“قلب جديد – أمل جديد” مبادرة انسانية لعلاج أطفال سوريين في فرنسا

“قلب جديد – أمل جديد” مبادرة انسانية لعلاج أطفال سوريين في فرنسا

زين الهادي ٥ سنوات، كان لديه تشوه في القلب يدعى “رتق او انسداد الصمام الرئوي، مع فتحة بين البطينين وضمور في حجم الشرايين الرؤية”، أما أخاه يزن الهادي 4 سنوات، فيعاني من تشوه يدعى رباعي فالو.

يقول والد الطفلين حمود الهادي، 45 عاما، وهو من قرية الهيت شمال شرق السويداء :”وضع زين كان معقد جدا وصعب، فلديه تشوه ولادي بالقلب، وقد عرفنا هذا مذ كان عمره 20 يوما في مشفى السويداء ، وبعد رحلة علاج في دمشق لم نصل الى نتيجة، وكل الاطباء ابدوا تشاؤمهم “.

إثر الوضع الصحي الصعب للصبيين، قطع الهادي رحلة اغترابه من أجل العام وعاد لسوريا ليحاول إنقاذهما “لم نترك فرصة عند طبيب، او مشفى، تعرضنا لحالات استغلال كثيرة، وطلب منا مبالغ خيالية، وكله لم ينفع” بحسب قوله.

كان هم الهادي انقاذ ابنه زين، و زاد همه مع حالة الابن الثاني، استمرت رحلة عذاب العائلة طيلة خمس سنوات، أنفقت فيها كل مدخراتها وباعت بيعها، “لكنني لم أيأس، وما إن سمعت بمبادرة (قلب جديد)، تواصلت مع الطبيب المسؤول فوراً وقد أبدى ترحيبه وأجرينا العملية للصبيين في لبنان العام الماضي، وكلاهما بخير الآن وحياتهما عادت لوضعها الطبيعي” يقول الهادي.

و “قلب جديد – أمل جديد”، هي مبادرة انسانية تعنى بعلاج الأطفال السوريين المصابين بأمراض قلبية، ممن تتطلب حالاتهم إجراء عمليات جراحية. أطلقت المبادرة من قبل الدكتور عصام قماش، وهو اختصاصي واستشاري أمراض القلب عند الاطفال، وذلك في آذار عام ٢٠٢١، منذ ذلك التاريخ تكفّلت المبادرة بعمليات عشرات الأطفال السوريين مجاناً على نفقة جمعية “الإخاء” الفرنسية

الدكتور قماش يحمل الجنسيتين السورية والفرنسية، وهو مقيم في فرنسا منذ ١٧ عاماً، وعن المبادرة يقول :” أعرف  جيدا الصعوبات التي يواجهها السوريون لإجراء عمليات قلب معقدة لأطفالهم، وأثناء اجازاتي السنوية في سوريا سمعت عن العديد من الأطفال الذين يحتاجون لهذه العمليات إلا أنهم لم يتمكنوا من إجرائها، مما أدى لتدهور وضعهم الصحي تدريجيا” .

وتهدف المبادرة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من تشوهات قلبية ولادية عبر عمليات جراحية في فرنسا، بالتعاون مع جمعية “الإخاء”، وهي جمعية غير حكومية تُمول من التبرعات والشركات والمدارس الفرنسية. حيث تتم دراسة كل حالة تصل للمبادرة، ويتم تجهيز الملف بعد ترجمه لتأمين قبول طلبه، وتوفير تسهيلات السفر والرعاية قبل العملية وبعدها.

وهذه المبادرة هي واحدة من عدّة مبادرات طبيّة، تشكل ملاذا للمصابين بحالات مرضية مستعصية، أو تلك التي تتطلب عمليات جراحية دقيقة، وتكاليف باهظة، لا يمكن للعديد دفعها في بلد مثل سوريا، يعاني تبعات الحرب من دمار وفقر.

الطفل مصطفى الحريري، ١٢ عاما من مدينة داعل محافظة درعا، أجرى عملية قلب في شهر تموز الماضي، لتأتي بعد ذلك “أفضل شهور حياته صحياً” بحسب قوله والدته التي أضافت “كان مصطفى يعاني منذ  الولادة من مشكلة بالقلب، في الشريان الابهر تحديداً، فلديه فتحة في القلب، و تضييق رئوي، وقد تمت معالجة كل هذه المشكلات في فرنسا، واليوم مصطفى بصحة جيدة، ومواظب على دراسته”.

وتروي والدة مصطفى رحلة سنوات من العذاب، حيث حذر الأطباء في دمشق من صعوبة اجراء هذا النوع من العمليات، وبسبب توقف البعثات الطبية الدولية عن القدوم لسوريا، أصبح الأمل بنجاته ضئلاً.

وتتذكر والدة مصطفى ، ما قاله لها آخر طبيب زارته في دمشق “طفلك يحتاج الى زراعة قلب”، “وكيف أجهشت بالبكاء، وخرجت وهي فاقدة للأمل”.

من جهته لا زال الطفل يوسف، من طرطوس، في باريس بانتظار العملية، لينضم للبنى، جود، حلا، لمار، وغيرهم ممن أعطتهم المبادرة مع المنظمة الفرنسية أملاً جديداً.

ويذكر أن “جمعية الإخاء” عمرها ٢٥ عاما، وقد عالجت حوالي ٤ ألاف طفل قدموا من مختلف الدول الإفريقية، الشرق الاوسط وأسيا واوروبا الشرقية، وتتكفل  بإجراء العمليات اذا توفرت جملة من الشروط ؛منها أن تكون حالة الطفل قابلة للعلاج والجراحة، اضافة الى ‏موافقة الأهل على سفر الطفل لوحده.

ويتم احضار الاطفال وإعادتهم عن طريق جمعية “طيران بلا حدود” من مطار بيروت عند انتهاء العلاج، ويتم استقبال الطفل أثناء علاجه في فرنسا عند عائلة تعرفها الجمعية، وهي تتكفل بنفقات العلاج وتذاكر سفر الطفل، وعلى الأهل فقط تكاليف معاملة الحصول على الفيزا.

“المونة”.. تغيرت أحوال السوريين فتحول “المكدوس” لرفاهية

“المونة”.. تغيرت أحوال السوريين فتحول “المكدوس” لرفاهية

يتندر سكان دير الزور، بأن محمد فارس عندما صعد للفضاء ضمن رحلته الشهيرة، شاهد مدينتهم حمراء اللون لأن أسطحتها كانت مفروشة بأوانٍ مملؤة بعصير البندورة، الذي يجب ان يجفف تحت أشعة الشمس ليصبح “دبس البندورة”، وهو أحد أساسيات المطبخ السوري.

حاولت العودة لكل ما قاله “محمد فارس”، حينها عن الرحلة لكن لم أجد سنداً لهذا التندر في كلامه، ربما هو من باب أن رحلته كانت في فصل الصيف، حيث تضع النسوة جهداً كبيراً لإعداد المونة، خاصة “رب البندورة”، وبكميات كبيرة تكفي للشتاء كاملاً، بما لا يحيج الأسرة لشراء أية كمية مُعلبة..

كان المصلّح “أبو عجاج”، يطوف بمنازل أحياء من الحسكة ليقوم بإغلاق “صفائح الجبن”، من خلال لحام فوهاتها المعدنية بالقصدير المسال، بعد تسخين ما يشبه المطارق على نار” بابور الكاز”، وكانت النسوة تعمد لشراء كميات كبيرة من الجبن لتقوم بتقطيع أقراصها لمكعبات قبل غليها بعد “تمليحها”، بـ “الملح الصخري”.

ورغم أن “أبو عجاج”، لُقب بالمصلّح لأن مهنته مزيجاً من تعبئة الغاز المنزلي وتصليح بابور الكاز والمدافئ المنزلية والحدادة، لكنه يستثمر موسم “الجبنة”، ليقوم بمهمة إضافية، وهي الطواف على دراجته الهوائية ليغلق “تنك الجبن”.

في أيلول تحديداً كانت النسوة تحوّل سطح المنزل أو فسحته إلى ورشة لتصنيع المونة، فيحفرن كميات من “الباذنجان – الكوسا”، ويقمن بتجفيفها تحت الشمس بعد تمرير خيط بواسطة إبرة لتصبح “قلادة”، وهذه القلادة ستكون جاهزة لتكون جزءاً من طبخة “محاشي”، في الشتاء.

وبمثل هذه الطريقة تجفف “البامية”، و “الفليفلة الحمراء”، وبواسطة “ماكينة الكبة”، تطحن كميات من هذه “الفليفلة”، لتصبح “دبس”، أو “شطة”، وهي لازمة في صناعة “المكدوس”، أولاً ومن ثم “المحمرة”، وتدخل في وصفات العديد من الوجبات التقليدية.

تطور الأمر قليلاً، فظهر “قطرميز الضغط”، وهو آنية زجاجية يمكن وضع أي مُكوّن فيها وحفظه لفترات بعد تفريغ الهواء، وهذا ما جعل من “البامية – الفاصوليا – منزّلة الباذنجان”، تطبخ لتبقى محتفظة بنكهة طازجة نسبياً، ومع دخول “الثلاجة”، إلى الأسواق وإمكانية شرائها بـ “التقسيط”، تحولت النسوة نحو تجميد ما يردنه من خضار، فباتت أكياس حفظ المونة، تملأ “الفريزر”، الذي كانت قيمة قسطه لا تزيد عن 500-1000 ليرة حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي.

في تلك الفترة أيضاً، كانت “الجاروشة” ماتزال حاضرة، وهي آلة طحن القمح التي تُحمل على عربة يجرها حصان أو حمار ليطوف صاحبها بالأحياء والقرى، ليطحن للناس بعضاً من القمح الذي اشتروه أو حصدوه.

ولأن الأسعار في ذلك الوقت كانت مقبولة قياساً على متوسط دخل المواطن، وقدرته الشرائية، تراجع دورها، وظلّت تلبي رغبة من يتمسك بـ “البرغل”، المصنوع منزلياً لكونه معروف المصدر.

كذلك في نهاية فترة التسعينيات تخلّت النساء عن استخدام “الغسالة اليدوية”، كأداة لعصر البندورة، ظن الناس حينها أن زمن “البحبوحة الحياتية” طويل، وفي هذا الوقت أيضاً غابت قلائدة “الكشك”، عن المطابخ لأن ثمة من يصنع منه كميات ليبيعه مطحوناً أو خشناً للعطارين، وهؤلاء يقدمونه للسكان بأسعار رخيصة.

تقول نور أنها عزفت عن إعداد الكميات الكبيرة التي كانت تصنعها من “المونة”، بسبب ارتفاع الأسعار، فمن المكدوس مثلاً، لن تصنع أكثر من 5 كغ من الباذنجان، وليس الأمر مونة للشتاء.

فهو إما حفظ ماء الوجه إن زارها قريب وقدمت له وجبة عشاء أو إفطار، أو لتلبي شهوة أحد أطفالها في الشتاء، أما صحن المكدوس الذي كان حاضراً دائماً على مائدة إفطارها شتاءً، فقد ألغي بفعل تكلفته الكبيرة التي حوّلت هذا الطبق الشعبي إلى عبء مادي على ذوي الدخل المحدود.

تضيف السيدة الأربعينية في حديثها لـ “صالون سوريا”، “فكرة إعداد مونة من الخضار ورب البندورة باتت مرهقة، صحيح إنها قد تحقق الوفر شتاء وتلبي أية حالة طارئة، لكننا كأغلب الأسر نعيش وفق مبدأ كل يوم بيومه، فالشتاء حاله كأي فصل، يحتاج لتدبير منزلي يقلل من المصروفات قدر الإمكان.”

أما أم عبد الله، فتقول أن “المونة باتت مشروعاً خاسراً لأية أسرة، فانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة متواصلة يعني بالضرورة أن محتويات أي فريزر، ستكون معرّضة للتلف إن لم تستخدم، وبالتالي لابد من العودة للطرق القديمة، ولأني لم أجد قطرميز الضغط، في الأسواق بفعل تحوله لبضاعة غير مرغوبة طيلة سنوات خلت، فأني أكتفي بما ورثته عن أمي من هذه الأواني لأصنع بعضاً من “المونة”، من باب منح عائلتي طبخة أو اثنتين خلال الشتاء من كل صنف”.

وتشير أم عبد لله لأن مؤونتها لم تعد للتوفير وتأمين احتياجات الشتاء وإنما كما قالت نور هي “لسد الشهوة”، “فماذا لو قال لي أحد أبنائي ع بالي فاصوليا خضرا، خلال الشتاء..؟ بحسب قولها..

تضيف جارتها أم عامر، السيدة السبعينية خلال الحديث:” نشتري الجبنة حين حاجتها فقط، ورجعت لتيبيس الخضار التي زرعتها بحديقة منزلي الصغيرة، وبعضاً مما أشتريه من السوق، المكدوس لن يكون هذا العام بالكميات التي اعتدت على صناعتها خلال ما مضى من عمري، لقد تحولت المونة لواحد من هموم النساء، وهو همّ لا ينتهي”.

ويتخلى السوريون/ات اليوم عن واحد من أبرز طقوس فصل الصيف، فلا مقومات لصناعة ما يكفي من مؤونة، وعائلة مؤلفة من خمسة أشخاص تحتاج لما بين 1-1.2 مليون ليرة لصناعة كل ما تحتاجه من مونة للشتاء موزعة على كامل المواد المحتمل صناعتها تحت هذا المسمى فـ “المكدوس – الجبنة – البرغل – رب البندورة – الزيت – الخضار”.

وهي مواد بات السوريون/ات يفضلون/ن التخلي عن بعضها وشراء الآخر بكميات قليلة على أساس “تمشاية حال”، فمن الصعب المغامرة بمونة قد يفسد بعضها لعدم توافر التيار الكهربائي لتشغيل المجمدات، أو المغامرة باستدانة مبلغ يكفي للمونة سيكون من الصعب تسديده.

ففي حين كان دخل الموظف أو العامل يتراوح بين 15-20 ألف ليرة قبل العام 2011 (ما يعادل حينها من 350 – 450 دولاراً)، فإن دخل هذه الأسرة اليوم بين 150-200 ألف ليرة (ما يعادل من 35-45 دولاراً)، إن الانخفاص في قيمة الدخل بلغ 100 بالمئة في أحسن الأحوال، وهذا يعني بالطبع ألا قدرة للسوري على صنع مؤنة شتائه.. ومن الطبيعي أن يُسأل: “كيف وماذا نموّن؟”

المخدرات في إدلب.. تعبث في عقول المراهقين والشباب بلا رادع

المخدرات في إدلب.. تعبث في عقول المراهقين والشباب بلا رادع

عبثاً يحاول لؤي شردوب (٢٢ عاماً) الإقلاع عن تعاطي الحبوب المخدرة، أدمن لؤي عليها منذ إصابته الحربية التي جعلت منه معاقاً، وهو في مقتبل العمر ليجد في تلك الحبوب ملاذه الوحيد للخروج من واقعه النفسي المضطرب.

بدأت حكاية لؤي مع التعاطي بعد أن أصيب خلال قصف طائرات النظام الحربية لبلدته معيشورين بريف إدلب الجنوبي أواخر عام ٢٠١٨، استهدف القصف السوق مخلفاً قتلى وجرحى وبينهم لؤي.

استيقظ لؤي في المستشفى على كابوس فقدانه لقدمه اليسرى وإعاقة في يده اليمنى جراء إصابة بليغة في تلك الحادثة كادت تودي بحياته.

ولم يكن من السهل على شاب بقمة نشاطه وحيويته أن يقتبل واقعه الجديد كمصاب بالإعاقة يحتاج المساعدة حتى في أبسط أمور حياته، وهو ما دفعه للبحث عما أعتقد أنه “أفضل الحلول” لخروجه من الحالة النفسية الصعبة التي يمر بها، وهو اللجوء إلى المخدرات وتحديداً حبوب الكبتاجون.

لا ينكر لؤي معرفته المسبقة بأنه يلجأ لحل يضر بصحته الجسدية ”أعرف أنه يسبب الإدمان، لكنني بحاجة لعلاج آلامي الروحية التي تعصف بي كل حين بلا رحمة، ولم أفكر بالعواقب، أردت تخدير نفسي وحسب“ يقول لؤي.

لم يكن ابراهيم السلوم (٢٦ عاماً) بأفضل حالاً من لؤي بعد أن وجد نفسه عاطلاً عن العمل بلا آمال أو طموحات، منفياً في مخيمات النزوح النائية التي تخلو من كل مقومات الحياة.

يقول ابراهيم الذي يحيط السواد بعينيه ويعتري الحزن ملامحه ”كنت أحلم كما كل الشباب في العالم بعمل دائم وحياة زوجية مستقرة، غير أن ما ألاقيه من ظروف معيشية صعبة جعلتني اصطدم بواقع قاسي، سيجعل مني هامشاً في الحياة طوال عمري“.

مامر به ابراهيم من اضطرابات نفسية، وخاصة بعد فشل عبوره إلى الأراضي التركية بغية العمل، وتحسين واقعه المعيشي دفعه للتعاطي بحسب قوله، ويضيف ابراهيم “بما أنني لا أستطيع تغيير هذا الواقع المقرف، ربما أتمكن من إيجاد مسكن لألم نفسي الذي لا يتوقف”.

حصل ابراهيم على الكوكائين من أحد المروجين في المخيمات، بدأ يعطيه الحبوب بكمية قليلة، ثم ازدادت مع مرور الوقت.

يعمل ابراهيم على تأمين ثمن تلك الحبوب من خلال عمله بالمياومة التي يحصل لقاءها على مبلغ مالي بسيط لا يتعدى الخمسين ليرة تركية في اليوم، يدفعها جميعها لشراء تلك الحبوب التي أصبحت جزءا من حياته.

وانتشرت شبكات لترويج المخدرات في أماكن متعددة من شمال غرب سوريا في الآونة الأخيرة، وتعمل هذه الشبكات على استقطاب زبائن جدد بشتى وسائل الإقناع ، مستغلة الظروف المعيشية الصعبة والضغوط النفسية بسبب التهجير والنزوح وظروف الحرب بشكل عام.

ومن أنواع المواد المخدرة المنتشرة في مناطق إدلب وشمال غرب سوريا الكبتاجون، الكوكايين، الهيروين، الحشيش، إضافة إلى الكريستال ميث او ما يعرف بالشبو او الاتش بوز.

كما ساهم في انتشار الإدمان انتشار الصيدلات غير المرخصة والعشوائية بانتشار الأدوية المخدرة التي راحت تباع لمن يطلبها دون الحاجة لوصفة طبية، وتصل تلك الأدوية إلى أكثر من ٣٠ نوع مثل ترامادول، ديالين، دبالين، فوستان، بيوغابالين، زولام، أوكسي كودون بلس، كايزول، سيدافيت بلس، موتيفال لكسوتان، لارجاكتيل، كلونازيبام، بحسب الصيدلانية رحاب العمر (٣٢ عاماً).

وتقول الصيدلانية رحاب ”أسعار هذه المواد رخيصة جداً مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى، وكثيراً ما يقصدني المتعاطون لطلبها لكني أرفض بيعها دون وصفة طبية حصراً، لكن للأسف لا يفعل كل الصيادلة ذلك، البعض منهم امتهن الصيدلة دون أدنى خبرة والتزام بأخلاقياتها باحثين الربح لاغير.“

وعزت د.رحاب كثرة تعاطي هذه الحبوب إلى ”اﻹحباط والفقر وكثرة اﻹصابات الجسدية، بالتزامن مع قلة الرقابة على الصيدليات المخالفة وتجار المخدرات الذين راحوا يصولون ويجولون في المنطقة بلا رادع“ بحسب قولها.

من جهته بدأ جهاز الأمن العام في محافظة إدلب حملة أمنية تستهدف تجار ومروّجي المخدرات، بالتزامن مع حملة مشابهة يقودها “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا شمالي حلب في أيار ٢٠٢٢.

وقال المتحدث الرسمي لجهاز الأمن العام، ضياء العمر، عبر معرّفه الرسمي في تلجرام، إن الجهاز الأمني أطلق بالتنسيق مع وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ حملة لاستهداف تجار المخدرات شملت مناطق واسعة من محافظة إدلب، شملت مخيمات النازحين على الحدود السورية- التركية بمدينة أطمة، إضافة إلى مدن وقرى حارم، وجسر الشغور، وسرمدا، ومدينة إدلب.

واعتقلت القوات التابعة للأمن العام عدداً من تجار ومروّجي المخدرات وبحوزتهم كميات منها، بحسب المتحدث الرسمي باسمها.

من ناحيته يقول المحامي عادل الويس المختص في القضاء الجزائي في إدلب ”لايمكن التهاون مع هذه القضية المدمرة للمجتمع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى“. ويتم الحكم على المتعاطي والمروج والتاجر بالسجن الذي يترواح بين سنة وخمس سنوات بحسب الجرم الموجه إليه مع دفع غرامية مالية تصل إلى عشرين ألف دولار.

ووفقًا لتحقيق نشره موقع “الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)، في ١٦ من حزيران ٢٠٢١، فإن تجارة المخدرات ازدهرت في سوريا بالآونة الأخيرة على يد مرتبطين بعائلة رئيس النظام السوري.

“الحاجة أم الاختراع”… بدائل السوريين للعيش المستحيل

“الحاجة أم الاختراع”… بدائل السوريين للعيش المستحيل

تتردد سيدتين إلى أحد محلات الملابس المستعملة (البالة) لشراء ملابس قطنية ممزقة وخرق مهترئة بأسعار رخيصة لإعادة حياكتها واستعمالها، فالسيدة الأولى تستخدمها كفوط لوالدتها المقعدة، وذلك بعد غلاء سعر فوط الكبار عدة أضعاف، فسعر الكيلو منها وصل إلى 14 ألف ليرة سورية، بينما السيدة الثانية اقتنت كنزتين قطنيتين بسعر ألف ليرة سورية، لصنع فوط لابنها المصاب بالشلل الدماغي، ليقوم البائع بإعطائهما كنزتين إضافيتين مجانا، بعد أن رأف بحال المرأتين حالما علم بأوضاعهما الصعبة.

من جهتها تستخدم سماهر الاقمشة لصنع مفارش أرض مميزة مستعينة بموهبتها بالرسم، عن هذا تقول سماهر: “أشتري من جاري الخياط قطع قماش متناثرة ومجتزئة فاضت عن حاجته بثمن بخيس، أختار منها الألوان التي تناسب أثاث منزلي وأحرص على اختيار السميك منها لتمنحنا بعض الدفء في فصل الشتاء، أقوم  في البداية برسم الشكل، ثم أجمع عدة قطع بألوان مختلفة، وأحيكها جيدا”.

بدائل المشروبات الأساسية

استعانت نهى (28 عاماً) بنواة التمر لصنع القهوة فهي غير قادرة بدء يومها بدون هذا المشروب المنشط وقد ازداد سعره لحد كبير فلم يعد باستطاعتها شراءه، تقول نهى لـ”صالون سوريا”: “استهلك كيلين من البن خلال الشهر، كنت سابقا اخصص ميزانية لهذا المشروب، لكني لم أعد أستطيع تكبد نفقاته بسبب تغير سلم الأولويات، كشراء المازوت للتدفئة في شتاء، إلى جانب أجرة المنزل”، وتتابع حديثها:” كنت قد شاهدت في إحدى المرات على اليوتيوب طريقة تحضير القهوة من نواة التمر، فقررت إتباعها، وأعجبني طعمها، صحيح أن البن أشهى، لكنه لذيذ أيضا ويفي بالغرض، المهم أريد ما يبقيني يقظة خلال العمل والدراسة”.

تشارك الناشطة النسوية سلوى زكزك عبر صفحتها على “الفييس بوك” نصائحها في تأمين البدائل والتحايل على الغلاء بمواد أقل كلفة، فالسيدة استبدلت مع صديقاتها مشروب “المتة” بدزينة من الزهورات والأعشاب الطبيعية، كتبت زكزك في منشورها “اليوم حضرنا تحويجة متة جديدة لأنو ارتفع سعرها وريحتها مو طيبة وعم تمصل، زعتر نوعين، ونعناع نوعين، وميرمية وورق غار، وعطرة وشمرا وزنجبيل وقرنفل مطحون، ويلي ما عندو ضغط يحط أكليل الجبل، نرحب بأية إضافات أو ملاحظات طبية أو تتعلق بالنكهة والطعم”.

سائل الجلي كبديل لمنظف الشعر

نسفت جانسيت مستحضر تنظيف  الشعر “الشامبو” من قائمة المشتريات الشهرية، لتستبدلها بسائل الجلي، حيث حرصت على شرائه مصنوع من مواد طبيعية لتضمن عدم تلف شعرها ، توضح جانسيت” طبيعة شعري دهنية، فأحتاج إلى غسله يوميا، فارتأيت تقليص النفقات وشراء سائل جلي طبيعي غير مضر من سيدة تعمل في صنع المنتجات المنزلية الطبيعية”.

من جهتها تعاني أم نور من سوء المياه في جديدة عرطوز بريف دمشق، فهي غالبا ملوثة ولا تصلح للاستخدام البشري، فاستعانت بالطريقة التقليدية لتنقيتها، تقول :” تسببت المياه بتسمم العديد من السكان هنا، ولا قدرة مادية لي لشراء غالونات مياه معقمة، فأقوم بغلي المياه ليلا عندما تكون الكهرباء متوفرة، ثم أبردها وأقوم بتعبئتها وحفظها في البراد، أخشى على أطفالي من التسمم ودخول المستشفيات الحكومية غير الآمنة”.

الزيت مقابل الدواء

تدخل سيدة أربعينية إلى إحدى الصيدليات ممسكة بيدها ليترين من زيت الزيتون الأصلي، تقدمه للصيدلي، ليناولها علبتين دواء القلب، خاتما حديثه معها “يسلم ايديكي”، سألته عن التفاصيل، فقال لي “السيدة لا تملك المال الكافي لشراء الدواء لزوجها المصاب باحتشاء عضلة القلب، فقايضتني بلترين من زيت الزيتون الصافي حصلت عليه من بستان زوجها الذين اعتادوا زراعته وبيعه كمصدر للدخل، الله يعين الناس”.

أما أم جبير فقد خبأت نصف ليتر من زيت الزيتون منذ العام الماضي بصبر عن أعين طفليها المتطفلة، إيذانا لاستخدامه عند افتتاح المدارس وتحضير السندويشات لطفليها، تقول:” أقوم بخداع ولدي عبر خلط ليتر كامل من المياه مع الزيت ليتماهى العنصرين مع بعضهما البعض، هكذا أحصل على كمية أكبر من الزيت، صحيح أنه سيكون لزجا وخفيفا وغير متماسك، لكن هذا أفضل من استخدام الماء لوحده، كما تفعل جارتي”.

صبغة شعر ببقايا القهوة

وجدت مها في بقايا القهوة حلا بديلاً لصبغ شعرها، فشعرها طويل وقد أصبحت العناية به مكلفة، حتى أنها تخلت عن قصّه بين الفينة والآخرى، وقررت الاعتماد على دقة ملاحظتها في قص شعرها بنفسها، تقول مها :” سمعت سيدة في البزورية تتحدث عن طريقة استعمال رواسب القهوة والشاي الأسود لصبغ الشعر، فاستفسرت منها أكثر عن الطريقة وجربتها، صنعت نقيع من العنصرين إلى جانب قشر الجوز وملعقة من زيت الزيتون ووضعته على شعري لساعات طويلة، أعجبتني النتيجة وهي غير مكلفة، فسأواظب عليها”.

استثمار في الفوارغ البلاستيكية

تتبنى أم طارق قاعدة ذهبية “لا ترم الأشياء، فسيأتي أوانها وتحتاجها لاحقاً”،  فالفوارغ البلاستيكية والعلب المصنوعة من الورق المقوى لا تفلت من يدها وتدبيرها المنزلي الماهر، تقول لـ”صالون سوريا” :”استعمل فوارغ المنظفات وأعبئها بالزيت بعد تنظيفها جيدا، كما أقوم بإعادة تدوير الكراتين (الورق المقوى) وجمعها سوية لاستعملها كتعليقة للأقلام الجامعية والمدرسية لأطفالي”.

أما ريهانا فتقوم بإعادة تدوير الصناديق البلاستيكية، فراتبها يكفي فقط لأجرة الغرفة ونفقات الطعام ولا مجال للكماليات حسب قولها، “تقول:” أطلب من صاحب البقالية الاحتفاظ ببعض السحارات، لأغلفها بقطع قماش ملونة من ملابسي التي لم تعد تصلح للاستخدام، وأضع مستلزماتي الخاصة ومستحضرات التجميل وطلاء الأظافر”.

دمشق مدنٌ في مدينة.. وبيوت تلفظك لأنك من مناطق الطائفة التي بدأت بـ”الشي”

دمشق مدنٌ في مدينة.. وبيوت تلفظك لأنك من مناطق الطائفة التي بدأت بـ”الشي”

“بخوف سألتني ابنة أختي الصغيرة همساً عندما جاءنا أحد الأشخاص باحثا عن سقف يؤويه: خالتو هاد من عنا؟!.. ما خطر ببالي يوما بأني سأتعرض لهكذا سؤال من طفل أو طفلة” تقول نيرمين محمد لـ”صالون سوريا”، وتتابع: “نزل سؤالُ الصغيرة على رأسي كصاعقة، أجبتها: إي خالتو هاد سوري، لم تقتنع، عاجلتني بعبارةٍ أخرى، قالت: بس بابا قال ما بدنا نأجر حدا مو من عنا”.

أخذتني كلمات نوارة بعيدا، لَحِظَتْ نيرمين ذلك، وعندما اصطدمت عيناي بعينيها، طأطأت رأسها أمامي خجلاً، وعادت لتحدثني “مازالت ابنة أختي في حيرة من أمرها تبحث عن أي معالم لهوية أو انتماء”.

تقول أسما التي نزحت من دير الزور، عن دمشق: “هذه المدينة منحتني الأمان بفترات كنت كتير بحاجتو، لكنها اليوم تلفظني لأني من الطائفة التي بدأت بـ(الشي)”.

تعيش أسما في حي المزة 86 وعنه تقول “كل المفاتيح هناك في الحي بيد العلويين، فصوتهم أعلى وامتيازاتهم أكبر، ودائما ما تُحسم أي مشكلة لشبابهم، ولا أعتقد أن هذا سيتغير في المستقبل، نحنا مكسور جناحنا.. فينا نعيش هون طالما نحنا أوادم”.

تغيير وجه دمشق

بجولة طويلة بين أحياء دمشق المختلفة٬ مشيت في الشوارع التي أعرفها وتعرفني، تحدثت مع قاطنين أصولهم من هنا، ومع وافدين قُدامي وجدد، عبر حكاياهم وما تحمله أرواحهم من انطباعاتٍ عن المدينة٬ حاولت رصد ماهية الأرض المشتركة التي تجمعهم أو تفرقهم٬ ما ملامحها كما يصفونها٬ وما إذا كانت هناك مساحة لانتمائهم لها أم لا.

كانت دمشق الممتلئة حُبا وصخبا وضجيجا وكذبا من يوم إنشائها ملجأ لكل المظلومين والمساكين والفقراء والمطرودين، أما اليوم فهناك وضعٌ جديد يُرسم على الأرض، وهو ما يحذر منه الباحث في علم الاجتماع السياسي فايز عدنان في حديثه لـ”صالون سوريا”، يؤكد فايز: “أن محاولات حثيثة تتم لإفراغ العاصمة السورية وما حولها من طائفةٍ بعينها، فقبل سنوات من الآن وتحديدا قبل اندلاع الحرب السورية كان من السهولة بمكان أن تجد مكانا يؤويك في دمشق أيا كانت منطقتك أو طائفتك، في تلك الأيام لم تكن بحاجة لأكثر من ورقة ممهورة باسمك وباسم صاحب العقار لتستأجر منزلا في العاصمة. أما اليوم فتشابكت الأمور كَكُرَة صوف مع تزايد الحاجة للمنازل في قلب دمشق الذي يشهد اختناقاً سكانياً وانتشار الخوف بين مكونات المجتمع السوري، ناهيكم عن العراقيل الأمنية التي توضع في وجه الباحثين من طائفةٍ أو مناطق معينة عن مسكن يُظلهُم تحت سقفه، ويزيد من الوضع مأساوية ما تقوم به المكاتب العقارية من تأجير البيوت وفق خريطةٍ طائفية”.

يتابع فايز عدنان حديثه قائلا: “يُمنع السَكَن مثالا لا حصرا في عش الورور, وهي منطقة تقع على أحد سفوح جبال قاسيون مُطِلة على منطقة برزة، إلا لمواليدها أو العاملين بها أو المالكين لعقاراتٍ فيها، كما يُمنع أيضا تجديد إيجار السكن في بعض المناطق الدمشقية كحي (المزة 86)، إلا للعلويين والشيعة وبعض الحالات الخاصة الأخرى”.

قدرٌ اختير لنا

في “الكيكية” على سفح قاسيون استقر سامر العشا في منزلٍ مستأجر هو عبارة عن غرفة صغيرة لا يصلها ماء ولا تُنيرها كهرباء، سامر النازح من الحجر الأسود جنوب العاصمة دمشق ما كان قادراً برغم ما عرضه من مال على تأمين منزل له ولأسرته في حي “المزة 86” الرخيص نسبيا مُقارنة بالمناطق المنظمة في العاصمة دمشق كحي “ركن الدين” الذي يصل فيه بدل الإيجار لمنزل تبلغ مساحته 120 متراً حوالي الـ600 ألف ليرة سورية شهريا، والسبب هو “طائفته.”

يروي سامر حكايته لـ”صالون سوريا”: “قالها السمسار لي علناً، لن تجد من يؤجرك منزله مهما دفعت من مال، فأنت غريب عن تركيبة الحي الطائفية للسكان، وقعت كلماته عليَّ كزلزال، زَعَقتُ في وجهه، يا أخي أنا لست إرهابياً ولا مطلوباً، فلماذا لا استطيع السكن وسط دمشق؟”.

وفي حي باب توما الدمشقي، تتحفظ نجاح طنوس، وهي صاحبة منزل في الحي الذي تسكنه غالبية مسيحية، عن استقبال بعض المستأجرين، تقول: “ما بدي مشاكل،  أخوتنا المسلمين عالعين والراس، لكنهم سيسببون المتاعب لي، وأنا لا أريد أي متاعب، هم أخوتنا ولم نكن نميز، لكن اليوم الحذر واجب”.

ويرى الباحث الاجتماعي فايز عدنان: “أن النزعة الطائفية التي يلمسها أي شخص في مناطق كعش الورور والمزة 86 ذات الغالبية العلوية، عند بعض السكان بعد الحرب هي نتيجة استفزاز الهوية المُعرَضة للخطر”.

ليست الطائفية وحدها مشكلة في السعي لاستئجار منزل في دمشق، بل المناطقية أيضاً. عمار الشيخ بكري نازح من “كفر بطنا”، وسمه أهل المنطقة بالـ”عوايني” أي جاسوس النظام، فخرج منها، إلا أن تعاونه مع الدولة لم يشفع له  عند السماسرة وأصحاب العقارات في حي “المزة 86” العشوائي.

فالجهة الأمنية المشرفة على المنطقة “المخابرات العامة” والتي قصدها تباعا لثلاث مرات متتاليات بصحبة ثلاثة من أصحاب المنازل التي حاول استئجارها في الحي، أخضعته “لسلسلة من الإهانات” بحسب قوله.

في النهاية رفضت المخابرات بعد الاطلاع على بطاقة عمار الشخصية منحه الموافقة الأمنية اللازمة لتوقيع عقد الإيجار، والسبب انتمائه لمنطقة تعتبرها دمشق حاضنة شعبية للمعارضة السورية المسلحة، و بات واضحا أنه في منطقة “المزة 86″، يستحيل أن يسكن من هو قادم من الغوطة الدمشقية.

الموافقات الأمنية تعزز الانقاسامات

يقول المحامي وسام طه لـ”صالون سوريا”: “إن عمليات إيجار البيوت والعقارات في مناطق النظام، تخضع إلى رقابة أمنيّة مشددة، إذ تفرض السلطات على المستأجر والمؤجر مراجعة مقارها الأمنية والحصول على موافقة خطيّة، قبل إبرام العقود أو عند تجديدها”.. وصدرت في عام 2014 أوامر أمنية تمنع منعا باتا الموافقة على تأجير منزل أو غرفة في دمشق دون الحصول مسبقا على الموافقة الأمنية.

ويقتضي الحصول على الموافقة الأمنية، أن يذهب المواطن ويملأ استمارة تفصيلية عن وضعه وعائلته وعمله وتوجهه السياسي، قبل أن يجري تصديقها من البلدية المعنية في المنطقة المراد السكن فيها، وانتظار أسبوع إلى 15 يوماً بل وربما شهراً ريثما تصل الأوامر بالموافقة أو الرفض. يأتي ذلك في ظل تشديد النظام السوري الإجراءات الأمنية في العاصمة خوفا من تسلل عناصر المعارضة.

يُتابع المحامي وسام حديثه بالقول: “يُنفّذ هذا الإجراء بصرامة خصوصا في العاصمة دمشق ومحافظة حلب، ويبدو أن النازحين من المناطق التي شكلت بيئة حاضنة لمعارضة النظام هم الأقل حظاً في الحصول على الموافقة”.

لا يواجه سماسرة العقارات مشاكل كبيرة في الحصول على الموافقة الأمنية إن كان المستأجر فتاة، حتى لو كانت من طائفة مختلفة وفقاً لسومر سلوم، وهو صاحب مكتب عقارات في حي المزة 86، يقول السمسار لـ”صالون سوريا”: “يحتاج الرجال للحصول على الموافقة الأمنية لواسطة كبيرة، في الواقع نحن لا نستطيع توقع النتيجة دائماً ولكن طلبات عديدة تُرفض، بما فيها طلبات تجديد عقد الإيجار، وذلك لاعتبارات أمنية أو طائفية”.

يتابع السمسار سومر حديثه بالقول: “كنا نتحايل ونلتف على الأمر لمساعدة المستأجرين بتنظيم العقد باسم أحد نساء العائلة التي تريد استئجار أحد المنازل وتقديم تفاصيل هوية المرأة للجهة الأمنية لتسهيل الحصول على الموافقة وتوقيع العقد، لكن المشكلة المستجدة التي منعتنا من الاستمرار في هذه الحيلة هي المداهمات الشهرية والتفتيش الأمني الدقيق الذي باتت تقوم به الجهات المختصة بين حينٍ وحين للمكاتب العقارية، وبشكل عشوائي للمنازل المُستأجرة للاطلاع على بيانات وأسماء المستأجرين في تلك المنازل”.

يختلف البعض مع ما ذهب إليه سومر عن معاملة أمنية مختلفة للنساء، اذ تروي أم حسن وهي أم لخمسة أطفال ما عاينته في أحد المراكز الأمنية، تقول: “كان عناصر الأمن يعاملون الجميع بدونية وكأننا مُجرمون، أما النسوة اللواتي كن يتشحن بالجلابيب أو بالخمار فكان لهن نصيب الأسد من الإهانات”، وتُردف: “أن الضابط تحرّى عن اسمي واسم زوجي المتوفى بحادث سير، وكذلك عن اسم أبي وإخوتي وأمي وحتى جدي وجدتي، بعدها سألني الضابط عن حادثة زوجي الأمر الذي استغربته، قبل أن يطلب مني الإنصراف مصحوبةً بتحذير شديد من استضافة أياً كان في منزلي المُستأجر”.

فوبيا أصحاب العقارات الأمنية

يتملك الخوف أصحاب العقارات من عدم الامتثال للإجراءات الأمنية، فقد تم استدعاء عدد من أصحاب البيوت لفرع الأمن العسكري حتى أن بعضهم اعتُقل بتهمة إيواء مطلوبين

وفي هذا السياق يشير حيان علي، وهو مالك لأحد العقارات في “حي تشرين” الدمشقي، في حديثه لـ”صالون سوريا”: “لا يمكنني تحمل مسؤولية تأجير المنزل من دون الموافقة الأمنية، لا أحد مستعدٌ لتحمل مسؤولية وجود مطلوبين، أو حتى من يتعاطف مع المسلحين في منزله، هذه مسؤولية كبيرة”.

ويشير متطوع إغاثي في دمشق، يوسف بلاط (اسم مستعار) إلى أن “الجهات الأمنية تُعاقب عدداً كبيراً من المطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم من خلال اعتقال أقاربهم ممن يتوجهون إلى المقرات الأمنية للاستحصال على موافقة تخولهم استئجار منزل في العاصمة دمشق”، ويضيف: “حتى في مراكز الإيواء التي عملت فيها ومنها مركز الحرجلة في الريف الدمشقي، كان علينا كفرق إغاثية تقديم بيانات مفصلة عن النازحين إليها، وطرد بعض النازحين بالفعل بسبب خلفياتهم المناطقية وأحيانا الطائفية”.

هيئة تحرير الشام تساهم في تهاوي القطاع التعليمي في إدلب

هيئة تحرير الشام تساهم في تهاوي القطاع التعليمي في إدلب

اضطرت الطالبة صفا العلوش (١٥ عاماً) للتوقف عن تلقي الدورات التعليمية المجانية في مركز “اشراقة الغد” التعليمي، العامل في إدلب، بعد اعتذار إدارته للطلاب والطالبات المُسجلين في دوراته التعليمية المجانية، إثر رفض “حكومة الإنقاذ” الذراع المدنية لـ”هيئة تحرير الشام”، ترخيص المركز بحجة “إيقاف تراخيص المراكز التعليمية خارج إطار المدارس”.

 تنتمي صفا لعائلة نازحة من مدينة معرة النعمان ومقيمة في مدينة إدلب منذ قرابة الثلاث سنوات، دفعها ضعف قدرات أهلها المادية لاغتنام أية فرصة للحصول على تعليم مجاني في المنطقة، وهو ما تعيقه حكومة الإنقاذ، بعد إعاقتها لعمل تلك المشاريع التعليمية المجانية الهادفة.

تقول صفا أن التعليم في إدلب بات محارباً بشكل كبير بعد أن أصبح حكراً على أبناء الميسورين القادرين على دفع رسوم وتكاليف المدارس الخاصة المنتشرة في المنطقة، فيما أصبح الطلاب الفقراء في ”مهب الريح والضياع“ بحسب تعبيرها.

وأكدت أن مركز ”إشراقة الغد“ يعمل منذ خمس سنوات على تقديم دورات مهنية وتعليمية للطلاب، وخلال العام الحالي 2022 ، طُلب منه الترخيص من قبل حكومة الإنقاذ، والتي قابلت طلب المركز بالترخيص بإنه “لم يعد هناك ترخيص لأي معهد أو مركز بقرار من وزير التربية، وفي حال إقامة أي دورات سوف يتم إغلاق المركز، وهو ما حدث بالفعل حين أغلق المركز أبوابه في وجه مستقبل عشرات الطلاب الباحثين عن إكمال تعليمهم”.

وتعتمد هيئة تحرير الشام بشكل رئيسي على الرسوم في عملها بمحافظة إدلب، ويصفها البعض بأنها ”إتاوات“ حتى، والتعليم لم يكن استثناء، بل هو جزء أساسي من تلك الرسوم التي تفرض بشكل متكرر وكبير، في الوقت الذي تعاني فيه محافظة إدلب وشمال غربي سوريا، من ضعف شديد في القطاع التعليمي بسبب قلة الدعم المقدم من الجهات الدولية المانحة، بعد سيطرة ”هيئة تحرير الشام” على المنطقة.

وفريق “منسقو استجابة سوريا” أصدروا مؤخراً تقريراً تضمن تفاصيل حول ضعف الاستجابة في قطاع التعليم من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، وأشار التقرير إلى أن نسبة العجز وصلت إلى 85 بالمئة.

وبحسب المعلم رضوان.أ، فإن ” تحرير الشام، فرضت منذ بداية العالم الماضي 2021 رسوماً مالية على جميع المدارس الخاصة، مقابل السماح لها بضم الطلاب وتقديم التعليم لهم، فيما وصلت بعض تلك الرسوم إلى أكثر من 2000 دولار عن كل مدرسة في مناطق شمال غرب سوريا، وهو ما ساهم بشكل واضح في زيادة الرسوم على الطلاب وتسرب المئات من المدارس”.

ويضيف المعلم رضوان “وحتى الامتحانات التي جرت مؤخراً، كان لهيئة تحرير الشام نصيب كبير من الأموال، حيث فرضت رسوم مالية على كل طالب أقدم على إجراء تلك الامتحانات، حيث بلغ رسوم الطالب الواحد 10 دولار أمريكي، ووصل عدد المتقدمين إلى أكثر من 30 ألف طالب وطالبة من صف الثالث الثانوي، والصف التاسع”.

ويرى المعلم رضوان.أ أن هيئة تحرير الشام تسعى إلى السيطرة الكاملة على القطاع التعليمي في إدلب، ”وبث أفكارها ومعتقداتها في عقول الطلاب، من خلال استقطابهم إلى المدارس الدينية التابعة لها، وتقديم امتيازات عدة لهم، فيما راحت تحارب المدارس الأخرى وتعمل على التضييق عليها بشتى السبل والوسائل“.

الطفل عثمان (١٢ عاماً) متسرب عن المدرسة، ويعمل في إحدى ورش تصليح السيارات في إدلب، يشير إلى أنه لم يعد يرغب بالدراسة بعد أن لاحظ مؤخراً تدهور القطاع التعليمي العام.

ويقول عثمان “المعلمون لا يحصلون على رواتب، وبالتالي يأتون للمدرسة ليوم، ويتغيبون لعشرة أيام، من أجل البحث عن أعمال أخرى يعيلون بها أسرهم، أما نحن الطلاب فنذهب للمدرسة فقط من أجل اللعب والتسلية بعد أن امتنع المعلمين عن إعطاء الدروس في كثير من الأحيان”.

عدم جدوى الدراسة المجانية دفع بعثمان كما المئات من الطلاب إلى التسرب الدراسي والبحث عن عمل يساعدهم في الحصول على قوت يومهم.

وفي بيان مشترك للمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية مهند هادي، والمدير الإقليمي لـ”يونيسف” للشرق الأوسط وشمال أفريقيا تيد شيبان، صدر عام 2021، ورد فيه أن نظام التعليم في سورية يعاني إرهاقاً كبيراً، ونقصاً في التمويل، وهو نظام مجزأ وغير قادر على توفير خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال.

أضاف البيان أنه يوجد أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدرسة، حوالي 40 في المائة منهم من الفتيات، كما أن واحدة من كل ثلاث مدارس خرجت عن الخدمة داخل سورية لأنها دمرت أو تضررت أو تستخدم لأغراض عسكرية.