بواسطة Safi Khattar | يناير 31, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
أدى إعلان الحكومة السورية عن مرسوم العفو رقم ١٨ والمتعلق بالمتخلفين عن خدمة العلم الصادر بتاريخ 9/10/2018، لانتشار شائعات في الشارع السوري حول تضمنه لبند شطب أسماء كل من استدعي للاحتياط ولم يلتحق، إضافة لإلغاء كافة قوائم الاحتياط الصادرة سابقاً. وبقيت هذه الإشاعات بين نفيٍ وتأكيد، إلى أن صدر تعميم يُنهي الجدل، ويؤكد شطب كافة دعوات الاحتياط السابقة وإيقاف الدعوات الجديدة.
وتقدر أعداد المطلوبين للخدمة الاحتياطية فقط بنحو 800 ألف مطلوب، إلا أن جهات غير حكومية تقول أنّ الأعداد تفوق ذلك بكثير.
صورة (١) عن التعميم الصادر لشطب كافة الاحتياطيين نقلاً عن صفحة الإعلامي رضا الباشا
أثار هذا التصريح الرسمي ارتياحاً بين العديد من السوريين المتأثرين بخدمة العلم، وبدا لهم وكأنه إذعانٌ ببداية مرحلة ما بعد الحرب، إلا أنّ الشكوك بقيت تساور الكثيرين حول مصداقية العفو، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات للأخبار المتضاربة، ولتداول تجارب الأشخاص المتأثرين بالقرار، فمنهم من كان يؤكد أنه تنقل بحرية دون أن توفقه الحواجز بعد أن كان يخشى الاقتراب منها، ونقل تأكيدات من شعبة التجنيد بصحة العفو وشطب الأسماء. في حين وردت في المقابل العديد من التعليقات من أشخاص نفوا كل ذلك، مؤكدين أن لا شيء تغير على أرض الواقع، ومازالت الحواجز الأمنية توقف الشباب وتسوقهم للخدمة الإلزامية.
في الفترة نفسها، انتقلت معركة التصريحات والتحليلات إلى القنوات الإعلامية، سواءٌ المحسوبة على النظام أو المعارضة، فبُثّت تقارير وندوات على قنوات معارضة كالأورينت وتلفزيون سوريا حول الموضوع مشيرة إلى أنه عبارة عن فخ تستخدمه السلطة للإيقاع بالشباب وخداعهم بغية أخذهم للجيش، وبأنّ النظام لا يمكن أن يؤتمن، ولا يمكن الوثوق بما يصدر عنه، مستشهدين بما يجري في مناطق المصالحات، والتي كان بند التجنيد وخدمة الشباب من الملفات التي تم الاتفاق والتفاوض عليها مسبقا، إلا أن الاعتقالات والمداهمات استمرت، وذهبت الوعود السابقة أدراج الريح.
في الطرف الآخر، أجرت القنوات الرسمية وشبه الرسمية ندواتٍ حول الموضوع، كالحوار الذي أجرته قناة دمشق الآن مع مدير شعبة التجنيد العامة وقاضي الفرد لتوضيح شطب الاحتياط، حيث أوضح المشاركون بنود العفو وأكدوا “إلغاء الدعوات السابقة”، دون إسقاط “واجب أداء الخدمة الاحتياطية”، مشيرين إلى أنّ البلد اليوم تعيش “آخر انتصاراتها”.
ولم تفلح كل التأكيدات المعلنة والرسمية في تبديد حالة الشك والخوف وعدم الثقة بالقرارات والتعميمات الحكومية، فبعد أن تصاعدت الآمال والأحلام بحياة جديدة، وملأت التهاني صفحات وبيوت الشباب الذين سيشملهم العفو، والذين قضت الحرب على أهم سنوات عمرهم في ظل واقع معيشي كارثي على الجميع، عاد كابوس الخدمة ليطاردهم من جديد. فما هي إلا أيام قليلة لا تتجاوز العشرة حتى تفاجأ الجميع بعودة طلبات الاحتياط جميعها، لتقوَض القرارات السابقة الصادرة، دون أن يكون هناك أي تصريح رسمي من الحكومة حول ذلك.
عمار شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، اضطر في السنوات السابقة للعمل في الورشات وأعمال البناء رغم توفر فرص للعمل له في البرازيل حيث يقيم أقاربه، إلا انه لم يستطع السفر بحكم كونه متخلفاً عن الخدمة الاحتياطية، وما أن صدر قرار العفو حتى ذهب عمار لتجديد جواز سفره والمباشرة بإجراءات السفر، يروي عمار ما حدث معه: “كنت من أكثر المشككين بالعفو وبقيت حتى اللحظة الأخيرة وأنا غير مصدق، وأكثر ما أثار قلقي وخوفي أن تتعرقل أوراقي وأفقد حماسي ولهفتي للسفر، ذهبت لدائرة الهجرة و كان الازدحام غير مسبوق، وكأنّ الجميع يرغب بمغادرة البلد على وجه السرعة، أعطوني موعداً لاستلام جواز السفر بعد أسبوع بعد أن أنهيت تقديم جميع الأوراق المطلوبة. ومن ضمنها كفالة مالية لإذن السفر تقدر بخمسين ألف ليرة، عدا عن باقي التكاليف بحيث يقدر مجموعها بسبعين ألف ليرة. وأخيراً تواصلت مع أقاربي وأخبرتهم أنني قادم، وبدأنا نتصور كيف ستكون الأمور في البرازيل، عشت ما يشبه الأحلام وأحسست بنفسي وكأنني أودع المكان هنا وبأنني قد أصبحت هناك فعلاً”.
إلا أن فرحة عمار لم تطل، فبعد أسبوع فقط سمع خبر عودة طلبات الإحتياط، وعن هذا يقول “في البداية لم أصدق أو بالأحرى لم أود أن أصدق، استلمت الجواز ولكن موظف الهجرة أخبرني بأنه لم يعد ينفعني بشيء. وبأنني لن أستطيع مغادرة البلد وحتى الكفالة المالية لا يمكنني استرجاعها، وقال لي ساخراً بنبرة لا تخلو من شماتة: عندما تنتهي من الخدمة تعود إليك الكفالة، الدولة لا يضيع عندها شيء.” يعاني عمار اليوم من اضطرابات نفسية عنيفة، أدت به إلى الانعزال عن محيطه بعد أن خسر “ترف الحلم بغد أفضل وسدّت كل الطرق في وجهه” بحسب تعبيره.
العديد من الشبان يعانون يومياً كما عمار من التحديات التي تفرضها قرارات كهذه، سواءٌ من ناحية حرية التنقل والحركة والعمل أو من ناحية الإحباطات الكبيرة، والانكسارات النفسية التي أصابتهم بعدما تأملوا بتغيير واقعهم وحياتهم.
ولم يصدر أي تصريح أو توضيح من أي جهة حكومية لما جرى بل بالعكس قوبلت كل الأصوات المطالبة بالتفسير بتجاهلٍ كامل، وزاد عليها توسيع طلبات الاحتياط إلى فئات عمرية تعتبر خارج نطاق السن القانوني المحدد للخدمة.
خرجت العديد من التفسيرات لما جرى، إلا أنها بقيت في دائرة التحليل والتكهن، يعتبر مثلاً محمود (40عاماً) وهو صاحب محل لبيع الملابس “بأن المرسوم ثم القرار، فخ نصبته الحكومة للإيقاع بالمطلوبين، وخصوصاً أن قسماً ليس بالقليل منهم كانوا خارج البلد في دول الجوار (لبنان بالأخص)”، ويتوقع محمود ” بأنّ قرار العفو صدر لإعفاء فئة محددة من أبناء المسؤولين والأغنياء، وتسهيل خروجهم بشكل رسمي وقانوني من البلد. “
بينما يرى أيمن (55سنة) مدرس لغة عربية بأنّ ما جرى “عبارة عن تصارع تيارين نقيضين داخل الحكومة نفسها، فصدور العفو وشطب أسماء الاحتياط جاء نتيجة الضغوطات الخارجية الكبيرة على الحكومة السورية لسنّ قوانين جديدة بخصوص أكثر من ملف، وعلى رأسها ملف الخدمة والمتخلفين عنها، إلا أنّ ما يحدث على أرض الواقع نقيض لذلك تماماً، ويتم وفقاً لتعليمات غير رسمية بحيث يبقى العفو حبراً على ورق، فمسألة الخدمة بالجيش لا يمكن أن تفرّط بها الحكومة بهذه السهولة، وخصوصا أن الحرب في سوريا لا تزال قائمة رغم اختلافها عما مضى.”
ليوسف وهو صحفي (45 سنة ) رأيٌ آخر، حيث يرى بأنّ القرار كان خاطئاً منذ البداية وأنّ الحكومة تراجعت عنه وإن لم يكن بشكل رسمي، ويوضح يوسف “الانتقادات الشديدة وحالة الاستياء التي عمت داخل المؤسسة العسكرية كانت غير مسبوقة، وكادت أن تشكل أزمة حقيقية في صفوف الجيش، الأمر الذي دفع الحكومة للتراجع الفوري عن القرار، فإعفاء المتخلفين عن الاحتياط ليس عادلاً في ظل بقاء الجنود في الجيش دون تسريح، وأغلبهم لديه خدمة طويلة قد تتجاوز سبع سنوات، فكيف يكون العفو عمن لم يلتحق ونسيان الموجودين داخل الجيش، وهم الأولى بالتسريح أولاً!”.
وبالفعل فقد انتشرت كثير من الدعوات، وأنشئت أيضا صفحات على الفيس بوك للمطالبة بالتسريح الفوري للمجندين أو بإلغاء القرار، كونه غير عادل ومجحقفاً بحق من لايزال في الخدمة.
و بين مرحبٍ ورافضٍ للقرار، يبقى موضوع الخدمة والقرارات المتناقضة حوله قضية مربكة تؤرق حياة السوريين وتتحكم بمصائرهم.
بواسطة Myrna AlRasheed | يناير 30, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
يمثل أحد المراكز التجارية التابع لبلدية الجديدة في العاصمة بيروت، نموذجاً حياً عن طبيعة العلاقات التي تشكلت بين السوريين واللبنانيين بعد عام ٢٠١١. فعلى الرغم من أن غرف المركز مخصصة لتكون مَحَالاً تجارية، بيد أن ذلك لم يمنع المسؤولين عنه من مخالفة القانون، وتأجيرها كغرف سكنية، يشكل السوريون الفارّون من الحرب العدد الأكبر من مستأجريها، إضافة إلى اللبنانيين والعراقيين والبنغلاديشيين والأثيوبيين. ويتراوح سعر إيجار الغرفة الواحدة بين 200 إلى 400 دولار، الأمر الذي جعل كثيراً من اللبنانيين، باستثناء أصحاب العقارات، يلومون السوريين على ارتفاع سعر الإيجارات عشرة أضعاف، عما كانت عليه قبل مجيئهم.
لا يتذمر اللبنانيون وحدهم من هذا الوضع، بل دائماً ما يشتكي السوريون من غلاء المعيشة في لبنان، إضافة لما يصفونه بـ”سوء المعاملة” التي يتلقونها في الدولة الجارة. فعندما داهمت دورية تابعة للبلدية المركز التجاري لإخراج الأجانب منه ومن بينهم السوريين، تبين أن القصة كما يرويها سامر أحد السوريين المقيمين في المركز، “لم تكن ممارسة عنصرية موجهة ضد السوريين، بل كانت ابتزازاً مادياً لحث المُقتدر منهم، على دفع مبلغ من المال مقابل البقاء في المركز، لكونهم يشغلونه بطريقة غير قانونية”.
وعن معاملة اللبنانيين للسوريين يؤكد حسين، الحاصل على إجازة في الحقوق، والذي يعمل في إحدى ورشات التكييف المركزي في الدكوانة، على أن القصص التي يتداولها السوريون عن سوء معاملة اللبنانيين لهم، تحدث تبعاً للمنطقة التي يقطنون فيها. ففي بداية لجوء حسين للبنان عام ٢٠١٦ هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية في سورية، استأجر حسين منزلاً في الضاحية الجنوبية، نظراً لانخفاض الإيجارات فيها، لكنه تعرض للعديد من المضايقات، و بعض السكان كانوا يقولون له: “نحن نرسل أولادنا للدفاع عن بلدكم، وأنتم السوريون تقيمون في بلدنا، ولا تفعلون شيئاً سوى الأكل والنوم”، مما جعله ينتقل إلى منطقة الدكوانة هرباً من الإجراءات الأمنية المشددة في الضاحية.
وبلغت ذروة المضايقات التي يتعرض لها السوريون في لبنان الفترة بين عامي 2012 و2015، وترى مروى عثمان، الأستاذة الجامعية من سكان الضاحية الجنوبية، أن لها أساساً طبقياً مضيفة “السوري المتعلم والمقتدر مادياً لم يكن يتعرض للمضايقات كما هو حال الفقير القادم من الأرياف السورية”. فيما يرى البعض أن اللبنانيين ينتقمون منهم، بسبب الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري بحقهم بين عامي 1976 و2005.
وفي أحيان أخرى اتخذت علاقات السوريين واللبنانيين شكلاً آخر أطاح بكل ما قيل وكُتب في هذا السياق، فكان مطعم “رواق” في منطقة مار مخايل، نموذجاً عن الشراكة اللبنانية السورية، التي لم تأبه بكل التصاريح السياسية فيما يخص الوجود السوري في لبنان، واللافتات التي عُلّقت في بعض المناطق اللبنانية، لمنع السوريين من التجول في ساعات الليل المتأخرة، كما ساندت بعض الجمعيات اللبنانية، اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المخيمات، خاصة في الظروف المناخية الصعبة، فالاعتبارات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والمصالح العملية قد يكون لها قول آخر، عندما تنشب الخلافات بين سياسيّ وزعماء الدول في الحروب والأزمات، وهذا ما يعيه السوريون واللبنانيون جيداً، لكن يبقى دخول السوري إلى مختلف ميادين العمل في لبنان، الغصة الموجعة التي لا تزال تؤرق اللبنانيين إلى الآن.
العلاقة التاريخية
لا يكفي الترابط الجغرافي بين سوريا ولبنان، وحده للتعبير عن عمق العلاقات بين السوريين واللبنانيين، فبعد فصل لبنان عن سوريا، أو ما كان يُعرف سابقاً ببلاد الشام، على يد الفرنسيين، بمرسوم أصدره المفوض السامي آنذاك هنري غورو عام ١٩٢٠، ظلت علاقات التنسيق قائمة بين البلدين في المجالات كافة: السياسية والعسكرية والاقتصادية، كما بقي النسيج الاجتماعي مترابطاً حتى يومنا هذا، من خلال الزواج المتبادل وعلاقات القُربى بين الطرفين.
و اعتاد اللبنانيون فيما مضى التغني بجولاتهم السياحية إلى سوريا، والتي لم تكن تكلفهم حينها أكثر من مئة دولار، أي ما يعادل خمسة آلاف ليرة سورية، وشراء البضائع من أسواقها الشعبية بأسعار رخيصة بالنسبة لهم، لبيعها في الأسواق اللبنانية، ولطالما اعتبر السوريون لبنان منبعاً لحرية الرأي والثقافة في البلدان العربية، وافتخروا بشراء ماركات المنتجات الأجنبية منه، التي لم تكن متوفرة حينها في سوريا. بيد أن هذه العلاقات لم تكن وردية في جميع أحوالها، فقد شابتها العديد من الأحداث، كالعلاقات السياسية الشائكة المبنية على دعم بعض الأحزاب في لبنان للنظام السوري، ومناهضة بعضهم الآخر له، ومن جهة أخرى. كذلك اعتبر العديد من اللبنانيين وجود النظام السوري لتسعة وعشرين عاماً في لبنان، تدخلاً مباشراً في الشؤون اللبنانية. وجعلت أحداث عام ٢٠١١ في سوريا العلاقات بين اللبنانيين والسوريين، تتأرجح بين ما وصفه السوريون “بالعنصرية اللبناينة”، وبين شعور اللبنانيين أنهم يحملون عبئاً، يفوق قدرات بلدهم المنهك بالانقسامات السياسية وتردي الحالة الاقتصادية.
تجاوزات للقوانين اللبنانية بالجملة
إثر اندلاع الحرب في سوريا على لبنان من نواحي عديدة وخاصة الاقتصادية وسوق العمل، وانتشرت تصريحات لبعض المسؤولين اللبنانيين يحملّون فيها السوريين عبء الانهيار الاقتصادي في لبنان، وهذا ما أكد عليه جبران باسيل وزير الخارجية في تموز/يوليو الفائت 2018، مع العلم أن أزمات كثيرة كانت ولا زالت موجودة في لبنان، “أولها فساد السياسيين” برأي الدكتور إسكندر كفوري رئيس تحرير مجلة فوستوك إنفيست، “والهدر العام وعدم وضع خطط مجدية للاقتصاد اللبناني، لكن اللجوء السوري قد تسبب بمضاعفات كبيرة في هذا الشأن” بحسب تعبيره”.
وتقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتنسيق مع الجمعيات التي تقدم المساعدات، وتتكفل بالتغطية الطبية للاجئين، الذين وصلت أعدادهم إلى ما يزيد عن 950 ألف لاجئ، “إضافة إلى تقديم مبالغ مالية للاجئين الأكثر حاجة من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية” كما تقول هبة فارس مسؤولة العلاقات الخارجية في مكتب البقاع، “، فضلاً عن مناشدة الحكومة اللبنانية للمجتمع الدولي للحصول على مبلغ 2.68 مليار دولار لتأمين المساعدات للاجئين والاستثمار في البنية التحتية في لبنان، حسب بيان الأمم المتحدة الصادر في شباط/فبراير 2018.
إلا أن ذلك لم يخفف من وتيرة القصص التي رويت عن استحواذ السوري على مجالات مختلفة من العمل، لا تقتصر على ما سمح به قانون العمل اللبناني، من مزاولة مهن البناء والنظافة والزراعة، التي يتجنب اللبناني العمل فيها، بل تعداه إلى مهن أخرى كفتح عيادات طبية دون رخص قانونية، كما حدث في المركز التجاري في بلدية الجديدة، حيث عَمَد أحد الاطباء اللبنانيين إلى تأجير عيادته لأحد الأطباء السوريين.
يعلل السوريون مخالفتهم قوانين العمل لأسباب عدّة، منها أن بعضهم دخل لبنان بطريقة غير شرعية ويعملون بأجور منخفضة، وآخرون يرتبط مصيرهم بأرباب العمل اللبنانيين، الذين يتهرب بعضهم من دفع الضرائب المترتبة عليهم، كما هو الحال مع تمام عبدالله القادم من مدينة درعا، والذي يعمل في صالون للحلاقة النسائية في برج حمود، حيث تعذر عليه استصدار رخصة عمل لعجزه عن إتمام الأوراق المطلوبة، فمكان عمله غير مرخص أصولاً.
وتنعكس التجاوزات التي تحدث في سوق العمل اللبناني، سلباً على إجراءات الإقامة، إذ لا يمكن للسوريين استصدار الإقامة ما لم يحصلوا على إجازة العمل، الأمر الذي جعل غالبية السوريين يقيمون في لبنان بإقامات منتهية الصلاحية، باستثناء البعض ممن يتوفر لديهم كفيل شخصي، ويتمتعون بالقدرة المالية على دفع مبلغ يصل إلى 1000 دولار سنوياً، ينقسم إلى 200 دولار رسم تجديد الإقامة، ويذهب باقي المبلغ للكفيل اللبناني.
لا بديل عن العودة
بعد أن أثبتت الجهات المعنية في لبنان عجزها عن وضع حد لكل المخالفات والتجاوزات المرتكبة، يخلص السوريون واللبنانيون إلى نتيجة واحدة لحل هذا الوضع المأزوم للطرفين، وهو عودة اللاجئين. وقد تكررت مطالبات الرئيس ميشيل عون بعودة اللاجئين وعدم السماح بتوطينهم في لبنان، وبعد أن استبشر بعض السوريين خيراً بقرار العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد في تشرين الأول/أكتوبر 2018، وبدؤوا بحزم أمتعهم للعودة، تراجعوا ولم تكتمل فرحتهم كما يقول محمد البالغ اثنين وثلاثين عاماً، والقادم من حي الوعر في مدينة حمص. يقول محمد “كنت أهم بالعودة وقد عزمت أمري لولا الأخبار التي سمعتها عن استصدار لوائح جديدة لخدمة الاحتياط”.
ويرى العديد من السوريين ألا بديل عن العودة إلى بلادهم، لأن سنوات الانتظار التي قضوها في لبنان لم تعد عليهم بالنفع الكثير من الناحية الاقتصادية تحديداً، فهم لا يستطيعون أن يؤمنوا مستقبلاً لهم في ظل الغلاء المعيشي الفادح في لبنان، كما أن بعضهم يفتقدون إلى الشعور بالأمان، بسبب تشابه الأسماء الذي يحدث في بعض الأحيان، مع أسماء عناصر الفصائل المسلحة، التي تسللت إلى لبنان، وهذا ما حدث مع حسين علي، الذي أوقفته الجهات المختصة لتشابه اسمه مع إسم أحد عناصر تنظيم داعش. أما بالنسبة للبنانيين فهم يشعرون أنهم يدفعون ثمن أزمات لم يكونوا سبباً فيها، ويحملون في كل مرة ما فوق طاقة بلدهم الصغير جغرافياً على الاحتمال.
بواسطة Syria in a Week Editors | يناير 29, 2019 | Reports, Syria in a Week
The following is a selection by our editors of significant weekly developments in Syria. Depending on events, each issue will include anywhere from four to eight briefs. This series is produced in both Arabic and English in partnership between Salon Syria and Jadaliyya. Suggestions and blurbs may be sent to info@salonsyria.com.
Iranian-Israeli War
21, 23, 26 January 2019
The leader of Hezbollah Hassan Nasrallah said on Saturday that the “axis of resistance” could respond to Israeli strikes on Iran and Hezbollah in Syria by striking Tel Aviv. In an interview with al-Mayadeen TV, Nasrallah said that they were deliberating a response to escalating Israeli airstrikes.
Russia said on Wednesday that Israel should stop carrying out “arbitrary air strikes” on Syria days after the Israeli air force targeted “Iranian forces.”
The Russian Foreign Ministry spokeswoman Maria Zakharova said that such strikes added to tensions in the region, something she said “was not in the long-term interests of any country there, including Israel.”
“We should never allow Syria, which has suffered years of armed conflict, to be turned into an arena where geopolitical scores are settled,” TASS news agency cited her as saying. Her comments follow Israeli strikes in Syria on Monday.
The Russian news agency said that Israeli airstrikes targeted an airport in southeastern Damascus, killing four Syrian soldiers and wounding six.
Syrian official news media reported a military source saying that the country faced “an intensive attack through consecutive waves of guided missiles.”
Damascus did not mention the scale of destruction or number of casualties resulting from the strikes. However, the Syrian Observatory for Human Rights (SOHR) said that eleven people were killed.
Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu said that air strike primarily targeted Iranian forces, and also targeted Syrians providing them with aid.
Safe Zone Maneuvers
24, 25 January 2019
Turkish President Recep Tayyip Erdogan said on Friday that his country expects allies to help set up a “safe zone” in Syria on the border with Turkey within a few months, otherwise Turkey will set it up unilaterally.
US President Donald Trump decided in December to withdraw all two thousand US troops from Syria, and Erdogan subsequently said they had discussed Turkey setting up a twenty-mile-deep safe zone in Syria along the border.
The Turkish Foreign Minister Mevlut Cavusoglu said on Thursday that Turkey has the capacity to create a “safe zone” in Syria on its own but will not exclude the United States, Russia, or others if they want to cooperate. Speaking after Erdogan and Russian President Vladimir Putin met in Moscow on Wednesday, Cavusoglu said Ankara and Moscow were “on the same page” regarding a Syrian political solution aside from the issue of whether President Bashar al-Assad should stay in office. Cavusoglu said Turkey was in indirect contact with the Syrian government.
Damascus Recognizes Adana Deal
27 January 2019
In a foreign ministry statement, Syria said on Saturday that it is ready to revive a landmark security deal with Turkey, that normalized ties for two decades before the 2011 conflict, if Ankara pulls its troops out of the country and stops backing opposition fighters. Syria said it was committed to the 1998 Adana accord, which forced Damascus to stop harboring the Kurdistan Workers’ Party (PKK).
“Syria remains committed to this accord and all the agreements relating to fighting terror in all its forms by the two countries,” said the foreign ministry statement. Damascus, however, said reviving the Adana deal, which Russian President Vladimir Putin raised during his summit meeting with Turkish President Tayyip Erdogan last week, depended on Ankara ending its backing of opposition fighters and pulling its troops out of northwestern Syria.
Car Bombs Inside Cities
22, 24 January 2019
Official Syrian media said a car bomb exploded in Damascus on Thursday causing damages but no casualties. This is the third of such a blast in a city under government control this week. The official news agency SANA said that the explosion hit al-Adawi neighborhood, north of the central Old City district. A witness said the blast occurred near a hospital.
Official media reported that a car bomb exploded in Lattakia killing one person and wounding fourteen on Tuesday.
On Sunday, a bomb exploded near a highway at the edge of Damascus. The authorities arrested the attacker.
On the other hand, witnesses said that at least three civilians were killed and scores injured from a string of bombs hidden in motorbikes in Syrian towns controlled by Turkey-backed opposition. They said a woman, a child, and a young man were killed and at least eight others injured when a motorbike exploded near a public park in the heart of the city of al-Bab, north of Aleppo. A police source in the town said they had staged a controlled detonation of another motorbike in the town of al-Rai, north of al-Bab, and arrested a suspect.
In a similar incident, three people were injured in the nearby towns of Qabasin and al-Ghandura by blasts also caused by explosives planted in motorcycles parked in public places.
On Wednesday, explosive devices detonated in Afrin, a mainly Kurdish area, which Turkey and its Syrian allies took control of after the Olive Branch operation.
Stability in Idlib!
Reuters
23 January 2019
An agreement with Turkey on Syria’s Idlib governorate has not been fully implemented, raising concerns in Moscow and Damascus, Interfax news agency quoted a Kremlin spokesman as saying on Sunday.
After talks with his Turkish counterpart Recep Tayyip Erdogan on Wednesday, Russian President Vladimir Putin said that they discussed measures that could be taken to maintain stability in the Syrian governorate of Idlib.
The Russian Foreign Ministry said earlier on Wednesday that the situation in this governorate, where Moscow and Ankara have tried to create a de-escalation zone, was rapidly deteriorating and that it was almost under the full control of Nusra militants.
“Unfortunately there are many problems there and we see them,” said Putin, standing alongside Erdogan, adding that he had agreed to host a summit soon where Russia, Turkey and Iran would discuss the situation in Syria. He did not name a date for the summit, but said he and Erdogan had agreed on its provisional timing.
ISIS Enclave
21, 24 January 2019
Residents and opposition fighters said on Wednesday that US-backed, Kurdish-led forces are on the verge of eliminating ISIS’s last remaining enclave in Syria near the border with Iraq after a four-month-long devastating bombing campaign that has left hundreds of civilian casualties.
The capture of the village of Baghous comes after a string of other villages fell in recent days to the Syrian Democratic Forces (SDF). The SDF has now only a seven-kilometer stretch that separates them from full control of the entire east of the Euphrates River region, former residents and insurgents from the area say.
In a related context, local residents said a suicide bomber drove his car into a checkpoint in northeastern Syria on Monday, injuring several soldiers of Kurdish-led forces during a joint convoy with US allies.
Damascus is Tightening the Noose on Europeans
24 January 2019
The European Commission said on Thursday that Syria’s President Bashar al-Assad had suspended special visas for European Union diplomats to Damascus.
“The Bashar al-Assad regime has suspended multiply entry visas,” a spokeswoman told a regular Commission briefing. “We are continuing as the EU.. to do whatever we can to avoid it having an impact on the important work we are doing on the ground.”
Arabs Agree on Refugees
20, 21 January 2019
Arab states at an economic summit on Sunday in Beirut called on world powers to step up efforts to enable Syrian refugees to return home. Lebanese officials have called for refugees to go home after the Syrian government reclaimed most of the country with Russian and Iranian help.
“Regarding the intense Syrian displacement and refuge crisis, in addition to the continuation and aggravation of the chronic Palestinian refugee crisis… we call on the international community to take its responsibility to curb the misery and place all efforts to find radical and effective solutions,” Lebanese Foreign Minister Gebran Bassil said, reading a statement which the summit agreed upon.
The statement asked for “a doubling of efforts to strengthen favorable conditions for the displaced and refugees to return in line with the relevant international law and respect for the sovereignty and laws of the host country.”
A key point of contention has been whether to bring Syria back into the Arab League, more than seven years after its membership was suspended.
Lebanese President Michel Aoun called for safe refugee returns and said in his speech, “Lebanon calls on the international community from this forum to exert all possible efforts and provide favorable conditions for the safe return of Syrian refugees to their country, especially to accessible stable areas or low-tension areas without tying this to a political solution. The refugees should be provided with incentives to return so that they can participate in the reconstruction and stability of their country.”
The United Nations says it is still too early to ensure safe returns for Syrian refugees. Human rights groups cautioned against forced return to Syria, where a peaceful settlement is still far from being reached.
بواسطة عمر الشيخ | يناير 29, 2019 | Reports
لزيارة موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته يمكن النقر هنا.
إنّ فوضى المنابر الإلكترونية والورقية الّتي تعيش استقطاباً سياسياً راهناً تُحتّم البحث عن متنفس، ولم نجد أفضل من الشّعر حلاً إنسانيّاً للتواصل مع الآخر. فالرعاية الثقافيّة اليوم تدخل في شروط وحسابات ترمي بالكثير من المواهب العربية إلى النهاية إمّا تحت كنف التّدجين الرسمي في بلادهم أو إلى جانب مؤسسة ثقافيّة تفاضل على الأسماء والمحسوبيات لا على نوعيّة ما يقدم من منجز فنّي شعري.
إن عشرات الأسماء الجديدة والأصوات الخجولة في الكتابة الشّعريّة، ما زالت تبحث عن مكان تنمو فيه بهدوء، وما زالت تقف في وجهها عقبات المرحلة من ضجيج بصري، علاقات شخصية وفوضى مواقع التواصل الاجتماعي.
إنّنّا نحلم بمكان نكتب فيه دون افتتاحيّة رئيس تحرير! ودون أبواب تضيّع هويّة الموقع وتجعله يتخبط كما تجارب ثقافيّة كثيرة متشابهة تحوي منتديات همُّها أن تقول كلّ شيء دون الانتباه إلى تنظيم النوعيّة الكتابية التي تنشر وخصوصيتها، ناهيك عن كتابات الفضائح المباشرة والتّوجه إلى خطاب الصحافة الصفراء والأدب المنحول.
إذاً نحن هنا نطلق موقع إلكتروني ثقافي بهويّة شعريّة تماماً، يحمل ملامحاً لمؤسسة صغيرة افتراضياً متخصّصة بنشر الشّعر ودراساته وترجمته واليوميّات النثريّة، نشر النّصوص والصور الفنية واللوحات التشكيلية، وهو محاولة مدنيّة ثقافيّة لاستيعاب حالات إبداعيّة في الكتابة الجديدة، وهنا سوف نتخصص في الشّعر ودراساته ويومياته وترجمته.
نعرف ما مدى صعوبة تحصيل حضور – جمهور لمثل هكذا منبر الآن في قمّة الصراع السّياسي في المنطقة العربيّة، ولكن الحضور لموقع متخصص غير تابع لجهة سياسيّة بهويته وأفكاره ومقترحاته، نعتقد أنه حلم مئات الأصوات الإبداعيّة الجديدة، ونود أن نركز هنا على الأصوات الجديدة وليس على الأصوات الشابّة فقط!
هذا الموقع “أضواء المدينة الشعري” هو امتداد لتجربة كنّا عشناها في سورية بالعاصمة دمشق، مع مجموعة من الأصدقاء وسط منطقة دمشق القديمة منذ عام 2013 حتى أيلول 2015، كانت تجربة خاصة لما فيها من حريّة وسط حرب وقهر ورقابة تتابع كلّ نص يقال على هذا المنبر، كنّا نختار قصائد لشعراء من سورية والعالم وبلغات مختلفة، وعلى مسافة واحدة من الجميع، وكان اسم هذا الملتقى “أضواء المدينة الثقافي” ولعل إيقاع الضوء وصورة المدينة هي ما جعلت صفحة الملتقى في فيسبوك حاضرة حتى الآن ودفعتنا لنفكر أخيراً بمشروع جديد اسمه موقع أضواء المدينة للشعر ودراساته وترجمته على أمل الوصول إلى مطبوعة ورقية شهرية مختصة بالشعر.
أبواب الموقع:
- ظــــلّ:تبويب نطل فيها على قصائد من تجارب وأجيال مختلفة.
- يوميّات:تبويب نتوقف فيه عند نصوص من الجنس الأدبي المعروف باليوميات الذي يرصد أفكاراً إنسانية يعيشها الكاتب من الحياة اليومية. أو إلتقاطات مختلفة لظواهر تمزج الحياتي بالثقافي.
- شارع الشّعر:تبويب متابعة لأخبار كتب الشعر والدراسات النقدية حولها ما تحت الطبع وما صدر حديثاً وأخبار توقيع الكتب. إضافة إلى حوارات مع شعراء، استعادة تجارب شعرية.
- تحت الضوء: تحقيقات ثقافية يتناول موضوعها قضية ثقافية أولويتها فيما يخص الشعر والتجارب الشعرية بالتناوب مع قضية ثقافية في العمل الإبداعي وطرح أسئلة لحدث ثقافي مثير، إضافة إلى مراجعات في تجارب شعرية مجتمعة لأجيال وبلدان أو قضايا تجمعها أصوات شعرية.
- ضوء من هناك:تبويب متخصص بالترجمة عن لغات أخرى في الشعر والنقد والدراسات الشعرية حصراً.
- فلاش:وهو باب معاصر لصور من الحياة اليومية تركب نصاً قصيراً من خلال مجموعة من الصور الاحترافية مع تعليق شعري لتشكل نصاً مصوراً.
وعبر هذه الأبواب الثابتة سوف نحاول أن نطل على مشهد شعري متنوع متخصص من العالم العربي ومع تطعيم لما يطرح من مشاغل شعرية عبر لغات أخرى.
إضافة إلى هذه الأبواب الثابتة التي ذكرناها سوف يتم وضع نافذة أعلى الموقع إلى جانب (من نحن – اتصل بنا) هي نافذة منح الأضواء: حيث يتضمن هذا الباب أفكار ومشاريع المنح التي يمكن لأضواء المدينة أن تقدمها وترعاها بشراكة مع مؤسسة ثقافية أخرى مثل طباعة كتب الشعر ودراساته وترجمته والمسابقات الداعمة للأصوات الجديدة.
انطلق الموقع يوم الجمعة 25 كانون الثاني\يناير 2019 في عدده الأول على أن يصدر كل أسبوعين مرة.
للمراسلة على البريد:
editor@adwa-almadena.com
رئيس التحرير: عمر الشيخ
المدير المسؤول: سامي أحمد
بواسطة Hadia Al Mansour | يناير 25, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
تعاني الثلاثينية هدى من بكاء طفلها الرضيع المتواصل، والذي لم تستطع معرفة سببه حتى اللحظة، رغم عرضه على معظم أطباء المنطقة. فكل منهم أرجع سبب بكاء الطفل لمرض معين يختلف عن الآخر وصف له دواءً لم يشفه من علتّه الحقيقة التي ماتزال مجهولة للآن.
تصف هدى ما تعاني منه مع رضيعها قائلة “في البداية قصدت طبيباً مختصاً بأمراض الأطفال، فعلل بكاء الطفل لوجود التهاب في أذنيه، إلا أن مضاد الالتهاب الذي وصفه لي لم يشف صغيري، فقصدت طبياً مختصاً بأمراض الأذن والأنف والحنجرة، والذي أكد بدوره بأن ابني لا يعاني من أي التهاب بأذنيه”، طبيب آخر عزا البكاء المستمر لنمو أسنان الطفل، الذي راح ينقص وزنه ويفقد شهيته.
ويشكو العديد من المرضى المصابين بأمراض في مناطق سيطرة المعارضة السورية من قلة الأطباء والأخصائيين، لاسيما الاختصاصات النادرة كالأوعية والقلبية والصدرية، وذلك بسبب وفاة بعض الأطباء بعد استهداف المشافي من قبل طيران نظام الأسد وحلفائه، وهجرة الآخرين أو نزوحهم مما تسبب بنقص كبير في الكفاءات الطبية.
كذلك يعاني أهالي إدلب من ضعف الكوادر الطبية بشكل عام، كالتمريض. تروي لمياء العمر (٣٧ عاماً) ما واجهها من قلة خبرة الممرضات في مشفى الأطفال وتقول “اضطررت لإدخال طفلي البالغ من العمر خمسة أشهر إلى المشفى بسبب مرض التهاب أمعاء مزمن أصابه، وأصبح ابني على على إثره عرضة للجفاف، ولذا توجب إعطاء الطفل سيروم وريدي، إلا أن الممرضات لم يستطعن إيجاد وريد الطفل”، وتتابع بحزن “خرجت الممرضات من غرفة الإسعاف معلنات عجزهن، بعد أن غرزوا الإبر في كل قطعة من جسد طفلي، فساءت حالته واختفى صوته من البكاء الشديد، الناجم عن ألم الإبر من جهة ومرضه الأساسي من جهة أخرى”.
وأدى غياب الخريجين والدارسين إضافة للواسطات والمحسوبيات لتوظيف كوادر غير مؤهلة في المشافي لا يملكون أية خبرات، مما أدى في كثير من الأحيان إلى بطء العمل الإسعافي، والارتباك في الأزمات وضياع الوقت والجهد. كذلك يشكو العديد من مراجعي المشافي والمراكز الطبية، من الطريقة الفوقية التي تتعامل فيها الكوادر الطبية مع المرضى والمراجعين، وهو “ما أفقد عدداً من المشافي صبغتها الإنسانية” بحسب وصفهم.
الطبيب حسام طعمة (٤٨عاماً) بدوره يعتبر أن الوضع الصحي في إدلب وريفها ضعف جداً بسبب النقص في الاختصاصات وضعف التنسيق بين المراكز الطبية، بالإضافة لنقص بعض الأدوية، مبيناً أن المشاكل التي تواجه القطاع الطبي هي قلة الخبرات بالدرجة الأولى، إذ أن أغلب المشافي مجهزة لاستقبال حالات معينة كالجراحة العامة والعظمية ، و٩٠ بالمائة من المشافي تحوي على هذين الاختصاصين فقط، في حين تندر فيها بقية الاختصاصات كالهضمية والوعائية والعصبية.
ونظراً لقلة الاختصاصات والخبرات، وتحكيم المحسوبيات، ونقص الأدوية الهامة مثل الألبومين والبروتين والأنسولين، فقد اتجه معظم الأهالي للاعتماد على طب الأعشاب البديل الأكثر انتشارا والأقل تكلفة. علي شردوب (٣٥ عاما) من معرة النعمان وهو أب لستة أبناء يقول “في فصل الشتاء يقل العمل وتكثر الأمراض، وأسعار الأدوية في الصيدليات مرتفعة لا تتناسب مع دخلنا المحدود، لذلك لجأت لطب الأعشاب لأداوي أولادي من الأنفلونزا والسعال والالتهابات وغيرها من الأمراض”. من جهتها الأربعينية أمية علوان تثق جداً بما أسمته الطب الشعبي لأنه “إن لم ينفع المريض فلن يضره ” بحسب وصفها، ورغم أنها لم تصب بمرض خطير، إلا أنها ترى أن وصفات الأعشاب “دائما تنجح وهي مفيدة للزكام والروماتيزم وآلام الأذن والعين و الرأس”.
لكن الطبيب حاتم عطا يعارض ما تقوله أمية، ويقول إن اعتبار الأعشاب “لا تضر إن لم تنفع” هو خطأ شائع، ويقول “يمكن أن يفوق ضرر بعض الأعشاب الأدوية الكيميائية، ولهذا فلا يجب التقليل من خطورة الاستعمالات الخاطئة للأعشاب وغيرها، لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات لا يمكن تداركها، والمسؤولية في ذلك تقع على المريض أحيانا لأنه لا يتابع وصايا الطبيب كما ينبغي من حيث اتباع المقادير المحددة في أوقاتها المحددة، أو على عاتق الطبيب الذي لايعرف شيئا عن خصائص بعض النباتات ورغم ذلك فهو يصفها للمرضى الذين وثقوا به”. وهذا ما حدث مع الحاجة صبحية التي ازدادت حالتها الصحية سوءاً بعد تناولها لنبتة الدفلة، التي وصفت لها كعلاج مخفض لمستوى السكر في الدم، فكان أن عادت لاستخدام الأدوية الكيميائية والتي لم تكن متوفرة مما استدعى جلبها من تركيا وبمبلغ كبير .
بينما تؤيد سعاد الحسن طب الأعشاب وبحماس كبير كونها استفادت منه في علاج مرضها الجلدي، والذي عجزت عن علاجه كافة الوصفات والأدوية الكيميائية، تقول الحسن” بعد يأسي من الشفاء لجأت وكحل أخير لأحد العطارين، والذي وصف لي خلطة أعشاب شفيت على إثرها تماما، رغم أن مدة العلاج طالت قليلا، ولكنني تخلصت من آثار المرض، وعدت بفضل طب الأعشاب لحياتي الطبيعية بعد أن كنت منزوية ومحرجة من مرضي، ولذا فطب الأعشاب برأيي هو الأجدى”.
ويرى الطبيب العطا أن من واجب كل من يدخل ميدان طب الأعشاب أن يكون دقيقا في حفظ النباتات ومعرفتها بأسمائها العلمية، وكيفية تناولها ودواعي استعمالها، و”إلا فإنه سوف يقع في أخطاء قد تؤدي إلى موت المريض وفي ذلك مسؤولية عظيمة” بحسب تعبيره.
بواسطة سلوى زكزك | يناير 21, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
أضواء زينة أعياد الميلاد تملأ فضاء الحي حيث يقع مشفى خاص ذائع الصيت في دمشق، وفي داخله أشجار ميلاد مزينة وعمال يتوافدون لتهنئة إدارة المشفى وتقبّل الهدايا، في أجواء احتفالية لا يعطلها حضور المرضى المتعبين مع أوجاعهم ومرافقيهم.
وقد شهدت المشافي الخاصة زيادة في عدد روادها بعد الحرب، العديد منهم لا يدفعون تكاليفها بنفسهم وإنما يتكلون على مساعدة الجمعيات الأهلية، إذ أصبح الاستطباب على حساب هذه الجمعيات الآن وضعاً طبيعياً ومكرراً، بعد أن كان سابقاً علامة نقص وإشارة لأن متلقي تلك المساعدة فقير وغير قادر على دفع نفقات علاجه بنفسه. وتشمل هذه المساعدات الطبية العلاج والعمليات الجراحية، وقيمة الوصفات الطبية، وخاصة للأدوية اليومية والاعتيادية التي توصف لعلاج أمراض كالقلب والسكري والأمراض العصبية وغيرها.
وأما أسباب تحول المساعدات الطبية المطلوبة من الجمعيات الخيرية أو من لجان الكنائس فأمر طبيعي ومتواتر فهي: بسبب عجز المشافي الحكومية عن تأمين خدمات العلاج للعدد الكبير من المرضى، ولانشغالها بمعالجة جرحى الجيش أو الحوادث الإسعافية الناجمة عن تفاصيل الحرب الدائرة، وثانياً بسبب الارتفاع المضاعف لتعرفة أي إجراء طبي، حتى لوكان يقتصر على شراء حبوب مسكنة لوجع الرأس أو مرهم خاص بترطيب الأنف.
وقد تضاعفت قيمة نفقات العلاج لأكثر من عشرة أضعاف، في ظل حالة فقر شبه عامة وعجز في القدرة الشرائية وفقدان السيولة. يضاف إلى ماسبق ازدياد الحاجة للخدمات الطبية، نظراً لازدياد الأمراض في ظل انعدام أسس الوقاية والحماية، وكثرة التعرض للأسباب الممرضة، ونقص الخدمات، وزيادة الشدات النفسية والخوف والتهجير والوحدة، وانعدام الأمن الشخصي والعام والغذائي والدوائي والوقائي.
ويبدو التعامل سهلاً وسلساً مع الحالات المرسلة أو المتكفلة من قبل الجمعيات، فطلبٌ محددٌ من المريض مؤكد برأي الطبيب المعالج، يليه موافقة، فتمرير للمحاسبة، ثم موعد وتنفيذ للمداخلة الطبية المطلوبة. لكن اللافت في مشهد المشفى هو الانفراط الواضح للعقد الاجتماعي لحالة المرافقة إلى المشافي، وفقاً للتقليد المتعارف عليه والثابت حضوراً وتعاملاً وتكيفاً.
رجلٌ مع زوجته التي قدمت للولادة، زوجة مع زوجها المقيم في جناح كبير للرجال الذين أجروا عمليات جراحية مختلفة، شاب لم يتجاوز الثالثة عشرة يسند جده العاجز عن تحريك ظهره، جارة مع جارتها العجوز المصابة بحالة ارتفاع بالسكر، صديقة مع إحدى الصديقات التي ستخضع لتنظير هضمي.
أما قبل الحرب، فقد كانت حالات الولادة تشهد حضور العائلة الكبيرة مع الأم المستقبلية ماعدا الزوج، أم الولاّدة وأم الزوج والشقيقة وشقيقة الزوج والعمة الأكبر و..، والزوج آخر القادمين كي لا يستمع لأنين زوجته وصراخها، وكي لا يرى تفاصيل الولادة التي تعتبر طقساً نسائياً خالصاً. اليوم شاب ثلاثيني برفقة زوجته الولاّدة، تتأبط ذراعه ويحمل حقيبة الطفل ومتاع زوجته وينتظران قدوم الطبيب الموّلد، يبدو أنهما غريبان عن المكان، أو أنهما من مدينة بعيدة، وربما بقي أهلهما في الريف البعيد، وتشتت أوصال العائلة ليسكن الزوجان هنا معاً بعيدين عن الجميع، بدافع العمل أو الالتحاق بخدمة محددة. فرض هذا الواقع أن يكون الزوج وحده معها، وربما قد قام ببعض التجارب المسبقة لكيفية تغسيل الطفل لوحده، وكيفية العناية به في أيامه الأولى حيث تكون الأم غير قادرة على ذلك، المهم أنهما حالة تخالف كل التقاليد العائلية التي كانت تحصل وقت الولادة.
تقول سيدة لأخرى قدمت مع زوجها “سيعيقك حجابك أثناء إجرائك لتنظير المعدة”، خاصة وأن حجابها مفروش على كامل صدرها ومثبت بدبابيس من الجهتين تشد على ذقنها ورقبتها، تتحفظ وتحافظ على صمتها. لكن الزوج يرد: “لا مشكلة، أصلاً أنا أعرف أن من سيجري التنظير هو طبيب،” ويكمل “أفترض أن خطراّ مسها وأسعفوها حتى دون حجاب، حينها لا ذنب لها، ولا ثمن تسدده جراء وضع إسعافي خاص.” ترتاح قسماتها وباللاشعور تبدأ بإزالة تلك الدبابيس الواخزة والمقيدة.
***
يطلب رجلٌ موجوع المساعدة من موظف في المشفى قائلاً له: “هات يدك أسندني” فمن يقوده هو حفيده البالغ ثلاثة عشر عاما فقط، وهو غير قادر على التحكم بجسد جده الضخم. دونما سؤال يتلو الرجل قصته: “الرجال إما في الجيش أو خارج البلاد” نسمع غصته النافرة من صدره. سيدة متقدمة في العمر تقول: “حسبنا حساب كل شيء في حياتنا إلا رحيل الرجال.”
في المشهد أيضاً شباب “هلاليون”، أي مجموعة إسعاف من طاقم الهلال الأحمر، يحملون النقالة الإسعافية متجهين نحو سيارتهم بعد أن قاموا بنقل سيدة متقدمة في العمر ووحيدة تعاني من ضيق حاد بالتنفس ومن فقدان جزئي للتوازن. تحتفظ العجوز برقم طوارئ الهلال الأحمر على جوالها، كما تمنحه الرقم واحد في ترتيب الأرقام الخاصة المدونة كميزة للاتصال المباشر السريع دون كتابة الأرقام في ذاكرة الهاتف الأرضي. وحيدة هي والإسعاف مشغول وسياراته قليلة العدد، لا تلبي الحاجة المتزايدة والفورية .
تسأل سيدة عن عنوان مخبر التشريح المرضي الذي كتبه الطبيب الجراح على ورقة خاصة، لتأخذ إليه العينة التشريحية لفحصها بعد استئصالها من قدم ابنتها، وتقول: “سأترك ابنتي لوحدها ريثما أذهب إلى المخبر وأعود”. فتتطوع سيدة بنقل العينة إلى المخبر، لكن الأم ترفض و تقول وبرجاء “إذا ممكن أن تبقي قريبة من ابنتي؟” مشيرة بيدها إلى غرفة الابنة، تودع السيدة المتطوعة للمساعدة بعينين دامعتين وترحل شبه راكضة.
كان يوماً عادياً في مشفى خاص، المرض عادي وكذلك الشفاء، والمال اللازم للإنفاق الطبي والجمعيات الخيرية والمدنية والمجتمعية. كل شيء عادي في الحرب، إلا الحرب ذاتها. فهي تقلب الأدوار بجذرية سريعة وقصيرة الأمد، تغيير كبير، لكنه كان يحتاج لزمن أطول في زمن مختلف.
هل نهلل للتغييرات؟ أم نقول إنّ الحرب قد مرت من هنا؟ أم نتلمس التغيير الحقيقي والمنطقي للوظائف الاجتماعية التي يفرضها المجتمع في ظل تغيرات بنيوية لا نملك ردها، المهم هو البناء على ما قد يتكثف ويتركز كتغير حقيقي، قد يقلب الأدوار، ولكنه قد يضعها على المسار الصحيح.