بواسطة Salon Syria Team | فبراير 3, 2021 | Cost of War, Roundtables, غير مصنف
يتفاقم الوضع المعيشي والإنساني في سوريا، يوماً بعد يوم. وأثار هذا الوضع المتردي غضب السوريين سواء من يعيش منهم في مناطق الحكومة أو خارج سيطرتها، لأنه يؤثر في الناس مباشرة. وصار يُطلق على سوريا من باب التهكم اسم “جمهورية الطوابير”، إشارة إلي الأعداد الهائلة من السوريين التي تصف على الدور في انتظار الخبز والغاز والوقود، ما انعكس على الحياة اليومية.
وانتشرت في الإعلام الاجتماعي صور سوريين يشكلون طوابير بلغ طولها كيلومترات بانتظار وقود أو جرة غاز أو ربطة خبز، وسط انتقادات في دمشق لغياب رؤية حكومية لحل الأزمة، وفي ظل لامبالاة روسية وإيرانية ودولية، في وقت تشتد وطأة العقوبات الغربية وخاصة بعد “قانون قيصر” الأميركي.
لتسليط الضوء على الجوانب المختلفة لهذه المسألة – المعاناة، يُنظم “صالون سوريا” طاولة مستديرة لمناقشة ذلك، ويدعو كتاباً وخبراء، إلى مناقشة المواضيع والقضايا التالية:
1- ما هي أسباب الازمة وتفاقم معاناة السوريين داخل البلاد؟ هل السياسات الداخلية أم العقوبات الخارجية؟ سلوك حلفاء دمشق؟
2- أسباب انهيار الليرة السورية، وكيف يمكن تحليل التفسيرات والسرديات الرسمية للحكومة في هذا الخصوص؟
3- ما تأثير “قانون قيصر” على الوضع الاقتصادي في سوريا؟
4- ما هي أسباب الوضع المتدهور الحالي في سوريا وما هي السياقات التاريخية؟
5- ما انعكاس التدهور الاقتصادي في لبنان على الوضع الاقتصادي في سوريا؟
6- ما أسباب انقطاع الوقود والغاز وارتفاع أسعار المواد الغذائية؟
7- كيف يلعب تدهور الزراعة في سوريا دوراً في الأزمة المعيشية؟
8- ما دور النفط السوري في الأزمة الحالية؟ وكيف تدير الجهات المشرفة على حقول النفط السورية عمليات الإنتاج والتوزيع؟
9- كيف يمكن تحليل اقتصار الدعم الروسي على الجانب العسكري فيما تغفل روسيا مدّ يد المعونة الاقتصادية للشعب السوري؟
10-ما أسباب تراجع دور إيران الاقتصادي، خاصة أن إيران كانت تمد الحكومة السورية القائمة تاريخياً بالوقود؟
11- ما طبيعة الحلول الاقتصادية المقدمة في المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام؟ وكيف تُدار الأمور هناك؟
12- ما هو تأثير تفشي كوفيد ١٩ والفيروسات المتحورة عنه على مستقبل الاقتصاد السوري؟
13- ما هي الحلول والسبل للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية الراهنة؟
يتطلع فريق ” صالون سوريا” لاستقبال المواد لمناقشة هذه الاسئلة.
ستنشر المواد الواردة تباعاً وتفعل روابطها:
كورونا: تفصيلٌ صغيرٌ في يوميات السوريين
لوحات دمشقية: تنافر العيش في وفرة العتمة
الموزاييك: حرفة تلفظ أنفاسها الأخيرة
شتاء سوري طويل دون تدفئة
“لم يتبقَّ شيءٌ للبيع غيرُ كليتي”
الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا
لماذا خسرت سوريا نصف ثروتها الحيوانية؟
الطب البديل خيار استراتيجي لمن لا يملك ترف الاختيار
السوريون أحياء لكنهم لا يعيشون
سوريا والعيش في وفرة العتمة
ما الفوائد التي تجنيها روسيا من الأزمة الاقتصادية الخانقة في سوريا؟
شهادات أطباء متضاربة حول أداء المستشفيات خلال جائحة كوفيد-١٩
“جيل ضائع” بإدلب بين تسرب التلامذة وهجرة الاساتذة
“الخبز الذكي” و الليبرالية الجديدة الحمقاء
الانتحار في سورية: أزمة حرب أم ظاهرة طبيعية
عمال المياومة: أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية السورية
غلاء المعيشة يغير تقاليد عيد النوروز
موسيقى الشباب في سورية: بين الحرب وكورونا
السخرية في مواجهة العدم
بواسطة Ibrahim Hamidi | فبراير 3, 2021 | News, Reports
المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، الذي يتردد على دمشق كثيراً، قام و«جنرالات كبار» بزيارة سرية إلى العاصمة السورية نهاية الأسبوع الماضي، والتقى الرئيس بشار الأسد. فلماذا لم تعلن موسكو ودمشق عن هذه الزيارة؟
حسب المعلومات المتوفرة، السبب المباشر كان له علاقة بانعقاد اجتماع اللجنة السورية في جنيف وكيفية ترميم الفجوة بين دمشق وموسكو. والسبب الأعمق، له علاقة بثبات تفاهمات إدلب وتعزيزها بترتيبات ميدانية لوقف التدهور العسكري جنوب سوريا وشمالها الشرقي، خصوصاً مع تسلم إدارة الرئيس جو بايدن وقرب «استحقاق» الانتخابات الرئاسية السورية منتصف العام، الذي تدعمه روسيا وتريده «منعطفاً» بعلاقة دمشق والخارج.
تطابق «الضامنين»
بعد لقائه الأسد في دمشق، توجه لافرينتييف إلى جنيف لمتابعة أعمال «الدستورية» ولقاء الطرفين الآخرين لـ«ضامني» آستانة، والمبعوث الأممي غير بيدرسن. كان لافتاً «مدى التطابق» بين «الضامنين» الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، خلال اجتماعهم في جنيف. تقييم المتحدثين الثلاثة لأعمال «الدستورية» كان واحداً، مفاده ضرورة الاستمرار في عملها رغم البطء وعدم تحقيق اختراق، وضرورة التمسك بـ«هذا الإنجاز السياسي» ورفض فرض أي برنامج زمني من الخارج على هذه «العملية، وهي ملكية سورية وبقيادة سورية». ليس جديداً التقارب بين روسيا وتركيا، لكن الجديد كان قرب التقييم التركي من قراءتهما. الاعتقاد السائد لدى دبلوماسيين غربين، أن الفجوة تضيق بين الأطراف الثلاثة مع تسلم الرئيس بايدن وقناعتهم أن فريقه داعم لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي بقيادة «وحدات حماية الشعب» الكردية.
قبل اجتماع «الضامنين» الثلاثة، حصل كل طرف على قراءة لنتائج الجولة الخامسة لـ«الدستورية». 5 أيام، كانت أشبه بـ«ندوة ثقافية» بين نشطاء وخبراء ومحللين، و«ليس تفاوضاً سياسياً». وفد الحكومة، كان يقول إنه «قبل الدخول في صياغة الدستور» لا بد من إجراء مزيد من «النقاش والإعداد» حول السيادة وحدودها والرموز الوطنية والعروبة وعلمانية الدولة واللامركزية الإدارية والموقف من «الاحتلالين التركي والأميركي». رئيسه أحمد الكزبري قدّم ورقة خطية بهذا المعنى هي نسخة مختصرة من ورقة قدّمها بالدورة السابقة. وفد «هيئة التفاوض» المعارضة، الذي فقد ممثلي «منصتي» القاهرة وموسكو، كان مستعداً للدخول في صياغة مبادئ الدستور والاتفاق على آليات العمل للجولات المقبلة. ورئيسه هادي البحرة، قدّم ورقة لـهذه «المبادئ».
المبعوث الأممي غير بيدرسن كان يراقب هذا الخلاف، ونقله إلى «الضامنين». لأول مرة اقترب بيدرسن، المعروف باختيار كلماته بدقة، من تحميل وفد الحكومة مسؤولة الفشل. قال علناً إنه أصيب بـ«خيبة» وإن الكزبري لم يقبل مقترحات البحرة. وكان لافتاً أن بيدرسن لم يعلن في ختام الجولة الخامسة موعد الجولة المقبلة بداية مارس (آذار)، لأنه يريد «ممارسة بعض الضغط» على موسكو ودمشق للوصول إلى «صفقة كاملة»، تتضمن موعد الجولة المقبلة، وآليات العمل وصياغة الدستور، وآلية التنسيق بين الكزبري والبحرة.
ترتيبات عسكرية
لافرينتييف، القادم من دمشق ولقاء الأسد، كان يتابع الفجوة السورية والتقارب الثلاثي. يعرف أن فرنسا تدفع لإعلان وفاة «اللجنة الدستورية». يعرف أن إدارة بادين ستدفع لـ«شرعنة سياسية» لحلفائها الأكراد، هو يعرف أن ضغوطاً تمارس على بيدرسن لفتح بوابات أخرى لتنفيذ القرار 2254. كان يتوقع أن «تلعب دمشق شكلياً بطريقة أفضل»، وكان هذا أحد أسباب زيارته لدمشق. لكن أغلب الظن، هناك أسباب أخرى يريدها الجيش الروسي وجنرالاته، تخص أموراً ميدانية.
خطوط التماس ثابتة في إدلب بفضل تفاهمات موسكو وأنقرة، لكن هناك 3 ملفات ميدانية ساخنة حالياً؛ درعا، السويداء، الحسكة. بالنسبة إلى الملف الأول، الخاص بالوضع في غرب درعا، سعى ضباط قاعدة حميميم بالتوسط بين «لجنة التفاوض» المحلية و«الفرقة الرابعة» بقيادة اللواء ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، للوصول إلى صيغة تحول دون اقتحام عسكري لطفس. جرت جولات وتأجلت المهلة برعاية روسية للوصول إلى صيغة في منطقة تخص التفاهمات الأميركية – الروسية التي وافقت عليها إسرائيل في منتصف 2018. تفاهمات ساهم مسؤولون في إدارة باراك أوباما بصوغها والتمهيد لها، هم الآن في إدارة بايدن.
يتعلق الملف الثاني بالوضع في السويداء. ليست المرة الأولى التي يحصل توتر في هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية. لكن اللافت هذه المرة هو خروجه إلى العلن بالتفاصيل، تسريبات من أن رئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي «وجّه إساءات» للزعيم الروحي للدروز بهجت الهجري. وتسريبات أخرى حول مطالبة الأخير بـ«اعتذار رسمي» وإقالة العلي، وعدم اكتفائه باعتذارات من مسؤولين محليين. اللافت، هو تسريب حصول اتصال بين الأسد والهجري. لم يعلن الخبر رسمياً من دمشق، لكن مواقع تواصل اجتماعي موالية لدمشق، أعلنت مساء الأحد، أن «السيد الرئيس اطمأن على صحة سماحة الشيخ الهجري، وأكد على اللحمة الوطنية وأن المسيء لا يمثل إلا نفسه». وأشارت إلى «إقالة العلي وتكليف العميد أيمن محمد بدلاً منه».
لم تعلن هذه التفاصيل رسمياً، لكن مصادر محلية في السويداء أشارت إلى بعد أوسع من التفصيل المحلي. هناك اعتقاد أن «مرونة دمشق وتظهير التوتر، جاءا بجهد روسي، يرمي إلى استمالة أهالي السويداء وفصائلها المحلية لإبعادهم عن إيران و(حزب الله) اللذين يعملان على الانتشار في أطراف المدينة». وهناك اعتقاد دبلوماسي، أن هذا يمس الصورة الأوسع الخاص بالعلاقة بين واشنطن وموسكو وتل أبيب والملف الإيراني.
أما الملف الميداني الثالث، فيخص التوتر شمالاً. قوات «الإدارة الذاتية» تحاصر «المربع الأمني» التابع لدمشق بالحسكة. قوات الحكومة ترد بمحاصرة جيوب الطرف الآخر في حلب، وخطوط في القامشلي. ضباط قاعدة حميميم، أيضاً، دخلوا على الخط. حققوا بعض الاختراقات التي تخص تبادل إطلاق موقوفين من «قسد» وقوات الحكومة، لكن الاستعصاء لا يزال قائماً لأنه يخص الصورة الأوسع، العلاقة بين موسكو وواشنطن وأنقرة، بعد وصول بايدن الذي يضم فريقه مغرومين بالأكراد، ومجروحين من روسيا، ومشككين بتركيا.
حسب اعتقاد مسؤولين غربين، هذه العناصر هي على الطاولة السورية – الروسية، وبعضها بحث خلال زيارة لافرينتييف، في وقت ظهرت أصوات أميركية تدعو لـ«انخراط مشروط» عبر مقاربة «خطوة من دمشق مقابل خطوة من واشنطن». دمشق التي تسعد للانتخابات الرئاسية تواصل تصعيد الخطاب ضد «قسد» من جهة، وضد العقوبات الغربية من جهة ثانية، وترمم علاقتها مع «حلفائها القدامى» من جهة ثالثة؛ حيث لوحظ إعلانها لتفاصيل اتصال وزير الخارجية فيصل المقداد بنظيره الصيني وانغ يي، و«إدانة الإجراءات الاقتصادية القسرية المفروضة بشكل غير شرعي».
**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».
بواسطة Salon Syria Team | فبراير 2, 2021 | Cost of War, Reports, غير مصنف
لا شك أن الوضع العالمي الناجم عن تفشي وباء “كوفيد ١٩” ألقى بظلاله على الصحافة الإلكترونية والمطبوعة، خاصة في منطقتنا العربية. وتأثر موقعنا، ”صالون سوريا“، بهذه الظروف العامة، ما أدى إلى خفوت نشاطه وتعليق استقبال مواد جديدة من كتاب وصحفيين في الفترة القصيرة السابقة. لكن، مع بداية العام الجديد يعود إلى قرائه، ويواصل تسليط الضوء على الشأن السوري بمختلف جوانبه واشكالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الظروف التي فرضها تفشي الوباء، وصعوبة التنقل بين البلدان، والأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا ودول الجوار، أثرت على عمل كثير من المنظمات بينها ”صالون سوريا“. وفي ضوء هذه الأوضاع الصعبة، سيجْمعُ “صالون سوريا” بين نشر مواد مدفوعة الأجر ضمن حدود متاحة وبين مواد تُنْشر على أساس تطوعي. ولا شك أن العمل التطوعي عامل مهم يُسْهم في استمرارية المنابر الإعلامية، ومنها ”صالون سوريا“ الذي لا يتحيّز لأي طرف، بل يبحث عن الحقيقة ويدافع عن القيم والتطلعات والمصالح المشتركة بين السوريين في مختلف مناطقهم وخلفياتهم واتجاهاتهم، كونه منبرا مفتوحا للنقاش الجاد والمسؤول ومعنياً بالمساهمة في بناء مستقبل سوريا والسوريين بعيداً من مصالح آنية ضيقة أو إرادات خارجية.
سيُشرْع موقع ”صالون سوريا“ على الفور باستقبال ونشر مواد ومقالات جديدة ونصوص أدبية. ويرحب فريق “صالون سوريا” خصوصاً بمواد تغطي قضايا تمس الواقع السوري الحالي كالتدهور الاقتصادي وانهيار الليرة والأزمة المعيشية الخانقة التي تؤثر على حياة السوريين وتحرمهم من حقوقهم في حياة حرة كريمة يتحقق فيها الأمن الغذائي والسكني والصحي. وسيلقي “الصالون” الضوء على الأوضاع في مختلف المناطق السورية بكافة أطيافها السياسية ومشاكلها الداخلية والخارجية.
سيعيد فريق “صالون سوريا” تنظيم سلسلة من “الطاولات المستديرة”، التي ستركز على قضايا المرأة السورية وتلوث البيئة والتغير المناخي والسموم المتخلفة عن انفجار الذخائر على الأرض السورية وتأثيرها في غذاء السوريين وحليب الأمهات، والواقع الحالي لتفشي فيروس “كورونا”، وتردي الوضع الصحي في المستشفيات بسبب الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي والافتقار للأدوية والتجهيزات الطبية وعوامل أخرى. كما سيدعو الموقع الكتاب إلى تحليل الدور الأميركي والروسي والتركي والإيراني والأوربي وغيره في القضية السورية من خلال تحليل طبيعة هذه الأدوار وأهدافها ومراميها البعيدة.
تكتسب مناقشة هذه الملفات، بُعداً إضافياً حالياً مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لبدء الأزمة السورية.
يعود موقع ”صالون سوريا“ إلى قرائه من جديد، مشدداً على التعويل على الروح التطوعية للكتاب وعلى أن هذه المنصة، منبر كل قلم معني بالشأن العام، وبسوريا كدولة مواطنة وقانون.
في ظل هذه الظروف التي تزيدها قتامة احتمالات تفاقم السلالات الجديدة من “كورونا”، يصبح الإعلام ضرورة ملحة تقتضي تضافر الجهود كلها، لمد عمر الصحافة الجادة والهادفة.
بواسطة طارق علي | فبراير 2, 2021 | Cost of War, News, Reports, غير مصنف
تستمر أزمة البنزين في الداخل السوري لتدخل شهرها الثاني، مشهد الازدحام لا يبدو أنه انخفض أو سينخفض في الأيام القليلة المقبلة، إذ صار من الواقع بما لا يدعو للقياس أكثر من مرةٍ، أن معظم الكازيات تشهد ازدحاماً مطابقاً ليومها السابق، وهناك طوابير وصل بعضها إلى ثلاثة كيلومترات، ما يحتم على السائق في أحيانٍ الانتظار لـ48 ساعة لتعبئة المادة في سيارته المحدودة لثلاثين ليتراً فقط لا أكثر، وبتباعد زمني عن التعبئة السابقة يكون أسبوعاً على الأقل. ورغم أن هذا الارتجال الحكومي حمل معه وعداً للسوريين بأنهم سيلحظون انخفاض الازدحام، ولكن ذلك لم يحصل حقاً، الطوابير ازدادت، ساعات الوقوف ازدادت، التعب ازداد، الغضب ازداد، الصبر وحده انخفض، انخفض وبدأ يحمل معه غضباً واضحاً على ملامح الناس، في المحطات، في الأسواق والطرقات، على اعتبار أن الأزمة التي بدأت من البنزين لن تقف بتأثيرها عنده، بل كان للأسعار التي ارتفعت فجأة في أسواق الهال حديث آخر.
أسئلة مشروعة
حاولت – ولا زالت – الحكومة السورية الارتجال في إيجاد الحلول، هذا إذا ما تم اعتبار أنه قد تم تحليل المشكلة وتشريحها لفهمها قبل الإدلاء بالتصاريح والبدء بتنفيذ استراتيجية لم تجد نفعاً، سيما مع التصريحات التي تأخذنا لتقول أن مصفاة بانياس تنتج معظم الحاجة السورية، وبأنها بعد العمرة ستنتج بزيادة عما سبق تصل إلى 25%، ما يقودنا نحو السؤال الملح، لماذا العمرة في هذا الوقت!.
هذا السؤال أجابت عنه وزارة النفط ومعها مؤسسات المحروقات، بأن ما يحصل الآن هو عمرة دورية، فالمصفاة وصلت لمرحلة قد تخرج فيها عن الإمداد ما لم يتم إجراء العمرة/الصيانة لها، وحالاً، وهنا السؤال، لماذا حالاً! أجابت الوزارة لماذا، ولكنها غابت تماماً وغيبت أجهزتها عن الإجابة الكاملة، أو حتى الشرح لماذا لم تتم العمرة سابقاً، وهي سبق وأن أسلفت أن آخر عمرة كانت في عام 2013، إذن، كان أمام الوزارة سبع سنوات كاملة لإجراء العمرة، يتخللها عاما 2014/2015، وفي هذين العام كان يمكن القول أن البلد غارقة بالمادة دون تسجيل أي نقص ولو طفيف بمستوى الإيراد والتحضير، فيما راح ناشطون يدونون أسئلتهم المتمحورة حول الجزئية ذاتها، متسائلين لماذا لم تجرى هذه العمر في الربع الثاني من العام الجاري!، على اعتبار أن البلد حينها كانت في مرحلة حظر الحركة والتجول، ما جعل الحاجة إلى المادة أقل بكثير قياساً بأي وقت آخر، وكانت المادة متوافرة في السوق دون أي ازدحام، ما يضعنا مجدداً في موضع المنتظر للإجابة من حكومة عينها لا تملك الإجابة، وإن ملكتها، فهي ستخبئها لا لأنه ثمة هدف سياسي من الأمر، بل سبب وراثي تكتسبه الحكومات السورية في الهرب من المواجهة بالمعلومة، وإن كانت صحيحة، سيما أن كل ما تفعله صار ثقيلاً على صدر المواطن غير المتقبل لأزمات تخلق عقب أزمات، إذ لا يكاد يخرج السوري من أزمة حتى تتلقفه أزمة أشد وطأة. فهناك أيضاً أزمة الخبز التي دخلناها في هذه الأيام مع البطاقة الذكية، البطاقة عينها التي جاءت لتنظم توزيع البنزين والخبز والسكر، فخلقت أزمة، ذاتها الآن ستتكفل بموضوع الخبز، والتي نجحت في أن تنقل الازدحام من نوافذ الأفران إلى (دكاكين) المعتمدين، ففي دمشق وطرطوس صار هناك طوابير جديدة للخبز، الخبز أي المادة الرئيسية في حياة المواطن.
مشاهد مكررة
أبو سامي، سائق سيارة عمومية، لليوم الثاني ينتظر دوره على محطة وقود حكومية، ويقول عن تجربته: “بنطر يومين لعبي، بروح بشتغل 3 أيام، برجع بنطر يومين على الكازية، وهيك، صرلي شهر، يعني فيك تقول قضيت شي 10 أيام من أصل 30 يوم بالشهر وأنا نايم ع لكازيات، وعلى اجا الصهريج وما اجا، عطل الفرد ولا اشتغل، خناقة مع اللي وراك من ضيقة خلاق العالم، دفشة صغيرة للي قدامك لأنو خلص بنزين سيارتو، هيك مقضيينها”.
وكذلك كان حال الأسبوعين الأولين مع مفتاح وهو أيضاً سائق عمومي: “أول فترة كنت انطر متلي متل هالعالم، بس ما بقى وفت معي، صرت روح اشتري بنزين حر الغالون بـ40 ألف، وبرفع أسعار طلباتي أربع أضعاف وبعرف أنو بيصير رقم فلكي وكبير ع لمواطن بس اللي مضطر بيطلع وأريح الي ما نام ع دوار الكازيات”.
السوق السوداء
علماً أن الحكومة تدعم مواطنيها ب100 ليتر بنزين بسعر 250 ليرة سورية لليتر الواحد، وتقدم له 100 لتر إضافية غير مدعومة بضعف سعر المدعوم، وكان نشط سوق البنزين السوداء بحضور وكثافة عالية على الطرقات الدولية، ومداخل المدن، ليسجل سعر الغالون الواحد (20 ليتر)، 40 ألف ليرة سورية، قياساً ب5 آلاف ليرة سورية للغالون المدعوم، أي بزيادة ثمانية أضعاف عن سعره داخل المحطة، ويرجع أمر توافر البنزين في السوق السوداء لعاملين، الأول نتيجة التلاعب في محطات الوقود وتوفير بنزين سري يتم بيعه إلى الخارج، والثاني عبر التهريب من المنافذ غير الشرعية بين سوريا ولبنان، وفي الحالتين لم تنفذ أي حملة من قبل الشرطة لمكافحة الظاهرة على الطرقات العامة، والتي تعرض بضاعتها على طرفي الطريق.
سوق الهال يحتاج البنزين
انعكست أزمة البزين على قطاعات أخرى، أبرزها أسواق الخضار، التي ارتفعت أسعارها مع انقطاع المادة، نظراً لأن المادة التي تمر من الفلاح إلى سوق الهال إلى المحال المنتشرة، تمر بمرحلتين من النقل، كل مرحلة تكلف أكثر من قبل على اعتبار أن بعض هذه السيارات تعمل على البنزين، وهو بالضرورة ما خلق ارتفاعاً بالأسعار لينعكس على الأسواق التجارية أيضاً، وعلى كل شيء يتم أو سيتم نقله باستخدام السيارات، وضمنها أجور النقل بين المحافظات، وفي المحافظة ذاتها.
وعود ناقصة
وعدت الوزارة أن ينتهي ترميم مصفاة بانياس خلال الثلث الأول من تشرين الأول المقبل، على أن تعود المصفاة لمد المحافظات بالتوريدات التي انخفض معظمها إلى النصف، دون أن يكون هناك ذكر لمصفاة حمص الرديفة لبانياس، والتي بدورها تحتاج عمرةً أيضاً. وبدون أن تتحدث الوزارة عن الأمر، فهي تضع المصفاة أمام احتمالين، إما عمرة مفاجئة أو نقص جديد في التوريدات ولو كان في وقت بعيد نسبياً، إلا إذا تم ربط الانتاجية بصورة كاملة بمصفاة الساحل واعتمادها بالتوريد التام إلى الداخل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا في الوضع الراهن تنتج نحو ربع حاجتها من المشتقات النفطية يومياً، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة سيما مع استمرار تطبيق بنود عقوبات قيصر التي تحظر الاستيراد في سوريا.
بواسطة Yazan el-Haj | يناير 22, 2021 | Culture, غير مصنف
«صح النوم! خِلْصت الفضيحة.»
كان هذا الردَّ الساخرَ لصاحب المكتبة عام 2001 حين سألتُه عن نسخة من وليمة لأعشاب البحر. أذكر أنّي رددتُ بجملة صارخة اجتمعتْ فيها هرمونات سنّ السادسة عشرة مع بداية الطّبع الحاد الذي سيلازمني إلى اليوم: «على فكرة، عرفت حيدر حيدر قبل الضجّة!». لم يكن صاحب المكتبة ليفهم افتخاري الذي آنَسَني طوال العامين اللذين فصلا بين ضجّة إعادة نشر الرواية في مصر عام 1999 وبين أوّل صِدام شخصيّ حادّ حيال حيدر في مدينة دير الزور التي رسّختْ تلك الحادثةُ فيها إحساسي حينها بأنّها أضيق من عالمي. ربّما كان افتخارًا ساذجًا، ولكنْ ما أزعجني آنذاك التّعاملُ مع حيدر وكأنّه ولد فجأةً من الفضيحة، وكأنّه ما كان ليوجَد لولا تحريض من شخص أخرق لا يعرف القراءة. في واقع الحال، عرفتُ حيدر حيدر منذ عام 1997، حين قرأتُ جزءًا من سيرته في باب «مرفأ الذاكرة» في مجلّة العربي الكويتيّة، وأذكر أنّي سُحرتُ بكمّ ارتحالاته التي وسمَتْ حياته من حصين البحر إلى حلب إلى دمشق إلى بيروت إلى قبرص إلى الجزائر. ستسحرني تجربة مماثلة أخرى لاحقًا هي تجربة عبد الرحمن منيف، وحينها بدأتُ تلمُّس الفوارق بين التّجارب، وتلمُّس آلام الغُربة ومعنى العلاقة الشائكة التي تربط كلًّا منا بوطنه. ما الوطن في نهاية المطاف؟ أليس هو التّفاصيل الصغيرة التي تربط أيًا منّا بأرض ما، بمدينة ما، بنهر ما، بشارع ما، بشخص ما؟ لم أكن أعرف وليمة لأعشاب البحر حتّى في ذلك العام الذي شهد صِدامي الأول (الذي ستليه صِدامات كثيرة) حول جوهر الأدب وصلته الغامضة بالفضيحة. ولكنْ كنتُ قد قرأتُ حكايا النّورس المهاجر وربّما الومض. حكايا النّورس المهاجر حتمًا، إذْ أذكر الصّدمة التي صعقتني عند قراءة الفهد التي كانت إحدى قصص المجموعة وصارت تُطبَع لاحقًا منفردةً بوصفها نوڨيلا خارج نطاق المجموعة الأصليّة التي أدخلتْ اسم حيدر حيدر إلى مشهد الأدب السوريّ أواخر الستينيّات.
ما كنتُ أعرف من الأدب السوريّ آنذاك إلا تجارب مخيّبة مع أعمال متفرّقة لعبد السلام العجيلي وكوليت خوري وغادة السمّان، ولذا بدتْ الفهد ناتئة عن كلّ ما قرأت. هنا كاتبٌ يعجن اللغة على هواه ويعيد إنتاجها صافيةً جارحةً في آن. هنا كاتبٌ يدرك جوهر الكتابة المرتبطة ارتباطًا لا انفصام فيه مع الطبيعة والمرأة والبلاد والمنفى … واللغة. اللغة مرةً أخرى، لأنّها توجز كلّ ما سبق. هنا كاتبٌ محكومٌ بالمفارقات التي سيّجتْ حياته وأدبه، إذ لا يُقرأ لذاته بل لكونه أُدخِل قسرًا في هذا الجدال أو ذاك، كما حدث في الضجة المصريّة الشهيرة. لم تُقرأ الفهد، مثلًا، إلا بوصفها خلفيّةً غامضةً للفيلم الذي أخرجه نبيل المالح مع أنّه يكاد لا يشبه الرواية؛ كان هذا الفيلم أحد أبرز الأفلام التي أقلقتْ مراهقتنا حين تداولنا مشاهدته سرًا بحثًا عن عري جسد الممثّلة إغراء، فيما كانت الرواية في عالمٍ آخر يولد من جسدٍ آخر هو جسد الأرض والإنسان، جسد التمرّد الذي حُكم عليه هو أيضًا بقراءات لاحقة غبيّة انطلقت من خلفيّات طائفيّة في سنوات الخواء السوريّ. أما وليمة لأعشاب البحر فقُرئت (إنْ كانت قد قُرئت حقًا) بوصفها فضيحة وإسفافًا لا من جانب الجهلاء الذين ثاروا بلا وعي كالعادة، بل أيضًا من جانب مثقّفين مثل محمد حسنين هيكل ورجاء النقّاش ومحمد الرميحي، فيما هي في واقع الحال إحدى أجمل الروايات العربيّة. ملحمةُ ارتحالات وغربة لا تنتهي، آسَفُ لأنّي أجّلتُ قراءتها بالرّغم من (على الأرجح بسبب) الضّجيج الذي رافق إعادة نشرها. ظننتُ حينها أنّها شبه سيرة ذاتيّة لكاتبها الذي عرفتُ لمحات من حياته، ولكنّ تلاحُقَ القراءات غيَّر تفكيري. ليس مهمًا إنْ كانت سيرة ذاتيّة أم لا، بل المهم أنّها سيرة؛ سيرة بشر حاولوا أن يبقوا بشرًا في عالم يسحق كلّ شيء. أظنّ أنّ أعظم ما علّمتني إيّاه تلك الوليمة هي أنّ حياة أيّ شخص تستحق أن تُكتَب وأن تُخلَّد، وأنّ التفاصيل التي تجعل البشر بشرًا هي جوهر الفنّ. ما أزال أذكر المشهد الأخير حيث يركض مهدي جواد في شوارع عنّابة قبل أن يغطس في البحر، أو بالأحرى قبل أن «يقذف جسده إلى البحر» بحسب جملة حيدر الدّقيقة الموجعة؛ مشهد سكنَ ذاكرتي وسيبقى إذ سرقتُه في قصة قصيرة مزّقتُها لاحقًا كي أنسف ذلك التأثير، كما تسلّلت لغة حيدر حيدر إلى لغتي وستبقى، وكما لَطَمَني التّاريخان اللذان يُنهيان الرواية: 1974-1983، مع ثلاث مدن هي الجزائر وبيروت وقبرص. ثمّة مَنْ يقضي تسع سنوات في كتابة عمل واحد، وينقّله معه أينما حلَّ وكيفما ارتحل، كما لو كان حقيبة منفاه أو حقيبة ما تبقّى من بلاده التي ضاقت حتّى عن أن تظفر إحدى مدنها بأن تكون مسرحًا لكتابة تلك الملحمة المؤرِّقة. لولا حماقةُ صاحب المكتبة ذاك، كانت قراءتي للوليمة ستتأخّر على الأغلب، إذ اندفعتُ في اليوم التالي إلى المركز الثقافيّ واستعرتُ نسخةً منها ودخلتُ إلى فردوس الرواية الذي يلتحم بالجحيم في متاهةٍ مرعبة. يخطر لي الآن أنّ المفارقات التي حكمتْ على حيدر حيدر انتقلتْ إليّ أنا أيضًا كلعنةٍ لا براء منها، إذ تذكّرتُ أنّي لم أحتفظ بأيّة نسخة من أعماله عندي؛ كانت إما نسخًا ورقيّة مستعارة أو نسخًا إلكترونيّة. ويحيّرني دومًا أنّه يغيب حين أقلّب في ذاكرتي الأعمال الأهم في الأدب السوريّ، وكأنّي لا أعدّه سوريًا أو كأنّ غيابه الورقيّ حَكَمَ عليه دومًا بأن يبقى عندي مثل طيفٍ لا سبيل إلى إحكام قبضة الحواس عليه. طيف سكنني ولن يتركني حتّى لو نسيتُه؛ طيف التصق بالذّاكرة إلى حدّ الغفلة إذ باتَ جزءًا منّي بلا وعي منّي؛ بات جزءًا من قاعدتي التي لا أرتضي استثناءً لها: الكاتب هو اللغة، الكاتب هو الأسلوب. ولذا غرقتُ في لغة حيدر حدَّ النّسيان.
أظنّ أنّ حيدر حيدر كان السّبب الأكبر في دفعي إلى قراءة أدب السبعينيّات السوريّ. صحيحٌ أنّه طرقَ أبواب النّشر أواخر الستينيّات إلا أنّه أقرب إلى جيل السبعينيّات الذين غيّروا خارطة الأدب السوريّ سردًا وشعرًا ومسرحًا. لم يجتمع الكمّ والكيف بهذه الدّرجة من الألق إلا في السبعينيّات: نزيه أبو عفش وبندر عبد الحميد ورياض الصالح الحسين شعرًا، سعد الله ونّوس مسرحًا، هاني الراهب وحيدر حيدر سردًا، ممدوح عدوان كعادته مثل نحلة لا تكاد تستقر على زهرة حتّى تغادرها إلى أخرى، وإنْ كانت زهرته الكبرى هي المقالات. هل كانت تلك السّنوات شديدة الخصوبة بحيث أنبتت كلّ هذه الأشجار، أم إنّ تلك الأسماء هي التي كانت غمامًا لمطرٍ أحيا أرضًا شبه قاحلة بعد أن صمت الروّاد أو غادروا إلى المنافي؟ لا نعلم بالتّحديد، غير أنّنا نعرف حتمًا أنّها أغنى سنوات في تاريخ سوريا المعاصر في الثقافة والفن (كيف لنا أن ننسى لؤي كيّالي ونذير نبعة ويوسف عبدلكي ومصطفى الحلّاج وعمر أميرلاي؟) لأنّها استوعبت الجميع على اختلاف اتّجاهاتهم. فلنبق في القصة التي كانت نقطة انطلاق حيدر حيدر. كانت الواقعيّة في القصّة قد حزمتْ آخر أمتعتها مع أعمال سعيد حورانيّة، لتمهّد لظهور عاصفة نصوص زكريا تامر التي جرفت كلّ ما كان قبلها بلا رحمة؛ نصوص لا تشبه القصة ولا تشبه القصيدة، ولكنّها تشبه تلك البلاد في فوضاها. غير أنّ حيدر لم يركن لوصفة تامر الأثيرة بالرغم من التّشابه الظاهريّ في دفقة الشّعر في أعمالهما، بل شقَّ طريقًا منعزلةً تأثّرت بالآداب الغربيّة وصانت بريق لغة التّراث ولكن بأدوات جديدة؛ طريقًا تحفر في الشّعر بإزميل الحكاية، أو تغرس قصائد في تربة سردٍ مغوٍ كمصيدة. كانت قصصه متفرّدةً لأنّها تبدو وكأنّها تضيق بحدودها، إذ بدت أقرب إلى سكتشات لمشاريع أكبر بدأها بـ الفهد، ومسّها مسًا طفيفًا في الومض والفيضان، ثمّ بدا وكأنّه وجد ضالّته أخيرًا في الوعول والتموّجات: قصص طويلة أقرب إلى النوڨيلا واصلَ كتابتها حتّى بعد نشر روايته الأولى الزّمن الموحش التي شرّح فيها دمشق بقسوةٍ جارحة، ليكتشف أنّ مبضع اللغة لن يهدأ إلا بتشريح باقي البلاد، كلّ البلاد، فكانت وليمة لأعشاب البحر، الوليمة الكبرى التي شغلته قرابة عقد في كتابتها واستنزفته قرابة عقد كامل من الصمت بعدها، قبل أن يعود بمفاجأة جميلة حملت عنوانًا غامضًا هو مرايا النّار، وعنوانًا فرعيًا أكثر غموضًا: «فصل الختام». ختام ماذا؟ لعلّها ختام فصول «نشيد الموت» الأربعة التي بدأ غنائها في الوليمة وبقيت أصداؤها عصيّة على التّلاشي. ولكنّها كانت في الوقت ذاته ختامًا حزينًا لأعمال حيدر في ذاتها. حين ثارت ضجّة وليمة لأعشاب البحر كانت تجربة حيدر حيدر قد أمست وراء ظهره حقيقةً ومجازًا. كانت أهم أعماله قد كُتبت ونُشرت منذ سنوات. كانت مرايا النّار أشبه بذروة أعمال حيدر، لا بمعنى أنّها الأفضل بل بمعنى أنّها ختام طريق الصعود، إذ بدأ ألق أعماله يخفت شيئًا فشيئًا حين التهمتُ أعماله كلّها عامي 2001 و2002. لعلّ بوسعنا استثناء مجموعة غسق الآلهة، وربّما كتاب مراثي الأيام، ولكنّهما – على جمالهما – عجزا عن منافسة أعماله الأقدم.
أنتبه الآن إلى عنوان هذا الكتاب: مراثي الأيام الذي صدر عام 2001، وكذا أنتبه إلى عنوانَيْ مجموعتين لنزيه أبو عفش صدرا في تلك السنوات: الله يبكي، وأهل التابوت. وأبدأ استعادة ذكريات تلك السنوات التي كنت فيها ثملًا باكتشافاتي المتلاحقة في قراءة تجارب جيل السبعينيّات، وغافلًا عن التقاط الإشارات الخفيّة التي التقطها أدباء السبعينيّات أنفسهم، ومتناسيًا التحوّلات الكبرى في سوريا آنذاك، مع انتهاء عهد طويل وبداية عهد آخر كان يومئ بسراب التّفاؤل. بدت سنوات العقد الأول من الألفيّة مرشَّحةً بقوّة للمقارنة مع سوريا السبعينيّات التي كنّا نظنّ أنّها كانت فردوسًا كي تضمّ كلّ تلك الغابات الوارفة، مثلما كنّا نظنّ أنّ ألق الأدب السوريّ سيعود في ظلّ الانفتاح الموعود. غير أنّنا كنّا سذّجًا وبقينا سذّجًا لسنوات. كانت الإشارات الخافتة آنذاك تومئ إلى أنّنا سنشهد أيامًا مختلفة، وهذا ما بدا للمراقبين الخارجيّين أيضًا: لا موت ولا معتقلات ولا منافي؛ سوريا «الانفتاح» حيث الصحافة الجديدة وشركات الموبايل والسيّارات التي ستصبح في متناول الجميع؛ سوريا إغلاق سجن المزّة وعودة المنفيّين وتكريم الأدباء الشيوخ بأوسمة الاستحقاق؛ سوريا الجوائز التي تَعِدُ الأدباء الشّباب بدُنيا لا تحزّبات فيها ولا رقابة ولا تحجّر العهد البائد. على أنّ هذه الصورة تُخفي صورةً أخرى أبلغ وراءها. كانت تلك السنوات نفسها هي التي شهدت الموت السريريّ لجيل السبعينيّات: أُقيل أنطون مقدسي من منصبه في وزارة الثقافة وهو كان عرّاب سنوات السبعينيّات؛ مات سعد الله ونّوس وهاني الراهب وسيلحق بهما ممدوح عدوان بعد بضع سنوات؛ تفرّقَ في المنافي من لم يمت بعد من الرسّامين؛ عاد زكريا تامر إلى منفاه بعد أن خُدع في «الوطن» وخلد إلى الصمت الذي كان سعيد حورانيّة قد خلد إليه منذ الستينيّات حتّى رحيله؛ هجرَ بندر عبد الحميد الشّعر، ولجأ حيدر حيدر إلى قريته كملاذ أخير في الشيخوخة. ولم يكن حظّ الأدباء الذين جاؤوا في الثمانينيّات والتّسعينيّات أفضل من سابقيهم: عام 1998، أُهدِر دم ممدوح عزّام إثر نشر روايته قصر المطر وعايش مأساةً مماثلةً لمأساة حيدر؛ تواصلَ تهميش الأدباء «المغضوب عليهم»: ركنَ إبراهيم صموئيل إلى الصمت بعد عام 2002، وزِيْد في تجاهل فوّاز حدّاد. كانت تلك سنوات اليد الحديديّة المغلّفة بقفّاز مخمل «الإصلاح والتّطوير والتّحديث». وأنتبه الآن إلى أنّ توازي هاتين المرحلتين وتماثلهما ينسحب أيضًا على عناوين أعمال السبعينيّات: الزمن الموحش لحيدر حيدر، دمشق الحرائق لزكريا تامر، الفرح ليس مهنتي لمحمّد الماغوط، حبر الإعدام لسنيّة صالح، أيّها الزمان الضيّق أيّتها الأرض الواسعة لنزيه أبو عفش، خراب الدورة الدمويّة لرياض الصالح الحسين، الدّماء تدقّ النوافذ وأمّي تطارد قاتلها لممدوح عدوان.
لم تكن فردوس السبعينيّات فردوسًا إذن. ولم تكن سنوات العقد الأول من الألفيّة الثالثة فردوسًا أيضًا. كانت السنوات الأولى سنوات السّراب البعيد الذي يحسبه الظمآن ماءً، وكانت السّنوات الثانية سنوات الغفلة التي تناسى فيها الظمآن السّراب والماء وعضَّ على عطشه بانتظار ماءٍ قد يأتي وقد لا يأتي. لعلّه الجحيم، أو المطهر ربّما؛ لا فرق! كان جيل السبعينيّات يحذّرون من الفجائع التي كانوا يستشعرون حدوثها الآن وهنا، وبعد عقود. لم أنتبه إلى دفق الفجيعة الذي ينزّ من كلّ حرفٍ من حروف مرايا النّار التي عرفتُ منذ البداية أنّها ستكون روايتي المفضّلة من روايات حيدر. ربّما سحرتني الملانخوليا التي تؤطّر الرواية كلّها، كما تفعل عادةً في المراهقة وبداية الصّبا. ثمّة عالمٌ قاسٍ مؤلم في ثنايا الملحمة الصغرى التي لا تُسلِّم مفاتيحها كاملةً إلا حين تُقرأ بالتوازي مع الملحمة الكبرى، ولكنّ إغواء اللغة ورهافة الإحساس حجبا قسوة العالم للوهلة الأولى، ليستشعر القارئ، من ثمّ، جراحه الخفيّة بعد أن يظنّ أنّه انتهى من القراءة. كانت الزّمن الموحش المبضعَ الذي شقَّ به حيدر أجسادنا كلّنا، وكانت وليمة لأعشاب البحر الإصبع الذي نكأ تلك الجراح، ثمّ أتت مرايا النّار لتصبح الملحَ على تلك الجراح المفتوحة. عشرون عامًا تقريبًا تفصل بين الزمن الموحش وبين مرايا النّار، وعشرون عامًا تقريبًا تفصل بين قراءتي الأولى لـ مرايا النّار وقراءتي الرابعة أو الخامسة لها قبل أيام. الطيف هو الطيف، والسراب هو السراب، والظمآن هو الظمآن، ولذا واصلَ حيدر تحذيراته المتلاحقة من الفجائع التي ستأتي لا محالة، من اللوياثان – لو استخدمنا المصطلح التوراتيّ الأثير لدى حيدر – الذي سيلتهم كلّ شيء، سيلتهم الطّيف والسراب والماء والظمآن. لعلّ جمال أعمال حيدر يكمن في أنّه يحنو على جميع شخصيّاته بالرغم من أنّه لا يخفي انحيازاته. الفجيعة طوفان يجرف الجميع، ولذا لا فرق بينك وبين غيرك، فالكلّ ضحايا، وإنْ لم يدركوا ذلك للوهلة الأولى. «الذاكرة وحدها المنجى من هلاك محقّق»، كما يقول في الزمن الموحش، ولكن هل هي حقًا؟ أليست الذاكرة هلاكًا هي الأخرى؟ أليس هذا ما يدركه مهدي ومهيار وآسيا وفلّة في وليمة لأعشاب البحر؟ أليس هذا ما ندركه كلّنا حين نتذكّر ما لا نودّ تذكّره؟ أليس هذا بالذات ما يتوق ناجي في مرايا النّار كي يهرب منه؟ أليس هذا ما أسعى إليه الآن كي أُعيد جمال لحظات سنة المراهقة تلك بعيدًا من تداعيات السنوات العشرين التي أثقلت الذاكرة وأَدْمَتْها؟ ولكنْ لعلّ الذاكرة منجى حقًا حين ننتقي ما نودّ تذكّره: خطّ الثلث في عنوان وليمة لأعشاب البحر بغلافها الأبيض في طبعة دار «ورد»؛ غلاف مرايا النّار الأزرق، وغلاف غسق الآلهة الأخضر في طبعة دار «بترا»؛ غبار صفحات الزمن الموحش التي لم يَسْتَعِرها أحد منذ شهور؛ جلد المفكّرة الحمراء التي كنتُ أدوّن فيها ما أحبّ من اقتباسات. لا بدّ أنّي دوّنتُ الاقتباس الذي على غلاف الوليمة: «وكانت بلادًا جميلة». لا أعرف الآن ذلك الزمن الذي كانت فيه البلاد جميلة، ولستُ متأكّدًا من وجوده أصلًا؛ غير أنّي كنتُ متأكّدًا من وجوده قبل عشرين عامًا، كنتُ متأكّدًا من أنّ هذه البلاد القاحلة كانت جميلةً يومًا، إذ لا بدّ من وجود ذلك الزمن وإلا لن تكون البلاد جديرةً إلا بالحرائق.
كنتَ تريد الكتابة عن مرايا النّار. ما الذي فعلته يا أحمق!
*تنشر هذه المادة بالتعاون مع جدلية.
بواسطة Ibrahim Hamidi | ديسمبر 26, 2020 | News, غير مصنف
رسالة «القائمة القاسية» في العقوبات الأميركية الأخيرة والجولة التي قام بها المبعوث الأميركي جويل روبرن إلى عدد من دول منطقة الشرق الأوسط، هي أن «تغيير الإدارة الأميركية لا يعني تغيير السياسة، ولا خروج دمشق من صندوق العزلة»، وأنه حتى «لو حصلت تغييرات تكتيكية، فلن تحصل تغييرات استراتيجية في الاتجاهات والشروط المتوقعة في سوريا».
ألحقت بـ«رسالة تحذيرية»، مفادها «عدم اتخاذ خطوات تضعف قدرة واشنطن على الاستمرار في حملة الضغط» على دمشق، في وقت اختار فريق «الملف السوري» في إدارة الرئيس دونالد ترمب الحزمة الأخيرة في العقوبات لـ«يغلق أبواب مفاوضات المسار الثاني بين جهات أميركية وسوريا»، ويعرقل احتمالات «فتح أقنية الحوار» ويزيد من الضغوط الاقتصادية، بعد معاقبة «المصرف المركزي السوري»، حيث بدأت تأثيرات ذلك تحصل مباشرة ببدء مصارف خاصة خارجية بالانسحاب من دمشق.
– تنسيق مع لندن
كانت الحكومة الأميركية أدرجت كلاً من أسماء الأخرس زوجة الرئيس بشار الأسد، ووالدها وشقيقيها الذين يملكون الجنسية البريطانية وشركات تابعة لهم، إضافة إلى شخصيات أمنية واقتصادية وتنفيذية سورية، بينهم لينا كناية، التي تعمل في القصر الرئاسي، وزوجها محمد همام مسوتي عضو مجلس الشعب (البرلمان) السوري، و«المصرف المركزي السوري». بذلك، ارتفع إلى 114 عدد الأفراد والكيانات المدرجة على قائمة العقوبات منذ بدء تنفيذ «قانون قيصر» في منتصف يونيو (حزيران) الماضي. وهناك معلومات عن قوائم جديدة ستصدر قبل خروج الرئيس ترمب من البيت الأبيض في 20 الشهر المقبل.
وقال روبرن إن الحزمة الأخيرة صدرت مع الذكرى السنوية لتوقيع ترمب على «قانون قيصر». وزاد: «الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بتنفيذ حملة متواصلة من الضغط الاقتصادي والسياسي لمنع النظام وأكبر مؤيدين له من حشد الموارد لشحذ حربهم ضد الشعب السوري. وتحقيقاً لهذه الغاية، فرضنا عقوبات على 18 فرداً وكياناً إضافياً، بما في ذلك (مصرف سوريا المركزي). إن هؤلاء الأفراد والشركات يعرقلون جهود التوصل إلى حل سياسي وسلمي للنزاع في سوريا، بحسب قرار مجلس الأمن (2254)».
بالنسبة إلى واشنطن، هناك ثلاثة مضامين جديدة في القائمة الأخيرة، وهي «الأقسى»: الأولى «استمرار جهودنا لعرقلة جهود عائلة الأخرس وأسماء وفريقها بالتحول إلى لاعب أساسي في دمشق واستخدام شبكات النظام والقيام بأعمال خارج سوريا». الثانية «منع سوريين أو غير سوريين لديهم جنسيات أخرى من التعامل مع النظام. العائلة مقيمة في بريطانيا ولدينا جنسية بريطانية، لكن لم يعد ممكناً تجاهل دورها في النظام أكثر من كونهم بريطانيين».
هذه النقطة تطلبت مشاورات أميركية – بريطانية. وقال روبرن: «لا شك في أننا قمنا بتنسيق هذا الإجراء مع نظرائنا في المملكة المتحدة الذين هم شركاء مقربون جداً لنا في الملف السوري. لقد قمنا بجميع هذه الأمور معهم، ولا يمكن أن نفاجئهم بشأن موضوع مماثل، لأننا في شراكة استراتيجية وثيقة جداً مع المملكة المتحدة بشأن سوريا». وليس معلوماً ما إذا كانت الحكومة البريطانية أو الاتحاد الأوروبي سيقومان بالخطوات نفسها وإدراجهم في عقوبات.
«المضمون الثالث» في القائمة، حسب تفكير «الفريق السوري» في واشنطن، بموجب «قانون قيصر» لا يهم مكان وجود الشخص ولا جنسيته «حيث إن العقوبات ستطاله. بل إن أي شخص يقوم بالتعامل مع الأشخاص المعاقبين، سيكون عرضة لعقوبات جديدة»، إضافة إلى أنه مجرد إدراجهم على اللائحة، فإن «جميع حساباتهم المصرفية بالدولار ستُجمد حيثما كانت. كما أن المصارف الأجنبية لن تتعامل معهم بأي شكل وبأي عملة».
– إغلاق «الباب الثاني»
سياسياً، بعض الشخصيات المدرجين في القائمة الأخيرة كانت تلعب دوراً في مفاوضات «المسار الثاني» أو «الباب الثاني» مع شخصيات وجهات أميركية، وعقدت لقاءات غير معلنة في لندن تناول ملف العقوبات الغربية على دمشق وأموراً أخرى، لكن وضعهم على القائمة «يجعل هذا غير ممكن قانونياً في المستقبل» ذلك أن رسالة فريق «الملف السوري» هنا «لا يمكن أن تكون وسيطاً في لندن وعاصمة أوروبية أخرى وشريكاً في دمشق. قانون قيصر يمنع قانونياً التعامل مع النظام».
يكتسب هذا العنصر بُعداً إضافياً، ذلك أن بعض الشخصيات الأميركية التي لعبت دوراً في مفاوضات «المسار الثاني» مع دمشق وعقدت لقاءات في لندن، مرشحة للعب دور في الملف السوري في إدارة الرئيس جو بايدن، ما يعني أن قائمة العقوبات الأخيرة «أغلقت هذا الباب إلى حد كبير».
وكان روبرن قام بعد تسلمه منصب المبعوث الأميركي للملف السوري خلفاً للسفير جيمس جيفري قبل أيام، بجولة في المنطقة شملت تركيا ومصر وإسرائيل والعراق وشمال شرقي سوريا ودولاً أخرى. الهدف من تلك الجولة كان «تذكير – تحذير» الدول المعنية بالأهداف الأميركية في سوريا، وهي: «ضمان الهزيمة المستمرة لـ«داعش»، الضغط على إيران للانسحاب من سوريا، الضغط على النظام لتنفيذ القرار (2254)»، وأن هذه الأهداف ليست أهداف وزير الخارجية مايك بومبيو أو جيفري أو روبرن «بل هي أهداف أميركا. لذلك فإن تغيير الأشخاص لن يغير الأهداف. وتغيير الإدارة لن يغير السياسة، ما يعني توقع استمرار أكثر من التغيير في السياسة الأميركية نحو سوريا».
عليه، بعد تسلم إدارة بايدن وتعيين الفريق الخاص بسوريا «قد تحصل تغييرات عملياتية لكن يجب عدم توقع تغييرات استراتيجية»، عما كان عليه الوضع زمن إدارة ترمب، وأنه «على دول المنطقة ألا تقوم بتغييرات استراتيجية تضعف قدرة واشنطن على تحقيق أهدافها الثلاثة: (داعش)، و(إيران)، و(التسوية)، أو أن تخفف أدوات الضغط» ما يعني «إبقاء دمشق في صندوق العزلة السياسية والدبلوماسية وزيادة الضغوط الاقتصادية».
بين «الرسائل الأميركية»، ما كان واضحاً تماماً، إلى حد «التحذير»، مثل: «لا تحاولوا إضعاف قدرة واشنطن للضغط على النظام»، قابلتها أجوبة كانت «مرضية للمبعوثين»، مفادها: «نحن نعرف أن تغير الإدارة لا يعني تغيير عمق السياسة»… بانتظار التعرف إلى السياسة الحقيقية لإدارة بايدن و«فريقها السوري»!