ثلاثة أسئلة قبل إعادة إعمار سوريا

ثلاثة أسئلة قبل إعادة إعمار سوريا

ترك أبو غازي ذو الأربعين عاماً والأب لأربعة أطفال خلفه في حي كرم الزيتون في حمص، بيتاً مؤلفاً من ثلاث غرف يكاد يكون كل ما ملكه يوماً في سوريا ليساق نحو اعتقال دام خمسة أعوام. “جدران عارية بثقوب كبيرة وسط شارع رمادي مهشم ومهجور”، هكذا وصف له بعض المعارف حال البيت بعد خروجه من المعتقل، وقد علم أيضاً أن زيارته له الآن تتطلب موافقة أمنية يصعب على أمثاله ممن عارضوا النظام الحصول عليها، وهو ما أكده تقرير هيومان رايتش واتش الصادر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. يقول أبو غازي “من ثلاثة أجيال من عائلتي لم يتبق لنا في سوريا سوى ابنة عم واحدة، الجميع بات خارج البلاد، لقد فعل النظام المستحيل لتهجيرنا، هل تصدق أنه سيعيد إعمار بيوتنا ويسمح لنا بالعودة بهذه بساطة؟”.

إعادة إعمار دون حل سياسي؟

وكانت حكومة النظام السوري أعلنت أنها خصصت ٥٠ مليار ليرة سورية لإعادة الاعمار، ضمن موازنة الدولة لعام ٢٠١٩، وذلك في سياق دعاياتها المكثفة لأن “الحرب انتهت و بدأ وقت إعادة الإعمار”. ويعادل المبلغ المذكور حوالي مئة مليون دولار أمريكي تقريباً، وهو نسبة لا تكاد تذكر من الرقم المقدر لتكاليف إعادة إعمار البلاد، والذي يتجاوز ٢٥٠ مليار دولار، وفق تصريح المبعوث الخاص السابق لسوريا ستيفان دي مستورا قبل نحو عام من الآن، وبالتالي فإن “إعادة الإعمار بالموارد الذاتية” التي تروج لها أوساط السلطة وإعلامها، دون تدفق أموال إعادة الاعمار، وتدخل الاستثمارات الخارجية، سوف يستغرق مئات الأعوام.

وبحسب الباحث والخبير الاقتصادي السوري سمير سعيفان فإن دراسة البنك الدولي الصادرة في آذار/مارس قدرت حجم الركام الناتج عن القصف في حلب وحدها بـ ١٤.٩مليون طن، وهي تحتاج لـ ٢٦ مليون كم تقطعها الشاحنات للتخلص من الركام، وتستغرق نحو ٦ سنوات، وستبلغ التكاليف مئات ملايين الدولارات.

“إذاً فالمبلغ المرصود في الموازنة لن يكفي لأكثر من إزالة جزء من ركام مدينة حلب، فما بالك ببقية المحافظات كحمص وحماه وإدلب ودير الزور ودرعا وريف دمشق، وعشرات المدن والبلدات السورية الأخرى المدمرة كلياً أو جزئياً، كل ما سبق بند واحد فقط بين مئات البنود الأخرى التي تتطلبها إعادة الإعمار” يقول سعيفان.

ويحدد سعيفان مصادر تمويل إعادة الإعمار نظريا بأربعة وهي: المنح والمساعدات من الدول الغنية كالخليج والاتحاد الأوروبي ومنظمات أممية، القروض التي يمكن أن تحصل عليها الدولة السورية من دول أو من مؤسسات دولية، الاستثمارات السورية وغير السورية، وأخيراً إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد السوري مرة أخرى.  مشيراً إلى أن “النوعين الأول والثاني من المصادر يصطدمان بتعثر الحل السياسي العادل، الذي تعده الدول الغربية وحلفاؤها شرطاً للمساهمة في إعادة الإعمار، في وقت يعاني حليفا النظام روسيا وإيران من عقوبات وأزمات اقتصادية ضاغطة تمنعهما من تقديم هكذا مساهمات، لو رغبوا في ذاك أصلاً”. وبرأي سعيفان فالاستثمار بدوره يتطلب أولاً إزالة العقوبات عن البلاد، ثم حداً أدنى من البنى التحتية والاستقرار والقدرة الشرائية في السوق المحلية، “وكلها عوامل غير متوفرة” بحسب تعبيره.

ولا مصلحة للغرب في تقديم مساعدات لروسيا وإنقاذها من ورطة إعادة إعمار سوريا، ومنحها فرصة لإعادة تدوير مكاسبها العسكرية سياسياً، وبالطبع لا يسعى الغرب إلى أن تنتهي أمواله المدفوعة لإعادة إعمار سوريا في جيوب المسؤولين عن تدميرها أو أن تساهم في إعادة إنتاج جملة الأسباب نفسها التي أدت لنشوب الصراع من الأصل.

العيش مع الدمار أم تجزئة إعادة الإعمار؟

وصل أبو غازي حديثاً إلى لبنان حيث عائلته، وجد عملاً في فرن للحلويات، ويتقاضى مرتباً بالكاد يكفي لدفع إيجار منزله وسد رمق أسرته، وفضيلة لبنان بالنسبة له هي عدم تعرضه للملاحقة والاعتقال مرة أخرى، لحين إيجاد فرصة للهجرة إلى بلد آخر. قد يجد أبو غازي فرصته وقد لا يفعل، لكن ماذا عن من بقوا في سوريا؟ دمرت الحرب ثلث المساكن في البلاد بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة لنصف المرافق الصحية والتعليمية حسب تقرير للبنك الدولي صدر منتصف 2017، فهل يحكم عليهم بالعيش مع الدمار؟ الإجابة المرجحة هي نعم، مع تعذر إطلاق عملية إعادة إعمار على المستوى الوطني، لكن على المستوى المحلي الأمر بدأ يختلف، تركيا تنفذ مشاريع بنى تحتية وخدمات ضخمة في مدن الباب وجرابلس وغيرها من مناطق النفوذ التركي المرشحة للاتساع شمال البلاد. وكذلك السعودية والإمارات ودول غربية، أعلنت منحاً بحوالي مئتي مليون دولار لدعم استقرار المناطق المحررة من تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي حتى الآن. على ذلك يبدو أن المناطق الأقل حظاً من الموارد هي مناطق سيطرة النظام، حيث الكتلة البشرية الأكبر وكتلة الدمار الأكبر.

قد يكون لأنشطة إعادة الإعمار المحلية تلك أثر إيجابي في تحسين شروط حياة بعض السوريين في المناطق المذكورة، لكنها على المدى المتوسط والبعيد قد تنتج بنى اقتصادية مختلفة ومنفصلة في سوريا. خاصة إذا طال الاستعصاء السياسي في البلاد أكثر، وحلت أنشطة إعادة الإعمار المحلية، وإن بشكل غير مقصود، مكان عملية إعادة الإعمار الواحدة المفترضة على المستوى الوطني.

هل يمكن استمرار الوضع القائم؟

يبدو الانتقال السياسي اليوم أبعد مما كان عليه في أي وقت مضى، مع استعادة النظام السوري قوته، فهل سينجح فعلاً حل الصراع من خلال سحق أحد أطرافه؟ يقول سمير سعيفان إن “مرحلة ما بعد الحرب سوف تكون أصعب وأخطر على النظام من مرحلة الحرب ذاتها، لأنه سيكون في مواجهة القواعد الاجتماعية التي دعمته والتي تطالبه الآن بالفرص وبتحسين حياتها، وبالنسبة للروس أيضاً، عدم إطلاق عملية لإعادة الإعمار سيجعل (نصرهم) في سوريا أسوأ من الهزيمة ذاتها”. ويقول محمد صبرا بشيء من التفاؤل “نحن ذاهبون نحو صيغة من الانتقال السياسي قد تنجح خلال سنة أو سنتين وقد تفشل، لا نعلم، لكن المؤكد هو أن المشهد بتركيبته الحالية لن يستمر طويلاً”.

وبينما نترقب تفاهمات الدول الإقليمية حول مستقبل سوريا، المزيد من السوريين يفقدون الأمل، أبو غازي يقول: “لقد تركت لهم البلاد ليفعلوا بها ما يشاؤون ولن أفكر بالعودة أبداً”، مُذكراً بأن الدمار في سوريا لم يقتصر على الاقتصاد والبنى التحتية، بل امتد ليكون دماراً بشرياً واجتماعياً، طال علاقة الفرد بموطنه والمفاهيم والقيم المؤسسة للدولة.

الشباب في سوريا بين التديّن والإلحاد

الشباب في سوريا بين التديّن والإلحاد

خرجت رزان (28 عاماً) من كنف مجموعة “القبيسيّات”، خلعت مانطوها الكحلي، مُبقيةً على حجاب الرأس رغماً عنها، ومع المانطو انتزعت “آخر انتماء دينيٍ أو طائفيٍ لتكتفي بالإنسانية وحدها كهوية أصيلة”، بحسب تعبيرها. وتعرف رزان عن نفسها بأنها “لا دينية أو لا أدرية، حيث لا أؤمن بالديانات السماوية جميعها، ولا أملك الأدلة الملموسة لوجود الله أو عدمه”. فقد أضرمت الحرب نار شكوك رزان حول العدالة الإلهية، تقول الشابة ” بدأت أتساءل عما إذا كان الله عادلاً، ولماذا يسمح بوقوع هذا الكم الهائل من الموت؟ وما الحكمة من وراء هذا الاختبار الشاق، سوى المزيد من البؤس والألم؟ ولماذا اختار لنا هذا المصير بينما هو قادر على تغييره؟”

وأعطت الحرب أيضاً فرصة لرزان لتكتشف الهوة الدينية بين ما تدعو له جماعة “القبيسات” التي تدّعي تمثيل الدين الصحيح، وبين المذاهب الدينية الآخرى، حيث فتح لها العمل التطوعي والمجتمعي الذي بدأته الشابة عام ٢٠١١ أبواباً جديدة لم تألفها.

تقول رزان “أتاح لي العمل التطوعي الفرصة لمقابلة أناس من مختلف المذاهب والأديان، ممن لم أكن أعرف بوجودهم، بسبب الخطاب الديني الأحادي لجماعة القبيسيات حينما كنت من المريدات لهن، فالجماعة متقوقعة على ذاتها وتحجب الرؤية عن الآخر. بالإضافة إلى أنني كنت أتساءل عن سبب هالة القدسية حول الشيخة، التي تتحول إلى وسيط إلهي بين الطالبات وربهن، مع ضرورة رضوخنا لتقديم فروض الطاعة العمياء لها والخوف من غضبها، عدا عن الصدّ الدائم لأي استفسار ديني يصدر مني، وتهديدي بالحرمان من مباركتها”.

إضافة للعمل التطوعي، شكلت النقاشات الدينية والرؤى المختلفة التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي نقطة تحول لرزان نحو اللاتدين، “فقد سهل الإنترنت وغرف الدردشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التعرف على نماذج مختلفة من الأشخاص من كافة التوجهات والطوائف، وفتح الباب للنقاش أمام التفسيرات المتعددة للنص القرآني، وتقديم رؤى متنوعة عن بنية الكون ونشأته وتكوينه وتطوره” تشرح رزان.

أما منار (35 عاماً) الذي شبَ في حي القميرية أحد أحياء دمشق القديمة فقد أعلن إلحاده صراحة عام ٢٠١٤، قافزاً من ضفّة التدين الملتزم التي كان فيها، يقول منار: “أنا الآن لا أؤمن بوجود الله حتى يثبت العكس، و لم أصبح ملحداً بين ليلة وضحاها، إنما استغرق الأمر سنوات عديدة من البحث والقراءة، رافقها حوادث تراكمية وقعت خلال سنوات الحرب، إلى حين وُضعت أمامي معطيات ومعلومات قذفتني إلى عكس التيار الذي كنت أعوم فيه، إذ كنت  ملتزماً دينياً شغوفاً، وكنت إقصائياً لا أتقبل اختلافات الآخرين الدينية وتفسيراتهم المغايرة لي، مؤمناً دوماً بصحة معتقداتي الدينية.”

شكل عام ٢٠٠٩ نقطة انعطاف لمنار نحو التشكيك في الدين، حيث وجد الشاب في غرف الحوار بين الأديان منفذاً لعرض أفكاره الدينية والتمترس خلف البراهين الدينية الجاهزة لمحاججة الآخر المختلف. يحكي منار كيف دخل في “مبارزة فكرية” مع فتاة سورية مسيحية مقيمة في أمريكا، “كانت غرف حوار الأديان فرصة لممارسة الدور التبشيري الإسلامي، فتعرفت على جميلة واستمر نقاشنا لمدة عامين، فكان كلانا يبذل قصارى جهده لإقناع الآخر بدينه وإشهار حججه الدينية إزاء مواضيع شائكة كالاختلاط والحجاب وتفاسير الآيات القرآنية، والعلاقات الجنسية قبل الزواج، ومقارنة القرآن الكريم بالإنجيل وإذ بها توجه لي سهام الأسئلة التشكيكية التي كانت تراودني وأقابلها بسوط النهي لئلا أتهم بالتعدي على الذات الإلهية، وأحياناً أجيب عليها بقوالب جاهزة دون براهين لأبدأ بعدها رحلة البحث عن الحقيقة.”

علاقة الحرب بالإلحاد

أما الحدث المفصلي الذي مهدّ لترك منار للدين والإيمان، فكان في شباط/فبراير عام ٢٠١٢ حينما استيقظ ليجد قرابة ألفي عنصر من جبهة النصرة يؤدون صلاة الفجر في الشارع، لتتوالى بعدها الخطب الدينية وفتاوى القتل والدعوات الجهادية والتكبيرات. يقول منار “على إثر ذلك قررت عائلتي الرحيل من الحي والنجاة بأرواحنا، وفي طريق الخروج تعرّضت سيارتنا لسبع رصاصات دون أن تسفر عن إصابات ونجونا بأعجوبة.” تزامنت هذه الحوادث المتراكمة مع تبحره في تاريخ الأديان والتاريخ، و نضجت وجبة شكوكه الدسمة على موقد الإسلاميين المتطرفين فبات يتساءل كيف يمكن لشخص يؤمن بالله ورسوله أن يدعو لقتل الآخر في آن معاً؟ أليس الله بقادرٍ على وضع حدٍ لهذه الحرب و إيقاف نزيف الدماء والأرواح التي زهقت ظلماً وبهتاناً؟

لم تكن الحرب سبباً أساسياً لتوجه محمد نحو (اللادينية ـ اللا أدرية) إلا أنها هيأت له الجو خلال السنة الثانية من اندلاعها للإفصاح عن اعتقاده القائل بأنه “لا يوجد دليل قاطع فيما يخص قضية وجود إله من عدمه” بحسب تعبيره.  فالأمر بالنسبة لمحمد يعود إلى طبيعته التشكيكية، والغوص في المصادر التاريخية والعلمية واكتشاف حجم التعارض بين الدين و العلم، إذ يقول الشاب “العلم يقدم رؤية عميقة مدعومة بالأدلة الدامغة تجاه ظواهر جدلية كخلق الإنسان وعملية التطور وكروية الأرض وعمر الكون، في حين يقدمها الدين بطريقة عاطفية وبسيطة مكتفياً بنسبها إلى الله فقط دون براهين.”

يُصر محمد الذي يعمل في مجال التصوير والإخراج على ضرورة وضع تعريف دقيق لـ”الله” وتسميته بوضوح قبل أن يجيب على السؤال “هل تؤمن بالله أو لا؟” فباعتقاد الشاب أن هذا اللفظ اتخذ أشكالاً متطورة لدى العديد من الشعوب وصفات وتسميات متعددة عبر التاريخ، ما يرجح أن تعدد الآلهة هو فعل محض للشعوب موضحاً بنبرة احتجاجية  “لايوجد إجماع عام وموحد حول الله فلكل دين سماوي أو أرضي إلهه. هذا التعدد في الآلهة في تاريخ الشعوب ينفي فكرة وجود تعريف موحد عن الله ويستدعي ضرورة توصيفه على نحو دقيق.” ويعقب قائلاً “باعتباري لا أؤمن بأي دين أو عقيدة ولأن العقيدة الإسلامية ترتكز على الإيمان بالله فهذا يجعلني تلقائياً شخصاً لا أؤمن بالإله الذي تعبده هذه الديانة.”

من جهته يرى باسيل أن الحرب ليست إلا مناخاً هيأ لتحرر بعض الشباب من الدين، بعد أن وجدوا فيها فرصة للتعبير عن رأيهم، ويقول” تسببت الحرب بخلق حالة من غياب الرقابة والمحاسبة الدينية والاجتماعية، فالأشخاص الميّالون نحو اللا دينية ولديهم الرغبة في التعبير عن رأيهم، وجدوا في الحرب فرصة  سانحة للإفراج عن الأفكار المحظورة في مجتمع متدين، باعتبار أن الطاسة ضايعة،” مؤكداً أن الممارسات التي بدرت من التنظيمات الدينية المتشددة التي نشأت أثناء الحرب هي التي دفعت الشباب للابتعاد عن الدين.

كذلك كانت علاقة  ياسر (32 عاماً) مع الأديان علاقة مشبوهة منذ المراهقة، إلا أن الحرب عززت هذه الشكوك لتضعها في دائرة اليقين، فيعرف الشاب عن نفسه بأنه لا يؤمن بالأديان لكنه يؤمن بوجود الخالق، ويوضح قائلاً “أرى أن الأديان الإبراهيمية ليست إلا من صنع البشر نتيجة التمايزات الطائفية في الدين الواحد، والتباينات الواضحة بين الأديان الثلاثة.”  كرّس اتكاء الحرب على عكازة الدين لدى ياسر هذا المفهوم “فتجيير الدين في الصراعات السياسية -لما له من سلطة عليا في البلدان المتدينة- ساهم في ترسيخ القناعة القائلة بأن الأديان هي فعل ارتكبه البشر، فكيف نفسر حالة التجييش الديني والطائفي في الحرب وضلوع رجال الدين المتشددين في استقطاب المقاتلين والجهاديين من جميع أنحاء العالم بعد أن تمت أدلجتهم على الإرهاب والتكفير والقتل؟ ناهيك عن المفارقة الأزلية التي تحوم حول الدين فتراه يحرم الخمر على الأرض، في حين يبيحه بل ويبشر به في الجنة والأمر ينطبق على الجواري في الوقت الذي تعتبر العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج زنا.”

الأهل بين القبول على مضض والنبذ

ينتمي ياسر لمجتمع متدين ومحافظ، حيث كان جده من جهة والدته شيخاً قديراً في إحدى قرى مصياف التابعة لمحافظة حماه، ولذا حرص على عدم مضايقة أهله، وتفهم عدم تقبلهم لأفكاره الجديده، فاستمر بتأدية بعض الواجبات الأقرب إلى الاجتماعية منها إلى الدينية.

منار من جهته أخبر أسرته بأمر إلحاده، ولم تقطع علاقتها به، بل تقبلته “على مضض” كما يصف دون أن يتدخل أحدهما بالآخر، فيما تدعو أسرة محمد، المتدينة التي تنحدر من قدسيا، له بالهداية “والعودة إلى الصراط المستقيم”، ومازالت تجمع بينهم الزيارات العائلية والاتصالات بعد أن استقل عنهم.

إلا أن رزان تواجه خطر النبذ والقطيعة والرفض القاطع فيما لو عرفت أسرتها المحافظة  المنحدرة من الصالحية، أنّ ابنتهم قد رفضت القيود الدينية وتفضل “عيش حياتها” وفق مفاهيمها الخاصة على أن تتحمل العواقب الوخيمة لمصارحتها، وتقول: “تناول مثل هذه النقاشات المشككة بالمسلمات الدينية في المنزل أمر مستبعد ومرفوض كلياً، وسيعرضني حتماً للكثير من الصراعات والمتاعب لذلك أتكتم عن رأيي وأحاول العيش وفق مفاهيمي الخاصة.” غير أن  فسحة التعبير عن الآراء الدينية الحبيسة في المنزل يتم الإفراج عنها مع بعض الأصدقاء المنفتحين على الآخر “دون محاسبة أو صدامات عنيفة” كما تقول.

ربط الأخلاق بالدين فقط

“أول تهمة تلصق بي كملحد، هي أنني لن أمانع أن أمارس الجنس مع أمي أو شقيقتي، وهذا الأمر مرفوض كلياً وغير صحيح، فسواء كنت أؤمن بالله أو لا، فلن أفعل ذلك لاعتبارات جينية وأخلاقية وضعتها بنفسي لنفسي، وإن كان الدين وحده هو المصدر الوحيد للقيم الأخلاقية، كيف نفسر اغتصاب بعض الشيوخ للأطفال، واستغلالهم جنسياً للنساء، وتعدد العلاقات الجنسية للرجل المسلم المتزوج مع العلم أن دينه يسمح له بأربع زوجات؟” يقول منار.

أما بالنسبة لياسر فإنه يتفهم نظرة المجتمع له، عازياً السبب إلى أن الناس يرفضون بالفطرة كل من يناقش المسلمات الدينية أو يتجرأ على الخوض بها متخذين أحكاماً مسبقة عنه، وبناء عليه يرون في اللاتدين على أنه يمثل ممارسة مباحة لكل ما هو مشتهى مقموع بسوط الدين. فيما ترفض رزان فكرة احتكار الدين للمنظومة الأخلاقية بوصفه المنبع الوحيد للقيم، إنما هي المبادئ الخاصة التي يحددها الشخص لنفسه قائلة  “لا يوجد رابط بين الدين والأخلاق، فأن تكون متديناً لا يجعل منك أبداً شخصاً أخلاقياً والعكس صحيح، فبالنسبة لي أتبع المبدأ القائل لا ضرر ولا ضرار كممارسة يومية في التعامل مع نفسي ومع الناس عامة “.

نبض أريحا…مبادرة شبابية لضبط الوضع الأمني

نبض أريحا…مبادرة شبابية لضبط الوضع الأمني

“مررت بفترة لم أذق فيها طعم النوم لخوفي من تعرض محلي للسرقة، فهو مصدر رزقي الوحيد، ومنذ عدّة شهور ونحن نسمع عن هذه الحوادث المتكررة من سرقات وخطف وقتل، إلا أنني اليوم أنام قرير العين” يقول وليد الخضر (39عاماً) وهو من أهالي مدينة أريحا، الذي أصبح يشعر بالأمان بعد تطوع عدد من شبان مدينته لحراستها ليلاً.
وتعاني مناطق سيطرة المعارضة في الشمال بشكل عام، وأريحا خاصة، من الانفلات الأمني وعمليات خطف وسرقة وقتل شبه يومية، مما دفع شباب وناشطي المدينة لإطلاق مبادرة تحت اسم “نبض أريحا” لتشكيل فرق حراسة لها، بهدف الحد من الجرائم الحاصلة.
عن الوضع قبل وبعد هذه المبادرة يقول الخضر “انتشرت الجرائم وعمت الفوضى وسط الحرب القائمة، ونتيجة ضعف الوجود الأمني في المنطقة، وتكررت حوادث السرقات والاغتيالات حتى أصبحنا لا نأمن على أنفسنا وأموالنا في دارنا، إلا أن الأمر أصبح أفضل بعد المبادرة الشبابية، فقد أعادوا لنا بعضاً من الأمان”.
أبو وسام (40عاماً) وهو مالك لمحل تجاري في المدينة أكد ما قاله الخضر، مشيداً بالمبادرة واعتبرها “خطوة إيجابية على طريق نشر بعض الأمن والأمان في المنطقة” ويرى أبو وسام أنه “يكفي للمجرم أو السارق أن يعلم بأن المدينة ليست سائبة، وأن هنالك من يسهرون الليل من أجل أمنها وأمانها، ليتراجع عما ينوي القيام به”.
ولم تؤثر “نبض أريحا” على حياة التجار فقط، وإنما على أهالي المدينة بشكل عام، فبالنسبة لأم وائل (39عاماً) أعطتها المبادرة الأمان لتتحرك بحرية أكبر، فهي تقول “كنا سابقاً نخشى الخروج ليلاً لأي سبب كان، نظراً لانعدام شعورنا بالأمان وسط حوادث الخطف والسرقة، لكننا اليوم بتنا نخرج ليلاً ونزور أقرباءنا وأصدقاءنا دون خوف”.
وعن أهداف “نبض أريحا” يتحدث منسقها الذي فضل عدم ذكر اسمه قائلاً “هدفنا تأمين الحراسة لمدينتنا، وضبط حالات السرقة والخطف قدر الإمكان، وذلك من خلال نقاط الحراسة المنتشرة في الشوارع الرئيسية والفرعية والأسواق”، وتبدأ مناوبات الحراسة بعد غروب الشمس لتنتهي بشروقها، ويقوم بهام الحراسة مئة شاب ممن يجدون صعوبة بإيجاد عمل، فالمبادرة، “فالمبادرة تهدف أيضاً لتأمين فرص عمل للمحتاجين إضافة لحماية المدينة” بحسب المنسق.
وتمكنت المبادرة حتى الآن من ضبط العديد من حالات السرقة، كما لعبت دوراً بالإيقاع بعصابات تحاول اختطاف المدنيين من أجل طلب فدية مالية، وافشال محاولاتهم.
أما تمويل المبادرة فهو ليس ثابتاً حتى الآن، إذ يتم جمعه عن طريق تبرعات من التجار وأصحاب المحال تتراوح بين ألف وألفي ليرة سورية من كل محل شهرياً.
وعن تبرعه يقول أبو وسام “أنا أؤيد دفع التجار لهذا التبرع، فكلنا مسؤولون ومعنيون بحفظ الأمن، ولا يجب أن يتنصل أحداً من واجباته”.
أحد المتطوعين في “نبض أريحا” سليمان الآغا (25عاماً) يتحدث عن دوافع انضمامه للمبادرة قائلاً “أشعر بالمسؤولية اتجاه مدينتي، فإن لم نساهم نحن الشباب بحمايتها والذود عنها من سيفعل ذلك؟، وخاصة مع تكرر الجرائم فيها وانتشار الفوضى، أهلنا لا يستطيعون تحمل المزيد من المعاناة وكان علينا أن نتصرف للحد منها”. ويروي الآغا إحدى السرقات التي ساهم بضبطها خلال مناوبته “كنا نتجول في شوارع المدينة حين سمعنا حركة في أحد المحلات المُعتمة، اتجهنا نحو المحل لنكتشف تسلل اللصوص داخله، فهاجمناهم وقبضنا عليهم جميعاً بمساعدة عناصر الشرطة الحرة”، وينوه الآغا أن هذه محاولات السرقة هذه تكررت وتم إفشال معظمها.
رئيس المجلس المحلي لمدينة أريحا أسامة جقمور (30عاماً) قال عن المبادرة “إنها تسعى لزيادة التكافل المجتمعي، وتخفف من نسبة البطالة، من خلال تسخير طاقات الشباب العاطلين عن العمل للحراسة الليلية في شوارع المدينة، ما ينشر الأمان للمارة والسكان ويحد من الفوضى المنتشرة”.
ويشير الجقمور إلى أن المجلس المحلي يحاول لفت الأنظار للمبادرة لتأمين دعم مالي ثابت لها يحميها ويضمن استمراريتها. مضيفاً “المبادرة لا تتبع لنا، إلا أن إحساسنا بواجبنا اتجاهها يدفعنا لعمل ما نستطيع لمسادعتها على الاستمرار وتأمين رواتب ثابتة لشباب المبادرة، ولو أن في المجلس المحلي موارد مالية لكنا أول من يتدخل في سبيل ذلك”.
وتعمل “نبض أريحا” باستقلالية، فهي لا تتبع للمجلس المحلي ولا لأي فصيل عسكري أو جهة أخرى، وإنما هي مبادرة مدنية أهلية حتى الآن، وتقوم المبادرة بالتنسيق مع الشرطة الحرة المتواجدة في المدينة من خلال جهاز لاسلكي موجود في نقاط الحرس، إذ يتم طلب دعمهم والمؤازرة في حال ملاحظة أي أمر مثير للشبهات.

سوريا في أسبوع، ٦ كانون الثاني/ يناير

سوريا في أسبوع، ٦ كانون الثاني/ يناير

شروط أميركية للانسحاب

٦ كانون الثاني/ يناير

حدد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون الأحد شروط انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وقال إنه يجب أولا ضمان الدفاع عن الحلفاء.

وجاءت تصريحات بولتون خلال زيارة لإسرائيل لتدل على انسحاب تدريجي للقوات الأميركية بدرجة أكبر مما حدده الرئيس الاميركي دونالد ترامب سابقاً.

وصرح بولتون لدى لقائه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أنه يجب توافر شروط من بينها ضمان سلامة الحلفاء الأكراد، قبل انسحاب القوات الأميركية من سوريا.

وذكر بولتون الأحد أنه قد لا يتم سحب جميع القوات الأميركية البالغ عديدها ألفي جندي. وأضاف أن الانسحاب سيتم من شمال سوريا، وقد تبقى بعض القوات في الجنوب في قاعدة التنف في إطار الجهود لمواجهة الوجود الإيراني.

وقال بولتون الذي سيتوجه إلى تركيا بعد زيارته إسرائيل إن “وضع الجداول الزمنية والمواقيت لهذا الانسحاب يعتمد على تحقيق تلك الشروط وتأمين الظروف التي نود أن نراها. وفور حدوث ذلك، سنتحدث عن جدول زمني”.

وتأتي زيارة بولتون في إطار الجهود الأميركية لطمأنة الحلفاء بشأن إعلان ترامب سحب قواته من سوريا.

ويبدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي التقى نتانياهو الأسبوع الماضي، جولة الثلاثاء تستمر ثمانية أيام وتشمل عمان والقاهرة والمنامة وأبوظبي والدوحة والرياض ومسقط والكويت.

المعارضة ضد التطبيع مع دمشق

٦ كانون الثاني/ يناير

عبر نصر الحريري كبير مفاوضي المعارضة السورية الأحد  عن استغرابه من قرار بعض الدول استئناف العلاقات مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وحثها على العدول عن ذلك.

وتسعى دول عربية، بعضها ساند في السابق المعارضة المناهضة للأسد، للتصالح معه بعد مكاسب حاسمة حققتها قواته في الحرب، وذلك بهدف توسيع نطاق نفوذها في سوريا على حساب تركيا وإيران.

وأعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق الشهر الماضي وقالت البحرين إن سفارتها في دمشق والبعثة الدبلوماسية السورية في المنامة تعملان “دون انقطاع”.

وأضاف الحريري للصحفيين في الرياض “هذه الخطوة (المصالحة) .. لا نملك فيها القدرة على وقفها”. وأضاف “لا يزال يحدونا الأمل بأن هناك إمكانية لهذه الدول أن تعيد قراءة قراراتها التي قامت بها، وينبغي أن تدرك أن العلاقة الحقيقية والمتينة والرصينة والقوية تكون مع أشقائهم من الشعب السوري وليس مع هذا النظام بعد ما ارتكب من كل الجرائم”.

وتابع قائلا “نظام الحكم في سوريا هو نظام إجرامي حربي بكل معنى الكلمة. يعني بشار الأسد سيبقى مجرم حرب لو صافحه ألف زعيم”.

وعلقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا عام 2011 ردا على حملة الحكومة العنيفة على احتجاجات “الربيع العربي”. ويتعين من أجل عودة سوريا أن تتوصل الجامعة لتوافق بين أعضائها على هذه الخطوة.

وقال الحريري متحدثا عن السعودية “المملكة اليوم لا تزال تقف ضد عمليات التطبيع التي يحاول البعض القيام بها مع النظام. المملكة اليوم تتصدى لمحاربة المشروع الإيراني الطائفي في المنطقة”.

حلفاء تركيا على حدودها

٥ كانون الثاني/ يناير

 انتشرت القوة الرئيسية لمقاتلي المعارضة المدعومة من تركيا على امتداد الحدود قرب مواقع  المتشددين في شمال غرب سوريا لصد أي تقدم جديد للمتشددين بعد هجوم أدى إلى توسيع سيطرتهم على آخر معاقل المعارضة في البلاد وذلك

حسبما قال مقاتلون من المعارضة وسكان.

ودخل مقاتلو هيئة تحرير الشام الإسلامية التي كانت مرتبطة سابقا بالقاعدة اليوم الأحد بلدة أتارب بعد أيام من انتزاع السيطرة على بلدة دارة عزة من منافسيهم في هجوم عسكري امتد بعد ذلك عبر إدلب ومناطق قريبة من الحدود التركية. وتقع أتارب ودارة عزة في ريف حلب الغربي.

ودخل رتل من مقاتلي هيئة تحرير الشام بلدة أتارب ذات الكثافة السكانية العالية بعد إجبار وجهائها على تسليم السيطرة عليها من خلال التهديد باقتحامها إذا لم يغادر مقاتلو المعارضة المخالفون لأفكارهم الإسلامية المتشددة.

وأثار هجوم هيئة تحرير الشام قلق الجيش الوطني المعارض وهو القوة الرئيسية لمقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا والتي تهدف إلى توحيد الفئات المختلفة في شمال غرب سوريا.

وقال المتحدث باسم الجيش الوطني السوري المعارض الرائد يوسف حمود “اتخذنا قرار المشاركة بصد بغي هيئة تحرير الشام على ريف حلب وادلب وريفها: “تهدف هيئة تحرير الشام إلى إنهاء تواجد فصائل الجبهة الوطنية للتحرير وبسط سيطرتها على كامل مدينه إدلب وصبغها بالسواد”.

أردوغان – بوتين.. قمة جديدة

٦ كانون الثاني/ يناير

كشفت تقارير إعلامية، تركية وروسية، الأحد عن قرب انعقاد لقاء قمة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين لبحث تطورات الوضع في سورية في ظل  قرار واشنطن سحب القوات الأمريكية من البلاد.

وبحسب ما أوردته وكالة أنباء “أناضول” التركية الرسمية، من المنتظر أن  تعقد القمة في وقت لاحق الشهر الجاري.

ونقلت وسائل إعلام روسية عن المتحدث باسم الرئيس الروسي قوله اليوم إن  رئيسي البلدين متفقان على ضرورة عقد قمة قريبا.

وتدعم تركيا قوات المعارضة السورية، فيما تدعم روسيا وإيران قوات  النظام.

ويثار السؤال الآن حول ما إذا كانت تركيا ستتولى المسؤولية الرئيسية عن قتال ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أعقاب انسحاب القوات  الأمريكية من سورية.

إصابة جنديَين بريطانيَين

٤ كانون الثاني/ يناير

أصيب جنديّان بريطانيّان بجروح السبت في شرق سوريا جرّاء صاروخ أطلقه “داعش” وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأشار المرصد إلى أنّ الجنديَّين عضوان في قوّات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة ضدّ الجهاديّين.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إنّ الجنديَّين نُقلا بمروحية لتلقّي العلاج.

كما قُتل عنصر من قوّات سوريا الديموقراطيّة في هذا الهجوم في محور الشعفة بمحافظة دير الزور.

والجيب الأخير في سوريا لتنظيم “داعش” يقع في محافظة دير الزور غير البعيدة من الحدود العراقيّة.

ويساند التحالف الدولي قوّات سوريا الديموقراطيّة التي تشنّ منذ أيلول/سبتمبر هجومًا ضد الجهاديّين في هذه المنطقة التي تضمّ خصوصًا بلدات هجين والسوسة والشعفة.

وتمكّنت قوّات سوريا الديموقراطيّة في وقت سابق من استعادة هجين بعد أسابيع من المعارك.

الأكراد:”لا مفرّ” من التوصل إلى حل مع دمشق

٤ كانون الثاني/ يناير

شدّد القيادي الكردي البارز في قوات سوريا الديموقراطية ريدور خليل  على أن “لا مفرّ من التوصل الى حل” مع دمشق إزاء مستقبل الإدارة الذاتية الكردية، مشددا على أن هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري.

وقال خليل لمراسل فرانس برس في مدينة عامودا (شمال شرق)، “لا مفرّ من توصّل الإدارة الذاتية إلى حلّ مع الحكومة السورية لأن مناطقها هي جزء من سوريا”.

وبعد عقود من التهميش، تمكن الأكراد خلال سنوات النزاع السوري من بناء إدارتهم الذاتية والسيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد. وحصلوا خلال الحرب على دعم عسكري كبير من الولايات المتحدة. لكن قرار واشنطن المفاجئ بسحب جنودها من سوريا دفعهم لإعادة حساباتهم.

وتحدث خليل عن “بوادر إيجابية” في هذه المفاوضات، موضحاً أن “دخول جيش النظام الى الحدود الشمالية مع تركيا ليس مستبعداً لأننا ننتمي الى الجغرافيا السورية، لكن الأمور ما زالت بحاجة الى ترتيبات معينة تتعلق بكيفية الحكم في هذه المناطق”.

وتابع “لدينا نقاط خلاف مع الحكومة المركزية تحتاج الى مفاوضات بدعم دولي لتسهيل التوصل الى حلول مشتركة”، مرحّباً بإمكانية أن تلعب روسيا دور “الدولة الضامنة” كونها “دولة عظمى ومؤثرة في القرار السياسي في سوريا”.

ويصرّ الأكراد كذلك، وفق خليل، على ضرورة وضع “دستور جديد يضمن المحافظة على حقوق جميع المواطنين، وأن تكون للقوميات والإثنيات حقوق دستورية مضمونة وفي مقدمها حقوق الشعب الكردي”.

لكنه أشار الى “قواسم مشتركة” مع دمشق أبرزها “وحدة سوريا وسيادتها على كافة حدودها”، إضافة الى كون “الثروات (الطبيعية) ملك الشعب السوري”، والاتفاق “على مكافحة الفكر الإسلامي السياسي”.

علامَ تستند البيوت؟

علامَ تستند البيوت؟

حاولنا ألّا يصير الصمت قيداً، خاصّةً ونحن نواجه به دخانَ المحرقة الذي يلفُّ البيتَ، ورشقاتِ الدم التي تسكبها الشاشات.

ابتدأتُ ترجمة فصلٍ جديد من أسرار الغابة، وتهيّأَتْ لحياكةِ جوربٍ من الصوف.

في المسافة الفاصلة بين كتفينا، على الأريكة القلقة، كانت الزفرات تتشابك ورفيفُ الأجفان يتموّج؛ مثلما تتبادل الأشجار بجذورها إشاراتٍ عن جفاف التربة، أو دنوِّ عاصفةٍ، أو هجمةِ دخيل. مسافة تصرّ على الهبوط يوماً بعد يوم، رغم تناقُصِ المقيمِينَ ونُدرةِ الضيوف، لأنّ كائناتٍ غامضةً تَنخر الخشبَ؛ وتيّاراتٍ خفيّةً تفتق المخملَ. كم مرّةً عاتبْنا السقفَ ونحن نرمّمها بالمسامير ونحشوها بالقشّ. في عينيها يقينٌ أنّ النعيم زال، وفي نبضان صدغيَّ رهبةٌ من تابوتٍ سينغلق.

كان عليَّ أن ألتقيها قبل جفاف الأنهار، فأقتبسَ طواعيةَ اليدين للمخيّلة، وتَمضيَ القامة بين المتاهات مثل سهمٍ ليّنٍ خبير، ويتّقدَ الذهن من طلاقة المُحيّا.

ساعاتٌ، لا المسلّةُ تَضلُّ ولا الخيط ينعقد.

يغيب المعدن تحت الحبكات، ثم يَبْرز لامعاً مثلما يَعرض الطفل للشمس مهاراتِه الجديدة في الغوص والعوم. تكاد تُسْمَعُ من عناق اللونينِ همهماتُ راقصينِ حافيينِ في قاعةٍ خاوية.

لمن ستكون الغلبة؟ للناريِّ الملتفّ كلدغات الشهوة، أم للَّيْليِّ الحائم كفراشات الظنون؟

واضحٌ أنّ الأحمر سينفرش لباطنِ القَدم ويطوِّق الكاحلَ، أمّا الأسود فيكفيه أن يتقن ما نُذِر له: كُحْلاً يَحرس، وزنّاراً يغوي.

كلما تعثرتُ بمصطلح أو حيّرني لغزٌ من حياة الشجر، خرجتُ إلى الشرفة آملاً أن يعيْنني المشيُ على الاشتقاق، ويَكشفَ لي قمرُ الشتاءِ الصلةَ بين جَرْس الكلمة ومعناها، ويسجدَ الغيم هناك على جذوع السنديان المبقَّعة بدماء رُفقائي.

لا داعي للقياس! سبحان من أسرى بالضمير من الأنامل إلى الأهداب، فصارت النظرةُ ميزانَ ذهب.

لو لم تُزَمَّ كلُّ فردةٍ بوردة، لسكبتُ فيهما ما يسكبه حرّاس القلعة في أبواق النصر.

غداً سوف تضحك وهي تجرّبه أمام ابنتنا، متّخذةً من باب الشرفة المشمس مرآةً. ستتعالى ضحكاتهما عفواً، ولن أبوح بسرّ هذه الدغدغات.

                                             -2-

في غيابه، أنبأَني البرْدُ أنّ الضوء نصالٌ في الظهر؛ والظلمةَ درعٌ مسموم.

نذرتُ، إنْ عاد، ألّا ألتمس من الموسيقى شيئاً غير النَّسيان.

رشيقٌ منعزل. أصغرُ من لهفة الواصل، وأكبر من كفِّ المودِّع. يحلّق مفرَداً بمساراتٍ قوسيّة منخفضة، كالرشقات التي تنثرها النافورة في باحةٍ مُطفأة. ويستقر منزوياً شِبهَ ساجد، لاهياً عن أي خطَر، منشغلاً بذاته. يسبل جناحيه في الفيء، ويموّج رأسَه في الشمس.

كلما مسَّه شعاعٌ أطلق صفراتٍ رنّانة يمتزج فيها مرَح العابثِ بتمتمة الزاهد، ويختلط عزمُ رافعِ الأعمدة بشجنِ التائهِ وسط الأنقاض. في إيقاعها المعدني السريع امتنانٌ للنهار، وفي صداها الحجري المترنّح رهبةُ من الليل. موجَزةٌ كرسائل اللَّهَب، كثيفةٌ كرشفة النبيذ، صريحةٌ كعتاب المطر للنافذة.

لا يلبث فوق الغصن غير دقائق، يقتات من قشر الزيتونة ما يعينه على الرحيل؛ وينهل من ضميرها ما يستدلّ به على خطّ الإياب.

لسوادِ إهابِه ونصوعِ عنقِه وتَراخي ذيلِه، أطلق عليه أبناء الريف الساحليّ اسمَ《 الرُّوَيْهِب 》تصغيراً يجمع بين الدلال والإجلال لاسم الراهب، وغبطةً لِما في حياة هذين الكائنين من خفّةٍ وغموضٍ وثقة.

أديْنُ له بقدرتي على احتمال لدغاتِ الضجر، والحذَرِ من نوايا الخريف، وتأويلِ رؤى الأمواج.

كم بيتاً تماسَكَ وصفا لأن صفراته شدّت الضلوعَ و مسّدت الرُكب وسكّنتْ رجفاتِ الشفاه!

يهبنا هذا الرنينُ اللمّاع يقيناً بأن صدوع أمسنا المهجور آيلةٌ للالتئام، وتقْنِعنا هذه البحّة اللّدنة أنّ رطوبة الملجأ شفاءٌ لحرقات الخدود من لفحات البادية.

                                                  -3-

أتمتِمُ باسمكَ، لأن كل الأشياء فقدتْ أسماءها.

لأن الزمان استدارَ كهيئته الأُولى مبهَماً لاهباً.

لا لكي أقوى على النوم. ما أكرمَ السَّهَرَ ووجهُكَ سقفي!

ما أوهى مطارقَ الليلِ على قامةٍ شَدَدْتَها.

نهارٌ أنّى أطلقتَني: الطفلُ الذي كان يحبو حول الساقية، وكلّما رأى صورتَه لَطَمَ الماءَ.

الشابُّ الذي أبى، قبل أن يَغرق صاحباه، أن يخوض في نهرٍ لا يَبِيْنُ قاعُه.

المنفيُّ اللاهث بين الإسفلت والشمس: خفيفاً كسنبلةً فرَّتْ بها قَطاةٌ من بين المناجل.

تحت القضبان معصوبَ العينين، يمسُّ حفيفُ هذه الحروفِ خدَّيَّ؛ يرنُّ الموج في عظامي وتُنثَرُ على رُكبتيّ رسائلُ الزبد.

عندي، بَدَلَ البستانِ الذي أحرقوه، أصيصٌ في الشبّاك. إذا غفوتُ قبل أن أسقيه، نبَّهتْني لصلاةِ الفجر حمامة.

                                -4-

أمطرتْ في الصيف، لأن الصفحات التي كُتبتْ شتاءً شابَها الدمُ.

شاءت الريح أن تطوِّقَ الغيومَ الناشئة من لهاثنا، وتردَّها إلى الأرض بَرَداً يحرق وهديراً يجرف.

نَمَتْ لحزنِ أيلولَ مخالبُ، ولمّا تَظهرْ حبّةُ زيتون.

قد نجد لشقوقِ الأيدي والشفاه علاجاً. لكنْ، علامَ تستند البيوت إذا أنكرتنا العصافير؟

                            -5-

دامَ اهتزازُ الحبلِ فترةً أطول من التي سبَّبَتْها جفلةُ الطائر.

تلمّستُ موضعَ ارتطام رأسي بباب الشرفة، فهرّتْ منه قِطعُ كلسٍ رطب.

توتَّرَ الحبل. سَرَتْ فيه ذبذباتٌ متصاعدة. بدا عازماً على الإفلات من المسمارَين، راغباً في اللحاق بالراحل أو الالتفافِ على عنقي.

                                         -6-

مَنَّيْتِني ب《 هناك》. خالَطَ بحّتَكِ لهاثٌ كخفقان اللّهب، وربّما أَتْبَعْتِ الكلمةَ بإيماءةٍ للأعلى، مثلما يلوّح الطفل لغيمةٍ ارتدَتْ وجهَ أُمِّه قبل أن تتمزق.

تقولين《 هناك》، كأننا محمولون على أجنحة لا ملفوفون بسلاسل؛ كأن السفر أغنيةٌ لا انسلاخ، كأن مطارق الوقت تصير حريراً في بعض الأمكنة.

وحقِّكِ ما سبحتُ في نهرٍ إلّا جفَّ، ما استندتُ إلى شجرةٍ إلّا أُحرِقتْ، ما سامرتُ كتاباً إلّا دِيْسَ.

لا أعرف غير《 هناك》 واحدة، وكلُّ ما《 هنا》 كدْحٌ لها وفرارٌ منها ونِزاعٌ عليها. تلك التي تُنسَج أفياؤها من حسراتنا، وتُرفَع قبابُها من ارتجافات الرُّكَب، وتنبثق ينابيعها من نيران الشفاه.

إنّ في يأسي قوّةً لا تتقنها إلّا الموسيقى. وقد عهدتُ إليها رَفعَ قواعدِ غدي. فكثيرٌ ممّا قُدِّرَ عليّ يَمُوج الآن تحت الجلد، يهدر في دمي، يرنُّ في العظام.

                                       -7-

توقّعتُ من حديد الأعمدة أن يفقأ عيونَ سارقِيه، ويُنشِبَ في وجوههم وأيديهم براهينَ على بأسٍ أغرتنا به الكتب، وأرهبتنا منه الأسلحة.

أملتُ- على الأقلّ- أن يتناثر في العتمة كسهامٍ من الجمر إكراماً للنيران التي صهرَتْه، أو يتفتّتَ شظايا في باحات الكارثة وفاءً للظهور التي استندتْ إليه.

لا أنْ يلتوي ويتكوّم في الشاحنات كأكداس الحطب، ويتجرجرَ خلف العجلاتِ كأذيال قطيعٍ مفجوع.

هذا دليل على أن المواد التي أنشأْنا بها الأمسَ كانت غباراً. وإلى أن تُخرج لنا الأرض معدناً أعزَّ وأصلَب، سأنسج لي بيتاً من ضباب الأسئلة.

                              -8-

ابيضَّت الأجفان. كنتُ أظنها معصومةً، لا سيّما وهي بهذه الهشاشة والتبعثر والانطواء.

حتى لو كان القفل مجرَّدَ زخرفة، لا بدَّ من أن يحطّمه السارق: إمّا عند الدخول استقواءً على العتمة، أو عند المغادرة انتقاماً من خيبة المسعى.

                        -9-

صحيحٌ أن الولد طيرٌ، لكنّ الأب شجرة. عنيدان في المهبّ، طيِّعانِ إذا رنّت الأجراس.

لَيْلَ واكبكِ المطر، حمدتُ المُنشئَ على ما وُهِبْنا: طلاقة الجناحين، واستقامة الجذع.

فلا أثْنَتْكِ المسافةُ عن اللهفة ،

ولا زادني فراغُ العشِّ إلّا ابتكاراً الخفيف.

                    -10-

حالَما أهيّئُ حقيبةَ السفر، تضجُّ العصافير على الشرفة.

أحَدُها( ولا أعرف إن كان هو دائماً نفسَ العصفور) يلتصق بفجوةٍ رطبةٍ في الحائط، نافضاً جناحيه، صافراً بنزَق.

عصافيرُ أخرى تتناتفُ كسرةَ خبزٍ قُربَ الباب،  مع أنّ الفتات منثور.

تتزاحم على دمعةٍ من مطر الليل، والنهرُ تحتنا.

تتراجفُ في ظلِّ الكرسيّ، والشمسُ غامرة.

تَكرَّرَ هذا المَشهد صباحاتٍ عديدة، حتى ظننتُ أنها تفتقد شيئاً في غيابي، أنها تدرك من حرارةِ زفراتي إلى أين أنوي، أنّ شِجارها استبطاءٌ وصَخَبَها رسالة.

                      -11-

لم يفاجئني سؤالكَ:《 من نحن؟》، بل ظنُّكَ أنّ لديَّ جواباً.

وددتُ لو أتْبَعتَ ميمَ الحيرةِ بالألِفِ الذاهلة كأجنحة اللّهَب، لا بهذه النُّونِ المطمَئنّة كقاع الهاوية!

خمس أوراق في سوريا في ٢٠١٩

خمس أوراق في سوريا في ٢٠١٩

نهاية ٢٠١٨، ترسم العناوين الرئيسية لملامح خمسة تطورات منتظرة في العام المقبل، هي: ملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي، وانعكاسات ذلك على مستقبل التفاهم الروسي – التركي حول إدلب، وآفاق العملية السياسية، وملفات الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين و”التطبيع” العربي أو الغربي مع دمشق، ومصير “التموضع الإيراني” في سوريا.

الانسحاب الأميركي

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خصومه وحلفائه بقرار الانسحاب من سوريا. القرار اتخذ بعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي تنقل في العام المنصرم بين خانة الحليف والخصم في قاموس الرئيس ترمب. إردوغان الذي سعى كثيراً لحشد موقف أميركي لوقف دعم “وحدات حماية الشعب” الكردية، فاجأته سرعة ترمب. “انسحاب كامل وسريع”، وعلى تركيا استكمال المهمة في القضاء على ما تبقى من “داعش”. هذا ما أبلغه سيد البيت الأبيض إلى السلطان في ١٤ ديسمبر (كانون الأول)، بعد أن قال له مغرداً على “تويتر” إن سوريا “كلها لك”، أي لإردوغان.

ذهب صدى مفاجأة ترمب. واستعجل كل طرف البحث فيما بعد ذلك. العنوان الرئيسي للتحركات كان الوصول إلى ترتيبات أمنية وعسكرية ما بعد الانسحاب. أميركا ستترك ثلث مساحة سوريا، أي شرق نهر الفرات، وقاعدة التنف، ومدينة منبج. هذه المناطق فيها: ٧٠ ألف مقاتل عربي وكردي، وفيها بقايا “داعش”، وخلايا نائمة، وبنية إدارية واقتصادية وحزبية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”، وفيها بنية عشائرية عربية، ومربعان أمنيان في الحسكة والقامشلي، وزاوية الحدود السورية – العراقية – التركية، والزاوية السورية – العراقية، الأردنية، وفيها ٩٠ في المائة من النفط السوري الذي كان إنتاجه يبلغ ٣٦٠ ألف برميل قبل ٢٠١١، وفيها نصف الغاز السوري، ومعظم القطن والحبوب، والسدود السورية الثلاثة الكبرى. فيها أيضاً تمر الطريق البرية بين إيران والعراق وسوريا ولبنان. هذه الطريق حيوية لمصالح إيران ونفوذها وميليشياتها. باختصار: فيها “سوريا المفيدة اقتصادياً واستراتيجياً” التي تعيش عليها “سوريا المفيدة عسكرياً وسكانياً.”

هذه “الثروة” مصدر صراع وسباق وتنافس بين اللاعبين السوريين والإقليميين والدوليين. إيران لم تتوقف عن الحشد جنوب نهر الفرات. ودمشق لم تتوقف عن الطموح للعودة إلى الماضي. تركيا لم تتوقف عن الطموح لبناء منطقة نفوذ.

لا شك في أن مصير هذه المنطقة سيكون حيوياً في عام ٢٠١٩، وسيحكم قسماً كبيراً من أشهر العام. مصالح تركيا: القضاء على أي كيان كردي، وملاحقة “حزب العمال الكردستاني”، وإقامة شريط أمني بعمق ٢٠ – ٣٠ كيلومتراً. مصالح دمشق في الإبقاء على سيادة سوريا ومصادر الاقتصاد. مصالح روسيا في الوصول إلى ترتيبات لا تزعج تركيا وتربط دمشق وأنقرة. مصالح أميركا في القضاء على “داعش” وتقليص نفوذ إيران. مصالح إيران في منع استخدام هذه المنطقة ضدها؛ لكن الإبقاء على النفوذ.

مصير إدلب

لا يمكن بحث مصير شمال شرقي سوريا عن شمالها الغربي: إدلب. هذه المنطقة شمال الريف الغربي لحلب، الريف الشرقي للاذقية، الريف الشمالي لحماة. أحد العناوين الرئيسية لعام ٢٠١٨، كان مصير إدلب. إذ إنه بعد سيطرة الحكومة على جنوب سوريا وجنوبها الغربي وغوطة دمشق ربيع العام المنصرم، بدأت تحشد على ريف إدلب؛ لكن تهديدات أميركية وغربية، والتصعيد الدولي والإنساني، دفعت إلى ترتيب الأرضية لعقد صفقة روسية – تركية خاصة بإدلب.

يجب عدم تقليل انعكاس المساعي التركية – الروسية لتطوير العلاقات الثنائية (محطة نووية، وتبادل تجاري، وخط غاز، وصواريخ “إس 400″…) على وصول الطرفين إلى اتفاق سوتشي في سبتمبر (أيلول) الماضي حول إدلب. أي وقف الهجوم العسكري السوري، وإقامة منطقة عازلة بين المعارضة والحكومة، وتحييد الإرهابيين وإخراجهم منها، إضافة إلى تعزيز تركيا لنقاط المراقبة الـ١٢ التابعة لها. بذلك، ضمت إدلب إلى منطقتي النفوذ التابعتين لأنقرة: “درع الفرات” بين الباب وجرابلس، و”غصن الزيتون” في عفرين. تشكل هذه المناطق نحو ١٠ في المائة من مساحة سوريا.

الخطة الروسية، كانت تمر بثلاث مراحل: السيطرة على جنوب إدلب، أي خان شيخون ومعرة النعمان وغرب إدلب، أي جسر الشغور. المرحلة الثانية، هي السيطرة على الطريقين الرئيسيتين بين اللاذقية وحلب، وبين دمشق وحلب. المرحلة الثالثة، شمال طريق اللاذقية – حلب.

التفاهم الروسي – التركي لم يقضِ على الخطة؛ بل أدى إلى البحث عن تنفيذها ببطء، ومن دون عمل عسكري واسع. كما أن الهدف من التفاهم روسياً كان إبقاء تركيا في الإطار الروسي والابتعاد عن أميركا. لكن اتصال ترمب – إردوغان، والتفاهم على تزامن الخروج الأميركي مع الدخول التركي، سينعكسان على مصير إدلب، وعلى الحرارة بين موسكو وأنقرة. هذا أحد العناوين السورية في عام ٢٠١٩.

آفاق الحل السياسي

عُرف عام ٢٠١٨ بأنه عام مسار سوتشي – آستانة. بدأ في يناير (كانون الثاني) باستضافة سوتشي مؤتمر الحوار الوطني السوري. صدر منه بيان تضمن تشكيل لجنة دستورية برعاية دولية. أي بات الإصلاح الدستوري بمنصة سوتشي – آستانة، مدخلاً لتطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤. تطلب الأمر سنة كاملة للوصول إلى قائمة للجنة الدستورية، قائمة لم تنطبق عليها معايير بيان سوتشي ذاته.

أيضاً، في العام المنصرم عاد الأميركيون إلى العملية السياسية. مع تسلم السفير جيمس جيفري الملف السوري، وجون بولتون منصب مستشار الأمني القومي منتصف العام.

عاد الأميركيون إلى المسار السوري: الوجود الأميركي شرق الفرات كان يرمي إلى هزيمة “داعش” وتقليص نفوذ إيران، ومساعدة وزير الخارجية مايك بومبيو للوصول إلى حل سياسي بموجب القرار ٢٢٥٤. الأميركيون قرروا المغادرة قبل الوصول إلى حل سياسي. بالتالي، فقدوا نفوذاً للضغط نحو التسوية.

التغيير الآخر، يتعلق بمغادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا منصبه. اعترف في آخر إيجاز له بأنه “فشل” في تشكيل اللجنة الدستورية. سيتسلم السفير النرويجي غير بيدرسون منصب المبعوث الدولي الجديد. حاول الروس والأتراك والإيرانيون خلال لقائهم الأخير في جنيف قبل أسبوعين، الإبقاء على روح ومسار الإصلاح الدستوري؛ لكن لا شك في أن بيدرسون سيبحث عن مداخل جديدة للحل السياسي، وتنفيذ القرار ٢٢٥٤.

لا يمكن توقع أي حراك للمبعوث الجديد قبل ثلاثة أشهر من تسلمه المنصب. ولا يمكن توقع تحركه قبل معركة آفاق الميدان العسكري شمال شرقي سوريا وشمالها الغربي، ومدى انسحاب أميركا عسكرياً ودبلوماسياً من سوريا.

الإعمار والتطبيع

الدول الغربية وعدد من الدول العربية كانت تربط المساهمة في إعمار سوريا بالوصول إلى “انتقال سياسي” أو “حل سياسي ذي صدقية” في سوريا. وهناك من يربط ذلك بخروج إيران وميليشياتها. كلفة الإعمار تقدر بـ٣٠٠ -٤٠٠ مليار دولار أميركي. هذا يشمل أيضاً الـ٦٠ في المائة من مناطق نفوذ الحكومة وروسيا وإيران. يتحجج البعض أن ملف الإعمار قد يكون أساسياً في إضعاف إيران. يمكن الوصول بالسلام والإعمار إلى ما كان يرمي إليه الصراع على النفوذ. وبات يطرح حالياً موضوع عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية.

لا شك أن القمة الاقتصادية العربية في بيروت، في نهاية يناير المقبل، ستشهد طرح الموضوع، وإجراء مشاورات لاتخاذ قرار في شأن تجميد عضوية دمشق قبل سبع سنوات. إلى الآن، ليس هناك إجماع بين الدول العربية على عودة دمشق؛ لكن لا بد من ملاحظة أن الشهر الأخير في العام المنصرم، شهد زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، وزيارة رئيس مجلس الأمن الوطني علي مملوك إلى القاهرة.

وتواكب ذلك جهود موسكو، التي تضغط لإعادة دمشق الى الجامعة، لإعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار وإقناع دول أوروبية بالمساهمة في الإعمار لمساعدة عودة السوريين. وسيكون مؤتمر المانحين في بروكسيل في ابريل (نيسان) مناسبة لاستكشاف موقف الدول الأوروبية المنقسمة حول سوريا وغيرها.

مصير نفوذ إيران

في سبتمبر الماضي، سقطت طائرة روسية بنيران الدفاع الجوي السوري، الذي حاول ضرب طائرة إسرائيلية كانت بحماية أميركية ترمي ضرب مصالح إيران في سوريا. حادثة صغيرة، انخرطت فيها خمس دول: أكبر دولتين في العالم، ودولتان إقليميتان، وسوريا.

العام الماضي، شهد حرباً خفية بين إسرائيل وإيران في سوريا. شهد أيضاً شن إسرائيل أكبر غارات على مواقع إيرانية. أيضاً شهد لعب روسيا دور الوسيط لإبعاد إيران وميليشياتها وقواعدها عن الجولان والأردن. شهد أيضاً عودة القوات الدولية لفك الاشتباك (أندوف) إلى الجولان، ونشر روسيا منظومة صواريخ “إس 300” لتضاف إلى منظومتين أخريين: “إس 400″، و”إس 300”.

إبعاد إيران ١٠٠ كيلومتر عن الجنوب، كان قسماً من المطالب – التفاهمات. و”إخراجها من سوريا” كان أحد أهداف الوجود الأميركي. لذلك، فإن العام المقبل سيشهد كثيراً من الأخذ والعطاء عن نفوذ إيران العسكري والاقتصادي والميليشياوي. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال بعد قرار ترمب الانسحاب، إنه سيواصل ضرب مصالح إيران. إيران تسعى إلى التمدد شرق الفرات. روسيا تسعى إلى الاستحواذ على القرار السوري، بما في ذلك من إيران. طهران المحاصرة بعقوبات وتهديدات أميركا، تعاند موسكو، وتستخدم سوريا مسرحاً للتفاهم والتقاتل.

ومع قرب العام من نهايته، اتهمت روسيا اسرائيل بـ “انتهاك صارخ لسيادة سوريا”، بعدما اتهمت دمشق تل ابيب باطلاق صواريخ قرب العاصمة السورية، فيما قال الجيش الاسرائيلي إنه تصدى لصاروخ مضاد للطيران أطلق من سوريا.

كما استمرت حشود تركيا وحلفائها وحشود دمشق وانصارها باتجاه مدينة منبج وشرق الفرات، بالتزامن مع ماراثون دبلوماسي.

لا شك في أن الانسحاب الأميركي خلط الأوراق، وأطلق سباقاً بين اللاعبين الخارجيين والمحليين في ٢٠١٩، لملء الفراغ وتحقيق مكاسب استراتيجية تقوي الموقف التفاوضي، عند البحث عن ترتيبات، والجلوس إلى طاولة صوغ سوريا الجديدة.