درساً لن ينساه، وهو الذي قال لمفاوضيهم مرةً “أنا أُمثّل دولة روسيا الاتحادية، التي أطلقت محطة فضاء منذ ٤٠ عاماً، كما أنني أستطيع أن أتحكم بعشرات الأقمار الصناعية من هنا، أنتم من تُمثّلون؟“ وبالتالي استمر القصف على المدينة دون توقف، مع تراخي واضح من الطرف الروسي لعقد الاجتماع المقرر مع مدير المكتب السياسي لجيش الإسلام حتى تمام الساعة الواحدة ظهراً، وذلك على الرغم من إلحاح جيش الإسلام لعقد هذا الاجتماع بغية وقف القصف، وترتيب اتفاق يُرضي الجانب الروسي.
أخيراً، وبعد إلحاح شديد توقف القصف، وانتهى الاجتماع بتوقيع الطرفين على اتفاقية تقضي بتسليم السلاح الثقيل فوراً، وخروج من يرغب من المقاتلين نحو جبل الزاوية في محافظة إدلب، حيث لواء صقور الشام بقيادة أبو عيسى الشيخ، الحليف السابق لجيش الإسلام، وخروج من يرغب من المدنيين نحو مدينة جرابلس.
ولكن خلال أقل من ساعتين تغيرت وجهة مقاتلي جيش الإسلام فجأة نحو مدينة جرابلس بدلاً عن جبل الزاوية، وكما يبدو بأن الحكومة التركية لم ترغب في أن تتغير تركيبة توازن الفصائل في محافظة إدلب، بعد وصول أكثر من ٤٠٠٠ مقاتل من جيش الإسلام إلى هناك، وخاصةً بأنه معروف بعدائه الشديد لهيئة تحرير الشام، وبالتالي سارعت لاستضافته في مناطق درع الفرات في مدينة جرابلس، حيث يكون تحت عينها وفي عهدتها، وبالتالي من السهل التحكم بقيادته أو تغييرها كما حدث مع قادة أحرار الشام والزنكي وباقي الفصائل في الشمال السوري.
فور إعلان بنود الاتفاق، دخلت عشرات الحافلات مدينة دوما، استعداداً لنقل قادة جيش الإسلام وعناصرهم ومن يرغب من المدنيين نحو الشمال السوري، وتسلّم الجانب الروسي السلاح الثقيل مباشرة، على الرغم من قيام عناصر جيش الإسلام بحرق مدرعتين وتصويرهما بغاية التغطية على تسليم السلاح الثقيل، وحفظ القليل من ماء الوجه. كان من الواضح أن الجانب الروسي يريد الإسراع بتنفيذ بنود الاتفاق قدر المستطاع، خاصةً في ظل التطورات الجديدة على الساحة الدولية والمتعلقة بقصة (الكيماوي) الأخيرة في مدينة دوما، وتخوفه من عودة قادة جيش الإسلام عن تنفيذ الاتفاق بتحريض من جهة ما.
من ناحيةٍ أخرى، عادت قضية المختطفين للواجهة، بعد خروج العشرات من مختطفي عدرا العمالية (منذ نهاية ٢٠١٣) لدى جيش الإسلام على دفعات، مع سخط واضح من أهالي باقي المفقودين والمغيبين في الحرب السورية لعدم الكشف عن مصير باقي أبنائهم. علماً بأن القصف على مدينة دوما أدى إلى وفاة ٢٩ محتجزاً كانوا في سجن ”التوبة“ التابع لجيش الإسلام، وذلك بتاريخ ٢١ آذار ٢٠١٨، وفي سياقٍ متصل، تبقى قضية الناشطين الأربعة المختطفين من مقر إقامتهم وعملهم في مدينة دوما، رزان زيتونة وسميرة ووائل وناظم، بعيدة عن الحل، ومحفوظة في حوزة من يملك المعلومات الحقيقية من النافذين في تلكم الفصائل التي حكمت الغوطة الشرقية وأهلها ردحاً من الزمن.
بواسطة الحسناء عدرا | أبريل 9, 2018 | News, غير مصنف
“يحدث الأمر بسرعة خاطفة، تدخل عالم الجنون، خواء شاسع يحيط بك ويشدّك إلى القاع محاولا الظفر بسعادة مؤقتة مدفوعة الأجر، كل ذلك بسبب شبق التجربة والتوق للغرابة”، هكذا وصف (أسامة 24 عاما) تجربته مع الحشيش، مضيفاً: “نحن كشرقيين الميزة الوحيدة التي نمتلكها هي العبثية، نحن نعشق تجربة الأشياء الغريبة.”
بشهية مطلقة للبوح تحدث الشاب العشريني (هندسة مدنية) عن تجربته الأولى مع تعاطي الحشيش منذ عامين في منزل أحد أصدقائه الذي دعاه لتذوق (الكيف) محضّراً المادة دون عناء يذكر؛ فلاقى العرض استحساناً منه. أضاف:”يتوفر الحشيش بسهولة فائقة وعندما تحاول ترتيب الأمر يتأمن بسرعة كبيرة.”
يتابع (أسامة) قائلاً :”أن الأشخاص ذوو الملكات العقلية تروق لهم المادة لما تمنحه من قدرات هائلة في تحليل الأمور وعمقاً أكبر في التفكير وتركيزاً مضاعفاً لا يلبث أن يتبخر مفعوله بعد عدة ساعات، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ القدرات المزيفة. إن الأمر أشبه بالتورط في مديح نفسك أمام، إذ تقع في حفرة الأنا وينتابك شعور بالزهوّ والعظمة كلما انهال عليك تصفيق أصدقاء “الكيف” الذي يستعر مع كل جرعة إضافية، لكنني في واقع الأمر لم أكن أدري أنني كنت أعوم في أحشاء الوهم منسلخاً عن ذاتي ومنفصلاً عن الواقع.”
“افتعلتُ المشاكل مع أهلي وفشلتُ في الجامعة، فأكثرتُ من تدخين الحشيش الذي أثار قدرتي على ممارسة هوايتي المفضلة (الرسم). لقد حرّضني (الحشيش) على ابتكار أنواع جميلة من الخطوط لم أعرفها من قبل. تركتُ المنزل بعد مشاحنات عنيفة مع عائلتي، واستأجرتُ مع صديقي مرسماً في جرمانا كان يسكنه شاب اعتاد تأمين الحشيش لنا لكنه سافر إلى ألمانيا؛ غير أنه ترك لنا عنوان الموزع، فبدأنا باستقطاب الأصدقاء والتعاطي سوية؛ لتنهال علينا المشاكل بعدها، فأصبحنا مدينين للبقال واللحام والمتاجر وخسرنا عملنا، لكنها الحرب تفعل بنا الكثير.”
يستطرد الشاب: “في إحدى المرات زارني صديقي القديم إلى المرسم وحاول إخراجي من هذا الجو المقيت؛ فأقنعني بالعودة إلى منزل عائلتي في السويداء، وهناك استمريتُ أيضاً بتدخين الحشيش مع رفيق لي لمدة 3 أشهر، لأنتقل بعدها إلى مرحلة جديدة وهي تجربة حبوب الكبتاغون التي كانت متاحة بكثرة وبسعر زهيد؛ إذ لا تستطيع تخيل حجم الأفكار القذرة التي داهمتني عندما كنت (أحشش) ولاحقاً كنت أمارس أساليب شيطانية مع الفتيات لاستدراجهن عبر إرسال طلبات صداقة من خلال الفيسبوك لإقامة علاقات جنسية معهن وإشباع متعتي، ولأثبت لنفسي أنني قادر على الحصول على أي شيٍ أريده، كما وصل الأمر بي إلى محاولة جر أختي الصغرى إلى تجربة الحشيش!”
الحشيش هدية الله في الحرب
“دخلت في نوبة ضحك هائجة ونشوة عارمة… أحببتُ ذلك الشعور الذي التهم جسدي فقررت تجربتها على الدوام”، هذا ما قاله هادي (اسم مستعار) واصفاً تجربته الأولى مع الحشيش الذي تعرف عليه عام 2014 في سنته الأخيرة من دراسته لإدارة الأعمال في الجامعة الأوروبية. يتابع: ” كانت السيجارة تساعدني على التركيز من أجل التخرّج وتجاوز امتحانات العام الأخير تحت وابل من القصف والقذائف، حالي كحال أغلبية الطلاب الذين يفعلون الأمر ذاته في هذه الأوقات.”
يعتبر (هادي) الذي هاجر مؤخراً خارج سورية أن “الحشيش هدية من الله” ولا يعتبر الإدمان عليه مرضاً يستوجب العلاج على خلاف المواد الكيماوية كالكبتاغون التي تقود الإنسان إلى التهلكة، لكن الشاب يحمّل الحرب مسؤولية توجه جزء كبير من الشباب السوري إلى تعاطي المخدرات، ودخولهم عوالم التبنيج، فهي كما يقول “أصبحت المهرب الوحيد للاسترخاء ولو لساعة واحدة، ألوم الحرب لأننا كشباب يجب علينا أن نتابع دراستنا ونتخرج ونحقق أحلامنا ولكي ننسى همومنا ومآلات الحرب وأوجاعها”، وعن ثمنها يقول: “السعر يختلف بحسب مزاج تصريف الدولار، وكذلك وفقاً للمكان، فثمنها في مدينة اللاذقية يختلف عنه في العاصمة دمشق.”
المخدرات موضة كرستها سنوات الحرب السبع
يرى (حسام 24 عاماً) أن ظاهرة إدمان الشباب على الحشيش والكبتاغون والأدوية المخدّرة “ما هي إلا موضة كرّستها الحرب الدائرة في سورية، والتي أدت إلى تراخي قبضة الدولة في مراقبة المهرّبين والمتعاطين وإيلاء الأولوية لمكافحة الإرهاب ومحاربة المجموعات المتطرفة” مضيفاً: “بالتالي تراجعت رقابتها على هذه القضايا ولم تعد كما كانت قبل الحرب.”
يضيف حسام(هندسة اتصالات): “إن تفشي الرشى في مفاصل حكومية ساهم على نحو كبير بانتشار هذه الظاهرة لاسيما في ظل تراجع الدور الرقابي للدولة السورية بسبب يكفي أن تكون عسكرياً لتصبح المادة في متناول يدك دون رقيب وحسيب”، مبرراً الأمر بأهوال الحرب التي طال أمدها والمصير المجهول للمقاتلين على الجبهات وظروفهم. جميعها عوامل تدفعهم إلى البحث عن شيء يبعث لأنفسهم الراحة كالحشيش والكبتاغون وغيرها.
حسام كان تواقاً لتجربة الحشيش التي سمع عنها الكثير من أصدقائه ولا يمانع تجربتها بين الحين والآخر لكن بكميات دقيقة وغير مبالغ فيها، يعقب: “لا أمانع من تجربة الكبتاغون لمرة واحدة فقط في حياتي بداعي الفضول الذي كان وراء تجربتي الأولى، لكن الإمكانية المادية تلعب دوراً مهماً في استهلاك الحشيش، مادة الحشيش أو الكبتاغون صارت غالية بالنسبة لي، كوني لا أعمل، فلا أستطيع تحمل تكاليفها، إذ يصل ثمن الأوقية من الحشيش إلى (8000 آلاف ليرة 13 دولاراً أمريكياً تقريباً) وهذه لا تكفيني لمدة أسبوع، إنها تجارة مربحة للتجار وتدر عليهم ثروة هائلة.”
الحشيش كغيره من التجارات يقتضي وجود الموزع الذي بدوره يتعامل مع وسيط آخر خارج البلاد (الجهة المستوردة) يزوده بالمادة المطلوبة، بحسب الشاب الذي يضيف :”وقد يكون الأول شخصاً أو عدة أشخاص لا يعرفون بعضهم، كما يمكن أن يكون الموزع سائق سيارة أجرة يعمل على خط بيروت، ولديه علاقاته الخاصة مع عناصر في الجمارك فيسهل عليه التحرك بحرية مطلقة، وعادةً ما يتعامل الموزّع مع زبائن محددين ودائمين بشكلٍ مباشر متوخياً الحذر والحيطة إن لم يكن ذا نفوذ وله علاقاته الواسعة، بينما يعمل بشكل مكشوف ومعلن حين يكون له “دهاليز” مع جهات أمنية، مما يسهل عليه إدخال المواد بدون أن يسائله أحد.”
“stuff” بذرة من نبات القنب الهندي تأتي أحياناً مطبوخة، وتوضع داخل ورقة قصدير، وتغلق بإحكام ثم توضع في ماء مغلي، وبهذه الطريقة تترك أثراً مضاعفاً من السعادة والنشوة لدرجة الهلوسة، كما يشرح (حسام) متابعاً: “هذه الحرب أفرزت مصطلحاتها الخاصة فيما يتعلق بهذه الظاهرة ككلمة (عساكر) التي تعني أن المادة (الحشيش) جيدة، فيما تعني كلمة “ضباط” أن المادة ممتازة!”
التقيت بجاد (اسم مستعار) وآثار (الكبتاغون) من ليلة أمس مازالت تطفح على جسده ووجه ومزاجه العالي، قال:”في بداية الأمر كنت أرفض دعوات أصدقائي الملحة لتجربة الحشيش وشقيقاته من (وسائل البسط) إلى أن نال مني الفضول واستدرجني إلى مفعوله الآسر، حتى أضحت السيجارة لا تفارقني في كل السهرات والحفلات.” تسع سنوات من الخبرة في الحشيش وتوابعه كانت كفيلة للشاب العشريني أن يدرك طقوس هذه المادة وخواصها: “أهم ما في هذه المادة الخضراء هو فهم ماهيتها وكنهها واستيعابها على نحو صحيح، وذلك للحصول على أثرها المنشود، فالحالة النفسية تتدخل في خلق الأثر الفعّال، فإذا تم تدخينها في مزاج سيء وكئيب، فإن مفعولها حتماً سيكون سلبياً ومؤذياً، بل سيفاقم من حِدّة تلك المشاعر، والعكس صحيح.”
الحشيش يمتد إلى جبهات القتال
يعود الشاب بالذاكرة إلى قبل أربع سنوات عندما تطوّع في قوات (الدفاع الوطني) مستذكراً أنه دخّن (الحشيش) مرات قليلة مع رفاق محددين في أحد أماكن خدمته، لافتاً إلى توجّه العديد من الجنود إلى تعاطي مواد مخدّرة، وذلك لمنحهم الطاقة والقوة والقدرة على مواصلة القتال لأيام متواصلة ضد المسلحين الذين بالمقابل يتعاطون حبوب هلوسة وطاقة مفرطة، لكن وبعد أن تم تسريحه من الخدمة إثر إصابة بليغة في يده أدت إلى إحداث شلل في عصب اليد، اضطر (خالد) خلالها إلى علاجها لمدة عام كامل، دفعته إلى التحول إلى ابتلاع حبوب (الزولام/ zolam) و(الترامادول / tramadol) والتي أمست ترافقه في جيبه على الدوام. يسرد الشاب الذي يعمل كساقي كحول في أحد بارات باب توما: “لا أتمنى أن أبتلع هذه الحبوب، لكنني مضطر لذلك كونها صارت المصدر الوحيد لدي للمتعة والسعادة التي لا أجدها في الأوقات الطبيعية، حاولت قدر المستطاع السيطرة على نفسي وأخذ الأقراص بصورة غير منتظمة تجنباً للوقوع في حفرة الإدمان، لكن الحشيش والحبوب المخدرة قد أتلفت خلايا دماغي، وأضعفت من ذاكرتي؛ فأبناء جيلي شاخوا قبل الأوان، والحرب مازلت تربي الأفاعي في صدورنا ودمنا.”
حي القشلة والجامعات مرتعاً للمدمنين
حديقة القشلة (دمشق القديمة) أمست مرتعاً اليوم لمعشر الحشاشين ذكوراً وإناثاً ولمتعاطي حبوب الهلوسة بمختلف أنواعها وبشكل مزعج وغير منضبط بسبب ما أفرزته الحرب السورية من أزمات نفسية ومشوهي حرب، كما أن الجامعات أصبحت مدخلاً للتعرّف على وسائل الكيف كما يخبرنا (تيم طالب في كلية الآداب بدمشق) معتبراً “أن الحكومة السورية لا يتوجب عليها معاقبة المدمنين بل علاجهم وإعادة تأهيلهم.”
يحلم (تيم) كغيره من أبناء جيله بالسفر خارج سورية، ولو بأي طريقة كانت للهرب من نظرات المجتمع المستهجنة لمظهره الخارجي المتمرد على الطاعة الاجتماعية ولطبيعة عمله وأسلوب حياته مفصحاً عن رغبته بتجربة الماريجوانا الممتازة التي تختلف عن المواد الرديئة (الزبالة التي تباع داخل سورية) كما يصفها مؤكداً: “سأظل طول حياتي أدخّن الحشيش وأتعاطى حبوب الهلوسة كي أنسى ما يحدث في بلادي من خراب وقتل ودماء.”
(سهيل 26 عاماً) يحتج هو الآخر على نظرة المجتمع المسيئة للحشاشين: “نحن لسنا بالضرورة غير أسوياء، أو منعدمي الخُلق، بل هناك العديد منا لطفاء وطيبون، على خلاف أولئك الذين يتعاطون المخدرات وحبوب (الزولام) و(الترامادول) والتي غالباً ما يكون الإقلاع عنها صعباً للغاية، ناهيك عن فعلها المدمّر الذي يصيب الجملة العصبية بعد برهة من الزمن.”
قرر سهيل الذي يحضر رسالة (ماجستير تجارة واقتصاد بجامعة دمشق) المجازفة وتجريب تلك المادة التي تحيط بها هالة اجتماعية لا يجب المساس بها أو حتى الاقتراب منها؛ رغبة منه بتجاوز ما أسماه (الخطوط الحمراء). يقول: “جربتُ الحشيش للمرة الأولى منذ قرابة سنتين عندما كنت أدرس في منزل استأجرته بمدينة جرمانا مع أصدقائي. كان أحدهم شاب أثق به وعلى درجة عالية من الأخلاق، إذ رأيته يدخن الحشيش كي ينسى صوت الطائرات والقذائف، فجذبتني رائحة الدخان المنبعثة من السيجارة. وقتها اقترح عليّ أن أجرّبها، لكنها لم تعجبني كوني غير مدخن، فاقترح عليّ تجربتها عبر النرجيلة في المرة القادمة، فوافقت وراقت لي وأصبحتُ أدخّنها مع أصدقائي بين الحين والآخر.”
التغلب على هالة الرعب التي تحيط بالمخدرات بأنواعها كافةً هي أحد أسباب خوضي للتجربة يتابع سهيل: “الأبحاث العلمية صنفت الحشيش كمادة طبية، الأمر الذي طمأنني نوعاً ما، عدا عن إصراري على اختبار المادة والمقارنة بين أفكار المجتمع السائدة ونظرتي الشخصية تجاهها، لكنني لا أنكر أنها منحتني شعوراً بالاسترخاء والراحة و(الزهزهة) حتى التخمة. إنه أفضل شعور على الإطلاق ويجعلكِ تنسين صوت القصف والقذائف وصور من ماتوا في التفجيرات.”
التحشيش والإبداع
اللذة عدوها الأول الإشباع، فالمغالاة بتعاطي الحشيش سيؤدي إلى فقدان المتعة واللذة المنشودة”، يتحدث (طوني- 24 عاماً) ويتابع: “المواد الكيماوية بالرغم من مخاطرها، تحمل جانباً إيجابياً، إذ تخلق حالة من الصفاء الذهني حسب زعمه لكن هذا يتوقف على طبيعة الأشخاص المدخنين فالسيجارة عندها إما تصير عنصراً مثيراً ومحرضاً لعملية الخلق والابتكار كفعل الكتابة على سبيل المثال، أو تتحول إلى إدمان وكسل ونوم متواصل.”
بونات نفسية!
“يجب على كل شخص منا أن يكون لديه دفتر بونات خاص بالمنومات ومضادات الاكتئاب ونوبات الزعل المفاجئة يحصل بمقتضاها كل بالغ راشد عاقل (أشك بالأخيرة أي عاقل) على حصته اليومية من هذه الحبوب المباركة.”
يوضح أحد الشبان المدمنين على الحبوب المسكنة لم يذكر اسمه: “يكون دفتر بونات عادي يعني على شاكلة بونات السكر والرز قديما، كما يحكى أنه كان يوجد بون للتبغ من بين البونات التي يمتلكها الشعب في حقبة الثمانينات، لمن يذكرها كانت ملونة بالأخضر والنهدي والأزرق وعوض الرز والسكر وبقية هذه الكماليات يأتي الفاليوم والبالتان واللوكستان والزولام وكل أنواع المسكنات المركزية التي تجعل هذه الحياة القاحلة… محتملة ولو قليلا.”
“أتعس شعور في حياتي“
“كنت أسهر مع أصدقائي وعندما حان دوري لاستنشاقها لم تكن رائحتها الشبيهة بالزهورات مثيرة للاهتمام والدهشة بمقدار مفعولها الهائل، أذكر أنني انفجرت ضاحكا على أشياء تافهة وكأن أصابع تمتد إلي وتدغدغني، السيجارة الأولى لم تجد نفعاً أما الثانية فكانت القاضية والصادمة يضيف (ز. ش هندسة مدنية ) شعرت بالخدر يستولي على جسدي وعقلي، حاولت النطق لكن صوتي كان قد اعتقل، إحساس بالعطش الشديد اجتاحني، تناهت إلى سمعي أصوات قادمة من خلفي ثم اخترقت وجهي خيوط من الأنوار تحولت إلى حمى جعلتني أزحف إلى أقرب سرير متكورا على نفسي كالجنين.”
يقول الشاب :”الأمر الغريب والمزعج في التجربة أنني لم أشعر بالسعادة التي كنت أنشدها علاوة على عجزي الكامل عن التفكير والحركة وكأنني كنت أتعارك مع ذاتي، إنه أتعس شعور في حياتي ولن أكرره مرة ثانية.”
مستشفى ابن رشد والعجائب
لمتابعة الموضوع قمت بزيارة مستشفى ابن رشد بساحة (العباسيين) الواقعة تحت رصاص القنص وسقوط القذائف بأي لحظة. كان واضحاً أن وجودي كفتاة لم يكن موضع ترحيب من قبل مديرة هذا المصح الدكتورة أمل شكو، والتي استهجنت دخولي إلى هذا المكان المقتصر على الأطباء لكنني ادعيتُ بأنني أعمل على مشروع تخرّج حول عمل المستشفى ودوره في الوقت الراهن، وأحتاج لتزويدي ببعض المعلومات لإنهاء المشروع.
لم أكد انتهي من طرح سؤالي الأول حول عدد المرضى الحاليين المقيمين في المستشفى، حتى رمقتني الدكتورة (شكو) بنظرات ارتياب، وأجابتني بنبرة نزقة وعصبية وقالت: “عزيزتي لا أستطيع تزويدك بالعدد الحقيقي، كما أن العدد الحالي لعدد المدمنين هنا لا يعكس أبداً نسبة الإدمان الحقيقية في سورية.”
المستشفى الذي يعد قسم الإدمان فيه حديث العهد تم تأسيسه منذ عام 2003 بعد أن كان للأمراض السارية، وهو لا يستقبل المجرمين أو مرتكبي الجنايات، بل يقتصر على المدمنين الذين يرغبون بالعلاج بملء إرادتهم، وذلك بعد أن يوقّع المدمن ويبصم على ورقة للمكوث لمدة أسبوعين لا يخرج خلالها أبداً، وتُمنع عنه وسائل التواصل باستثناء هاتف المستشفى، ويكون من الضروري وجود كفيل للمريض من عائلته للتواصل معه في حال وقوع أي طارئ.
الدكتورة أمل شكو تحدثت وقالت: “إن ظروف الحرب واختلال الأمن في بعض المحافظات السورية؛ إلى جانب مشقات السفر وتكاليفها أسباب منعت قدوم المدمنين للعلاج على خلاف سنوات ما قبل الحرب.” هذا كان آخر سؤال أجابت عليه، وبعد ذلك طلبت مني لقاء أحد أطباء المستشفى ومغادرة الغرفة بحجة انشغالها ببعض الأعمال وضيق الوقت.
وفي محاولة لطيفة للتخلص مني والتهرب من أسئلتي الصحفية عرفتني (شكو) على الطبيب النفسي أيمن الحلاق الذي صادفته قبل دقائق من مقابلتها، طالبةً منه تزويدي بما أريد، لتجدد (شكو) استغرابها من وجودي. الحلاق الذي كان متعاوناً معي كشف أن عدد المرضى المقيمين وصل إلى 50 شخصاً، هذا الرقم انخفض كثيراً إذا ما قارناه قبل ست سنوات، وذلك بسبب ظروف الحرب والموقع الجغرافي غير الآمن للمستشفى المعرّض للقذائف التي مازالت آثارها ظاهرة على الجدران، ناهيك عن أصوات الرصاص المنبعثة من الجوار.
إدمان المستنشقات يطال أطفال سورية
(الحلاق) لفت إلى نوع آخر من الإدمان منتشر بين شريحة الأطفال السوريين، وهو إدمان المستنشقات كـ “لاصق الشعلة” التي تُستخدم في صناعة الأحذية وتباع في محال الإسكافية والبقاليات، ما يجعل توفيرها أمر سهل جداً، خاصة بالنسبة للمسحوقين اقتصادياً، كون هذه المادة رخيصة الثمن؛ وتكفي المدمن ليومٍ كامل: “كثيراً ما أشاهد الأطفال المُستنشقين لهذه المادة يفترشون شوارع دمشق كشارع 29 أيار ، وساحة المرجة وشارع العابد دون رقابة.”
يفسّر الدكتور حلاق تفشي هذه الظاهرة بين الأطفال واليافعين: “استنشاق هذه المادة يمنحهم شعوراً بالنشوة والسعادة، ويعوض الأطفال عن الحرمان العاطفي فيسبب إدماناً نفسياً وشعوراً دائماً بالحاجة إليها، كما أنها تصيب جسد الطفل بالنحول وتفقده الشهية على الطعام، وغالباً ما ترافقها علامات حول الفم إثر استنشاق المادة بكيس نايلون واحمرار في الأنف.”
وعن إدمان الأدوية المخدرة مثل الزولام و(الترامادول يوضح الطبيب المختص: “في البداية يتناولها المريض ليتمكن من النوم، وبعد فترة يصبح في حالة اعتياد عليها، حيث يسعى من خلالها لبلوغ النشوة، فيحاول من تلقاء نفسه زيادة الجرعات ما يسبب الإدمان، وهناك يستخدمها لعلاج الاكتئاب، كما يعمل الحشيش والكبتاغون على رفع المزاج لدى هؤلاء، أما الكوكايين فيرفع المزاج أيضا ويمنح شعوراً بالحيوية والنشاط وبالسعادة المؤقتة الرخيصة، ما يفسر إقبال السائقين على طرقات السفر الدولية عليها، فتبعد عنهم التعب والإرهاق، بينما يزود الهيرويين الإنسان بشعور السعادة المؤقتة والتثبيط والاسترخاء والهدوء والراحة دون النشوة.”
هرباً من الملاحقات الأمنية لا للعلاج
كشف أحمد زعويط مساعد نفسي في مستشفى ابن رشد (13 سنة خدمة ) أن 90% من المرضى في الظاهر يأتون لنية العلاج لكن في حقيقة الأمر مجيئهم ناجم عن عدة أسباب أبرزها الإفلاس، وعدم قدرة المدمن على شراء المخدرات وهناك من يتهرب من الملاحقات الأمنية باعتبار أن من يخضع للعلاج من تلقاء نفسه لا يلاحق أمنياً، وهناك من يتخذ من المستشفى مكاناً للنقاهة، ليستأنف فيما بعد إدمانه بعد خروجه منها.”
يكشف (زعويط) أن أغلب المدمنين هم من متعاطي الحبوب الدوائية المخدرة، والتي ازدهرت خلال الحرب، كإدمان (ترامادول) و(زولام) و(نيوترويلين) وهناك من يدمن نتيجة إصابة بالغة في الحرب أو خضوعه لعمليات جراحية قاسية، ومنهم من يقع ضحية غباء واستهتار أحد الأطباء الذي يقدّم له وصفة طبية بهذه الأدوية دون متابعة مثل (بروكسيمول) الذي عادة ما يكتبه أطباء الأسنان للمرضى كوصفة لتسكين الآلام، ناهيك عن قيام بعض الصيادلة عديمي الأخلاق ببيع هذه الحبوب بأسعار غالية دون وصفة طبية!
رئيسة دائرة المخدرات في وزارة الصحة السورية الدكتورة الصيدلانية ماجدة حمصي أوضحت بأن الدور المنوط بالدائرة؛ هو الموافقة على منح تراخيص استيراد المواد المخدّرة والنفسية والسلائف لمعامل الأدوية ومراقبة صرفها للأدوية لاحقاً: “هذه المواد الأولية تدخل في صناعة الأدوية المخدّرة التي هي تحت إشراف الهيئة الدولية لرقابة المخدرات، إذ لا يستطيع أي معمل شرائها من بلد المصدر وإدخالها إلى سورية، إلا بموجب رخصة تصدر من الشعبة بعد التأكد من عدم وجود إشكالية لإدخالها؛ إلا أنه مؤخراً صدر قرار جديد من معاون وزير الصحة هدى السيد بتكليف مديريات الصحة برقابة مستودعات الأدوية في المناطق التابعة لهذه المديريات، غير أن هذا الأمر يصعب تحقيقه في ظروف الأزمة الراهنة، ويهدد حياة الموظفين، وأحياناً أصحاب المعامل أنفسهم لا يستطيعون الوصول إلى معاملهم الواقعة في المناطق الساخنة كحلب على سبيل المثال.”
تشير القوانين الناظمة لافتتاح صيدلية في حي من الأحياء السورية إلى أنه يتوجب جلب دفتر نفسي من نقابة الصيادلة السورية المركزية؛ يُجبر بموجبه على عدم بيع أي دواء نفسي أو مخدّر إلا بموجب وصفة طبية، وفي حال بيعه عليه أن يسجل اسم المريض ورقمه الوطني والتاريخ والوصفة الطبية وعدد العلب التي تم شراؤها. تشرح لنا رئيسة دائرة المخدرات وتضيف: “لكن في ظل الأزمة يصعب ضبط جميع الصيدليات والاكتفاء برقابة البعض منها، خاصة الواقعة في دمشق، فلا نستطيع تغطية الصيدليات والمعامل الواقعة في المناطق الساخنة بفعل الظروف، فالدائرة تعمل بكامل طاقتها ووفق الإمكانيات المتاحة.”
مخدرات بأنواعها تباع في صيدليات دمشق وريفها
كشف مصدر لصالون سوريا (رفض ذكر اسمه) أن هناك قضايا عالقة في مجلس تأديب بنقابة الصيادلة منذ سبع سنوات ولغاية الآن لم يصدر أي قرار بحق الصيادلة المخالفين، وغالباً ما يتم حلحلة الأمور بالرشاوى ودفع الأموال. وقال المصدر ذاته إنه يوجد أكثر من صيدلية في العاصمة يديرها صيادلة يقومون ببيع حبوب مخدّرة بينها (الكبتاغون) بدون وصفة طبيب، وبناء على كلمة سر بين الصيدلي والزبائن.
أحد الصيادلة (لم يذكر اسمه أيضاً) ذكر أن ظاهرة بيع المواد المخدّرة قد تصل إلى بيع حبوب (الكبتاغون) وهي منتشرة في منطقة (جديدة عرطوز) بريف دمشق. مصدر في (إدارة مكافحة المخدرات) هو الآخر فضّل عدم ذكر اسمه قال إنه خلال عام 2017 تم ضبط 1719.575 كغ حشيش مخدر، و6.7 ملايين حبة كبتاغون، و1.2 مليون حبة دوائية نفسية، و612 كغ مواد أولية لصناعة المخدرات، إضافة إلى 12.6 كغ هيروين مخدر، و36 غرام كوكايين، و850 غراماً من الأمفيتامين، و1.70كغ مسحوق أوراق الحشيش.، و48 غراماً من الماريجوانا، و9 كغ مواد سائلة تدخل في تركيب وصناعة المخدرات، و30.65 كغ من مادة القنب الهندي.
ويضيف المصدر أن القانون رقم 2لسنة 1993 لمكافحة المخدرات ينص على الإعدام بالنسبة لجرائم زراعة وصناعة وتهريب المخدرات والاتجار بها، فيما يعفى المتعاطي من العقاب والملاحقة القانونية إذا قام بتسليم نفسه، أو من قِبل أحد ذويه لأحد مراكز المعالجة الحكومية على أن تكفل الدولة سريّة و مجانية العلاج.
يؤكد المصدر ذاته أن الدولة السورية قادرة على ضبط تهريب المخدرات في الأماكن الخاضعة لها، أما تلك القابعة تحت سيطرة المعارضة، فيصعب السيطرة عليها، حيث تنشط فيها عمليات الاتجار بالمخدرات؛ خاصة على الحدود المتاخمة لتركيا ولبنان؛ بالإضافة إلى مناطق ريف دمشق وحمص وأرياف حلب الشمالية و إدلب ودرعا.
عودة إلى ابن رشد
بعد أن فرغت من مقابلة كل الشخصيات آنفة الذكر؛ كان لابد لي أن أعود إلى مستشفى ابن رشد، لعل الحظ يحالفني وأظفر بحديث ودي قصير مع أحد نزلائه، وبالفعل تحقق الأمر، وذلك بعد أن تذرّعت لحراس المبنى بأنني أود الاستفسار عن الإجراءات والأوراق المطلوبة لتسجيل أخي في المصح.
ما أن دخلت حتى شاهدت رجلا يقف خارج غرفة الانتظار بادر بسؤالي عن حاجتي، فأخبرته أنني أرغب بلقاء أحد المرضى للاستفسار عن جودة الخدمات الطبية ومعاملة الأطباء ومدى نجاعة العلاج، فنادى أحد المرضى وبكلام مغمغم يستعصي على الفهم فأخبرني :”قصدت طبيب مختص بالأعصاب جراء إصابتي بأرق حرمني من النوم لثلاثة أيام متتالية، فأعطاني دواء لمدة شهرين ليساعدني على النوم، لكنني لم ألتزم بالمدة المحددة، وتناولته من تلقاء نفسي حتى الإدمان، فنصحني الطبيب بالقدوم إلى هنا للعلاج بالتزامن كي أتخلص من المادة المخدرة التي دخلت جسدي، لكنني أفكر بمراجعته لعلّه يعطيني دواءً يردع نفسي من أن تسوّل لها العودة إلى تناول الدواء مجدداً.”
“هددتُه بطلب الطلاق، فهذه هي فرصته الأخيرة للعلاج، بعد فشله في المرة الأولى منذ 3 سنوات”، تقول زوجة حسام وتتابع بلهجة يغلبها اليأس والإحباط: “تعرّض زوجي لحادث سير فظيع على أتوستراد المزة منذ خمس سنوات، أسفر عن ضرر كبير في قدمه، فخضع بسببها لاستخدام إبر (الترامادول) تحت إشراف الأطباء لكن يبدو أن الأمر أعجبه، فتحول إلى تناول الحبوب، مُستغلا تعاطف الصيادلة مع حالته الصحية”-أضافت الزوجة وهي ترمق زوجها المترنح خائر القوى: “الطبيب الخاص يكلف أجوراً لا طاقة لي عليها، كما أن الإرادة الهشة لزوجي بالعلاج ستسبب لي إحراجاً كبيراً، عدا عن تبديد المال والوقت.”
بالفعل عندما حان موعد المقابلة لم يستجب (حسام) لمحاولات زوجته بإنهاضه؛ مكتشفة أنه تناول خلسة حبة مخدّرة؛ محاولة بجهد جرّ جسده الثقيل إلى أقرب تاكسي ليقله إلى منزل عائلته.
بواسطة Ibrahim Hamidi | أبريل 6, 2018 | News, غير مصنف
أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترمب مهلة ستة أشهر قبل الانتخابات النصفية في الكونغرس لتحقيق «الانتصار الكامل» على تنظيم داعش شرق سوريا، وبدء الانسحاب التدرجي القوات الأميركية، في وقت يسعى جميع قادة المؤسسات الأميركية وحلفاء واشنطن في أوروبا والشرق الأوسط لتوفير حوافز للرئيس ترمب كي يعود إلى استراتيجية وزير الخارجية ريكس تيلرسون للبقاء «إلى أجل غير مسمي» لتحقيق جملة أهداف، بينها «عدم تسليم سوريا الى روسيا وايران» وعدم «سيناريو العراق» 2011.
وأكد مسؤولون غربيون لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن إرسال وزارة الدفاع (بنتاغون) قوات أميركية جديدة إلى شرق الفرات كان بموجب قرار من ترمب صدر نهاية العام، وضمن عمليات التبديل الدوري بين القوات التي يبلغ عددها نحو ألفين جندي ضمن التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، مشيرين إلى أن وصول مئات الجنود من التحالف إلى منبج لم يكن ضمن إرسال قوات جديدة، بل انتقال الجنود من شرق الفرات إلى شمال شرقي حلب لـ«تأكيد الرغبة بحماية الحلفاء وإرسال إشارة إلى أنقرة» التي تريد إرسال قواتها بعد عفرين وتل رفعت إلى منبج والضغط للوصول إلى اتفاق مع واشنطن يتضمن إخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية من منبج إلى شرق الفرات.
وبحسب هؤلاء المسؤولين الغربيين الذين اطلعوا على نتائج اجتماع مجلس الأمن القومي الأميركي برئاسة ترمب الثلاثاء، فإن الرئيس الأميركي كرر أكثر من مرة رغبته في بدء سحب القوات الأميركية «في أسرع وقت ممكن» باعتبار أن مهمة القضاء على «داعش» شارفت على الانتهاء. وأكد المسؤولون ما نُشر في صحيفة «واشنطن بوست» ووسائل إعلام أميركية، من أن ترمب كرر مرات عدة أن أميركا دفعت سبعة تريليونات دولار أميركي خلال 17 سنة في الشرق الأوسط من دون عائدات، وأن الوقت حان كي يساهم الحلفاء الغربيون وفي المنطقة في تحمل كلفة الجهود العسكرية الأميركية والقيام بواجباتهم لـ«ملء الفراغ» بعد الانسحاب الأميركي.
كما أشار ترمب، في الاجتماع، إلى أنه يريد الالتزام بوعوده الانتخابية بالتركيز على مصالح أميركية وسحب قواته من الشرق الأوسط. وبدا أن ترمب يريد حصول ذلك قبل الانتخابات النصفية في الكونغرس في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث تتم إعادة انتخاب أعضاء مجلس النواب (يضم 435 مقعداً)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (يضم 100 مقعد).
وقال مسؤول غربي لـ«الشرق الأوسط»، إن قادة وزارتي الدفاع والخارجية و«وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه) ومستشار مجلس القومي «شنوا هجوماً مضاداً». كما ذكّر حاضرون في الاجتماع الرئيس ترمب بـ«احتمال» تكرار الخطأ ذاته الذي قام به الرئيس السابق باراك أوباما في 2011 عندما قرر سحب عشرة آلاف جندي أميركي من غرب العراق؛ ما أدى إلى عودة تنظيم «القاعدة» بثوب جديد عبر «داعش». وعلى عكس قول ترمب، أن «(داعش) شارف على الهزيمة»، أشار مسؤولون أميركيون إلى أن «داعش» لا يزال يسيطر على جيبين شرق سوريا بنحو ثلاثة آلاف عنصر: الأول، وادي الفرات. الآخر، قرب حدود العراق.
وفي الاجتماع شرح مسؤولون «الأبعاد الاستراتيجية للقرار الأميركي»، لافتين إلى أنه جرى التذكير أيضا بالاستراتيجية التي أعلنها وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون في بداية العام الحالي «التي أقرت بعد أشهر من المشاورات داخل المؤسسات الأميركية قبل أن يقرها ترمب نفسه». وإذ بدا أن ترمب «لم يعد معجباً» باستراتيجية تيلرسون الذي سيحل محله مدير «سي آي إيه» مايك بومبيو بعد موافقة الكونغرس، جرت الإشارة في اللقاء إلى أن «أهداف الاستراتيجية لا تزال صالحة» وتشمل خمسة أهداف: منع عودة «داعش»، تقليص نفوذ إيران بالسيطرة على منطقة على الطريق البري بين إيران والعراق وسوريا و«حزب الله»، الضغط مع روسيا لتحقيق انتقال سياسي، عودة اللاجئين من دول الجوار الحليفة لأميركا، منع استخدام السلاح الكيماوي.
وقيل في الاجتماع، إن الانسحاب الأميركي «يعني تسليم سوريا إلى روسيا، وفقدان أي ورقة ضغط، والتسليم بالوجود الإيراني في سوريا والعراق»، إضافة إلى قيام التحالف الثلاثي الروسي – التركي – الإيراني بـ«إقرار ترتيبات لملء الفراغ» وانعكاس ذلك على وجود القوات الأميركية في العراق.
عليه، قال المسؤول الغربي، أمس، إن الموقف الأميركي بعد اجتماع الثلاثاء يقع حالياً بين احتمالين: الأول، تمسك ترمب بموقفه بدفع الجيش الأميركي والتحالف لتحقيق هزيمة «داعش» في شكل كامل في آخر جيبين له ثم إعلان بدء الانسحاب عشية الانتخابات النصفية بداية نوفمبر المقبل مع إعطاء مهلة ستة أشهر للانسحاب التدرجي. الآخر، نجاح المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية، خصوصاً بعد تسلم جون بولتون منصبه مستشاراً للأمن القومي خلفاً لهاربرت ماكماستر في 9 الشهر الحالي، وتسلم بومبيو وزارة الخارجية، بإقناع ترمب بالبقاء شرق سوريا والتواصل مع الحلفاء في أوروبا والمنطقة لتوفير الدعم العسكري والمالي للمهمة الأميركية. وقال دبلوماسي غربي: «هناك احتمال أن تزيد أميركا جهودها، خصوصاً أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن تحقيق الأهداف الاستراتيجية الخمسة المعلنة يتطلب أضعاف عدد الجنود الأميركيين ومن الحلفاء»؛ الأمر الذي أعاد إلى طاولة البحث زيادة دعم فصائل عربية واحتمال إرسال قوات من الدول الغربية والعربية المنضوية في التحالف ضد «داعش» إلى شرق الفرات.
هنا، أثار خبير مقرب من واشنطن فكرة ربط أميركا والتحالف بين ثلاثة جيوب في ثلاث زوايا تقع تحت النفوذ الأميركي: شرق نهر الفرات، حيث تقع قواعد عسكرية أميركية و«قوات سوريا الديمقراطية» في زاوية الحدود السورية – العراقية – التركية، معسكر التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية، هدنة الجنوب في زاوية الحدود السورية – الأردنية – الإسرائيلية.
في موازاة ذلك، بدأت ملامح اتصالات للحصول على دعم مالي ولوجيستي لتقوية الإدارات المحلية وعوامل الاستقرار وإعادة البناء شرق سوريا، إضافة إلى البحث عن وسائل لاستثمار الغاز والنفط من شرق الفرات، خصوصاً أن خبراء يعتقدون أن مناطق حلفاء واشنطن تضم 90 في المائة من النفط السوري البالغ 360 ألف برميل يومياً و45 في المائة من الغاز ومحاصيل زراعية وسدود مائية وكهرباء؛ ما يعني احتمال «توفير إمكانية لاعتمادها اقتصادياً على مصادرها الخاصة».
ويتوقع، بحسب المسؤولين، أن تشهد المرحلة المقبلة اتصالات داخل الإدارة الأميركية من جهة وبين واشنطن وحلفائها الغربيين وفي المنطقة من جهة أخرى؛ لمعرفة اتجاه الوجود الأميركي في سوريا بين «بدء الانسحاب بعد ستة أشهر» و«البقاء واحتمال تعزيز الوجود».
بواسطة Ibrahim Hamidi | أبريل 4, 2018 | News, غير مصنف
ترأس الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، أمس، لاتخاذ قرار نهائي بشأن الوجود العسكري الأميركي شرق سوريا. ويلتقي رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وتركيا رجب طيب إردوغان، وإيران حسن روحاني، في أنقرة، اليوم، لبحث ترتيبات عسكرية – سياسية لسوريا بينها مستقبل العملية العسكرية التركية في تل رفعت بعد سيطرة أنقرة وحلفائها على عفرين شمال حلب، إضافة إلى مستقبل التسوية السياسية.
يأتي ذلك بعد سيطرة قوات الحكومة السورية على غوطة دمشق، والوصول إلى اتفاقات لإجلاء نحو 100 ألف مقاتل وعائلاتهم، بينهم 60 ألفاً وعائلاتهم يُتوقع أن يشملهم اتفاق دوما، من شرق العاصمة إلى شمال سوريا وشمالها الغربي. وبات السؤال المطروح بعد الغوطة: هل تذهب قوات الحكومة إلى الجنوب أم إلى ريف حمص؟ لكن يبدو أن خطوط مناطق النفوذ ترتسم رويداً رويداً وسط مخاوف من تحول هذه المناطق تقسيماً للبلاد كأمر واقع.
«إقليم» شرق نهر الفرات
تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «وحدات حماية الشعب» الكردية وفصائل عربية، على مناطق شرق نهر الفرات التي تشكل نحو ثلث مساحة الأراضي السورية، لكن الأهم أنها تضم 90% من إنتاج النفط السوري، إضافة إلى 45% من إنتاج الغاز السوري، حسب تقدير خبراء.
وبلغ الإنتاج السوري من النفط قبل 2011 نحو 380 ألف برميل يومياً. وانخفض إلى 20 ألفاً ثم ارتفع إلى حدود 60 ألفاً، من آبار تنتشر في مناطق تحت سيطرة حلفاء واشنطن تُباع في معظمها لمناطق حلفاء موسكو!
وتغيّرت السيطرة على المصادر الطبيعية في السنوات السبع الماضية. إذ كانت فصائل إسلامية ومعارضة تسيطر على معظم آبار النفط والغاز ومحطات الكهرباء، لكن وقوع معظمها تحت سيطرة «داعش» أدى إلى تقاسم السيطرة بين «قوات سوريا الديمقراطية» من جهة وقوات النظام من جهة أخرى.
ويُنتج في سوريا حالياً نحو 60 ألف برميل، إذ يكلّف إنتاج البرميل 8 دولارات أميركية، يضاف دولاران لنقل كل برميل، و8 دولارات لمعالجة برميل النفط في مصفاة حمص الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية وسط البلاد، ثم يباع بأكثر من ضعف المبلغ في الأسواق. وأشار إلى أن تجارة النفط باتت تشكل مصدراً رئيسياً لاقتصاد الحرب في البلاد، وأنها توفّر مليون دولار يومياً.
وكان التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة أميركا قد دعم «قوات سوريا الديمقراطية» لتحرير شرق البلاد من التنظيم الإرهابي، حيث تمت السيطرة على الرقة والحسكة وزاوية الحدود «السورية – التركية – العراقية». وجرى في مايو (أيار) الماضي التوصل إلى اتفاق أميركي – روسي تضمّن عدم عبور حلفاء موسكو إلى الضفة الشرقية للفرات باستثناء الذهاب إلى البوكمال والميادين، مقابل موافقة الجانب الروسي على العبور إلى الضفة الغربية، للسيطرة على مدينة الطبقة، خصوصاً سدها الاستراتيجي ومطارها العسكري، إضافة إلى السيطرة على منبج شمال شرقي حلب.
وأقام الجيش الأميركي، الذي يضم ألفَي عنصر ومئات من المقاتلين البريطانيين والفرنسيين والنرويجيين (سابقاً) عدداً من القواعد العسكرية، خصوصاً في عين العرب (كوباني). وبات حلفاء واشنطن يسيطرون عملياً على «سوريا المفيدة» اقتصادياً، حيث تقع ثروات النفط والغاز والزراعة والمياه والسدود. وبقي «مربعان أمنيان» للحكومة في القامشلي والحسكة، إضافة إلى تسيير رحلات للطيران المدني بين القامشلي ودمشق.
عليه، استمرت روسيا وحلفاؤها في اختبار أميركا التي وفّرت الدعم لـ«قوات سوريا الديمقراطية» للسيطرة على منشأة غاز بدأت شركة «كونوكو» الأميركية تشغيلها قبل 15 سنة، وتشمل خطين لإنتاج الغاز الحر والمرافق للاستخدام المنزلي، إضافة إلى توفير 145 مليون قدم يومياً لمحطة جندر للكهرباء قرب حمص لإنتاج 400 ميغاواط من الكهرباء، أي 40% من الكهرباء المنتجة من الشبكة السورية.
وكانت موسكو تريد السيطرة على المنشأة، وقصف الطيران الروسي مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» قرب كونوكو، تعبيراً عن الانزعاج. وفي بداية فبراير (شباط) هاجمت مجموعة من «المرتزقة» الروس يعملون ضمن «مجموعة فاغنر» المرتبطة برجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين ويُعرف بأنه «طباخ بوتين»، موقعاً لحلفاء واشنطن للضغط باتجاه أكبر حقل نفطي. لكن الرد الأميركي كان حاسماً، إذ إن الجيش الأميركي قصف القافلة وقتل عشرات يعتقد أنه بينهم 195 من «المرتزقة» الروس.
وكانت تلك إشارة من واشنطن للدفاع عن شرق نهر الفرات في ضوء الاستراتيجية التي أعلنها وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بـ«البقاء إلى أجل غير مسمى» شرق الفرات لتحقيق أهداف للمصالح الأميركية بينها: منع ظهور «داعش»، وتقليص النفوذ الإيراني، ومنع التواصل بين إيران و«حزب الله» عبر الحدود السورية – العراقية، والضغط على موسكو ودمشق وطهران لتحقيق انتقال سياسي في سوريا، وعودة اللاجئين والنازحين، ومنع استخدام السلاح الكيماوي.
وكررت واشنطن التزامها مع حلفائها لدى إرسالها قبل أسبوعين مسؤولين كباراً إلى منبج شمال شرقي حلب، كي تقول للجيش التركي إن التقدم إلى هناك أيضاً ممنوع حالياً، وسط استمرار المفاوضات بين أنقرة وواشنطن للوصول إلى ترتيبات حول منبج التي تضم دوريات عسكرية أميركية تفصل المقاتلين الأكراد عن حلفاء تركيا، كما تضم مركزاً عسكرياً روسياً في ريفها يفصل الأكراد عن قوات الحكومة السورية.
كان الجيش الأميركي قد قصف في مايو العام الماضي مرات عدة، مقاتلين موالين لدمشق، وأُسقطت طائرة سورية في إطار الدفاع عن قاعدة أقامها التحالف الدولي في معسكر التنف في زاوية الحدود «السورية – الأردنية – العراقية»، وحدد دائرة بقُطر 55 كيلومتراً لحمايتها من أي هجوم. وضمت فصائل معارضة لقتال «داعش» خضعوا لتدريبات على أيدي وحدات خاصة أميركية وبريطانية ونرويجية. لكن يبدو أن الاختبارات الروسية – الإيرانية لمدى التزام روسيا ستبقى قائمة، مع العلم أن «الحشد الشعبي» العراقي سيطر على الجبهة المقابلة من حدود سوريا.
جنوب هش… و«نصيحة» أميركية
إذا كانت واشنطن قد دافعت بوضوح عن التنف وشرق نهر الفرات وأرسلت إشارات لحماية منبج، فإن منطقة النفوذ الأميركية الرابعة جنوب سوريا تخضع لاعتبارات أخرى. إذ إنه في يوليو (تموز) الماضي، توصل الرئيسان دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هامبورغ إلى اتفاق على «عدم وجود قوات غير سورية» في مناطق «هدنة الجنوب» في درعا والقنيطرة والسويداء، ما يعني إبعاد تنظيمات تدعمها إيران و«حزب الله» عن حدود الأردن وخط فك الاشتباك في الجولان المحتل.
وبعد مرور أشهر من اتفاق هامبورغ، وعلى هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في دانانغ في فيتنام، توصل وزيرا الخارجية الأميركي –حينها- ريكس تيلرسون، والروسي سيرغي لافروف إلى اتفاق، أُعلن باسم الرئيسين ترمب وبوتين في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) تضمّن عناصر، بينها أهمية «خفض التصعيد» في الجنوب باعتباره «خطوة مؤقتة» للحفاظ على وقف النار، وإيصال المساعدات الإنسانية.
وكانت قد وُقعت في عمان، في 8 نوفمبر، مذكرة تفاهم لتنفيذ اتفاق تموز، وتضمنت تأسيس مركز رقابة في عمان لتنفيذ الاتفاق «الروسي – الأميركي – الأردني» لاحتفاظ المعارضة بسلاحها الثقيل والخفيف، وتحديد خطوط القتال، وبدء تبادل تجاري مع مناطق النظام، وتشكيل مجلس محلي معارض، واحتمال عودة اللاجئين من الأردن أو نازحين قرب الحدود.
الخطة بالنسبة إلى أميركا، ترمي إلى «الخفض والقضاء النهائي على وجود القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من المنطقة لضمان سلام أكثر استدامة»، في إشارة إلى عناصر الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» المنتشرين. أما بالنسبة إلى موسكو، فالخطة تعني القضاء نهائياً على «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لـ«داعش» جنوب سوريا. ورفضت إسرائيل أن يقيِّد الاتفاق حركة طائراتها في قصف أهداف لـ«حزب الله» أو تنظيمات إيرانية قرب الجولان أو جنوب البلاد.
التزام الجانب الأميركي نهاية العام أوقف الدعم العسكري والمالي لـ35 ألف مقاتل معارض كانت تدعمهم «غرفة العمليات العسكرية» بقيادة «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه). وطرحت أفكاراً بدعمهم لمحاربة «داعش» و«جبهة النصرة» في الجنوب.
ومع قرب انتهاء العمليات العسكرية في الغوطة، توجهت تعزيزات إلى ريف درعا وشنت غارات على مناطق مختلفة. وحسب مسؤول غربي، استعجلت واشنطن الدعوة إلى اجتماع في عمان لعقد محادثات روسية – أميركية، حيث تبادل الطرفان الاتهامات؛ واشنطن تقول: إن موسكو لم تلتزم إبعاد «القوات غير السورية» بين 5 و15 كيلومتراً في المرحلة الأولى، و20 كيلومتراً بالمرحلة الثانية. وموسكو تقول: إن واشنطن لم تلتزم محاربة «النصرة» و«جيش خالد».
وتشير مؤشرات إلى احتمال حصول ترتيبات جديدة في الجنوب السوري تشمل فتح الطريق التجارية والمعبر الحدودي مع الأردن، وعودة «رموز الدولة ومؤسساتها»، وسط حملة يشنها الجيش الروسي وأنصار دمشق للوصول إلى «تسويات ومصالحات».
لكن النصيحة الأميركية للمعارضة، كانت بعدم استفزاز قوات الحكومة وروسيا كي لا تتعرض لقصف وهجوم بري بدأت مؤشراته تظهر على الأرض. وهناك من يتحدث عن مقايضة جديدة تتضمن تثبيت أميركا شرق الفرات مقابل تخليها عن جنوب سوريا.

«سوريا مفيدة» عسكرياً
بالسيطرة على الغوطة، تكون قوات الحكومة سيطرت على نصف مساحة سوريا وأكثر من 65% من السوريين الباقين في البلاد (هناك 5 ملايين لاجئ في الدول المجاورة وأكثر من 6 ملايين نازح داخلي) وشرايين الطرق الرئيسية والمدن الكبرى بعد استعادة شرق حلب نهاية 2016، ووسط حمص في 2014، إضافة إلى مدينتَي حماة وتدمر وسط البلاد، ودير الزور على نهر الفرات، لكن الأهم هو تأسيس قاعدتين عسكريتين إحداهما على البحر المتوسط، ونشر منظومة صواريخ «إس – 400»، وتجريب نحو 200 سلاح جديد.
وفي الوسط السوري، بقي «جيب» ريف حمص تحت سيطرة فصائل معارضة، ويخضع لاتفاق خفض التصعيد برعاية روسية، وسط أسئلة عن مستقبله مقابل وجود تصميم روسي على السيطرة على شرايين الطرق الرئيسية.
وباعتبار أن مناطق قوات النظام تفتقر إلى الموارد الطبيعية، وأن الغاز والنفط شرق البلاد تحت سيطرة حلفاء أميركا، طُرحت تساؤلات عن إعادة الإعمار بسبب غياب القدرة المالية لحلفاء النظام في روسيا وإيران لتعويض كلفة الدمار التي تتجاوز 220 مليار دولار أميركي، علماً بأن موسكو قدرت كلفة الدمار بـ400 مليار دولار.
في المقابل، أعلنت 18 دولة في اجتماع بقيادة أميركية، عُقد في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي، أنها لن تشارك في إعمار سوريا ما لم يحصل حل سياسي ذو صدقية بناءً على تنفيذ القرار 2254.
عليه، بدأت بوادر معارك بين «أمراء الحرب» ورجال الأعمال الجدد الذي برزوا في اقتصاد الحرب، ويتنافسون على حصة في مستقبل البلاد، خصوصاً بضعة رجال برزوا من تجارة النفط من شرق البلاد إلى غربها. كما ظهر تنافس روسي – إيراني على ثروات غرب نهر الفرات.
وكان لافتاً أنه بعد توقيع طهران ودمشق اتفاقاً لاستثمار الفوسفات السوري قرب تدمر بداية العام الماضي، وقّعت وزارة النفط السورية عقداً مع شركة «ستروي ترانس غاز» الروسية لاستخراج الفوسفات في مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي.
ونص الاتفاق على أن يتم تقاسم الإنتاج بين الطرفين لنصف قرن، بحيث تكون حصة دمشق 30% من كمية الإنتاج البالغ سنوياً 2.2 مليون طن من موقع يبلغ احتياطيه الجيولوجي 105 ملايين طن.
وحسب معلومات، تجري مفاوضات لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لتشغيل شركة ثالثة للهاتف النقال من قبل شركة إيرانية تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، واستثمار أراضٍ زراعية، وتأسيس ميناء نفطي صغير على البحر المتوسط، إضافة إلى أنباء عن قواعد عسكرية إيرانية قرب دمشق ووجود تنظيمات تضم عشرات آلاف العناصر التابعين لطهران.
إدلب… ملجأ المهجَّرين
في إدلب بين 2.5 و3 ملايين مدني وأكثر من 50 ألف مقاتل من فصائل إسلامية ومتشددة ومعتدلة، بينها أكثر من 10 آلاف في «هيئة تحرير الشام». وتضم إدلب أيضاً عشرات الآلاف من المقاتلين الذين تم إجلاؤهم على مراحل من مناطق مختلفة بموجب اتفاقات مع دمشق، آخرها من الغوطة الشرقية بإشراف روسي مباشر. لكن أنقرة نجحت سبتمبر الماضي في الوصول مع موسكو إلى حلولٍ وسط بضم إدلب الواقعة قرب الحدود التركية إلى اتفاق «خفض التصعيد». وتطبيقاً للاتفاق، انتشرت قوات تركية في 12 – 13 نقطة مراقبة داخل الحدود الإدارية لإدلب منذ مطلع العام. ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر، حسب وكالة الصحافة الفرنسية، أن هذا الانتشار منع «قوات دمشق من التوغل في إدلب».
وخسرت قوات النظام السوري محافظة إدلب (شمال غرب) منذ صيف عام 2015، إثر سيطرة تحالف فصائل متطرفة وإسلامية عليها، لكنه سرعان ما تفكك إثر جولات اقتتال داخلي تطورت إلى صراع على تقاسم النفوذ بين «الفصائل الإخوة».
وتسيطر «هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) حالياً على نحو 60% من إدلب، بينما تنتشر فصائل أخرى إسلامية منافسة لها في مناطق أخرى. وربط تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، في فبراير الماضي، تماسك مكونات «الهيئة»، باعتبارها «اللاعب الأقوى في إدلب بالإضافة إلى كونها مصدراً مهماً للدخل والتوظيف». وتمكنت قوات الحكومة السورية مؤخراً من استعادة السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري وعشرات القرى والبلدات في ريف إدلب الجنوبي الغربي شمال حماة.
ويرتبط مصير إدلب بقدرة أنقرة على توسيع سيطرتها شمال غربي سوريا وتقليص نفوذ «هيئة تحرير الشام»، اللاعب الأقوى ميدانياً. ويُجمع محللون على أن تركيا التي تشكل إعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين الموجودين لديها إلى سوريا أحد أكبر هواجسها، والتي لطالما أيّدت وجود منطقة عازلة قرب أراضيها، غير مستعدة لاستقبال موجات جديدة من النازحين قد يتسبب بها أي هجوم محتمل للنظام السوري على إدلب المكتظة سكانياً. لكن تركيا التي تدعم الفصائل الإسلامية الموجودة في إدلب لا تتمتع بالنفوذ نفسه على «هيئة تحرير الشام».
وتُبقي «هيئة تحرير الشام»، حسب هيلر، «سيطرتها على مفاصل المنطقة الأكثر حيوية. وهي تمسك بالشريط الحدودي ومعبر باب الهوى، بالإضافة إلى مدينة إدلب، مركز المحافظة»، وتتحكم في الحواجز الحدودية مع تركيا التي تتدفق البضائع والسلع عبرها من وإلى إدلب، وتؤمِّن تمويلها من خلالها. وقالت الصحافة الفرنسية إن حكومة الإنقاذ الوطني التي شكلتها المعارضة قبل أشهر في إدلب، وتعد بمثابة الذراع المدنية لـ«الهيئة»، تحاول فرض سيطرتها على المجالس المحلية والمنشآت المدنية، وتتحكم في مصادر الدخل الرئيسية كالمعابر والمحروقات وتفرض الضرائب تباعاً على الأسواق والمحال التجارية.
وقبل أسابيع، انضوت حركة «أحرار الشام الإسلامية»، حليفة «هيئة تحرير الشام» سابقاً، مع «حركة نور الدين زنكي»، فصيل إسلامي معارض، تحت مسمى «جبهة تحرير سوريا»، وشن هذا التحالف المدعوم من تركيا قبل بضعة أسابيع، هجوماً على مواقع لـ«هيئة تحرير الشام» وتمكّن من طردها من عدد من المناطق أبرزها مدينتا أريحا ومعرة النعمان. لكن يبدو إلحاق الهزيمة بـ«هيئة تحرير الشام» من دون مشاركة تركية مباشرة إلى جانب الفصائل المعارضة في إدلب أمراً صعباً. وبالتالي، فإن حسم مصير إدلب قد يمر بقتال داخلي جديد، حسب «الصحافة الفرنسية». ولا تزال مؤشرات ذلك مستمرة بين اقتتال وهدنات بين الكتلتين.
«غضن زيتون» وبندقية تركية
بعد فشل محاولة الانقلاب في تركيا بدأ منعطف العلاقات بين أنقرة وموسكو. تطور تدريجياً. في نهاية 2016، أعطى الجيش الروسي الضوء الأخضر لنظيره التركي للقيام بعملية «درع الفرات» لانتزاع منطقة بين حلب وجرابلس بالتزامن مع دخول قوات الحكومة السورية إلى شرق حلب.
طموح تركيا كان تأسيس جيب يمنع التوصل بين إقليمين كرديين شرق نهر الفرات وإقليم عفرين. وكان طموحها السيطرة على 5 آلاف كيلومتر مربع، أي نصف مساحة لبنان، لكن موسكو لم تسمح إلا بنحو 2100 كيلومتر مربع.
وفي بداية العام الجاري، أعطت موسكو ضوءاً أخضر ثانياً لأنقرة بشن عملية «غضن الزيتون» للوصول إلى مدينة عفرين. كان طموح تركيا منع وصول الأكراد إلى البحر المتوسط. سيطر الجيش التركي على عفرين بالتزامن مع دخول قوات الحكومة السورية إلى جنوب غوطة دمشق.
عين الجيش التركي حالياً على تل رفعت المحاطة بالجيش الروسي وقوات دمشق، وتجري مفاوضات للاتفاق على ترتيبات الانتشار التركي بالتزامن مع قيام دورية تركية باستطلاع شمال حماة وجنوب إدلب بعمق 200 كيلومتر من حدود تركيا.
وستكون هذه التفاصيل على جدول القمة الثلاثية «الروسية – التركية – الإيرانية» في أنقرة، غداً. ويلمّح كثيرون، حسب الصحافة الفرنسية، إلى أن تدخل تركيا الذي أدى إلى انتزاع عفرين أخيراً من أيدي الأكراد يدخل ضمن إطار التفاهمات الروسية – التركية. ويندرج في إطار هدف آخر للمنطقة العازلة المطلوبة تركياً، وهو إبعاد الأكراد عن الحدود التركية.
ولوحظ قيام تركيا، التي تستضيف نحو 2.5 مليون لاجئ سوري، بربط مناطق تحت سيطرتها بالنظام الاقتصادي والإداري والخدمي التركي، بما فيها تدريب الشرطة وتوفير خدمات البريد والمجالس المحلية والكهرباء والإنترنت وتعليم التاريخ التركي. وأُعلن عن اتفاق بين وزارة الجمارك وولاية هاتاي على افتتاح معبر يربط عفرين بتركيا في قرية حمام التابعة لناحية جنديرس. وأُرسلت فرق لترميم سدود ومدارس وتوفير خدمات. كما شجعت أنقرة مجلساً محلياً في عفرين.
وحدة سوريا في تقسيمها
بالتوازي مع التفاهمات بين اللاعبين الخارجيين والمقايضات بين الأراضي السورية، هناك في الخطاب الرسمي لدمشق وموسكو وأنقرة وطهران وواشنطن، إجماع على الرغبة في «وحدة سوريا» و«السيادة السورية». أيضاً، هناك عبارة أخرى تتكرر أن «القرار سوري والعملية (السياسية) بقيادة سوريا» بالتزامن مع فرض الخارج تفاهماته على السوريين، حكومةً ومعارضةً.
دمشق تعلن رغبتها في خوض «معركة تحرير» وهي تعد الوجود الأميركي والتركي «غير شرعي»، الأمر الذي توافق عليه موسكو التي تطالب أنقرة وواشنطن بـ«التنسيق مع الحكومة الشرعية». وسيكون هذا جزءاً أساسياً من الخطاب السياسي المصادر من دمشق.
لكن عملياً، يبدو أن مناطق النفوذ الجغرافي باتت تُرسم بالدم والسلاح بتفاهمات الدول الخارجية، وتشمل سيطرة الحكومة على نصف مساحة البلاد وحلفاء أميركا على ثلثها وتقاسم المعارضة وتركيا الـ20% المتبقية. صحيح، أن اتفاق آستانة تحدث أن مناطق «خفص التصعيد» هي «مرحلية لستة أشهر»، لكن القلق مشروع من أن يتحول المؤقت إلى دائم بفعل الأمر الواقع وتراجع القدرة العسكرية والاقتصادية للسيطرة على كامل الأراضي السورية البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، من دون دعم كامل لتنظيمات إيرانية أو تدخل بري روسي قوامه 100 ألف جندي.
عليه، يكتسب تحذير المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا من «كارثة التقسيم» الكثير من الشرعية، وأن تبقى سوريا «الرجل المريض» موحّدة في خرائط الجدران والمكاتب والمؤسسات الدولية. إذ قال في معهد الدراسات العليا في جنيف الأسبوع الماضي: «الحقيقة هي أن التقسيم الهادئ وطويل المدى لسوريا، الذي نشهده في اللحظة الراهنة في مناطق سيطرة مختلفة، سيكون كارثة ليس فقط على سوريا بل على المنطقة بأكملها». وأضاف: «من دون حل سياسي لا يُقصي أحداً، بما يشمل مَن تم استبعادهم، وتحديداً الأغلبية السنة، سيعود (داعش)».
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Ibrahim Hamidi | أبريل 2, 2018 | News, غير مصنف
تمسكت موسكو بمهلة خمسة أيام لـ«جيش الإسلام» كي يحسم موقفه التسوية في دوما شمال غوطة دمشق لإنجاز «اختراق» قبل القمة الروسية – التركية – الإيرانية الأربعاء المقبل؛ كي تتفرغ القمة لإقرار خرائط الانتشار في الشمال السوري، واختبار وجود أميركا والتحالف الدولي في منبج وشرق نهر الفرات، إضافة إلى إقرار القمة الثلاثية الانتقال من العمل العسكري إلى ملامح التسوية السياسية في سوريا.
مع استمرار إجلاء مقاتلين معارضين وأسرهم من وسط الغوطة وجنوبها ونزوح المدنيين باتجاه دمشق ليصل إجمالي الخارجين من شرق العاصمة لنحو 200 ألف شخص بينهم 150 ألف مدني، استمرت المفاوضات بين الجيش الروسي و«جيش الإسلام» لتقرير مصير دوما التي تضم معظم ما بقي من مدنيين في الغوطة.
موسكو تريد إخراج المقاتلين أو القيادات منهم. ولحل عقدة وجهة المقاتلين، طرح أخيراً خيار ذهابهم إلى منبج مع وجود تعقيدات في الطريق التي يمكن سلوكها من دمشق إلى شمال سوريا. كما عرض الجانب الروسي بقاء المدنيين في الغوطة وعودة «رموز الدولة» ومؤسساتها، وإزالة مظاهر المعارضة، إضافة إلى توفير عفو عن مطلوبين ومهلة سنة لتأجيل المطلوبين للخدمة العسكرية مع اشتراط تدمير السلاح الثقيل أو تسليمه.
في المقابل، رفض «جيش الإسلام» تسليم السلاح. وقال قياديون فيه: «تجربة النازحين في الغوطة عززت موقف القيادة الرافض لتسليم السلاح». كما تمسكوا بالبقاء في دوما ورفض المغادرة مع استعداد لتجديد اتفاق «خفض التصعيد» الذي أنجز في الصيف الماضي بوساطة مصرية وضمانة روسية. وتواصل قادة «جيش الإسلام» مع دول عربية للتوسط لدى موسكو لدعم خيار البقاء في دوما.
وطلب «جيش الإسلام» مهلة عشرة أيام مع الاستمرار بوقف النار، لكن الجانب الروسي أصر على خمسة أيام فقط بحيث «يطوى ملف الغوطة» قبل قمة الرؤساء، الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني للانتقال من المسار العسكري إلى السياسي.
دمشق تدفع لسحب موسكو إلى الذهاب إلى ريف حمص، في وقت تتأرجح موسكو بين الذهاب إلى الخيار العسكري في منطقة «خفض التصعيد» في ريف حمص وتكرار نموذج المصالحات عبر نزع السلاح. كما أن دمشق تكرر الخيار ذاته في الجنوب السوري؛ إذ مع استمرار وصول تعزيزات إلى الجنوب، جال ضباط روس ومن القوات الحكومية على مناطق في درعا لعرض تسوية، تضمنت قبول المعارضة «إزالة شعارات المسلحين من المباني» و«استرداد رموز الدولة» على أن تقوم المعارضة بـ«مساعدة الشرطة والسلطات المحلية وإدارات الدولة».
المعلومات تشير إلى أن ملف الجنوب مؤجل بسبب وجود ترتيبات روسية – أميركية – أردنية؛ ما يعني ارتباطه بإمكانية تطوير اتفاق «خفض التصعيد» لفتح معبر نصيب مع الأردن وتشغيل الخط التجاري.
لكن اللافت، أن القمة الثلاثية تبدو مهتمة أكثر بملف الشمال السوري والشمال الشرقي من الناحية العسكرية وبالملف السياسي العام. وأمام حديث الجانب الأميركي عن الانسحاب من شرق نهر الفرات والأزمة التركية – الفرنسية بعد استقبال الإليزيه وفداً كردياً سورياً، والبطء في إنجاز ملف منبج بين واشنطن وأنقرة، والأزمة القادمة بين إيران والغرب حول الملف النووي، والأزمة الروسية – الغربية حول «الجاسوس»، يتوقع أن تقر قمة بوتين – إردوغان – روحاني سلسلة من خطوات التفاهم في سوريا وخصوصاً في الشمال وشرق نهر الفرات.
وبين الملفات العالقة، مستقبل مدينة تل رفعت، حيث يريد الأتراك الدخول إليها بعد عفرين بضوء أخضر روسي، حيث جرى تبادل الخرائط لانتشار الجيش التركي وحلفائه السوريين، وبات الأمر مرتبطاً بطبيعة وجود «الدولة السورية» في تل رفعت. وفي حال تحقق ذلك، سيكون الجيش التركي في موقع أقوى للضغط على وضع منبج بعدما رفضت واشنطن مقترحات تركية لإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية. وقال مصدر: «أنقرة متمسكة بخروج الوحدات من منبج، ولن تقبل بعرض واشنطن تأجيل ذلك والاكتفاء بتسيير دوريات أميركية – تركية قرب منبج». ويبدو أن الملف الرئيسي سيكون مستقبل شرق نهر الفرات؛ إذ إن الجانب التركي يريد عبور نهر الفرات من الغرب إلى الشرق لملاحقة «وحدات حماية الشعب» الكردية، لكن واشنطن كانت تمنع ذلك. وقال دبلوماسي أمس: «القمة الثلاثية ستبحث في ترتيبات لوضع شرق نهر الفرات»، لافتاً إلى أن الموقف الأميركي الجديد سيترك منعكساته في المحادثات الثلاثية.
وينتشر شرق نهر الفرات ألفان من الجنود الأميركيين ومئات الجنود من التحالف الدولي المناهض لـ«داعش». وأعلنت واشنطن سابقاً، أن الجيش الأميركي «باق إلى أجل مفتوح شرق الفرات» لتحقيق خمسة أهداف: منع عودة «داعش»، تقليص نفوذ إيران، الدفع باتجاه حل سياسي في سوريا، عودة النازحين واللاجئين، ومنع استعمال الكيماوي. وبحسب المعلومات، فإن هذه الاستراتيجية الأميركية أقرت بعد مناقشات معمقة داخل المؤسسات الأميركية. لكن الرئيس دونالد ترمب أعلن نية الانسحاب كما جمد 200 مليون دولار مخصصة لإعادة الأعمار شرق سوريا. وجاء موقف ترمب قبل تسلم جون بولتون منصبه مستشاراً للأمن القومي في 9 أبريل (نيسان) وقبل تصديق الكونغرس مايك بومبيو وزيراً للخارجية خلفاً لريكس تيلرسون.
ويتوقع أن تتناول القمة الثلاثية هذه المعطيات لدى بحث «الترتيبات» شمال سوريا. وبحسب المعلومات، فإن القمة ستعطي إشارة لضرورة تحريك العملية السياسية في سوريا؛ إذ استبق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا انعقاد القمة، وزار موسكو قبل يومين لحض الجانب الروسي على الذهاب إلى السياسة بعد الغوطة، وتسريع عملية إعادة النازحين من دمشق إلى شرقها.
ويتوقع أن تقر القمة الثلاثية تحريك تشكيل اللجنة الدستورية بموجب مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في سوتشي نهاية يناير (كانون الثاني)؛ إذ إن الدول الثلاث لم تقدم إلى الآن قائمة مرشحيها إلى دي ميستورا الذي خول مؤتمر سوتشي تشكيل اللجنة. عليه، هناك توقعات بتقديم القائمة وإقرار مرجعياتها بحيث تبدأ اللجنة عملها في جنيف قريباً لإعطاء إشارة ثلاثية بـ«الانتقال إلى التسوية السياسية بعد الغوطة»، بحسب تصورات موسكو لهذه «التسوية».
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Abdullah Al Hassan | مارس 31, 2018 | Cost of War, News, Reports, غير مصنف
مع سيطرة الجيش السوري على أغلب مساحة الغوطة الشرقية بعد خروج فصيلي ”أحرار الشام“ من حرستا، و“فيلق الرحمن“ من زملكا وجوبر وحزة وعربين، وهي المناطق التي بقيت تحت سيطرته في القطاع الأوسط، أصبح واضحاً بأن الوجود المسلح لفصائل المعارضة السورية أصبح محسوماً في تلك المنطقة، والتي شهدت أعنف حملة عسكرية عليها منذ بداية حصارها في نهاية عام ٢٠١٢.
لكن يبقى السؤال الأهم، ما هو مصير فصيل ”جيش الإسلام“ المحاصر في مثلث دوما، وبعهدته ما يقارب ١٤٠ ألف مدني؟
بدأت مفاوضات جيش الإسلام مع الجانب الروسي منذ بداية الحملة العسكرية على الغوطة في منتصف شباط ٢٠١٨، ومع استمرار تقدم الجيش السوري في مزارع الغوطة، من الناحية الشرقية، حيث الخاصرة الرخوة للمحاصرين، ثم محاصرة كل فصيل على حدة، بعد تراجعه إلى مركز سيطرته (جيش الاسلام في مدينة دوما مع امتداد حتى بلدة الريحان في الشمال الشرقي للغوطة، وأحرار الشام في مدينة حرستا، بينما تآكلت مناطق فيلق الرحمن وتصالحت مدنه مع ما فيها من مدنيين ومقاتلين مع النظام بشكل منفرد، وبالتالي أضحى محاصراً في مدن زملكا وجوبر وحزة وعربين) تقدَّم جيش الاسلام بعرض إلى الجانب الروسي، وكما رشح من بنود هذا العرض، والمحفوظة ضمن دائرة ضيقة في قيادته، أن يتحول جيش الإسلام إلى شرطة مدنية (بدل خدمة العلم الإلزامية في الجيش السوري) في مدينة دوما وما حولها، مع تسليم السلاح الثقيل، ودخول رمزي لمؤسسات الدولة، ورفع العلم السوري على الدوائر الحكومية، ودخول كتيبة شيشانية لتأمين المنطقة بدل دخول الجيش السوري وقوات النظام الرديفة.
ومع الحديث عن تواجد وساطة مصرية في دمشق تسعى للحفاظ على جيش الإسلام ومدينة دوما، كما تسرب من الصحافة، يبدو أن الجانب الروسي تعاطى بشكل ايجابي مع عرض جيش الإسلام في البداية، حيث دخلت المساعدات الإنسانية إلى مدينة دوما وحدها دون غيرها عدة مرات، وخرجت الكثير من الحالات المرضية والإصابات بالغة الخطورة من داخل مدينة دوما لتلقي العلاج في العاصمة دمشق، وأيضاً أعلن الجانب الروسي عن وقف إطلاق النار من جانب واحد على مدينة دوما فقط، وهذا أعطى جيش الإسلام قناعة بأنه يملك أوراق تفاوضية قوية ومختلفة عن فيلق الرحمن أو أحرار الشام، فهو لم يُخِل باتفاقية ”خفض التصعيد“ التي وقعها مع الجانب الروسي في ٢٢ تموز ٢٠١٧، على عكس فيلق الرحمن الذي ساند بشكل واضح أحرار الشام في معركة ”بأنهم ظلموا“ على إدارة المركبات في مدينة حرستا، ولم يقم أيضاً بقصف العاصمة دمشق كما كان يفعل سابقاً في مثل هذه الظروف، في حين أن فيلق الرحمن أمطرها بوابل من القذائف والصواريخ، مما أوقع العشرات من الإصابات والضحايا في صفوف المدنيين، وأيضاً يتباهى جيش الإسلام بأنه أول من حارب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”داعش“ وذلك بعد أشهر من إعلان التنظيم عن قيام دولة خلافته، حيث اقتلعه تماماً من الغوطة الشرقية وقضى على وجوده فيها، ثم قاتله في جنوب دمشق، وفي جبال القلمون بالتعاون مع قوات أحمد العبدو المحلية هناك، وكذلك حربه ضد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) حيث دخل مراكز قيادتها في ٢٨ نيسان ٢٠١٧ بعد أن قتل وأسر العديد من قادتها وعناصرها، ولولا تدخّل فيلق الرحمن المتأخّر لحماية من تبقى منهم، لكان أنهى وجودها بشكل كامل في الغوطة الشرقية.
لكن يبدو بأن الجانب الروسي كان يملك اليد العليا في إدارة المعركة على الأرض ومن خلال التفاوض أيضاً، فهو أعطى نوعاً من الاطمئنان لقادة جيش الإسلام في رده على مطالبهم، ومن ثم بعد أن دخل الجيش السوري إلى القطاع الأوسط وبدأت مدنه وبلداته تُصالح منفردة، ومع تحوّل صمود أحرار الشام في حرستا إلى تفاوض بفعل ضغط الأهالي، تغير موقف الجانب الروسي فجأة، وقيل بأنه انسحب من تعهداته التي قدمها لجيش الإسلام، وهذا ظهر واضحاً من خلال تصرفات جيش الإسلام الذي حاول التلويح بأوراق تفاوضية جديدة، فاستعمل منظومة صواريخ الأوسا (9K33 Osa منظومة قاذفة، تحمل ستة صواريخ دفاع جوي محمولة على سيارات نقل بستة عجلات، ومدمج بها رادار في سيارة واحدة، وكان جيش الإسلام قد استولى عليها من قاعدة دفاع جوي بالقرب من دمشق في نهاية ٢٠١٢) للمرة الأولى خلال هذه الحملة، وأطلق صاروخين اثنين في اتجاه مروحييتين للجيش السوري دون إصابة أي منهما، وذلك في ١٧ آذار الماضي، وأيضاً قام باستعراض لبعض دباباته في وسط دوما، ثم فتح معركتين في مساء اليوم التالي، واحدة باتجاه حرستا بالتعاون مع أحرار الشام فيها، حيث قيل بأنه تسلّم سلاحهم الثقيل قبل إبرام اتفاقهم النهائي مع النظام السوري، وأخرى أحرز من خلالها تقدماً في مزارع بلدة مسرابا، فعاد القصف من جديد على مدينة دوما موقعاً العديد من الضحايا، وكان أشدها في ٢٣ آذار حين تم قصف المدينة بالنابالم والفوسفور الحارق.
مع عودة الهدوء النسبي وتوقف القصف على مدينة دوما، عاد جيش الإسلام إلى التفاوض من جديد، ولكن هذه المرة كان من خلال لجنة مدنية (تم انتقاء معظم أفرادها من المقربين منه) وعبر خط تفاوض جديد موازٍ لخط العسكر التفاوضي، ومع ذلك لم يتم تحقيق أي شئ يُذكر، فالموقف الروسي ثابت، خروج من دوما إلى محافظة إدلب أو جبال القلمون الشرقي، مع تسليم السلاح الثقيل، وتسوية أوضاع الراغبين في البقاء، مع إعطاء مهلة سنة كاملة قبل الالتحاق بالجيش للمتخلفين أو الفارين من خدمة العلم، وأن تكون الخدمة الإلزامية في الفرقة الخامسة (وهي فرقة ميكانيكية، تتموضع في الجنوب السوري ومسؤولة عن الجبهة الجنوبية، شاركت في حرب تشرين في ٧٣ وكانت أكثر الفرق نجاحا حيث وصلت إلى مشارف بحيرة طبريا) وكذلك أبدى الجانب الروسي استعداده للتفكير في إرسال كتيبة شيشانية إلى دوما، بدلاً من الجيش السوري وقوات النظام الرديفة، وبالتالي بقي الوضع معلّقاً مع جولات من التفاوض شبه اليومية وبحضور ممثل عن الأمم المتحدة المتواجدة في دمشق.
يعلم الجميع بأن ”جيش الإسلام“ قد انتهى، وهو يعلم ذلك، فخروجه إلى محافظة إدلب، يعني بأنه سيكون في مواجهة غير متكافئة مع هيئة تحرير الشام، على الرغم من تأكيد قيادة أحرار الشام في الشمال بتأمين الحماية اللازمة والكاملة لجيش الإسلام إن رغب في التوجه إلى محافظة إدلب، والجانب الأمريكي يرفض تماماً فكرة توجه جيش الإسلام نحو الجنوب إلى درعا، والجانب التركي كذلك يرفض بشكل قاطع دخول أي مدني أو مسلّح إلى مناطق سيطرة درع الفرات، حتى أنه ومن معه من فصائل المعارضة السورية وضعوا ”فيتو“ على دخول ”فيلق الرحمن“ للقتال إلى جانبهم سواء في قيادة الأركان أو في درع الفرات، ويبدو أن جيش الإسلام قد أغضب الأتراك حين قبل بالوساطة المصرية عند توقيع اتفاقية خفض التصعيد، وبالتالي لم يبقَ أمام جيش الإسلام إلا منطقة جبال القلمون الشرقي، وهي منطقة مُحاصَرة بشكل أكثر سوءاً من مدينة دوما الآن، ناهيك عن عدم أهليتها لاستقبال هذا العدد من المقاتلين وعائلاتهم.
مع كثرة الشائعات والأقاويل، يتحرك الشارع المدني – المُغيّب تماماً عن تقرير مصيره – في دوما بشكل تصاعدي يوماً بعد يوم، مقابل خطاب خشبي يدعو إلى الصمود والمبايعة على الموت من قادة جيش الإسلام وشرعييهم، واستخدام ظالم للغة التخوين مع استدعاءات الأجهزة الأمنية لمن يخالفهم الرأي. لقد خرج من دوما حتى الآن أكثر من ٢٠ ألف مدني عبر معبر مخيم الوافدين إلى مراكز الإيواء الجماعية التي أعدّها النظام السوري لاستقبالهم، مجازفين بأنفسهم ودون وجود أي اتفاق يضمن مصيرهم، لكن يبدو أن جيش الإسلام لا زال يكابر مُعوّلاً على حظوظه في نجاح المفاوضات، دون أن يشرح على ماذا يستند ويراهن، متحدياً بذلك المنطق الذي يقول بأنّه لا يملك في المفاوضات ما يُعطيه مقابل ما يطلبه لنفسه، ربما يكون تعليل ذلك بأنّه مُحاصر في خياراته، ولا يملك سوى الصمود بقدر ما يستطيع. لكن هذا الصمود المستند على الخطاب الحماسي، سوف يدفعه في النهاية إلى تكرار ما حدث مع ”فيلق الرحمن“ حين خرجت المظاهرات مندّدة به، ثم انشقت جماعات متفرقة من عناصره، وتحولت إلى ”قوات دفاع وطني“ من خلال مصالحات مباشرة مع النظام.
في المقابل، يبقى الجانب الروسي متعنتاً في موقفه، وهو يعلم بأن ”جيش الإسلام“ لا يملك خياراً سوى التمسك بأرضه والمواجهة لأجل البقاء، وبالتالي من المفيد تقديم نموذج حميد نحو تحوّل بعض من فصائل المعارضة السورية – الأكثر اعتدالاً – إلى شرطة محلية (مكان خدمة العلم)، بدل تركها لتكون تابعة لمصالح وغايات دولية وإقليمية، أو الدخول في معارك معها سوف تُخلّف الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين، مع دمار أصبح سمة رئيسية للمدن والبلدات السورية. ربما يكون النظام السوري هو المعطل لذلك كما تناقلت بعض الصحف، وربما لذلك يسعى الروس لكسب تأييد الأتراك في قبول صفقة ما لترحيل جيش الإسلام إلى جرابلس أو منبج، ويبدو أن مساعي الروس قد نجحت في تحقيق ذلك خلال الساعات الماضية، وبالتالي نبقى في انتظار الرد من جيش الإسلام على هذا الخيار الأخير.
على جانب آخر، تغيب مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة عن المشهد الحاصل في الغوطة الشرقية، وعندما تحضر تكون بطريقة ”رفع العتب“ دون تدخّل أو تأثير مباشر، فمجلس الأمن – وبعد تأجيل التصويت مرتين بسبب الاعتراض الروسي على صيغة القرار – يُخرج في ٢٤ شباط ٢٠١٨ القرار رقم ٢٤٠١ والقاضي بوقف الأعمال العدائية لمدة ٣٠ يوماً متتالية في جميع أنحاء سوريا، مستثنياً من ذلك تنظيم ”داعش“ و ”جبهة النصرة“ والكيانات الإرهابية كما حددها مجلس الأمن، مما أعطى روسيا والنظام السوري غطاءً دولياً ليفعلوا ما يشاؤون، بحجة وجود عناصر جبهة النصرة هناك، والذين لا يتجاوز عددهم الـ ٣٠٠ عنصر في القطاع الأوسط، وحين أعربت الفصائل الثلاث في رسالتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وللرئیس الدوري لمجلس الأمن السفير الكويتي منصور العتيبي عن “التزامنا التام بإخراج مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام، وجبهة النصرة والقاعدة، وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال ١٥ يوماً من بدء دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي“ لم تتحرك الأمم المتحدة لايجاد آلية للتنفيذ، مما اضطر جيش الإسلام إلى الاتفاق بشكل مباشر مع وفد الأمم المتحدة الذي دخل مع القافلة الإغاثية في الخامس من آذار لأجل ترحيل الدفعة الأولى من عناصر هيئة تحرير الشام الموجودين في سجونه إلى محافظة إدلب، وأيضاً لم تُحرّك الأمم المتحدة ساكناً عندما قامت قوات أمن النظام السوري باستبعاد نحو ٧٠٪ من المساعدات الإنسانية ومن بينها المواد الطبية من قافلة المساعدات التي دخلت دوما يومها، ولا عندما اضطرت تلك القافلة للخروج مسرعة دون أن تفرغ تسع شاحنات من حمولتها، بسبب القصف المتواصل على المدينة أثناء عملية التفريغ، وأيضاً لم تتحرك مؤسسات الأمم المتحدة الإغاثية لتقديم المساعدة للمدنيين العالقين في مراكز الإيواء المؤقت في مناطق سيطرة النظام.
في النهاية، يبقى المدنيون هم المتضررون الأساسيون، فهم نقطة ضغط للمهاجمين، ودرع واق للمدافعين، حيث تسقط الإنسانية، ويُصادِر السلاح رغبة العاقل في الكلام، وتبقى معظم الاتفاقات والاعتبارات محصورة في السلاح ومن يحمله، وفي ذيل القائمة تجد بنداً يتحدث عن تأمين المدنيين، ومن سخرية الأحداث أن يُنقل بعض من عناصر ”هيئة تحرير الشام“ بأمان إلى محافظة إدلب، في حين يرفض الجانب الروسي أي اتفاقية تشمل خروج من يرغب من المدنيين نحو إدلب، إلا بعد الاتفاق مع فصيل جيش الإسلام.
*مصدر الصورة المرافقة للمقال: REUTERS/Omar Sanadiki