الحزن يكوي قلوب امهات ادلب

الحزن يكوي قلوب امهات ادلب

“عيدي الحقيقي حين يعود ولدي من ظلام سجنه سالماً، وتراه عيناي قبل أن أموت”. بهذه الكلمات عبرت عائشة القصاص (46 عاماً) من مدينة معرة مصرين عن حزنها في عيد الأم بسبب بعد ولدها عنها، والمجهول الذي يكتنف مصيره، وتضيف: “كان ولدي في طريقه إلى جامعة حلب العام 2018 حين تم اعتقاله من قبل أحد الحواجز الأمنية، ومنذ ذلك الوقت لا أعرف مكانه أو مصيره أو الحال التي آل إليها، إن كان حياً أو ميتاً، فكيف للفرح أن يعرف طريقاً إلى قلبي!”
وتشير الأم أنها وقعت فريسة للهموم والأمراض بعد اعتقاله، فهو لا يغيب عن ذهنها لحظة واحدة، وتضيف: “كان حنوناً وطيباً، يحتفي بي في هذه المناسبة، ويقدم لي الهدايا، ولكن ليته يعلم أن رؤيته هي أعظم هدية بالنسبة لي على الإطلاق .”
ويكتسب عيد الأم رمزية كبيرة لدى السوريين من خلال اجتماع العائلة حول الأم للاحتفاء بها، لكن الحزن يخيم على الكثير من الأمهات في إدلب شمال غربي سوريا بسبب بعدهن عن أبنائهن الذين غيبهم الموت أو الاعتقال أو اللجوء، فلا تكاد تخلو أسرة من أم ثكلى، ليصبح العيد بالنسبة للأمهات يوماً لتذكر الأبناء المبعدين والبكاء على فراقهم، والحنين والشوق لرؤيتهم .
سوسن حاج قدور(51 عاماً) من مدينة إدلب، تفتقد في عيد الأم أبناءها الذين أبعدهم عنها اللجوء. وعن معاناتها تقول: “بالرغم من أنني أم لأربعة أبناء، أعيش مع زوجي لوحدنا بعد أن تفرق أبناؤنا، فاثنان منهم يعملان في تركيا، وابنتي مع زوجها وأولادها في لبنان، وولدي الأصغر في ألمانيا، ولا يمكنني الاجتماع بهم ورؤيتهم إلا عبر الهاتف .”
وتشير حاج قدور أنها تنتظر هاتفاً من أولادها في عيد الأم، وتراه يحمل لها بعض الفرح والمواساة، لكنه بالتأكيد ليس كافياً مقارنة بلمة العائلة وفرحها في مثل هذا اليوم كما اعتادوا سابقاً .
جميع الأعياد من المنسيات لدى منى الدياب (49 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم قريب من الحدود السورية – التركية، بعد أن فقدت ولدها الأكبر في الحرب السورية، وتقضي عيد الأم بالبكاء والذكريات، ولا يسعها إلا الدعاء له بالرحمة، ولقلبها بالصبر والتحمل، وعن معاناتها تقول لصالون سوريا وهي تحتضن طفله الوحيد وتقبله باعتباره الذكرى التي تبعث في نفسها الصبر على فقدانه: ” كان ولدي في السوق الشعبي لمدينة معرة النعمان حين تعرض للقصف بالطيران الحربي عام 2019، فأصابت إحدى الشظايا ولدي وأودت بحياته”. وتؤكد أنها محرومة حتى من زيارة قبره، وتردف: “كنت أقضي عيد الأم بزيارة قبره، لكن النزوح يمنعني من ذلك اليوم”.
كذلك أفرزت الحرب جيلاً من الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم في الحرب، وحرموا من الحنان باكراً، يشتاقون إلى حضن الأم ودفئها، وفلا يجدون ملاذاً سوى الاحتفاظ بصورة لها، أو زيارة المقابر، ليستعيدوا الذكريات الجميلة وآهات القلوب.
رؤى العبسي (15 عاماً) من مدينة سرمين، تقضي يوم الأم مع أختها التي تصغرها بثلاثة أعوام بزيارة قبر أمهما، وتزيين قبرها بالورود والأزهار، وعن ذلك تقول: “لم يعد لعيد الأم مكاناً في هذا البلد الذي أنهكته الحرب .” وتضيف، وهي تغالب أوجاعها التي بدأت تظهر دموعاً على وجنتيها، ومستعيدة لحظات ستبقى في ذاكرتها: “فقدنا أمنا مع أخينا الصغير منذ ثلاث سنوات بإصابة حربية، وفقدنا معهما الحنان والسعادة في هذه الحياة .”
وتقبع الكثير من الأمهات في مخيمات النزوح، ليكون التحدي الأكبر لهن هو جمع شمل العائلة، بعد استبدال البيت بخيام متهالكة، يقاسين فيها كدر العيش والحرمان من أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.
الطفلة نور البلاني (12سنوات) نازحة من مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي تقول بمناسبة عيد الأم: “كنت قبل النزوح أقوم مع أخوتي الخمسة بتزيين المنزل وإعداد الحلوى احتفالاً بعيد الأم، لذا نشتاق لتلك الذكريات الجميلة ونحن نعيش في هذه الخيمة الباردة”. وتضيف: “رغم النزوح والظروف المعيشية القاسية التي نعيشها، سأقدّم لأمي في عيد الأم وروداً، لا أملك المال لأشتريها ولكني سأقطفها من الحقل المجاور، وأقول لها كل عام وأنت بخير في عيدك .”
المرشدة الاجتماعية نور الكيالي(36 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث لـ “صالون سوريا” عن معاناة الأمهات السوريات بقولها: “يوم الأم الذي يحتفل به السوريون في 21 من شهر آذار من كل عام، هو مناسبة اجتماعية تجمع العائلة في أجواء حميمية، لكنه في ظل الحرب لم يعد مناسبة للفرح، لما عانته الأمهات وتعانيه من مصاعب وويلات وفقدان، حيث أصبح مجرد ذكرى وتمنيات بملاقاة الأبناء بعد فراق .وتبين الكيالي أن الكثير من الأمهات السوريات يعانين من الأحزان بسبب البعد عن أبنائهن المعتقلين أو المهجرين فلا تداوي جراحهن احتفالات ولا تخفف من آلامهن هدايا. وتلفت أن وسائل التواصل الاجتماعي غدت تؤدي دوراً في اختصار كثير من المناسبات الاجتماعية والدينية، وتقتصر على إرسال المعايدات والتهاني بطريقة إلكترونية خالية من المشاعر والعواطف .
وتشير الكيالي إلى ضرورة تقديم الدعم والرعاية لكافة الأمهات، وخاصة أمهات الضحايا والجرحى والمعتقلين كأقل واجب يمكن تقديمه، كما أن إرضاءها وطاعتها والامتثال لأوامرها وتقديرها، هي واجب الأبناء تجاهها، ومحاولة رد الجميل لها قدر الإمكان، وخاصة عندما تكبر في السن .
يطل العيد حزيناً على الكثير من الأمهات السوريات اللواتي يعشن تحت ركام هائل من الهموم والآلام والحسرات، يغالبن قهر البعد عن الأبناء والمنازل، وقسوة الحرب التي أطاحت بشباب سوريا وأفراح أهلها .

سوريا… دون عقول

سوريا… دون عقول

يتدفق الاستنزاف السوري للكفاءات والعقول، مع تزايد الطلب للهجرة، حيث باتت البلاد شبه فارغة من طاقاتها التي من الممكن أن يعوَّل عليها مستقبلاً للتعافي من آثار الحرب، في ظل تعامٍ حكومي مريب عن أهمية هذه الموارد البشرية والفكرية؛ بل بالعكس من ذلك، تنتهج الحكومة سياسة “التطفيش” مع عجزها عن تأمين الخدمات الأساسية والوظائف والدخول الكافية، ورعيها لعملية فساد منظم في كل قطاعات البلاد، في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة، خاصة مع الاستنقاع السياسي الحاصل، وغياب الأفق بأي تغيير أفضل في بلاد تحكمها احتلالات متعددة وتداعيات أمنية ومالية وعصاباتية كثيرة، كانت كفيلة بانهيار الأحوال المعيشية للسوريين بشكل دراماتيكي، لتصل نسبة الفقر الى 90%، وليعاني 60% من السوريين من انعدام الأمن الغذائي وفقا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول تمديد آليات المساعدات الإنسانية العام الماضي، “وحتى هذه اعتادوا أن يصلهم منها الجزء الشحيح والردي بعد دخولها في دوائر الفساد”.
حاملو الشهادات هم أكثر من يفكر بالهجرة، فهم يقارنون أنفسهم بمن هاجر منذ بداية الحرب، أو في الموجة الثانية للهجرة 2015، نادمين على تمسكهم ببلدهم، وقد تحولت حياتهم فيه إلى غربة، واغتراب عن أعمالهم. يقول حسام، وهو مهندس مدني، “بمرور الوقت تحولت إلى كائن غرائزي، همه كيفية تأمين الأكل والشرب في دوامة لا تنتهي على مدار ساعات اليوم، وصرت مجرد رقمٍ في طابور الخبز والمحروقات والسكر والرز والصرافات، وممزقا بين عملي الوظيفي صباحاً وعملي كمحاسب في مطعم مساء لتأمين قوت عائلتي… كيف تدرس ابنتي الجامعية بالبرد والعتم، وماذا ينتظر أولادي بعد تخرجهم؟ فقط أنتظر سعراً معقولاً لمنزلي يكفي تكلفة السفر”.

اكثر تضررا
قطاعا الصحة والتعليم هما الأكثر تأثراً بهجرة الكوادر العلمية؛ فتدني الأجور هو أحد الأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهجرة، بحثاً عن مستوى معيشي أفضل يتناسب مع مؤهلاتهم. ووجهتهم الخليج أو أربيل أو الصومال أو الدول الأوربية؛ فالأطباء السوريون في ألمانيا مثلاً، من غير الحاملين للجنسية الألمانية، يزيدون على 5200 طبيبة وطبيب، وهو أكبر عدد بين الأطباء الأجانب، وفقا لإحصائية أجرتها نقابة الأطباء الألمانية عام 2021 .
الكارثة الأكبر على الصعيد الطبي هي النقص الحاد في أطباء التخدير، وقد دقت رئيسة رابطة التخدير في نقابة الأطباء، زبيدة شموط، في تصريح لجريدة “الوطن” أواخر 2021، ناقوس الخطر، حول الاستنزاف الكبير في أعداد أطباء التخدير، فعددهم بات 500 طبيب تخدير، بينما تحتاج البلاد إلى أكثر من 1500. والمتواجدون هم في سن 55الى 65، ولا يوجد سوى ثلاثة أطباء تحت سن الثلاثين. يتم التعويض عن هذا النقص بممرضين، بينما وجود طبيب التخدير أساسي في أي عمل جراحي، ما يزيد الخطورة على حياة المرضى.
70 بالمئة من خريجي طب الأسنان الجدد يهاجرون، حسب تصريح لنقيب أطباء الأسنان في اللاذقية، طارق عبد الله، إلى صحيفة البعث مؤخراً. يقول جورج، وهو طبيب أسنان، “إن الحكومة تفرض الضرائب العالية على مستلزمات المهنة، في ظل تدهور الوضع المعيشي، وصعوبة العمل مع انقطاع الكهرباء وغلاء كلفة البدائل… إنها ترى عملنا مجرد مهنة تجارية، وليس حاجة إنسانية”.
قبل الحرب والأزمة السورية، وعلى مدى عقود، كانت جامعاتنا تعاني من غياب منظومة البحث العلمي والابتكار، وتدني نسبة الإنفاق على التعليم العالي، وعدم تناسب المستوى العلمي والمعرفي للكفاءات مع مستوى التطور التقني والاقتصادي، و تدني الدخل، وتوغل البيروقراطية والمحسوبيات، مما شكل دافعاً لهجرة الكثير من الكفاءات في السابق. وهذا ازداد سوءاً خلال الأزمة السورية، وانعكس على نوعية التعليم بشكل عام. فقد أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في عام 2016، خروج سورية من مؤشر جودة التعليم، لعدم التزامها بمعايير الجودة في التعليم، حسب مركز دمشق للدراسات والأبحاث “مداد”.

أسباب نفسية
خسر التعليم العالي حوالي 20 في المئة من أعضاء الهيئة التدريسية في مختلف الجامعات بسبب الهجرة، بحسب تصريحات وزير التعليم العالي السابق، عاطف النداف، عام 2017، وقد عزا هذه الظاهرة إلى “أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية مرتبطة بالظروف الراهنة،” خاصة مع انخفاض الأجور. ووفقاً لأستاذ بجامعة البعث “إذا رغب الأستاذ بشراء مرجع أجنبي لتطوير معارفه فهو يحتاج مبلغاً يعادل راتبه الشهري إضافة إلى القيود البيروقراطية في منح الموافقات وتدني أجور التأليف، هذا اذا لم نتكلم عن أجورنا الشهرية”.
استبدل طلاب الجامعات أحاديثهم عن التنافس والتحصيل العلمي على مقاعد الدراسة، بأحاديث عن الطرق المتاحة للهجرة، في ظل التراجع في جدوى التحصيل العلمي؛ يحلم أحمد، وهو طالب علوم، بالهجرة: “لا أريد أن أمشي على خطا والدي الجامعيين في حساب وتقنين ما تبقى من رواتبهما الشحيحة، منذ الأيام الأولى من الشهر. بينما يقول علاء، خريج معلوماتية في الثلاثين من عمره، “تسرب مستقبلي من بين يدي بعد سنوات الاحتفاظ بالخدمة الإلزامية؛ أنا الآن عامل في مطبعة خاصة، نسيت مصطلحات البرمجة التي كانت فيما مضى تضيف هالة على حضوري، بت أخجل من نفسي ولا بد من الرحيل”.
يعاني كثير من السوريين من مشكلة تأمين تكاليف الهجرة؛ فبعد أن يئست سناء، خريجة الفنون الجميلة، من إيجاد فرصة عمل جيدة، اتبعت دورات مهنية في فن الوشم، وبدأت تعمل في هذا المجال الذي يدر عليها دخلاً يضاعف ما يجنيه والداها الجامعيان، تريد السفر إلى دبي، لتعمل في هذا المجال، وتجمع المال اللازم لإكمال دراستها في إحدى الجامعات الأوربية، حيث تجد احتراماً للفن.
تغيب الأرقام الرسمية لأعداد الشباب المهاجر، لتبقى الإحصاءات محصورة بتقارير المنظمات الدولية ودراسات مستقلة. أكدت دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد)، بعنوان “هجرة الكفاءات والعقول السورية نزيف تنموي مستمر”، أن الموجة الكبيرة من الهجرة واللجوء إلى خارج سوريا منذ 2011، شملت لأول مرة شباباً وأطباء ومهندسين وعلماء وفنانين وأساتذة جامعات، وأكثر من 900 ألف سوري استقروا في ألمانيا حتى العام 2017، 40% منهم من أصحاب المؤهلات العلمية العالية، إضافة إلى أعداد أقل اتجهت إلى بقية البلدان الأوربية، والولايات المتحدة، وكندا.

خراب
وذكرت الدراسة أن التقديرات الصادرة عن النقابات المعنية تشير إلى هجرة نحو ثلث الأطباء وخمس الصيادلة (أي 33% و 20% على التوالي)، اما اساتذة الجامعات ومن مختلف الكليات فقد بلغ 1220 أستاذا ، ويقدر عدد المهندسين بـ 8521 مهندسا على تنوع تخصصاتهم، وحملة الإجازة الجامعية (المجاز) تجاوز 21480، وهناك أعداد كبيرة جدا من الوافدين السوريين الى الجامعات العالمية للحصول على درجات الماحستير والدكتوراه وتقول الإحصاءات ان 70% منهم لن يعودوا الى سوريا.
كما استطلعت دراسة لمعهد بحوث العمالة (IAB)، والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، والمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW برلين) الكفاءة العلمية للاجئين السوريين الذين تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء في ألمانيا ما بين 2013-2016، وخلصت إلى أن 40% حاصلون على الشهادة الثانوية فما فوق، و22% حاصلون على الشهادة المتوسطة.
ليست الحرب وما تبعها من خراب هي الدافع الوحيد لهجرة العقول السورية، أورد الباحث السوري، محمد جمال باروت، أن سوريا تصنف من البلدان الطاردة للكفاءات العلمية، وتحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي بنسبة 2.3% للمؤشر المتدرج من 1 حتى 7 حسب التقرير العربي عن المعرفة لعام 2009. وقدرت دراسة لخبراء الهجرة والتنمية في الأمم المتحدة نسبة هجرة الكفاءات ومن هم في طور الكفاءات وفق مؤشر مستوى التعليم بأكثر من ثلاثة أخماس المهاجرين السوريين الى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لعام 2000
وحسب مصادر الجمعية الطبية العربية الأميركية، إن عدد الأطباء السوريين في الولايات المتحدة الامريكية يفوق 6000 طبيبا من أصل 15 الف طبيب عربي، و 18 ألف طبيب مقيم في ألمانيا من أصل عدد الجالية السورية المقدرة ب 59 ألفا عام 2008. ولا تشمل الاحصائيات السابقة الكفاءات العلمية التي هاجرت إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث كانت تحدث هجرات نوعية للنخب العلمية بعضها لبضع سنوات.
لن تتوقف هجرات العقول السورية، ليضاف “طابور” الانتظار على أبواب دوائر الهجرة والجوازات إلى “طوابير” اعتادوها مكرهين عله يكون الطابور الأخير قبل الخلاص. لكن، رغم الأمان الذي يتحدث عنه اللاجئون و “العيش الكريم” خاصة في الدول الأوروبية، فإن اختلاف الثقافة واللغة والنظام بين البلدين، إضافة إلى جائحة كورونا، أثرت على اندماج اللاجئين في المجتمع و سوق العمل، ما يعني ضياع سنوات من حياتهم دون العمل في اختصاصاتهم، لضرورة تعديل مستوى التعليم. يضاف إلى ذلك فترة زمنية ليست بالقصيرة للتدريب على العمل، مع تأخر سوريا في هذا المجال، وهذا يضيف صعوبات أخرى وخاصة للاجئين من الفئات العمرية الكبيرة.
تحاول الحكومة الاستثمار في ملف اللاجئين، بعقد “مؤتمرات لعودة اللاجئين ” بدعم وتنظيم روسي، لترسيخ قناعة أن “سوريا آمنة”، الأمر الذي تنتج عنه مكاسب سياسية، للشروع بعملية إعادة الإعمار، في قطاعاته الريعية، واستغلال عقودها المربحة عبر شبكاته وأذرعه الاقتصادية داخل وخارج سوريا، متجاهلة أهمية الكوادر البشرية المدرّية والكفؤة، في ظل تعاميها عن موجات الهجرة التي حدثت وستحدث، والتي ربّما تحول سورية إلى دولة كهلة سكانياً. وبالتالي مواجهة نقص الكفاءات والإفادة منها عن طريق استيراد الكفاءات الغربية بتكلفة كبيرة؛ في دراسة للباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف، أكد أن هجرة الكوادر تعدّ الخسارة الأكبر، لكونها شكلت نزفاً مركباً للاقتصاد الوطني يصعب تعويضه قريباً، إضافة إلى الوقت والمبالغ الهائلة التي تحتاج إليها لإعادة تأهيل كوادر جديدة. وتقدر الدراسة تلك الخسائر لنهاية 2016، بـ40 مليار دولار.

اللاجئ
صرح مسؤول هولندي مؤخرا ان “اللاجئ السوري أفضل استثمار حصلنا عليه خلال هذه المرحلة “؛ فحوالي ٢٥٠٠ طالب سوري في الجامعات الهولندية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، من عدد أبناء الجالية، والذي يقارب المئة ألف، ونصف الجالية هم تحت الثامنة عشرة. أما الطلاب الذين سجلوا في المعاهد التطبيقية فيكاد يصل إلى ضعف هدا العدد. وقد دخل مجال العمل الأكاديمي نحو أربعين شخصا ما بين باحث وأستاذ جامعي وطالب ماجستير، وأطباء الأسنان بدؤوا بفتح عياداتهم، وأكثر من ١٠ بدؤوا العمل من بين ٧٠ طبيبا…وحصل عدد من الأطباء على فرص عمل في أهم المشافي، أو هم في طور التعديل، وكذلك عدد من الصحفيين.
فيما تسعى بلدان و مجتمعات إلى التسابق في حيازة المعرفة وتوظيفها، وصولاً إلى القيمة المضافة العالية الناتجة عن الاستثمار في الذكاء الإنساني ومناجم العقول، بوصفهما ثروة لا تنضب، وأن يكون الإنسان وسيلة للتنمية وغاية لها في آنٍ معاً؛ فإن الحكومة السوريّة تسابق الزمن في هدر الطاقات الإنسانية وشل عقولها، ليصبح حال السوريين في الداخل أشبه بتعليق للكاتب السوري محمد الماغوط على المجموعة القصصية “النمور في اليوم العاشر” لزكريا تامر: “كنا ندرس يا أولادي من قبل، كيف يتطور المخلوق البشري في مناطق كثيرة من قرد إلى إنسان. والآن سندرس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسان إلى قرد. وأهله وحكامه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون”.

ورشة تدريب صالون سوريا

ورشة تدريب صالون سوريا

أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة للنزاعات والنوع الاجتماعي، خصصت للصحفيين/ات السوريين/ات المقيمين/ات داخل سوريا وخارجها.

شارك في الورشة صحافيون/يات من دمشق، ادلب، القامشلي ومدن اخرى وخارج سوريا. وساهم في التدريب صحافيون/يات واكاديميون/يات، من دمشق وخارج سوريا.

بسبب الظروف الصحية الراهنة، عقدت الدورة التدريبية أونلاين عبر تطبيق “زوم”، قسمت على ست جلسات خلال ثلاثة أيام، بين 11 و13 آذار/مارس 2022

تناولت الجلسات اساسيات الصحافة، التعامل مع المصادر أثناء النزاعات، الفرق بين الصحافة المكتوبة والمرئية، وحساسيات النزاعات، إضافة لجلسات حول الموضوعية والحساسية للنوع الاجتماعي وطرح قضاياه.

ادار هذه الجلسات مجموعة من الصحفيين/ات السوريين/ات المتخصصين/ات بهذه القضايا، وستتاح الفرصة للصحفيين/ات بعد التدريب للنشر مع موقع “صالون سوريا” كصحفيين/ات، وهناك فرصة المتابعة مع المدربين/ات لتطوير مهاراتهم/ن الصحفية.

ألوان كردية في الجزيرة…دون خوف

ألوان كردية في الجزيرة…دون خوف

بثياب كردية تقليدية مزينة بالألوان والحلي وعلى وقع موسيقى ونغمات تراثية قديمة، تنتظر فتيات في غرفة جانبية قبل الخروج الى المنصة لعرض لباسهنّ أمام الحاضرين في قاعة بمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.
حرصت الفتيات على الابتسامة أمام عدسات الكاميرات في حفل بمناسبة يوم “الزي الكردي القومي”، وهذه السنة الثانية التي يحتفل بها أكراد سوريا في هذه المناسبة على غرار أكراد العراق الذي يحييونها منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويحتفل الأكراد في 10 من شهر مارس (اذار) من كل عام بيوم الزي الفلكلوري قبل عيد نوروز في 21 من الشهر نفسه، بعد عقود طويلة من التهميش والحرمان من جهة أحياء أعيادهم القومية وارتداء زيهم التقليدي والقراءة والكتابة بلغتهم الأم، جراء “سياسات عنصرية” وصلت ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما منع الأكراد من اظهار تراثهم المادي والتحدث بلغتهم في المؤسسات والدوائر الحكومية.

خصص المصور الشاب رودي تحلو صفحاته وحساباته على منصات التواصل الاجتماعي بعرض سلسلة ومجموعة من الصور للملابس الكردية. ويقول لـ “صالون سوريا” بأن بداية شهر الربيع من كل عام ايذاناً لبدء أعياد شعوب المنطقة والى جانب عيد “نوروز” في 21 من مارس، يأتي عيد “آكيتو” في 1 من أبريل القادم الخاص بالشعب السرياني الآشوريي، ثم عيد “الأربعاء الأحمر” الذي يحتفل به أبناء الطائفة الإيزيدية باليوم ذاته، ليقول: “حيث يمثل الزي الفلكلوري في المنطقة هوية متنوعة تبرز جماليات شعوب المنطقة والتقاطعات الجمالية فيما بينها”.
ويحرص سكان المنطقة من ارتداء الزي التقليدي، رجالا ونساء وأطفالا من الشعب الكردي والعربي والتركماني وأبناء الطوائف المسيحية والأرمنية، وتتسم الملابس بالألوان الزاهية التي تمتاز بها الأزياء الكردية عموماً والنسوية خاصةً، التي تحاكي الطبيعة الكردستانية المستمدة من المناطق الجبلية، بحسب الخبير والباحث الكردي صالح حيدو الذي نقل بأن كل مدينة وبلدة من مناطق التواجد الكردي بسوريا وتركيا والعراق وإيران؛ لهم زيهم التقليدي يتميز عن غيره يلائم ويحاكي طبيعة تلك المنطقة، لكنك تجد نفسك أمام لوحة فنية وتحفة نادرة.
ويضيف حيدو الذي ينحدر من بلدة عامودا السورية لـ “صالون سوريا” بأن زي المرأة الكردية لدى العشائر والقبائل الكردية بسوريا وبخاصة الكيكان والملان في بلدات الدرباسية وعامودا والقامشلي يشبه طائر الحمامة، «”كون ربطة الرأس عند عشيرة الكيكية تشبه طائر القُمري، والقماش المفضل في الغالب من نوع الشال الصوفي المزهر بكافة الألوان والكول مصري مع القديفة”، أما ملابس الرجل تتشابه في التفصيل يغلبها طراز النمر وطاقيته المخروطية البيضاء تشبه ثلج قمم جبال كردستان، ليضيف: “أما عمامته المزركشة والملونة تدل بمعانيها على ربيع وورود وأشجار وجبال كردستان وألتوآته المتعرجة، فالزي مستوحاة من طبيعة المنطقة التي يعيشون فيها”.

وشاركت ميديا ذات الثلاثين عاماً والمتحدرة من القامشلي وتعمل إعلامية في إذاعة كردية محلية في العرض، وقالت: “قبل العام 2011 وانطلاقة الثورة السورية لم يكن باستطاعتي أن أقول إنني كردية، اما الآن فالوضع مختلف لأني أرتدي ملابسي الكردية وأتحدث لغتي الكردية، وأمشي بحريتي بالشوارع ومراجعة الدوائر الحكومية”.
بينما كانت تردي عارضة ثانية كلناز ثوبا أبيض اللون أكمامه طويلة ومتدلية وفوقه قفطان أسود مطرز بخيوط ذهبية نافرة، وتضع على رأسها وشاحا طويلاً ابيض اللون أيضا، أما زميلتها سولنار لبست فستاناً اسود وعباءة زرقاء وربطة رأس تزينها بسلسلة وقلادة ذهبية، وقالت في حديثها: “أيام حزب البعث الحاكم كنت أخشى القول بأنني كردية لكن اليوم هذه تجربتي الأولى كعارضة وهي فرصة لمواجهة التهميش وتعريف المجتمع والعالم بالزي الكردي”.
ونقل المصور رودي تحلو بإن التراث واللباس الفلكلوري لافت للنظر ويجذب الجميع ويتابع حديثه ليقول: “لأنه يحمل قيمة معنوية كبيرة للشعب الكردي، فمن الناحية البصرية يضم أزهى وأجمل الألوان ما يجعل منها لوحة تشكيلية، ويبدو جلياً في عيد نوروز نظراً لاهتمام الناس بشكل أكبر”، مشيراً الى إنّ التقاط الصور واختيار الشخصيات كانت بالتعاون مع مؤسسة الثقافة والفن التابعة للإدارة الذاتية المحلية، ومؤسسة الهلال الذهبي في تحديد اللباس الفلكلوري وإجراء جلسات التصوير، وأضاف: “فالعمل بالتوثيق للتراث المادي وجمالياته لتعزيز التمسك بالهوية الثقافية، كما تنشر المحبة بين سكان المنطقة وتساهم بشكل مباشر في التماسك المجتمعي وتعزيز التمسك بالهوية الثقافية”.

يشكل أكراد سوريا نحّو 12 في المائة من التعداد السكاني العام (23 مليون نسمة)، ومنذ إعلان الإدارة المدنية بالعام في مناطق سيطرتهم شمال سوريا، باتوا يحتفلون سنوياً في العاشر من مارس بيوم الزي الكردي ويحييون احتفالات عيد نوروز علانيةً.
ويشرح حيدو تفاصيل الملابس الكردية التقليدية حيث تكون عمامات الرأس لدى أهل مهاباد الكردية في إيران والسليمانية وهولير بإقليم كردستان العراق غالباً تضع النساء طاقية مطرزة ومزركشة بألوان زاهية ومزنرة بقطع نقدية من الفضة وحلي الذهب، وحيدو الذي يمتلك ألاف الصور وألبومات للثياب القديمة والتراثية لتوثيق التراث المادي، أوضح بأن مناطق أبناء قبيلة الكوجر شمال شرقي سوريا وشمالي العراق: “تمتاز بالثوب أو الفستان الهاوليري وشدة الظهر الصفراء، وفي منطقة عفرين الكردية بسوريا تكون الطاقية المرعشية والباشناق الفضية والفستان الكردي”، وتكون عين العرب (كوباني) السورية الزي المذكور أعلاه: “ذات طابع يدوي الصنع يغزل خيوطه بالنول أو الدولاب ومزركش بالألوان مع الحلي من ذهب وفضة”.
وكانت خياطة الزي الكردي في السابق محظورة وفي المدن ذات الغالبية الكردية شمال شرقي البلاد كانت محدودة للغاية، وكان يلجأ اغلب الخياطين الذين يفصلون الثياب التقليدية يخيطونها في المنازل بدلاً من المحال بعيدا عن أنظار الأجهزة الأمنية؛ أما اليوم باتت علنية تصل ذروتها في شهر مارس، وتحديدا احتفالات نوروز، وهو العيد الذي يحرص فيه الاكراد على ارتداء لباسهم التقليدي وتتزين واجهات المتاجر فيه بالأقمشة والأثواب الملونة والمطرزة، ويقول الخياط والمصمم شمال سينو المتحدر من بلدة الدرباسية الواقعة أقصى محافظة الحسكة وتحاذي الحدود التركية، بأنهم لا يتوقفون عن العمل جراء زيادة الطلب، حيث نخيط حوالي مئة فستان وقطعة شهرياً، بعدما لم نكن نخيط أكثر من 10 قطع في أفضل الأحوال سابقاً قبل 2011″.
غير أن غطاء الرأس يلعب لدى السيدات والفتيات دوراً رئيسياً في مظهر اللباس حيث تربط مناطق الكيكان الرأس بـهبرية زرقاء (غطاء رأس محلي) بحسب حيدو، ولفت حيدو قائلاً: “أما مناطق الملان يربطون الرأس بـهبرية ملونة، ومناطق عفرين يربطونه بكوفية فوق طاقية المرعشي يتدلى فوقها باشناق فضية، وكوباني يربطونه بكوفية كبيرة وتاج فضي”.
جدير ذكره إن المصور رودي تحلو يشارك في معرض «سوريا ضد النسيان» الذي سيقام في الفترة ما بين 9 و11 من شهر يونيو (حزيران) القادم، في متحف ثقافات الشعوب في مدينة كولونيا الألمانية، بإشراف الاثاري والكوراتور جبار عبد الله، والمعرض يتناول سوريا تاريخياً والحياة اليومية ويشارك الى جانب تحلو؛ المصور الضوئي من اليابان (Megumi Yoshitake) والالمانيان بيكا بوريس ولوتس يكيل، ومن فرنسا يان آرثوس بيرتراند، والتشكيلي المعاصر الفنان أبو صبحي التيناوي، والفنان صالح الهجر بلوحاته عن الخط العربي.

الحرب السورية تُفاقم “تلطيش” النساء…ومعاناتهن

الحرب السورية تُفاقم “تلطيش” النساء…ومعاناتهن

تداول ناشطون على صفحاتهم “الزرقاء” عبارات و”تلطيشات” تطلقها نساء سوريات تعكس الحالة التي بتن عليها بسبب ظروف الحرب، والضائقة الاقتصادية والخدمة العسكرية الطويلة الخاصة بالشباب، وعدم قدرة الجميع على تأمين متطلبات الحياة الأساسية، فكيف بالشباب المقبلين على الزواج، رغم قلة أعدادهم، بسبب الحرب والهجرة.
قد تكون “مؤسسة الزواج” الأكثر تضرراً من الحرب، وتأثرها بها هو الأكثر وضوحاً وقابلية للقياس> كتب كثيراً عن موضوع الحرب، وتداعياتها وضحاياها، لكن ثمة ضحايا، أو “مشوهي حرب” ليس بالمعنى الدقيق للكلمة، بل شرائح واسعة من الشباب، دخلت الخدمة العسكرية بعمر 20 عاماً وخرج المحظوظ منها في عمر 30 عاما، وهو خالي الوفاض، يريد السفر أو الهرب خارج الحدود خشية “طلب الاحتياط” مجدداً للجيش. ليس هذا فحسب، فإن بقي، فهو بالكاد يستطيع أن يتدبر أمور حياته، لذلك لا يقوى على مجرد التفكير بالزواج، هذا الأمر أوجد شرائح واسعة من الإناث العوانس وأطلق المجال لـ”تطليشات” من وحي هذا الواقع الصعب.

في كل جملة من “التلطيشات” أو التلميحات ثمة محاكاة لواقع صعب بلسان النساء السوريات، ومعظمها يدور حول الخدمة العسكرية:
• “تقبر قلبي ع الحكيات شو ظراف، عم تخدم إلزامي ولا احتفاظ”.
• “تقدملي وبعملك عرض خاص، بيت وسيارة ولعيونك مشط رصاص”.
• “ماشي ومعو تأجيلو. لك دخيلو ودخيل عشرة من جيلو”.
• “ريتو ما يبلى دفتر التجنيد، طمني تأجيلك دراسي ولا وحيد؟”
الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها سوريا بسبب الحرب ساهمت في ارتفاع نسب الإناث، فأعداد الشباب قليلة مقارنة بالإناث وفي هذا المجال تقول “التلطيشات”:
• “لك تقدملي ودق هالباب، ما كان بدي لطشك، بس ولله ماضل شباب”.
• “إن شاء الله يؤبرني المأجل والمعفى والوحيد، في مجال تجي عند الوالد وتحط الخاتم بهالأيد”؟.
وتقول إيمان (36 عاماً)، وهي من سكان ضواحي دمشق: “توفي خطيبي في معارك ريف دمشق، بقيت وحيدة، وأنا بسن لا يحتمل مزيداً من الانتظار، كان الأمر في غاية الصعوبة”. تتابع: “لذلك قرّرت الزواج من ابن عمي وأسكن مع زوجته وأطفاله في المنزل ذاته، وفي هذا السياق نجد “تلطيشة” تحاكي هذا الواقع.. “دخيل الخمسيني يلي عامل غرّة.. في مجال تنزّلني على ضرّة”؟
ولـ”التفييش” من الخدمة -وهو مصطلح متداول في سوريا، ويعني أن يقوم العسكري بدفع مبلغ من المال لأحدهم، لقاء البقاء في منزله أو عمله- حصة من التعليقات “تقبر عضامي مريش، بخدمتك ولا مفيش”.
وأيضاً لموضوع الاستبعاد من الدعم الحكومي نصيب من التعليقات المزعجة: “يسلملي المهضوم مستبعد ولا مدعوم”.

قد يبتسم أحدنا للوهلة الأولى إذا ما سمع واحدة من هذه العبارات، لكن هذه الابتسامة سرعان ما تختفي ليظهر محلها وجوم، من هول صدمة هذه العبارات وما تخفيه من وجع نساء يصفن حظهن بالعاثر.
يقول “س. م” وهو أحد الشبان الذين بلغوا سن الزواج ولم يتزوج: “لا أفكر حالياً بالزواج، لأن الأمر لا يقف عند حدّ المال فحسب، فأنا عسكري ولا أعرف متى أتسرح من الجيش، وقد أموت غداً فأترك خلفي عائلة مشردة، فأنا في غنى عن هذا الموضوع في الوقت الراهن”.
من جهتها، تقول الاختصاصية بعلم النفس الاجتماعي “سميرة.ن”: “لقد باتت المرأة اليوم تقبل بأي زوج يكفيها مالياً ويشعرها بالحماية، في السابق كانت لا تقبل به”. وتضيف: “هذا يعبر على خلل اجتماعي يحيط بالسوريين، ومعظم حالات الزواج جاءت وليدة للأزمة”، مشيرة إلى أن الأحداث الدامية “فتحت الأبواب أمام زواج القُصّر، إضافة إلى حالات الزواج بزوجة ثانية، ناهيك عن زواج المصلحة الذي لاقى رواجاً خلال الأحداث الأخيرة وكان هدفه السفر إلى إحدى الدول الأوروبية”.

باختصار إن كل ما قيل عن هذا الوجع قد يبدو صغيراً، أو لا يوصِّف الحالة على حقيقتها. فالكثير من الغصة والألم لما تحمله هذه المفردات من مآس وأحزان باتت هي المسيطر على المشهد العام السوري. وبين الألم والحسرة، يبقى السؤال الأهم: هل من مخرج لهذا الوضع الذي طال واستطال؟ مها ابنة الثلاثين ربيعاً تختصر الحكاية السورية بقولها: “أتطلع إلى حياة بسيطة مستقرة مثل سائر البشر في هذه المعمورة، وهو أمر حرمنا منه منذ عام 2011. وتعبر مها عن ذلك بالقول: “أتمنى أن أعيش بسلام واستقرار”. وتضيف: “الظروف السيئة والخوف أصبحت تسطير على كل تفصيلات حياتنا، الأمر الذي يمنعني أولاً من متابعة دراستي بشكل سليم أو حتى التخطيط للأيام القادمة”. وتتساءل بسخرية: “هل أضمن حياتي ليوم غد في هذا الوضع حتى أخطط وأحلم بالزواج؟”.
أمام كل هذا فليس من المستغرب أن نسمع عن حالات انتحار لفتيات لم يبلغن عقدهنَّ الثاني، أو نسمع عن رمي أطفال بعمر أيام في الحاويات أو أمام البيوت أو الجوامع، وهي حالات مستهجنة ولم تكن لتحصل في سوريا قبل الحرب، لكن الأوضاع المأساوية التي باتت عليها غالبية الأسر أكثر من 95 تحت خط الفقر وهي نسبة متفائلة، فالواقع أقسى وأشد مضاضة، والمرأة تدفع الثمن غالياً وخاصة حين تقع بين فكي الفقر، والحاجة إلى زوج.

ملاحظة: الصور للشرح، ولاعلاقة لها بالنص ابدا. مجرد، صورة مرئية، لاتمس شخصيات الموجودين.