بواسطة Sonya Al Ali | نوفمبر 3, 2018 | Reports, غير مصنف
لم تعد ليلى (٣١عاماً) من ريف إدلب تطيق العيش مع زوجها الذي يعنفها باستمرار، لذا قررت أخيراً مغادرة المنزل والتوجه للعيش مع أهلها، واتخذت ليلى هذا القرار بعد الكثير من التردد والتحمل والصبر على أذية زوجها لها.
تروي ليلى ما حصل لها فتقول: “تعرضت إلى كل أنواع العنف من قبل زوجي، فهو يصفعني وينهرني باستمرار أمام أولادي، وكثيراً ما بقيت حبيسة المنزل لأيام، حتى لا يلاحظ أحدهم آثار الضرب على وجهي”، وحاولت ليلى مراراً إخفاء مأساتها و عدم الكشف عما تتعرض له من عنف منزلي من أجل أبنائها، ولئلا تخسرهم.
وفي قصة مشابهة، تحملت آلاء (٢٦عاماً) من مدينة ادلب هيمنة الثقافة الذكورية، وخشيت من التبليغ عن العنف الممارس ضدها بسبب الضغوطات المجتمعية، حيث تحملت جنون زوجها ومزاجه الصعب حتى لا يقال عنها كلمة “مطلقة” وعن ذلك تتحدث قائلة: “كان زوجي يعنفني بشدة من ضرب وإهانات وكلما تحدثت إلى أهلي عن وضعي المأساوي طلبوا أن أكبح مشاعري وأقبل مصيري المرير، لأن المجتمع لا يرحم المطلقة، ولا تتوقف ألسنة الناس عن الخوض في الحديث عنها. “تبين آلاء بأن زوجها استغل سكوتها المتكرر عن كل ما يفعله بها ليصل به الأمر أخيراً إلى طعنها بسكين في بطنها، قبل أن يقوم بإسعافها إلى أحد المشافي والفرار هارباً، واضطر الأطباء لاستئصال الطحال وجزء من الأمعاء من جسدها، لتعيش بقية حياتها طريحة المرض بعد أن كادت تفقد حياتها.
ولا تقتصر معاناة السوريات على عنف الزوج فحسب، فبين أب صارم ومجتمع مجحف وقوانين تحرم المرأة الكثير من الحقوق، عانت خديجة (١٥ عاماً) من إحدى قرى ريف إدلب من العنف الأسري بسبب والدها الذي أجبرها على ترك المدرسة والزواج في سن مبكرة وعن ذلك تقول: “اضطررت لتوديع عالمي الطفولي وترك تعليمي لأجبر على الزواج من رجل يكبرني بعشر سنوات، لأن أبي يردد دوماً أنه ليس للمرأة في الحياة سوى منزل زوجها.”
ألقت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة السورية خلال سنوات الحرب بظلالها على علاقة أفراد الأسرة مع بعضهم، وأدت لتنامي ظاهرة العنف الأسري وتنوعت أشكاله من الإهمال والتوبيخ إلى الضرب والتعذيب. وقد ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعنيف المرأة والطفل في المجتمع السوري بسبب عوامل نفسية وموروثات اجتماعية إضافة إلى الضغوط المعيشية المرتبطة بالحرب والتبدلات الثقافية والاجتماعية. ويتم العنف الأسري عبر ممارسات عديدة كالاعتداء الجسدي مثل الصفع والضرب والتهديدات بواسطة السلاح والاعتداء الجنسي، كما يشتمل على الإساءة النفسية كالتخويف والاضطهاد والإيذاء الاقتصادي كالحرمان من الأموال والغذاء والاحتياجات الأساسية والرعاية الصحية والعمل.
تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة ريم الكرزي (٤١عاماً) من معرة النعمان “يعد العنف الأسري من أخطر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة، وخصوصاً أنه يحصل عادة في المنزل وهو المكان الذي يفترض أنه الحيز الأكثر أماناً بالنسبة لها، وهو يؤثر سلباً على حياتها وصحتها الجسدية والنفسية، ولكن في ظل الثقافة المجتمعية السائدة يظل العنف ضد المرأة أمراً عائلياً بحتاً، ولا يتم التبليغ عن معظم حالاته، وفي حال تم ذلك غالباً ما يفلت الجاني من العقاب.”
الأطفال أيضاً لا يسلمون من التعنيف الأسري، الذي ازدادت شدته وقسوته مع ظروف الحرب الضاغطة التي خلفت آثار سلبية إضافية على نفسية الأطفال وشخصياتهم وتأخرهم الدراسي.
فمثلاً يتحدث الطفل وليد (١٠ سنوات) من ريف إدلب بحزن عميق عن معاملة والده السيئة له وخاصة بعد انفصاله عن أمه وزواجه من أخرى تكره وليد وتعامله بقسوة فيقول: “انفصل أبي عن أمي منذ سنتين وتزوج كل منهما، وكنت من نصيب والدي الذي يضربني ويسيء معاملتي، وليست معاملة زوجته لي بأفضل حال منه.”
أما الطفل كامل (١٢ عاماً) من ريف إدلب فيعيش في كنف عمه بعد وفاة والديه في الحرب، ويشكو من سوء المعاملة قائلاً: “عمي لا يحبني ويعاملني معاملة سيئة تختلف عن معاملته لأولاده، كما أجبرني على ترك المدرسة لأتوجه نحو العمل لمساعدته في إعالة الأسرة، فأصبحت أعمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية، لكنني أعمل لساعات طويلة بأجر زهيد، كما أتعرض باستمرار للضرب والتوبيخ من قبل صاحب الورشة، فهو يستغل كوني صغيراً ويتيماً وغير قادر على المطالبة بحقوقي.”
ويتعرض الأطفال للعنف الأسري في ظروف النزوح بشكل خاص، حيث يُسبب الخوف وانعدام الأمان للكثير من الآباء والأمهات اضطرابات نفسية ينقلونها إلى أطفالهم بالتعنيف الجسدي أو اللفظي. وينقل الأطفال أيضاً فيما بينهم هذه المشاعر السلبية فتغلب العدوانية على صفاتهم، وهي التي تشكل أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم.
يتحدث عبيدة أبو زيد (٣٩عاماً) وهو أخصائي صحة مجتمعية وأحد المسؤولين عن مركز للتأهيل النفسي بريف إدلب عن خطر العنف ضد الأطفال قائلاً: “لا بد أن يحصل الطفل خلال مرحلة الطفولة على كافة حقوقه، ويجب الابتعاد عن العنف في معاملته، فالعنف ضد الطفل سواء بشكل معلن أو غير معلن يهدد أمنه وسلامته، وسوف يبقى راسخاً في ذهنه مدى الحياة، ويتسبب له بمشاكل عديدة وأزمات نفسية كالعدوانية والاكتئاب والانطواء على الذات.” ويشير أبو زيد إلى ضرورة القيام بحملات توعية للأهل لتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم، إضافة إلى إخضاع الأطفال لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم.
وعن أساليب علاج الأطفال الذين وقعوا ضحية العنف الأسري، فيبين أبو زيد أن العمل مع الأطفال يتم وفق نوعين من الجلسات: جلسات جماعية تتضمن ألعاباً تفاعلية وإرشادات عامة حول السلوكيات الصحيحة، إضافة إلى جلسات فردية، تقوم على تقديم الإرشادات والتوجيهات الضرورية لتعديل أي سلوك خاطئ لدى الطفل، وتزرع فيه الطمأنينة والأمل، وخاصة أن أعوام العنف وإراقة الدماء في سوريا أدت إلى أزمة في الصحة العقلية بين أطفال سوريا سيستمر تأثيرها لعشرات السنين. إذ يعاني الأطفال على نحو متزايد من الخوف أو الغضب وخاصة من فقدوا أقرباءهم أو تعرضت منازلهم للقصف أو تعرضوا للإصابة، حيث تظهر عليهم أعراض اضطراب شديد في المشاعر ويفتقرون إلى الدعم النفسي.
وأطلق العديد من الناشطين والحقوقيين صرخاتهم للحد من ظاهرة العنف الأسري، والمطالبة بالعدالة والمساواة التي كانت من أولى مطالب المحتجين منذ انطلاقة الثورة السورية. فقد حاربت الشابة آلاء الخضر (١٨ عاماً) العنف الأسري بطريقتها الخاصة، حيث خصصت معرضها الذي أقيم في مدينة الباب بريف حلب الشمالي في شهر يوليو/حزيران من العام الحالي لموضوع العنف الأسري وعن ذلك تتحدث قائلة: “ضم المعرض ١٢ لوحة رسمتها بأسلوب تعبيري، لتظهر أشكالاً مختلفة من العنف الأسري، وبخاصة الممارس ضد الأطفال والنساء.”
وعن سبب اختيارها لهذا الموضوع تضيف الخضر: “رأيت العديد من الحالات المتعلقة بالعنف الأسري سواء الجسدي أو اللفظي، لذلك أردت تناول هذا الموضوع الذي يؤثر بشكل سلبي على المجتمع من خلال لوحات بسيطة فنياً وتقنياً، ولكنها في الوقت نفسه تحمل الكثير من الدلالات والأفكار.”
وأصبحت حقوق المرأة والطفل في ظل الحرب السورية عبئاً ثقيلاً على آذان الكثيرين، لكن ظروف الحرب القاسية وآثارها السلبية على الصحة النفسية والجسدية لأفراد الأسرة تستوجب الانتباه لقضية العنف الأسري وتشكيل آليات لمحاولة التخفيف من هذه الظاهرة ومساعدة ضحايا هذا النوع من العنف على الشفاء والاندماج بالمجتمع، فمحاربة العنف الأسري يساهم بتعافي كافة المجتمع.
بواسطة رياض الزين | أكتوبر 22, 2018 | Reports, غير مصنف
سيطر النظام السوري في نهاية يوليو/تموز الماضي ٢٠١٨على كامل جنوب غربي سوريا بدعم جوي روسي، وتخلل العمليات التي استمرت لمدة شهرين ونصف اتفاقيات مع فصائل المعارضة جنوب سوريا.
وترافق تراجع الأعمال العسكرية في المناطق الجنوبية مع انتشار حواجز لقوات النظام على مداخل ومخارج معظم القرى والبلدات التي سيطر عليها، مما أثار قلق الأهالي من ارتكاب قوات النظام لمداهمات واعتقالات بحق المدنيين، كما حصل في قرى وبلدات الحارة واللجاة في درعا.
وأدت الأعمال العسكرية التي سبقت سيطرة النظام على الجنوب لنزوح مئات العائلات عن قراها، خوفاً من القصف والمعارك التي كانت مشتعلة في المنطقة قبل اتفاق فصائل المعارضة على التسوية مع الجانب الروسي. يقول أحد سكان ريف درعا “إن غالبية الأهالي التي كانت مهجرة من قراها وبلداتها عادت إلى منازلها، وسط نقص حاد بالخدمات الصحية، والبنية التحتية؛ فالقصف والمعارك في المنطقة خلفت دماراً هائلاً، سواء بالأبنية السكنية أو المرافق العامة كالمدارس والنقاط الطبية، وتسببت بتقنين الكهرباء وتدمير عدد كبير من المنازل والمدارس، كما تعرضت منازل المدنيين لعمليات التعفيش والسرقة”.
و لم يف النظام بالوعود التي قدمها خلال عمليات التفاوض بإدخال الخدمات إلى المناطق التي سيطر عليها، فالكثير من المدارس المدمرة مازالت تنتظر عمليات الترميم، كما تحتاج البنية التحتية للإصلاح كالكهرباء. فرغم عمل ورشات الكهرباء على إصلاح العديد من محطات التوزيع إلا أن الكهرباء مازالت تعمل وفق نظام تقنين قاسي، حيث تحصل كل منطقة على ساعات محددة من الكهرباء لتنقطع بقية اليوم. وأما الطحين، فهو يصل إلى المناطق الجنوبية، إلا أن الأفران التي تعرضت للتدمير نتيجة القصف لم تُرمم بعد، وبهذا لا يمكنها تأمين الخبز الكافي للسكان، مما يفرض عليهم السفر يوماً إلى المناطق المجاورة لتأمين الخبز. ويعترض حاجز النظام من يحمل كمية كبيرة من الخبز لمنع بيعه داخل درعا.
المحروقات أيضاً يتم توزيعها على المحطات المتواجدة في المناطق الخاضعة لاتفاق المصالحة والتسوية بشكل غير منتظم، حيث تحصل بعض الكازيات على طلبها دون مناطق أخرى، وتتدخل المحسوبيات والواسطة لحصول صاحب الكازية على طلبيته والاستعجال بها.
ومازال الأهالي في بعض المناطق يعتمدون على شراء مياه الآبار للشرب، فشبكات المياه لم تتم صيانتها حتى الآن.
أما الحركة التجارية في جنوب سوريا فهي تقتصر على المواد الغذائية والتموينية، نتيجة سهولة وصولها من العاصمة دمشق، إلا أن أسعارها مازالت كما كانت أثناء الحصار فما يزال بعضها يباع بضعف سعرها الحقيقي.
حركة إعادة الإعمار تبدو بسيطة وخفيفة في بلدات ريف درعا وهي تقتصر على ترميم منازل بجهود شخصية وعمدت بعض العائلات التي دمرت بيوتها بالكامل للسكن في منازل المغتربين في المنطقة، أو إلى استئجار منزل آخر.
يقول أحد سكان درعا إن “الوضع الأمني حتى غير مستقر”، فقد اعتقل النظام خلال الأشهر الأولى من سيطرته حوالى ١٣٠ شخصاً بحسب مصادر محلية، منهم عناصر من فصائل التسويات أو مدنيين وجلهم من منطقة اللجاة.
يبرر النظام الاعتقال بعد “تسوية الوضع” بوجود ادعاء شخصي على المعتقل، ومسألة الادعاء الشخصي لا تشملها التسوية الأمنية للشخص.
وتقول الفصائل المفاوضة إنها تضغط على الجانب الروسي للمطالبة بالمعتقلين، إلا أنه لم يتم الإفراج إلا عن بضعة معتقلين من مناطق الجنوب آخرهم الشاب علاء أحمد الصياصنه ابن الشيخ “أحمد الصياصنه” خطيب الجامع العمري في مدينة درعا البلد، وأفرج عنه بعد اعتقال دام سبع سنوات.
روسيا في الجنوب
فيما يتعلق بالوجود الروسي، تجوب شوارع درعا بشكل شبه يومي دوريات الشرطة العسكرية الروسية.
ومن اللافت أيضاً مشاهدة عناصر من فصائل المعارضة سابقاً يجلسون على حاجز مع قوات النظام السوري في معظم المناطق التي خضعت للمصالحات. يقول أحد عناصر هذه الفصائل “إن بعض العناصر فضلوا البقاء ضمن الفصيل و في بلداتهم بدلاً عن تهجيرهم إلى إدلب، ولحماية المدنيين من تجاوزات حواجز قوات النظام السوري التي انتشرت في المدن والبلدات.”
وتلقت فصائل المعارضة بعد سيطرة النظام، عروضاً لجعلها قوات رديفة للجيش السوري، إما بانضمامها لـ”لفيلق الخامس اقتحام” الذي تشرف عليه روسيا، أو الانضمام إلى “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، أو “قوات الهجانة” حرس الحدود، أو الانضمام بعقود مؤقته لمدة سنة إلى فرع الأمن العسكري.
ويقول العنصر إن روسيا سعت لكسب الفصائل التي وقعت على التسوية في الجنوب نظراً لبقاء عدد كبير من عناصرها في درعا ورفضهم التهجير ولإبعاد ميليشيات إيران و”حزب الله” عن المنطقة بحسب التعهدات الروسية التي قدمتها قبل الاتفاق.
ووافقت روسيا على طلب فصائل بريف درعا الغربي يقودها أبو مرشد البردان بتشكيل قوات من الفصائل بإدارة مباشرة من قاعدة حميميم ومستقلة عن “لفيلق الخامس – اقتحام” الذي تشرف عليه روسيا في سوريا، كما سمحت للمدنيين بالانتساب إلى هذا الفصيل الجديد، سواء من المتطوعين أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية في جيش النظام السوري.
ويتلقى هذا التشكيل الجديد أوامره مباشرة من قاعدة حميميم الروسية، أما شرط روسيا للموافقة على هذا التشكيل فهو مشاركته في قتال تنظيم داعش في كافة الأراضي السورية.
أما الفصائل في ريف درعا الشرقي فيقودها أحمد العودة الذي انضوى وعناصره ضمن الفيلق الخامس اقتحام، وشاركت عناصره في المعارك الدائرة في بادية السويداء ضد تنظيم داعش.
وتسعى روسيا لإعادة فصائل الجنوب إلى إدارتها لعدم ترك الساحة في الجنوب لأطراف أخرى، ورغبة منها في أن يكون جنوب سوريا نموذجاً للدفع بعجلة المصالحات في بقية المناطق الحدودية التي لا تزال خارج سيطرة النظام، وخاصة بعد أن باتت الشرطة الروسية تسيطر على معابر بين مناطق المعارضة في إدلب ومناطق النظام شمال سوريا ووسطها.
بواسطة Sawsan Zakzak | أكتوبر 12, 2018 | Reports, غير مصنف
الجزء الثاني من بحث القبيسيات في السياق المجتمعي السوري
تمهيد
تناول الجزء الأول من هذه الدراسة نشأة القبيسيات التي يرجح أنها بداية سبعينيات القرن الماضي1، كما تناول انتشار هذه الظاهرة، أو امتداداتها، في عدد من الدول العربية (السحريات في لبنان جمعية “بيادر السلام” المعروفة في الكويت و”الطباعيات” في الأردن وبنات فدوى في فلسطين، أما في مصر فيُعتقد أنهن يعملن تحت اسم “جمعية الزهروان”)، إضافة للإضاءة على بداية نشاط عدد من القبيسيات السوريات اللواتي لجأن إلى لبنان بين اللاجئات السوريات في البقاع.
كما توسع الجزء الأول من تسليط الضوء على العقيدة التي تعتنقها الدعوة القبيسية من “الصوفية النقشبندية” التي أخذتها منيرة القبيسي عن مفتي سوريا السابق الشيخ أحمد كفتارو؛ إلى المكانة الكبيرة “للخالة الكبيرة” ومن بعدها “للآنسة” نظرا إلى الدور الكبير الذي يلعبه الشيخ/ة عند الصوفيين عامة، والنقشبندية منهم خاصة، انتهاء بتساؤلات جدية عن السمة الملاصقة للصوفية وهي “الابتعاد عن السياسة” وابتعاد القبيسيات، وبالتحديد قياداتهن، عن السياسة وقد كنّ ينشطن بظل تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة في المجتمع السوري كنكسة حزيران وهيمنة مطلقة للنظام الشمولي في سوريا بعد ١٩٧٠ و”توريث” رئاسة الجمهورية عام ٢٠٠٠ وهيمنة التيار الديني الأصولي الذي كان يمثله الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وصولا إلى انتفاضة ٢٠١١ بكل إفرازاتها. نتساءل من جديد: من هن القبيسيات؟
القبيسيات والثروة
من الملفت سرعة تأقلم القبيسيات مع التطورات الاقتصادية التي كانت تحدث في سوريا، وتحت هذا العنوان يمكن دراسة السياق الاقتصادي عند نشوء الحركة واستهداف النساء الغنيات إضافة لاستخدام المال والنفوذ كعصب لحياة الحركة.
فيما يتعلق بالسياق الاقتصادي عند نشوء الحركة، ذكرنا سابقاَ أن حركة السيدة منيرة القبيسي نشأت في ظروف سياسية معقدة تفاعلت مع تغيرات اقتصادية تسببت بقلب الواقع رأسا على عقب. تمثلت هذه التغيرات بسياسات الإصلاح الزراعي والتأميم التي بدأت في عهد دولة الوحدة بين مصر وسوريا (١٩٥٨-١٩٦١)، وتعمقت أكثر بعد وصول حزب البعث للسلطة عام ١٩٦٣، خاصة بعد حركة ٢٣ شباط/فبراير ١٩٦٦ التي كانت مغرقة في “يساريتها” و شموليتها، وهي التي بدأت بتأسيس المنظمات الشعبية من أجل احتكار العمل المجتمعي وتسخيره لخدمة “أهداف الثورة” بعد أن احتكرت السياسة والاقتصاد.
المواقف المناهضة لسياسات الإصلاح الزراعي والتأميم ارتدت عدّة لبوسات سياسية واقتصادية ودينية، وكانت تختلف بحسب “الحجة” الأكثر مناسبة لـ “تجييش الرأي العام”، إلا أن الثابت بينها هو اللبوس الديني القادر- دائما- على استنهاض “الغضب والنقمة” عند شرائح المؤمنين. ينسجم هذا اللبوس مع الموقف الديني المدافع عن الملكية الخاصة، والذي يرى في الإصلاح الزراعي والتأميم “حربا حكومية شرسة، ضد الملكية الخاصة للأراضي السنية التي ورثها أصحابها عن الآباء والأجداد2“. ومع أجواء “الانفراجات الاقتصادية الخجولة” التي جاءت مع استيلاء الرئيس حافظ الأسد على السلطة (١٩٧٠)، والتي عبر عنها تجار سوق الحميدية بشعار “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد”، بدأت القبيسيات باستهداف النساء الغنيات.
استهداف النساء الغنيات
لم تكن منيرة القبيسي بعيدة عن نساء الطبقات التي خسرت جراء سياسات الإصلاح الزراعي والتأميم، كانت منهن ولا تختلف عنهن إلا بصفاتها الشخصية المتميزة التي أهلتها لتلعب دورا رائدا ومحوريا في إنشاء التجمعات النسائية الدينية لتوحيد النساء المتطلعات للتأقلم مع الأوضاع الجديدة والحفاظ على قوة مؤثرة في المجتمع، وربما لاقتناص الفرص من أجل التأثير في الاقتصاد، ولاحقا في السياسة.
تقول سلام إسماعيل في هذا الخصوص “ازدادت القوة الاقتصادية لجماعة القبيسيات أثناء الحصار الاقتصادي على سوريا في ثمانينات القرن الماضي، حيث قامت الحكومة خلال تلك الفترة باعتقال وتصفية جميع مكتنزي الأموال المشهورين من الرجال بحجج أمنية، فبقيت نساء تلك الجماعة مع ثروة هائلة غير معلنة تحت تصرفهن، وظَّفنَها لدعم انتشار الجماعة عن طريق المشاريع والنوادي الاجتماعية والأعمال الخيرية في سوريا والخليج العربي3.”
وتشير السيدة ك إلى أن القبيسيات يجتهدن في الاحتفاظ بعلاقات جيدة وتواصل دائم مع المريدات الغنيات حتى ولو سافرن خارج البلاد، “وتقول رغم أنني تركتهن إلا أن التواصل بيني وبين آنستي لم ينقطع، وهذا ما شدني إليهن ثانية عندما واجهت مصاعب في حياتي الزوجية؛ كما استطاعت القبيسيات أيضا المحافظة على تواصل ممتاز مع الشيخة منيرة زوجة الأمير مشعل بن عبد العزيز4.” وعلى الرغم من أن هذا التنظيم بات يستقطب جميع الفئات الاقتصادية، ولم يعد محصوراً ضمن الطبقة الغنية كما كان سابقاً، غير أنه ما زال مرتبطاً بعلاقات قوية مع التجار وأصحاب رؤوس الأموال في دمشق، كما تؤكد السيدة ك. كما أن المكانة البارزة للنساء الغنيات بين القبيسيات لم تمنع بعض السيدات غير الغنيات من الوصول إلى مراتب متقدمة في الحركة، وكانت أولئك السيدات يستندن إلى مريداتهن الغنيات للتقرب من النساء الجديدات. تروي ك “في مرة من المرات طلبت آنستي مني شراء هدية ولادة لنقدمها لسيدة بدأت بالمشاركة في حلقاتنا5“. وتنوه السيدة ك أيضا لوجود تمييز طبقي داخل حركة القبيسيات كأن تجلس “الغنية على الكنبة بينما تجلس الفقيرة على الأرض6“.
المال والنفوذ، عصب الحياة
قد يبدو أن هناك تعارضاً صارخاً بين عقيدة القبيسيات (الصوفية) التي تتسم بالزهد والترفع عن مباهج الحياة، وبين إقبال القبيسيات على استهداف النساء الغنيات اللواتي يتبارين فيما بينهن بالبذخ على ما يظهر من لباسهن، وتحديدا الحقائب والأحذية7؛ إلا أن الحقيقة تشير إلى أمور ثلاثة لا بد من أخذها بعين الاعتبار. أولها أن صورة المتصوفين في المشرق العربي باتت تختلف كثيراً عن الصورة النمطية للمتصوفين الزاهدين، وإذا استثنينا الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي8 فمن الصعوبة بمكان حصر الثروات التي يملكها أبرز المشايخ المنتمين لهذه الطائفة؛ وثاني هذه الأمور هو المنبت الطبقي للسيدة القبيسية؛ أما ثالثها فيتلخص في أن الحصول على المال ليس غاية بحد ذاتها عند الحركة القبيسية، بل هو أداة فاعلة في استقطاب المزيد من النساء وفي توسيع نشاطات هذه الحركة.
في بلد مثل سوريا المال وحده لم يكن كافياً للحركة، فالحصول عليه يحتاج لشراكات مع المتنفذين في مواقع صنع القرار، كما أن الانفتاح الجديد باتجاه نساء المتنفذين في الدولة والحزب من أجل الجمع بين قوى الهيمنة المختلفة كان يتطلب المال أيضا، بل المزيد من المال، من أجل تقديم هدايا باهظة الثمن لنساء المتنفذين أو للمتنفذات أنفسهن9 مقابل المنافع التي قد تبدو بسيطة كتأمين الموافقة على تأسيس مدرسة خاصة أو تيسير الترخيص لجمعية غير حكومية، إلا أن تراكم هذه “المنافع البسيطة” كان قادرا على توفير أرضية مؤسساتية شرعية، ولدت فضاءات جديدة للقبيسيات للعمل بشكل رسمي ودون خوف من أية ملاحقات أمنية.
كما أن المال شكل وسيلة فعالة في العمل المجتمعي لكسب ود الفقراء بعد أن ازداد عديدهم وتعمّق فقرهم، خاصة بعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي واجهتها سوريا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، والتي أعقبتها سياسات الانفتاح الاقتصادي التي بدأت في ١٩٩١ وبدأت بالانهيار بعد عام ٢٠٠٠ مع بداية تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد احتكاري. وبهذا أصبحت المساعدات المادية والغذائية التي تقدمها الجمعيات الخيرية- التي تسيطر عليها القبيسيات- سندا كافيا لسد احتياجات ملحة عجزت الحكومات المتلاحقة عن تلبيتها، بل فاقمتها أكثر وأكثر، ولم تسمح بوجود أي آلية من آليات الضمان الاجتماعي الوطنية، وأصبحت مساعدات هذه الجمعيات هي الملاذ الوحيد لأولئك الفقراء، وبالمقابل يحصل مقدمو/مقدمات، هذه المساعدات على ولاء كبير.
ولم تكن هذه المساعدات تقدم بدون مقابل، بل كانت مشروطة بطلبات الواجبات الدينية من قدوم إلى الجامع والمواظبة على الدروس والالتزام باللباس الديني (الحجاب والمانطو)، وتتعداها أحياناً إلى اشتراطات بعدم العمل أو عدم الزواج بعد ترمل المرأة. ففي حادثة تلخص ما سبق ذكره اشترطت السيدة “أم د” (من جمعية حفظ النعمة) على السيدة التي توفي زوجها وترك لها ستة أطفال صغار ألا تعمل ولا تتزوج مرة ثانية مقابل شراء بيت لها في عين ترما وأخذ ثلاثة من أولادها للميتم وتأمين معاش شهري حتى تتمكن من إعالة الأطفال الثلاثة الباقين10!
وربما، توضح هذه الشروط واحدا من أسباب انخفاض نسب مشاركة النساء في قوة العمل في سوريا، والتي كانت تتناقص على الرغم من ارتفاع نسبة النساء المتعلمات، ووصلت إلى أقل من ١٤% عام ٢٠١٠ في الوقت الذي كانت تخطط الحكومة في خطتها الخمسية العاشرة (٢٠٠٥-٢٠١٠) لرفع النسبة إلى ٢٤%.
وتضاف هنا تساؤلات جديدة عن هذه الحركة التي “لا تعمل بالسياسة” ولكنها تملك مفاتيح أبواب عصية على الفتح في وجه الكثير ممن يُفترض أنهم متنفذون أو قريبون من المتنفذين، ولكنهم يختلفون عن أولئك القبيسيات بتوجهاتهم العلمانية. ولو افترضنا أن هناك انتخابات حقيقية ستقوم في البلاد، ودون التدخلات الأمنية، فعلى الأرجح، إن لم يكن من المؤكد، ستذهب أصوات معظم الناخبين والناخبات، خاصة الفقراء، إلى مرشحي ومرشحات من يقدّم المساعدات السخية والعديدات منهم من الحركة.
كذلك توظف حركة القبيسيات المال والنفوذ في مجال لا يمكن للاستثمار فيه أن يخيب، وهو التعليم، مما يضيف لعمل ونشاط القبيسيات بعدا استراتيجيا هاما ومؤثرا في تشكيل الهوية الفردية، وربما الهوية الجمعية عندما يتضافر هذا البعد مع نشاطاتهن الأخرى.
ولهذا سيكون التعليم موضوع الحلقة الثالثة من هذا البحث الذي يتكون من أربع حلقات، فيما ستتطرق الحلقة الرابعة لأهم الانتقادات التي توجه إلى القبيسيات من الحلفاء والخصوم، ومجموعة الاستخلاصات التي سيخرج بها البحث.
الهوامش:
1 أشار الباحث د. نبيل مرزوق، بعد قراءته للجزء الأول من هذا البحث، إلى أنه التقى بالسيدة منيرة القبيسي عام 1970 خلال عمله على جمع بيانات إحصاء عام 1970 في دمشق، وجاء لقاؤه بها في زيارته الثانية لمسكنها بعد زيارته الأولى التي فتحت له الباب وقتها شابة محجبة وقالت له: “الآنسة مو موجودة بالبيت هلق ولازم ترجع مرة تانية حتى تجاوبك”. وتؤشر هذه الشهادة إلى أن عمل السيدة منيرة القبيسي قد بدأ قبل سبعينيات القرن الماضي، ولكننا لم نصل بعد إلى التاريخ الدقيق لبدء الدعوة القبيسية.
2- ahmadjoma.blogspot.com/2013/07/blog-post
3- سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي ي والإسلمي
4- المرجع السابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح
5- لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧
6- المرجع السابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
7- قالت لي سيدة حضرت عدة لقاءات للقبيسيات إن “الآنسة صرخت مستنكرة غلاء الأحذية التي تنتعلها المشاركات في هذه الحلقة، وقالت: الكندرة مو ضروري تكون ب 500 أو 700 دولار أو أكثر، من شو بتشكي أم الميتين دولار؟! صار لي سنة ونص لابستها وعم خفق فيها من بيت لبيت ولساها جديدة.”
8- كثيرا ما يتردد في الأوساط الاجتماعية والدينية الحديث عن حالة الزهد التي كان يعيشها الشيخ البوطي وتعففه عن الحصول على الهدايا الثمينة والأموال.
9- جرت محادثة عام 2006 ضمت عضوة مجلس شعب (أ.خ) ورئيسة جمعية الندى، جمعية تديرها سيدة قبيسية (م.ر) وكاتبة البحث وجرى الحديث فيها عن تقديم هدايا ثمينة (ألماس) في مناسبات عديدة من رئيسة جمعية الندى لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وقتها من أجل “تمشاية الشغل” بحسب قول رئيسة الجمعية.
10- مقابلة مع سيدة حصلت أختها على معونة من جمعية “حفظ النعمة”.
بواسطة Salon Syria Team | أكتوبر 2, 2018 | Media Roundups, Reports, Syria in a Week
The Syria Quarterly Report is a collection of articles, summaries, and links curated by Salon Syria and Jadaliyya. This report is a collaboration that includes Salon Syria’s weekly summaries and Jadaliyya’s weekly media roundups that address the main events of that week, as well as articles about them, in relation to the Syrian conflict. The Syria Quarterly Report aims to assist in creating a selective but foundational archive of materials from 2018 onwards.
إن هـذا التقريـر الفصلـي عـن سـوريا هـو مجموعـة مـن المقـالات والملخصـات والروابـط التـي اختارهـا كل مـن موقـع صالـون سـوريا وجدليـة. وهـذا التقريـر عبـارة عـن تعـاون يشـمل الملخصـات الأسـبوعية لصالـون سـوريا والتقاريـر الأخباريـة الأسـبوعية لجدليـة التـي تعالـج الأحـداث الرئيسـية التـي تجـري أسـبوعيًا، بمـا فيـه المقـالات المكتوبـة عنهـا والتـي تتنـاول الصـراع فـي سـوريا. ويهـدف التقريـر
الفصلـي السـوري إلـى المسـاعدة فـي بنـاء أرشـيف انتقائـي وتأسيسـي للمـواد بـدءًا مـن ٢٠١8 فصاعـدًا.
بواسطة Ibrahim Hamidi | سبتمبر 23, 2018 | News, Reports
خاص صالون سوريا
تضمن الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب مقايضة موافقة موسكو على “إبقاء الوضع القائم” مقابل موافقة أنقرة على “التخلص من المتطرفين” في المنطقة الآمنة شمال سوريا، لكن لا تزال هناك تحديات وعقد أمام تنفيذ هذا الاتفاق؛ وإن كانت فيه إيجابيات، ما يدفع إلى القلق من ان اتفاق سوتشي لن يسهم سوى في استقرار الوضع في إدلب لبضعة أشهر لأنه لا يعدو تأجيلاً للمعركة وليس وأدها.
الاتفاق الذي أعلن بعد لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، تضمن 10 نقاط بينها: إبقاء منطقة خفض التصعيد بموجب اتفاق آستانة في مايو (أيار) الماضي، وتحصين نقاط المراقبة التركية الـ12، ومنطقة منزوعة السلاح بعمق 15 – 20 كيلومتراً، والتخلص من جميع الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة في 15 من الشهر المقبل بعد سحب السلاح الثقيل من هذه المنطقة قبل 10 من الشهر المقبل.
كما نص على قيام الجيشين الروسي والتركي بتسيير دوريات مشتركة في المنطقة الآمنة، إضافة إلى “ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية”، وفتح طريقي حلب – اللاذقية وحلب – حماة قبل نهاية العام.
في الايجابيات يمكن الحديث عن ستة
١- أدى اتفاق الحل الوسط الروسي – التركي إلى تجميد خطط دمشق لشن هجوم عسكري والبناء على الدينامية بعد السيطرة على غوطة دمشق والجنوب السوري وسط أنباء عن حشد ٢٢ تنظيما مواليا لإيران عناصرهم حول ادلب.
٢- الإبقاء على “الوضع القائم” بما في ذلك المجالس المحلية والوضع الخاص لإدلب التي تضم نحو ٣ ملايين شخص. ولا شك في أن هذه التسوية أنقذت أرواح كثير من المدنيين وجنبت آلافا احتمال النزوح والهجرة والدمار.
٣- كان يمكن لروسيا مواصلة دعمها للهجمات العسكرية السورية على المنطقة لكنها فضلت تجنب مواجهة نقاط المراقبة التركية التي عززتها أنقرة. ونظرا لخطورة الضربات العرَضية ضد القوات التركية وما يترتب عليه من ضرر للعلاقات مع تركيا، سعت موسكو إلى حل وسط مع أنقرة.
٤- بتحاشي القيام بعمليات عسكرية، قلصت موسكو من فرص شن اعتداءات بالأسلحة الكيماوية في إدلب وتجنب الضربات الخطرة التي يمكن أن تنفذها الولايات المتحدة أو حلفاؤها، خصوصاً أن واشنطن رسمت “خطا أحمر” بأن الرد سيكون “أقوى وأعنف” مما حدث في أبريل (نيسان) ٢٠١٧ و٢٠١٨.
٥- أنقذ الاتفاق عملية السلام التي يقودها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عبر تشكيل لجنة دستورية من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني. ويتوقع أن يستعجل دي ميستورا تشكيل اللجنة بعد عودة المسار السياسي إلى الحياة.
٦- منع أو تأجيل “الانتصار الكامل” الذي تسعى دمشق إلى تحقيقه وفرملة الماكينة العسكرية، قد يعزز موقف الراغبين بالتسوية السياسية في دمشق وغيرها، وإن كانت من مدخل الدستور وأن “لا حل عسكريا للأزمة السورية.”
في المقابل تضمن الاتفاق كثيرا من النقاط الغامضة ما لم تكن هناك ملاحق سرية بين موسكو وأنقرة، لذلك فإن هناك اعتقادا بأن “الشيطان لا يزال في تفاصيل” هذا الاتفاق:
١- كيفية “التخلص” من المتطرفين من المنطقة الآمنة، خصوصاً أن هذا يجب أن يتم خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. هل هذا سيتم بـ”الفصل” أم بـ”التهجير” أم بـ”العمل العسكري” ومن سيقوم به؟
٢- صعوبة الفصل بين “هيئة تحرير الشام” التي تضم “فتح الشام” (النصرة سابقا) التي تضم نحو ١٠ آلاف عنصر و”الجبهة الوطنية للتحرير” التي تضم ٣٠ ألفا، إضافة إلى أن “هيئة التحرير” رفضت الاتفاق وانتقدت تركيا وشبهت موقف أنقرة في إدلب بموقف الأمم المتحدة في سريبرينيتشا التي تعرضت لمجزرة في التسعينات. وهناك صعوبة في الفصل بين المقاتلين الأجانب المحسوبين على “القاعدة” الذين يزيد عددهم على ألفين، وباقي المقاتلين السوريين.
٣- إحدى الأفكار المطروحة نقل رافضي التسوية من “المنطقة الآمنة” إلى مناطق النفوذ التركي شمال سوريا واحتمال نقل آخرين إلى مناطق كانت ذات أغلبية كردية، لكن كيف سيتم تنفيذ هذا عمليا خلال فترة قصيرة؟
٤- تضمنت الخطة فتح الطريقين الرئيسيين بين حلب وحماة وبين حلب واللاذقية. من سيحمي الطريقين؟ من سينشر نقاط التفتيش؟ ينطبق هذا على نقاط “التجارة” بين مناطق المعارضة في إدلب ومناطق الحكومة.
٥- ستعود السيادة السورية رمزيا إلى الشمال بما في ذلك العلم وبعض المؤسسات، لكن ماذا عن الوجود العسكري لدمشق؟
٦- يعتقد باحتمال شن الجيشين التركي والروسي ودول أخرى معارك ضد المتطرفين في حال رفضوا التسوية، خصوصاً أن موسكو لديها خطة للقضاء على ألفي مقاتل أجنبي، كيف سينعكس ذلك على وضع باقي الفصائل المعارضة؟ ما رد الفصائل الإسلامية؟
بعد توقيع الاتفاق عكف مسؤولو الاستخبارات في روسيا وتركيا على تبادل المعلومات ورسم حدود المنطقة العازلة بالتزامن مع بدء فصائل الشمال اعلان موقفها بين مؤيد بحذر وداعم بتحفظ ورافض في شكل كامل.
لا شك في أن تنفيذ الاتفاق يتضمن تحديات يومية ويشكل اختبارا دائما بين موسكو وأنقرة، لكن في الوقت نفسه فإن دمشق وطهران تراهنان على فشل خيار التسوية للعودة إلى الحل العسكري وجر موسكو إلى الحسم العسكري كما حدث في تجارب سابقة… والعودة إلى معركة إدلب المؤجلة.
مايعزز هذه الشكوك رفض المتطرفين للاتفاق وترقب دمشق واعلان قاعدة حميميم ان الاتفاق يعطي صلاحية للطائرات الروسية بـ “قصف الارهابيين” بضربات جراحية. عليه، يمكن فهم قول يان إيغلاند، رئيس بعثة الأمم المتحدة للعمل الإنساني:”هذا ليس اتفاق سلام. إنها صفقة تبعد حرباً شاملة. أرى احتمالاً كبيراً لاندلاع كثير من المعارك. نشعر بالقلق حيال المدنيين في هذه المناطق، لذا، فإن الأمر لم ينته بعد.”
بواسطة Abdullah Al Hassan | سبتمبر 4, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
تستخدم روسيا ”جبهة النصرة“ كـ”حصان طروادة“ الذي يمكّنها من السيطرة على مناطق المعارضة السورية عندما تريد، رغم رعايتها لاتفاقيات خفض التصعيد.
ظهر هذا واضحاً في كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبان مباحثات إطلاق مناطق خفض التصعيد، حين قال “إنّ محاربة التنظيمات الإرهابية مثل داعش أو جبهة النصرة، ستتواصل رغم احتمال إقرار المناطق الآمنة.” ويستند كلام الرئيس بوتين على إجماع المجموعة الدولية لدعم سوريا ISSG وما تم ذُكِره في خارطة الطريق الناتجة عن اجتماعات فيينا وجاء فيه “إن تنظيم داعش وجبهة النصرة المصنّفتين في القوائم الارهابية من قبل مجلس الامن، والمتفق على تصنيفها من قبل المشاركين، يجب أن تُهزما.”
وإذا كان العام ٢٠١٧ هو عام وقف القتال بين قوات النظام وفصائل المعارضة بعد إبرام اتفاقيات خفض التصعيد، فلا ريب أن العام ٢٠١٨ هو عام استعادة السيطرة على تلك المناطق بحجة “مكافحة الإرهاب” المتمثل في تواجد عناصر جبهة النصرة أو بعض جيوب داعش الصغيرة المتبقية.
وقد حصل ذلك فعلاً في الغوطة الشرقية ثم جبال القلمون الشرقي، وبعدها في جنوب دمشق ومخيم اليرموك، ثم شمال حمص، ومؤخراً في درعا والقنيطرة، واليوم يتحضّر النظام ومن معه لأجل محافظة إدلب، حيث المعقل الرئيسي لهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” ومن يشبهها من فصائل مرتبطة بتنظيم القاعدة. لكن الحملة على إدلب ليست الأولى، فقد سبقته أخرى.
الحملة العسكرية الأولى على محافظة إدلب
بدأت مع نهاية عام ٢٠١٧ بتمهيد من القصف الجوي على مناطق شرق وجنوب المحافظة وبعض مدنها الرئيسية في الوسط (سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون) بالإضافة إلى مطار “أبو الظهور” العسكري، وبعد أيام استطاعت قوات العقيد سهيل الحسن اقتحام الناحية الجنوبية الشرقية للمحافظة عند قرية ”أبو دالي“ ثم ”الخوين“ لتتقدم بعدها نحو الشمال باتجاه مطار أبو الظهور.
وفي السادس من يناير/كانون الثاني ٢٠١٨، صرّحت وزارة الدفاع الروسية بأن قاعدتها الجوية في مطار حميميم، وقاعدتها البحرية في طرطوس، تعرضتا لهجوم هو الأول من نوعه بواسطة ١٣ طائرة من دون طيار مزودة بقنابل يدوية الصنع، وقد تم التصدي للهجوم وإفشاله. ورغم عدم إعلان أي طرف لمسؤوليته عن الهجوم، إلا أن وزارة الدفاع الروسية قالت إن الطائرات المسيّرة انطلقت من جنوب غرب منطقة خفض التصعيد في إدلب.
بعد أربعة أيام، وصلت قوات النظام إلى مشارف مطار أبو الظهور العسكري بعد أن سيطرت على العديد من البلدات والقرى في تلك المنطقة. وفي تلك الأثناء طالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو روسيا وإيران، بصفتهما ضامنين للتسوية السورية، بوقف زحف قوات الجيش السوري على منطقة وقف التصعيد في محافظة إدلب.
بعدها بيوم، أطلقت فصائل المعارضة بالتعاون مع الكتائب الاسلامية معركتين منفصلتين في محافظة إدلب، حملت الأولى اسم “رد الطغيان” وأطلقتها فصائل (فيلق الشام، جيش النصر، جيش إدلب الحر، جيش النخبة) لاستعادة ماسيطرت عليه قوات النظام في ريفي حماة وإدلب. أما المعركة الثانية فقد حملت اسم “إن الله على نصرهم لقدير” وأطلقتها الفصائل الإسلامية (أحرار الشام، جيش الأحرار، نور الدين الزنكي) وأعلن عن انطلاقتها “الحزب الإسلامي التركستاني” وهي تستهدف صد هجوم قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي.
استطاعت غرفة عمليات ”رد الطغيان“ أن تستعيد بعض القرى، وكان من اللافت استخدام فيلق الشام لآليات ومدرعات عسكرية تركية في الهجوم، كما ظهر في الصور التي نشرها على صفحاته الرسمية، ولكن ما لبثت قوات النظام أن استعادت العديد من تلك القرى والبلدات التي خسرتها من جديد. والجدير ملاحظته هو غياب “هيئة تحرير الشام” عن غرفة عمليات “إن الله على نصرهم لقدير” في محاولة منها لعدم الظهور الإعلامي وتكريس فكرة أن الجيش السوري يهاجم قوات المعارضة المعتدلة بذريعة مكافحة الإرهاب كما أشار وزير خارجة تركيا سابقاً.
في العشرين من يناير/كانون الثاني ٢٠١٨ ، بدأت عملية “غصن الزيتون” التركية في مدينة عفرين شمال حلب، بينما فتحت قوات النظام معركة جانبية مع جيب متبق من تنظيم داعش يتمركز جنوب شرق مطار أبو الظهور العسكري، ومع نهاية الشهر اكتملت عملية السيطرة على المطار بما فيها المناطق المحيطة به شرقاً وشمالاً.
مع بداية شهر فبراير/شباط بدأت قوات النظام محاولتها للتمدد نحو وسط إدلب مع قصف عنيف طال مدن سراقب ومعرة النعمان، ليدخل في السادس من الشهر نحو ٨٠ دبابة تركية وآلية ثقيلة وهندسية وحاملة جند إلى ”تل العيس“ شرق ايكاردا، لإقامة نقطة مراقبة تركية بحسب اتفاق استانة ٦ لأجل تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة. جاء هذا بعد اتصالات روسية تركية مكثفة، وتلاه إقامة نقطة مراقبة أخرى جنوباً في ”تل طوقان“ بالقرب من مطار ”أبو الظهور“ العسكري الذي بات تحت سيطرة الجيش السوري.
في الثالث عشر من شهر فبراير/شباط ٢٠١٨ تم القضاء نهائياً على جيب تنظيم داعش شرق محافظة إدلب، وبدأت قوات العقيد سهيل الحسن في الانتقال إلى تخوم الغوطة الشرقية في ريف العاصمة دمشق، بعد أن بسطت سيطرتها على كامل شرق المحافظة أو ما يعرف بشرق خط حديد الحجاز.
وبعد خمسة أيام، أعلنت حركة ”أحرار الشام الإسلامية“ وحركة ”نور الدين الزنكي“ اندماجهما ضمن تشكيل واحد تحت اسم “جبهة تحرير سوريا“، وبعد يومين فقط من إعلان الاندماج، شنّ الفصيل الجديد هجمات متفرقة على مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” وسط وجنوب إدلب، ونجم عن هذا الهجوم سيطرة الجبهة الجديدة على مواقع للهيئة في بلدة “ترملا” في ريف إدلب الجنوبي، وعلى مدينة “أريحا” وعدة بلدات صغيرة بعد انسحاب مقاتلي الهيئة منها، إضافة إلى سيطرة “جبهة تحرير سوريا” مع فصيل “جيش العزة” على معبر بلدة مورِك التجاري، وبعد أقل من أسبوعين توقفت المعارك بين المجموعتين.
الحملة العسكرية الثانية
بعد أن سيطر النظام السوري بمساعدة حلفائه الروس على كافة مناطق وجيوب المعارضة في وسط وجنوب سوريا، بدأ الحشد الإعلامي نحو إدلب حيث أكد الرئيس الأسد في مقابلة لوسائل إعلام روسية بأن ”إدلب هي الهدف التالي للجيش السوري“ في ٢٦ يونيو/تموز ٢٠١٨.
وبعد أربعة أيام، أفاد ممثل قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية، بإسقاط مجموعة من الطائرات المسيرة بدون طيار مجهولة الهوية بالقرب من القاعدة، لتتوالى بعدها البيانات عن عدة هجمات جميعها استهدفت مطار حميميم وانطلقت من مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب.
ترافق ذلك مع معركة من نوع آخر، عبر وسائل التواصل الإجتماعي، حيث انتشرت صور لأشخاص يحملون قصاصات ورقية كتب عليها ”استخبارات النمر“ – نسبة للعقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر- في مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب.
ومع انتشار هذه الصور، إضافة لإشاعات عن محاولات عقد مصالحات وتسويات يقودها الأهالي وبعض الوجهاء في المنطقة، قامت هيئة تحرير الشام بالعديد من المداهمات والإعتقالات بتهمة التواصل مع النظام أو مركز المصالحة في حميميم.
في الأول من أغسطس/آب ٢٠١٨، أعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير وجبهة تحرير سوريا وألوية صقور الشام وجيش الأحرار وتجمّع دمشق” عن توحدهم تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير” (المشكلة سابقاً من توحد ١١ فصيل تحت المسمى نفسه) وذلك بتوجيهِ ودعم مادي وعسكري وسياسي تركي، بحسب المتحدث الرسمي باسم الجبهة الجديدة.
وبعد أسبوع من هذا خرجت مظاهرة في مدينة معرة النعمان تدعو للحماية التركية رفعت فيها الأعلام التركية والشعارات المؤيدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في العاشر من الشهر ذاته، بدأ النظام السوري حملة قصف شديدة على المحافظة، استهدفت مدينة خان شيخون والتمانعة وسكيك والتح في الجنوب، إضافة إلى بلدتي كفرزيتا واللطامنة في ريف حماه الشمالي، وأيضاً استهدف بلدات أورم الكبرى وكفرناها وخان العسل في ريف حلب الغربي، ليتركز القصف بعدها على مناطق ريف محافظة ادلب الجنوبية وعلى سهل الغاب في ريف حماه الغربي، ثم يتوقف مع منتصف الشهر. أثناء ذلك، أُعلن عن وصول قوات العميد سهيل الحسن إلى سهل الغاب وتمركزها في المنطقة، مع تواجد حشود عسكرية أخرى من الناحية الشرقية للمحافظة.
نشرت إثر ذلك المجالس المحلية في ريفي حماة الشمالي والشرقي، وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، بياناً مشتركاً عبرت خلاله عن رفضها دخول قوات النظام السوري وحليفه الروسي إلى منطقة خفض التصعيد الأخيرة، مقابل جعل المنطقة تحت إشراف تركي مباشر. في مقابل ذلك، بدأ حراك دبلوماسي في أنقرة وموسكو وبعض الدول المنخرطة خلف مصالحها في الشمال السوري.
ففي منتصف أغسطس/آب ٢٠١٨، عُقد مؤتمر صحفي لوزيري الخارجية التركي والروسي في أنقرة في إطار الإجتماع العاشر لسفراء ومندوبي تركيا الدائمين لدى المنظمات الدولية، قال فيه الوزير جاويش أوغلو ”إن قصف كل إدلب والمدنيين بذريعة وجود إرهابيين يعني القيام بمجزرة“ مؤكدًا “نأمل إيجاد حل لإدلب في سوريا بالتعاون مع روسيا.”
واعتبر الوزير التركي أنه ينبغي تحديد “الإرهابيين” ومحاربتهم، ولا يصح شن حرب شاملة على إدلب وقصفها بشكل عشوائي، في الوقت نفسه أشار إلى صعوبة ضمان الأمن في إدلب في ظل وجود “إرهابيين.”
بعد يومين زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، موسكو والتقيا بنظيريهما الروسيين، وفي ٢٤ أغسطس/آب ٢٠١٨، عُقد مؤتمر صحفي في موسكو بين وزيري خارجية كلاً من روسيا وتركيا، أوضح فيها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن الحل العسكري في إدلب سيؤدي إلى كارثة إنسانية، ودعا أوغلو إلى “الفصل بين المدنيين والمعارضة والإرهابيين الذين يشكلون تهديداً لسوريا وتركيا والدول الأوروبية” في غضون ذلك صرّح السفير السوري لدى روسيا، بأن وزير الخارجية وليد المعلم سيقوم بزيارة رسمية إلى موسكو أواخر شهر أغسطس/آب.
وسنشهد في الأسابيع المقبلة اجتماعين مهمين جداً حول الوضع في سوريا، سيجمع الأول زعماء الدول الضامنة لمؤتمر أستانا، روسيا وتركيا وإيران، والمزمع عقده في طهران، والثاني يجمع قادة تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا في السابع من سبتمبر/أيلول في استنبول، وذلك لأجل بحث المسائل الإقليمية بما فيها النزاع في سوريا.
وتشير المعطيات لأن الحملة العسكرية الثانية على إدلب سوف تكون محسومة سياسياً قبل أن تدخل في أي مواجهة عسكرية، ربما في وضع مشابه لما حدث في درعا والقنيطرة جنوب سوريا، ولكن تبقى نقطة الاختلاف بين روسيا وتركيا في الشمال بشأن شرق الفرات كنقطة للمساومة والضغط، والتي من الممكن أن تُعطي تركيا بعضاً مما تريد على حساب دخول قوات النظام إلى جنوب محافظة إدلب وامتدادها في شمال حماة.
إن ما يجمع تركيا وروسيا أكبر مما يفرقهما، سواء داخل سوريا أو خارجها، وخاصة نظرتهما المشتركة للتواجد الأمريكي شرق الفرات، ولكن تبقى هناك أطماع تركية واضحة في مناطق الشمال السوري (مناطق درع الفرات وغصن الزيتون حتى الآن)، بعد أن حولتها إلى منطقة إدارية وعسكرية تابعة بالكامل للإدارة وللإرادة التركية.