الحرب السورية تُفاقم “تلطيش” النساء…ومعاناتهن

الحرب السورية تُفاقم “تلطيش” النساء…ومعاناتهن

تداول ناشطون على صفحاتهم “الزرقاء” عبارات و”تلطيشات” تطلقها نساء سوريات تعكس الحالة التي بتن عليها بسبب ظروف الحرب، والضائقة الاقتصادية والخدمة العسكرية الطويلة الخاصة بالشباب، وعدم قدرة الجميع على تأمين متطلبات الحياة الأساسية، فكيف بالشباب المقبلين على الزواج، رغم قلة أعدادهم، بسبب الحرب والهجرة.
قد تكون “مؤسسة الزواج” الأكثر تضرراً من الحرب، وتأثرها بها هو الأكثر وضوحاً وقابلية للقياس> كتب كثيراً عن موضوع الحرب، وتداعياتها وضحاياها، لكن ثمة ضحايا، أو “مشوهي حرب” ليس بالمعنى الدقيق للكلمة، بل شرائح واسعة من الشباب، دخلت الخدمة العسكرية بعمر 20 عاماً وخرج المحظوظ منها في عمر 30 عاما، وهو خالي الوفاض، يريد السفر أو الهرب خارج الحدود خشية “طلب الاحتياط” مجدداً للجيش. ليس هذا فحسب، فإن بقي، فهو بالكاد يستطيع أن يتدبر أمور حياته، لذلك لا يقوى على مجرد التفكير بالزواج، هذا الأمر أوجد شرائح واسعة من الإناث العوانس وأطلق المجال لـ”تطليشات” من وحي هذا الواقع الصعب.

في كل جملة من “التلطيشات” أو التلميحات ثمة محاكاة لواقع صعب بلسان النساء السوريات، ومعظمها يدور حول الخدمة العسكرية:
• “تقبر قلبي ع الحكيات شو ظراف، عم تخدم إلزامي ولا احتفاظ”.
• “تقدملي وبعملك عرض خاص، بيت وسيارة ولعيونك مشط رصاص”.
• “ماشي ومعو تأجيلو. لك دخيلو ودخيل عشرة من جيلو”.
• “ريتو ما يبلى دفتر التجنيد، طمني تأجيلك دراسي ولا وحيد؟”
الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها سوريا بسبب الحرب ساهمت في ارتفاع نسب الإناث، فأعداد الشباب قليلة مقارنة بالإناث وفي هذا المجال تقول “التلطيشات”:
• “لك تقدملي ودق هالباب، ما كان بدي لطشك، بس ولله ماضل شباب”.
• “إن شاء الله يؤبرني المأجل والمعفى والوحيد، في مجال تجي عند الوالد وتحط الخاتم بهالأيد”؟.
وتقول إيمان (36 عاماً)، وهي من سكان ضواحي دمشق: “توفي خطيبي في معارك ريف دمشق، بقيت وحيدة، وأنا بسن لا يحتمل مزيداً من الانتظار، كان الأمر في غاية الصعوبة”. تتابع: “لذلك قرّرت الزواج من ابن عمي وأسكن مع زوجته وأطفاله في المنزل ذاته، وفي هذا السياق نجد “تلطيشة” تحاكي هذا الواقع.. “دخيل الخمسيني يلي عامل غرّة.. في مجال تنزّلني على ضرّة”؟
ولـ”التفييش” من الخدمة -وهو مصطلح متداول في سوريا، ويعني أن يقوم العسكري بدفع مبلغ من المال لأحدهم، لقاء البقاء في منزله أو عمله- حصة من التعليقات “تقبر عضامي مريش، بخدمتك ولا مفيش”.
وأيضاً لموضوع الاستبعاد من الدعم الحكومي نصيب من التعليقات المزعجة: “يسلملي المهضوم مستبعد ولا مدعوم”.

قد يبتسم أحدنا للوهلة الأولى إذا ما سمع واحدة من هذه العبارات، لكن هذه الابتسامة سرعان ما تختفي ليظهر محلها وجوم، من هول صدمة هذه العبارات وما تخفيه من وجع نساء يصفن حظهن بالعاثر.
يقول “س. م” وهو أحد الشبان الذين بلغوا سن الزواج ولم يتزوج: “لا أفكر حالياً بالزواج، لأن الأمر لا يقف عند حدّ المال فحسب، فأنا عسكري ولا أعرف متى أتسرح من الجيش، وقد أموت غداً فأترك خلفي عائلة مشردة، فأنا في غنى عن هذا الموضوع في الوقت الراهن”.
من جهتها، تقول الاختصاصية بعلم النفس الاجتماعي “سميرة.ن”: “لقد باتت المرأة اليوم تقبل بأي زوج يكفيها مالياً ويشعرها بالحماية، في السابق كانت لا تقبل به”. وتضيف: “هذا يعبر على خلل اجتماعي يحيط بالسوريين، ومعظم حالات الزواج جاءت وليدة للأزمة”، مشيرة إلى أن الأحداث الدامية “فتحت الأبواب أمام زواج القُصّر، إضافة إلى حالات الزواج بزوجة ثانية، ناهيك عن زواج المصلحة الذي لاقى رواجاً خلال الأحداث الأخيرة وكان هدفه السفر إلى إحدى الدول الأوروبية”.

باختصار إن كل ما قيل عن هذا الوجع قد يبدو صغيراً، أو لا يوصِّف الحالة على حقيقتها. فالكثير من الغصة والألم لما تحمله هذه المفردات من مآس وأحزان باتت هي المسيطر على المشهد العام السوري. وبين الألم والحسرة، يبقى السؤال الأهم: هل من مخرج لهذا الوضع الذي طال واستطال؟ مها ابنة الثلاثين ربيعاً تختصر الحكاية السورية بقولها: “أتطلع إلى حياة بسيطة مستقرة مثل سائر البشر في هذه المعمورة، وهو أمر حرمنا منه منذ عام 2011. وتعبر مها عن ذلك بالقول: “أتمنى أن أعيش بسلام واستقرار”. وتضيف: “الظروف السيئة والخوف أصبحت تسطير على كل تفصيلات حياتنا، الأمر الذي يمنعني أولاً من متابعة دراستي بشكل سليم أو حتى التخطيط للأيام القادمة”. وتتساءل بسخرية: “هل أضمن حياتي ليوم غد في هذا الوضع حتى أخطط وأحلم بالزواج؟”.
أمام كل هذا فليس من المستغرب أن نسمع عن حالات انتحار لفتيات لم يبلغن عقدهنَّ الثاني، أو نسمع عن رمي أطفال بعمر أيام في الحاويات أو أمام البيوت أو الجوامع، وهي حالات مستهجنة ولم تكن لتحصل في سوريا قبل الحرب، لكن الأوضاع المأساوية التي باتت عليها غالبية الأسر أكثر من 95 تحت خط الفقر وهي نسبة متفائلة، فالواقع أقسى وأشد مضاضة، والمرأة تدفع الثمن غالياً وخاصة حين تقع بين فكي الفقر، والحاجة إلى زوج.

ملاحظة: الصور للشرح، ولاعلاقة لها بالنص ابدا. مجرد، صورة مرئية، لاتمس شخصيات الموجودين.

ايزيدية تتحدث لـ “صالون سوريا” عن سبايا “داعش”

ايزيدية تتحدث لـ “صالون سوريا” عن سبايا “داعش”

خلال رحلة نقلها من دير الزور الى مدينة رأس العين شمال سوريا، اعتقلت قوات الأمن الداخلي (اسايش) التابعة للإدارة الذاتية الكردية الشابة الإيزيدية روزا أمين ذات العشرين عاماً مع مجموعة من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، بينهم نساء من التنظيم حاولنَ دخول المدينة عبر أحد تجار البشر للوصول إلى تركيا.
روَت روزا لـ “صالون سوريا” في قرية برزان الإيزيدية في ريف مدينة الحسكة، أنها كشفت عن هويتها لقوات الأمن الداخلي بأنها إيزيدية خُطفت من مدينة سنجار بشمال العراق مع شقيقتها وشقيقها الرضيع في الثالث من آب (اغسطس) العام 2014.
سُلِّمت الشابة الإيزيدية من قبل “أسايش- المرأة” في مدينة عين العرب ( كوباني) للبيت الإيزيدي في ريف الحسكة، بعد سنوات من فصول القهر والاسترقاق على أيدي عناصر “داعش”، والحرمان من العائلة.

أسواق الرِّق
بين أسواق النخاسة في سوريا والعراق، تنقّلت روزا وشقيقتها عشرات المرات من الرقة والموصل وتلعفر وريف الحسكة، وتضيف: ” نقلونا نحن الفتيات إلى ريف الحسكة، وبعد أسبوعٍ أعادنا عناصر داعش من الجنسية العراقية إلى العراق، فأخذوا العوائل إلى مدينة القيارة ونحن الفتيات نقلونا إلى مدينة الموصل، أما الشباب فأعادوهم إلى سنجار”.
احتُجزت روزا مع ثلاثة ألاف فتاة في مبنىً حكوميِّ في مدينة الموصل، وعُرضنَ كسبايا على أمراء وقادات التنظيم، وكان قائد كل كتيبة في “داعش” يختار 50 فتاة إيزيدية ويمنحها لجنوده كمستعبدات جنسية.
تقول روزا إنها اجتمعت بعائلتها في قرية كوجو في سنجار، إلا أن عناصر “داعش” عادوا لفصلها، هي وشقيقتها عن والدتها التي طلبت من عناصر التنظيم تركها لأنها طفلة، فضربوها ثم قتلوها مع عدد من النساء الإيزديات اللواتي رفضن اعتناق الإسلام.

الزواج بعراقي
اتّخذ “داعشيٌّ” عراقي يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً روزا جارية له وهي في الثانية عشر من عمرها، ووعدها بتحريريها في حال دخولها دين الإسلام وحِفظ تعاليمه وتأدية فروضه، وتعهّد بألّا يؤذيها في حال إشهارها إسلامها، فبات هاجس البنت الصغيرة خلال ستّين يوماً تنفيذ أوامره ليعتقها، إلا أنه اغتصبها ولم يرأف بصغر سنّها، فَعادَ وباعها لمقاتل آخر لينتهي بها المطاف بعد سنوات طويلة من البيع في أسواق النحاسة في منزل مقاتل من الجنسية اللبنانية، الذي أخذها بدوره معه إلى مدينة الرقة التي بدأت منها عملية البحث عن أفراد عائلتها والتقت بأخوتها وشقيقتها هناك عدة مرات.
فيما بعد، أجبرت الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي والمعارك التي شنتها “قوات سوريا الديمقراطية” ضد معاقل التنظيم في الرقة عناصر التنظيم على الهروب مع عوائلهم باتجاه دير الزور ومنها إلى الباغوز في وادي الفرات التي شهدت انهيار آخر جغرافية لما سُمّيت بـ “دولة الخلافة” في سوريا.
تقول روزا ، إنها انتقلت إلى الباغوز ومنها هربت بصحبة عناصر وعوائل التنظيم باتجاه إدلب ومن هناك إلى جرابلس وتركيا ورأس العين وتل أبيض ودير الزور.

أين يُحتجز المفقودين؟
وكشفت روزا أن تنظيم “داعش: يحتجز مختطفين ايزديين في مدن شمال غربي سوريا، مضيفة أن المختطفيين الايزديين يتوزعون لدى عوائل التنظيم المنتشرين في ادلب وجرابلس واعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض وتركيا.
وأكدت الشابة العشرينية التي لايزال مصير سبعة من أفراد عائلتها مجهولاً، وأن المحتجزين الإيزديين يتلقّون بشكل دائم تهديدات بالقتل من قبل عناصر التنظيم في حال كشفوا عن هوياتهم حتى لأنفسهم، لذا فإن العديد منهم لازالوا في مخيم الهول بريف الحسكة الشرقي، ومخيمات بمدينة ادلب التي فرّ إليها قادات وأمراء داعش، وفي المدن السورية التي احتلتها تركيا، لكنهم خائفون من إظهار أنفسهم.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قد تحدثت في مقال لها أن أكثر من 3000 من المختطفين الإيزديين في عداد المفقودين. ويُفترض أن غالبيتهم قد لقوا حتفهم، لكن يُعتقد أن المئات منهم لازالوا على قيد الحياة بحسب الصحيفة. وزادت أن “داعش” لازال يحتفظ بالإيزديين في سوريا أو تركيا. وأشارت الصحيفة إلى حالات قد تمتلك فيها أُسر الضحايا معلومات عن أماكن وجودهم، وأنهم كانوا على اتصال مع خاطفيهم من عناصر التنظيم، لكن مع قلّة الاهتمام من قبل الحكومات والجهات المعنية وغياب الدعم المادي حال تحرير المزيد من المغيبين.
ومازالت ضراوة الهجمات التي شنّها “داعش” ضد الإيزديين محفورة في ذاكرة ضحاياه، فشرع مقاتلو التنظيم بحملة إبادة جماعية ضد هذه الطائفة الموغلة في القدم، وبمخطط من زعيمه عبد الله قرادش الذي قُتل بداية شباط (فبراير) الماضي خلال عملية انزال جوي نفذتها القوات الامريكية في بلدة أطمة شمال غربي سوريا، وأمرهم بارتكاب سلسلة مجازر في سنجار.
وبحسب إحصاءات عراقية، تراوح عدد الضحايا بين الفي وخمسة الاف، أكبرها في قرية كوجو التي لقيّ مئات من رجالها حتفهم، فيما استعبد التنظيم أكثر من سبعة آلاف من النساء والفتيات جنسياً وجند مئات الأطفال الإيزديين في معسكرات عُرفت باسم “أشبال الخلافة” ودرّبهم على استخدام مختلف أنواع الأسلحة وأجبرهم على القتال كـ “جنود للخلافة” في العديد من الجبهات في كل من سوريا والعراق.

انتعاش المسرح في ادلب… دون ممثلات

انتعاش المسرح في ادلب… دون ممثلات

“تخيلت ولدي المعتقل مكان الممثل الذي يتعرض للضرب، فبكيت. لكن رغم ذلك كنت أشعر بالسرور لإنه ما زال هناك أشخاص يتذكرون قضية المعتقلين ويحاولون تذكير العالم بها”.
كانت دموع سهيلة تسابق كلماتها بعد انتهائها من مشاهدة مسرحية “تحت الصفر” التي أقيمت على مسرح المركز الثقافي في مدينة ادلب من قبل “فرقة حلم المسرحية”.
وكانت “حلم ” قد توقفت على العمل عام 2011 بسبب “القبضة الأمنية”، بحسب إبراهيم سرميني مدير الفرقة، الذي اشار الى مشاركة اعضاء الفرقة بالمظاهرات السلمية. غادر ابراهيم ورفاقه المدينة ليعودوا إليها عام 2015 بعد سيطرة فصائل مقاتلة عليها.
يقول إبراهيم، انهم فكروا منذ عام 2016 بعودة النشاط المسرحي للمدينة، لكن ذلك تعثر حتـى العام 2018 حيث “بدأنا بإعادة تفعيل المسرح بعد استقر الوضع الأمني جزئياً وتوقف القصف بسبب اتفاق خفض التصعيد” بين انقرة وموسكو، لتطلق الفرقة مع “منظمة بنفسج” تدريب إعداد ممثلين حيث خضع 25 شابا للتدريب. كما قام الطلاب بإعداد عرض مسرحي، لكن لم يعرض.
وأضاف إبراهيم، إنه وزملاءه فكروا بعودة المسرح ليكونوا منبرا يقدرون من خلاله إيصال القضايا التي تخص مجتمعهم وليكونوا “ضمن وجدان” شعبهم ودائرة اهتمام الموجودين. كما أكدوا ان لديهم تصورا عن المسرح كفن و “منبر مهم جدا”، بإمكانهم من خلاله مناصرة قضيتهم وإيصال صوتهم لأماكن بعيدة.

قبل عام 2011، كان في إدلب خمس فرق مسرحية استطاعت إثبات حضورها على الساحة الفنية السورية بعد ان شارك في المهرجات المسرحية على المستوى المحلي والإقليمي، إذ قدمت عشرات العروض المسرحية إلا أن “المسرح الإدلبي” لم يكن ذائع الشهرة والصيت كون الفرق المسرحية في ادلب، رفضت تقديم عروض تجارية منذ دخولها للعمل المسرحي.
لكن تلك الفرق توقفت مع بداية اندلاع الاحتجاجات لتعود إرهاصات العمل المسرحي بعد اتفاق خفض التصعيد عام 2017، الذي شمل مدينة إدلب ليجتمع من بقي من مسرحيي ادلب في “فرقة بيدق” ويخرج العمل المسرحي الأول في ادلب تحت اسم “سرداب الموت”، لكن المسرح بقي تحت رحمة الأوضاع العسكرية والسياسية في شمال غربي سوريا، فالمسرح يحتاج لهدوء ليستطيع العمل والهدوء محكوم بتلك الأوضاع،
المسرحي مجد هامو وهو ممثل في مدينة إدلب، قال لـ “صالون سوريا”: “حصلنا على تجاوب كبير من الجمهور وحتى من المجتمع بشكل عام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فالمسرح دوره تذكير الناس بالقضايا المهمة باعتبار الفنان هوي ابن قضيته ومجتمعه أولاً وأخيراً”. وزاد: “المسرح هو منبر للناس ليحكوا وجعهم والتذكير وخاصة ان العروض تناقش مشاكل الواقع السوري لإننا نؤمن ان الفنان ابن مجتمعه، فالقصص المسرحية يجب ان تتكلم من قضايا المجتمع والا فلا قيمة لها حتى أن توافد النزوح نحو إدلب شارك عدد من المهجرين من مختلف المحافظات بالمسرح فلقد كان لشبان من دمشق وحلب والرقة ودرعا ودير الزور دور في العمل المسرحي في ادلب”.
وعن المصاعب التي تواجههم كمسرحيين، أضاف هامو، ان “الدعم المادي وغياب أي تمويل للعمل المسرحي في شمال غرب سوريا إذ تعتمد معظم الفرق على جهود شخصية من الممثلين او دعم متواضع مع بعض المنظمات لا يتجاوز موضوع اللوجستيات، بالإضافة إلى غياب دور النساء بالعمل المسرحي فالعروض المسرحية غالباً ما تحتاج لممثلات نساء وهذا غير متوفر اضافة إلى نقص مراكز التدريب والدورات الخاصة بإعداد الممثلين والمخرجين والفنيين”.

من جهته، شرح الكاتب نور الدين إسماعيل لـ “صالون سوريا” رؤيته للواقع المسرحي في إدلب بقوله: “بعد قيام الاحتجاجات اعتمد بعض الناشطين على المسرح لإيصال معاناة الداخل إلى العالم. فبعض الأعمال المسرحية رغم أنها كانت أعمالاً بسيطة، حملت رمزية كبيرة، كونها كانت تعبر عن قضايا المجتمع، وتخرج عن الخط الذي رسمته السلطة في سوريا للمسرح منذ عشرات السنوات. فقبل عام 2011 كان المسرح القومي هو المسيطر على القطاع المسرحي، حيث كان المسرح السوري وقتها في واد والمجتمع السوري في واد آخر، وهذا ما تم إصلاحه بالتجارب المسرحية في شمال غربي سوريا. حيث كان النص المسرحي نابعاً من الواقع وظروف الناس”. وأضاف: “المسرح بكل تأكيد هو أداة حشد ومناصرة لقضايا السوريين، لأنه رغم كل المصاعب والآلام التي نمر فيها فوجود حركة مسرحية تعكس الواقع الذي نعيشه، هو أمر ممتاز لما للمسرح من رمزية في ذاكرة الشعوب”.

سوريا “المخدرة” دون أطباء تخدير

سوريا “المخدرة” دون أطباء تخدير

كثيرةٌ هي المرات التي يحتار فيها الصحافي/ة: كيف ستكون بداية مادته/ها؟ هل يبدأ/ تبدأ بقصةٍ إنسانية لبطل/ة في تلك المادة يكون النجاح، الخوف، الفشل، اللاجدوى عنواناً لحبكة صحافية؟ أم سيواجه الجمهور برقم صادم عن قضية فساد، هجرة، خسارة، أو رقم صدرته قضية حرب؟
أسئلة تفرض نفسها عند التفكير بقضية آلام أطباء التخدير في سوريا، أو الأصح حول قضية الهروب من اختصاص التخدير في سوريا وهجرة من اختص فيه عن سابق إصرارٍ وتصميم.
15 طالب طب اختصاص تخدير فقط في جامعة دمشق هذا العام. انخفض العدد 35 طبيباً خلال عام، ومن سجل هذا الاختصاص ينتظر فرج بطاقة طيران خارج الحدود، بين سطور هذا التقرير آلام لأطباء يُخدرون آلام الجروح.

صرخة
في العام 2017، أطلق الدكتور فواز هلال المسؤول العلمي لـ “رابطة أطباء التخدير وتسكين الآلم” صرخة، عبر الإعلام الرسمي والخاص وصفحته على السوشال ميديا، يُحذر من يومٍ “ستتجمد فيه المشافي” اذا استمر وضع التعامل مع أطباء التخدير بطريقة عدم التقدير المادي والمعنوي، في القطاعين العام والخاص.
وفي بدايات 2022، تحديداً يوم 9 كانون الثاني، أوقف “مشفى التوليد الجامعي” قبولات المرضى والإسعاف لعدم وجود كادر من أطباء التخدير، في وقت كان ولا يزال “مشفى الزهراوي” بمدينة حلب يعمل بطبيب تخدير واحد فقط بمساعدة فنين. وفي ذات السياق، تحدثت الدكتورة زبيدة شموط أن “رابطة أطباء التخدير” أجرت دراسات متتالية حول عدد وواقع أطباء التخدير في سوريا في اعوام 2000 و2016 و2020، منوهةً أن الوضع اليوم “أسوء بكثير من عام 2020، حيث يفقد هذا القطاع الأطباء الشباب من تتراوح أعمارهم تحت 30 عاماً، وفي كل سوريا 4 أطباء فقط من هم تحت سن الثلاثين عاماً”.
بعد الصرخة الأولى، أعطت الحكومة السورية مكافأة شهرية لأطباء التخدير 100 ألف ليرة سورية، يومَ كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار لا يصل إلى 1500 ليرة سورية، خُصم منها 18% ضريبة أيضاً، في الوقت الذي لا يجوز أن يخصم من المكافأة أي ليرة سورية، لم تنجح محاولات المعنين بمحاولة “تثبيت أطباء التخدير بأرض الوطن”.

صراع أطباء
بعد سنوات على محاولة الجهات المعنية في سوريا، “إنقاذ كوادر أطباء التخدير”، تحاول ذات الجهات محاولة إنعاش أخرى، بضخ زيادات على الرواتب والتعويضات الخاصة بأطباء وطبيبات التخدير، حيث كشفت دراسة سربها الإعلام السوري الخاص أن اللجنة الاقتصادية في رئاسة الحكومة رفعت توصية لتكون مكافأة كل طبيب تخدير 200 ألف ليرة سورية شهرياً أي مايعادل 56 دولارا اميركيا تقريباً حسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء، و 80 دولارا حسب سعر صرف المركزي، واشترطت أن تصل عدد أيام دوام طبيب/ة التخدير إلى 6 أيام أسبوعياً.
صب هذا التسريب الزيت على نار القضية، ولم يكن بعد ما تم تداوله نفعاً لـ “الملح على الجرح”، كما يقال باللهجة العامية السورية. يعقب الدكتور ” ع. م” الذي رفض ذكر اسمه كاملاً على القضية قائلاً: ” تحتاج قضيتنا صفحات في جرائد”. ويتحدث لـ “صالون سوريا” عن جوهر المشكلة المتمثل في العلاقة مع طبيب التخدير ضمن المشافي العامة والخاصة، موضحاً أن المشفى والجراح هما من يقرران أجور طبيب التخدير، الذي يبقى له الفتات من الأجور، بعد نقاشات طويلة من سيدفع الأجور له المشفى أم طبيب الجراحة، و”بالتالي يغيب الضامن للعلاقة بين طبيب التخدير والمشفى، وبين طبيب الجراحة وطبيب التخدير هذا على صعيد المشافي الخاصة، أما على صعيد المشافي التعامل مع التأمين الصحي في المشافي الخاصة، يدفع التأمين الصحي تسعيرة وزارة الصحة وهي لا بأس بها، لكن يدفعها للمشفى الذي يقتطع منها ما يريد”.
وفي أحد الردود على الحلول التي قدموها أطباء التخدير لوزارة الصحة، أن فني التخدير يمكنه القيام بمهام الطبيب، حسب قوله. لكن أي خلل في العمل الجراحي فان “الملام الأول هو طبيبة/ة التخدير”. سلسلة تناقضات يدخل بدوامتها كل من يدخل اختصاص تخدير قبل أن يسافر خارج البلاد.
وتتحدث الدكتورة “ش .ع” عن جملة مشاكلَ أخرى تبدأ بالأجور لطلاب الدراسات العليا التي تصل إلى 90 ألف ليرة سورية، وتقارنها بطلبة من حملة شهادات الطب العام في جامعات ألمانيا تصل لحوالى 2800 يورو. وطبيب التخدير هو الوحيد الذي أجوره قليلة مقارنة بباقي الاختصاصات وخصوصاً الجراح، وتضيف أن المشكلة أيضاً في قلة الأساتذة والمشرفين بسبب الأجور الزهيدة، حيث يصل أجر الطبيب المشرف بعد دوام 5 أيام في “مشفى المواساة الجامعي” إلى 180 ألف ليرة سورية، حيث لا يوجد أيضاً أي أجور على العمليات في المشافي الحكومية، وهذا يجعلهم/هن يتخلفون عن الحضور إلى المناوبات في المشافي الحكومية.
لم تكن الأجور وحدها هي ما تلخص عمل وهجرة أطباء وطبيبات التخدير، بل عدم وجود منظومة كاملة اسمها “تسكين الألم”، بحيث يصبح في مقدور الطالب عمل اختصاص لمدة سنتين أو ثلاث بعد الانتهاء من التخدير، إضافة إلى استغناء المشافي عن الطبيب بالفني وهذا استخفاف كبير بالطبيب على حد تعبيرها.

خارج الحدود!
حاول كثيرون من أطباء وطبيبات التخدير المطالبة بمساواتهم بزملائهم من ذات الاختصاص في دول الجوار على الأقل. كل هذه المطالب باءت بالفشل، فكان البقاء صعباً. تتفق الدكتورة “ش، ع” والدكتور “ع .م” أن كل من يدخل الاختصاص في عينيه السفر فقط، ليس بدافع التخلف عن الخدمة الإلزامية فحسب، بل بدافع وجود إغراءات مادية ومعنوية حقيقية. ويشرح ” م. ع” طبيب تخدير سافر إلى ألمانيا عام 2019، عن تجربته في المشافي الألمانية التي تبدأ بالأجور الشهرية، ومساواة طبيب التخدير من حيث القيمة المعنوية بأي طبيب آخر، حيث لا يمكن أن يحل أن فني تخدير مكان الطبيب في غرف العمليات، بينما يشير “م.ر” وهو طبيب تخدير سافر إلى العراق عام 2020، ويعمل في أحد المشافي الخاصة بالعاصمة بغداد، أن أجره بدأ بـ 2000 دولار، لو بقي في سوريا، كان يحتاج سنة ونصف ليجمع هذا المبلغ، ويتحدث عن عدم دخول أي طبيب إلى غرفة العمليات بدون طبيب تخدير، مع وجود فنين تخدير أيضاً، لكن الأدوية ومعايرتها ونوعيتها هي من اختصاص الطبيب فقط، ولا يشعر أي طبيب تخدير بأنه قلة قيمة طبية من غيره من الأطباء، وله نسبته وأجره الذي يختلف من مشفى إلى آخر ويتساوى مع اختصاصات أخرى.
في 2022 توقف “مشفى التوليد الجامعي” عن العمل بسبب عدم وجود طبيب تخدير، ماذا ينتظر البلاد بعد 5 سنوات إذاً؟ وفي سوريا التي تصدر أطباء إلى العالم منذ زمن وليس أثناء الحرب فقط، هل سيقف المرضى طوابير بانتظار طبيب تخدير؟ هل تنفع الإغراءات المادية التي لا تكفِ نصف شهر للعيش في بلد يعاني من الغلاء والتضخم؟

سوق الخجا… المحطة الأخيرة قبل الرحيل

سوق الخجا… المحطة الأخيرة قبل الرحيل

في “شارع الثورة” قلب دمشق، تكتظ الأرصفة بعشرات البسطات، وعند الشارع المؤدي بحاراته إلى منطقة ساروجة، هناك سوق ضمن سرداب مكشوف يطل على الشارع العام، ما إن تدخله، ترى للوهلة الأولى أنها نقطة النهاية: “مرحباً بك في سوق الخجا”، المحطة الأخيرة للسورين ما قبل السفر.
مع حلول فصل الشتاء لم يعد هذا السوق مخصصاً فقط لبيع الحقائب المدرسية، مع أنه الوحيد المتخصص ببيع منتجات الجلود وتنشط فيه حركة البيع والشراء بشكل كبير. شيّد في عام 1985 كبديل لسوق الخجا القديم الشهير الذي كان بجانب سوق الحميدية ويلاصق قلعة دمشق الذي هُدم في سبيل إحياء مشروع السور الغربي للقلعة وترميمها وإظهار معالمها.
وعلى مد النظر، تجد أنواعاً مختلفة من الحقائب الملونة. وحقائب السفر باتت تطغى على الحقائب المدرسية. يتجول شباب بمختلف الأعمار، وشابات برفقة أمهاتهن، بحثاً عن واحدةً تناسب السعر والسعة، وبعد المسافة.
يقف أحد الشبان يتفحص حقيبة متوسطة الحجم. ربما ناسبت نوع حمولته يحملها ويهزها بيده، يجر الشاب العشريني حقيبته البرتقالية خارج السوق بعدما تفاوض مع البائع لمدة نصف ساعة تقريباً. “باقي فحص “كورونا”، يقول لـ “صالون سوريا” مبتسماً. يقول محمد ( 27 عاما) بعدما حصل على حقيبته: ” شعوري متخبط. الآن سأترك بلدي، لكني مضطر، الوضع الاقتصادي صعب وأنا شاب أريد بناء مستقبلي، أفكر دائماً بأهلي أصدقائي أنا لا أعرف ما الذي ينتظرني في ألمانيا، هذه المرة ما قبل الأخيرة التي سأزور بها دمشق.
تختلف حقائب السفر في سوق الخجا، من حيث السعة والنوعية. البعض يختار حقيبة من نوع متوسط، كي تسع ثيابه الخاصة، وآخرون يختارون أكياساً قماشية مغلقة سعرها رخيص جداً لمجرد أن توصلهم إلى بر الأمان فقط. يقول شاب أخر يقف عند نهاية السوق بعدما اختار واحدة: “الفكرة ليست في حصولي على الحقيبة وإنما بالسفر، لا يوجد خيار مطروح حالياً للشباب إلا الخروج من هذا البلد”. يضيف لـ “صالون سوريا” سامر( 30 عاما) الذي ينوي السفر إلى أوروبا: “شعور الخوف من هذه التجربة هو سيد الموقف، ما الذي سينتظرني، سواء كان ذلك بداعي الهجرة أو الدراسة أو العمل لا يوجد هنا عمل يوفر قوت يومي أو ربما يكفيني كشاب أعزب لنهاية الشهر، كما أن الأحلام باتت معدومة، من تطور أو كسب أي نجاح على الصعيد المهني ما بالك المالي، أتمنى أن تسع هذه الحقيبة ذكرياتي وليس ثيابي فقط، ربما سأعود يوماً ما”.

“ليس هناك داع للحقيبة. الأهل في الخارج، قررت السفر أنا وعائلتي، أطفالي بعمر الخمس سنوات يكبرون في بلد مجهول”، يقول جورج، وهو من الحسكة ( 36 عاما) ، بعدما قرر المغادر مع أطفاله وعائلته، الشاب من بلدة تل تمر المنطقة التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية المسيحية في شمال شرقي سوريا بعدما هجّر مع عائلته إلى دمشق يصيف لـ “صالون سوريا” : “نحن أقلية وبلدتي دمرت بسبب الحرب لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المسنين، الجميع جهز حقائب السفر، سابقاً كان السبب الحرب، واليوم الوضع الاقتصادي أحد الأسباب هذه الخطوة، ولكن لن يكفي أن يتوفر الطعام الأمر أكبر من لقمة عيش”.
الفكرة لم تعد مقتصرة على الشباب فقط، بل هناك عوائل قررت المغادرة، منهم “جورج” وعائلته، وشابات أيضاً لكن بدوافع مختلفة، دافع بارعة ( 27 عاما) التي تقف وسط السوق كان الزواج وبناء عائلة خارج هذه البلاد. لكن شعور الخوف كان مشتركاً مع الجميع. تقول لـ “صالون سوريا” : “خطوات قليلة مشيتها في سوق كله حقائب سفر بالمختصر هي حلول مع أنها فقدت مكانتها ودورها الأساسي بجمع أغراضنا وثيابنا، أصبحت الآن تجمع أحلامنا طموحاتنا”. وتضيف سارة: “تمنيت أن أشتري حقيبة بنفسجية أضع فيها كل خبراتي ومتاعبي وصعابي والعقبات يلي واجهتها ليساعدوني كي أصبح أقوى خارج البلد، ربما الآن اشتريت حقيبة “لجهاز عرسي”، لحياة جديدة لا أعلم ما هي”.

بعد جولة بين الحقائب توجهنا إلى “أبو تيسير”، أقدم بائع في السوق منذ 23 عاما. لا يكاد يجلس بضع دقائق إلا ويدخله “زبائن سفر”، يرفض أن يكون تاجراً على حساب حاجة الناس كما يقول. يتحدث لـ “صالون سوريا” عن الحجم المبيع في السوق يومياًن، قائلا: ” مبيعنا يعتمد على حقائب السفر تقريباً والقليل على الحقائب المدرسية أو الجلود العادية، الجميع يريد السفر، البعض ظروفه صعبة يريد حقيبة توصيل فقط وآخرون يطلبون حقائب بجودة عالية ولكنهم قليلون”.
“الشباب أكثر من الفتيات بكثير، هذه هي الحقيقة، الشباب يهاجر والفتيات يجدون العريس على الإنترنت. يقول “أبو تيسير” كاشفاً عن حجم مبيعات السوق، حيث بلغ عدد المبيعات من حقائب السفر يومياً حوالي خمسمئة حقيبة. ويضيف”: ازداد المبيع منذ سنة تقريباً حيث يتراوح سعر الحقيبة بين 80 ألف ليرة سورية 130 ألفا”.
يبيع هذه السوق يومياً بعشرات آلاف الدولارات. في المقابل يصعب التأكد من صحة التقارير الإخبارية، والأرقام، والإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية الحكومية، في حين لا يوجد دراسة دقيقة تقدم أرقاماً حول الهجرة من سوريا والسفر يومياً.
ومؤخراً كثُر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن هجرة كبيرة للصناعيين، وأخرى عن ازدياد هجرة الحرفيين، وأصحاب الأيدي الماهرة والأطباء أيضاً، فضلاً عن صور الازدحام على فروع ادارة الهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخلية، لاستصدار جوازات سفر جديدة.

العنف في تلفزيون دمشق… وشوارعها

العنف في تلفزيون دمشق… وشوارعها

يربط المتابعون للمشهد السوري العنف بسنوات الحرب الطويلة. والمؤسف بهذا الربط هو تبسيط المشهد العنيف، كأنه نتيجة طبيعية للحرب التي تقوم أساسا على فكرة إهلاك الآخر، وتغدو كل الوسائل لتثبيت حلقة العنف من الأقوى نحو الأضعف مبررة.
لكن لهذا العنف جذور تمييزية مغرقة في القدم، يتم التعمية عنها، وتحميل مسؤوليتها للحرب فقط دون الإشارة إلى البنية الهيكلية المتجذرة للعنف من الأقوى نحو الأضعف ومن المتحكم نحو المحكوم.

الخطاب الرسمي
على شاشات التلفزة مقابلات مع أشخاص بؤساء فعلا، يبدو أن اختيار بؤسهم مقصود مع أنهم عادة يعانون من إهمال بل من نكران مديد، لكن هذه المرة ثمة حاجة ماسة لظهورهم بكل بؤسهم، الاحتفال بالبؤس لمصادرة حق الآخر! تم توجيه سؤال واحد لجماهير البؤساء: “من لا يستحق الدعم؟” تخيلوا لم يسألهم أحد من يستحق الدعم؟ لقد حرموهم حتى من فرصة التعبير عن أحوالهم، لكن المطلوب لا يخصهم، هم مجرد أدوات، والأدق هم مجرد ديكور ارجي، وكانت الأجوبة التي بدا واضحا أنها ملقنة إجابات حاسمة موجهة بيقين قطعي غريب لكل من تم رفع الدعم عنه، وكأن المطلوب أن تقول الحكومة: “هل سمعتم سبب حرمانكم؟”. نحن لا دخل لنا! شركاؤكم البؤساء في الوطن هم من قرروا أنكم لا تستحقون الدعم. ضرب النار بالنار وعلاج الحرمان بالحرمان.
أي عنف هذا؟ عنف مؤدلج، متلفز، ملعوب به وعليه، والهدف هو أن يقف الناس في مواجهة بعضهم البعض! ويا دار ما دخلك شر، ونحن الحكومة العادلة ننفذ رغبات البؤساء! وتكاد الرسالة أن تقول نحن في خدمة البؤساء ونعمل من أجلهم فقط، وقد تصل الرسالة للبعض بعمقها الحقيقي حين يشير أو يلمح بعض البؤساء الشركاء في الوطن على حين غرة: بأن المحرومين من الدعم هم سراق وطماعون وينهبون مقدراتنا.
قمة العنف أن تضرب الحكومة السلم الأهلي والتشاركية بسلاح الأخوة الأعداء.

الخطاب الشعبي
على كوة صراف قبض الرواتب الشهرية، يحتشد عدد كبير من الأشخاص للحصول على أموالهم الشحيحة. يتدافع المجموع ويشتمون بعضهم بعضا. تطالب سيدة بطابور خاص بالنساء وطابور خاص بالرجال، يسخر منها رجل، يقول لها: “خايفة على جمالك”. وتقول لها سيدة بتأفف وضجر: “الناس ميتة من الهم، ما حدا ألو نفس يغتصبك”. تصمت المرأة، تفكر بالانسحاب، لكنها دورها بات قريبا، ولن تفرط بالوقت الذي قضته واقفة على كوة الصراف، رغبت بالرد، لكنها شعرت بأنها ضعيفة جدا، أحست برغبة عارمة بالبكاء، طلبت من الرجل الذي يقف خلفها ان يحفظ لها دورها بذريعة اضطرارها لإجراء مكالمة هاتفية مع ابنها لتوقظه كي يذهب إلى عمله، تدخل إحدى البنايات تبكي بشدة ، تمسح دموعها وتعود، كل ما كان بوسعها فعله حينها تجاه الحجم المذل من العنف هو ان تبكي في الخفاء، إعلان الشكوى يطعن الروح بعد أن طعن القلب مرات ومرات، عادت إلى مكانها في الطابور وكأنها قد تخففت من الغضب الذي تخشى استعاره، بات لجم الغضب وابتلاع الألسنة والتحايل بالهمسات الساخرة أسلوبا وقائيا، قد يرضي أصحابه ظاهريا، لكن في العمق كل شيء بات بلا جدوى.
لم يفكر أحد من الواقفين في الطابور الطويل الذي بات يعيق حركة المشاة على الرصيف بسؤال الموظفين عن سبب التأخر بتوطين الرواتب في كوات صرف الرواتب، لم يسأل أحدهم المسؤولين عن سبب خروج عدد كبير من الصرافات عن الخدمة بسبب اعطال فنية أو بسبب الغائها وبعضها قد تم نزعه وتسوية الجدار الذي كان يحمله، دونما أي تعويض بجهاز آخر ولو في مكان آخر، وحديث الصرافات حديث ذو شجون خاصة في الأرياف بحيث يضطر الموظفون للذهاب عدة مرات إلى أماكن وجود الصرافات القليلة جدا وبسيارات أجرة لتحصيل رواتبهم القليلة والتي تفقد أجزاء منها كبدل للتنقل.
الجميع مستاء، لكنه يختار الصمت، ويحاول لوم الآخرين، لا بل الانتقاص منهم وربما إهانتهم، لكسب شعور واهم بأنه أرفع منهم مستوى والحقيقة هي عملية هروب كي لا يعترف بأن الذل يجمع بينهم بوثاق متين.

معارك الشارع
لا وسائط نقل يوم الجمعة، يمر الوقت بطيئا. سميحة وأطفالها الثلاثة على موقف الحافلات، اتصلت أمها لتستعلم عن سبب تأخرها، تجيب سميحة ما في باصات! يرد والدها يوم الجمعة هو يوم عطلة للباصات الكبيرة، تصمت سميحة سأنتظر سرفيس إذن، يبكي ابنها الصغير ويصرخ: جوعان، تحاول تهدئته وتعده بفطور طيب عند جديه، من بعيد يلوح بالأفق ظل سرفيس، تحمل سميحة ابنها الصغير، تصرخ بابنتها الكبرى وتقول لها: “دغري طلعي واحجزي مقعدين”. يصل السرفيس، يفتح رجل الباب ويرمي الطفلة على الأرض بجسده الضخم، يدخل شاب إلى السرفيس عبر النافذة، تبكي سميحة، تشتم الرجل الذي كان سببا في وقوع ابنتها، يتعاطف معها أحد الركاب، يحاول مساعدتها في دخول السرفيس، يصاب رأس ابنها بباب السرفيس وهي تصعد، يبكي الطفل بشدة، لا مقاعد في السرفيس، البنت تبكي والطفل الصغير يبكي والطفل الأوسط يبكي بعد أن ملأه الخوف وشعر بالضياع. امرأة تشتم سميحة وتقول لها: “ليش عم تخلفوا ولاد يا مجرمين”. رجل يقول لسميحة: “معك 3 ولاد وطالعة لحالك تتبهدلي بالسرفيس. خذي تكسي أو انضبي ببيتك”.
الشاب الذي حجز مقعدا لصديقتيه عبر دخوله من النافذة، يشتم سميحة قائلا: “روحتي علينا السيران ورفيقاتي ضلوا تحت”. ويأمرها بمغادرة السرفيس بعد أن رفض جلوسها على المقعد المحجوز من قبله.
ترفض سميحة المغادرة، تجلس وأطفالها الثلاثة على أرضية السرفيس المعدنية، وتبكي، ليس بوسعها سوى توجيه مزيد من الشتائم للجميع، ودعوات بالموت لها ولهم، تنطق بالعبارة الشعبوية المشهورة: “منستاهل كل شي عم يصير معنا! لأنو ما منحب الخير لبعض”.
الكل وجه الاتهامات للكل، لا أحد سأل عن سبب قلة السرافيس بسبب نقص المازوت، أو طول انتظار السائقين على محطات الوقود، أو اهتراء الحافلات والباصات وتعذر تأمين السيولة الخاصة للتصليح، لا أحد سأل سميحة عن رغبتها أصلا بإنجاب ثلاثة أطفال خلال ست سنوات زواج.
فقط وبسبب الحاجة لوسيلة نقل تحولت سميحة وأطفالها إلى عدوة للجميع، الكل أدانها والكل حملها وحدها مسؤولية تأخره أو عدم راحته، وقد يحملونها المسؤولية الحصرية عن أزمة المواصلات برمتها.
يتصاعد خطاب العنف المقنّع وكأنه غير مرأي وغير ملموس وغير ذي أثر، تتوه بوصلة المسؤولية، ويتحول المجني عليه إلى جاني ومذنب، تتضخم الرغبة في معاقبة الأضعف لأنه لا يمتلك أية وسيلة للدفاع، والأهم أن خطوط التوصيف واهية وباهتة، يغرق الجميع في دائرة عنف معمم ومقبول وموجه، بل ومطلوب منه أن يتعاظم حتى الإهلاك المعنوي والجسدي والمعيشي والقيمي.