بواسطة Hazza Al-Hazza | أغسطس 31, 2018 | Reports, غير مصنف
بعد صلاة الجمعة في العاشر من آب/أغسطس ٢٠١٨ توافد عشرات الرجال إلى ساحة الجامع الكبير في مدينة معرة النعمان، حاملين أعلام الثورة وأعلاماَ تركية، وعلى قرع الطبل هتفوا “سوريا بدها تغيير. وبدك ترحل يا بشار”، ونادوا بالحرية لكل السوريين، وطالبوا بالتدخل التركي “بدنا وصاية تركية”.
مدرس اللغة العربية مصطفى زكرى (٣٠ سنة)، وهو أحد منظمي المظاهرة، قال: “نحن هنا للتأكيد على الشعارات الأولى للثورة. نحن مستمرون. ثورتنا لا تعرف الهزيمة.”
أهالي معرة النعمان، ما زالوا يتظاهرون كل يوم جمعة، مطالبين بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وإسقاط التنظيمات الإسلامية المتشددة، وهم يعتبرون أنفسهم “صوت الحرية” في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وتحفظ البعض على مطالبتهم بالوصاية التركية في المظاهرة الأخيرة (١٠ آب ٢٠١٨).
يسكن مدينة معرة النعمان حوالى مئة ألف شخص، وهي تخضع حالياً لسيطرة “الجبهة الوطنية للتحرير” الفصيل المشكل حديثاً (١ آب/ أغسطس ٢٠١٨) من فصائل إسلامية توصف بالاعتدال وأخرى محسوبة على الجيش الحر، ولا وجود لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في مدينة معرة النعمان منذ شباط ٢٠١٨ بعد خسارتها الصراع على المدينة أمام فصيلي “أحرار الشام” و”صقور الشام” المنضويين حالياً في “الجبهة الوطنية للتحرير.”
ونشر الجيش التركي ١٢ نقطة مراقبة على تخوم محافظة إدلب تنفيذاً لاتفاق خفض التصعيد (أستانة) بين النظام والمعارضة بضمانة روسيا وإيران وتركيا.
وبالرغم من ذلك، تروج في إدلب أخبار مفادها أن النظام سيقوض اتفاق خفض التصعيد ويهاجم إدلب بمساندة الطيران الروسي ليكون مصير إدلب مشابهاً لمصير درعا والغوطة الشرقية وغيرهما من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وتخضع لاتفاق خفض التصعيد، ثم هاجمها النظام بإسناد جوي روسي وسيطر عليها وأجبر مقاتلي المعارضة على المصالحة أو الانتقال إلى مناطق أخرى أهمها إدلب.
الكهربجي زين الشواف (٢٥ سنة)، وهو أحد المتظاهرين، يثق بتركيا ويعتبرها “صديقة” للسوريين ويقول: “تركيا معنا. نحن نطالبها بالتدخل لحماية المحرر. لا خيارات أمامنا. إن لم تتدخل سيدمر النظام إدلب.”
ويبرر رئيس تحرير مجلة “المنطرة” المحلية أحمد الجلل (٣٦ عاماً) المطالبة بالوصاية التركية بـ”الهروب من الموت”، متسائلاً: “ما الحل؟ ما البديل؟ النظام يريد حرق إدلب كما حرق الغوطة ودرعا وداريا وغيرها، والمجتمع الدولي صامت! الناس لا يطالبون بالوصاية حباً بتركيا، وإنما أملاً بالنجاة من المحرقة.”
الجلل يرفض اختزال مطالب الثورة بالوصاية التركية ويقول: “الوصاية إن حصلت فهي ليست سقفاً، وإنما مجرد مرحلة مؤقتة، ولن تتوقف ثورتنا إلا بإعلان سوريا دولة ديمقراطية لكل السوريين.”
ولا يعتبر الجلل تركيا دولة “صديقة” للسوريين، وإنما دولة ضامنة لاتفاق خفض التصعيد، وتعمل لمصالحها، “أحياناً تتقاطع مصالحها معنا وأحياناً تتعارض، في هجومها على عفرين كانت تعمل ضد مصلحتنا، ضد ثورتنا، أما إذا وافقت على حماية إدلب من هجمات النظام والروس فهي تعمل لمصلحتنا.”
الجلل يعتقد أن تركيا “كثيراً ما تاجرت بقضية السوريين، وخاصة في مسألة اللاجئين إلى أوروبا، حيث أغلقت الحدود بوجههم مقابل الحصول على أموال وامتيازات لمواطنيها في أوروبا.”
وهو ما يروق للمزارع محمد طبش (٤٥ عاماً) الذي يرفض الوصاية التركية ويدعو مقاتلي المعارضة في إدلب إلى “الاعتماد على الذات والتصالح والتحالف مع الكرد وقوات سوريا الديموقراطية لأنهم سوريون يناضلون من أجل الحرية، أما تركيا فهي دولة مستبدة وتدخلها في أي بقعة من سوريا يعني احتلالاً.”
وينضم إلى رافضي الوصاية التركية مدرس اللغة الإنكليزية علي الأمين (٥٠ سنة)، وهو أحد أبرز مهندسي لافتات مظاهرات معرة النعمان، وخاصة المكتوبة باللغة الإنكليزية، وهو مقيم في الكويت، وقد تواصلنا معه عبر “الواتس أب.” الأمين يرفض الاستنجاد بتركيا ويقول: “حتى مضمون دعوة تركيا للتدخل غير صحيح، تركيا لا تملك الحق بذلك ولا تستطيع.” ويصف الأمين المطالبة بالوصاية التركية بأنها “فعل خاطئ لا يعبر عن الشارع الثائر ككل وإنما فقط عن جزء منه.”
وهو ما لا توافق عليه المذيعة في راديو “فرش” المحلية علا الخطيب (٢٠ عاماً) قائلة: “نحن حالياً الطرف الأضعف. نحن شعب محاصر. من حقنا الاستنجاد بتركيا. الغريق بتعلق ولو بقشة.”
وترى علا أن تركيا لا يحق لها أن تتدخل رسمياً لحماية إدلب ما لم يطلب أهالي إدلب ذلك، وتقول: “طبعاً مطالبتنا بالتدخل التركي يجب أن تكون عن طريق المظاهرات والوقفات ورفع الأعلام التركية، ليكون مرحباً بها أمام أنظار العالم، ويكون تدخلها شرعياً، لأن الشرعية تعطى من قبل الشعب وليس من قبل الحكام.”
يفخر مدرس اللغة الإنكليزية علي الأمين بمظاهرات معرة النعمان ويعتقد أنها ساهمت في توحيد الرأي العام في المدينة “ضد التنظيمات المتأسلمة”، ويصفها بأنها مظاهرات مشرفة تجسد تطلعات السوريين للحرية وبناء دولة عصرية مرجعيتها الشعب الذي سيختار للمناصب الحساسة في الدولة أصحاب الخبرة والكفاءة “وليس أصحاب اللحى.” ويرى الأمين في مظاهرات المعرة منبراً مقابلاً لمنابر الخطاب الإسلامي المتطرف المنتشر حالياً في محافظة إدلب والبعيد عن روح الثورة وأهدافها.
الأمين يؤمن بسوريا ديموقراطية علمانية تقف فيها الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، بل وتحمي التدين والشعائر الدينية، ويؤكد على أن لدى الناس في إدلب “مفهوماً خاطئاً عن العلمانية رسخته التنظيمات الإرهابية من أجل السيطرة على عقولهم وسلبهم إرادتهم وتجييشهم ضد الآخرين.”
وهو ما توافق عليه المذيعة علا الخطيب التي تصف مظاهرات معرة النعمان بأنها “تنعش الثورة وتعطيها دفعات معنوية وتذكر العالم بسلميتها.”
وتلحظ علا “غضباً دفيناً” داخل سكان محافظة إدلب من تصرفات التنظيمات الإسلامية المتشددة، ومعرة النعمان هي “مكان آمن للتعبير عن هذا الغضب. هي المكان الذي يذهب إليه الأحرار من كل نواحي إدلب ليعبروا عن موقفهم مما يجري ويعطوا روحاً جديدة للثورة.”
وهو ما يؤكده المتظاهر حسن (اسم مستعار) قائلاً: “أنا آتي إلى هنا كل يوم جمعة من أجل الهتاف للحرية ورفض الخطاب الديني العنيف. أنا لا أجرؤ على قول ذلك في قريتي” لأن تنظيماً متشدداً يسيطر عليها. حسن ما زال مؤمناً بشعار “الشعب السوري واحد” ولديه أصدقاء “علويون ودروز ومسيحيون وأكراد”، ويقول: “أنا أتواصل معهم من حين لآخر. جميعنا يرفض خطاب الكراهية والحرب الأهلية. جميعنا يتطلع لسوريا لكل السوريين.”
ويتعجب حسن من شعار “الديموقراطية دين الغرب” الذي ترفعه التنظيمات المتشددة ويقول: “الديموقراطية ليست ديناً وإنما نظام حكم علينا أن نطبقه إذا أردنا النهوض.” ويرفض حسن “أسلمة” الثورة واصفاً إياها بأنها “ثورة شعب” ويقول: “أنا لم أثر على آل الأسد لأنهم غير متدينين أو من طائفة أخرى. أنا لم أثر ليحكمني رجال الدين. أنا ثرت من أجل الحرية.”
متظاهرو معرة النعمان رفعوا لافتة مذيلة بـ”هيئة مهجري دمشق وريفها” ومكتوب عليها “دمشق الياسمين سنسري في عروقك فاتحين.” ورحّب شاب من على المنصة بالمهجرين من درعا وقال: “معنا حر من درعا”، وسلمه الميكرفون، ثم غنى ابن درعا عتابا “عواميد البيت” وأنشد “الموت ولا المذلة” وتفاعل معه المتظاهرون. ومن غرفة الاستقبال في مستوصف معرة النعمان، لم يعد يرى عصام الهيثم (٣٧ سنة) “أي فائدة أو تأثير للمظاهرات لأن الثورة فشلت بعد هزائم حلب والغوطة ودرعا.”
يرد على ذلك حسن (صاحب الاسم المستعار) قائلاً: “لا يمكن للثورة أن تنهزم، لأن الثورة هي تطلعنا للحرية، وهذا التطلع بات حقيقة تجري في عروق السوريين، والبندقية يمكنها أن تقتل طفلاً أو امرأة أو رجلاً، ولكن لا يمكنها أن تقتل الحقيقة.”
بواسطة Abdullah Al Hassan | أغسطس 27, 2018 | Reports, غير مصنف
الجزء الثانى
دخلت تركيا بعد حادثة الانقلاب الفاشلة في ١٥ تموز/يونيو ٢٠١٦، في عملية تنسيق مع روسيا لأجل فرض الحل في سوريا، بداية من معركة حلب وسيطرة الجيش السوري على المدينة، ثم وقف القتال واتفاق مناطق خفض التصعيد في أستانا، وأيضاً في مؤتمر الحوار الذي انعقد في سوتشي. مكّن هذا التعاون تركيا من تحقيق رغباتها المتعلقة بحماية أمنها القومي من تهديد حزب العمال الكردستاني PKK وذراعه في سوريا حزب الإتحاد الديمقراطي PYD، بحسب زعمها، مع ملاحظة أن حجة الأمن القومي التركي تُخفي الكثير من المطامع التركية للتوسع في الشمال السوري، أو ربما قضم بعضه، كما حدث في لواء إسكندرون سابقاً.
لم يظهر أي تعارض على مسار التنسيق بين تركيا وروسيا لفرض الحل الروسي في سوريا، إلى أن وصل الأمر إلى محافظة إدلب والشمال السوري، فروسيا تعلم بأنها لم تكن لتحصّل موقعها الحالي في سوريا لولا دعم وتنسيق الحليف التركي، وتركيا تعلم بأنها لم تكن لتدخل بجيشها في سوريا وتُبعد خطر حزب الاتحاد الديمقراطي إلى شرق الفرات لولا دعم وتنسيق الحليف الروسي، وهو ما كان ممنوعاً عنها في السابق أثناء تعاونها وتنسيقها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال السوري.
لكن بالنسبة إلى روسيا، لا يمكن أن يبقى الشمال السوري بعيداً عن الحل، خاصة بعد أن مكّنت روسيا النظام من استعادة السيطرة على كافة المناطق الخارجة عن سيطرته في الغوطة الشرقية وجبال القلمون الشرقي، ثم جنوب دمشق ومخيم اليرموك، وبعدها في ريف حمص الشمالي، وأخيراً في درعا والقنيطرة، ولم يتبق أمامها إلا معضلة إدلب والشمال، ومناطق الإدارة الذاتية بما فيها من وجود أمريكي وفرنسي.
تعلم روسيا بأن حل إدلب يجب أن يسبقه إيجاد حل لشرق الفرات، و تدرك بأن الضغط لأجل حل في الشمال السوري قبل مناطق شرق الفرات سوف يهدد مصالح وأمن حلفائها الأتراك، وربما يقود ذلك إلى مواجهة تخلط جميع الأوراق وتعيد الوضع في سوريا إلى ما كان عليه قبل التنسيق الروسيـالتركي.
وكذلك تدرك روسيا ـ التي تمسك عصا التوازن داخل سوريا بحذر شديد ـ بأن تركيا تملك أوراقاً رابحة في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، خاصة بعد أن تم ترحيل فصائل المعارضة من أغلب المناطق نحو محافظة إدلب ومناطق درع الفرات، في الوقت نفسه تتطلع موسكو إلى حل توافقي بين الأكراد وحلفائهم في الإدارة الذاتية مع دمشق، بحيث لا تتكرر مأساة عفرين مرة أخرى، كما أن تفاهمات موسكو مع واشنطن لأجل سوريا هي في أفضل حالاتها، كما أظهرت نتائج لقاء بوتين ـ ترامب الأخير في هلسنكي. فما هي الرؤية الروسية للحل إذا؟
بالعودة إلى تركيا التي استشعرت الخطر الذي يهدد توجهها في المنطقة، فسارعت لضم الفصائل المعارضة المتواجدة في منطقة إدلب تحت مسمى ”الجبهة الوطنية للتحرير“، يهدف التجمع الجديد لصد أي تقدم لقوات النظام السوري في محافظة إدلب، وتهديد غير مباشر لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والتي تطالب روسيا بالقضاء عليها تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، تركيا قامت أيضاً بالدعوة إلى عقد قمة طارئة في السابع من أيلول/سبتمبر في إسطنبول بحضور كل من روسيا وفرنسا وألمانيا، ولكن لماذا فرنسا وألمانيا بالتحديد؟
في موجة النزوح الكبيرة إلى أوروبا خلال عام ٢٠١٥ ـوالتي يسرّتها الحكومة التركية في محاولة منها للضغط على أوروبا لتحقيق مصالح خاصة بهاـ تضرّر الاتحاد الأوروبي فتداعى نحو تركيا لمساعدتها بتحمل أعباء النازحين مقابل ضبط الحدود وتشديد الرقابة على موجات الهجرة غير الشرعية منها إلى أوروبا، راضخاً بشكل جزئي للإرادة التركية.
واليوم تستدعي تركيا كلاً من فرنسا وألمانيا طالبة الدعم لموقفها، ملوحة بموجة النزوح المُنتظرة في حال أرادت روسيا وحلفاؤها اجتياح إدلب عسكرياً، وفي هذا الشأن قال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس إنه ”ما من حل عسكري في إدلب” وأضاف في تصريحات صحفية له في جنيف ”مع هذا التصعيد وهذا التدهور نحن قلقون حقيقة من نزوح ٢.٥ مليون شخص صوب تركيا إذا استمر هذا الوضع، نحن قلقون كذلك على سكان إدلب … ليس هناك مكان آخر ينتقلون إليه.. هذا فعلياً هو آخر مكان“، وبما أنه لا يوجد “إدلب ثانية” ينقل النظام السوري معارضيه إليها فلن يكون هناك مهرب لهم سوى تركيا، وهي التي لا ترغب بأي لاجئ سوري جديد على أراضيها، مما يجعلها جسراً للعبور نحو أوروبا القلقة هي أيضاً من موجات هجرة جديدة، قد تطيح باتحادها الأوروبي إن حصلت.
يشعر الرئيس أردوغان بخوف أوروبا من هذا، فهو يضرب على وترها الحسّاس محاولاً كسب تأييدها أمام حليفه الروسي، وتدرك روسيا ذلك جيداً وكذلك فرنسا وألمانيا.
أما النظام السوري، فبات منتشياً بإنجازاته التي حققها في مناطق و جيوب المعارضة خلال الأشهر السابقة، وأصبحت إدلب والشمال نقطة نهاية لا بد له من الوصول إليها، ليسحب بذلك كل أوراق الضغط على نظامه السياسي والأمني، بما في ذلك اللجنة الدستورية التي يعارض آلية تشكيلها.
لا يرى النظام في الإدارة الذاتية حملاً ثقيلاً عليه، ففي ٢٦ تموز/يوليو ٢٠١٨ التقى وفد الإدارة الذاتية رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك في دمشق ، ولم تصدر الحكومة السورية أي بيان توضيحي حول نتائج اللقاء. ويبدو أنها تدرك موقع القوة الذي تفاوض الأكراد من خلاله، فالانسحاب الأمريكي من الشمال السوري يبدو أمراً واقعاً بحسب ما يصدر عن الإدارة الأمريكية الحالية، ناهيك عن تطابق موقف روسيا وإيران وتركيا (بصورة أشد) تجاه الإدارة الذاتية، مع ضغوط مشتركة لهذه الدول على الولايات المتحدة الأمريكية لتسحب قواتها من شرق الفرات، والأهم أن العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والحكومة السورية لم تنقطع رغم مرورها بالكثير من المطبّات.
فالحكومة السورية زوّدت وحدات حماية الشعب الكردي (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) بالسلاح في وجه تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب تصريحات سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري في لقاء موسكو٢، حتى أنه أظهر قائمة بكميات وأنواع الأسلحة الذي منحتها الحكومة السورية لهم، كما أن أهداف ”حزب الاتحاد الديمقراطي“ تتمحور حول تطبيق ”اللامركزية والإدارات المحلية“ في سوريا، ولا وجود لكلمة ”الانفصال“ في بياناته أو أدبياته أسوة ببعض الأحزاب الكردية، وهذا ما تلتقي معه دمشق التي تتكلم عن لا مركزية إدارية محدودة بحسب المرسوم التشريعي رقم ١٠٧ لعام ٢٠١١ الخاص بقانون الإدارة المحلية في سوريا، والذي أصدره النظام السوري في ٢٣ آب/أغسطس ٢٠١١ في محاولة لاستمالة الأكراد، على الرغم أنه لم يطبّق حتى الآن.
إضافة لذلك أعربت قوات سوريا الديمقراطية عن استعدادها للقتال إلى جانب قوات النظام السوري لأجل استعادة السيطرة على محافظة إدلب واستعادة عفرين من الفصائل المدعومة من تركيا، كما أبدت استعدادها لقتال داعش في بادية السويداء، وذلك بعد أن قامت في السابع من حزيران/يونيو ٢٠١٨ بتشكيل فصيل تابع لقوات سوريا الديمقراطية أطلقت عليه اسم “لواء تحرير إدلب وعفرين.”
يدرك حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاؤه في مجلس سوريا الديمقراطية بأن لروسيا الكلمة العليا وهي القادرة على فرض رؤيتها للحل في سوريا، غير متناسين الدرس الموجع الذي تلقّوه في مدينة عفرين، ويبدو ذلك جليّاً من خلال تصريح الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، المنشور في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ٨ حزيران/يونيو ٢٠١٨، حين أكد بأن علاقة التعاون مع الولايات المتحدة ليست أبدية وإنما من الوارد أن تتغير، مشدداً على أن”المصالح هي التي تحكم تحالفات الأكراد في سوريا، وأن الأبواب مفتوحة للجميع بما ذلك النظام السوري.”
ولمّح مسلم إلى وجود مرونة وانفتاح في المفاوضات مع النظام السوري، بما في ذلك إمكانية التنازل عن اسم الكيان الفيدرالي الذي أسسه الأكراد بمناطقهم في الشمال السوري، وقال: “الحوار سيكون دون شروط مسبقة… ونحن لم نرد أن نكون بعيدين عن سوريا… نريد سوريا ديمقراطية لكل أبنائها، والمسميات غير مهمة. وأي شيء يمنحنا وكل المكونات الأخرى كامل الحقوق الديمقراطية فسنسعى له.”
من هنا نستنتج بأن النظام السوري ليس مستعجلاً لحل شرق الفرات بقدر تلهّفه نحو إدلب والشمال السوري، فهو يدرك منذ البداية بأن دعم تركيا للمعارضة المسلحة وتهديدها له من الشمال هو الذي أضعف سلطته وأوصلها إلى ما آلت إليه، وهذا ما تدركه أيضاً روسيا، رغم تعاطيها الإيجابي مع مخاوف أنقرة. ولكن ماذا لو دخل النظام السوري بدعم من الروس لمناطق ريف حلب الغربي، أو قضم الريف الجنوبي لمحافظة إدلب بعد اختراقه من الوسط، تطبيقاً لاستراتيجيته العسكرية الناجحة في الآونة الأخيرة؟
يبدو ذلك ممكناً، ولكنه سوف يصل في النهاية إلى حل توافقي حقيقي مع المعارضة السورية بعد توافق روسي ـ تركي، وهذا الأهم، فلا ”إدلب ثانية“ يذهب إليها المُهجَّرون.
بواسطة Abdullah Al Hassan | أغسطس 24, 2018 | Reports, غير مصنف
ج١
أطلق حاجز لقوات النظام السوري قرب بلدة معان (في ريف حماه الشمالي)، خمس قذائف نحو مناطق سيطرة المعارضة القريبة بداية شهر آب/أغسطس ٢٠١٨، سقطت ثلاث منها في مزارع مدينة مورك الشرقية، واثنتان على أطراف المدينة، بعد مرورهما فوق نقطة المراقبة التركية المتمركزة شرق المدينة تماماً. في اليوم نفسه دار حديث محلي عن احتجاج تركي شديد اللهجة لدى القيادة الروسية، نتج عنه استبدال قيادة وعناصر الحاجز في بلدة معان، ليتوقف القصف بعدها على المنطقة.
بعد ذلك بأسبوع بدأ الطيران الحربي السوري بقصف وسط محافظة إدلب ومحيطها الجنوبي، كخان شيخون والتمانعة والتح، وبعض مناطق ريف حلب الغربي، كأورم الكبرى وكفرناها وخان العسل. استهدف القصف منازل المدنيين موقعاً العشرات من الضحايا، لكن هذا التصعيد لم يخرج تركيا عن صمتها، مما يطرح العديد من الأسئلة والكثير من إشارات الاستفهام حول الدور التركي والاتفاق التركي ـالروسي، البعيد عن متناول الإعلام والصحافة والمعارضة.
في غضون ذلك، أعلنت خمسة فصائل من المعارضة السورية العاملة في محافظة إدلب وامتدادها في بيان لها عن تشكيل نواة لجيش الثورة القادم، وذلك بتوجيهِ ودعمٍ مادي وعسكري وسياسي تركي بحسب النقيب ناجي أبو حذيفة، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، في حواره المنشور على صحيفة القدس العربي .
ويضم هذا الجيش الجبهة الوطنية للتحرير (وهي نواة البداية للتجمع الجديد الذي يحمل نفس الاسم، حيث تشكل في مرحلة سابقة في ٢٨ أيار/مايو الماضي وضم ١١ فصيلا معارضا)، وجبهة تحرير سوريا (التي تشكلت في ١٨ شباط/فبراير الماضي إثر اندماج حركتي أحرار الشام الإسلامية ونور الدين زنكي)، وألوية صقور الشام، وجيش الأحرار، وتجمع دمشق.
ويهدف التشكيل الجديد إلى “قتال النظام السوري وصدّ الهجمات، ومقاومة تهديدات اقتحام إدلب والمناطق المحررة بحسب الناطق الرسمي للجبهة في حديثه السابق. إضافةً إلى ذلك، يبدو أنّ الجبهة الجديدة بقوامها الذي تجاوز ٧٠ ألف مقاتل، تحمل تهديداً لهيئة تحرير الشام في آخر معاقلها في محافظة إدلب، حيث رفضت هذه الأخيرة- ـبحسب وسائل الإعلام ـ طلباً تركيا يُفضي إلى حلها وتسليم سلاحها الثقيل ثم الاندماج في “الجبهة الوطنية للتحرير” المُشكّلة حديثاً.
وتداولت الصحافة المحلية رد رئيس المجلس القضائي في هيئة تحرير الشام مظهر الويس على هذا بقوله “الذين يتحدثون عن حل الهيئة لنفسها، عليهم أن يحلّوا الأوهام والوساوس في عقلهم المريض،” مضيفاً “سلاحنا خط أحمر، والأيدي التي تمتد إليه ستُقطع … وقرار الهيئة بيد أبنائها الصادقين.”
كما أكدت العديد من التقارير الإعلامية عدم جدية تركيا في حل الهيئة أو تسليم سلاحها الثقيل لاعتبارات تتعلق بالرؤية التركية للحل في الشمال السوري، مع ذلك، تتزايد وتيرة الاغتيالات لمقاتلين وقادة أجانب متواجدين في محافظة إدلب وريفها بشكل يومي.
وبالعودة لشهر تمّوز/يونيو الماضي، صدرت عدة تصريحات من القيادة الروسية حول “تطهير إدلب” من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) والدور التركي لتحقيق ذلك، وتزامن هذا مع ادعاءات روسية يومية بالتصدي لهجمات طائرات بدون طيار على قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري. قالت وزارة الدفاع الروسية إن مصدرها هو محافظة إدلب وفصائل المعارضة التي تسيطر عليها.
ولقراءة أدق لمصير المنطقة، لا يمكن الإكتفاء بتوصيف وضعها الحالي، وإنما يتوجب تسليط الضوء عليها من زاوية مصالح الدول المتحكمة في القرار السوري في الشمال. في جولة ”أستانا ٤“ في الرابع من أيار/مايو ٢٠١٧، أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) عن توصلها إلى اتفاق يقضي بإنشاء مناطق خفض تصعيد في كل من محافظة إدلب وأجزاء متاخمة من محافظات اللاذقية وحماه وحلب، ومناطق من شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، إضافة لمناطق معيّنة من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، ونص البيان الختامي للمفاوضات على تحديد مناطق خفض التصعيد في سوريا كتدبير مؤقت يمتد لستة أشهر ستمدد تلقائياً بناء على توافق الضامنين.
ورسمت المفاوضات في جولة ”أستانا ٦“ في ١٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٧ حدود مناطق خفض التصعيد التي أعلن عنها سابقاً، خاصة منطقة إدلب التي كانت محط الخلافات، حيث تم الاتفاق على نشر قوات تركية في ١٢ نقطة مراقبة تركية من جانب مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظة إدلب وامتدادها، فيما انتشرت قوات مراقبة روسية وإيرانية من جانب سيطرة النظام السوري.
توزعت النقاط التركية وفقاً للآتي: ثلاث منها على امتداد خط إدلب ـعفرين في جبل سلوى، وجبل سمعان، وجبل عقيل، ونقطة أخرى على جبل عناق بالقرب من مدينة عندان شمال حلب، وخمس نقاط موزعة على خط شاقولي، يبدأ من غرب مدينة حلب وصولاً إلى ريف حماه الشمالي، أو على امتداد سكة حديد الحجاز (في منطقة الراشدين جنوب غرب مدينة حلب)، وفي منطقة العيس شرق ايكاردا، وفي تل طوقان شمال بلدة سكيك، وفي صرمان شرق مدينة جرجناز، وفي مزارع مدينة مورك الشرقية في الريف الحموي الشمالي. إضافة لنقطة في شمال قلعة المضيق في منطقة الغاب، ونقطة على جبل اشتبرق جنوب غرب مدينة جسر الشغور، وأخرى على جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي. في المقابل انتشرت اعتباراً من ١٢ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٧. إحدى عشر نقطة مراقبة روسية وسبع نقاط مراقبة ايرانية موزَّعة على الحد الفاصل لمنطقة خفض التصعيد تلك، مقابل النقاط التركية.
ويمكن للمُطّلع أن يقسّم منطقة خفض التصعيد تلك إلى ثلاث مناطق، بحسب سيطرة فصائل المعارضة، ومن ناحية التغذية الإدارية، وهي:
١- منطقة ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها تركيا بشكل كامل مع الفصائل التابعة والموالية لها في عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وتقوم الحكومة التركية بتمويلها وتنظيمها إدارياً وفق الرؤية التركية، إلى جانب بعض المنظمات السورية المعارضة والدولية.
٢- منطقة محافظة إدلب وامتدادها في ريف حماة الشمالي وقليل من ريف اللاذقية الشمالي الغربي، والتي تسيطر عليها كتائب المعارضة التابعة لتركيا، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل المقربة منها، وتلك المنطقة تعمل إدارياً بدعم منظمات إنسانية سورية معارضة ودولية مع مزاحمة حكومة الإنقاذ (التي تتبع هيئة تحرير الشام) في مناطق سيطرة الهيئة.
٣- منطقة وسط بين المنطقتين، في ريف حلب الغربي، والتي تسيطر عليها فصائل معارضة صغيرة محلية (ليست إسلامية) ولكنها قريبة من حركة نور الدين الزنكي ومتعاونة معها، ومن الناحية الإدارية تقوم العديد من المنظمات الإنسانية السورية المعارضة والدولية بدعم مؤسسات المنطقة ومجالسها المحلية وتدريبها.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن عدد سكان إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، تجاوز ٢.٦٥ مليون نسمة، بينهم ١.١٦ مليون مُهجّر داخلياً.
بواسطة سلوى زكزك | أغسطس 13, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
دمشق
يبدو تعبير “الأزمة” تبسيطاً ساذجاً للسمة العامة لأوضاع السوريين الذين عصفت بهم رياح الموت والتهجير والجوع. التبسيط هنا ليس تهمةً بالتحايل اللغوي وحسب، لكنه محاولة للإيحاء بأنّ كل شيء سيكون بخير، وأول الخير يكمن في تحسّن الحالة المعيشية عند توقف القوة النارية.
إنّ التداخل ما بين الهوية العملية للسوريين خلق توازناً اقتصادياً ردم نوعاً ما الهوة ما بين الاحتياج والضرورة، وما بين المتوفر وعملية تأمين الوفرة الغذائية بشكلٍ كاف، فغالبية الموظفين في المدن يملكون أراضٍ زراعية في قراهم، وفي الواقع لم ينقطع الموظفون يوماً عن العمل في أراضيهم، بل إنهم يلجؤون للاستفادة من إجازةٍ طويلةٍ خلال موسم قطاف الزيتون والتفاح مثلاً أو خلال موسم قطاف الجوز أو التوت الشامي أو البازلاء والفول.
إذاً هي هوية عملية مزدوجة: مزارع وموظف! وتعتبر المدينة مركز الإقامة بالنسبة للأغلبية لأنها مركز العمل الوظيفي ذي الدخل الثابت ومكان توفر التعليم الجامعي، وهي المكان الأوفر مادياً للعيش، خاصةً في الشتاء البارد جداً في المناطق الزراعية.
لكنّ حالة العنف الدموية وتهدّم البيوت والبنى التحتية والاحتراب الطائفي والمذهبي المعلن وغير المعلن جعلت القرية فجأةً ملاذاً آمناً للعودة وللسلامة الشخصية، إضافةً إلى تسهيلاتٍ استفاد منها الموظفون (البعض وليس الغالبية طبعاً) وهي إمكانية نقل مكان العمل مؤقتاً إلى مكانٍ جغرافيٍ قريبٍ من القرية.
سامية، سيدة أربعينية تعمل وزوجها في مدينة حمص ويملكون أرضاً واسعةً يزرعون التفاح فيها ويجنون مبالغ تكفيهم لتعويض النقص الناتج عن شح الأجور الشهرية للموظفين، لجأت وزوجها إلى القرية بعد شهرين فقط من اندلاع النزاع في حمص، لم يكن موسم قطاف التفاح قد بدأ وثمة أرض واسعة ملحقة ببيتهم، فكرت سامية فورا بزراعتها بالفول والبازلاء رغبة بتأمين المؤونة السنوية، لكن نجاح الموسم والمنتج الكبير دفعها لبيع ما يزيد عن حاجتها، وتوسع البيع حين زرعت الخضار الصيفية مثل الفاصولياء واللوبياء والباذنجان المخصص للمكدوس والفليفلة.
لا تفكر سامية بالعودة إلى حمص الآن! وتخطط لتطوير زراعتها بضمان مساحات صغيرة من الأرض تملكها قريباتها الرافضات لفكرة الزراعة، مقابل اتفاق استثماري تستأجر فيه الأرض بمبلغ مقطوع سنوي أو شهري أو بنسبة من المحصول.
تقول سامية إنها قد تطلب التقاعد بعد إتمامها السن اللازم لتأمين الراتب التقاعدي، أي قبل سن التقاعد الرسمي، وقد وجهت ابنتها الحاصلة على شهادة الثانوية العامة لهذا العام لدراسة الهندسة الزراعية ليتكامل مشروعها الزراعي ويزداد نجاحاً، عدا عن أنها تؤمل ابنتها بافتتاح صيدلية زراعية خاصة بها مع أفكار إبداعية تتعلق بمنتجات مميزة من الأعشاب العطرية والمطلوبة بكثرة للاستخدامات الطبية والتجميلية.
إن تبدل النظرة نحو الزراعة محدودة المساحة ولأنواع محددة مطلوبة يومياً وآمنة من حيث العناية والظروف المناسبة للنمو ومن حيث التسويق الذي يبدو في ظل انهيار ثوابت الأمن الغذائي وانهيار الأمن المالي الشخصي والعائلي بسبب الحرب وبسبب انزياح عوامل الأمان العامة والشخصية، يبدو ضرورة تفرض نفسها ومبادرة خلاقة سيكون لمن يستغلها أو يبادر تجاهها السبق والربح وقلب المعادلة نحو الاستقرار الذاتي على أقل تقدير…
اعتادت ليلى ومنذ أواخر عام ٢٠١١ على بيع الملوخية والباذنجان المعد للمكدوس وهو الطبق الشعبي الأهم في يوميات العائلة السورية، لكن عودة زوجها من مدينة حماة بعد حصوله على تسريح مرضي بسبب إصابته بالسرطان دفعتها لإضافة خيارات أخرى لعملها الدوري في بيع منتجاتها الزراعية، إذ باتت بعد هذا التاريخ تتعاقد مع سيدتين لسلق الباذنجان وكبسه وتحضير الفليفلة بشكلها الجاهز للمؤونة مقابل أجر يومي محدد وتقوم بعد ذلك ببيع هذه المنتجات المهيأة للتموين وبسعر أعلى طبعاً محققة أرباحاً أكبر، كما أنها تحولت إلى بيع الملوخية المجففة والموضبة الجاهزة للطبخ، وقد أفردت مساحة فارغة في قبو منزلها لتجفيف الملوخية وتخزينها وذلك أيضا بعد الاستعانة بسيدة مهمتها انتقاء أوراق الملوخية وتجفيفها وذلك مقابل أجر يومي محدد.
إن اتجاه النساء السوريات لتنويع مصادر دخلهن ومبادراتهن لإدخال أصناف جديدة في إنتاجهن الزراعي أو الغذائي على الأصح، إنما هو تطور إيجابي بالغ الأهمية، مع أنه لا يرصد أبدا إلا في النطاق الأضيق ولا يضاف إلى تفاصيل عملية الإنتاج ولا إلى الدخل الاقتصادي الوارد لمداخيل الأسرة السورية وبالتالي فهو مغيب عن دائرة مصادر ومداخل العملية الاقتصادية في سورية.
يبدو من الضروري الإشارة إلى رد الفعل الاجتماعي وخاصة في البيئة المحلية على هذه الخطوات الجريئة والجديدة، والتي قيّمت عاليا هذه المبادرات واعتبرتها خطوة مميزة نحو النجاح والوفرة، يقول أبو سامر: إن زوجة ابنه ولدت ونشأت في المدينة ولم تطأ قدمها أرضاً زراعية قبل عودتها مع زوجها إلى القرية بعد أن تهدم بيتهما في أحد ضواحي دمشق، لكنها الآن تزرع النعناع والبقدونس والبصل الأخضر والفجل والسبانخ في المساكب الصغيرة في حديقة المنزل وتبيعها تباعاً لزيادة الطلب على محصولها المميز، الذي يُسقى بالماء النظيف وهو خال من الحشرات، ويضيف أبو سامر “علاقتنا تمتنت مع عائلة ابني، لابل إن كنتي صاحبة المشروع تشاركني بغلة منتوجها عندما أقوم بإيصاله على دراجتي النارية إلى بعض البيوت وبعض المحال التجارية حسب توصية مسبقة.”
قد يقول قائل: إن عمل المرأة في الأرض قديم قدم الأرض ذاتها وهذا صحيح تماما، لكنه كان جزءا من أعمالها المنزلية، وقد رفض الكثير من الآباء تزويج بناتهم للحفاظ عليهن كقوة عمل ضمن العائلة، لكن الحالة هنا مختلفة لدرجة يقول الأهالي إنه مشروع فلانة! مع أن ملكية الأرض باسم زوجها.
طبعا لا مجال هنا لذكر كافة المصاعب والمعوقات التي تعيق اكتمال ونجاح هذه المشاريع المهمة والريادية، لكن الإشارة إليها مهمة جدا وضرورية، لتعميم هذا الخيار كأحد الحلول الممكنة للنهوض بالوضع المعيشي والاقتصادي، خاصة في ظل وجود ملكيات واسعة من الأرض متروكة لليباس أو للعبث.
تعمل روضة في زراعة الفليفلة الخضراء والحمراء وتحضّر منها المخللات ودبس الفليفلة بصورة منتظمة وحسب الطلب، وتسعى للحصول على دخل أكبر وزبائن أكثر. اقترحت عليها ابنتها إطلاق صفحة على الفيس بوك للإعلان عن منتجاتها الزراعية وعن سبل توصيلها والتاريخ المحدد لاستلامها، إثر ازدياد الطلب على المنتجات في أوقات محددة وخاصة في أيام العطل والإجازات وهي تتناسب مع قدوم الناس الى القرية مما يحول دون إمكانية التوزيع والبيع في الأوقات الأخرى حيث ينعدم الطلب فيها على تلك المنتجات. وقد لاقت تلك الفكرة رواجاً دفعت بروضة لتنظيم عمليتي السقاية والقطف بناء على الطلبات المحددة مسبقاً وأنقذت محصولها من فترة كساد محتملة في البيع والشراء والتحضير .
إن كان تعبير أزمة هو تعبير وقتي وآني وقابل للتغير أو الترحيل فإن سعي بعض السوريات إلى استقرار مالي وعملي وعائلي واقتصادي هو سعي مبارك ومميز وغير قابل للترحيل أو الإهمال أو التناسي، نتمنى له النجاح والتطور.
بواسطة لامار اركندي | أغسطس 4, 2018 | Reports, غير مصنف
“قضت شقيقتي يوم عرسها بسبع طعنات قاتلة تلقتها من العريس آلان رستم ابن حارتي في مدينة عامودا.”
يروي عماد اسماعيل لصالون سوريا تفاصيل مقتل شقيقته فلك قبل حوالي عامين متابعاً، “اتصل أهل آلان بنا صبيحة اليوم الثاني ليبلغونا أن فلك انتحرت بسكين، وبعد نقل جثتها إلى مشفى عامودا فاجأنا الطبيب المشرف بأن الطعنة السابعة التي اخترقت قلبها من جهة الخلف هي التي أودت بحياتها والتي كشفت زيف ادعاء أهل الزوج وكشفت أنها جريمة قتل.”
وشهدت مدينة عامودا لأسابيع تظاهرات عدة منددة بالجريمة طالبت بمحاكمة القاتل وإنزال أقسى العقوبات على آلان الذي مزق فم زوجته واقتطع قطعة لحم من كتفها مبرراً جريمته بأنها بدافع “شرف”، رغم أن تقرير مشفى عامودا الشرعي أثبت عذرية العروس.
ادعى قاتل فلك أمام النيابة العامة أنه يعاني من مشاكل نفسية دفعته لارتكاب جرمه، لكن تقرير الطبيب الشرعي جوان موسى الذي قدمه للمحكمة نفى ادعاء الجاني وأكد سلامته النفسية والعقلية. وحكمت محكمة الشعب في عامودا بالسجن المؤبد على آلان مع نفي عائلته إلى خارج المدينة.
لكن عماد إسماعيل، شقيق فلك، يرى بأن هذا الحكم غير منصف مطالبا بإعدامه، ولاسيما بأن الجاني اعترف فيما بعد للأمن الجنائي في القامشلي بأن عجزه الجنسي، وخوفه من افتضاح أمره هو ما دفعه لارتكاب جريمته.
قصة فلك تكررت بريف الدرباسية قبل أربع سنوات أيضاً حيث قضت خديجة (اسم مستعار) بطلقات نارية تلقتها من شقيقها.
أحبت خديجة كاوا وهربت معه وتزوجته رغماً عن أهلها الذين رفضوا هذا الزواج رغم تقدم كاوا لخطبتها مرات عدة، لكن زواجها الشرعي لم يحمها من قتل شقيقها لها إذ اعتبر زواجها بهذه الطريقة منافياً للعادات والتقاليد وبالتالي “عاراً لا يطهر إلا بالدم”، فقتلها وفر هارباً إلى تركيا.
الشرع والقانون
يرى دوران الهاشمي العلامة الإسلامي والمشرف العام على مؤسسات الشؤون الدينية في منطقة الجزيرة وحوض الفرات أن عقوبة من يقتل امرأة لمجرد الشك أو الوشاية مدعياً أنه قتلها “بحجة الشرف”، هي القتل قصاصاً و”إن تهاون القاضي بالقصاص بسبب ادعاء القاتل ( مسألة شرف ) فهو شريك القاتل في الإثم.”
فقتل النساء تحت مسمى الشرف وتهاون القضاة بالاقتصاص من الفاعلين كما يذهب العلامة الإسلامي الهاشمي زاد من انتشار هذه الظاهرة في المجتمع.
وعن تهمة الزنا يقول الهاشمي “من اتهم امرأة بالزنى يرفع الأمر للحاكم فإن أقرت، ثبت عليها الحكم، وإن نفت تقسم أنها بريئة من ذلك، فإذا حلفت فلا عقاب عليها في الدنيا ومردها إلى الله بعد ذلك.”
في قانون الإدارة الذاتية
لا يوجد ما يسمى بجريمة شرف وإنما هذا المصطلح هو تسمية دارجة عُرفاً لجرائم القتل والإيذاء التي يكون الدافع إلى ارتكابها هو “صون الشرف” كما يوضح المحامي خالد عمر عضو اتحاد محامي الجزيرة في الإدارة الذاتية الديمقراطية.
يقول عمر: “الدافع إلى ارتكاب الجرم سلاح ذو حدين، فقد يكون سبباً في تشديد العقوبة أو في تخفيفها على جرائم القتل، وعليه فإذا ثبت للمحكمة أن القتل بغير قصد فعقوبته تتراوح بالسجن بين١٥ -٢٠ عاماً وأن ثبت أن القتل كان عمداً فالإعدام يخفف إلى السجن المؤبد.”
فقد اعتبر القانون الذي أقرته الإدارة الذاتية “جريمة الشرف” جريمة كاملة بناء على أحكام العقد الاجتماعي الذي صادقه المجلس التشريعي في جلسته ٢٧ لعام ٢٠١٤ والذي تضمن المبادئ الأساسية والأحكام العامة الخاصة بالمرأة.
يجرم البند ١٧ القتل بذريعة الشرف ويعتبره جريمة مكتملة الأركان مادياً ومعنوياً وقانونياً ويعاقب مرتكبها بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات كجريمة قتل أو عمد. إلا أن محاكم أخرى تصدر أحكاما مخففة في الجرائم المسماة بجرائم الشرف ومن ضمنها القانون السوري.
يشير المحامي زهير جميل الذي يعمل في محاكم العاصمة دمشق منذ ما يقرب ٢٠ عاماً إلى إلغاء إحدى المواد المتهاونة مع جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري واستبدالها بأخرى تشدد العقوبة. حيث تم استبدال المادة ٥٤٨ بموجب مرسوم تشريعي في عام ٢٠٠٩، وشهدت المادة القانونية نفسها تعديلاً في ٢٠١٣.
تنص المادة على أنه “يستفيد من العذر المخفف كل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته بجرم الزنا المشهود أو صلة جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو إيذاء أحدهما، على ألّا تقل العقوبة عن الحبس من ٥ إلى ٧ سنوات، في حالة القتل.”
وبين جميل أن هذه الجريمة غالباً ما تغلف بمسميات أخرى كالخلافات العائلية أو القتل الخطأ، على اعتبار أنها تحمل في مضمونها شيئاً من “العار”، لذا يتستر عليها أفراد المجتمع.
ويضيف زهير “رغم أهمية صدور هذا المرسوم إلا أنه يبقى غير كاف من حيث وجوب القصاص من القاتل دون التماس أي أعذار له.”
وتشير إحصائيات غير رسمية، إلى أن عدد “جرائم الشرف” في سورية بلغ ٢٣٠ جريمة عام ٢٠١٥، مقابل ٤٧ جريمة فقط في العامين ٢٠١٢ و٢٠١٣.”
وتقدر منظمات حقوقية عدد هذه الجرائم بنحو ٢٠٠ إلى ٣٠٠ جريمة سنويًا، يحدث معظمها في المناطق الريفية شمال وشرق البلاد حيث وفرت الحرب والصراعات المسلحة بيئة خصبة لتزايد العنف ضد النساء بصفة خاصة.
سبع جرائم في مناطق الإدارة الذاتية
تعتبر خناف محمد قاضية الادعاء والتحقيق في ديوان العدالة الاجتماعية في مدينة القامشلي قتل النساء “مشكلة اجتماعية وهي موجودة في معظم المجتمعات” وترى أنها “رد فعل على عدة عوامل اجتماعية ونفسية وبيئية وتربوية واقتصادية وثقافية وغيرها.”
وأحصت محمد سبع جرائم ارتكبت تحت مظلة الشرف العام الفائت في مناطق الإدارة الذاتية، ونسبت القاضية أسباب ارتفاع هذا العدد إلى “حالة الفوضى التي تشهدها البلاد منذ ما يقرب السبع سنوات، وصعوبة ضبط مراقبة الحدود في الشمال السوري سواء مع تركيا أو مع إقليم كردستان العراق و تهريب البشر مما سهل هروب القاتل من قبضة العدالة” إضافة لرواج تجارة المخدرات، و صعوبة الوضع الاقتصادي وعدم توفر الجرأة لدى النساء للاعتراض، بحكم الانصياع للعادات والتقاليد، وعدم توفر الوعي الكافي في المجتمع.
بواسطة Safwan Dawood | يوليو 10, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
نهر الفرات هو الشريان الحيوي الأهم في سوريا، يدخل أراضيها من مدينة جرابلس في الشمال السوري عند الحدود التركية ويخرج من مدينة البوكمال عند الحدود العراقية. يبلغ طول القطاع السوري من هذا النهر 680 كم. يعتبر القطاع السوري من وادي الفرات مهد الزراعة في العالم، ووجدت أقدم آثار لها في تل أبي هريرة المغمور. ترجع تسمية النهر إلى كلمة “فرت” في الآرامية القديمة، وتعني الخصب والنمو.
أقيم على نهر الفرات ٣٤ سداً ٢٢ منها في تركيا و٧ في العراق و٥ في سوريا. أهم السدود السورية سد الثورة والمعروف بسد الفرات، يقع في محافظة الرقة ويحتجز خلفه بحيرة ضخمة تجمع حوالي ١١.٦ مليار متر مكعب من المياه العذبة. يعتبر قطاع وادي الفرات الواقع بين “بحيرة الأسد” ومدينة البوكمال منطقة قاحلة لا يمكن فيها الزراعة دون ري، بسبب معدل الهطول المطري المنخفض الذي لايتجاوز عادة ٢٥٠ ملم/سنة.
بلغ عدد سكان محافظتي دير الزور والرقة بحسب آخر إحصاء رسمي عام ٢٠١١ حوالي ٢ مليون نسمة، وانخفض لاحقاً بسبب الحرب. بحسب آخر إحصاء للحكومة السورية الصادر عام ٢٠٠٤ يعمل القسم الأكبر من سكان هاتين المحافظتين في الزراعة ويشكلون ٤٦% و٤٣% من عدد السكان على التوالي، طبعاً لايشمل هذا الإحصاء موظفي الحكومة الذين يعملون أيضاً بشكل جزئي في الزراعة.
قضايا المياه خلال حكم البعث
خلال حقبة الحكومات البعثية فرضت وزارة الري في سوريا ضبطاً واسعاً لموارد المياه، وتم توفيرها بشكل مجاني وفق جداول زمنية مرتبطة بمساحة الأرض ونوع المنتج، وبشكل غير مباشر بمصالحية العلاقة بين موظفي الحكومة وأبناء العشائر في تلك المنطقة.
وعلى النمط الاشتراكي، فرضت الحكومات المتعاقبة قيوداً صارمة على خطط الإنتاج الزراعية عبر برامج إلزامية لزراعة محاصيل بعينها هي غالباً القطن والحبوب والشمندر. وأشرفت بشكل لايخلو من البيروقراطية المركزية على الدورة الاقتصادية لهذه المحاصيل، بدءاً من توزيع البذور وحتى تسويق المنتج.
خلال السنوات العشر التي سبقت الحرب السورية تدهورت بشكل متسارع الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأبناء وادي الفرات، تآكلت الأراضي الزراعية نتيجة النمو السكاني، فيما بقيت خطط الإنتاج وتوسيع الأراضي المروية في الوادي تعاني من ضعف التمويل، بسبب السياسات الاقتصادية للحكومة المركزية في دمشق، التي ركزت استثماراتها في المدن الكبيرة والسوق السياحي والريعي.
وكما في جميع قطاعات الدولة السورية دخل الفساد بنية الاقتصاد الزراعي، هكذا مثلاً عبر الرشوة تضاعفت عدد الآبار غير النظامية للري ما سبب لاحقاً بتضرر الحوامل المائية للوادي بشكل كبير.
عقب أحداث الحسكة عام ٢٠٠٤ استمر النهج السلبي للدولة وتمنهجت السياسات الزراعية عنصرياً ضد الكرد. ففي الوقت التي كانت تقدم التسهيلات غير القانونية لأبناء العشائر في وادي الفرات، مثل السماح بعمليات الضخ غير القانوني، تم تخفيض المساحات المروية في محافظة الحسكة والقامشلي للكرد السوريين.
بعد حرب تموز وخروج الجيش السوري من لبنان، ومع تحسن العلاقة بين النظام السوري والاتحاد الأوروبي، والتي توجت بزيارة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لدمشق في أيلول من عام ٢٠٠٨ دخل الشرق السوري نقطة اللاعودة عندما تبنى النظام السوري مسار (إصلاح) اقتصادي جديد سُمي وقتها اقتصاد السوق الاجتماعي طرحه نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق عبدالله الدردري، وتبناه الرئيس السوري شخصياً، وهو لم يكن في الحقيقة سوى شكل آخر أكثر وحشية من أشكال السياسات الاقتصادية التحريرية.
خلال هذا (الإصلاح) الجديد تم تخفيض الدعم عن الديزل وزاد سعره ثلاثة أضعاف، ما جعل عمليات الري للأفراد في الوادي مكلفة للغاية، كما تم فرض إجراءات إدارية تم بموجبها تقييد استهلاك المياه في الزراعة، ونتيجة انتشار الفساد فشلت هذه الإجراءات فشلاً ذريعاً، وأصبحت إجراءات تقييد الاستهلاك مطبّقة فقط على أولئك المزارعين الذين ليست لهم قدرة على دفع الرشوة أو ليسوا من وجهاء العشائر.
في الإطار العام وككل المجالات الاقتصادية وقَعَت وزارة الري تحت وطأة الفساد الممنهج وسوء الإدارة، فبينما زادت الخدمات اللوجستية للمدراء ورؤساء الأفرع والأقسام من سيارات ورحلات خارجية وأجهزة حواسيب وغيرها، غاب البحث العلمي وتطوير الكوادر المتخصصة عن متطلبات النشاط الزراعي، وغابت معها خطط واقعية للتطوير. شبكة الري في وادي الفرات المنشأة بمعظمها منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي تُسبِب هدراً كبيراً للمياه، ولا يسمح تصميمها الكلاسيكي باستخدام أساليب الري الحديثة. إن أنظمة الري الحديثة مُكلفة، وعزوف الدولة عن تأمينها للمزارعين دفعهم إلى الاستثمار في حفر الآبار أو الاستمرار في استخدام جر المياه التقليدي، وبدلاً من التمويل في تطوير شبكات الري ذهبت الاستثمارات الحكومية إلى قطاع الخدمات العقارية والسياحية.
بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٠ تعرض الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً لموجة جفاف وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ خلال العقود الأربعة الماضية، بحلول عام ٢٠١٠، أدت هذه الموجة إلى تآكل مساحات واسعة من الأراضي البعلية والمروية على حد سواء، ولأول مرة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي اضطرت سوريا لاستيراد القمح، وأُجبر مايقرب من مليون مزارع وعائلاتهم على ترك أراضيهم والهجرة إلى أطراف المدن (العشوائيات) التي تفتقر إلى الكثير من الخدمات.
شكّل السكان النازحون في هذه العشوائيات متضمنين ١،٢ إلى ١،٥ مليون عراقي حوالي ٢٠% من سكان المدن في سوريا، بتعداد يقارب ١٣،٨ مليون (إحصائية عام ٢٠١٠) مقابل ٨،٩ مليون عام ٢٠٠٢ أي بزيادة حوالى ٥٠%. هنا “لا يمكن للمرء أن يفهم الانتفاضات التي تشتعل في المنطقة العربية أو حتى الحلول التي يعرضونها للخروج من مشكلاتهم من دون أن يأخذ الضغوط البيئية والمناخية والسكانية في الاعتبار” كما يقول الباحث توماس فريدمان.
هكذا نتيجة للسياسات الحكومية الفاشلة والعوامل الطبيعية أضحى وادي الفرات جاهزاً لتقبل أي تغييرات سياسية أو أمنية كأحد السبل للخروج من الأوضاع الصعبة التي يعيشها، وشاءت الأقدار أن يكون البديل أسوأ مما كان، وهو حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
وادي الفرات تحت حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”
خلال عام ٢٠١٤ سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على البادية السورية ووادي الفرات بسرعة كبيرة، وأسس عاصمة لدولته في مدينة الرقة، ومارس نظام حكم تقليدياً بيروقراطياً قاسياً. خلال فترة حكمه القصيرة أنشأ وزارة للزراعة، مهمة هذه الوزارة تحديد نوع المحصول الذي يجب زراعته، تحديد برامج الري وغيرها من المسائل الحقلية، في أداء لم يختلف كثيراً عن الأداء البيروقراطي لوزارتي الري والزراعة السابقتين في حكم البعث.
ونتيجة لقيام “الدولة الإسلامية” على مبدأ الحرب، بقيت هذه الوزارة مُهمَلة، وتدهورت الخدمات الزراعية ونُظم الري بشكل كبير. ونتيجة نقص الخبرة لدى موظفي “الدولة الإسلامية” فُتح الباب على مصراعيه لحفر الآبار الذي دمر بشكل كبير الحوامل المائية في الوادي. وبسبب تضرر شبكات الطرق وانعدام الأمن عليها لم يعد يتوفر الوقود اللازم لعمل المضخات وأصبح تأمين الأسمدة والبذور الجيدة صعباً للغاية، ما أدى الى تراجع كبير في الإنتاج.
وأدت المعارك العنيفة على امتداد وادي الفرات إلى استخدام أطراف الصراع للمياه مرات عدة كسلاح ضد الخصم. في العام الماضي عمدت حملة “غضب الفرات” التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” في حربها ضد “الدولة الإسلامية” إلى إغراق الأجزاء الشمالية الغربية من مدينة الرقة عبر فتح الماء بشكل عشوائي من قناة البليخ، وهي قناة رّي رئيسية تقع إلى الشمال من سد الفرات، وأدت الى تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ومواسم القمح والشعير فيها.
كما أدت الفوضى العامة في البلاد إلى إطلاق يد تركيا على مياه نهر الفرات، ولم تعد تأبه للقوانين الدولية، وبدأت بتخفيض حصص المياه لكل من العراق وسوريا، ففي فبراير شباط ٢٠١٨ خفضت أنقرة معدل الدفق المائي لنهر الفرات إلى ٣٢١ درجة (مايعادل ٤٥٠ متراً مكعباً/ثانية)، وهددت بشكل جدي إمدادات مياه الشرب لحوالي ٢ مليون نسمة من سكان محافظة حلب، وسط صمت من قبل الحكومة السورية وسكوت غير مبرر.
منذ عام ٢٠١٦ زاد نشاط التحركات العسكرية في شرق سوريا من قبل كل من “التحالف الدولي لضرب داعش” والقوات الكردية من جهة، والجيش السوري وحلفائه بمساعدة الطيران الروسي من جهة أخرى للقضاء على وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة. وفعلاً تقدم الجيش السوري نحو مدينتي البوكمال ودير الزور، في حين تقدمت “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة من الشمال باتجاه الرقة وحوض الخابور.
مستقبل وادي الفرات
تآكلت “الدولة الإسلامية” ولم يبق من المساحة التي شغلتها أكثر من ٣%. هذا العام أصبح وادي الفرات كاملاً تقريباً بيد الجيش السوري والقوات الكردية. لقد حان الوقت للتفكير بالقضايا البيئية والاقتصادية-الزراعية لمنطقة حوض الفرات التي من شأنها أن تؤسس لتنمية مستدامة، واستقرار اجتماعي. تعرضت المنطقة نتيجة الحروب لتدهور بيئي وزراعي واسع النطاق. وبغض النظر عن المسؤول، فإن النظام الذي سيحكم دمشق ستكون عليه مسؤوليات كبرى في هذا الشأن، أهمها على الإطلاق موضوع وفرة المياه المرتبطة بشكل أو بآخر بديناميات إقليمية سياسية وقانونية دولية، أيضاً اقتصادية واستثمارية وأخرى تقنية وبحثية.
لم تستطع الحكومات السورية في زمن الاستقرار التعامل مع موجة الجفاف السابقة ٢٠٠٧-٢٠١٠، فما هو الوضع إذا ضربت موجة جديدة من الجفاف الأراضي السورية في الوقت الحالي، حيث دمرت الحرب السورية معظم البنية التحتية في وادي الفرات؟
حقيقة لا تحتمل الشك، مياه الفرات آخذة بالتضاؤل بسبب تناقص الإيرادات المائية من تركيا، وتناقص المعدل العام المطري. هذه مشكلة هي ليست وليدة اليوم ولا الأمس، الحلول في الوضع الراهن تكاد تكون معدومة، بينما الواقع الزراعي نحو الأسوأ.
حوض الفرات هو مصدر معظم ثروات سوريا وكان سلة غذائها واستقرارها الاقتصادي. إن ماخلفه حكم “الدولة الإسلامية” كذلك السياسات الفاشلة للحكومات البعثية جعلت وادي الفرات في وضع اقتصادي واجتماعي مأساوي. الآن بعد سقوط “الدولة الإسلامية” وعودة الحياة تدريجياً، يترتب على الدولة السورية مهمات صعبة لأنها ستواجه سلسلة من المشاكل المعقدة: محدودية الموارد المائية، أنظمة الري المتهالكة، العدالة في توزيع الثروة المائية، أساليب الزراعة البدائية، إعادة توطين مهجري الحرب، متابعة تطبيق القوانين الدولية المتعلقة بالمياه النهرية بعدما أصبحت تمثل فتيلاً يهدد بظهور صراعات محلية وإقليمية مستقبلية.
الأهم من كل ذلك هي التعبيرات السياسية التي يمكن أن تقود مرحلة إعادة الاستقرار في الوادي، إذ لا يمكن مواجهة معضلات الوادي العميقة في ظل حكم نظام بيروقراطي وممنهج بالفساد كالذي كان ومازال موجوداً في دمشق.
فحوى هذا المقال موجه للنخب السياسية والحزبية للقوتين العسكريتين الأساسيتين في وادي الفرات: “قوات سوريا الديمقراطية” والجيش السوري، هو أن لا تتحاربا ابداً من أجل السيطرة على وادٍ قد يشهد في أي وقت كارثة بيئية وإنسانية جديدة. لابد وأن تتعاون هاتان القوتان على إعادة صياغة للعقد السياسي بين مكونات المجتمع المحلي، والمضي في تكريس الاستقرار في وادي الفرات بدلاً من تدميره.
أخيراً لايمكننا إلا أن نسأل نفس السؤال الذي سأله جو روم، مدير موقع (Climate Progress) سابقاً: “من الذي سيمد يد المساعدة في المستقبل لدولة مثل سوريا عندما تدمرها موجة الجفاف التالية، بينما نعيش في عالم يظهر فيه كل فرد كما لو كان يتعامل مع الإعصار ساندي؟” سؤال كنت أتمنى أن أسمع له جواباً عند أحدٍ من النخب السياسية في سوريا قبل أن أكتب هذه السطور.