بواسطة Muhammad Mustafa Eid | مارس 16, 2021 | Cost of War, Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
لم تكن فاطمة كردي ابنة الأحد عشر ربيعاً تعلم أن هناك على الجانب الآخر من وطنها، أطفالاً يواصلون دراستهم في غرف صفية نظيفة، ويتمتعون بالدفء، دون أن يتسلل البرد إلى عظامهم، ويحظون برعاية أسرهم ومجتمعاتهم، فهي لم تدرك، حتى الآن ماذا يعني أنها تركت المدرسة في سن صغيرة وهي التي ولدت قبل عام واحد من عمر أزمتنا السورية. تحدثنا معها، وكانت أجوبتها بسيطة وعفوية، فتكلمت عن القصف المتواصل الذي طال مناطقها، وأن صوت الطائرة، بات جزءاً أصيلاً ضمن مخيلتها، لا يحمل معه غير صفة الدمار والتشرد. وتسرد فاطمة ذكرياتها بحرقة وألم طفولي، وكيف نزحت مع أسرتها لأكثر من مكان، حتى استقرت في أحد مخيمات أريحا شمال سوريا، وتؤكد بكلماتها المتناثرة بأن توقفها عن الدراسة في الصف الثالث الابتدائي (كما أخوتها الثلاثة الآخرين) لم يكن بإرادتها، بل بسبب الظروف القاسية التي أحاطت بها، فاضطرت مع أخوتها بأن تلتحق بسوق العمل في سن مبكرة، لتساعد والدها. فعملت عند أصحاب الأراضي الزراعية في المنطقة التي تقطن بها، ورغم ابتعادها عن جو الدراسة، ما يزال لدى فاطمة حلم بامتلاك حقيبة مدرسية ودفتر وألوان، لكي تواصل دراستها كأقرانها ممن هم بعمرها. لكن يبدو أن الكارثة التي ألمت بسوريا، صنعت أطفالاً مشردين مسلوبي الحقوق والإرادة ، يعانون مرارة الحرمان والقهر.
إن الأرقام التي ترشح عن منظمات دولية وإقليمية ومحلية، لظاهرة الطلاب المتسربين من المدارس أو التلاميذ غير الملتحقين بالمدرسة أساساً، تدعو للقلق، وتعطي صورة قاتمة لمستقبل هذه الشريحة الهامة ضمن المجتمع السوري. ووفق إحصائية صدرت عن منظمة اليونسف لعام 2019 تخص الجانب التعليمي للأطفال من هم في سن التعليم، فقد قدرت المنظمة الدولية عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة بأكثر من 2.4 مليون طفل، منهم 40 في المائة تقريباً من الفتيات، وهذه الأرقام لم تبق على حالها، بل ارتفعت، نتيجة تأثير جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سوريا، بينما تغيب عن الأطفال القادرين على الالتحاق بالمدارس، المرافق الرئيسية، كانعدام شبكات الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة والتهوية. كما لا يقتصر التعليم على المدارس المنشأة، بل ظاهرة التعليم في الخيام باتت منتشرة بكثرة في مناطق المخيمات بعد الدمار الهائل الذي لحق بالمنشآت المدرسية، نتيجة الحرب السورية الدائرة منذ أكثر من عشرة أعوام.
وفي تحقيقنا الاستقصائي ستتمحور عينة البحث على منطقة الشمال الغربي السوري (إدلب وريفها) وتسليط الضوء على واقع ظاهرة الطلاب المتسربين من المدارس في هذه المناطق، بعيداً عن المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري التابعة إداريا لمحافظة إدلب، حيث تعيش منطقة الشمال الغربي السوري ظروفاً صعبة من حيث غياب الناحية الأمنية والوضع المعيشي الصعب، الذي يعتبر ضاغطاً على الكثير من الأسر التي عمدت على الامتناع عن إرسال أبنائها إلى المدارس وتشغيلهم في العديد من المهن وأبرزها العمل في الأرض، ما أدى إلى تعميق ظاهرة العمالة المبكرة للأطفال. وأيضاً لا ننسى أن مشكلة الزواج المبكر للفتيات من الأسباب الرئيسية للتسرب المدرسي، إلا أن جوهر المشكلة في هذه الظاهرة يبقى في الوضع الأمني والعمليات العسكرية الواقعة ضمن هذا القطاع الجغرافي، واستمرار القصف من قبل النظام السوري والقوات الروسية، ما أدى إلى تخوّف الكثير من الأهالي وامتناعهم عن إرسال أبنائهم للمدارس، علاوة على الظروف المناخية السيئة في فصل الشتاء والتي فرضت أيضاً إيقاعها على مشكلة التسرب.
النطاق الجغرافي للتحقيق
تعمل مديرية تربية إدلب (غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري) على مساحة جغرافية تتضمن مركز المحافظة وريفها إضافة إلى بعض المناطق في ريف حلب الشمالي ويوجد عدة تجمعات ونقاط تعليمية حيث المناطق التي تغطيها تعليميا المديرية هي مجمّعات: حارم، جسر الشغور، الدانه، المخيمات بأكملها، أريحا، إدلب، ومجمع معرة مصرين. وتكمن أهمية معالجة قضية التسرب المدرسي للتلاميذ السوريين وخاصة في (إدلب وريفها) في أنها تسلط الضوء على ظاهرة اجتماعية خطيرة، ناتجة عن فقدان التعليم لشريحة اجتماعية هامة داخل المجتمع السوري وهي واحدة من أخطر الكوارث، لأن انهيار التعليم وغياب الحلول الاستراتيجية للقطاع التعليمي، لتدارك هذه الكارثة التي تشمل ثلث السوريين المؤهلين للدراسة، سيضع مصير جيل كامل في المجهول.
تساؤلات مشروعة
إن أي معالجة لظاهرة داخل المجتمع، لا بد أن يسبقها مجموعة من التساؤلات قبل الخوض في تفاصيلها وتشعباتها من أجل تقديم إجابات معمقة لفهم المشكلة المطروحة:
- ما الأسباب الرئيسية وراء ظاهرة تسرب تلاميذ المدارس؟
- هل الظاهرة تقتصر على مناطق إدلب وريفها الخارجة عن سيطرة النظام السوري، أم تمتد على كامل الجغرافية السورية؟
- ما الآثار التي يمكن أن يتركها غياب التعليم عن شريحة كبيرة من أطفال سوريا؟
- أين دور المنظمات الدولية والمحلية في توفير الدعم لشريحة هامة من المجتمع السوري؟
- هل توجد استراتيجية تعليمية شاملة، لإعادة تأهيل الطلاب الذين فاتهم قطار التعليم، سواء التعليم التقليدي أو التعليم المهني الفني ؟
- متى يتحرك المجتمع الدولي، ويعي حجم الكارثة التي يعيشها أطفال سوريا في ظل مستقبل غير واضح المعالم؟
أرقام مُحبطة
قبل عام وفي شهرشباط\فبراير من العام 2020 أقرت المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتا فور أمام مجلس الأمن في حديثها عن وضع الأطفال في سوريا أن الحرب السورية سلبت فرصة التعليم بوحشية بالنسبة لـ 280 ألف طفل في الشمال الغربي السوري، وهناك حوالي 180 مدرسة لا تصلح للعمل نتيجة تدميرها أو تعرضها للضرر أو استخدامها كملاجئ. بالمقابل فإن الأرقام المحبطة التي أرسلها لنا فريق (منسقو استجابة سوريا) عن الواقع التعليمي في المناطق التي تشمل محافظة إدلب وريفها، وهي حديثة وصادرة خلال العام الجاري 2021 توضح حجم كارثة قطاع التعليم في هذه المناطق، حيث تتضمن الإحصائيات بحسب فريق منسقي استجابة سوريا مجموعة من النقاط حول عدد التلاميذ والمدارس والكادر التعليمي كما تبين الوثيقة أدناه.
وثيقة من “منسقو استجابة سوريا” توضح وضع التعليم في محافظة إدلب وريفها
ويقول الدكتور المهندس محمد حلاج مدير (منسقو استجابة سوريا) : “إن التعليم في ادلب بشكل عام يعاني من مشاكل كثيرة، حيث لا يوجد استقرار بشكل كامل فيما يتعلق بالتلاميذ ولدينا نقص كبير بوجود الكوادر التعليمية، علاوة على الدمار الكبير للمدارس حيث الكثير منها متضرر جزئياً، وهذا كان له أثر سلبي على ارتياد التلاميذ للمدارس. وبالنسبة للمخيمات فإن الوضع التعليمي أشد سوءاً ويكون مرتبطاً بالكوارث الطبيعية التي تحدث بالمخيمات نتيجة انقطاع الطرقات أثناء الأمطار. كما أن المخيمات لا يوجد فيها مدارس كافية، مما يساهم في كثافة أعداد الطلبة ضمن الغرفة الصفية الواحدة.”
216 ألف تلميذ متسرب
الأرقام التي حصلنا عليها من مديرية التربية في محافظة إدلب -التابعة للحكومة السورية المؤقتة- لعدد التلاميذ المتسربين في المناطق الجغرافية التي تغطيها التربية قد تكون مختلفة قليلاً مقارنة مع الأرقام السابقة التي تم استعراضها من قبل “منسقو استجابة سوريا”، ويمكن تبرير ذلك أنه لا يوجد مركز إحصائي متخصص في سبر الأرقام الحقيقية، كما أن المعطيات المتغيرة على الأرض في تلك المناطق وعدم الاستقرار نتيجة الظروف الأمنية المضطربة، لا تساعد في الوصول إلى رقم دقيق.
وفي حديث مع الأستاذ محمود الباشا رئيس دائرة التعليم الأساسي في مديرية التربية بإدلب أوضح أن عدد الأطفال المتسربين في المنطقة التي تشرف عليها مديرية التربية في إدلب حسب إحصائية العام الحالي 2021 يبلغ حوالي 216 ألف طفل متسرب. طبعاً هؤلاء الأطفال مسجلون في المدارس لكنهم انقطعوا عن الدوام، بينما الأطفال غير المسجلين في النفوس أو المدارس، فأعدادهم قد يتجاوز الأعداد المعلن عنها بالأساس. بينما الصعوبات التي تواجه الطلاب في هذه المنطقة هو النقص في عدد المدارس والتجهيزات، مما يسبب ضغطاً كبيراً على المدارس في منطقة المخيمات والدانة، ويوجد في الفصل الدراسي الواحد أكثر من 50 طالباً.
ويرجع الباشا أسباب التسرب لمجموعة من الأسباب أبرزها أن أهالي الأطفال يقومون بتشغيل أبنائهم بورشات للعمل من أجل مساعدتهم، كما أن الأطفال الذي يعيشون ضمن الخيم المتفرقة وهي بعيدة عن التجمعات ولا يمكن الوصول إليهم بسبب وعورة المنطقة، ولا تساعدهم على إيصال التعليم لهم، فمن المستحيل تفريغ معلم لتدريس طفل أو طفلين في هذه الخيم، فمديرية التربية تعمل على كل تجمع يوجد فيه حوالي 60 تلميذاً، ويوضع له خيمة تعليمية حيث تكفل منظمة إغاثية هذه الخيمة، الذي يدرس فيها مدرس اسمه معلم قائد أو جوال وممكن أن توفر المديرية مدرسة من الخيام إذا كان عدد التلاميذ يفوق 100 تلميذ وتكفلها منظمة تطوعية. والمنهاج الذي تدرسه مديرية التربية الحرة يتوافق مع منهاج السوريين، مع اختلاف طفيف في بعض المواد المتعلقة بالتربية القومية، وتتكفل طباعة الكتب مؤسسة قطر الخيرية.
المزيد من القصص الإنسانية المؤلمة
قصة عائلة عليوي من معرة مصرين تشبه الكثير من قصص حرمان الأطفال من التعليم، فهذه العائلة التي لديها ثمانية أطفال خارج المدرسة، وبأعمار تبدأ من خمسة أعوام إلى خمسة عشر عاماً، تخبرنا عنهم أم عبادة عليوي التي تقطن مع أبيها ووالدتها في إحدى المدارس في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها العائلة أسوة بالكثير من العائلات في المنطقة، الأمر الذي ساهم في عدم ارتياد أولاد أخيها الخمسة للمدرسة، والانتقال للعمل مع والدهم، كما أن أختها التي لديها ثلاثة أولاد ليسوا أحسن حالاً من أولاد أخيها، فجميعهم لم يتم تسجيلهم بالمدرسة، ويعيشون على المساعدات التي تأتيهم من المنظمات الدولية أو ما يتبرع به أصحاب الخير.
بينما أبو إبراهيم بكري من منطقة جسر الشغور لديه ولدان خارج المدرسة، فيبرر عدم ارتياد أولاده للمدرسة بمجموعة أسباب وأولها الوضع المعاشي الصعب، مما يضطره لأخذهم للعمل في الحقل، كما أن المسافة ما بين منزله والمدرسة تتجاوز 600 متر، وفي فصل الشتاء يكون قطع هذه المسافة صعباً، وكثيراً ما يعلق الدوام في مـدارس المخيمات، فهذه الأسباب يعتبرها غير مشجعة لإرسال أبنائه إلى المدرسة.
هجرة المدرسين
إن هذه الحالات التي تم استعراضها ليست سوى غيض من فيض، فنسبة التسرب المدرسي، في الشمال السوري عالية جداً، ويقول المدرس السابق محمد الحسين الذي ترك مهنة التدريس منذ أكثر من عام وكان يدرس ضمن مديرية التربية والتعليم في إدلب: “إن نسبة تسرب الطلاب في محافظة إدلب وريفها والمناطق المجاورة تتجاوز 35%، أي ما يزيد عن 240 ألف طالب خارج العملية التعليمية، علماً أن عدد طلاب محافظة إدلب بلغ العام الماضي بحدود 414 ألف طالب من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية.” أما عن أسباب التسرب فيرجعها الحسين إلى أسباب عديدة وأبرزها الأوضاع الأمنية غير المستقرة، وخاصة عمليات القصف والتدمير التي طالت المدارس والمنشآت التعليمية المختلفة في المناطق الشمالية. كما أن المدارس المدمرة رافقها عدم استقرار في العملية التعليمية وخوف الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس إضافة إلى قلة الكوادر التعليمية المؤهلة بسبب الهجرة والتشرد وعدم وجود الدعم المادي لهم وهذا عامل رئيسي. كما أن الكثير من المدرسين فصلوا من عملهم، وظلوا بدون رواتب لعدم دعمهم من المنظمات التعليمية، حيث اضطروا للذهاب إلى أعمال حرة من أجل تأمين لقمة العيش لأسرهم.
تهديد استقرار المنطقة
وفي هذه النقطة يؤكد الدكتور فايز نايف القنطار أستاذ سابق في جامعة دمشق في كلية التربية أن أول ضحايا هذه الحرب الإجرامية المستمرة هم الأطفال. ويتساءل القنطار كيف يمكن أن يعيش في القرن 21 هذا الجيل الذي حرم من التعليم وهو أبسط حقوق الطفل وهذا الخطر لا يشمل سوريا فقط بل يهدد أمن واستقرار المنطقة. ويحذر أن هؤلاء الأطفال المتسربين يمكن أن يصبحوا مرتعاً خصباً للتطرف والاستقطاب من قبل المنظمات الإرهابية؛ فالطفل الذي يترك المدرسة سيكون عرضة للاستغلال، وعرضة للعمل المبكر وعرضة لكل أشكال الإذلال والاهانة وسيكون الطفل مضّطرباً وغير متوازن ويعيش مهمشاً.
غرف صفية بدون أسقف
بينت نتائج تقرير أعدته وحدة إدارة المعلومات IMU (في وحدة تنسيق الدعم ACU) خلال عام 2019 لتقييم التعليم المشترك الخاص بالأطفال خارج المدرسة JENA في شمال غرب سوريا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري أن 66% (1.130.299 طفلاً) من الأطفال في شمال غرب سوريا ملتحقون بالمدارس؛ فيما كان 34% (582.239 طفلاً) منهم خارج المدرسة (متسربون من المدارس). كما رصد التقرير ظروف المخيمات الصعبة حيث تنقطع الطرقات في فصل الشـتاء في فتـرات هطـول الأمطار ممـا يجعـل وصول الطلاب إلى المدارس صعبـاً. وتشـير المعلومات أن ضمن مـدارس مخيمات الشـمال السـوري غـرف اسـمنتية مسـقوفة بلـوح توتيـاء (صفائح معدنيـة)؛ كما تواجدت مدارس مكونة من غرف اسـمنتية بدون أسـقف ويتم تغطيتهـا بعوازل مطريـة فقط؛ إذاً من خلال ما تقدم في معطيات التقرير، نجد أن البنية التحتية للمدارس في مناطق الشمال الغربي السوري لا تحقق المعايير الحقيقية في توفير بيئة تعليمية مناسبة للدراسة.
جيل في مهب المجهول
وبما أن البيئة التعليمية غير متوفرة في تلك المناطق، فإن للتسرب المدرسي آثاراً سلبية نفسية واجتماعية واقتصادية خطيرة على المجتمع. وتفشي هذه الظاهرة في سوريا، يثير قلق منظمات المجتمع الدولي، لما سوف تتركه من آثار كارثية ليس على المتسرب فقط بل على المجتمع ككل. فالتسرب يزيد من معدل البطالة وانتشار الجهل والفقر وغير ذلك من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لذلك يرى الدكتور طلال عبد المعطي المصطفى أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق سابقاً والباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة خلال حديثنا معه بأن كارثة التعليم هي واحدة من أخطر الكوارث التي ضربت المجتمع السوري، فانهيار التعليم الكمي والنوعي، وانخفاض عدد الكادر التدريسي المؤهل، وانعدام حوافز العملية التعليمية وضبابية أهدافها، بالإضافة إلى فقدان التمدرس الذي يشمل ثلث السوريين المؤهلين للدراسة حاليا، سيضع مصير جيل كامل في مهب المجهول، ويضع مصير وطن ممزق أمام المزيد من الأزمات والانقسامات المقبلة.
ويصف المصطفى كارثة التعليم بالكارثة المزدوجة بمساريها الفردي والمجتمعي، وهي من الكوارث التي تترك آثاراً مديدة وتمتد إلى أجيال لاحقة لما يترتب عنها من تبعات اقتصادية واجتماعية ونفسية على المديين القصير والمتوسط، وربما على المدى الطويل أيضاً، لذلك فردم الفجوة الحاصلة في التعليم هي من أولى المهمات لإعادة البناء البشري والمادي، وهي الاستثمار الحقيقي الأمثل القادر على ردم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وخلق قاعدة صلبة يمكنها المساهمة الفعالة في عملية التعافي وإعادة البناء، وقهر العجز للوصول إلى حالة التنمية المستدامة.
تحديات
نحن أمام قضية خطيرة، قضية الأطفال المتسربين وجيل تم تجهيله بأكمله، وعلى ما يبدو أن هذا الأمر مقصود ومسيس بعد مرور10 أعوام على الأزمة السورية، فالأطفال الذين عاشوا الحرب بتفاصيلها وتركوا التعليم سيكونون لاحقاً عرضة للانحراف في ظل الفوضى الموجودة والسلاح المنفلت. ومن المؤكد أن الآثار التي ستنتج عن شريحة الأطفال غير المتعلمين ستكون كارثية وخطيرة وسيشكلون عالة على المجتمع في حالة عدم حصولهم على إعادة التأهيل والتدريب لهذه الفئة المتسربة من المدارس في مرحلة معينة وبالتحديد في مرحلة استمرار الحرب وتعطيل الحل السياسي، لذلك هذه الشريحة المغيبة إذا استمر الوضع على حاله سيرسخ لديها الميل إلى العدوانية والعنف الزائد، في ظل فقدان كامل للرعاية الأسرية اللازمة في هذا السن المبكر، أضف إلى غياب دور المنظمات الدولية، وعدم تخصيص شبكة ضمان اجتماعي خاصة بالأسر للحد من استغلال أطفالهم لغرض الأعمال التي لا تتناسب مع أعمارهم وشخصيتهم. أما في حال حصول الحل السياسي وبالتالي السلام، فمن المفترض أن يكون هناك إعادة بناء في سورية على كافة الصعد ومنها الصعيد التعليمي والتأهيلي، وبهذه الحالة وبحكم العمر المتقدم لهؤلاء المتسربين من الضروري أن يخضعوا لدورات تعليمية مكثفة للكبار وتأهيل مهني حتى لا يكونوا ضمن الفئة المهمشة في المجتمع.
بواسطة سلوى زكزك | مارس 15, 2021 | Culture, غير مصنف
*تتناول هذه المادة مشاهدات وذكريات الكاتبة عن مقهى الحجاز قبل البدء بهدم هذا الصرح التاريخي في دمشق بداية الشهر الحالي.
يشغل مقهى الحجاز مكاناً مميزاً وكأنه عقدة الربط ما بين سوريا كلها، لدرجة تدعونا للاقتناع بأن كل ما حوله من أماكن عامة، رسمية وخاصة، قد صممت من أجله، من أجل شحنه بأعداد متجددة من البشر، بقصص لا تخفض صوتك حين تتلوها،عقدة الربط ليست مجرد بقعة محددة من الجغرافيا تتوسط المسافات، بل هي إيحاء عارم بأنك في مكانك، لا بل إن المكان ملك لك وأنت سيده وصاحبه.
يتحول مقهى الحجاز إلى ما يتفق على تسميته بالطاحون، التي تخلط قمح الجميع بماء الحياة اليومية أملاً بالحصول على غلال مجزية، كل الدروب تؤدي إليه. وكل الأجساد تدب السير نحو هذه الملاذ الآمن بصخب وأنفاس الأعداد الكبيرة والمتنافرة من البشر، حين يكتظ المكان بالغرباء عن المدينة، تصير الغربة تفصيلاً طبيعياً. تقول لنفسك: كلنا غرباء هنا، وكأنك تقول كلنا متشابهون هنا، الغربة تجمعنا.
مقابل المقهى وزارتا الزراعة والإسكان ومؤسسة الاتصالات، وعلى امتداده القصر العدلي، ساحة المرجة، شارع خالد بن الوليد، زقاق أو شارع رامي، الإطفائية وسوق البالة وسوق الحميدية. إذن كل الدروب تؤدي الى مقهى الحجاز، وكل الدروب تبدأ منه.
يتفق المراجعون مع محاميهم على مواعيد في مقهى الحجاز، يرتبون تفاصيل الدعاوى المطلوبة، يقابلون وسطاء لإتمام معاملة الحصول على عقد آجار لأرض مستملكة أو من أملاك الدولة، ينتظرون وصول طرد بريدي أو اتصال قد تأخر.
فقط هنا يمكنك المغادرة بعد أن منحت قدميك حصة من الراحة وبعد أن تقبلت راضياً مذعناً تأخر صاحب الموعد المزعوم دون أن تدفع ليرة واحدة.
يقابل الأصدقاء المفلسون بعضهم فيه، هنا فقط يمكنك أن تنتظر ساعة كاملة دون أن تطلب مشروباً، بذريعة أنك تنتظر صديقاً أو قريباً.
يتحول النادل في مقهى الحجاز إلى مرشد سياحي وقد يدلك على محام بارع أو معقب معاملات حاذق، وقد يدلك على عنوان فندق رخيص للإيجار.
في رحاب المكان، وأنت تمضي إلى عنوان ما في مدينتك التي تدعي أن تعرفها جيداً، تسمع صوتا يناديك مباشرة باسمك! هنا في مقهى الحجاز تتحول وأنت سائر إلى وجهتك إلى نقطة مكشوفة، لمن يجلس في عليائه على إحدى مناضد المقهى، ولو أنك لا تولي أي اهتمام برواد المقهى، تتحول مناضد المقهى إلى منصة عالية، شرفة مرتفعة تسمح للجالسين هناك بالإشراف على المشهد العام للمدينة. كل رواد المقهى منشغلون في متابعة حركة السائرين، من يجلس يراك ويناديك وكأنه في بيته، وكأنك مدعو الى بيته، لا تملك ترف الاعتذار. مقهى الحجاز هو المواعيد الدافئة غير المرتبة مسبقاً، المواعيد المقررة على عجل وبكامل اللهفة، لن يضيرك التلاعب بنصف ساعة من الوقت تقضيها مع صديق كان ينتظر عبورك، لتجددا تصاريف الصداقة المؤجلة.
مقهى الحجاز هوالمكان الأول الذي تعرفت فيه إلى سيدة بلباس فولكلوري مميز تجلس إلى أحد كراسي المقهى بثقة عارمة. هي المرة الأولى التي أتعرف إلى آثار الحبر الأزرق موشوماً على ذقون النساء وأيديهن. المرة الأولى التي أتعرف فيها على امرأة تدخن وباكيت الدخان والقداحة مركونة في عبّها المنفلت على راحته دونما حمالة صدر. على كراسيه تعرفنا إلى لهجات دافئة، حزينة ومليئة بالأسئلة.
على كراسي المقهى تسمح لنفسك ببناء قصة لا تعرفها أصلاً، لكنك ترى شابة تبكي أو امرأة تشتم وتسعل وهي تنفث التنباك الأصلي من فمها، على مناضده تشتم القهوة الرخيصة وضيق ذات اليد والأحلام المطعونة، ترجع ظهرك إلى المسند الخشبي لكراسي الخيزران التراثية وقد تفوز بشرف كتابة سطرين أو أكثر، سترميهما لاحقاً لأنك تأكدت من سذاجة موهبتك الروائية، قد تعجب بمقطع خططته من قصة لم ولن تكتمل، قد تدقق مادتك الصحفية الأولى والأخيرة، وقد لا تفعل شيئاً إلا تمزيق الورق.
على جدرانه الخارجية يقف باعة متجولون، ملابس عتيقة، ديارة أطفال رخيصة، وكأنما ينبغي على كل خارج أو داخل إلى المقهى أن يشتري غرضاً يحتاجه، المفاصلة سهلة، والباعة كرماء، لكن على الجميع أن يشتروا ليثبتوا حضورهم في المكان، فأنت في مركز العالم، أنت في الشام الموعودة، وكل غرض منها مكسب وهدية ثمينة، ذرة مفرطة، حفارات كوسا وسكاكين هندسية لتقطيع الجزر والخيار والبطاطا.
باعة المحابس المعدنية الرخيصة، وتذكارات الحب الخشبية سيئة التنفيذ، وباعة حافظات الهوية الشخصية العادية والكريستال وحافظات شهادة السواقة وجواز السفر.
أنا في مقهى الحجاز! العنوان الأكثر إيجازاً والعصي عن أن تضيعه، الجميع سيدلك عليه، وعندما يسأل المتصل على الجهة الثانية من الخط السيدة المتصلة: (وين المقهى)؟ فتجيب بزهو وثقة:(بالشام يا ول)! وتردف: (معقول ما تعرف الشام)؟
اعتاد السوريون والسوريات على التفريط بذاكرة الأمكنة، ليس طواعية ولكن بحكم قوة الأمر الواقع، تحولوا منذ أيام الحرب الأولى ليسكنوا الحدائق العامة، في حديقة شارع الثورة أعداد غفيرة من النساء تفترش المقاعد الحجرية، حضّرن أنفسهن جيداً لمواجهة العراء بحرامات صوفية كبيرة، ذات يوم ستظن أن المكان معرض للأغطية الصوفية، إنهن مرافقات لأحفادهن المرضى أو أبناء أو أزواج يراجعون العاصمة من أجل فرصة للعلاج. هنا في نفس الحديقة وعلى أنقاض قذرة صنع أحدهم كافتيريا لبيع الشاي والقهوة، لا حوض لغسل الكؤوس مجرد وعاء بلاستيكي أو بدونه، حيث تغسل الكؤوس على عجل وبماء بلا صابون.
أرى المشهد بكل وضوح الآن، سيتحول رواد مقهى الحجاز إلى هذه المساحة الخربة، القذرة، يستبدلون الوطن المؤقت، الشام التي يعرفونها أو التي ظنوا أنهم ينتمون إليها بأماكن تتنكر للعابرين وتخنقهم في مجاهل الإهمال والغربة المتجددة.
لن يناديني أحد بإسمي وأنا أعبر من قرب ما كان اسمه مقهى الحجاز، نغرق في خنق الذاكرة ولن أستمتع بلعبة التخفي التي تمارسها القداحة في عب السيدة صاحبة اللهجة المحببة وعبارة كيفك يمه.
يفقد السوريون والسوريات فضاءهم، سيتم بناء فندق خمس نجوم هنا، قد لا نجد ممراً بعد اليوم، وستصبح التفاصيل شبحاً باهتاً للذاكرة التي تجف وتجف حتى تبلغ اليباس، وأتساءل عن سر هذا التنافر الذي سيملأ المكان، من سيسكن أو يشغل هذا الفندق سيكون غريباً أيضاً عنه وعنا.
لن نألف الوجوه الغريبة الجديدة، ولن نكون معاً في ذات المكان، تغرق الأمكنة في حالة القسوة العامة، حالة التنافر العاطفي والامتلاء بالإهمال والغربة.
كل المراكز والأماكن التي تناغمت مع مقهى الحجاز ستفتقد معنى وجودها هنا، سيقول مراجعو القصر العدلي: لم يعد لنا مكان نجلس فيه وننتظر، تضيق مساحة الشراكة، الشام بات غريبة وموحشة، نعم! لم نعد نعرف الشام ولا تعرفنا، هي حقيقة تفرض نفسها كل يوم والشام تتنكر لنا وبقوة الأمر الواقع أيضاً.
بواسطة Hasana Saqbani | مارس 14, 2021 | غير مصنف
باتت زيارة الطبيب رفاهية لا مكان لها في الوقت الراهن بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد؛ فبالتزامن مع تضاعف نفقات تشخيص الأمراض وأجور المعاينات الطبية التي وصلت عند بعض الأطباء إلى ما يعادل نصف راتب موظف حكومي، ارتفعت أيضاً أسعار الأدوية في الفترة الأخيرة إلى ما يقارب 500 %.
وفي نفس الوقت، ظهرت الكثير من المبادرات الطبية من قبل أطباء سوريين متطوعين من مختلف الاختصاصات على مواقع التواصل الاجتماعي وميدانياً، الغاية منها تقديم الاستشارة الطبية بصورة مجانية وتوفير العلاج لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الناس. ومن هذه المبادرات مجموعة “صحتك نعمة”، منصة “سماعة حكيم”، ومبادرة “عقمها”، “Med Dose”منصة المجتمع الطبي.
مجوعة “صحتك نعمة”
قرر مجموعة من الأطباء إنشاء مجموعة “صحتك نعمة” وهي مجموعة مغلقة تضم حوالي 46 ألف متابع ومجموعة كبيرة من الأطباء المشرفين من مختلف الاختصاصات الطبية “جلدية، عامة، هضمية، صدرية، عينية، أطفال، بولية، نسائية، جراحية وغيرها من الاختصاصات”. تهدف المجموعة لتوفير الاستشارة الطبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مجانية.
ويتم إرسال الحالة المرضية عبر منشور ومن ثم تتم الإجابة عليه من قبل الطبيب المختص. وكمثال على ذلك يقوم أحد الأعضاء بإرسال صورة تظهر البقع البنية التي ظهرت بصورة مفاجئة على الجلد ويطلب استشارة طبيب الجلدية، ليجيب أحد الأطباء المشرفين ويسأله عن الأعراض المرافقة لذلك ومن ثم يصف الدواء المناسب.
وعن الدور الإيجابي لهذه المجموعات، تصف ريم (26 عاماً وهي خريجة كلية التربية وتقيم في دمشق) تجربتها الإيجابية حيث وجدت من خلال المجموعة علاج لعدة مشاكل صحية تعرضت لها موضحة: “أغلب الناس أصبحت لا تستطيع الذهاب ومراجعة العيادات بسبب الفقر الذي يعم البلاد، فمن حوالي شهر كنت أعاني من التهاب في عيني اليسرى مع ظهور بقعة حمراء على بياض العين وألم، فقمت بنشر منشور شرح الحالة وما أشعر به مع إرفاق صورة لعيني، وعلى أساس ذلك قام الطبيب بتشخيص الحالة ووصف الدواء، والحمد لله في اليوم الثالث من تناول الدواء تحسنت.” وتضيف: “من فترة يومين سألت عن مشكلة جلدية لوالدتي المريضة وبدوره الطبيب المختص وصف لي الدواء المناسب وأيضاً استفدت كثيراً.”
من خلال تصفح المجموعة سوف تجد كم الجهد المبذول من قبل الأطباء لمساعدة الناس على علاج حالتهم بشكل مجاني وفي بعض الأحيان تأمين الدواء بصورة مجانية أيضاً.
وفي حال أراد المريض إرسال رسالة خاصة والاحتفاظ بسرية الحالة وخاصة إذا كانت تتضمن صوراً محرجة غير مناسب نشرها يمكن طلب الاستشارة عبر تطبيق خاص لذلك.
منصة المجتمع الطبي “Med Dose”
هي مجموعة مفتوحة تعرف عن نفسها كمنصة تهدف للنهضة بالمنظومة الصحية والطبية، وتشارك أحدث المعلومات الطبية حول العالم وتسعى لنشر الثقافة الطبية في المجتمع. تشترط المجموعة من الأطباء من المشرفين إرفاق المعلومات المنشورة بمصدر طبي موثوق مع إضافة اسم الطبيب أو الصيدلاني. وتضم المجموعة حوالي 72 ألف عضو بالإضافة إلى مجموعة من الأطباء المشرفين من مختلف الاختصاصات. تقوم المجموعة أيضاً بنشر تجارب الأطباء والصيادلة مع المرضى الذين يعانون من أمراض مختلفة وتزويد المتابع بالمعلومات الطبية الصحيحة ونفي الشائعات والمعلومات الخاطئة.
وكان الطبيب “محمد عمران” (أخصائي بالجراحة العظمية والتنظيرية وأحد الأطباء المشرفين في المنصة) قد نشر منشوراً رحب من خلاله بالمرضى في عيادته ومعاينتهم بصورة مجانية يوم الخميس من كل أسبوع لمن لا يستطيع دفع المعاينة وأرفقه بعنوان العيادة ورقم الهاتف.
و تنشر المنصة في جانب آخر من نشاطها منشورات عن الحالات التي تحتاج لمساعدة مادية لتأمين تكلفة العلاج مثل مرضى السرطان أو مرضى كورونا بهدف جمع التبرعات اللازمة لتزويد المرضى المحتاجين بالأدوية والمعدات الطبية ضمن الظروف الصعبة من ارتفاع الأسعار التي طالت أسطوانات الأوكسجين والمواد الطبية بشكل جنوني وأدت إلى استغلال البعض لحاجة الناس لزيادة الاحتكار والأرباح.
سماعة حكيم
تعد هذه المنصة من المنصات الطبية الأشهر التي تقدم الاستشارة الطبية ويتابعها 412 ألف متابع. وبالإضافة إلى تقديم المعلومة الطبية، تنشر المنصة مقالات العلمية وأخبار أحدث التطورات الطبية. يدير هذه المجموعات فريق طبي تطوعي مكون من طلاب كلية الطب البشري وأطباء أخصائيين من مختلف القطاعات الطبية. يبلغ عدد المشرفين 150 طبيباً من مختلف المحافظات السورية. كما يهدف الفريق إلى دعم المبادرات الطبية ونشر الأخبار المتعلقة بالمشافي ونقل المعلومة الطبية الصحيحة في ظل انتشار المعلومات الطبية الخاطئة.
وأطلق مؤخراً الفريق تطبيق “سماعة حكيم” حيث يستطيع المريض طلب استشارة من طبيب مختص استناداً للأعراض الذي يشعر بها المريض ثم يتلقى أسئلة يمكن الإجابة عليها بشكل فردي، للحصول على تشخيص مشتبه به بناءً على إجابات المريض حول الأعراض التي يعانيها، وتزويده بالمعلومات الفردية التي يمكن أن يحتاجها ومراجعة الطبيب بشكل مباشر إذا استدعى الأمر. والهدف من التطبيق حسب القائمين على المجموعة هو تقديم الاستشارة الطبية مجاناً.
مبادرة “عقمها”
وهي المبادرة الأبرز في سوريا لمواجهة انتشار فايروس كورونا والتي بدأ نشاطها مع بداية انتشار فيروس كورونا في البلاد في آذار/ مارس من العام الماضي ٢٠٢٠. تسعى هذه المبادرة لتقديم الدعم الطبي والتوعية للناس من خلال شبكة من المتطوعين والمتبرعين، عبر نشر معلومات التوعية الصحية وتقديم الدعم الطبي الميداني.
بدأت الفكرة من خلال مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي واكتسبت شهرة واسعة في دمشق ومحيطها حيث وصل عدد متابعيها إلى ما يزيد عن 273500 عضوً. تضم المجموعة 11 مشرفاً و50 متطوعاً و20 طبيباً. وتقدم خدمة طبية هاتفية 24 ساعة، حيث يتوفر أطباء للإجابة الفورية على المرضى بما يتعلق بأعراض فيروس كورونا سواء بتقديم الاستشارة الطبية اللازمة أو تأمين طبيب يقوم بزيارة منزلية للمريض المحتاج بصورة مجانية. إضافة إلى ذلك يقوم الفريق بتأمين اسطوانات الأوكسجين للعالم المحتاجة وذلك وفق تقييم الأطباء المتواجد بالفريق، كما يتم تأمين فريق تعقيم لتعقيم المنازل التي كان لديها مصابون بفايروس كورونا.
تقدم المبادرة خدماتها عبر الساعة عبر شبكة من متطوعيها من مختلف الاختصاصات بإمكانيات محدودة وباستخدام ما توفر من تقنيات طبية بسيطة، وينوه الفريق بشكل مستمر أن الخدمات جميعها تقدم بصورة مجانية.
بواسطة Safi Khattar | مارس 13, 2021 | غير مصنف
تنتشر اليوم العديد من الشركات التي تعتمد التسويق الهرمي في عملها، فما هي هذه الشركات وهل هي جديدة على السوق؟ وما مدى قانونيتها؟ هل تعتبر الاتهامات التي تطالها بأنها شركات نصب واحتيال صحيحة أم زائفة؟
يقوم مبدأ هذه الشركات على بيع مجموعة من المنتجات عبر اعتبار الزبون شريكاً في الشركة، حيث يشتري المنتج ويعمل أيضا على تسويقه؛ فالزبون بهذه الحالة هو فرد من فريق تحت اسم الشخص الذي أدخله على الشركة وبدوره يعمل الزبون لإنشاء فريقه الخاص ليكونوا تحت اسمه. وهكذا يتشكل هرم الشركة وتتوسع بنفس الطريقة، وكلما كان عدد المندرجين ضمن فريقك أو تحت اسمك كبيراً كلما ازدادت نسبة الأرباح.
يشرح لنا رائد (حلاق، 33 عاماً، وهو أحد المنتسبين لإحدى الشركات) كيفية قبول الشخص وطريقة العمل، فيقول: “إن مبدأ الشركة بسيط وواضح، أولاً لا بد للزبون الجديد من معرفة آلية العمل في الشركة والمنتجات التي تبيعها، حيث تُقام بشكل مستمر اجتماعات وندوات لتوضيح ماهية العمل، وبعد أن يقتنع بالفكرة يقوم بتحديد ما يريد شراءه من منتجات وبفتح حساب لدى الشركة ومن ثم وجب عليه أن يسوق المنتجات ويوسع دائرة العمل ويشكل فريقه الخاص حتى يحصل على نسبة من الأرباح. ويعتمد العمل بالدرجة الأولى على التسويق الالكتروني عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الشركة، وأيضاً عبر التسويق المباشر في دائرة معارف الشخص وأصدقائه أو زملاء عمله. وهذا النوع من الأعمال لا يتطلب جهداً ولا وقتاً ولا مواصفات خاصة، ويحقق أرباحاً جيدة بأقل قدر ممكن من التكاليف والتعب حتى أنه لا يعيق عن ممارسة أي وظيفة أو عمل آخر، فكل شرائح المجتمع يمكنها العمل معنا.” ويتابع قوله: “شركتنا لها فروع في الكثير من البلدان العربية والأجنبية ففكرة العمل تتعدى الحدود والدول ويمكن أن يتم تسويق المنتجات بأي بلد كان، عدا عن أن للشركة سجلات نظامية وتراخيص قانونية (لم يتسن لنا التحقق منها) وتعتمد على المصداقية في العمل والعدل في توزيع الأرباح، فكلما كان الجهد أكبر كانت النتائج أفضل”.
بالرغم من وجود مثل هذه الشركات في أغلب مدن سوريا إلا أنها تواجه حملة من الانتقادات تتهمها بأنها شركات للنصب والاحتيال تستغل جهل الناس وفقرهم لتوقع بهم وتطالب بإغلاقها ومحاسبة المسؤولين عنها.
بداية لا تعتبر الشركات الموجودة حالياً جديدة على الساحة السورية، فقد انتشرت الفكرة منذ بداية الألفية الجديدة تحت أسماء ونماذج مختلفة وإن اختلفت في بعض التفاصيل إلا أن مبدأ التسويق هو ذاته. ويجمع أغلبية من خبرها أو تورط بها بأن كل ما يمت للتسويق الهرمي يعتبر نصباً واحتيالاً دون شك من أيام الدولار الصاروخي بـ2003 حتى شركة الفينكس اليوم.
ويخبرنا أحد ضحايا هذه الشركات عن تجربته، فيقول عمر (خياط، 56 عاماً): “تعرفت على إحدى الشركات من خلال أحد أقاربي حيث دعاني لحضور لقاء مع أحد المسؤولين في العمل للتوسع في شرح فكرة العمل والإجابة عن بعض الأسئلة. بدا المكان مرتباً وأنيقاً وكان الأثاث الفخم والموقع المميز وسط السوق يوحي بأن الشركة كبيرة وأرباحها عالية. كنا قرابة 10 أشخاص اجتمعنا مع أحد أعضائها الذي بدا واثقاً من نفسه كثيراً. وقد أوهمنا بأسلوب جذاب ومخادع أننا سنصبح أثرياء خلال فترة قصيرة، وقام بعرض قصص وصور لأشخاص حققوا نجاحات كبيرة. كان كلامه مقنعاً حقاً وخصوصاً بعد أن عرفنا بأن الشركة مرخصة وتعمل وفق القانون وأن لها فروعاً في أكثر من بلد. وبالفعل فقد وافقت على الانضمام والعمل معهم وكان علي أن أدفع مبلغاً ما بين 100 إلى 1000 دولار حسب ما أريد شراءه من المنتجات التي يسوقونها. وبالطبع كلما كان المبلغ أكبر كلما كانت فرصة الربح أكثر. هذا ما بدا لنا في البداية دون أن ننتبه أنه فخ وعملية احتيال، فالبضاعة التي اشتريتها كانت من النوع الرديء جدا (ثياب، ساعات يد، أدوات تجميل) وكان سعرها الحقيقي في السوق أقل بما لا يقارن مع أسعار الشركة. الأمر الذي يجعل من تسويقها أمراً مستحيلاً، لذا يلجأ المسوقون أو من تورطوا في مثل هذه الأعمال إلى اختراع أي طريقة لتعويض خسائرهم كأن يورطوا أشخاصاً جدداً بالعمل أو يضيفوا قيماً كاذبة للبضاعة مثل الساعة التي تجلب الحظ أو قرص الطاقة العجيب المصنوع من مواد ثمينة وغيرها من الخرافات التي لا ينتبه لها عادة من يتورط بالدخول معهم، لأن هوس الربح والغنى السريع يكون قد أعمى بصره بالكامل.”
وفي محاولة لفهم الأبعاد القانونية والنفسية لمثل هذا النوع من الأعمال، وضح لنا نادر (37 عاماً، محامي) بعض النقاط حول ذلك قائلاً: “التسويق الهرمي ممنوع في أغلب الدول المتحضرة، فالربح مبني أساساً على خسارة الآخرين الذين غالباً ما يشكلون القاعدة العريضة لهذه الشركات، وبالتالي تنحصر الاستفادة برأس الهرم فقط، ولأنها ممنوعة ومحاربة قانونياً تلجأ هذه الشركات إلى التحايل على القانون لتغطية نشاطاتها وحقيقتها وتتوسع وتنتشر في الدول الفقيرة مستغلة الأزمات الاقتصادية وانتشار البطالة والفقر وحاجة الناس الملحة للعمل لتتصيد زبائنها. وهذا الوضع بالضبط ما جعلها تنتشر في سوريا تحت مسميات وأشكال مختلفة وخصوصاً في السنوات الأخيرة بالتزامن مع انهيار الاقتصاد وازدياد الفقر بين السوريين.” ويتابع نادر موضحاً أن: “الجهل وشدة الحاجة من أهم الأسباب التي تجعل الشخص يتورط في مثل هذه الأعمال، بالإضافة أن هذه الشركات تستخدم أساليب مدروسة في التسويق والإقناع تشتت ذهن الزبون وتحصر تفكيره بكيف سيصبح غنياً بين ليلة وضحاها، فالشخص المتورط في العمل سيسوّق للفكرة سواء من باب الاقتناع بها والسعي للربح أو لمحاولة إنقاذ نفسه بتوريط غيره ليخفف من عبء الصدمة والخسارة وإعطائها بعض المبررات بتحويلها إلى حالة مشتركة مع مجموعة بحيث يبرر الشخص لنفسه بأنه ليس وحده من تعرض للنصب إنما كثيرون غيره قد وقعوا بنفس الفخ، وهي آلية دفاعية نفسية يلجا إليها الشخص عندما يتعرض لمثل تلك الهزات العنيفة في تقييمه لنفسه بإعطائها بُعداً اجتماعياً وليس شخصياً، وهو تماماً ما تدركه هذه الشركات وتستغله لصالحها لزيادة دائرة المتورطين معها.” ويضيف نادر: “لا توجد في القانون السوري مادة واضحة تمنع أو تُجرم مثل هذه الشركات، وخصوصاً أنها تعتمد على حجج قانونية لعملها و تمارس تسويق البضائع علناً، وبموافقة وإقرار الزبون حيث العقد هو شريعة المتعاقدين كما يبرر أصحابها أو المدافعون عنها وأن لا أحد قد يجبر شخصاً على شراء شيء لا يريده.”
إذاً فهذه الشركات لا تهتم بتسويق المنتج بل بتسويق الفكرة وزيادة انتشارها وتبيع الناس أحلاماً وأوهاماً كاذبة، ومن بين الأساليب التي تستخدمها أيضاً هو ايهام الزبائن بخرافات العلوم الزائفة كالبرمجة اللغوية العصبية وقانون الجذب وغيرها وبأنها طرق ناجحة لإقناع الأشخاص بالانضمام للعمل. وحسب ادعاءاتهم فإن هذه العلوم الزائفة تجلب الحظ الجيد وتجعل نجاحك مضموناً إذا اتبعتها. ونتيجة لذلك تقوم هذه الشركات بإقامة دورات لتعليم هذه الخرافات وإعطائها هالة كبيرة باستقدام مدربين من دول أجنبية أو عربية وبذلك يتم استكمال فصول النصب والاحتيال على الزبائن وسلبهم أموالهم.
للأسف رغم افتضاح أمر التسويق الهرمي بشكل واسع وعلى مدى سنوات طويلة أيضاً، إلا أن السوريين ما يزالون يقعون في فخها إلى اليوم، ربما هو بحث دون وعي عن أي حل أو أي أمل يخرجهم من قسوة واقعهم حتى لو كانت وعوداً مستحيلة وأوهاماً كاذبة.
بواسطة طارق علي | مارس 12, 2021 | غير مصنف
تساءلت منظمة “هيومان رايتس واتش – منظمة مراقبة حقوق الإنسان” في تقرير أصدرته في شهر شباط/فبراير، عن مصير اللقاح الذي يفترض أن يصل إلى سوريا، اللقاح المضاد لفايروس covid 19. ولخصت المنظمة تقريرها بعبارة: “ينبغي توسيع نطاق الوصول العادل إلى لقاح (كورونا)”، لتلحقه بجملة: “انعدام الوصول، والبنية التحتية التالفة، والتحيّز يهددون الحملة”.
تقرير المنظمة تضمن مخاوف من عدم إمكانية حصول الجميع على اللقاح، على قاعدة أنّه من حق كل شخص الحصول عليه، باعتبار أنّ الملف يخضع لاعتباري الطب والدواء، ومكافحة الوباء ضمن أطر الخطة الدولية العامة، بمعزل عن تفاصيل إضافية حاول التقرير عدم ذكرها بصورة مباشرة، على اعتبار أن جماعات كـ”النصرة”-و”تحرير الشام”، تسيطر على معظم إدلب وهي مصنفة على لائحة الإرهاب العالمي، فضلاً عن فصائل “درع الفرات” التي تعمل مع الجيش التركي في الشمال.
ما ورد في تقرير المنظمة يخلق تشابكاً في المعطيات والآليات والاستراتيجية الدوائية؛ فهناك على الساحة لاعبون دوليون في الإطارين العسكري والسياسي، ما يخلق التساؤل حول الشمال، فهل تركيا هي من تكفلت من خلف الستار طبياً بملف “درع الفرات” أولاً، وإدلب، ثانياً، على اعتبار أنّ ممثلة الصحة العالمية في دمشق أشارت بعدم إمكانية وجود اتفاقيات ثنائية مباشرة! وماذا عن مصير الأكراد تالياً والدور الذي قد تلعبه دمشق! وكل ذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار أن موسكو تكفلت بمناطق سيطرة الحكومة السورية!
روسيا تمد سوريا بسبوتنيك VI
سجلت سوريا إلى جانب فلسطين والجزائر وتونس والإمارات، طلبها إلى موسكو بالحصول على لقاح “سبوتنيك” المعتمد منذ شهر آب/أغسطس من العام الفائت.
في الخامس والعشرين من شباط/فبراير الفائت تحدث وزير الصحة السوري “حسن غباش” عن أنّ بلاده طلبت من إحدى الدول الصديقة لقاحاً ليتم تطعيم السكان به، وجاء تصريح الوزير بعد ثلاثة أيام من إعلان مواقع صحفية روسية أن دمشق سجلت طلبها بالحصول على اللقاح. أضاف الوزير في تصريحه لوكالة الأنباء السورية أن التطعيم سيبدأ للكوادر التي تقف في الخطوط الأمامية، مشيراً أنه بحسب دراسات أثبتت أنه هناك 6.7 هي إصابات في حالات لا عرضية، وأنّ نسبة الإصابات بين الكوادر الطبية بلغت 3.6، ما يعطي انطباعاً حول مدى الانتشار بين العاملين في المجال الصحي من المعتنين بمرضى covid19.
وكانت قد أُجريت في دمشق دراسة استهدفت العاملين في القطاع الصحي بصورة مسحية شاملة، وخلصت الدراسة بالاستناد إلى معطيات البروتوكول العالمي أنّ تطعيم العاملين هو أولوية مرحلية، سيما أولئك الذين تخطوا 55 عاماً، فضلاً عن ذوي الأمراض المزمنة.
وأشارت مصادر مطلعة أنّ الحديث العام عن أرقام الإصابات وما تؤكده الوزارة مراراً لا يعتمد على الشروط المنطقية في ظل النقص الكبير في عدد المسحات، وبالتالي عدم منهجية البحث في المسح العام على مختلف الشرائح، إلا أنّ المسح للكوادر الطبية يبدو دقيقاً، بسبب حصر عدد العاملين والمستشفيات ومعرفة الواقع الصحي من ناحية القوى العاملة. وفي إطار متصل يتحدث مواطنون عن مخاوفهم من الانتقائية في توزيع اللقاح، في مرحلة ما بعد تطعيم الكوادر المستهدفة.
“أسترازينكا” الإنكليزي للشمال الغربي
تقدمت مناطق الشمال الغربي في سوريا، الخارجة عن سيطرة الحكومة، بطلب رسمي إلى مبادرة “كوفاكس”، التابعة لبرنامج “الصحة العالمي”، للحصول على لقاح covid19، بعد أن كانت قد سجلت مناطق إدلب تراجعاً ملحوظاً في تسجيل إصابات كورونا خلال الأسابيع الفائتة، في انتظار وصول لقاح “أكسفورد-أسترازينكا” الإنكليزي، في الأيام المقبلة.
و أجرت مناطق الشمال الغربي تنسيقاً حثيثاً مع كل من اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية للحصول على اللقاح، ولا زالت بانتظار الترتيب البروتوكولي مع مبادرة “كوفاكس”، بحسب تقارير صحفية. وسيستهدف اللقاح إدلب وريف حلب الشمالي، على أن يتم التطعيم على ثلاث دفعات، الأولى تستهدف نحو 20% من السكان على أربع دفعات أو أقل، وكذلك الحال فإنّ الأولوية ستكون للعاملين في القطاع الصحي وكبار العمر، وقد يصل عدد الجرعات إلى نحو مليوني جرعة، تكفي نحو 900 إلى 950 ألف نسمة.
ومن جانبها ترى دمشق أنّ العدد مبالغ به في إدلب، وترفع تساؤلاً حول إمكانية أنّ يكون التواصل شرعياً مع اليونيسيف ومنظمة الصحة على اعتبار أن النصرة تبسط سيطرتها بالقوة على الشمال الغربي.
وأشار مصدر مطلع في تصريح لنا أن اللقاح يجب أن يكون متاحاً لجميع المدنيين، وأنّ دمشق لن تدخر جهداً في حماية رعاياها، وتؤكد موقفها ذلك من خلال فتحها المستمر للمعابر لخروج العائلات والأفراد من مناطق سيطرة الفصائل إلى مناطق سيطرة الحكومة. وأضاف المصدر أنه: “بطبيعة الحال لا مشكلة لدينا مع أحد من سكان سوريا، بل إنّ السلطات مستعدة لاحتضان الجميع، وهذا ما نعول عليه منذ بداية الحرب، إذ لا مكان للأحقاد الشخصية في الملف السوري، وهذا يتضح من معاملتنا للهاربين من مناطق سيطرة المسلحين”.
“قسد” دون لقاح حتى الآن
تسيطر قوات سوريا الديمقراطية الكردية المعروفة بـ”قسد” على مناطق شمال، وشمال غرب سوريا، وتنتظر بدورها أي فرصةٍ للحصول على اللقاح، في ظل ضبابية تامةً للمشهد الدوائي المستقبلي هناك، ويتضح من التحركات الكردية أنّها تعول بالدرجة الأولى في الحصول عليه عبر مخاطبة منظمة الصحة العالمية، وفي هذا الحال فمن الممكن أن يمر اللقاح عبر دمشق، وهو الأمر الذي ما زال قيد المتابعة.
أكدت الدكتورة أكجمال ماجتيموفا (ممثلة منظمة الصحة العالمية في دمشق) في مقابلة سابقة مع “رويترز” أنها تأمل أن تبدأ حملة التلقيح في أبريل (نيسان)، لكنها نبهت أن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول اعتماداً على عدة عوامل وامور مجهولة حالياً.
وأكدت ماجتيموفا في حديثها أنّ أي إمدادات لعدد أكبر من اللقاحات الآمنة والفعالة التي تستطيع سوريا الحصول عليها ستعتمد على اتفاقات ثنائية وليس لمنظمة الصحة العالمية أي دور في هكذا نوع من الاتفاقات.
بواسطة أسامة إسبر | مارس 7, 2021 | Culture, غير مصنف
نعتَ شاعرُنا العربي الكبير المتنبي الموتَ بالغدر، واعتبره أيضاً ضرباً من القتل، في بيته الشهير الذي يقول فيه:
إذا ما تأمَّلْتَ الزمانَ وصرفَه
تَيقَّنْتَ أن الموتَ ضربٌ من القتل
وهو فعلاً نوع من القتل حين يستهدفُ شخصيات فكرية وإبداعية لم تتوقف يوماً عن العمل من أجل تغيير المجتمع نحو الأفضل باذلة من أجل ذلك الغالي والرخيص، ومفضلة حياة المنفى على حياة الذل والخضوع. وإذا لم يمتلك المرء إيماناً دينياً من نوع ما سيبدو له الوجود لعبة ومسرحاً عبثياً لموت متواصل، فيما الحياة الحرة الكريمة، حياة الحقوق والمواطنة والاختيار، حياة التغيير والتجدد شبه منعدمة، والسبب في ذلك طبيعة النظام الاستبدادي السائد، وطبيعة جزء كبير من الفكر السياسي المعارض السائد والاثنان لا يكفان في منطقتنا عن الصدور عن بنية واحدة، أو بحسب الفكرة الألتوسيرية، عن البنية الإيديولوجية والتي يحدث فيها تواطؤ مريب: أي تتواطأ العائلة والمدرسة والإعلام والمسجد والنقابات والأحزاب التوفيقية والقوانين والمنظومات والعادات والتقاليد والأجهزة القمعية بمختلف أنواعها في تشكيلها، وبالتالي تسهم في ولادة الإنسان الممتثل والخاضع والخائف من التغيير والقابل للواقع السائد بكل إكراهاته، وهكذا يخرج الحاكم وكثير من معارضيه من المنظومة نفسها. إلا أن هذا يجب ألا يكون مدعاة للتشاؤم والسوداوية وموت الأمل، بل يجب أن نكون كما قال المسرحي السوري العظيم سعد الله ونوس محكومين بالأمل، وإذا كانت البنية تتحكم وتُنتج وتفرض نظرة الإنسان إلى الوجود والثقافة التي تحد من خياراته، وتدعوه للامتثال إلا أن وعيه لذاته وتمرده عليها، وبالتالي تمرده على البنية – الرحم يؤدي إلى ولادة ذاته المغايرة كإنسان حر رافض لذاته كنتاج للبنية، وبالتالي ولادته وانبعاثه من ذاته القديمة الموروثة في ذات جديدة، ذات الإنسان الرافض للواقع السائد والمنادي بتغييره. هذه الولادة الجديدة للذات السورية المغايرة حقّقها وجسّدها حسان عباس، الذي توفي أمس إثر صراع مع مرض عضال، مات لكنه وُلد في الفكر المتحول والذي لا يموت والذي هو وحده القادر على إنقاذ سوريا من الموت. فقد رفض أن يكون نتاج البنية التقليدية التي تصنع الإنسان الممتثل المهادن والقابل للأمر الواقع، وقرر أن يكون ذاتاً جديدة تنادي بالتغيير، وبالتالي كان صوت ذاته الجديدة والتي وضعتْهُ على المسار الفكري الصحيح، مسار نقد الأوضاع السائدة وتأصّلها في الثقافة الموروثة، وحين حدثت الانتفاضة السورية أعلن على الفور وقوفه مع خطها المدني لكنه لم يهادن الخطوط الأخرى التي التهمتها وحافظ على موقفه النقدي مشدداً على دور الكتاب والتربية والتعليم والإبداع الفكري والأدبي والفني الموسيقي والسينمائي والعمل الثقافي الدؤوب القائم على البحث المعرفي في خلق ثقافة تنويرية بديلة هي التي ستنقذ المنطقة من التهاوي المتواصل في ظلام الاستبداد والفكر الأصولي.
كانت معرفتي بحسان عباس جيدة جداً، وحين كان في المعهد الفرنسي، وجه لي دعوة مع بعض الشعراء الشباب الآخرين لإحياء أمسية شعرية ونقاش مفتوح مع الحضور، كانت هذه أول أمسية شعرية لي في دمشق، وبالتالي أن تكون الدعوة موجهة من حسان عباس فهذا يعني أن هناك سبباً وراءها والسبب هو أنه كان يؤمن بالعمل الثقافي والإبداعي وبضرورة دعم المواهب الشابة ووضعها في سياق ثقافي مختلف في وقت كانت فيه المراكز الثقافية الرسمية (باستثناء بعض المراكز التي لعبتْ فيها المبادرات الشخصية دوراً لافتاً) لا تعبر عن نبض الإبداع السوري، لا يعني هذا أن المعهد الفرنسي يجب أن يكون بديلاً، بل أنه قد يكون بديلاً مهماً حين تكون فيه قامة مهمة كقامة حسان عباس، تفهم ألاعيب القوة وتعرف كيف تفتح منافذ الاستقلالية والخصوصية. ولم يتوقف الأمر هنا، فقد كان حسان عباس شعلة ثقافية حية استطاعت أن تؤسس لجو ثقافي بديل في وقت كانت فيه روح الشباب تبحث عن منافذ لها خارج التدجين الثقافي العام الذي سُلط عليه سيف الرقابة.
لم يكن حسان عباس في أيامه الأخيرة متفائلاً كما كان في ٢٠١١، لكنه حين رأى أن الحل الأمني سلك طرقاً شرسة وعنيفة أدت إلى وأد النزعة المدنية وتحويلها إلى تيار ديني متطرف، وبعد أن تحولت الصرخة المدنية إلى خطبة دينية، وانفتح باب العسكرة على مصراعيه، ووُلد التطرف الديني ودخل مالُ النفط الخليجي على الخط واشتُريت الذمم واستُلبت الإرادات، وأُفْسدت النفوس وتفككت الدولة وفقدت أراضيها وتجسدت في ميلشيات وتجسدت المعارضة في جماعات أصولية يقودها أشخاص على صلة بالقاعدة، وصار الحلفاء أصحاب القرار في البلد، لم ير حسان عباس المستقبل مشرقاً ومضيئاً، وتحدث في حوار أجراه معه منذ مدة قصيرة ”معهد حرمون للدراسات المعاصرة” عن ”مشهد عبثي“، ولم ير أية صورة مشرقة وردية لمستقبل سوريا القريب، وكان الشيء الوحيد الذي تخيله صورة كارثية تعكس بلداً ممزقاً دولته فاشلة وسيادته مُنتهكة ومجتمعه متصدّع طائفياً واقتصاده منهار ويواصل انهياره. غير أن حسان عباس لم يكن من النوع المتشائم وهذه ميزة المثقف العضوي التغييري المحب لشعبه، لهذا نوه في الحوار نفسه أن الصورة العبثية التي يتحدث عنها هي صورة سورية في المستقبل القريب، وليست سورية المستقبل، التي يجب أن يعمل السوريون الحقيقيون على أن تُعمَّر من جديد، وبإرادة سورية مستقلة، بعيداً عن الإملاءات الخارجية. ولهذا كان حسان عباس يرى منذ البداية، أي منذ بداية كتاباته حول الشأن السوري أن العمل الثقافي التنويري هو الجوهر الأساس في كل شيء، إذ لا يمكنك أن تغيّر مجتمعاً إذا لم تُغير رؤيته للعالم والحياة، إذا لم تُفْهمهُ أنه ما يزال تحت المجتمع، وأن عليه أن يكون مجتمعاً بالمعنى الحقيقي والمدني للكلمة. وكي تغير هذه الرؤية عليك أن تكون مخلصاً للمبدأ الفلسفي اليوناني: اعرفْ نفسك، و أن تفكر بكيفية ولادة ذوات جديدة، ذوات قادرة على أن تتمرد على نفسها كنتاج للبنية اللاشعورية، ذوات لا يمكن أن تعاود المنظومات القديمة إنتاج نفسها من خلالها وبالتالي هي ذوات تنويرية تمتلك رؤية جديدة للتغيير، تتمرد على نفسها وتتحرر وتُجسِّد أخلاق الحقيقة ومقاومة الاستبداد السياسي والتطرف الديني، ولا مستقبل لسوريا إلا بتحطيم هذه البنية والتي صارت في منطقتنا، نبع الاستبداد والتطرف سواء أكان يرتدي بدلة العلمانية أم عباءة دينية.
قضى حسان عباس لكن آراءه لن تموت وهي التي أبدعتها ذات حقيقية مغايرة أنجبت نفسها في سياق البحث عن الحقيقة وفي تجسيدها للصوت المقاوم لكل أشكال الاستبداد والتخلف، وهي دوماً ستشكل زوادة لكل مُنْجبٍ لنفسهِ وصاقلٍ لها، ولكل رحالة على دروب التغيير السياسي، ولكل باحث عن الحقيقة خارج المسرح الإيديولوجي المليء بالأكاذيب والتشويهات، مسرح العبث السوري حيث الخريطة نفسها تبدو كما لو أن خطوطها تتحرك بشكل سريالي أو تدور كدواليب اليانصيب فلا نعرف على ماذا سيتوقف الرقم أو إذا كان سيتوقف في المستقبل القريب.
قضى حسان عباس من ورم خبيث غير أنه لم يكن رقماً عابراً، كان صوتاً منقذاً ومداوياً، هذا الصوت الحر الذي، في سيمفونية إبداعية وحرة مع أصوات سورية أخرى حرة مُنقذة، سيظل يعمل على مداواة الجسد السوري من ورم الاستبداد والتطرف.