أكيتو ثورة الربيع المتجذرة تاريخياً

أكيتو ثورة الربيع المتجذرة تاريخياً

بمراسم احتفالية وعروض مسرحية وغنائية ودبكات شعبية، أحيا الآشوريون ذكرى السنة البابلية الآشورية في أحضان الطبيعية بأزيائهم الفلكلورية كما يفعلون في الأول من نيسان من كل عام  في مناطق الجزيرة وعموم سورية كبداية عامهم الجديد الذي يعرف بعيد “أكيتو”.

وتعنى “أكيتو” الحياة الجديدة باللغة السريانية، و يستمر الاحتفال بها ١٢ يوماً، يبدأ بمرحلة خلق جديدة كما جاء في ملحمة الخلق الأولى ’إينوما إيليش‘ السومرية المكتملة في ملحمة جلجامش.

وعن رمزية مدة عيد أكيتو البالغة ١٢ يوماً يقول الباحث والكاتب ركيس دنحو أنها تساوي أشهر السنة الأثني عشر، “فكل يوم كان يقابل شهراً واحداً مرتبطاً بالسنة الجديدة، ويرتبط الرمز الكامل بالمفهوم الأسطوري للأشهر الاثني عشر للخصوبة والوفرة، ومفهوم مشابه يرتبط بالأعياد الشهرية بأساطير النجوم والأبراج”.

ويربط الكاتب الآشوري دنحو احتفالات الآشوريين والبابليين بمناسبة دينية هامة هي انتصار الإله “مردوخ” الذي كان يعتقد أنه من خلق الحياة والطبيعة على الآلهة “تيامات” حيث تخصص الأيام الأربعة الأولى من الاحتفال لممارسة الطقوس الدينية، وتقديم الصلوات، والقرابين وقراءة قصة الخلق (إينوما إيليش) التي تحكي كيف جرت عملية اتحاد الآلهة ليكون “مردوخ “ملكهم، أما الأيام المتبقية فتتضمن بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية إضافة إلى الطقوس الدينية.

وقد مضى على هذا العيد 6769 عاماً بحسب تقويمهم الآشوري البابلي، إذ يعود تاريخ الاحتفال به إلى الألف الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى القرن الثاني قبل الميلاد، ليظهر بعد ذلك في أعياد واحتفالات أخرى في العراق وسورية وايران وآسيا وبلدان البلقان بعدما طرأت على طقوس الاحتفال بعض التغيرات.

يصفه الكاتب ورئيس الجمعية الثقافية السريانية حنا حنا ابو تغلات أكيتو بأنه “انتصار الخير على الشر” فهو بحسب قوله “يمثل إرثاً حضارياً وثقافياً لبلاد ما بين النهرين الذي يعود لآلاف السنين للعهد السومري الأكادي البابلي الآشوري السرياني، والذي لازال يستأثر باهتمام الباحثين والأدباء وعلماء الآثار لما يشكله من أهمية بالغة في إغناء مختلف جوانب الحضارة الإنسانية”.

ويوضح تغلات أن الاحتفال بعيد رأس السنة الجديدة يعود إلى عصور مبكرة من حضارة بلاد الرافدين، فقد وردت إشارات في النصوص المسمارية إلى أن هذه الاحتفالات كانت معروفة في المدن العراقية القديمة، وأصبحت شائعة في كل بلاد بابل وآشور في نهاية العصر البابلي القديم.

وتحضر حكاية أعياد الربيع وطقوس الاحتفال بها في السهول والجبال والوديان في ذاكرة نيمو سركيس السيدة السبعينية المنحدرة من مدينة “عين كاوا” من كردستان العراق والمتزوجة  في مدينة القامشلي والتي انضمت لجموع المحتفلين في قرية “محركان” في ريف مدينة القامشلي.

تتذكر سركيس خروج الناس من كل القوميات والأديان إلى الطبيعة المغطاة بالعشب الأخضر والمزركشة بزهور برية بمختلف الألوان والأحجام تحيطها غابات كثيفة، وتضيف: “منذ حلول ساعات الفجر الأولى تعلق كل عائلة آشورية حزمة من العشب الأخضر في أعلى مدخل البيت  قبل استيقاظ الأطفال وتسمى (دقنا دنيسان)، و تحضر النسوة للمناسبة ما لذ وطاب من المأكولات و الحلويات والثياب الفلكلورية للجنسين وبمختلف الأعمار، وترتدي المرأة فستاناً طويلاً وتحته سروال طويل تتزنز بحزام قماشي، وتغطي رأسها بقلنسوة وتلفها بمنديل أبيض يغطيها وتبقي وجهها مكشوفاً،  ويضع الرجل على رأسه قبعة على شكل نصف كرة مصنوعة من الصوف عليها ريش من ريش النعام ويرتدي قميصاً أبيضاً وفوقه كنزة مصنوعة من الصوف و بنطالاً ملوناً ومزركشاً عريضاً من أسفله”.

خارج المنزل تتشابك الأيادي في رقصات فلكلورية على نغمات موسيقية في حلقات الدبكة، وتشعل نار” نينوى” بشعلة تصفها نيمو بالكبيرة.

وتتابع سركيس: “في نهاية آخر يوم من أيام الاحتفال تعود كل عائلة مصطحبة معها باقات الزهور البرية التي تتشارك أفراد العائلة بجمعها، وتعلق باقة منها بجانب باب البيت تعبيراً عن الفرح بقدوم الربيع واستقبال الخير، ويرمي كل أفراد العائلة بقية الزهور مع قطع نقدية في حلة ماء كبيرة، ويطلب من أصغر أفراد العائلة أن يغمض عينيه ويغمس يديه في الحلة ليجمع النقود المعدنية لتنعم العائلة ببركة السنة”.

وتعتبر الاحتفالات بالسنة الجديدة (الأكيتو) “واحدة من أكثر الأعياد والمهرجانات الدينية الاجتماعية الشعبية قدماً وعالمية بمناسبة مرور الفصول أو عودة الشمس” كما تشير صباح شابو مسؤولة الاتحاد النسائي السرياني في القامشلي، مبينة أن الاحتفال بالعيد في العصر السومري  كان طبقاً للدورة النباتية لموسم الحصاد والبذار وكلاهما كان يشير لبداية السنة.

وتضيف شابو “جرت العادة على إقامة الاحتفال بعيد ’أكيتو‘ كل عام حسب التوقيت البابلي القمري في الأول من نيسان، وابتداء من العصر البابلي القديم أغنى عيد “أكيتو” الخيال الديني لشعب حضارة بلاد الرافدين لأكثر من 2500 سنة، لأنه كان غنيا على نحو غير اعتيادي بالطقوس والرموز الدينية والأسطورية والاجتماعية والسياسية”.

وبالنسبة لها فإن هذا العيد “رمز للنضال الشعبي من أجل الحرية من أجل نهضة ثقافية متعددة وديمقراطية في المنطقة والشرق الأوسط”.

كيف يرى السوريون في مناطق سيطرة الحكومة قانون سيزر؟

كيف يرى السوريون في مناطق سيطرة الحكومة قانون سيزر؟

أعاد مجلس النواب الأمريكي بداية هذا العام، تفعيل قانون حماية المدنيين في سوريا أو ما يعرف بقانون “سيزر”لمدة عشر سنوات أخرى، مع توسيع دائرة القانون ليشمل فرض عقوبات على الحكومة السورية في مجالات جديدة تشمل: الطاقة والنقل والأعمال، وبموجبه سيتم فرض عقوبات على أي شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو توفر لها التمويل بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية والمصرف المركزي السوري.

وكان قانون “سيزر” قد سن عام ٢٠١٤ بعد أن سرب مصور عسكري منشق ٥٥ ألف صورة لعمليات التعذيب والقتل في المعتقلات السورية.

لاقى القانون وإضافاته ترحيباً من البعض ممن اعتبروه خطوةً لازمةً لمنع إعادة تأهيل نظام الأسد من جديد، خاصة بعد أن بادرت بعض الدول العربية بمبادرات للتقرب منه و مع الحديث عن احتمال عودته للجامعة العربية، إضافة إلى أن هذا القانون سيعيد فتح ملفات الجرائم التي ارتكبت في السنوات الأخيرة لمحاسبة النظام قانونيا، كما أنه سيحاصر الدول الداعمة للنظام كإيران وروسيا بفرض قيود وعقوبات عليها.

من جهة أخرى يرى آخرون أنالعقوبات لن تؤثر على النظام السوري الذي سيجد طرقاً للالتفاف عليها من خلال وسطاء وشركات مختلفة، ولن يتضرر سوى المواطن السوري العادي الذي بقي في الداخل، مستشهداً بتجربة حصار العراق في التسعينات من القرن الماضي لتأكيد زيف المزاعم الأمريكية بحماية المدنيين من أنظمتهم.

في الداخل السوري يردد البعض رواية السلطة عن الموضوع بأنها “مؤامرة خارجية لحصار الشعب السوري اقتصادياً، بعدما فشلت المخططات الإرهابية من النيل من صموده.” كما يقول عبد الله وهو موظف حكومي، مضيفاً: “الشعب السوري لن يخضع لهذا الحصار، وكما خرجنا من حصار الثمانينيات فيما مضى سنخرج الآن ، لدينا الكثير من العوامل التي تساعدنا على تخطي هذه المشكلة ولسنا بحاجة أميركا لتساعدنا بشيء”.

بينما يرى مأمون وهو موظف في شركة خاصة، أنّ للقانون نتائج كارثية على السوريين معطياً مثالاً عما حدث في شركة عرق الريان في السويداء “حيث كانت تصدر منتجاتها إلى الخارج بشكل رئيسي، ونتيجة العقوبات وإيقاف التصدير لم تستطع الشركة دفع ثمن العنب للفلاحين هذا الموسم حتى الآن منذ أكثر من خمسة أشهر.” يقول مأمون شارحاً: “الاقتصاد السوري منهار بالكامل، ولا يعتمد على أية سياسة اقتصادية وطنية، فخلال السنوات الماضية دمرت البنى التحتية بشكل كبير، لكن حجم المساعدات والأموال التي كانت تدخل البلد سواء للحكومة أو للمعارضة كانت تخفي حجم الكارثة الاقتصادية الحقيقية. واليوم وبعد أن توقفت هذه المساعدات تفاقمت الأزمات بشكل غير مسبوق، إعادة إعمار سورية وبناء اقتصاد صحيح يحتاج إلى الكثير من التسهيلات والمساعدات الخارجية، إلا أن قانون سيزر سيكون عقبة حقيقية أمام ذلك.”

يركز العديدون ممن يبحثون في آثار هذا القانون على تأثيره على عمليات إعادة الإعمار وتوفير المواد المستوردة الأساسية بما فيها مواد البناء، والأسمدة، والأدوية، والتقنيات المتطورة والتكنولوجية التي تعتبر هدفاً مباشراً لهذه العقوبات. إلا أن آخرين يرون بأن المشكلة كانت ولازالت داخلية، سواءٌ بوجود عقوبات أو بدونها والمتضرر الوحيد هو عامة الناس، كما تشير المحامية سمر التي تقول ” يمكن تجاوز العقوبات الجديدة لو أن لدينا حكومة وطنية تعمل لصالح البلد، كذلك كنا تمكنا من بناء الاقتصاد من جديد بما تمتلك البلاد من مقدرات ومقومات ودون الحاجة لمساعدة أحد، لكن وبظل وجود حكومة ينخرها الفساد بكل مفاصلها، ستكون نتائج العقوبات كارثية على الداخل السوري”، وترى سمر بأن العقوبات ستكون “شماعة تستخدمها الحكومة لتبرير فسادها وعجزها عن معالجة الأزمات الموجودة كأزمة الوقود والمحروقات” و التي تفاقمت بشكل كبير خلال الفترة الماضية.

وبين المؤيدين لهذا القانون والمعارضين له، فقدت شريحة سورية واسعة الاهتمام بما يحدث حولها لتلتفت لعيشها لكل يومٍ بيومه، فالمهندس المدني كريم مثلاً لم يسمع بقانون سيزر كلياً، وقد علق ساخراً عندما عرف مضمونه: “لا أهتم لمثل هذه القوانين، فمنذ بداية الحرب في سوريا لم تكن الأوضاع أفضل مما هي عليه الآن، هذا القانون كان من الممكن أن يشكل فارقاً في بداية الأزمة، أما الآن وقد دمرت أغلب المدن وهجر أهلها فلا نفع منه، الدول التي ساهمت في خراب البلد وصمتت عن كل الانتهاكات المرتكبة تريد اليوم أن تستثمر في بناء ما هدمته، هذا القانون ليس أكثر من مضاربات في السوق بين الشركات. “

ويتساءل فارس، وهو فلاح في الخمسين من عمره، ساخراً “هل سيؤثر هذا القانون على كمية الأمطار الهاطلة؟ يبدو أنّ الموسم هذا العام سيكون جيداً، ولن أهتم إن كان هناك عقوبات أم لا.” ويضيف فارس ” قطع الغيار للآليات مفقودة منذ بداية الحرب، وعمليات التصدير متوقفة أساساً، حتى الأسمدة والمبيدات الحشرية الموجودة أغلبها مغشوش وفاقد الصلاحية وبدون فائدة، لذا اعتمدت على التسويق المحلي للمنتجات ومحاولة حل المشاكل الزراعية بالطرق التقليدية، مثل التسميد بروث الحيوانات والمكافحة الطبيعية والاعتماد على الحيوانات في عملية الحراثة. “

ويحاول معظم السوريين الذين يعيشون في مناطق السيطرة الحكومية كما فارس مقاومة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، ويرون أن هذا القرار لن يغير شي عملياً على أرض الواقع، وعلى حدّ تعبير الصحفي سعيد فإن القانون “سياسي بالدرجة الأولى، فهو رسالة للجميع بأن أميركا مازالت الطرف الأهم في الملف السوري، رغم إعلانها عن سحب قواتها، وأنها تستطيع أن تمسك بوابات المنطقة تفتحها وتغلقها كيفما شاءت وحسب مصالحها. “

الحوار السني – العلوي يخرج الى العلن

الحوار السني – العلوي يخرج الى العلن

بعد أكثر من سنتين من الحوار السري بين شخصيات ممثلة للمكونات السورية داخل البلاد وخارجها، خصوصاً من العلويين والسنة، قرر المتحاورون الخروج إلى العلن بـ«مدونة سلوك لعيش سوري مشترك» تكون بمثابة مبادئ فوق دستورية، وتأسيس «مجلس المدونة السورية» على أمل توفير «حاضنة اجتماعية» تشكل ضمانة للمستقبل «بعيداً عن معادلة النظام والمعارضة».

الجولة الأخيرة من الحوار جرت في برلين، الجمعة والسبت الماضيين، بمشاركة 24 شخصاً؛ جرى اختيارهم باعتبارهم ممثلي مكونات، ولهم صلة بالبيئة الحاضنة ومجتمعاتهم المحلية. شارك في الجولة الحوارية 11 من داخل البلاد و13 من الخارج، وكان بين «سوريي الداخل» 9 شخصيات علوية هم نواب سابقون وأبناء شيوخ وشخصيات مؤثرة ذات علاقة بالمجتمع والدولة، على طاولة مستديرة، إلى جانب معارضين و«ثوار» من قادة عشائر من شرق البلاد وشمالها وجنوبها ووسطها ودمشق، وشخصيات كردية، ومسيحيين.

واذ قلل دبلوماسيون من اهمية الحوار نظرا بسبب غياب افق حل سياسي عاجل وعدم فعالية المشاركين، اشار اخرون الى اهميته الرمزية وبعده الاجتماعي.

الحوار الذي صار له يجري وراء الستارة، وتنقل بين باريس وزيوريخ وبرلين، وشاركت فيها شخصيات عدة، وأداره الدكتور ناصيف نعيم، الخبير السوري بالدستور والمقيم في ألمانيا، قرر القيمون عليه إخراجه إلى النور، حيث حضرت «الشرق الأوسط» اليوم الثاني من الجولة يوم السبت والجلسة الختامية «في مكان ما» في العاصمة الألمانية، حيث عمد المشرفون إلى مصادرة الهواتف الجوالة وأي جهاز إلكتروني. وتمت دعوة خبراء في الإرهاب والعملية السياسية لإيجاز المشاركين لرفد خلاصات الحوار في المسار السياسي وما بعده.

وسُمح بتداول كل شيء إعلامياً باستثناء الأسماء الحقيقية للمشاركين من داخل البلاد، الذين أكدوا علم السلطات السورية بمضمون الحوارات والوثائق المتفق عليها، وأجمعوا على أنهم شاركوا ويشاركون «باعتبارنا سوريين، ونرفض تقديمنا باعتبارات طائفية، وألا نكون حرفنا المشروع عن هدفه».

وفي الجلسة الأخيرة، اشتعل النقاش بين أبناء الداخل والخارج حول وجود القوات الأجنبية في سوريا. الفكرة كانت الوصول إلى موقف مشترك يطالب بانسحاب القوات الأجنبية تطور إلى بحث موضوع «داعش» ووجود «حزب الله» في سوريا، إلى أن جرى التفاهم على صوغ مسودة بيان تطالب بـ«انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا»، من دون ذكر لأي دولة أو ميلشيات، قبل فتح الباب أمام النقاش الإعلامي في أسباب اتخاذهم القرار بالعلنية، وعدم رغبة «أبناء الداخل» ذكر أسمائهم الصريحة طالما أن دمشق على علم بالحوارات.

الحوار

تعود فكرة الحوار إلى 2016، حيث جرت لقاءات في فرنسا وسويسرا بين شخصيات علوية وسنية بتردد أوروبي وقتذاك، من منطلق بحث «وثيقة الإصلاح العلوي». نهاية ذاك العام، حصل اجتماع عاصف عندما وُضع على الطاولة اقتراح الموافقة على «مرحلة انتقالية» وتشكيل «مجلس رئاسي» في سوريا. وجرت بعض التغيرات في الهيكلية والمشاركين إلى أن عقدت اجتماعات أخرى بين «فريقين: علوي وسني» في منتصف 2017، حسب إيجاز أحد المنظمين. وكان بين المشاركين، ملهم الشبلي من عشيرة الفوارة، والشيخ أمير الدندل من عشيرة العقيدات، وعوينان الجربا من عشيرة شمر، ومصطفى كيالي من أحفاد «الكتلة الوطنية» في حلب – إدلب، إضافة إلى «شخصيات علوية» من طرطوس وحمص واللاذقية.

للخروج من «المأزق»، جرى التوافق على إبعاد ثلاثة أمور من النقاش، هي: «النظام والمعارضة، الرئيس بشار الأسد، ثورة أم مؤامرة»، حسب شرح ناصيف نعيم، حيث بدأ صوغ وثيقة فوق دستورية عرفت باسم «مدونة سلوك لعيش سوري مشترك» تتضمن أموراً يتفاهم عليها السوريون، وتبلورت في نهاية 2017. وأنجزت الوثيقة في صفحتين تضمنت 11 مبدأ هي: «وحدة الأراضي السورية، المكاشفة والاعتراف، لا غالب ولا مغلوب، لا أحد بريء من الذنب، محاسبة لا ثأر، جبر الضرر، متابعة الملف الإنساني، الهوية التنوعية للمجتمع السوري، عدم تسييس الانتماء، جماعية التراث السوري، مبدأ المساواة بين السوريين وحماية حرياتهم».

وبين أكثر النقاط التي جرى انقسام حولها، البند الرابع المتعلق بالمسؤولية، و«هل نذكر النظام أم لا» إلى أن جرى التوافق على عبارة «لا أحد بريء من الذنب على أساس الاعتراف المتبادل بين أطراف الصراع أن لا أحد بريء من الارتكاب، كلٌّ حسب دوره ومستقبله». وبعد الوصول إلى الوثيقة، جرى توقيعها من قبل المشاركين أمام القضاء الألماني، مع ذكر تفاصيل الهوية والمعلومات لكل شخص، إضافة إلى أخذ صورة لكل مشارك مع الوثيقة. وقال أحد المشاركين، إنه أخذ «مدونة السلوك» إلى دمشق، وجرى تسليمها إلى مسؤولين رفيعي المستوى.

ورغم الوصول إلى «الاختراق»، استمرت الاجتماعات طيلة العام الماضي في برلين للمضي خطوة إضافية في الحوار إلى أن جرت «مأسسة العمل» عبر تشكيل «مجلس المدونة السورية»، ونصت وثيقته على أن «شخصيات سورية مهتمة بالشأن العام من اتجاهات فكرية واجتماعية متنوعة في المجتمع السوري» توصلت إلى مدونة، و«بناءً على ما تم من اجتماعات بين الشخصيات الموقعة التي اتسمت بطابع الدورية، وأخذت شكلاً مؤسساتياً بحكم الأمر الواقع، تم انضمام الكثير من الشخصيات، ووقعت عليها، معتبرة نفسها امتداداً لمبادئها وجزءاً من الجسم الحامل لهذه المدونة، وباتت الشخصيات جميعها تشارك في الاجتماعات الدورية».

وأشار الموقعون إلى أنهم اتفقوا على تأسيس «مجلس المدونة السورية جسماً حاملاً ومسؤولاً عن مدونة السلوك تجاه السوريين، أينما وجدوا، وتجاه الدول والمجتمعات الدولية كافة». كما جرى في الجلسة الأخيرة تعيين ثلاثة ناطقين باسم «المجلس»، إضافة إلى العمل على إقامة نظام داخلي وتشكيل لجان عمل من المشاركين لوضع «خريطة تنفيذية» لشرح المبادئ الـ11، وتقديمها إلى الحواضن الاجتماعية لكل منهما داخل البلاد وخارجها.

أسئلة وأجوبة

أتيحت فرصة الحوار مع جميع المشاركين على مائدة واحدة في بناء ألماني قديم ذي سقف عال ونوافذ واسعة تتوسطه لوحة مذهبة تطل على طاولة مستديرة انحشر فيها 24 شخصاً. من الداخل والخارج. رجال ونساء. شباب وكهول. بالزي التقليدي والزي العصري. بعضهم تحدث بلهجته، فيما تحدث آخرون بالإنجليزية. بعضهم خبر الغرب، فيما لا يعرف آخرون سوى قريتهم وضيعتهم.

وما إن هدأت النفوس بعد النقاش الساخن حول القوات الأجنبية، حتى طرح السؤال: «لماذا قررتم الآن الخروج إلى العلن؟». كل أجاب على طريقته، وكان المنظم هو ناصيف نعيم. أجاب الجربا أنه بعد إقرار الوثيقة لاحظ ردود فعل إيجابية وصدى طيباً في أوساط من يعرفهم و«حاضتنا الاجتماعية»، ذلك أن هدف المشاركين هو الوصول إلى «نظام سياسي اجتماعي للدولة القادمة على أساس العدالة الاجتماعية». في الصورة الأوسع، أشار، وهو القادم من شرق سوريا، إلى ضرورة وجود دور عربي في سوريا و«نناشد الدول العربية، وفي مقدمها السعودية، القيام بدور عربي لحل القضية السورية. الدول الأخرى لها مصالح، لكن الدول العربية هي أهلنا والسعودية هي الأخ الأكبر لنا».

وأشار إلى أن «الشعب السوري لا يرى حلاً عبر معادلة النظام والمعارضة، بل الحل عبر الحاضنة الاجتماعية. والمدونة هي رسالة طمأنة إلى الشعب بأن هناك أشخاصاً يعملون للناس ويشكلون ضمانة للمستقبل». وأضاف: «قبل الثورة نعرف المشاركين معنا من الداخل من حمص وطرطوس، ونعرف أنهم مؤثرون، ويعرفون أن مفتاح الحل هو الحاضنة الاجتماعية… النظام لم ولن يسمح بوجود مجتمع مدني، ويعرف دائماً أن الحل هو عند المجتمعات المحلية، ونحن نشكل ضمانة للمستقبل، والعلويون المشاركون يعرفون ذلك».

وإذ رأت سيما عبد ربه أن المدونة ضمنت «11 مبدأ تضم أفكاراً جامعة ستتبعها آليات تنفيذ»، قال أحد المشاركين من طرطوس إن المبادئ «يقول البعض عنها إنها طوباوية، نريد هذه الطوباوية والحلم، ونريد العيش بالفضيلة. والمدونة هي أيقونة المستقبل السوري بعد المقتلة السورية لكل الأطراف». وقال مشارك آخر من حمص إن المبادئ «تعبر عن نبض الشعب السوري، وهي خريطة طريق لسوريا».

من جهته، قالت إحدى الشخصيات البارزة، وهو نائب سابق وشخصية فاعلة في طرطوس، إنه يرفض مثل غيره أن يقدم من منطلق طائفي و«العلويون رفضوا عبر التاريخ الانفصال واختاروا الدولة السورية»، والخلاف الموجود حالياً «هو سياسي يحاول البعض تقديمه طائفياً». ونقل عن الشيخ صالح العلي، أحد قادة الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي، قوله «إن العلويين جميعاً سنة إذا تعرض سني للخطر». وذهب آخر للقول: «الخلاف ليس داخلياً، بل مؤامرة خارجية».

غض الطرف

ورأى السفير السوري السابق في لندن سامي الخيمي، أن الخطر على سوريا أن السوريين غير مجتمعين على مواجهة أطماع الخارج، مطالباً بضرورة أن يبحث السوريون عن المصالح الاقتصادية فيما بينهم، فيما أملت عبد ربه في بناء «كتلة حرجة اجتماعية سورية» تشكل رافعة للحل. ورأى إبراهيم محمد إبراهيم باشا، وهو من أكراد الحسكة: «نحن كثوار قمنا ضد النظام، وأرى أن المدونة تمثل حلم كل السوريين».

أما أحد المشاركين من الساحل والفاعلين في مساعدة النازحين، «بما في ذلك أسر المسلحين»، فقال: «جرى العمل الممنهج على تدمير الرموز السورية، ولم يبق لنا سوى فعل الممكن. والمبادئ الـ11 هي خطوة نحو المستقبل»، الأمر الذي وافق عليه إبراهيم شاهين من ألمانيا، قائلاً: «المدونة خلاصة عمل هادئ وعميق من دون ضجيج للوصول إلى المشتركات». وأضاف آخر أن «العلنية ضرورية لجمع السوريين حول هذه المبادئ التي لا خلاف حولها، وتوفير ضمانة وأمل للمستقبل».

من جهته، قال نائب سابق في حمص، معروف بصلاته وفعاليته، «الحرب السورية فريدة. بعض القوى زادت ضراوة الحرب تحت عنوان مساعدة الشعب السوري»، إذ إن السوريين لم يكونوا متعودين على القتل و«القوى الخارجية كان لها دور في سفك الدم السوري»، محذراً من «اصطياد البعض في الماء العكر، وتأسيس كانتونات شرق سوريا»، الأمر الذي وافق عليه زميله، وأضاف أن «السلطات على أعلى مستوى على علم بهذا الحوار وتسلمت نص المدونة». وحض آخر على ضرورة رفع العقوبات الغربية التي تضر بالإنسان السوري العادي.

في المقابل، قالت إحدى الشخصيات المعارضة إن «حديث النظام عن الانتصار يستفز الكثيرين، ونعرف أن هناك ردوداً وعمليات ضد قوات النظام في الجنوب السوري، لذلك فإن طرح هذه المبادئ يدفع الناس للبحث عن المشتركات»، فيما قالت مشاركة بارزة من دمشق إن مشاركة «سوريي الداخل» بالحوارات حصلت «من دون وهم: نحن نحاول أن نراوغ ضمن الهامش بحثاً عن التغيير»، مشددة على رفض فكرة «أن الداخل كتلة واحدة موحدة». وأضاف إلى ذلك شخص آخر من طرطوس: «إذا كان الشعب السوري لا يقبل بعضه بعضاً، يمكن للأمور أن تنفجر في أي لحظة. لذلك لا بد من التحرك الاجتماعي، وهذه المدونة ضرورة والإعلان ضروري».

بسام صباغ، وهو مسيحي من حلب ومقيم في الخارج، حرص على إيصال صوته، قائلاً: «الانطباع أن المسيحيين هم مع النظام، وليسوا مع المعارضة. في الواقع المعارضة تأسلمت، أو دُفعت إلى التأسلم، وبالتالي من يرتبط بالمعارضة السياسية يعتبره بعض المسيحيين خائناً لهم، لذلك فإن هذه المدونة مهمة لأنها تتحدث عن مبادئ سامية وفوق الاستقطاب بين النظام والمعارضة».

وبعد يومين من الأخذ والعطاء تحت سقف ألماني، وبقواعد حوار ألمانية، من دون هواتف جوالة، وبعزلة كاملة، عاد كل إلى مكانه الجغرافي. أبناء الداخل إلى سوريا. أبناء الخارج إلى الشتات. لكن التواصل قائم بينهم للترويج لـ«مدونة سلوك»، إضافة إلى العمل لحل إشكاليات وقضايا في مجتمعاتهم المحلية… من دون انتظار حل سياسي من فوق، وبتفاهمات خارجية، طال انتظاره، وقد يطول فرضه.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

سوق الوراقين…وجه جميل لدمشق

سوق الوراقين…وجه جميل لدمشق

لا يزال سوق الكتب المستعملة، الواقع تحت جسر الرئيس، مقصداً لكثيرٍ من الكتاب والمثقفين ومحبي القراءة، فقد شكَّل هذا السوق المزدحم وسط العاصمة دمشق، ذاكرةً خصبةً لكل من مر به، كما ساهم في تنمية ثقافة روَّاده، خاصة من القراء المبتدئين، ورَفَد مكتباتهم المنزلية بالعديد من الكتب، إذ أنه صديق عطوف على ذوي الدخل المحدود، ففيه لا يتجاوز سعر الكتاب المستعمل ثلث أو حتى ربع سعر الكتاب الجديد.

 ويعود تاريخ هذا السوق لعام ٢٠٠٣، عندما تجمّع فيه عددٍ من باعة كتب الرصيف الذين كانوا منتشرين في منطقة الحلبوني والبحصة والتكية وغيرها، ليضم اليوم نحو ثلاثة عشر بائعاً، يلقِّبهم البعض بـ”ملوك الكتب”، فهم ليسوا تجاراً بقدر ما هم قراء شغوفون بالمعرفة تربطهم بالكتاب علاقة وثيقة. فالتعامل مع الكتب “يبقي الإنسان على تواصلٍ مع المفكرين والأدباء والعلماء” وفقاً لأبو طلال، أحد أقدم باعة السوق وأشهرهم، يقول أبو طلال ” من يقرأ كتاباً يوجه صفعةً حقيقيةً للجهل” مشبهاً علاقته مع كتبه بدخول المرء إلى حديقة “يقطف منها زهوراً من كل لونٍ وعطر”، ولأن بائع الكتب يتمتع بقراءتها فهو كبائع العطر “إن لم يبع العطر يشمَّه” على حد وصفه.

ويحتوي هذا السوق على كتبٍ نادرةٍ وفريدة في شتى مجالات الأدب والتاريخ والعلوم وغيرها، ويُعَد كنزاً ثميناً للباحثين عن عناوين أو ترجماتٍ معينة فُقدت منذ زمن، وعن تميز السوق يتحدث أبو سارة أحد الباعة فيه قائلاً “معظم المكتبات الحديثة توجهت نحو بيع الكتب الرائجة كالكتب الدينية وكتب الطبخ والترفيه والتسلية، بينما بقي هذا السوق محافظاً على تنوعه وغناه، ورغم اصفرار أوراق بعض الكتب واهتراء أغلفتها إلا أنها تحتفي بقيمةٍ فكريةٍ ومحتوى معرفي ثمين، فكتبنا تعتمد على المضمون لا على الشكل التجاري المبهرج”، مضيفاً “هناك من يفضل شراء الكتب القديمة ذات الأغلفة الباهتة والحواف المتآكلة، كونها تمثل له تراثاً فكرياً وذاكرة ثقافية، فهي كالطوابع والعملات والقطع الأثرية النادرة”.

مهنة مربحها فكري ومعنوي

“لو أنني سائق سيارة أجرة، بائع سجائرٍ أو خضار لحققت دخلاً أفضل بكثيرٍ من عملي هذا، فأنا أجمِّد لأجله رأس مالٍ كبيراً مقابل أرباحٍ بسيطة لا تعادل حجم تعبي اليومي، لكن حبي للتعامل مع الورق والكلمات يشعرني بالرضى والسعادة، فهو عملٌ إنساني نبيل يخاطب العقول والقلوب” يروي البائع أبو سارة، مضيفاً “قد تحقق بعض الكتب الجديدة أرباحاً جيدة إلا أن غلاء أسعارها يجعل مبيعاتها محدودة إذا ما قورنت بمبيعات الكتب المستعملة، لكن الأخيرة لا تعود علينا بمرابح مجزية، لأنها ترأف بحال زبائنها أصحاب الدخل المحدود”. ونتيجة هذا الواقع بات عدد بائعي الكتب المستعملة يتناقص يوماً بعد يوم، ومن بقي يزاولها هم “بعض المخلصين للكتاب والساعين نحو الربح المعنوي والفكري قبل المادي” بحسب أبو سارة.

أما أبو طلال فيرى أن “الكتاب يفقد دوره الثقافي والتنويري إذا عومل كسلعةٍ يُجنى من ورائها المال”، وعن علاقته بزبائنه يقول: “أحب رؤية الزبون يقلّب الكتب لساعاتٍ ويتفحص عناوينها ومحتواها بدقة، فأتناقش معه حولها وأنصحه في اختيار بعض القراءات، ولا يهمني في نهاية الأمر إن اشترى كتاباً أم لا، ما يهمني هو تحفيزه على القراءة وامتلاك أدواتها، لأنه سيعلِّم غيره، ومن يقرأ يفكر، ومن يفكر يبني مجتمعاً متقدماً”. ومن خلال العلاقة الوطيدة التي يبنيها أبو طلال مع زبائنه يأتي مكسبه المادي، إذ غالباً ما يعودون لشراء الكتب، التي تصفحوها وأعجبتهم، بعد توفير المال اللازم، وقد يأتون بصحبة زبائن جدد.

مكان لا يناسب الثقافة

يستقبلك التلوث السمعي والبصري عند اقترابك من السوق، فالتناقضات والفوضى تحيط بالسوق المكتظ بتجمع لوسائط النقل العامة، إضافة لسوق تجاري لبسطاتٍ من كل شكلٍ ولونٍ، يعتمد باعتها على النداء المتكرر لجذب انتباه العابرين.

من جهة أخرى، يفتقر سوق الوراقين إلى البنى التحتية المناسبة، وتنقصه الإنارة الجيدة والمظهر الجمالي المطلوب، حيث تنتشر مئات الكتب على الأرصفة بين الغبار وبقايا القمامة وتكاد تدوسها أقدام المارة، وفي الأيام الممطرة يضطر بعض الباعة إلى تغطية كتبهم بالشوادر والنايلون، مما يجبرهم على التوقف عن العمل، كذلك يعانون من ظروف البرد خلال جلوسهم في أمكنتهم المفتوحة على كل الجهات.

يصف أبو سارة معاناته مع المكان قائلاً “عملنا فكري يتطلب هدوءاً وصفاء ذهنياً، وموقع السوق لا يؤمن لنا هذا، إذ تتصدع رؤوسنا طوال النهار من الصراخ المتواصل للباعة والضجيج المزعج لوسائط النقل، ولا نكاد نسمع حديث زبائننا وزوارنا، فهم غالباً يضجرون من البقاء طويلاً، وهو ما يؤثر سلباً على حجم مبيعاتنا”. ويضيف “بينما تحظى بعض السلع التجارية في جوارنا بالدلال والامتياز وتتربع على رفوفٍ ملونة، تستلقي بعض كتبنا على الأرض كالخردة، بغير سقفٍ يحميها أو جدارٍ تستند عليه لتتعرض للرطوبة والغبار وعوامل الطقس، وهو ما يساهم في اتساخ أغلفتها واصفرار أوراقها والإسراع في تلفها”.

السوق خلال الحرب

أدت الحرب لتغير هوية بعض المكتبات إذ تحولت إلى محال تجارية ومطاعم نتيجة تراجع حركة بيعها للكتب وعجزها عن شراء الكتاب الجديد، حيث حلَّق سعره بشكلٍ خيالي، مما اضطرت مكتبات عديدة في دمشق لبيع الهدايا والألعاب والقرطاسية وغيرها لتقاوم الإفلاس وتتمكن من الاستمرار. ونتيجة ارتفاع سعر الورق وتكاليف الطباعة، وضعف الإقبال على النشر، توقفت دور نشرٍ كثيرة عن عملها مستسلمة لإفلاسها لتبيع كتبها ومحتوياتها، بأسعار زهيدة لتجار الورق وباعة الكتب المستعملة.

 ولم ينج سوق الوراقين من لعنة الحرب هو الآخر، ففقد السوق معظم رواده خلال السنوات الماضية، حيث تكدست مئات الكتب لفترات طويلة حتى أصابها التلف واستحال بيعها، ما اضطر أصحابها لإرسالها إلى معامل الكرتون أو استخدامها كمادةٍ للتدفئة، ورغم شلل حركة البيع وتراجع الإقبال على السوق، استمر عمله بفضل بعض باعته المخلصين له، ومن بينهم أبو طلال الذي يلخص ذلك بقوله “حافظنا على روح المكان وقاومنا بكتبنا قبح الحرب، تابعنا عملنا رغم إفلاس معظمنا، لنثبت للعالم أننا كناشري ثقافة صمدنا مع كتبنا لنكمل رسالتنا الإنسانية”.

ورغم انتعاش حركة السوق في العام الأخير، قياساً للأعوام التي سبقته، لم تعد لما كانت عليه قبل عام 2011 وربما لن تعود في المدى القريب، ويعزو أبو سارة سبب ذلك إلى “سفر الكثير من القراء الشغوفين باقتناء الكتب، وتردي الواقع الاقتصادي عند معظم الناس ليصبح شراء الكتاب نوعاً من الكماليات، عدا عن أعباء وهموم الحياة اليومية التي جعلتهم ينسون الأشياء التي يحبونها”

أما أبو طلال فيعزو السبب إلى “تغير المزاج الثقافي العام الذي يتحكم بنوعية القراءات التي تتجه بمعظمها حالياً نحو ثقافة القراءة الاستهلاكية والاستسهال في الحصول على المعلومة السريعة، عبر اللجوء إلى الإنترنت والكتب الإلكترونية”.

قلبنا من الحامض لاوي: السوريون وأزمة الحمضيات

قلبنا من الحامض لاوي: السوريون وأزمة الحمضيات

تزين أتوستراد المزة بالحمضيات منذ فترة، في مشهد أثار حفظية المزارعين الذين لم يتوقعوا أن يجدوا إنتاجهم من الحمضيات يستخدم للزينة عوضاً عن الأكل. في الوقت الذي أشار فيه رئيس اتحاد المصدرين السوري محمد السواح بأن هذا من أنواع العرض لمنتجات مهرجان” زرع وصنع في سورية” والذي يقام بداية كل شهر لترويج المنتجات السورية، والذي تم تزيينه للمرة الأولى بالحمضيات فقط.
وأزمة تسويق الحمضيات في سوريا ليست جديدة، فخلال أكثر من 25 سنة تنوعت المساعي الحكومية التجميلية للتخفيف من الواقع المأساوي لمصير الحمضيات دون جدوى، واليوم تقف الحكومة عاجزة عن تصريف إنتاج هذا المحصول الذي تجاوز المليون طن وفق أرقام وزارة الزراعة السورية.
دفع هذا العديد من المزارعين إلى اقتلاع أشجار البساتين، إذ تشير إحصائية مديرية الزراعة في اللاذقية إلى أن عدد الأشجار المقلوعة خلال عام 2016 وصل لـ 5086 شجرة في حين بلغ عدد الأشجار المقلوعة عام 2017 لـ 20338 شجرة.
وتستوعب السوق المحلية ما يقارب ثلث الإنتاج من الحمضيات أثناء الموسم، مما يترك كميات كبيرة خارج الحاجة الفعلية، وهذا يعني زيادة كبيرة في العرض تؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل مجحف بحق المزارعين، كما تؤدي لتلف جزء من الموسم لعدم جدوى قطافه وتسويقه. ومع استمرار فجوة الفارق بين سعر الحمضيات الذي يبيع بموجبه الفلاح محصوله، والسعر الذي يشتريها به المستهلك النهائي بنحو 50 ليرة سورية، يؤكد المزارعون أن هذا تلاعباً بقوت عائلاتهم ، حيث يعمل بهذه الزراعة قرابة 57 ألف عائلة في 357 قرية ويعتمدون عليها بشكل أساسي في معيشتهم.
ويبلغ عدد أشجار الحمضيات الكلي 14 مليونا و196 ألف شجرة، تمتد على مساحة 43 ألف هكتار، منها 13 مليونا و555 ألف شجرة في طور الإنتاج تشرف عليها 103 وحدات إرشادية وفق أرقام وزارة الزراعة.
ويعاني مزارعو الحمضيات من عدم إمكان تصدير انتاجهم لأسباب عدة، منها عدم مطابقة المنتج للمواصفات القياسية التي تطلبها الأسواق الخارجية، إذ رفضت روسيا عام 2017 شحنات الحمضيات السورية لهذا السبب مما دفع البلدين لتأسيس شركة خاصة تعنى بجودة المنتج الزراعي، بحيث يكون مطابقاً للمواصفات التي تناسب السوق الروسية، وتم وضع خطة لمبادلة 200 ألف طن من الحمضيات والفواكه والخضار السورية بالقمح الروسي، إلا أنه لم يتم البت بالموضوع مع الجانب الروسي على ذلك، وبقي الموضوع رهن الدراسة والمشاورات.
يضاف إلى ذلك أن عملية التصدير تتطلب وجود مشاغل فرز وتوضيب الحمضيات، إلا أن عدد المشاغل لا يتجاوز الـ 50 في محافظتي طرطوس واللاذقية، ووفقاً للمزارعين هناك، فإن خط التصريف لا يتجاوز مدينة دمشق، كما تعتبر مشكلة المنافسة في الأسواق العالمية أحد أبرز معوقات التجارة، في ظل غياب المشجعات التصديرية المتمثلة بسياسة الحماية المتبعة في بلدان عدة مثل الاتحاد الأوروبي.
حاولت الحكومة العام الماضي تسويق المحصول عبر مؤسساتها التجارية، وذلك باستجرار كميات كبيرة من المحصول لصالاتها، حيث تم تركيب خط للفرز هو الأول من نوعه لدى القطاع العام في الساحل السوري، تبلغ إنتاجيته خمسة أطنان بالساعة، لكن هذا الإجراء فشل في تسويق كامل الإنتاج، إذ يحتاج تصريفه لإيجاد أسواق خارجية لتصديره.
ولتصرّف بقية المحصول عمدت الحكومة لإطلاق حملة لتوزيع الحمضيات مجاناً لأسر ضحايا الحرب السورية، الأمر الذي أثار استياء أهالي الضحايا خاصة بالمناطق الساحلية، وبهذا لم تثمر المقترحات التي ابتدعتها الحكومة لحل مشكلة الحمضيات، بل على العكس يزداد الأمر سوءاً عاماً بعد عام.
مؤخراً منحت الحكومة دعماً قدره 1600 دولار لكل شاحنة تحوي 15 طناً من الحمضيات، لكن الأمر الذي غاب عن ذهن الحكومة السورية أن الدعم المادي سيذهب للتجار لا للمزارعين، خاصة وأن التجار هم الحلقة المسؤولة عن تسويق الإنتاج.
أما المزارعون فمعاناتهم ماتزال كبيرة نتيجة الخسائر المتلاحقة لقطاع الحمضيات حيث يتكدس الإنتاج في أسواق الجملة، ومع بداية كل موسم زراعي تتجدد المشكلة إن كان لجهة كساد الإنتاج، أو نتيجة العوامل الطبيعية لتبقى الأزمة مستمرة.
وبالإضافة للحاجة لسياسة زراعية حقيقة تدرس حجم احتياجات السوق الداخلية وإمكانية التصدير والأسواق الخارجية التي ترغب باستيراد هذا النوع من الحمضيات، على الحكومة السورية أن تدعم المزارعين أسوة بالدول الأوروبية، التي تقوم بالدفع لمزارعيها لثنيهم عن زراعة منتج قد يتسبب بحدوث فائض وكساد بالإنتاج، وبالتالي توفر الحكومة على نفسها معاناة البحث عن سبل لتصدير الفائض من الحمضيات التي زادت بكثرة في السنوات الأخيرة نتيجة استسهال الحلول والاعتماد على الدولة لتسويق المنتج الفائض، لكن مع مرور الوقت أصبح هذا الاستسهال عبئاً على المزارع والدولة.
أما الحديث عن إنشاء معمل لعصر الحمضيات، فيجمع العديد من المختصين بصناعة العصائر أن منتج الحمضيات السوري غير قابل للتحول إلى عصير، لنسبة المرارة العالية فيه، وبالتالي لا جدوى من تصنيعه. ولو كان الأمر مجدياً لتسابقت الدول المجاورة على استيراده وتصنيعه، نتيجه انخفاض أسعاره.
عن هذه القرارات ومشكلة المحصول الفائض عبّر البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن خوفهم من أن تتخذ الحكومة قراراً لتوزيع الحمضيات أي “صناديق البرتقال” بدلاً عن الأجور والرواتب، حيث أن الحد الأدنى للأجور في سوريا 30 ألف ليرة يعادل شراء 300 كيلو غرام من البرتقال، بينما اكتفى آخرون بالقول “قلبنا من الحامض .. لاوي”..

خيبة واسعة في دمشق من ٨ نكسات وتطورات

خيبة واسعة في دمشق من ٨ نكسات وتطورات

تسود خيبة في دمشق بعد نكسة في المزاج الذي كان سائداً نهاية العام جراء تطورات سياسية وعسكرية واقتصادية عدة حصلت أو لم تحصل في الربع الأول من العام الجاري، ما ساهم في تفسير قيام الرئيس السوري بشار الأسد بأول زيارة إلى طهران الأسبوع الماضي لبحث سبل التعاطي مع هذه التطورات مقابل تركيز دول غربية وواشنطن على «الصبر الاستراتيجي» للحصول على تنازلات من موسكو، بحسب أجواء نقلها دبلوماسيون زاروا العاصمة السورية.
كانت نهاية العام الماضي، شهدت زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى دمشق وفتح الإمارات والبحرين سفارتيهما وتبادل زيارات مع عمان وقيام مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك بزيارة القاهرة وحديث عن انفتاح سياسي عربي وأوروبي وإعادة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية ومساهمة عربية في إعمار سوريا و«دور عربي ضد إيران وتركيا»، إضافة إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 14 ديسمبر (كانون الأول) الانسحاب من شرق سوريا واستعجال مسؤولين أكراد التفاوض مع دمشق.
وساهمت هذه الأمور في رفع مستوى التفاؤل في دمشق، لكن المشهد الراهن مختلف حالياً حيث تسود خيبة لثمانية أسباب، بحسب دبلوماسيين:

1 – التطبيع العربي: بات واضحاً، أن قرار عودة دمشق إلى الجامعة لن يحصل في القمة العربية المقبلة في تونس نهاية الشهر الجاري. كما أن مسيرة التطبيع بين دول عربية ودمشق تجمدت. وأظهرت الجولة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الخليج ربط دول عربية رئيسية استئناف العلاقات الدبلوماسية بالحل السياسي بموجب القرار 2254. وإذ تريثت دول عربية بتعيين دبلوماسيين في سفاراتها في دمشق، بقي الأردن مستمرا في مسيرته الثنائية.
بحسب دبلوماسيين غربيين، تعود فرملة التطبيع إلى أسباب بينها: الأول، «فائض ثقة» من بعض المسؤولين في دمشق بالحديث عن أن «العرب يجب أن يعودوا إلى سوريا وليس العكس» وأن دمشق لن تقدم طلبا إلى الجامعة لإعادتها إلى الجامعة العربية التي كانت سوريا بلدا مؤسسا فيها. الثاني، ضغوط الإدارة الأميركية على دول عربية بـ«وقف التطبيع مع النظام» بالتزامن مع إقرار مشروع قانون في الكونغرس يعاقب «المتعاملين مع الحكومة السورية». ثالثاً، زيارة الرئيس الأسد إلى طهران ولقاؤه المرشد الإيراني علي خامنئي. وإذ كانت الزيارة ردا على وقف التطبيع وعوامل أخرى، فسرت في عواصم عربية وغربية بقرار دمشق عدم الابتعاد عن طهران وتوقيع اتفاق طويل الأمد. وقال مسؤول غربي: «في ظرف كهذا تعني عودة سوريا إلى الجامعة دخول إيران إلى الجامعة العربية وليس دخول العرب إلى سوريا».
2 – الانسحاب الأميركي: أحدثت تغريدة الرئيس ترمب في نهاية ديسمبر (كانون الأول)، صدمة بين حلفائه وأصدقائه. وإذ ساهمت في استعجال دول التطبيع، دفعت دمشق إلى «مزيد من الثقة» بالتعاطي مع ملف التطبيع العربي أو التفاوض مع الأكراد. لكن القرار الحالي لترمب هو إبقاء 400 جندي شرق سوريا والإبقاء على قاعدة التنف. وتضغط واشنطن على عواصم أوروبية لإرسال «قوات حفظ سلام» إلى شرق سوريا. بحسب معلومات، فإن مسؤولا أميركياً أبلغ محاوريه قبل أيام، أن واشنطن لن تسمح لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بالتفاوض حالياً، بل إن التفاوض سيكون من موقع القوة للوصول إلى «وضع خاص» للمنطقة الخاضعة لسيطرة الحلفاء.
كما تتفاوض واشنطن مع أنقرة لإقامة «منطقة أمنية» شرق الفرات في محاذاة حدود تركيا وسوريا. وتبحث في نشر «قوات حفظ سلام» فيها مع بقاء الحظر الجوي. وعقد رئيسا الأركان الأميركي والروسي اجتماعا في فيينا قبل أيام لتجديد العمل بـمذكرة «منع الصدام» والتمسك بخط التماس الذي هو نهر الفرات: شرقه لحلفاء واشنطن، إضافة إلى قاعدة التنف ومنبج. غربه لحلفاء موسكو.
3 – معركة إدلب: ضغطت دمشق مرات عدة لجر موسكو إلى هجوم في إدلب، كما حصل في مناسبات سابقا عندما فرضت الحكومة السورية أجندتها على روسيا أو قادت وزارة الدفاع الروسية العملية في سوريا على حساب وزارة الخارجية، لكن موسكو وأنقرة نجحتا في تمديد العمل في اتفاق سوتشي لخفض التصعيد في إدلب. ونجحت تركيا في فرض مبدأ تسيير دوريات متوازية وليس مشتركة في محاذاة «المنطقة العازلة» في «مثلث الشمال» السوري.
لا يعني هذا إمكانية عدم حصول «عملية محدودة» ضد المتطرفين في إدلب والعمل على فتح الطريقين الرئيسيين بين حماة وحلب وبين اللاذقية وحلب. لكن روسيا تعطي أولوية حالياً للإطار الاستراتيجي لعلاقاتها مع تركيا. ولم تكن صدفة إعلان أنقرة بدء تشغيل منظومة «إس – 400» الروسية في أكتوبر (تشرين الأول) مع بدء تسيير دوريات متوازية. ونقل عن مسؤول روسي قوله: «ما بين روسيا وتركيا أكبر بكثير من إدلب».
4 – اتفاق أضنة: في الأشهر الماضية، وضع الرئيس فلاديمير بوتين بمهارة «اتفاق أضنة» على طاولة التفاوض مع الرئيس رجب طيب إردوغان بديلاً من «المنطقة الأمنية» الجاري التفاوض عليها بين واشنطن وأنقرة. لكن أنقرة تحفظت على بندين في الاتفاق: عدم التعاطي سياسيا مع دمشق وأن يكون عمق التوغل التركي شمال سوريا هو نحو 30 كيلومترا وليس خمسة كيلومترات كما نص «اتفاق أضنة».
الاتفاق، الذي يعود إلى يوليو (تموز) 1998. كان يسمح بفتح نافذة في التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكن يبدو أنه وضع على الرف حالياً. وربما يعود الحديث عنه لاحقاً بعد الانتخابات المحلية التركية في نهاية الشهر الجاري، التي تشغل المسؤولين الأتراك.
5 – اللجنة الدستورية: في الأيام الأخيرة للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، بدا أن «الضامنين» الثلاثة (روسيا وتركيا وإيران) في حالة هجوم لفرض أسماء القائمة الثالثة الممثلة للمجتمع المدني. لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رفض الموافقة على هذه القائمة في 18 ديسمبر (كانون الأول). كان هذا بين الأسباب، التي دفعت لافروف إلى التعاطي بمرونة مع مطالب المبعوث الدولي الجديد غير بيدرسون. طلبت موسكو من الأمم المتحدة ترشيح ستة أسماء جديدة إلى القائمة. كما أن بيدرسون متمسك بالتفاوض على «قواعد عمل» اللجنة بالتوازي مع الاتفاق على الأسماء الستة، ضمن تصوره لـ«مقاربة شاملة» لتطبيق القرار 2254.
وأبلغت موسكو الجانب السوري عدم الارتياح لانتقادات الرئيس الأسد في خطابه الأخير لمسار سوتشي – جنيف الذي سعى الجانب الروسي لتعويمه، في وقت تسعى دول غربية للتمسك بمسار جنيف. وتزامن هذا مع عودة في الخطاب السياسي العربي لموضوع «الانتقال السياسي» كما حصل في البيان الختامي للقمة العربية – الأوروبية في شرم الشيخ في 25 الشهر الماضي. وقال معارض سوري: «باتت دول عربية تعتقد أن الانتقال السياسي هو المدخل لإخراج إيران من سوريا».
6 – العقوبات والإعمار: عادت موجة العقوبات الأوروبية والأميركية التي شملت فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات على شخصيات ومؤسسات مقربة من دمشق ومنخرطة بالإعمار في 21 ديسمبر (كانون الأول) وضم سبعة وزراء سوريين إلى «القائمة السوداء»، إضافة إلى إقرار الكونغرس قانونا يربط الإعمار بالحل السياسي بالتزامن مع ترك ملف السلاح الكيماوي مفتوحاً. بحسب المعلومات، فإن مؤتمر الدول المانحة في بروكسل بين 12 و14 الشهر الجاري، سيؤكد على الموقف نفسه بربط المساهمة بالإعمار بـ«حل سياسي ذي صدقية». وقال دبلوماسي غربي: «الدول الغربية تعتقد أن ملفات العقوبات والشرعية والإعمار هي الأوراق التي تملكها أميركا والدول الأوروبية للتفاوض مع روسيا حول سوريا، ولن تتخلى عن هذه الأوراق مسبقاً». اللافت، أن مسؤولا روسيا رفيع المستوى سيشارك في مؤتمر بروكسل الذي كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعث برسالة إلى غوتيريش للمطالبة بعدم رعايته أو دعوة الحكومة إليه.
7 – الأزمة الاقتصادية: الحديث الرئيسي في دمشق ومناطق سيطرة الحكومة وتشكل 60 في المائة من مساحة سوريا، يدور حول الأزمة الاقتصادية وانقطاع الكهرباء والغاز وقسم من الخدمات والمواد الاستهلاكية. ويعتقد دبلوماسيون غربيون أن الأزمة تعود إلى: «الآثار الارتدادية للعقوبات الغربية على إيران من جهة ورغبة طهران بالضغط على دمشق لإظهار أولوية هذه العلاقة، إضافة إلى العقوبات المفروضة على دمشق». وقال أحدهم: «استعادة الحكومة السيطرة على الجنوب والغوطة ساهم بالأزمة بسبب توقف التمويل الذي كان يأتي إلى مناطق المعارضة ويعبر إلى مناطق الحكومة»، لافتا إلى أن جلسات عقدت في عواصم غربية لبحث منعكسات الأزمة على اتخاذ القرار في موسكو ودمشق وطهران. وكان لافتا، أن أصوات الانتقاد ظهرت بين موالين للحكومة الذين كانوا «ينتظرون قطف ثمار الانتصارات العسكرية اقتصاديا وخدماتيا».
8 – الغارات الإسرائيلية: لم تتوقف الغارات الإسرائيلية في سوريا في السنوات الأخيرة، لكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي نجحت في طي صفحة توتر بين موسكو وتل أبيب بعد إسقاط القوات الجوية السورية طائرة روسية في سبتمبر (أيلول) الماضي، بحسب مسؤولين. وكان بين الطلبات الإسرائيلية، عدم تسليم قيادة منظومة «إس – 300» الجديدة إلى الجيش السوري. والرد على الضربات الإسرائيلية، كان ضمن الأمور التي بحثها الرئيس الأسد مع خامنئي في طهران.
وإذ ساهمت هذه العناصر الثمانية في خيبة بين مسؤولين في دمشق وقلق لدى آخرين وتعب بين موالين، فإنها عززت تفكير مسؤولين غربيين باستخدام مصطلح «الصبر الاستراتيجي» القائم على عدم استعجال تقديم تنازلات بل انتظار نتائج هذه الضغوطات في دفع موسكو لتقديم تنازلات ومرونة للبحث عن حل سوري. وهناك رهان على التركيز على الملف السياسي والتفاوض بعد القضاء على «داعش» شرق سوريا.
في المقابل، تواصل موسكو العمل على مستويات عدة: دفع الدول العربية لاستئناف التطبيع، استخدام ورقة اللاجئين مع الدول الأوروبية، تفاهمات عسكرية مع الأميركيين والأتراك والإسرائيليين.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»