بواسطة Ibrahim Hamidi | أبريل 18, 2020 | Reports, غير مصنف
لحدودِ العراقِ نكهةٌ استراتيجيةٌ خاصّة. كانت تُسمّى «الجبهة الشرقية» مع إيران. الجهة الغربية؛ أصبحت حالياً «الجبهة» مع إيران أيضاً. بإصرار غير معلن لا تعكّره سوى «غارات غامضة»، هناك صراعُ خفيّ أميركيّ – إيرانيّ للقبض على الحدود العراقية – السورية…
جديده؛ دخول روسيا على الخط والانغماس براً في المسرح المعقّد بتوسيع الوجود العسكري في «منطقة النفوذ» الأميركية والتحرش بقاعدة التنف من بوابة مخيم «الركبان» والحديث عن «انشقاق» مقاتلين سوريين موالين لواشنطن و«اعترافهم» بالتدرّب على مهاجمة حقول النفط السورية «المحمية» أميركيّاً.
قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين، كان الثقل على الحدود الإيرانية، خصوصاً خلال حرب الثمانينات بين بغداد وطهران. الطرف السوري منها، كان مغلقاً وممراً لـ«التآمر» بين جناحي «البعث» في بغداد ودمشق. في نهاية التسعينات؛ فُتحت ثغرة في جدار الحدود؛ مَرَدُّها الحاجة السورية إلى النفط العراقي وعائدات اقتصادية.
بعد الغزو الأميركي، بدأت رحلة التركيز على الطرف الغربي. بدايةً؛ باتت الحدود السورية بوابة لتدفق الباحثين عن مقارعة الأميركيين والراغبين في إفشال «المشروع الأميركي» في الشرق الأوسط. باتت هذه الحدود ممراً لآلاف المقاتلين من كل العالم الراغبين في قتال الأميركيين. ساهم هذا في إغراق الأميركيين و«مشروعهم». كان هذا «النجاح» المدبَّر سورياً وإيرانياً، خميرة تطورات حصلت عسكرياً في سوريا في العقد الأخير.
ومع الانسحاب الأميركي من العراق واندلاع الاحتجاجات في سوريا في 2011، وقعت هذه المناطق رويداً رويداً في حضن «داعش». أول ما فعله التنظيم، الذي أعلن جغرافيته زعيمه السابق أبو بكر البغدادي من الموصل في منتصف 2014، إلغاء هذه الحدود. أسس «ولاية الفرات» على طرفيها وجذب البيئات المحلية.
خلال الحرب على «داعش»، اسْتَعَرَ الصراع للسيطرة عليها. السباق على وراثة «داعش» كان يرسم مناطق النفوذ والتعايش على جانبي الحدود السورية – العراقية بين أميركا وإيران وضفتي نهر الفرات بين أميركا وحلفائها السوريين وروسيا وحلفائها السوريين والإيرانيين. استعر سباق وتعاون وصراع. بدايةً؛ عززت واشنطن وجودها في غرب العراق وشرق سوريا وقطعت طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت بسيطرتها على معبر التنف – الوليد. ردّت طهران بالسيطرة على جيوب غرب الفرات ومناطق في دير الزور وطريق البوكمال – القائم للوصول إلى دمشق وبيروت والبحر المتوسط بالالتفاف على الطريق التقليدية عبر التنف – الوليد.
انتقلت الحدود من نقاط بين دولتين إلى جبهة بين قوى إقليمية ودولية. على الأرض العراقية؛ هناك «الحشد الشعبي» المدعوم إيرانيّاً والجيش العراقي والقوات الكردية المدعومة غربيّاً. شرق سوريا؛ هناك «قوات سوريا الديمقراطية» التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، وفصائل سورية في التنف. هناك أيضاً الجيش السوري بدعم إيران وروسيا. في الجو، هناك قوات التحالف غرب العراق وشرق سوريا. هناك القوات الروسية شرق سوريا عدا شرق الفرات. أيضاً، هناك الطائرات الإسرائيلية التي أغارت في العراق وسوريا وبينهما.
مع مرور الوقت؛ زاد الاهتمام الدولي والإقليمي بدينامية هذه المناطق واهتمام مراكز الأبحاث في محاولة لفهم الوقائع. في الأيام الأخيرة، صدرت دراسات مهمتان؛ إحداهما من «وقفة كارنيغي» الأميركية أجراها الباحثان خضر خضور وحارث حسن، والأخرى من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» أجراها حميد رضا عزيزي.
– عقارب الساعة
جرى ترسيم الحدود بين القائم والبوكمال في عام 1920، في أعقاب وقوع صدامات بين قوات عربية وقوات بريطانية كانت تحتل المنطقة بعد انسحاب القوات التركية. ولم يخْلُ ترسيم الحدود من بعض العشوائية؛ الأمر الذي بررته لندن بأن القائم النقطة الواقعة أقصى شرق منطقة نفوذ الدليم، أكبر اتحاد قبائل في غرب العراق. وكانت تلك بداية فترة انفصل خلالها القائم عن البوكمال وجرى دمج كل منهما في الدولتين العراقية والسورية. ورغم استمرار النزاع بين العراق وسوريا حول مناطق حدودية أخرى في فترات لاحقة، فإنه لم تطرأ تغييرات كبرى على منطقة القائم – البوكمال منذ ذلك الحين. وأقرت عصبة الأمم رسمياً الحدود العراقية ـ السورية عام 1932.
تقول ورقة «كارنيغي»؛ إنه على الأرض، تبلغ المسافة بين القائم والبوكمال 7 كيلومترات (كلم). على الجانب السوري من الحدود، تشكل البوكمال أقصى شرق سوريا، وتبعد 500 كلم عن دمشق. وتشكل القائم أقصى غرب محافظة الأنبار، وتبعد 400 كلم عن بغداد، وتقع عند النقطة التي يدخل عندها نهر الفرات العراق آتياً من سوريا. وتمتد القائم لـ26 كلم على الضفاف الجنوبية للنهر. أما في سوريا، فيقسم الفرات المنطقة إلى منطقتين فرعيتين؛ يطلق على الجانب الغربي «شامية» ويقع تحت سيطرة النظام السوري، بجانب ميليشيات مدعومة من طهران. في المقابل، يحمل الجانب الشرقي اسم «الجزيرة» ويخضع لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية».
عندما نجح الغزو في إسقاط نظام صدام في عام 2003، اختفت مؤسسات الدولة العراقية والأجهزة الأمنية التابعة لها فجأة من القائم والمناطق الحدودية. ولاحظت الورقة أن الفراغ سمح بظهور «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، الذي اشتهر باسم «القاعدة في العراق»، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ونجح «القاعدة في العراق»، الذي تحول في نهاية الأمر إلى تنظيم «داعش»، في التغلغل داخل النسيج الاجتماعي بالمنطقة من خلال تجنيد مقاتلين محليين واستغلال الشعور المتنامي بالسخط بين العرب السُنًّة في العراق بعد سقوط نظام صدام.
وتحولت منطقة القائم، والحدود بوجه عام، إلى معقل للمتطرفين، لسببين؛ أولهما: سمحت المنطقة الخصبة للمقاتلين بممارسة الزراعة وتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء. ثانياً: كان من شأن المساحات الصحراوية الواسعة الممتدة على جميع أطراف المنطقة أن سمحت للشبكات بالتشتت والمناورة داخل مناطق غير مأهولة بالسكان، مع بقائها على مقربة من مراكز حضرية. يضاف سبب ثالث؛ هو التسهيلات التي قدمتها دمشق للمتطرفين وغضّ الطرف عن نشاطاتهم.
وخلق الانسحاب الأميركي من العراق في 2011 وبدء الانتفاضة السورية فرصاً جديدة أمام المتطرفين لإعادة نشاطهم والاندماج وصولاً إلى «داعش». كما دبّ النشاط من جديد في بعض شبكات التهريب التي كانت قائمة بفعل انسحاب قوات النظام. وقالت الورقة: «قاد واحدة من هذه الشبكات صدام الجمل في البوكمال، الذي أصبح لاحقاً أحد العناصر الرئيسيين في (داعش). بدأ الجمل نشاطاته التهريبية عبر الحدود في عام 1998 واستمر في ذلك حتى عام 2010. وبعد اشتعال الانتفاضة، حاول استغلال خبرته في تيسير حركة المتطرفين والمسلحين والأسلحة قبل أن يشكل جماعة مسلحة خاصة به في البوكمال. وفي وقت لاحق، انضم إلى (داعش) في مواجهة (جبهة النصرة)؛ جماعة منافسة كانت تسعى للسيطرة على البوكمال».
في 29 يونيو (حزيران) 2014، أعلن «داعش» بناءه خلافة مزعومة على مساحة واسعة من الأراضي شرق سوريا وغرب العراق. وقالت الورقة إن التنظيم ادّعى أنه أزال ما عدّها «حدود سايكس – بيكو بين العراق وسوريا» ؛ رغم أن ذلك الاتفاق الأنجلو – فرنسي، لم يحدد قط الحدود العراقية – السورية. الأمر المهم هنا أن «داعش» سعى لتحويل إعلانه إلى واقع من خلال تشكيل منطقة الفرات، التي تضمنت مناطق من عانة في غرب محافظة الأنبار العراقية والميادين في شرق سوريا. وأصبحت هذه المنطقة، التي تضمنت القائم والبوكمال، مركز المنطقة.
– ما بعد «داعش»
أدى طرد «داعش» من القائم عام 2017 على أيدي قوات عراقية مختلفة، إلى نشر كثير من القوات العسكرية وشبه العسكرية في منطقة القائم – البوكمال الحدودية. وارتبط كثير من الميليشيات بروابط وثيقة مع إيران و«الحرس الثوري» الإيراني. وساعدت هذه الروابط في إحداث تحول على مستوى المنطقة الحدودية لتصبح ممراً لإيران يمكنها من خلاله بسط نفوذها الإقليمي، خصوصاً بعد إغلاق معبر التنف – الوليد.
وفي مارس (آذار) 2019، أعلنت واشنطن القضاء الكامل على «داعش» جغرافياً بتحرير الباغوز بالتعاون مع حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية». عزز هذا نظرة الولايات المتحدة وإسرائيل إلى المنطقة الحدودية بوصفها جبهة محورية في الجهود الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني. وكتب خضور وحسن: «نتيجة وجود نظام أمني مختلط بالمنطقة الحدودية، مع انتشار قوات أمنية رسمية بالقرب من ميليشيات، ظهر وضع عام غير مستقر في جوهره. وتترك المشاحنات الجيوسياسية الإقليمية الكبيرة، بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة؛ وإيران من جهة أخرى، تأثيراً كبيراً على ديناميكيات الأوضاع بالمنطقة الحدودية. وعليه، تحولت منطقة القائم – البوكمال الحدودية إلى مسرح لجهود إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي مع مساعي إيران الحثيثة للفوز بنفوذ أكبر».
ولوحظ أن الدعم الإيراني في السنوات الأخيرة للحكومتين السورية والعراقية في قتالهما ضد خصومهما المسلحين، عزز روابط طهران بالبلدين. ومع ذلك، أسس «الحرس الثوري» شبكة ممتدة من الجماعات شبه العسكرية عابرة للحدود تقيّد حرية الحكومتين في العمل على نحو مستقل عن المصالح الإيرانية. وتتضمن شبكة الجماعات التي يقودها «الحرس» مقاتلين من أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا قاتلوا إلى جانب القوات الحكومية العراقية والسورية في مواجهة «داعش» أو المعارضين السوريين، مما جعل الحكومتين معتمدتين على نحو متزايد على مثل هذا الدعم وإن كانت الصورة أكثر تعقيداً في سوريا جرّاء وجود روسيا ودخول تركيا على الخط.
علاوة على ذلك؛ اكتسبت هذه الجماعات نفوذاً بسيطرتها على مساحات من الأراضي وتأمينها موارد وحصولها على شرعية وحصانة من خلال دمجها لعناصرها في الدولة، مثلما حدث مع قوات «الحشد الشعبي» العراقية. ورغم أن هذه القوات على أرض الواقع أبقت على درجة واسعة من الاستقلال الذاتي الإداري والعملي عن سلسلة القيادة الرسمية، فإنها استغلت مظلة قوات «الحشد الشعبي» غطاءً شرعياً لنشر القوات؛ حسب الورقة.
– غايات إيران
تقدم الدراسات تقييماً متكاملاً للأسباب التي دفعت بإيران إلى تعزيز وجودها في القائم – البوكمال؛ إذ ذكرت ورقة «كارنيغي» أربعة أسباب؛ هي: أولاً: سعيها لحرمان «داعش» من فرصة إعادة بناء قواته داخل المناطق الواقعة على أطراف العراق وسوريا. ثانياً: تأمين ممر بري لربط المناطق الخاضعة للنفوذ الإيراني في العراق ولبنان سوريا، في مهمة تتطلب السيطرة على حركة الأشخاص والأسلحة والسلع عبر الحدود؛ أو المراقبة الوثيقة لها. ثالثاً: تودّ طهران إعاقة محاولات واشنطن وحلفائها لاستغلال المنطقة الحدودية قاعدةً للتصدي للنفوذ الإيراني. رابعاً: تحتاج إيران إلى الاحتفاظ بقدرتها على تعزيز «حزب الله» عسكرياً في لبنان ونشر ميليشيات أخرى مدعومة من «الحرس» الإيراني بمنطقة الهلال الخصيب حال اشتعال صراع مع إسرائيل عبر لبنان أو سوريا.
من جهته؛ يقول «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» إن إقامة إيران ممراً برياً للربط بينها وبين لبنان عبر العراق وسوريا سيمكّنها من دعم الجماعات التابعة لها في الدول الثلاث بشكل أفضل، إلى جانب نقل السلاح والمعدات بسلاسة وسهولة إلى تنظيم «حزب الله» في لبنان؛ «لكن، هناك مبالغة فيما يتعلق بأولوية ذلك الممر في الاستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا، فمنذ المراحل الأولى من الأزمة السورية وحتى نهاية عام 2017 استمرت إيران في دعم (حزب الله) بعدة طرق مختلفة، بينها استخدام ممر جوي، رغم عدم تمكُّنها من استخدام المعابر الواقعة على الحدود العراقية – السورية».
وبالنظر إلى الوجود العسكري الأميركي في أجزاء عدة من العراق وسوريا من جانب؛ والتفوق الاستخباراتي الإسرائيلي على الدولتين من جانب آخر، سيتضمن نقل الأسلحة والمعدات بشكل مباشر عبر ما يُسمى «الممر البري» مخاطر كبيرة، فقد قصفت إسرائيل أهدافاً إيرانية في سوريا أكثر من 200 مرة خلال الفترة ما بين 2016 و2018.
عليه، يرى المركز أن أهمية معبر البوكمال – القائم بالنسبة إلى إيران من منظور عسكري تكمن بدرجة أكبر في تيسير انتقال القوات العسكرية وشبه العسكرية عبر الحدود، لذا تجعل سيطرة إيران على مناطق واقعة على جانبي الحدود من السهل بالنسبة للقوات الإيرانية؛ الانتقال جيئة وذهاباً، وإعادة الانتشار والتموضع في مناطق أخرى. على سبيل المثال، جرى إرسال نحو 400 عنصر من «الحشد الشعبي» العراقية إلى إدلب من خلال هذا المعبر خلال شهري فبراير (شباط) ومارس 2020. ويمكن لازدياد حركة القوات المدعومة من إيران جعلها محصنة جزئياً من الهجمات الأميركية والإسرائيلية التي تحدث بين الحين والآخر.
– أهداف أميركا
أعلن مسؤولون أميركيون أكثر من مرة أن أحد أهدافهم الرئيسية في سوريا، هو «تحديد» أو «إنهاء» نفوذ إيران. وتدعم واشنطن عبر التحالف الدولي «قوات سوريا الديمقراطية» في سيطرتها على مناطق شرق الفرات بوجود قوات وقواعد برية وغطاء جوي ومعدات لحماية النفط، ولديها قاعدتان في العراق وسوريا. إحداهما في التنف، قرب معبر التنف – الوليد الحدودي المغلق حالياً بين سوريا والعراق، الأمر الذي أدى عملياً إلى إغلاق الطريق التقليدية بين بغداد ودمشق، حيث ينتشر في القاعدة مائة عنصر وراجمات صواريخ لحماية دائرة بقطر 55 كلم.
أما القاعدة الأخرى؛ وهي «عين الأسد»، فتقع داخل محافظة الأنبار قرب ضاحية البغدادي. وزار الرئيس الأميركي دونالد ترمب القاعدة في ديسمبر (كانون الأول) 2018 وأعلن أنه سيجري استخدامها في إبقاء عين واشنطن على النشاطات الإيرانية بالمنطقة.
بجانب ذلك، جرى نشر قوات أميركية في وقت سابق قرب محطة القطارات القديمة في القائم أثناء الحملة التي جرى شنها ضد «داعش». وتقول ورقة «كارنيغي» إن ميليشيات مدعومة من «الحرس» استغلت نشر قوات أميركية في غرب العراق لتبرير وجودها قرب الحدود. وقال مسؤولون عراقيون من الأنبار إن الولايات المتحدة تحاول بناء قواعد جديدة في مدينة الرمانة، شمال القائم.
وفي أغسطس (آب) 2019، قتلت هجمات بطائرات «درون» وأصابت العديد من أعضاء جماعة «كتائب حزب الله» قرب الحدود. واتهمت قوات «الحشد الشعبي» إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم. وفي بيانات أخرى، اتهمت قوات «الحشد» الولايات المتحدة بتيسير الهجمات الإسرائيلية، مما دفع بجماعتين سياسيتين مواليتين لـ«الحشد» بتكثيف المطالب برحيل القوات الأميركية.
في 29 ديسمبر 2019، شنت القوات الأميركية هجمات جوية ضد مواقع فصائل مدعومة من «الحرس» قرب الحدود؛ ثلاثاً منها بالعراق واثنتان في سوريا، مما أثار تنديدات قوية من الحكومة العراقية و«الحشد». وأعلنت واشنطن أن الضربات الجوية جاءت رداً على هجمات شنتها «كتائب حزب الله» ضد قاعدة عسكرية شمال العراق تنتشر بها قوات أميركية، ما أسفر عن مقتل مقاول عسكري أميركي.
وتسبب الهجوم في تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وجماعات مدعومة من إيران والحكومة العراقية، حيث أمرت إدارة ترمب باغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس»، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد «الحشد». وثأرت إيران من هذا الهجوم بإطلاقها صواريخ ضد قاعدتين عسكريتين في العراق بهما قوات أميركية.
وفي 16 مارس 2020، أعلنت القوات الأميركية إعادة نشر هذه القوات إلى قاعدة مختلفة في كركوك بشمال العراق. وقام الجيش الأميركي بإخلاء مواقعه في قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل، والقصر الرئاسي السابق شمال الموصل، وقاعدتي «كيه1» قرب كركوك والقائم على الحدود مع سوريا، وسلمت قاعدة «الحبانية»، إلى الغرب من بغداد، للقوات العراقية، حيث جرى سحب القوات من المراكز الصغيرة وتجميعها في مجمعات أكبر لتوفير فرص أكبر لحمايتها من هجمات صاروخية ممكنة، عبر منظومات «باتريوت»، التي وصلت، بالفعل، إلى «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق مع توقع شحن منظومتين من الكويت في الأيام المقبلة تخطط القوات الأميركية لنشرهما في قاعدة «حرير» قرب أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
– جانب اقتصادي
هناك بُعد آخر للتنافس بين الولايات المتحدة وإيران بإعادة البناء والتشييد بمنطقة الحدود والطرق المؤدية للمنطقة. يذكر المركز الألماني سبباً اقتصادياً؛ إذ إنه من المعروف منذ عام 2013، لمبادرة «الحزام والطريق» الأولوية في السياسة الخارجية الصينية لتيسير التبادل التجاري بين الشرق والغرب. وجعلت في الخطط الأولية لربط الصين بأوروبا الأولوية لإقامة الطرق البرية الشمالية عبر روسيا ووسط آسيا، إلى جانب طريق بحرية عبر الخليج العربي. مع ذلك تحاول طهران جذب اهتمام بكين إلى طريق برية جنوبية تربط إيران والعراق وسوريا بالبحر المتوسط ثم بأوروبا.
وكشفت إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خطة لإنشاء خط سكة حديد يربط معبر الشلامجة الحدودي الواقع على الحدود الإيرانية – العراقية بميناء البصرة في جنوب شرقي العراق. ومن المفترض أن يمتد الخط بعد ذلك باتجاه الساحل السوري. جرى الإعلان في ربيع 2019 عن اعتزام إيران استئجار محطة الحاويات في ميناء اللاذقية. ومن المؤكد أن هناك مكوناً وعنصراً اقتصادياً للتدخل الإيراني في سوريا.
وبين الأمثلة على ذلك ما ذكرته مصادر لباحثي ورقة «كارنيغي» حول مشروع يتضمن بناء شبكة من الطرق السريعة بين بغداد والمعبرين الحدوديين طريبيل على الحدود الأردنية والتنف على الحدود السورية. أيضاً؛ ترتبط شبكة الطرق السريعة عبر طريق ثانوية آتية من الرطبة بمعبر القائم – البوكمال الحدودي، ثم بامتداد داخل سوريا من طريق القائم ـ البوكمال.
يذكر أن طريق بغداد – طريبيل السريعة الممتدة لـ570 كلم جرى إنشاؤها أواخر الثمانينات وأصبحت قناة الاتصال الرئيسية بين العراق والعالم الخارجي عندما خضعت البلاد لعقوبات في التسعينات. وتبعاً لبعض التقديرات، فإن نحو 40 في المائة من التجارة البرية في العراق مرت على هذا الطريق خلال تلك الفترة. وبعد 2003، أصبحت الطريق خطيرة بسبب هجمات جماعات مسلحة، خصوصاً «القاعدة»، التي اعتدت على المسافرين بالسرقة أو استولت على بضاعتهم أو سياراتهم لإعادة بيعها لهم.
في مارس 2017، وافقت حكومة حيدر البغدادي على مقترح من محافظة الأنبار لمنح الشركة الأميركية «أوليف غروب»، عقداً للاستثمار في إصلاح الطريق السريعة وحماية عمال البناء والمسافرين. وتضمن العقد، أيضاً، خطةً لتطوير طريق سريعة دولية تربط بغداد وعرعر على الحدود السعودية، بجانب بناء طريق سريعة جديدة تربط الأنبار مباشرة بالحدود.
لكن المشروع واجه معارضة من جانب كثير من أعضاء البرلمان العراقي، بمن فيهم جماعات متحالفة مع إيران. وأدت موجة الجدل إلى التخلي عن العقد وتكليف قوات الأمن العراقية بمهمة حماية الطريق السريعة.
ومع هذا، وتبعاً لما أفاد به مسؤول سابق من الأنبار كان مشاركاً على نحو مباشر في صياغة المشروع، لمعدّي البحث، فإن جماعات موالية لإيران حشدت ضد المشروع لأنها رأت فيه محاولة من جانب الولايات المتحدة لتوسيع نطاق نفوذها داخل الأنبار وغرب العراق. وبجانب حقيقة أن القوات الأميركية تسيطر على الفضاء الجوي بالمنطقة وتطلق مناطيد استطلاع من قاعدتها الجوية في الأنبار، رأت بعض الفصائل الموالية لإيران المشروع جزءاً من خطة طويلة الأجل لترسيخ الوجود الأميركي في المحافظة وتحويلها إلى قاعدة للنشاطات المناهضة لإيران.
وقد عبّر مسؤول من «كتائب حزب الله» عن هذه الأفكار عندما ندد بـ«محاولة قوات أميركية ضمان السيطرة الكاملة على الحدود العراقية ـ السورية، بذريعة الحيلولة دون استغلال إيران للحدود لدعم سوريا و(حزب الله)».
أيضاً، سعت جماعات موالية لإيران إلى تطوير خطط بديلة لاستغلال منظومة الطرق السريعة في العراق لتوسيع نطاق نفوذها وترسيخه على امتداد الحدود، وهناك محاولات لبناء طريق من كربلاء إلى منطقة القائم – البوكمال لتيسير حركة الجماعات المرتبطة بقوات «الحشد»، والأشخاص العاديين الذين يتوجهون إلى مزارات في سوريا.
وتتجلى أهمية معبر القائم ـ البوكمال لدى إيران عندما يدرك المرء أن مصالحها كانت العامل الأبرز وراء إعادة فتح المعبر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وتبعاً لما ذكره عضو في البرلمان من القائم، فإن الحدود أعيد فتحها بصورة أساسية لمعاونة الاقتصاد السوري وتخفيف حدة أزمة نقص النفط والوقود وتوفير فرصة للحكومة السورية لإحياء الإنتاج الصناعي داخل حلب.
واكتسب المعبر أهمية إضافية بالنظر إلى أن المعبرين الحدوديين الآخرين؛ أي التنف – الوليد، وربيعة – اليعربية، لا يزالان مغلقين. وتعوق قوات أميركية و«قوات سوريا الديمقراطية» قدرة دمشق على الوصول لهذين المعبرين.
ويعتقد بعض المسؤولين المحليين في القائم أن إعادة فتح المعبر ستخدم بصورة أساسية إيران وحلفائها. ويقولون إنه سيسمح فقط للشركات المرتبطة بإيران أو الجماعات المتحالفة معها بالمشاركة في نشاطات عبر الحدود، وهي في الجزء الأكبر منها شركات لبنانية وعراقية وسورية. وكانت الحكومة اللبنانية و«حزب الله» اللبناني قد أبديا اهتماماً كبيراً بتطورات المعبر، مشيرين إلى أنه سيسهم في جعل السوق العراقية الكبيرة متاحة بدرجة أكبر أمام السلع اللبنانية وسيساعد الاقتصاد اللبناني المتداعي.
وتسعى طهران وحلفاؤها إلى ربط منطقة القائم ـ البوكمال بشبكة أوسع من الجماعات الموالية لإيران لتوحيدها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أكد «مواصلة القوات الإيرانية و(حزب الله) اللبناني عمليات التجنيد لصالحها بشكل سري وعلني في الضفاف الغربية لنهر الفرات». وقال إن العدد «ارتفع إلى نحو 3600 من الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة، ممن جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة، في خضمّ الصراع الأميركي – الإيراني ودخول روسيا على الخط بتوسيع انتشارها شرق الفرات وإقامة قاعدة عسكرية في القامشلي ونشر منظومة صواريخ تحت المظلة الأميركية، إضافة إلى قاعدتي طرطوس واللاذقية وشن حملة على «معاناة» المدنيين في مخيم «الركبان» قرب قاعدة التنف، واستمرار الغارات الإسرائيلية على «مواقع عسكرية إيرانية» في البوكمال ونشر تركيا لقواتها وحلفائها شمال شرقي سوريا، تحولت الحدود السورية – العراقية إلى جبهة معقّدة لصراع إقليمي – دولي؛ إذ ترتبط استراتيجيات هذه الدول بخطوط تماس ونقاط صغيرة على الأرض وقدرة كل طرف على التغلغل في البيئة المحلية التي نقلت ولاءاتها عبر العقود والسنوات من طرف إلى طرف. بين التطورات التي ستترك آثارها المستقبلية، مستقبل الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات مع أن واشنطن أعلنت أكثر من مرة أنها باقية في التنف «حيث تتحقق أهداف استراتيجية كبرى باستثمار عسكري صغير»، إضافة إلى مدى جرأة التوسع الروسي والتوغل التركي في شرق الفرات، ومستقبل الأكراد في العراق وسوريا… والعلاقة مع المركز في دمشق وبغداد وما يجري في هاتين العاصمتين.
**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».
بواسطة Soltan Salit | أبريل 9, 2020 | Cost of War, Reports, غير مصنف
لا يمكنك أن تعبر المكان دون أن تستوقفك رائحة الخبز اللذيذة التي تنتشر على طول الطريق منبعثةّ من مخبزٍ صغيرٍ في قرية نائية لكنه يخفي خلفه قصة نجاح كبيرة بطلاتها نساءُ قرية سهوة بلاطة في ريف السويداء.
بدأت الحكاية باقتراحٍ بسيطٍ بين مجموعة من الصديقات لإنشاء صندوق خيري صغير يجمع التبرعات من نساء القرية بمبالغ زهيدة لا تتجاوز 200 ليرة من كل امرأة لمساعدة من كنّ في حاجةٍ لبعض الدعم وبخاصة تلك النسوة اللواتي فقدن أزواجهن ولا يوجد من يعيلهن ويعيل أسرهن، إلا أنّ الفكرة العفوية تطورت إلى اقتراحٍ بإنشاء مشروعٍ صغيرٍ يؤمن عملاً ودخلاً لأولئك النسوة عوضاً عن تقديم مساعداتٍ محدودة لهن. تعددت الاقتراحات وتراوحت بين تأسيس ورشة خياطة وتطريز أو مركز تجميل وغيرها، لكن تم الاتفاق أخيراً على إنشاء مخبزٍ لصنع خبز الصاج الذي تشتهر به السويداء، وما إن طرحت الفكرة على مستوى القرية حتى تحمس لها الجميع وبخاصة من أبناء القرية المغتربين في الخارج وقدّموا لها الدعم المالي الكافي لشراء المعدات والمستلزمات الأساسية للبدء بالمشروع.
لم أتمكن، لأسبابٍ خاصة، من لقاء أي من المسؤولات في الجمعية، لكني استطعت لقاء بعض الشبان في القرية والذين تجمعني بهم معرفة سابقة، أخبرني أحدهم، مفضلاً عدم ذكر اسمه، عن بعض التفاصيل فيقول: “بدأ العمل في المخبز بعد فترة قصيرة من طرح الفكرة وتجهيز المكان والمعدات، وأصبح يُنتج الخبز بجودة ونوعية ممتازة مراعياً المعاير الصحية والطبيعة من خلال تأمين أفضل أنواع القمح والاهتمام بجودة الإنتاج والنظافة والتسويق الجيد أيضاً، واليوم وبعد مرور 6 سنوات على إنشائه نجح المشروع بشكلٍ ممتاز واستطاع تأمين عملٍ ودخلٍ ثابت لأكثر من 20 امرأة في القرية ولبعض الشباب أيضاً الذين تولوا عمليات تسويق المنتج خارج البلدة”.
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد أنشأت الجمعية صندوقاً لتقديم الدعم لطلاب الجامعات والمدارس بشكلٍ شهري وبمنتهى السرية حفاظاً على قيمة العمل ومنعاً من التسبب بأي إحراجٍ لمن يتلقى المساعدة. وبحسب سليمان (25 عاماً) وهو أحد شباب القرية المتطوعين في المشروع ” فإنّ إمكانيات صندوق دعم الطلاب محدودة في الوقت الحالي ولا يمكن أن يتكفل الصندوق بكامل المصاريف المادية للطلاب المحتاجين، إلا أنّ المبالغ المقدمة تشكل دعماً لا بأس به للأسر محدودة الدخل وخاصة إذا كان فيها أكثر من طالب في الجامعة، المهم في المبادرة هو التشجيع على العلم وإيصال رسالة للطلاب بأن هناك من يقف بجانبكم ويشجعكم”.
ونتيجة ً للأرباح الجيدة التي أتت من المخبز والجهود المبذولة من أهل القرية لإنجاحه، فقد أثمر المخبز عن تطوير مجموعة أخرى من المشاريع الصغيرة كان أولها إنشاء أقسامٍ جديدة فيه لإنتاج الفطائر والحلويات الشعبية (لزاقيات ومرشم وغيرها) والتي لاقت رواجاً ونجاحا ًكبيراً، بالإضافة إلى إقامة مشروعٍ صغيرٍ لإنتاج الأجبان والألبان بحيث يساهم في خلق فرص عملٍ جديدة وتسويق المنتج المحلي بأسعارٍ جيدة.
ومن إنجازات جمعية النساء الخيرية في السهوة أنها قامت بمبادرةٍ بالاشتراك مع أهل القرية لإلغاء إحدى العادات الموجودة في المجتمع والتي تقوم على تقديم وجبات الطعام في مناسبات العزاء والتي عادةً ما يقوم بتقديمها أقرباء الميت أو جيرانه واستبدالها بوجبة طعام يقدمها المخبز، مخففاً بذلك الكثير من الأعباء المادية على الناس وخصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر فيها الجميع.
ومنذ عامين تقريباً توسع نشاط الجمعية ليشمل إنشاء حديقة للبلدة ومشتلاً زراعياً في قطعة أرضٍ كانت مهملة قبالة المخبز. كما شرعت الجمعية مؤخراً بمشروع جديد وهو إنشاء معملٍ لتجفيف الفواكه في القرية مستفيدة من توفر الفواكه المحلية وتنوعها، حيث ساهم المشروع في تسويق الفواكه المحلية ومساعدة الفلاحين وتأمين المزيد من فرص العمل لشباب وصبايا البلدة.
ما حققته هذه الجمعية الصغيرة من نتائج تجاوز نجاح المشاريع والمبادرات التي أنشأتها على المستوى المادي ليصل إلى خلق حالةٍ من التعاون والتكاتف الاجتماعي في القرية وتعزيز قيم العمل الجماعي والتشاركي، حيث غدت الجمعية مشروعاً شخصياً لكل فردٍ من القرية يحاول دعمها بما يستطيع.
أخبرني عمر (24 سنة، طالب جامعي) عن مدى تأثير الجمعية في تشجيع المبادرات الطوعية والعمل الجماعي في القرية فيقول “نجاح جمعية النساء شجعنا نحن الطلاب على إقامة مبادرات جديدة بيننا، فقمنا بحملات تنظيف لشوارع البلدة ومحيطها، كما قمنا بإنشاء فرقٍ لحراسة الحراج في القرية لمنع عمليات التحطيب التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الماضية، بالإضافة لحملات التشجير في محاولة لإعادة الغابة كما كانت سابقاً، هذا عدا عن الدورات التعليمية المجانية التي قمنا بها لتدريس بعض المواد لطلاب المدارس وخصوصا لطلاب الشهادة الإعدادية والثانوية”
أدى تفاقم الأزمة الاقتصادية مؤخراً وانعكاساتها السلبية على الحالة المعيشية للناس وارتفاع الأسعار الجنوني إلى مجموعة من المشكلات التي باتت تهدد عمل الجمعية وقد تؤدي إلى توقف عملها، حيث بات من الصعب تسويق المنتجات كما كان في السابق، الأمر الذي انعكس على إيرادات الجمعية وقلص أرباحها للحد الأدنى، مما دفع الجمعية إلى الاعتماد على التبرعات من أبناء القرية لسدّ بعض الثغرات المالية والإيفاء بالتزاماتها. وبحسب فيديو منشور على صفحات شبكات الأخبار في السويداء، قام المركز الإذاعي والتلفزيوني بزيارة المخبز مؤخراً وأعدّ تقريرا مصوراً عنه حيث تحدثت إحدى المسؤولات عن أبرز الصعوبات التي تواجههم حالياً والتي تتمثل بالتسويق وارتفاع أسعار بعض المواد، حيث يبلغ الإنتاج اليومي للمخبز بين 60إلى 80 كيلو من الطحين، ويطمحون لزيادة الإنتاج فيما لو توفرت فرص تسويق جيدة إلى خارج البلدة.
هناك محاولات اليوم في أكثر من قرية بالسويداء لتعميم هذه المبادرات، والتركيز على دور المنظمات المدنية والخيرية المحلية لتخفيف آثار الحرب وانعكاسها على الجميع، سيما مع تفاقم وطأة العقوبات الاقتصادية وتفاقم الفساد والاضطرابات الإقليمية التي أثرت على تدفق السيولة المالية من المغتربين، وحتى وإن كانت النتائج أقل من التوقعات المرجوة، إلا أنها تبقى تجربةً مهمة وذات قيمة كبيرة تسهم في دعم المجتمع والحفاظ على تماسكه.
بواسطة Jean-Michel Morel | أبريل 6, 2020 | Reports, غير مصنف
أثار في بداية الألفية الثانية اكتشاف موارد غازية هامة في باطن شرق البحر الأبيض المتوسط أطماعا لدى البلدان المحيطة به. ولكن استغلال هذه المنطقة البحرية المحدودة مازال خاضعا لنزاعات عديدة متعلقة بترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من البلدان المعنية.
في 1999 مع اكتشاف الحقل الغازي “نوح” قبالة سواحل إسرائيل، انطلقت عملية واسعة للتنقيب في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد سمح ذلك باكتشاف على التوالي حقول ماري ـ ب، داليت، تامار، تنين وعند آخر العشرية حقل ليفياثان. وتقع جميعها في المنطقة الاقتصادية الخالصة1 التي تطالب بها إسرائيل. ويبدو أن حقل لفياثان يحتوي لوحده على 18 مليار مليار متر مكعبويسمح استغلاله بتزويد إسرائيل بالكهرباء على مدى السنوات الثلاثين القادمة.
كما تسمح مجمل هذه الموارد لإسرائيل من أن تحتل دور مصدر غاز، وهو خيار يحظى بتقدير الاتحاد الأوروبي الذي سيكون بذلك أقل تبعية لروسيا ولكنه في الواقع يتجاهل كونه سيصبح شريكا في نهب جزء من الغاز الذي ستأخذه إسرائيل من موارد الفلسطينيين.
عند اكتشاف حقل “نوح”، راودت الفلسطينيين أيضا كثير من الآمال في استغلال الغاز، وقد اعتُبر حقل “آمارين” البحري للغاز كعامل رئيسي نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة. وصرّح آنذاك رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بحماس: “إنها هبة من الله لشعبنا وأطفالنا ونسائنا هنا وفي المهجر، ولأولئك الذين يعيشون هنا على أرضنا”. غير أن الأمور لم تسر بالشكل المنتظر، وقد فشلت مجموعة “بريتيش غاز غروب” وشركة اتحاد المقاولين -أكبر شركة بناء في الشرق الأوسط- وصندوق سيادي فلسطيني في إنجاز المشروع. ويعود ذلك بجزء كبير إلى العقبات التي وضعتها إسرائيل والتي لم تعد في حاجة لهذه الفرضية كون مواردها الذاتية تكفيها.
كما قامت السلطات اللبنانية هي أيضا في أبريل/نيسان 2013 بإطلاق مناقصات لاستغلال كتل استكشافية في منطقتها الاقتصادية الخالصة. تحتوي المياه اللبنانية على احتياطي يقدر بما يقارب 25 مليار مليار متر مكعب. ولكن التوترات مع إسرائيل تضع حقول “تمار” و“ليفياثان” الموجودان نظريا ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية محل إشكال، كون الحدود بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين ليستا ثمرة لأي اتفاق. وتعتبر لبنان أن هاذين الحقلين هما نتاج جيب يوجد تحت الأرض البحرية اللبنانية وأن استغلاله من طرف إسرائيل يعد اغتصابا.
بخصوص سوريا ونتيجة للحرب، فإن استغلال مياهها الإقليمية معلق في الوقت الحالي. تم بيع في المزاد لـ“كتل استكشافية” في بداية 2011 ولم تبلغ دمشق أبدا بقائمة الفائزين، غير أن محادثات متقدمة في 2013 مع روسيا والصين تعد إشارة على الأرجح عن الفائز بالصفقة.
مصر هي أيضا أحد الأطراف الحريص على الاستفادة من موارد الغاز في عمقها البحري. وقد عهدت بمهمة التنقيب إلى شريكها الإيطالي لأكثر من ستين عام “إيني”. وصرحت “إيني” أنها اكتشفت أكبر حقل غاز طبيعي في الشرق الأوسط، الذي سمي بـ“حقل ظهر”، والذي قد تصل إمكاناته إلى 850 مليار متر مكعب على مساحة 100 كلم مربع، ومن شأنه تلبية حاجيات مصر من الغاز الطبيعي لمدة عقد على الأقل.
سينقل هذا الحقل مصر من موقع المستورد إلى موقع المصدر. يقدر الجيولوجيون أن حوض المشرق، وهي منطقة بحرية مجاورة للمياه الإقليمية المصرية ويحدها الساحل التركي والسوري واللبناني وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وقبرص، بأنه قد يحتوي على 3454 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي على الأقل، أي أربعة أضعاف احتياطي حقل ظهر وحده.
في عام 2015 زار الرئيس المدير العام لشركة إيني القاهرة ليحتفل بذلك مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا: “هذا الاكتشاف التاريخي بإمكانه أن يغير السيناريو الطاقوي في مصر”. وهو خبر سار في بلد يعرف انقطاعات كهربائية متكررة.
قبرص، فاعل مركزي
قبرص، الجزيرة الصغيرة بمساحة 9000 كلم مربع في حوض الشام، مقسمة بخط أخضر -معروف بـ“خط آتيلا”- بين جمهورية قبرص في الجنوب (61% من الأراضي) وجمهورية قبرص التركية في الشمال. كان من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في 26 أبريل/ نيسان 2020 في الجزء التركي من الجزيرة -وقد تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى بسبب فيروس كورونا. يترشح الرئيس الحالي مصطفى ايكينجي لعهدة أخرى، وسيواجه رئيس وزرائه آرسين تتار، المدعوم من تركيا.
في الواقع يشكل هذا الاقتراع نوعا من الاستفتاء. إما أن يقوم القبارصة الأتراك بتزكية فكرة أن الجزء التركي من الجزيرة هو -وفق خطاب أنقرة- “طفل تركيا” وأن هذه الأخيرة هي “أمه”، وإما سيؤيدون نظرة توحيد الجزيرة كما يتوخاها الرئيس المترشح.
ليس هذا الانتخاب روتينا بل رهانا رئيسيا بالنسبة لأنقرة. فعلى الرغم من حملة إعلامية تركية عنيفة وكلام حاد من طرف السلطات التركية ضده، كرّر ايكينجي دعوته إلى هوية مشتركة للجزيرة وانضمامها -بعد توحيدها- بصفة كلية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمر واقع بالنسبة للجزء اليوناني وقانوني بالنسبة للجزء التركي. وإذا نجح في ذلك سيقلل بصفة هائلة من إمكانية تركيا في الوصول إلى الثروة الغازية المحيطة بالجزيرة والتي قدرتها هيئة مسح جيولوجي أمريكية بـ5765 مليار متر مكعب.
كانت جمهورية قبرص أيضا إحدى أكبر المستفيدين من الاكتشافات البحرية في بداية الألفية الثانية. وقد سمح الحقل الغازي “آفروديت” الذي اكتشفته الشركة الأمريكية “نوبل إينرجي” في 2011 بزيادة احتياطاتها المقدرة بـ7 مليار مليار متر مكعب، أي بمداخيل تزيد عن 8 مليارات يورو خلال 18 سنة.
ومنذ ذلك الحين بدأت “نوبل إينرجي” في حفر بئر جديدة وكل شيء يدعو إلى أمل اكتشاف كمية من الغاز تسمح بالوصول إلى 30 أو 40 مليار متر مكعب في المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة. ومن جهة أخرى أوكلت السلطات القبرصية اليونانية كتل استكشاف للشركة الإيطالية “إيني” وللشركة الكورية للغاز وشركة “توتال” الفرنسية. الاكتشاف الآخر الوارد جدا يتمثل في حقل “أفروديت 2” في الجانب الإسرائيلي من الحدود البحرية مع قبرص. وإذا ما تأكد أن هذا الحقل يأتي من نفس التكوين الجيولوجي لحقل “أفروديت” فهذا من شأنه دفع إسرائيل وقبرص إلى تعزيز علاقتهما الثنائية قصد الاستغلال الأمثل لهذه الطاقة الأحفورية في المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منهما.
في 2018 اتفقت هاتان الدولتان اللتان التحقت بهما كل من اليونان وإيطاليا وبدعم من الولايات المتحدة على مشروع “إيست ميد” (شرق المتوسط) لبناء خط أنابيب غاز طوله 2200 كلم لنقل الغاز الإسرائيلي نحو اليونان وإيطاليا حيث يمكن إيصاله إلى أوروبا. ومن المتوقع أن يربط خط الأنابيب هذا بين حقول “ليفياثان” و“أفروديت”، وهما على التوالي أكبر حقلين في إسرائيل وقبرص.
ولكن في مواجهة هذا المشروع، سبق وقامت روسيا وتركيا بعمل مضاد من خلال تدشين خط أنابيب الغاز “توركستريم” في 8 يناير/كانون الثاني 2020، البالغ طوله أكثر من 900 كلم والذي سينقل الغاز الروسي إلى تركيا ثم إلى أوروبا. وقد بدأ بالفعل “توركستريم” بتزويد بلغاريا وسيتم تمديده إلى صربيا والمجر. ومع ذلك تواصل تركيا نداءها بأن تكون قضية الموارد الطبيعية البحرية جزءا من اتفاق شامل مع قبرص.
دبلوماسية المدافع
كما أن أنقرة قلقة أيضا من الدور المتزايد للأمريكيين. ففي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وقع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الخارجية القبرصي اليوناني نيكوس كريستودوليديس على إعلان نوايا من أجل تعزيز وتطوير “العلاقات الأمنية الثنائية، والأمن في البحر وعلى الحدود، وكذلك تعزيز الاستقرار الإقليمي”. ثم في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت سفيرة الولايات المتحدة بقبرص كاتلين دوهيرتي ووزيرا الطاقة والشؤون الخارجية القبرصيان جورج لاكوتريبيس ونيكوس كريستودوليديس، بزيارة سفينة “إيكسون موبيل” التي تقوم بالحفر على الرغم من احتجاجات أنقرة.
وقبل هذه اللقاءات قررت حكومات كل من قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين في يناير/كانون الثاني 2019 إنشاء “منتدى الغاز في شرق المتوسط” من أجل التحكم في بروز سوق للغاز في المنطقة. ولم تتم دعوة تركيا ولبنان وسوريا إلى هذا المنتدى. وقد اجتمع منتدى الغاز لشرق المتوسط مرة أخرى في يوليو/تموز 2019 حيث استقبل الولايات المتحدة كإحدى الدول المؤسسة في حين قام الاتحاد الأوروبي في نفس الوقت بإعلان دعمه لليونان وقبرص ضد تركيا وأدان الأعمال التركية في شرق المتوسط.
من جانبه حذر رئيس البرلمان التركي بن علي يلدريم “الشركات الكبرى التي تقوم ببحوث [بأن] عليها أن تعرف حدودها […] سترد تركيا على كل محاولات تهدد مصالحها المشروعة في شرق البحر الأبيض المتوسط وحقوق الجمهورية التركية لشمال قبرص. وستقوم بكل ما يتعين فعله […] يجب أن يعلم الجميع أننا لن نتخلى عن شبر واحد من حقوقنا ومصالحنا المشروعة في البحار.”
منذ اكتشاف حقل “أفروديت”، واصلت الإدارة القبرصية اليونانية تكثيف أنشطة التنقيب في شرق المتوسط. وردّت تركيا في فبراير/شباط 2018 بإرسال سفن حربية لمنع شركة “إيني” من الحفر قبالة الساحل القبرصي، وبعد أشهر من ذلك، أرسلت سفينة تنقيب سميت بـ“الفاتح” -نسبة إلى السلطان محمد الفاتح قاهر الامبراطورية البيزنطية- مخفورة بسفن حربية.
وفي إجراء غير مفاجئ ومدعم لجمهورية قبرص في نزاعاتها الإقليمية والبحرية مع تركيا، قرر الكونغرس الأمريكي في ديسمبر/ كانون الأول 2019 رفع حظر بيع الأسلحة إلى نيقوسيا الذي يعود إلى 1987. وأدان الكونغرس أنقرة بخصوص نشاطات تنقيبها حول الجزيرة، مما أضاف خلافا جديدا إلى تلك الموجودة في العلاقات التركية الأمريكية. من جهتها ووفق وزارة الدفاع القبرصية، تحصلت نيقوسيا على أربع طائرات إسرائيلية بدون طيار (50 ألف دولار للواحدة) وسيسمح ذلك لجمهورية قبرص بتحسين مراقبة منطقتها الاقتصادية الخالصة حيث تقوم شركات دولية بعمليات بحث وتنقيب. وحسب مُصنِّعهم الإسرائيلي “آيرونوتيكس غروب”، فإن هذه الطائرات بدون طيار هي الأفضل أداء من نوعها -ربما كنظيرتها التركية “بير قدار”.
يعد هذا الملف ذو أهمية قصوى بالنسبة لتركيا. فمنذ 2013، أصبح الغاز أول مصدر طاقة مستهلكة في تركيا. وتشكل الجزر اليونانية المتعددة والموجودة على مقربة من سواحلها حاجزا لتحديد منطقة اقتصادية خالصة كبيرة لها. وقصد تجاوز هذا الضعف، تبرز تركيا وجودها في الجزء الشمالي من قبرص، بما في ذلك من خلال إرسال قوات إضافية ـ كما تحركت لتقديم المساعدة لحكومة الوفاق الوطني الليبية ورئيسها فايز السراج الذي يواجه قوات المشير خليفة حفتر. وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، واستنادا منهما إلى كون منطقة البحر المتوسط بقيت لمدة طويلة غير محددة قانونيا، قام الرئيسان التركي والليبي بإعادة رسم الحدود البحرية، مع إدماج المناطق التي تطالب بها كل من قبرص واليونان بحجة أنها تتجاوز الجرف القاري الليبي. وكون أن كتل التنقيب والاستكشاف القبرصية للغاز توجد جنوب جمهورية قبرص فهذا يعد طريقة لكي يكون لتركيا أمل في الوصول إلى جزء من كعكة محتملة.
يعود تصميم أنقرة على تعديل المنطقة الاقتصادية الخالصة الليبية إلى ثراء باطن البحر، وقد تم في السنوات الأخيرة اكتشاف حقول غازية هامة فيه. إذ هناك حديث عن 6 مليارات متر مكعب من الغاز بالنسبة لحقل “كاليبسو” وحده، أي ما يساوي 10 سنوات من الإنتاج الروسي. في وقت كانت فيه أنقرة توقع على اتفاق بخصوص الحدود البحرية مع طرابلس، أجبرت البحرية التركية سفينة بحث إسرائيلية على المغادرة وإنهاء حملة تنقيب في المياه الإقليمية القبرصية على الرغم من أن ذلك تم بالاتفاق مع نيقوسيا.
لم تكن هناك صعوبة لليونانيين والقبارصة اليونان -الذين لهم صوتان في الاتحاد الأوروبي ويحظيان بدعم واشنطن- في الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي ضد تركيا. وقد فرض المجلس الأوروبي (الهيئة التي تجمع رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي) عقوبات مالية على تركيا بعد عمليات حفر اعتبرت غير قانونية في قاع البحر قبالة قبرص.
في هذا الإطار، كما ورد في تقرير خاص للاتحاد الأوروبي، سيتم إعادة النظر بالنسبة لسنة 2020 في المساعدة السابقة لانضمام تركيا للاتحاد بقيمة 800 مليون يورو (و9 مليارات بين 2007 و2020). وقد أطلقت أنقرة التي بدت أنها تتجاهل هذه القرارات أول عمليات تنقيب لها في المياه الإقليمية القبرصية بإرسالها في يناير/كانون الثاني 2020 سفينة الحفر “يافوز”. كما أعلنت عن مشروع إجراء خمس عمليات تنقيب بحرية “في مياه الجمهورية التركية لشمال قبرص”، أي بعبارة أخرى في المياه الإقليمية الرسمية لقبرص.
وفي 27 يناير/كانون الثاني 2020 أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه لليونان بإرسال وشيك لسفن بحرية إلى شرق المتوسط يكون لها دور “ضمان السلام”. ومؤخرا بينما طلبت تركيا من أثينا تجريد 16 جزيرة في بحر إيجة من السلاح، صرّح الوزير اليوناني للدفاع نيكوس بانايوتوبولوس بأن القوات المسلحة “تدرس جميع السيناريوهات بما في ذلك سيناريو الاشتباك العسكري”.
يبقى النزاع المسلح مستبعدا كون اليونان وتركيا عضوان في الحلف الأطلسي، ولكن ذكره يكفي ليشهد أن تركيا باتت هنا كما في أماكن أخرى معزولة بشكل متزايد على المستوى الدولي. وفي ظرف يتميز بفائض في الإنتاج وانخفاض في الطلب بسبب الاحترار العالمي ونتيجة لثمن بيعه الزهيد (في بداية فبراير/شباط كان سعر مليون وحدة حرارية بريطانية لا يصل إلى دولارين في الولايات المتحدة)، تتسم كل هذه المناورات بخصوص الغاز بطابع جيوسياسي أكبر منه اقتصادي أو تجاري.
*ترجم هذا المقال من الفرنسية حميد العربي ونُشر هنا على Orient XXI.
بواسطة لامار اركندي | مارس 30, 2020 | Cost of War, Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تجولت بين شوارع مدينتي بعد فرض حظر التجوال فيها منذ الثالث والعشرين من الشهر الجاري إلا للصحفيين. سكانها اختفوا وتواروا عن الأنظار خوفاً من شبح الوباء العالمي كوفيد 19 الذي يتربص بكل مدن وبلدات العالم وليس فقط بمدينتي الصغيرة الواقعة في المثلث الحدودي التركي السوري العراقي.
بدت أزقتها مهجورة وفارغة من ضجيج الحياة الذي تلاشى مع تناقل أخبار منصات الإعلام الاجتماعي للأرقام المرعبة لوفاة آلاف الضحايا وحجز آلاف المصابين في حجرات الموت.
يقول الطبيب نظام طاهر إن كورونا يحول جسد ضحاياه لحلبات صراع بين الفيروس الدخيل القادم ليستقر في رئتيك وبين جهازك المناعي؛ فتحتدم المعركة بين الطرفين لأيام ومناعتك القوية هي من ستقضي على الفيروس وضعفها قد يقضي عليك.
إجراءات الإدارة الذاتية الاحترازية
ومع انتشار فيروس كورونا الجديد وارتفاع عدد الوفيات والإصابات في نحو 170 بلداً حول العالم،ووصولها للعاصمة دمشق التي سجلت 5 حالات، وفي مناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية التي شهدت حالات وفاة وإصابات، أغلقت الإدارة الذاتية الديمقراطية أبوابها في وجه الفيروس بحزمة إجراءات احترازية فعلّقت دوام المدارس والجامعات والمعاهد ومنعت فتح المطاعم والمقاهي والتجمعات والأعراس وأماكن العزاء في مناطق سيطرتها حتى إشعار آخر. ومنعت الإدارة الذاتية منذ منتصف الشهر الحالي دخول أي شخص إلى مناطقها باستثناء السكان المحليين، وأغلقت “سيمالكا” المعبر المائي الوحيد الذي يربطها بكردستان العراق بعد ظهور حالات وفاة وإصابات في مدن السليمانية ودهوك.
وبالتنسيق مع منظمة الهلال الأحمر الكردي ومنظمة الصحة العالمية جهزت هيئة الصحة أربع نقاط طبية في المعابر التي تشهد حركة مرور السكان إلى داخل مدن وبلدات شرق الفرات وذلك قبل إغلاقها بالكامل وهي معبر سيمالكا والرقة ومنبج مزودة بسيارات إسعاف مجهزة بكوادر طبية وبأجهزة فحص يخضع لها الوافدون إلى شمال شرقي سوريا، وتنقل الحالات المشتبه بها بعد عزلها في أماكن جهزت وخصصت لذلك.
وفي مدينة الطبقة “55 كم” غرب مدينة الرقة حدثنا عبر تسجيل صوتي عليان مصطو أحد الكوادر الطبية في الهلال الأحمر الكردي أن هيئة الصحة عززت معبر صفيان والسبخة في الطبقة بتجهيزات طبية جديدة تضمنت سيارتي إسعاف جهزتها منظمة الهلال الأحمر الكردي بكوادر طبية لمراقبة حركات مرور المدنيين والعسكريين وعزل المشتبهين بالإصابة في غرف حجر صحي جهزت في مشافي الطبقة العسكري والوطني وفي مركز بهار الصحي ومشفى الرقة الوطني.
وقالت هيئة الصحة في بيان لها قبل أيام إنها جهزت 9 مراكز للحجر الصحي بشكل مبدئي في المنطقة، ووزعت المراكز في مناطق بكوباني والرقة والطبقة ومنبج ودير الزور والقامشلي والحسكة، وهي مجهزة بشكل كامل بالأسرّة والمعدات الأولية والكادر الطبي المختص. وشكلت فرق إسعاف في كافة المدن والنواحي، مؤلفة من سيارات وكوادر طبية مجهزة بلباس ميداني، بالإضافة إلى تخصيص أرقام طوارئ لاستقبال الحالات المشتبه بها.
وأكدت هيئة الصحة عدم تسجيل أية إصابات بفيروس كورونا المستجد ضمن مناطق شمال وشرق سوريا حتى الآن، ودعت كافة الأهالي إلى اتخاذ التدابير الوقائية.
كيت Kit مجاني يكشف الكورونا في نصف دقيقة
و بالتعاون مع معهد بياس الصحي السويدي المرخص من الحكومة السويدية طورت هيئة الصحة اختبار تحليل سريع يكشف المصاب بفيروس كورونا خلال نصف دقيقة.
وكشف الرئيس المشترك لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية الدكتور جوان مصطفى في مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة في مدينة القامشلي أن التحليل يتم عبر أخذ عينة من قشع (البلغم) المريض، واختباره. النتائج تظهر خلال 30 ثانية وهذا الاختبار يعتبرالأول من نوعه في العالم.
وأكد مصطفى أن هذا الاختبار تم تجربته في ثلاثة مستشفيات في مقاطعة “ووهان” الصينية وأثبت فعاليته بنسبة 80بالمئة. هذا ويعرف عن طريقة الاختبار بـ “كيت” Kit أنها وسيلة لفحص مسحة تؤخذ من الأنف ومسحة من البلعوم وعينة من الدم، للحالة التي يشتبه بإصابتها. ونوه مصطفى إلى أن الاختبار آمن لصحة الإنسان لخلوه من مواد كيميائية وعدم تأثره بالعوامل الجوية.
وأشار الرئيس المشترك لهيئة الصحة إلى أنه سيتم إنتاج هذا النوع من الاختبارات في شمال وشرق سوريا، وأما التوزيع فسيكون لدول الشرق الأوسط من قبل هيئة الصحة، بينما يتكفل المعهد الشريك بتوزيعه في أوربا وباقي دول العالم بشكل مجاني.
ويتم تدريب الكوادر الطبية على كيفية استخدام الكيت وستفتتح مراكز طبية للكشف عن الكورونا من خلال فحص المدنيين بشكل دوري خلال الأيام القادمة، وهي تأتي من ضمن الخطوات الاحترازية التي تتخذها هيئة الصحة التابعة للإدارة للتصدي للوباء العالمي .
حملات تعقيم وتنظيف شاملة للمدن والمخيمات
وتجنباً لتفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19″، استنفرت بلديات وفرق الإطفاء والفرق الطبية والصحية بمساندة منظمة الهلال الأحمر الكردي وفرق النظافة بحملة تنظيف وتعقيم شاملة لمدن وبلدات مدن شمال شرق سوريا.
وعلى المعابر الرئيسية ومداخل المخيمات توزعت فرق الهلال الأحمر الكردي في مناطق الشهباء وشيراوا. وأخذوا التدابير الوقائية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا. وأكدت المنظمة وعبر صفحتها الخاصة على الفيس بوك أنها عقمت جميع مراكزها الصحية وحولت مراكزها الطبية في المخيمات وخارجها إلى نقاط إسعافية وقالت: “بدأنا بتطبيق إجراءات محددة في مناطق الاستقبال بجميع مرافقنا الصحية وتعقيمها كما ستتبع في الأيام القادمة إجراءات أخرى لفرز المرضى حتى قبل دخولهم إلى منطقة الاستقبال ومنع الاختلاط ضمن المرافق الصحية، كذلك الأمر تم تعقيم جميع المراكز العائدة لنا والتعاون مع هيئة الصحة والبلديات لتعقيم الشوارع الرئيسية ضمن المدن”.
الحظر المنزلي مدة 15 يوماً قابلة للتمديد
أعلنت الإدارة الذاتية في بيانٍ لها حظر التجوال بين مدنها وسيستمرُّ الحظر خمسة عشر يوماً بدءاً من تاريخ إعلانه في 23 آذار وسيكون قابلاً للتمديد في حال اقتضت الضرورة.
وبمكبرات الصوت حثت دوريات الأمن الداخلي “الأسايش” (التي جابت شوارع وحارات مدينة القامشلي ثاني أيام سريان قرار حظر التجوال) المدنيين على ملازمة بيوتهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
الافتقار للمعدات اللازمة لمواجهة كورونا
وأكدت هيئة الصحة في الإدارة الذاتية في نداء عاجل افتقار المنطقة للأدوية الأساسية لعلاج المصابين بكورونا وللمعدات الأساسية اللازمة لمواجهة الفيروس الوبائي حال وصوله لمناطق شمال شرق سوريا.
وحثَّ قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، عبر فيديو نشره على توتير على أهمية أخذ التدابير الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، وضرورة حماية النفس والعائلة والأصدقاء واصفاً الكوادر الطبية بالقادة، ودعا الجميع للامتثال لتعليماتهم، والعمل سوياً لمنع انتشار الفيروس في المنطقة.
بواسطة Ibrahim Hamidi | مارس 29, 2020 | News, Reports, غير مصنف
وصول «كورونا» إلى سوريا يعني الكثير. ثقل الوباء في هذه البلد يختلف عن غيره. سيكون توغله في أراضي هذه البلاد المنكوبة، أكثر وطأة من بلدان كثيرة.
لا بيوت يبقى فيها كثير من السوريين تحسباً لغارات الوباء، ولا مستشفيات يلجأون إليها. لسيارات الإسعاف صوت آخر، وخيمة مرمية في العراء، ملاذ المحظوظين من المشردين.
سوريا، خريطة مشرحة في 3 «مناطق نفوذ» على مائدة 5 جيوش بعد 9 سنوات من مخاض الحرب الدامية. كانت تترقب بأمل إشارات السلام، فإذا بأعراض الوباء تقبض رويداً على عنق البلاد وصدور أهلها.
الموعد السري لـ«تسونامي كورونا»، في مايو (أيار). ينتظره السوريون على الجمر. إلى حين ذلك، الحديث العلني في دمشق عن هذا الفيروس الخطير، خطير. تعزيزات قائمة لـ«معركة الحسم» ضده. هناك إصابات به ولا وفيات بسببه. «كورونا» لم يدخل بعد في القاموس الرسمي، سبباً للوفاة. «الالتهاب الرئوي» سبب مريح لقصة الموت. ونُقل عن شخصين في مستشفى دمشقي، أنهما تلقيا «أوامر شفهية بدفن قصص الموتى مع جثامينهم وعدم دق ناقوس الخطر».
في سوريا، تتراكم سلسلة من الأسباب تجعلها تقيم على حالة نادرة في التعاطي مع هذا الوباء:
أولاً، لم تعد الحكومة تسيطر على كامل أراضيها. منطقة فيها ثلثا سوريا ومعظم المدن الكبرى تدار من دمشق، لكن بنفوذ روسي وإيراني بقوتيه الخشنة والناعمة. الثلث الآخر، تدير معظمه الإدارة الذاتية الكردية تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة أميركا في شرق الفرات وفصائل معارضة بدعم الجيش التركي وأدواته «التتريكية» بوسائل عسكرية وخدماتية في شمال سوريا وشمالها الغربي.
ما يجمع «الدول الثلاث في الدولة الواحدة»، هو تدهور القطاع الصحي. في مناطق الحكومة، هاجر الأطباء هرباً من الملاحقات أو الخدمة الإلزامية أو بحثاً عن حياة جديدة أو أنهم بقوا لكن في إطار العمل العسكري. وفي المناطق الخارجة عن سيطرتها، دمرت مستشفيات بغارات سورية وروسية وتراجعت قدرات البنية التحتية التي أقامتها مؤسسات مدنية سورية وغربية.
ثانياً، بالنسبة إلى مؤسسات الأمم المتحدة، العمل متاح قانونياً في دمشق باعتبار أن الحكومة هي ممثل البلاد، حسب المنظمة الدولية، وليس في مناطق المعارضة. لكن إقامة مؤسسات الأمم المتحدة في العاصمة السورية، جعلها «أسيرة» قرار الحكومة ومعطياتها وخطابها في السنوات السابقة. منعكسات ذلك، بدأت تظهر أكثر لدى بدء الإعدادات لمواجهة «كورونا».
ثالثاً، استعادت الحكومة السورية معظم النقاط الحدودية والمطارات، لكنها لا تزال بعيداً عن أن تكون جميعها في عهدة دمشق. هناك نوافذ مع العراق وتركيا لا تزال تحت سيطرة الإدارة الكردية أو فصائل معارضة. كان هناك قرار دولي سمح بتمرير المساعدات الدولية عبر الحدود، لكن عدد البوابات المرخصة، قلص بإرادة روسية في بداية العام الجاري، وهو بانتظار التمديد في منتصف العام الماضي. هذا يضيف تعقيدات راهنة.
رابعاً، خروج أكثر من نصف الشعب السوري من بيوتهم. أكثر من 6 ملايين لاجئ في دول الجوار وخارجها والباقي في مخيمات مكتظة في مناطق مختلفة في البلاد. وهناك أيضاً، نازحون في مناطق الحكومة.
خامساً، وجود أزمة اقتصادية تصاعدت في الأشهر الأخيرة جراء طول الحرب والعقوبات الخارجية، إضافة إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي ليصل إلى 1200 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان 46 ليرة في 2011. ويثير انقطاع الكهرباء ساعات طويلة قلقاً إضافياً في المنشآت الطبية.
سادساً، عقوبات أميركية وأوروبية على مؤسسات حكومية وشخصيات نافذة أو رجال أعمال بسبب دورهم في الحرب وقرب تطبيق «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي نهاية العام الماضي، الذي يعاقب أي جهة أو شخص بسبب المساهمة في إعمار سوريا. أيضاً، تستمر العزلة السياسية على دمشق وتغيب سفارات معظم الدول الغربية والعربية عنها.
أمام هذا الواقع، سارع كل طرف إلى «تسييس» الحرب على «كورونا». موسكو قادت مع بكين ودمشق حملة لرفع العقوبات عن دمشق. إلى الآن، لم تغث الصين سوريا بطائرة فيها معدات طبية كما فعلت مع إيطاليا. واشنطن ودول غربية بدأت حملة لإطلاق السجناء ووقف النار لـ«محاربة الوباء». أما الأمم المتحدة، فهي منقسمة. العاملون في دمشق يميلون إلى رأي الحكومة. يقودون حملة لـ«رفع العقوبات»، لكنهم لا يخوضون حواراً لدفع الحكومة كي تكون شفافية في التعاطي مع الوباء. عملياً، تدفع هذه المؤسسات إلى المساهمة في معالجة وباء غير موجود رسمياً. قبل أيام حصل اجتماع تنسيقي في دمشق لمؤسسات أممية، غاب عنه كبار المسؤولين السوريين. جرى تكرار المطالب نفسها، لكن من دون حوار يتضمن الوصول إلى ضمانات وتأكيدات بوصول المساعدات إلى جميع الأراضي السورية وقبول تقديمها عبر المعابر الحدودية، إضافة إلى شمول ذلك بإيصال المعدات عبر نقاط التماس إلى مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية الذي يضم 45 ألفاً ومناطق شمال غربي سوريا أو شمالها الشرقي، حيث يقيم ملايين السوريين معظمهم نازحون.
لكن ماذا عن الواقع الصحي في سوريا؟ حسب تقرير داخلي للأمم المتحدة وبحث أعده «برنامج أبحاث النزاعات» التابع لكلية لندن للاقتصاد الممول من الخارجية البريطانية، يمكن رسم الصورة الآتية:
– نقاط الدخول
تأثرت المعابر الحدودية بوضوح بتفشي الوباء، مع اتخاذ سوريا والدول المجاورة عدداً من الإجراءات الاحترازية. وأعلن عن وقف الرحلات الجوية إلى مطار دمشق الدولي، مع فرض إجراء حجر صحي إجباري على القادمين من دول بعينها. وأجرت وزارة الصحة فحصاً للعابرين من نقاط عبور برية ومطارات دمشق واللاذقية والقامشلي قبل إغلاقها.
ومنذ 26 يناير (كانون الثاني)، أعلنت الإدارة الذاتية عن إغلاق معبر فيشخابور- سيمالكا البري غير الرسمي أمام جميع صور حركة المرور غير الطارئة، مع استثناء يوم واحد في الأسبوع للحالات الإنسانية. وفي 23 مارس (آذار)، أعلنت الإدارة الذاتية إلغاء هذه التصاريح وإغلاق المعبر لأجل غير مسمى.
حالياً، غالبية الحدود البرية إلى داخل سوريا مغلقة، مع بعض الاستثناءات المحدودة (من الأردن وتركيا ولبنان)، أمام الشحنات التجارية وشحنات الإغاثة وحركة العاملين بالمجال الإنساني والمنظمات الدولية.
وأفادت الأمم المتحدة بفرض بعض القيود على نقاط العبور داخل سوريا، بما في ذلك نقطتا الطبقة والتايهة شمال شرقي البلاد، حيث تنتشر فرق طبية لإجراء عمليات مسح ويجري فرض قيود على حركة المدنيين والسلع والشاحنات. وذكرت تقارير عن تقييد حركة الدخول والخروج في تل عبيد أمام التجار والعاملين بالمجال الإنساني والإداري. وأغلقت نقطة عبور شانان في الرقة، وكذلك أبو زندان وعون أدات (شمال ريف منبج). ورغم التوجيهات الرسمية، وردت أنباء عن بعض الحركة العشوائية حول بعض نقاط العبور، حسب تقرير أممي.
– صورة عامة وذعر
هناك ذعر بدرجات مختلفة وإقبال على شراء الحاجات في دمشق وإدلب والقامشلي. داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، يجري توفير أكثر السلع الأساسية من جانب عدد محدود للغاية من الهياكل الاحتكارية ذات الصلة بمؤسسات حكومية. ويجري دعم أكثر السلع الأساسية وإتاحتها فقط من خلال تلك المنافذ. هناك صفوف من المواطنين في كل مكان للحصول على الحاجات الأساسية، بينما تبدو الأسواق مرهقة. وتسود حالة حادة من الذعر مع إسراع الجميع لشراء وتخزين الإمدادات. ويحمل هذا الأمر صعوبة بالغة نظراً لأن غالبية الأفراد يعيشون على دخل يومي.
ولا يقف وراء حالة الذعر تلك غياب المعلومات، وإنما حقيقة أن الناس ليس أمامهم خيار آخر. في الشوارع، تبدو الحركة طبيعية، لكن المتاجر أغلقت أبوابها جبراً. والمؤكد أن الاستمرار على هذا النحو سيخلق تداعيات اقتصادية بالغة الخطورة، خصوصاً أن معدلات الفقر في سوريا تفوق 80 في المائة.
ارتفعت أسعار الخبز في سوريا كغيره من الحاجات. وحدث نقص في سلع أساسية (بنسب تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة) وكذلك في أدوات التعقيم والحماية الشخصية؛ مثل أقنعة الوجه والقفازات ومطهر اليدين التي ارتفعت أسعارها بنسب بلغت 5000 في المائة.
تشير تقديرات بعض المصادر إلى أنه في سوريا بأكملها فقط 12 ألف سرير في المستشفيات. ووصل إلى دمشق منذ يومين ألف جهاز اختبار، لكن لا تتشارك الحكومة معلوماتها مع أي جهة حتى الآن. وأكدت مصادر في دمشق أنه «لم يجرِ تخصيص أي موارد لمكافحة كورونا بسبب معاناة الموازنة من الإفلاس». وترفض الحكومة إشراك المؤسسات الدولية في جمع المعلومات وإحصاءات أعداد العاملين بالمجال الصحي. وفي الوقت ذاته، فإن الأشخاص الذين يعانون أعراض الفيروس يخشون الذهاب إلى المستشفيات. وبالتأكيد، يحمل هذا المستوى من الخوف تداعيات خطيرة على صعيد أعمال العنف والتصعيد.
يتوقع خبراء دوليون في دمشق أن يصل الوباء إلى ذروته داخل سوريا في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران). لكن حالياً، يجري الحديث عن الالتهاب الرئوي، وليس «كورونا»، تجنباً لإثارة مسألة الاستجابة الحكومية. وتفرض الحكومة حظر تجول جزئياً، لأنه في حال تسبب الفيروس في سقوط المئات أو الآلاف من الوفيات، فإن هناك قلقاً في دمشق من «منعكسات ذلك على الاستقرار للافتقار إلى القدرة على الاستجابة جراء تداعي منظومة الرعاية الصحية والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المروعة التي سيخلفها الوباء، في وقت أصبحت فيه قدرة البلاد على تحمل أي ضغوط إضافية محدودة للغاية»، حسب مسؤول غربي في دمشق.
يقول «مركز أبحاث النزاعات» إن العدد الأقصى لحالات الإصابة بالفيروس التي يمكن خضوعها للعلاج بصورة في سوريا يصل إلى 6500 حالة. ويضيف: «بمجرد تجاوز عدد الحالات المسجلة الحد المذكور البالغ 6500 حالة، من المتوقع انهيار نظام الرعاية الصحية مع الحاجة اللازمة لاتخاذ القرارات الترشيدية، مع توقعات بارتفاع المعدل الإجمالي للوفيات بما لا يقل عن نسبة 5 في المائة بين الحالات المصابة».
يضاف إلى ذلك، وجود نقص كبير في الوعي العام بمخاطر الفيروس، مع نقص كبير موازٍ في الموارد، وتدهور واضح ومستمر في الأوضاع العامة، الأمر الذي يجعلها معرضة وبشدة لمخاطر تفشي الوباء الفتاك على نطاق كبير تتعذر مواجهته أو تحمله.
– مناطق الحكومة
فرضت الحكومة مجموعة من الإجراءات الوقائية. في 24 مارس، أعلنت فرض حظر تجول ليلي بحلول مساء اليوم التالي. وأعلنت إغلاق جميع المدارس والجامعات والمعاهد حتى 2 أبريل (نيسان) 2020 على الأقل. كما جرى تعليق صلاة الجمعة والتجمعات داخل المساجد وجميع الفعاليات والتجمعات الكبرى وإغلاق جميع المطاعم والمقاهي والأندية الليلية والأندية الرياضية والثقافية. وقلصت مكاتب القطاع العام ساعات العمل بها وفرضت الحكومة تقليص قوة العمل الموجودة بالمكاتب إلى 40 في المائة.
في 22 مارس، أطلقت الحكومة السورية حملة تعقيم في المدارس والسجون والأماكن العامة، مثل المتنزهات ووسائل النقل العام بالمدن الكبرى والسفن التي ترسو بالموانئ. وجرى إرجاء الانتخابات البرلمانية من 13 أبريل حتى 20 مايو. وفرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول على المواطنين، بجانب إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد.
وأعلنت دمشق عن 5 حالات إصابة مؤكدة فقط بـ«كورونا». لكن كثيراً من المؤشرات يوحي بأن الفيروس أكثر انتشاراً من ذلك بكثير داخل البلاد قياساً إلى الأوضاع في الدول المجاورة يشارك بعضها في العمليات العسكرية في سوريا. وقال المركز: «تواجه إيران تفاقماً كارثياً في أعداد حالات الإصابة بالفيروس، في وقت تشارك فيه بقوات عسكرية في سوريا. حتى وقت قريب للغاية كان الآلاف يتحركون ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق عبر مطار دمشق أو عبر قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، خصوصاً في دير الزور الواقعة شرق البلاد، قرب الحدود مع العراق». ولوحظ أن دمشق قررت قبل أيام وضع أكثر من 100 شخص بالحجر الصحي بعد وصولهم من طهران.
الإعلان عن وجود إصابات أخذ منحى تدرجياً. في البداية اتخذت دمشق الإجراءات الوقائية قبل الإعلان عن إصابات. وكان لافتاً أنه بالتزامن مع نفي دمشق وجود مصابين أعلنت باكستان بداية الشهر، أن 7 أشخاص قادمين من سوريا تأكدت إصابتهم بالفيروس. وفي 24 مارس، أعلنت بغداد عن حالتي إصابة لشخصين جاءا من سوريا. وقال «مركز أبحاث النزاعات»: «هناك أدلة شفهية مهمة من داخل مناطق تخضع للسيطرة الحكومية حول وجود أفراد تظهر عليهم أعراض حادة للفيروس بعضهم توفي بالفعل. وهناك ارتفاع حاد في الوفيات الناجمة عن عدوى رئوية والالتهاب الرئوي بين مرضى تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، ظاهرة قائمة عبر أرجاء مختلفة من البلاد». ونقل عن شخصين في «مستشفى المجتهد» في دمشق أنهما تلقيا «أوامر شفهية» من ضباط بالاستخبارات بدفن هذه القصص مع الموتى وعدم دق أي أجراس خطر» عبر وسائل الإعلام.
– مخيمات ولاجئون
هناك 71 ألف شخص لا يزالون مشردين بلا مأوى في شمال شرقي البلاد و15 ألفاً موزعون في مآوٍ جماعية، إضافة إلى مائة ألف يعيشون في 4 مخيمات للإيواء. وبالتنسيق مع الجهات الصحية، وضعت منظمة الصحة العالمية خطة للتوعية بمخاطر «كورونا» في المخيمات والملاجئ الجماعية. وجرى توزيع مواد المعلومات، والتعليم والاتصالات ذات الصلة بتعزيز النظافة الشخصية على نطاق واسع داخل المخيمات والمرافق المدعومة، وتم تقاسمها مع السلطات بغية تعميمها على نطاق أوسع. كما جرى توسيع نطاق التعزيز والتوعية بشأن النظافة العامة داخل المخيمات.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت من أن مئات آلاف الأشخاص في شمال شرقي سوريا يواجهون مخاطر متزايدة بالإصابة بـ«كورونا» بسبب انقطاع إمدادات المياه.
ومنذ عدة أيام، أوقفت محطة مياه العلوك لإمدادات المياه في رأس العين، المدينة الواقعة على الحدود السورية – التركية والخاضعة لسيطرة تركيا وفصائل سورية مدعومة من أنقرة، ضخ المياه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية السورية. وأكد «المرصد» أن انقطاع المياه قررته تركيا.
وتؤمن محطة العلوك المياه لنحو 460 ألف نسمة، بينهم سكان مدينة الحسكة ومخيم الهول للنازحين، حيث يقيم الآلاف من عائلات عناصر «داعش». وأسفرت ضغوط عن إعادة تشغيل المحطة. لكن الإدارة الكردية حذرت من أن المناطق الخاضعة لسيطرتها غير مجهزة بشكل كافٍ لمواجهة احتمال انتشار الوباء. وقال الجنرال مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، إن «خطر انتشار الفيروس لدينا وارد جداً. لهذا قامت الإدارة باتخاذ عدة إجراءات مهمة من أجل مكافحة انتشار هذا الفيروس»، داعياً السكان إلى عزل أنفسهم في المنازل.
– «الكارثة الحقيقية»
للوضع الإنساني في «مثلث الشمال» في إدلب وبين أرياف حماة وحلب واللاذقية، حالة خاصة، بسبب الاكتظاظ البشري، حيث يقيم 3.5 مليون سوري معظمهم نازحون، وكان مسرحاً للعمليات العسكرية قبل وقف النار بموجب تفاهم روسي – تركي، إضافة إلى وجود تنظيمات مدرجة على قائمة مجلس الأمن بأنها «إرهابية».
منذ بداية العام، نزح أكثر من مليون مدني وهناك 60 ألفاً يعيشون في الحقول المفتوحة والمدارس والمساجد. وجرى إغلاق 62 منشأة صحية على مدار الشهرين الماضيين. كما فقد كثير من عمال الرعاية الصحية حياتهم أو أجبروا على الفرار خشية على أعمارهم. ونتيجة لذلك، لا يوجد في هذه المناطق أكثر من 166 طبيباً و64 منشأة صحية، من الذين يعملون بالحد الأدنى من البنية التحتية الممكنة بقدرات متدنية للغاية، حسب «برنامج أبحاث النزاعات». وقال أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط: «بدأ اختبار الحالات المُشتبه في إصابتهم بالفيروس في شمال غربي سوريا منذ يومين بعد وصول شحنة من 300 اختبار إلى أحد شركاء المنظمة. وسيصل 600 اختبار إضافي إلى المختبر في إدلب، ومن المقرر وصول شحنة من 5000 اختبار إلى مدينة إدلب الأسبوع المقبل. وتم توزيع معدات الوقاية الشخصية بالفعل على 21 مرفق رعاية صحية، كما تم شحن معدات وقاية شخصية إضافية للعاملين الصحيين في مدينتي إدلب وحلب هذا الأسبوع».
وتعاني المنظمات الصحية السورية غير الحكومية مع مديرية الصحة في إدلب من نقص مزمن في عدد الموظفين مع قلة التمويل. وقال الدكتور منذر خليل، رئيس المديرية الصحية في إدلب، إن «احتمالات تفشي فيروس كورونا مرتفعة للغاية» وسط مخاوف من كارثة. وحذر خليل من صعوبة أن تعمل خطة الاستجابة الطارئة بفاعلية كاملة في غياب الدعم الكامل من الجهات المانحة الدولية، وذلك بسبب تدهور قدرة المرافق الصحية الوطنية، ونقص الممرضين المدربين، ونقص وحدات العناية المركزة والتعطل المستمر لشبكات المياه والكهرباء، والحركة المستمرة للمواطنين النازحين داخلياً، مع عدم قدرة كثير من الناس على التكيف مع الضغوط الاقتصادية الناشئة عن العزل الذاتي مع تعليق الأنشطة الاقتصادية.
وتنظر منظمات المجتمع المدني في شراء أطقم الاختبار من الأسواق التركية، نظراً لانعدام الثقة مع دمشق. ودشنت حملات توعية مع تطوير كثير من استراتيجيات الاستجابة الأخرى التي تستكمل جهود مديرية الصحة في إدلب والمنظمات الصحية غير الحكومية الأخرى حيال مكافحة الوباء. كما قام عناصر «الدفاع المدني» بتعقيم مخيمات وأماكن مدمرة مستفيدين من وقف النار الذي قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة دمشق التقى خلال الرئيس بشار الأسد لتأكيد تثبيتها حالياً.
**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».
بواسطة Samer Chamsi-Pasha | مارس 17, 2020 | Reports, غير مصنف
The Syrian International Business Association (SIBA) was formed in 2017 through a World Bank initiative to represent the Syrian business community in the diaspora and to engage with Syrians and offer support. One aim is for the established Syrian business community abroad, which had previously left the country, to help newly arriving Syrians to integrate into their new communities.
This came after meetings and consultations with the World Bank following its study about Syrian business networks around the world. SIBA discussed with them ways to organise the Syrian business community in the diaspora through a platform with which governments can interact and assist with common problems faced by the Syrian business community outside the country.
SIBA is registered in Canada as a non-political, not-for- profit international organisation, with chapters to be formed in Turkey, Lebanon and Jordan, Egypt, Armenia, the UK, the USA, the UAE and countries in South America.
The diverse portfolio of countries serves SIBA’s stated aim of representing and empowering the Syrian business community outside Syria “through the generation of meaningful business and employment opportunities across sectors, development of relevant technical business skills, and integration of Syrian economic interests into the economies of host countries”.
Historical role of the business community in modern Syria
Syria’s mercantile class, prominent since Ottoman times, has traditionally been the main driver of the economy in Syria. Syrian governments have at several stages experimented with various social experiments which were not exactly beneficial to the economy.
But the mercantile class has traditionally played a stabilising role through solidifying social cohesion and maintaining merchants’ historical interconnection with religious establishments. Religious charities have customarily been funded through private donations from the business community, which in turn established a social support network that often supplanted the government’s own failures and fostered social cohesion and religious tolerance.
An example is the Welfare and Social Services Association of Homs which was formed in 1955, and has since provided a backup social support network. It was supported by local businesses.
The mercantile class was mainly urban based. But through trade flows and movements, Syria’s business community can also be credited with cultivating better relationships between the countryside and urban centres.
The Syrian business community abroad and its role in economic development
Despite the detrimental economic policies undertaken by successive governments since the 1960s, Syria’s traditional mercantile class has solidified the economy, mainly through SMEs, and continues to play this role until today. The Syrian business community in diaspora has also contributed substantially to the development and resilience of Syria’s economy through investments, remittances and the transfer of knowledge and skills. During the conflict, foreign remittances from Syrian diaspora groups have kept the Syrian pound from further deterioration. The diasporic business community has also contributed substantially to the growth of host economies, particularly in countries such as Turkey, Egypt and Jordan.
Some Syrian business people inside Syria have also businesses outside the country. We are therefore not talking about a disconnect between internal and external business communities but a wide and varied business community. The Syrian business community has also contributed positively to the economies of its host countries. In 2015, Syrian businesses in Turkey added about 0.5 per cent to Turkey’s GDP, and there are similar success stories in Jordan and Egypt.
Post conflict facts
Out of an estimated total population of 23 million in 2010, seven million Syrians are now internally displaced and another six million have taken refuge in foreign countries. By 2018, there were 22 million diasporic Syrians.
The conflict has emptied the country of both its intelligentsia and its skilled and semi-skilled labour workforce. The business community is qualified and has exceptional potential to play a role in the redevelopment of Syria’s economy through direct inward financial investments, facilitating and expanding the export of Syrian products, transferring business know-how and best practice, bridging sectors, business connections and communities and maintaining a two-way transfer of skills and experiences.
To fulfil this role, the Syrian business community inside the country requires a new deal. In the 1980s an informal agreement between thelate Hafez Assad and the business community gave business access to the economy without governmental control in return for politicalstability. That worked until the current conflict breached that agreement. Currently, there is no deal, and it is not clear what political settlement the current government is prepared to offer the business community for its return.
The Syrian business community outside Syria wants the following concerns to be addressed in any upcoming negotiations: personal safety and security, the rule of law, investment securities, and the upholding of housing, land and property rights. On an international level, it requires the economic sanctions to be lifted, an end to capital flow restrictions, more serious economic support from the international community, such as credit guarantees and financial support instruments, and better access to regional and international markets.
The informal estimate is that the Syrian business community in the diaspora are worth about $200 billion. However, business people face severe restrictions in their ability to move funds. Any Syrian trying to open a bank account will face many hurdles.
With a new deal, the sanctions need to be lifted to help Syria redevelop.
In conclusion, the Syrian business community can be instrumental in the social and economic recovery of Syria. The current conflict has breached the traditional pact between the government and the business community. This must be redressed but not happen without reaching a new arrangement between the two sides. Without this, and without the active engagement of Syria’s business community, the Syrian economy will not fully recover in any meaningful way, and reconstruction efforts will be limited in scope and impact.
*Published in Partnership with the LSE’s Conflict Research Programme.
This paper was presented at the Political Economy and Governance in Syria conference organised at LSE in December 2018.
*Photo credit: Tarek Kebaisy. Bazaar in Damascus’ old city.