بواسطة Abdullah Al Hassan | أغسطس 27, 2018 | Reports, غير مصنف
الجزء الثانى
دخلت تركيا بعد حادثة الانقلاب الفاشلة في ١٥ تموز/يونيو ٢٠١٦، في عملية تنسيق مع روسيا لأجل فرض الحل في سوريا، بداية من معركة حلب وسيطرة الجيش السوري على المدينة، ثم وقف القتال واتفاق مناطق خفض التصعيد في أستانا، وأيضاً في مؤتمر الحوار الذي انعقد في سوتشي. مكّن هذا التعاون تركيا من تحقيق رغباتها المتعلقة بحماية أمنها القومي من تهديد حزب العمال الكردستاني PKK وذراعه في سوريا حزب الإتحاد الديمقراطي PYD، بحسب زعمها، مع ملاحظة أن حجة الأمن القومي التركي تُخفي الكثير من المطامع التركية للتوسع في الشمال السوري، أو ربما قضم بعضه، كما حدث في لواء إسكندرون سابقاً.
لم يظهر أي تعارض على مسار التنسيق بين تركيا وروسيا لفرض الحل الروسي في سوريا، إلى أن وصل الأمر إلى محافظة إدلب والشمال السوري، فروسيا تعلم بأنها لم تكن لتحصّل موقعها الحالي في سوريا لولا دعم وتنسيق الحليف التركي، وتركيا تعلم بأنها لم تكن لتدخل بجيشها في سوريا وتُبعد خطر حزب الاتحاد الديمقراطي إلى شرق الفرات لولا دعم وتنسيق الحليف الروسي، وهو ما كان ممنوعاً عنها في السابق أثناء تعاونها وتنسيقها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال السوري.
لكن بالنسبة إلى روسيا، لا يمكن أن يبقى الشمال السوري بعيداً عن الحل، خاصة بعد أن مكّنت روسيا النظام من استعادة السيطرة على كافة المناطق الخارجة عن سيطرته في الغوطة الشرقية وجبال القلمون الشرقي، ثم جنوب دمشق ومخيم اليرموك، وبعدها في ريف حمص الشمالي، وأخيراً في درعا والقنيطرة، ولم يتبق أمامها إلا معضلة إدلب والشمال، ومناطق الإدارة الذاتية بما فيها من وجود أمريكي وفرنسي.
تعلم روسيا بأن حل إدلب يجب أن يسبقه إيجاد حل لشرق الفرات، و تدرك بأن الضغط لأجل حل في الشمال السوري قبل مناطق شرق الفرات سوف يهدد مصالح وأمن حلفائها الأتراك، وربما يقود ذلك إلى مواجهة تخلط جميع الأوراق وتعيد الوضع في سوريا إلى ما كان عليه قبل التنسيق الروسيـالتركي.
وكذلك تدرك روسيا ـ التي تمسك عصا التوازن داخل سوريا بحذر شديد ـ بأن تركيا تملك أوراقاً رابحة في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، خاصة بعد أن تم ترحيل فصائل المعارضة من أغلب المناطق نحو محافظة إدلب ومناطق درع الفرات، في الوقت نفسه تتطلع موسكو إلى حل توافقي بين الأكراد وحلفائهم في الإدارة الذاتية مع دمشق، بحيث لا تتكرر مأساة عفرين مرة أخرى، كما أن تفاهمات موسكو مع واشنطن لأجل سوريا هي في أفضل حالاتها، كما أظهرت نتائج لقاء بوتين ـ ترامب الأخير في هلسنكي. فما هي الرؤية الروسية للحل إذا؟
بالعودة إلى تركيا التي استشعرت الخطر الذي يهدد توجهها في المنطقة، فسارعت لضم الفصائل المعارضة المتواجدة في منطقة إدلب تحت مسمى ”الجبهة الوطنية للتحرير“، يهدف التجمع الجديد لصد أي تقدم لقوات النظام السوري في محافظة إدلب، وتهديد غير مباشر لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والتي تطالب روسيا بالقضاء عليها تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، تركيا قامت أيضاً بالدعوة إلى عقد قمة طارئة في السابع من أيلول/سبتمبر في إسطنبول بحضور كل من روسيا وفرنسا وألمانيا، ولكن لماذا فرنسا وألمانيا بالتحديد؟
في موجة النزوح الكبيرة إلى أوروبا خلال عام ٢٠١٥ ـوالتي يسرّتها الحكومة التركية في محاولة منها للضغط على أوروبا لتحقيق مصالح خاصة بهاـ تضرّر الاتحاد الأوروبي فتداعى نحو تركيا لمساعدتها بتحمل أعباء النازحين مقابل ضبط الحدود وتشديد الرقابة على موجات الهجرة غير الشرعية منها إلى أوروبا، راضخاً بشكل جزئي للإرادة التركية.
واليوم تستدعي تركيا كلاً من فرنسا وألمانيا طالبة الدعم لموقفها، ملوحة بموجة النزوح المُنتظرة في حال أرادت روسيا وحلفاؤها اجتياح إدلب عسكرياً، وفي هذا الشأن قال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس إنه ”ما من حل عسكري في إدلب” وأضاف في تصريحات صحفية له في جنيف ”مع هذا التصعيد وهذا التدهور نحن قلقون حقيقة من نزوح ٢.٥ مليون شخص صوب تركيا إذا استمر هذا الوضع، نحن قلقون كذلك على سكان إدلب … ليس هناك مكان آخر ينتقلون إليه.. هذا فعلياً هو آخر مكان“، وبما أنه لا يوجد “إدلب ثانية” ينقل النظام السوري معارضيه إليها فلن يكون هناك مهرب لهم سوى تركيا، وهي التي لا ترغب بأي لاجئ سوري جديد على أراضيها، مما يجعلها جسراً للعبور نحو أوروبا القلقة هي أيضاً من موجات هجرة جديدة، قد تطيح باتحادها الأوروبي إن حصلت.
يشعر الرئيس أردوغان بخوف أوروبا من هذا، فهو يضرب على وترها الحسّاس محاولاً كسب تأييدها أمام حليفه الروسي، وتدرك روسيا ذلك جيداً وكذلك فرنسا وألمانيا.
أما النظام السوري، فبات منتشياً بإنجازاته التي حققها في مناطق و جيوب المعارضة خلال الأشهر السابقة، وأصبحت إدلب والشمال نقطة نهاية لا بد له من الوصول إليها، ليسحب بذلك كل أوراق الضغط على نظامه السياسي والأمني، بما في ذلك اللجنة الدستورية التي يعارض آلية تشكيلها.
لا يرى النظام في الإدارة الذاتية حملاً ثقيلاً عليه، ففي ٢٦ تموز/يوليو ٢٠١٨ التقى وفد الإدارة الذاتية رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك في دمشق ، ولم تصدر الحكومة السورية أي بيان توضيحي حول نتائج اللقاء. ويبدو أنها تدرك موقع القوة الذي تفاوض الأكراد من خلاله، فالانسحاب الأمريكي من الشمال السوري يبدو أمراً واقعاً بحسب ما يصدر عن الإدارة الأمريكية الحالية، ناهيك عن تطابق موقف روسيا وإيران وتركيا (بصورة أشد) تجاه الإدارة الذاتية، مع ضغوط مشتركة لهذه الدول على الولايات المتحدة الأمريكية لتسحب قواتها من شرق الفرات، والأهم أن العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والحكومة السورية لم تنقطع رغم مرورها بالكثير من المطبّات.
فالحكومة السورية زوّدت وحدات حماية الشعب الكردي (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) بالسلاح في وجه تنظيم الدولة الإسلامية، بحسب تصريحات سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري في لقاء موسكو٢، حتى أنه أظهر قائمة بكميات وأنواع الأسلحة الذي منحتها الحكومة السورية لهم، كما أن أهداف ”حزب الاتحاد الديمقراطي“ تتمحور حول تطبيق ”اللامركزية والإدارات المحلية“ في سوريا، ولا وجود لكلمة ”الانفصال“ في بياناته أو أدبياته أسوة ببعض الأحزاب الكردية، وهذا ما تلتقي معه دمشق التي تتكلم عن لا مركزية إدارية محدودة بحسب المرسوم التشريعي رقم ١٠٧ لعام ٢٠١١ الخاص بقانون الإدارة المحلية في سوريا، والذي أصدره النظام السوري في ٢٣ آب/أغسطس ٢٠١١ في محاولة لاستمالة الأكراد، على الرغم أنه لم يطبّق حتى الآن.
إضافة لذلك أعربت قوات سوريا الديمقراطية عن استعدادها للقتال إلى جانب قوات النظام السوري لأجل استعادة السيطرة على محافظة إدلب واستعادة عفرين من الفصائل المدعومة من تركيا، كما أبدت استعدادها لقتال داعش في بادية السويداء، وذلك بعد أن قامت في السابع من حزيران/يونيو ٢٠١٨ بتشكيل فصيل تابع لقوات سوريا الديمقراطية أطلقت عليه اسم “لواء تحرير إدلب وعفرين.”
يدرك حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاؤه في مجلس سوريا الديمقراطية بأن لروسيا الكلمة العليا وهي القادرة على فرض رؤيتها للحل في سوريا، غير متناسين الدرس الموجع الذي تلقّوه في مدينة عفرين، ويبدو ذلك جليّاً من خلال تصريح الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، المنشور في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ ٨ حزيران/يونيو ٢٠١٨، حين أكد بأن علاقة التعاون مع الولايات المتحدة ليست أبدية وإنما من الوارد أن تتغير، مشدداً على أن”المصالح هي التي تحكم تحالفات الأكراد في سوريا، وأن الأبواب مفتوحة للجميع بما ذلك النظام السوري.”
ولمّح مسلم إلى وجود مرونة وانفتاح في المفاوضات مع النظام السوري، بما في ذلك إمكانية التنازل عن اسم الكيان الفيدرالي الذي أسسه الأكراد بمناطقهم في الشمال السوري، وقال: “الحوار سيكون دون شروط مسبقة… ونحن لم نرد أن نكون بعيدين عن سوريا… نريد سوريا ديمقراطية لكل أبنائها، والمسميات غير مهمة. وأي شيء يمنحنا وكل المكونات الأخرى كامل الحقوق الديمقراطية فسنسعى له.”
من هنا نستنتج بأن النظام السوري ليس مستعجلاً لحل شرق الفرات بقدر تلهّفه نحو إدلب والشمال السوري، فهو يدرك منذ البداية بأن دعم تركيا للمعارضة المسلحة وتهديدها له من الشمال هو الذي أضعف سلطته وأوصلها إلى ما آلت إليه، وهذا ما تدركه أيضاً روسيا، رغم تعاطيها الإيجابي مع مخاوف أنقرة. ولكن ماذا لو دخل النظام السوري بدعم من الروس لمناطق ريف حلب الغربي، أو قضم الريف الجنوبي لمحافظة إدلب بعد اختراقه من الوسط، تطبيقاً لاستراتيجيته العسكرية الناجحة في الآونة الأخيرة؟
يبدو ذلك ممكناً، ولكنه سوف يصل في النهاية إلى حل توافقي حقيقي مع المعارضة السورية بعد توافق روسي ـ تركي، وهذا الأهم، فلا ”إدلب ثانية“ يذهب إليها المُهجَّرون.
بواسطة Abdullah Al Hassan | أغسطس 24, 2018 | Reports, غير مصنف
ج١
أطلق حاجز لقوات النظام السوري قرب بلدة معان (في ريف حماه الشمالي)، خمس قذائف نحو مناطق سيطرة المعارضة القريبة بداية شهر آب/أغسطس ٢٠١٨، سقطت ثلاث منها في مزارع مدينة مورك الشرقية، واثنتان على أطراف المدينة، بعد مرورهما فوق نقطة المراقبة التركية المتمركزة شرق المدينة تماماً. في اليوم نفسه دار حديث محلي عن احتجاج تركي شديد اللهجة لدى القيادة الروسية، نتج عنه استبدال قيادة وعناصر الحاجز في بلدة معان، ليتوقف القصف بعدها على المنطقة.
بعد ذلك بأسبوع بدأ الطيران الحربي السوري بقصف وسط محافظة إدلب ومحيطها الجنوبي، كخان شيخون والتمانعة والتح، وبعض مناطق ريف حلب الغربي، كأورم الكبرى وكفرناها وخان العسل. استهدف القصف منازل المدنيين موقعاً العشرات من الضحايا، لكن هذا التصعيد لم يخرج تركيا عن صمتها، مما يطرح العديد من الأسئلة والكثير من إشارات الاستفهام حول الدور التركي والاتفاق التركي ـالروسي، البعيد عن متناول الإعلام والصحافة والمعارضة.
في غضون ذلك، أعلنت خمسة فصائل من المعارضة السورية العاملة في محافظة إدلب وامتدادها في بيان لها عن تشكيل نواة لجيش الثورة القادم، وذلك بتوجيهِ ودعمٍ مادي وعسكري وسياسي تركي بحسب النقيب ناجي أبو حذيفة، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، في حواره المنشور على صحيفة القدس العربي .
ويضم هذا الجيش الجبهة الوطنية للتحرير (وهي نواة البداية للتجمع الجديد الذي يحمل نفس الاسم، حيث تشكل في مرحلة سابقة في ٢٨ أيار/مايو الماضي وضم ١١ فصيلا معارضا)، وجبهة تحرير سوريا (التي تشكلت في ١٨ شباط/فبراير الماضي إثر اندماج حركتي أحرار الشام الإسلامية ونور الدين زنكي)، وألوية صقور الشام، وجيش الأحرار، وتجمع دمشق.
ويهدف التشكيل الجديد إلى “قتال النظام السوري وصدّ الهجمات، ومقاومة تهديدات اقتحام إدلب والمناطق المحررة بحسب الناطق الرسمي للجبهة في حديثه السابق. إضافةً إلى ذلك، يبدو أنّ الجبهة الجديدة بقوامها الذي تجاوز ٧٠ ألف مقاتل، تحمل تهديداً لهيئة تحرير الشام في آخر معاقلها في محافظة إدلب، حيث رفضت هذه الأخيرة- ـبحسب وسائل الإعلام ـ طلباً تركيا يُفضي إلى حلها وتسليم سلاحها الثقيل ثم الاندماج في “الجبهة الوطنية للتحرير” المُشكّلة حديثاً.
وتداولت الصحافة المحلية رد رئيس المجلس القضائي في هيئة تحرير الشام مظهر الويس على هذا بقوله “الذين يتحدثون عن حل الهيئة لنفسها، عليهم أن يحلّوا الأوهام والوساوس في عقلهم المريض،” مضيفاً “سلاحنا خط أحمر، والأيدي التي تمتد إليه ستُقطع … وقرار الهيئة بيد أبنائها الصادقين.”
كما أكدت العديد من التقارير الإعلامية عدم جدية تركيا في حل الهيئة أو تسليم سلاحها الثقيل لاعتبارات تتعلق بالرؤية التركية للحل في الشمال السوري، مع ذلك، تتزايد وتيرة الاغتيالات لمقاتلين وقادة أجانب متواجدين في محافظة إدلب وريفها بشكل يومي.
وبالعودة لشهر تمّوز/يونيو الماضي، صدرت عدة تصريحات من القيادة الروسية حول “تطهير إدلب” من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) والدور التركي لتحقيق ذلك، وتزامن هذا مع ادعاءات روسية يومية بالتصدي لهجمات طائرات بدون طيار على قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري. قالت وزارة الدفاع الروسية إن مصدرها هو محافظة إدلب وفصائل المعارضة التي تسيطر عليها.
ولقراءة أدق لمصير المنطقة، لا يمكن الإكتفاء بتوصيف وضعها الحالي، وإنما يتوجب تسليط الضوء عليها من زاوية مصالح الدول المتحكمة في القرار السوري في الشمال. في جولة ”أستانا ٤“ في الرابع من أيار/مايو ٢٠١٧، أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) عن توصلها إلى اتفاق يقضي بإنشاء مناطق خفض تصعيد في كل من محافظة إدلب وأجزاء متاخمة من محافظات اللاذقية وحماه وحلب، ومناطق من شمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، إضافة لمناطق معيّنة من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، ونص البيان الختامي للمفاوضات على تحديد مناطق خفض التصعيد في سوريا كتدبير مؤقت يمتد لستة أشهر ستمدد تلقائياً بناء على توافق الضامنين.
ورسمت المفاوضات في جولة ”أستانا ٦“ في ١٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٧ حدود مناطق خفض التصعيد التي أعلن عنها سابقاً، خاصة منطقة إدلب التي كانت محط الخلافات، حيث تم الاتفاق على نشر قوات تركية في ١٢ نقطة مراقبة تركية من جانب مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظة إدلب وامتدادها، فيما انتشرت قوات مراقبة روسية وإيرانية من جانب سيطرة النظام السوري.
توزعت النقاط التركية وفقاً للآتي: ثلاث منها على امتداد خط إدلب ـعفرين في جبل سلوى، وجبل سمعان، وجبل عقيل، ونقطة أخرى على جبل عناق بالقرب من مدينة عندان شمال حلب، وخمس نقاط موزعة على خط شاقولي، يبدأ من غرب مدينة حلب وصولاً إلى ريف حماه الشمالي، أو على امتداد سكة حديد الحجاز (في منطقة الراشدين جنوب غرب مدينة حلب)، وفي منطقة العيس شرق ايكاردا، وفي تل طوقان شمال بلدة سكيك، وفي صرمان شرق مدينة جرجناز، وفي مزارع مدينة مورك الشرقية في الريف الحموي الشمالي. إضافة لنقطة في شمال قلعة المضيق في منطقة الغاب، ونقطة على جبل اشتبرق جنوب غرب مدينة جسر الشغور، وأخرى على جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي. في المقابل انتشرت اعتباراً من ١٢ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٧. إحدى عشر نقطة مراقبة روسية وسبع نقاط مراقبة ايرانية موزَّعة على الحد الفاصل لمنطقة خفض التصعيد تلك، مقابل النقاط التركية.
ويمكن للمُطّلع أن يقسّم منطقة خفض التصعيد تلك إلى ثلاث مناطق، بحسب سيطرة فصائل المعارضة، ومن ناحية التغذية الإدارية، وهي:
١- منطقة ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها تركيا بشكل كامل مع الفصائل التابعة والموالية لها في عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وتقوم الحكومة التركية بتمويلها وتنظيمها إدارياً وفق الرؤية التركية، إلى جانب بعض المنظمات السورية المعارضة والدولية.
٢- منطقة محافظة إدلب وامتدادها في ريف حماة الشمالي وقليل من ريف اللاذقية الشمالي الغربي، والتي تسيطر عليها كتائب المعارضة التابعة لتركيا، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل المقربة منها، وتلك المنطقة تعمل إدارياً بدعم منظمات إنسانية سورية معارضة ودولية مع مزاحمة حكومة الإنقاذ (التي تتبع هيئة تحرير الشام) في مناطق سيطرة الهيئة.
٣- منطقة وسط بين المنطقتين، في ريف حلب الغربي، والتي تسيطر عليها فصائل معارضة صغيرة محلية (ليست إسلامية) ولكنها قريبة من حركة نور الدين الزنكي ومتعاونة معها، ومن الناحية الإدارية تقوم العديد من المنظمات الإنسانية السورية المعارضة والدولية بدعم مؤسسات المنطقة ومجالسها المحلية وتدريبها.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن عدد سكان إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، تجاوز ٢.٦٥ مليون نسمة، بينهم ١.١٦ مليون مُهجّر داخلياً.
بواسطة سلوى زكزك | أغسطس 13, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
دمشق
يبدو تعبير “الأزمة” تبسيطاً ساذجاً للسمة العامة لأوضاع السوريين الذين عصفت بهم رياح الموت والتهجير والجوع. التبسيط هنا ليس تهمةً بالتحايل اللغوي وحسب، لكنه محاولة للإيحاء بأنّ كل شيء سيكون بخير، وأول الخير يكمن في تحسّن الحالة المعيشية عند توقف القوة النارية.
إنّ التداخل ما بين الهوية العملية للسوريين خلق توازناً اقتصادياً ردم نوعاً ما الهوة ما بين الاحتياج والضرورة، وما بين المتوفر وعملية تأمين الوفرة الغذائية بشكلٍ كاف، فغالبية الموظفين في المدن يملكون أراضٍ زراعية في قراهم، وفي الواقع لم ينقطع الموظفون يوماً عن العمل في أراضيهم، بل إنهم يلجؤون للاستفادة من إجازةٍ طويلةٍ خلال موسم قطاف الزيتون والتفاح مثلاً أو خلال موسم قطاف الجوز أو التوت الشامي أو البازلاء والفول.
إذاً هي هوية عملية مزدوجة: مزارع وموظف! وتعتبر المدينة مركز الإقامة بالنسبة للأغلبية لأنها مركز العمل الوظيفي ذي الدخل الثابت ومكان توفر التعليم الجامعي، وهي المكان الأوفر مادياً للعيش، خاصةً في الشتاء البارد جداً في المناطق الزراعية.
لكنّ حالة العنف الدموية وتهدّم البيوت والبنى التحتية والاحتراب الطائفي والمذهبي المعلن وغير المعلن جعلت القرية فجأةً ملاذاً آمناً للعودة وللسلامة الشخصية، إضافةً إلى تسهيلاتٍ استفاد منها الموظفون (البعض وليس الغالبية طبعاً) وهي إمكانية نقل مكان العمل مؤقتاً إلى مكانٍ جغرافيٍ قريبٍ من القرية.
سامية، سيدة أربعينية تعمل وزوجها في مدينة حمص ويملكون أرضاً واسعةً يزرعون التفاح فيها ويجنون مبالغ تكفيهم لتعويض النقص الناتج عن شح الأجور الشهرية للموظفين، لجأت وزوجها إلى القرية بعد شهرين فقط من اندلاع النزاع في حمص، لم يكن موسم قطاف التفاح قد بدأ وثمة أرض واسعة ملحقة ببيتهم، فكرت سامية فورا بزراعتها بالفول والبازلاء رغبة بتأمين المؤونة السنوية، لكن نجاح الموسم والمنتج الكبير دفعها لبيع ما يزيد عن حاجتها، وتوسع البيع حين زرعت الخضار الصيفية مثل الفاصولياء واللوبياء والباذنجان المخصص للمكدوس والفليفلة.
لا تفكر سامية بالعودة إلى حمص الآن! وتخطط لتطوير زراعتها بضمان مساحات صغيرة من الأرض تملكها قريباتها الرافضات لفكرة الزراعة، مقابل اتفاق استثماري تستأجر فيه الأرض بمبلغ مقطوع سنوي أو شهري أو بنسبة من المحصول.
تقول سامية إنها قد تطلب التقاعد بعد إتمامها السن اللازم لتأمين الراتب التقاعدي، أي قبل سن التقاعد الرسمي، وقد وجهت ابنتها الحاصلة على شهادة الثانوية العامة لهذا العام لدراسة الهندسة الزراعية ليتكامل مشروعها الزراعي ويزداد نجاحاً، عدا عن أنها تؤمل ابنتها بافتتاح صيدلية زراعية خاصة بها مع أفكار إبداعية تتعلق بمنتجات مميزة من الأعشاب العطرية والمطلوبة بكثرة للاستخدامات الطبية والتجميلية.
إن تبدل النظرة نحو الزراعة محدودة المساحة ولأنواع محددة مطلوبة يومياً وآمنة من حيث العناية والظروف المناسبة للنمو ومن حيث التسويق الذي يبدو في ظل انهيار ثوابت الأمن الغذائي وانهيار الأمن المالي الشخصي والعائلي بسبب الحرب وبسبب انزياح عوامل الأمان العامة والشخصية، يبدو ضرورة تفرض نفسها ومبادرة خلاقة سيكون لمن يستغلها أو يبادر تجاهها السبق والربح وقلب المعادلة نحو الاستقرار الذاتي على أقل تقدير…
اعتادت ليلى ومنذ أواخر عام ٢٠١١ على بيع الملوخية والباذنجان المعد للمكدوس وهو الطبق الشعبي الأهم في يوميات العائلة السورية، لكن عودة زوجها من مدينة حماة بعد حصوله على تسريح مرضي بسبب إصابته بالسرطان دفعتها لإضافة خيارات أخرى لعملها الدوري في بيع منتجاتها الزراعية، إذ باتت بعد هذا التاريخ تتعاقد مع سيدتين لسلق الباذنجان وكبسه وتحضير الفليفلة بشكلها الجاهز للمؤونة مقابل أجر يومي محدد وتقوم بعد ذلك ببيع هذه المنتجات المهيأة للتموين وبسعر أعلى طبعاً محققة أرباحاً أكبر، كما أنها تحولت إلى بيع الملوخية المجففة والموضبة الجاهزة للطبخ، وقد أفردت مساحة فارغة في قبو منزلها لتجفيف الملوخية وتخزينها وذلك أيضا بعد الاستعانة بسيدة مهمتها انتقاء أوراق الملوخية وتجفيفها وذلك مقابل أجر يومي محدد.
إن اتجاه النساء السوريات لتنويع مصادر دخلهن ومبادراتهن لإدخال أصناف جديدة في إنتاجهن الزراعي أو الغذائي على الأصح، إنما هو تطور إيجابي بالغ الأهمية، مع أنه لا يرصد أبدا إلا في النطاق الأضيق ولا يضاف إلى تفاصيل عملية الإنتاج ولا إلى الدخل الاقتصادي الوارد لمداخيل الأسرة السورية وبالتالي فهو مغيب عن دائرة مصادر ومداخل العملية الاقتصادية في سورية.
يبدو من الضروري الإشارة إلى رد الفعل الاجتماعي وخاصة في البيئة المحلية على هذه الخطوات الجريئة والجديدة، والتي قيّمت عاليا هذه المبادرات واعتبرتها خطوة مميزة نحو النجاح والوفرة، يقول أبو سامر: إن زوجة ابنه ولدت ونشأت في المدينة ولم تطأ قدمها أرضاً زراعية قبل عودتها مع زوجها إلى القرية بعد أن تهدم بيتهما في أحد ضواحي دمشق، لكنها الآن تزرع النعناع والبقدونس والبصل الأخضر والفجل والسبانخ في المساكب الصغيرة في حديقة المنزل وتبيعها تباعاً لزيادة الطلب على محصولها المميز، الذي يُسقى بالماء النظيف وهو خال من الحشرات، ويضيف أبو سامر “علاقتنا تمتنت مع عائلة ابني، لابل إن كنتي صاحبة المشروع تشاركني بغلة منتوجها عندما أقوم بإيصاله على دراجتي النارية إلى بعض البيوت وبعض المحال التجارية حسب توصية مسبقة.”
قد يقول قائل: إن عمل المرأة في الأرض قديم قدم الأرض ذاتها وهذا صحيح تماما، لكنه كان جزءا من أعمالها المنزلية، وقد رفض الكثير من الآباء تزويج بناتهم للحفاظ عليهن كقوة عمل ضمن العائلة، لكن الحالة هنا مختلفة لدرجة يقول الأهالي إنه مشروع فلانة! مع أن ملكية الأرض باسم زوجها.
طبعا لا مجال هنا لذكر كافة المصاعب والمعوقات التي تعيق اكتمال ونجاح هذه المشاريع المهمة والريادية، لكن الإشارة إليها مهمة جدا وضرورية، لتعميم هذا الخيار كأحد الحلول الممكنة للنهوض بالوضع المعيشي والاقتصادي، خاصة في ظل وجود ملكيات واسعة من الأرض متروكة لليباس أو للعبث.
تعمل روضة في زراعة الفليفلة الخضراء والحمراء وتحضّر منها المخللات ودبس الفليفلة بصورة منتظمة وحسب الطلب، وتسعى للحصول على دخل أكبر وزبائن أكثر. اقترحت عليها ابنتها إطلاق صفحة على الفيس بوك للإعلان عن منتجاتها الزراعية وعن سبل توصيلها والتاريخ المحدد لاستلامها، إثر ازدياد الطلب على المنتجات في أوقات محددة وخاصة في أيام العطل والإجازات وهي تتناسب مع قدوم الناس الى القرية مما يحول دون إمكانية التوزيع والبيع في الأوقات الأخرى حيث ينعدم الطلب فيها على تلك المنتجات. وقد لاقت تلك الفكرة رواجاً دفعت بروضة لتنظيم عمليتي السقاية والقطف بناء على الطلبات المحددة مسبقاً وأنقذت محصولها من فترة كساد محتملة في البيع والشراء والتحضير .
إن كان تعبير أزمة هو تعبير وقتي وآني وقابل للتغير أو الترحيل فإن سعي بعض السوريات إلى استقرار مالي وعملي وعائلي واقتصادي هو سعي مبارك ومميز وغير قابل للترحيل أو الإهمال أو التناسي، نتمنى له النجاح والتطور.
بواسطة لامار اركندي | أغسطس 4, 2018 | Reports, غير مصنف
“قضت شقيقتي يوم عرسها بسبع طعنات قاتلة تلقتها من العريس آلان رستم ابن حارتي في مدينة عامودا.”
يروي عماد اسماعيل لصالون سوريا تفاصيل مقتل شقيقته فلك قبل حوالي عامين متابعاً، “اتصل أهل آلان بنا صبيحة اليوم الثاني ليبلغونا أن فلك انتحرت بسكين، وبعد نقل جثتها إلى مشفى عامودا فاجأنا الطبيب المشرف بأن الطعنة السابعة التي اخترقت قلبها من جهة الخلف هي التي أودت بحياتها والتي كشفت زيف ادعاء أهل الزوج وكشفت أنها جريمة قتل.”
وشهدت مدينة عامودا لأسابيع تظاهرات عدة منددة بالجريمة طالبت بمحاكمة القاتل وإنزال أقسى العقوبات على آلان الذي مزق فم زوجته واقتطع قطعة لحم من كتفها مبرراً جريمته بأنها بدافع “شرف”، رغم أن تقرير مشفى عامودا الشرعي أثبت عذرية العروس.
ادعى قاتل فلك أمام النيابة العامة أنه يعاني من مشاكل نفسية دفعته لارتكاب جرمه، لكن تقرير الطبيب الشرعي جوان موسى الذي قدمه للمحكمة نفى ادعاء الجاني وأكد سلامته النفسية والعقلية. وحكمت محكمة الشعب في عامودا بالسجن المؤبد على آلان مع نفي عائلته إلى خارج المدينة.
لكن عماد إسماعيل، شقيق فلك، يرى بأن هذا الحكم غير منصف مطالبا بإعدامه، ولاسيما بأن الجاني اعترف فيما بعد للأمن الجنائي في القامشلي بأن عجزه الجنسي، وخوفه من افتضاح أمره هو ما دفعه لارتكاب جريمته.

قصة فلك تكررت بريف الدرباسية قبل أربع سنوات أيضاً حيث قضت خديجة (اسم مستعار) بطلقات نارية تلقتها من شقيقها.
أحبت خديجة كاوا وهربت معه وتزوجته رغماً عن أهلها الذين رفضوا هذا الزواج رغم تقدم كاوا لخطبتها مرات عدة، لكن زواجها الشرعي لم يحمها من قتل شقيقها لها إذ اعتبر زواجها بهذه الطريقة منافياً للعادات والتقاليد وبالتالي “عاراً لا يطهر إلا بالدم”، فقتلها وفر هارباً إلى تركيا.
الشرع والقانون
يرى دوران الهاشمي العلامة الإسلامي والمشرف العام على مؤسسات الشؤون الدينية في منطقة الجزيرة وحوض الفرات أن عقوبة من يقتل امرأة لمجرد الشك أو الوشاية مدعياً أنه قتلها “بحجة الشرف”، هي القتل قصاصاً و”إن تهاون القاضي بالقصاص بسبب ادعاء القاتل ( مسألة شرف ) فهو شريك القاتل في الإثم.”
فقتل النساء تحت مسمى الشرف وتهاون القضاة بالاقتصاص من الفاعلين كما يذهب العلامة الإسلامي الهاشمي زاد من انتشار هذه الظاهرة في المجتمع.
وعن تهمة الزنا يقول الهاشمي “من اتهم امرأة بالزنى يرفع الأمر للحاكم فإن أقرت، ثبت عليها الحكم، وإن نفت تقسم أنها بريئة من ذلك، فإذا حلفت فلا عقاب عليها في الدنيا ومردها إلى الله بعد ذلك.”

في قانون الإدارة الذاتية
لا يوجد ما يسمى بجريمة شرف وإنما هذا المصطلح هو تسمية دارجة عُرفاً لجرائم القتل والإيذاء التي يكون الدافع إلى ارتكابها هو “صون الشرف” كما يوضح المحامي خالد عمر عضو اتحاد محامي الجزيرة في الإدارة الذاتية الديمقراطية.
يقول عمر: “الدافع إلى ارتكاب الجرم سلاح ذو حدين، فقد يكون سبباً في تشديد العقوبة أو في تخفيفها على جرائم القتل، وعليه فإذا ثبت للمحكمة أن القتل بغير قصد فعقوبته تتراوح بالسجن بين١٥ -٢٠ عاماً وأن ثبت أن القتل كان عمداً فالإعدام يخفف إلى السجن المؤبد.”
فقد اعتبر القانون الذي أقرته الإدارة الذاتية “جريمة الشرف” جريمة كاملة بناء على أحكام العقد الاجتماعي الذي صادقه المجلس التشريعي في جلسته ٢٧ لعام ٢٠١٤ والذي تضمن المبادئ الأساسية والأحكام العامة الخاصة بالمرأة.
يجرم البند ١٧ القتل بذريعة الشرف ويعتبره جريمة مكتملة الأركان مادياً ومعنوياً وقانونياً ويعاقب مرتكبها بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات كجريمة قتل أو عمد. إلا أن محاكم أخرى تصدر أحكاما مخففة في الجرائم المسماة بجرائم الشرف ومن ضمنها القانون السوري.
يشير المحامي زهير جميل الذي يعمل في محاكم العاصمة دمشق منذ ما يقرب ٢٠ عاماً إلى إلغاء إحدى المواد المتهاونة مع جرائم الشرف في قانون العقوبات السوري واستبدالها بأخرى تشدد العقوبة. حيث تم استبدال المادة ٥٤٨ بموجب مرسوم تشريعي في عام ٢٠٠٩، وشهدت المادة القانونية نفسها تعديلاً في ٢٠١٣.
تنص المادة على أنه “يستفيد من العذر المخفف كل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته بجرم الزنا المشهود أو صلة جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو إيذاء أحدهما، على ألّا تقل العقوبة عن الحبس من ٥ إلى ٧ سنوات، في حالة القتل.”
وبين جميل أن هذه الجريمة غالباً ما تغلف بمسميات أخرى كالخلافات العائلية أو القتل الخطأ، على اعتبار أنها تحمل في مضمونها شيئاً من “العار”، لذا يتستر عليها أفراد المجتمع.
ويضيف زهير “رغم أهمية صدور هذا المرسوم إلا أنه يبقى غير كاف من حيث وجوب القصاص من القاتل دون التماس أي أعذار له.”
وتشير إحصائيات غير رسمية، إلى أن عدد “جرائم الشرف” في سورية بلغ ٢٣٠ جريمة عام ٢٠١٥، مقابل ٤٧ جريمة فقط في العامين ٢٠١٢ و٢٠١٣.”
وتقدر منظمات حقوقية عدد هذه الجرائم بنحو ٢٠٠ إلى ٣٠٠ جريمة سنويًا، يحدث معظمها في المناطق الريفية شمال وشرق البلاد حيث وفرت الحرب والصراعات المسلحة بيئة خصبة لتزايد العنف ضد النساء بصفة خاصة.

سبع جرائم في مناطق الإدارة الذاتية
تعتبر خناف محمد قاضية الادعاء والتحقيق في ديوان العدالة الاجتماعية في مدينة القامشلي قتل النساء “مشكلة اجتماعية وهي موجودة في معظم المجتمعات” وترى أنها “رد فعل على عدة عوامل اجتماعية ونفسية وبيئية وتربوية واقتصادية وثقافية وغيرها.”

وأحصت محمد سبع جرائم ارتكبت تحت مظلة الشرف العام الفائت في مناطق الإدارة الذاتية، ونسبت القاضية أسباب ارتفاع هذا العدد إلى “حالة الفوضى التي تشهدها البلاد منذ ما يقرب السبع سنوات، وصعوبة ضبط مراقبة الحدود في الشمال السوري سواء مع تركيا أو مع إقليم كردستان العراق و تهريب البشر مما سهل هروب القاتل من قبضة العدالة” إضافة لرواج تجارة المخدرات، و صعوبة الوضع الاقتصادي وعدم توفر الجرأة لدى النساء للاعتراض، بحكم الانصياع للعادات والتقاليد، وعدم توفر الوعي الكافي في المجتمع.
بواسطة Safwan Dawood | يوليو 10, 2018 | Cost of War, Reports, غير مصنف
نهر الفرات هو الشريان الحيوي الأهم في سوريا، يدخل أراضيها من مدينة جرابلس في الشمال السوري عند الحدود التركية ويخرج من مدينة البوكمال عند الحدود العراقية. يبلغ طول القطاع السوري من هذا النهر 680 كم. يعتبر القطاع السوري من وادي الفرات مهد الزراعة في العالم، ووجدت أقدم آثار لها في تل أبي هريرة المغمور. ترجع تسمية النهر إلى كلمة “فرت” في الآرامية القديمة، وتعني الخصب والنمو.
أقيم على نهر الفرات ٣٤ سداً ٢٢ منها في تركيا و٧ في العراق و٥ في سوريا. أهم السدود السورية سد الثورة والمعروف بسد الفرات، يقع في محافظة الرقة ويحتجز خلفه بحيرة ضخمة تجمع حوالي ١١.٦ مليار متر مكعب من المياه العذبة. يعتبر قطاع وادي الفرات الواقع بين “بحيرة الأسد” ومدينة البوكمال منطقة قاحلة لا يمكن فيها الزراعة دون ري، بسبب معدل الهطول المطري المنخفض الذي لايتجاوز عادة ٢٥٠ ملم/سنة.
بلغ عدد سكان محافظتي دير الزور والرقة بحسب آخر إحصاء رسمي عام ٢٠١١ حوالي ٢ مليون نسمة، وانخفض لاحقاً بسبب الحرب. بحسب آخر إحصاء للحكومة السورية الصادر عام ٢٠٠٤ يعمل القسم الأكبر من سكان هاتين المحافظتين في الزراعة ويشكلون ٤٦% و٤٣% من عدد السكان على التوالي، طبعاً لايشمل هذا الإحصاء موظفي الحكومة الذين يعملون أيضاً بشكل جزئي في الزراعة.
قضايا المياه خلال حكم البعث
خلال حقبة الحكومات البعثية فرضت وزارة الري في سوريا ضبطاً واسعاً لموارد المياه، وتم توفيرها بشكل مجاني وفق جداول زمنية مرتبطة بمساحة الأرض ونوع المنتج، وبشكل غير مباشر بمصالحية العلاقة بين موظفي الحكومة وأبناء العشائر في تلك المنطقة.
وعلى النمط الاشتراكي، فرضت الحكومات المتعاقبة قيوداً صارمة على خطط الإنتاج الزراعية عبر برامج إلزامية لزراعة محاصيل بعينها هي غالباً القطن والحبوب والشمندر. وأشرفت بشكل لايخلو من البيروقراطية المركزية على الدورة الاقتصادية لهذه المحاصيل، بدءاً من توزيع البذور وحتى تسويق المنتج.
خلال السنوات العشر التي سبقت الحرب السورية تدهورت بشكل متسارع الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأبناء وادي الفرات، تآكلت الأراضي الزراعية نتيجة النمو السكاني، فيما بقيت خطط الإنتاج وتوسيع الأراضي المروية في الوادي تعاني من ضعف التمويل، بسبب السياسات الاقتصادية للحكومة المركزية في دمشق، التي ركزت استثماراتها في المدن الكبيرة والسوق السياحي والريعي.
وكما في جميع قطاعات الدولة السورية دخل الفساد بنية الاقتصاد الزراعي، هكذا مثلاً عبر الرشوة تضاعفت عدد الآبار غير النظامية للري ما سبب لاحقاً بتضرر الحوامل المائية للوادي بشكل كبير.
عقب أحداث الحسكة عام ٢٠٠٤ استمر النهج السلبي للدولة وتمنهجت السياسات الزراعية عنصرياً ضد الكرد. ففي الوقت التي كانت تقدم التسهيلات غير القانونية لأبناء العشائر في وادي الفرات، مثل السماح بعمليات الضخ غير القانوني، تم تخفيض المساحات المروية في محافظة الحسكة والقامشلي للكرد السوريين.
بعد حرب تموز وخروج الجيش السوري من لبنان، ومع تحسن العلاقة بين النظام السوري والاتحاد الأوروبي، والتي توجت بزيارة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لدمشق في أيلول من عام ٢٠٠٨ دخل الشرق السوري نقطة اللاعودة عندما تبنى النظام السوري مسار (إصلاح) اقتصادي جديد سُمي وقتها اقتصاد السوق الاجتماعي طرحه نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق عبدالله الدردري، وتبناه الرئيس السوري شخصياً، وهو لم يكن في الحقيقة سوى شكل آخر أكثر وحشية من أشكال السياسات الاقتصادية التحريرية.
خلال هذا (الإصلاح) الجديد تم تخفيض الدعم عن الديزل وزاد سعره ثلاثة أضعاف، ما جعل عمليات الري للأفراد في الوادي مكلفة للغاية، كما تم فرض إجراءات إدارية تم بموجبها تقييد استهلاك المياه في الزراعة، ونتيجة انتشار الفساد فشلت هذه الإجراءات فشلاً ذريعاً، وأصبحت إجراءات تقييد الاستهلاك مطبّقة فقط على أولئك المزارعين الذين ليست لهم قدرة على دفع الرشوة أو ليسوا من وجهاء العشائر.
في الإطار العام وككل المجالات الاقتصادية وقَعَت وزارة الري تحت وطأة الفساد الممنهج وسوء الإدارة، فبينما زادت الخدمات اللوجستية للمدراء ورؤساء الأفرع والأقسام من سيارات ورحلات خارجية وأجهزة حواسيب وغيرها، غاب البحث العلمي وتطوير الكوادر المتخصصة عن متطلبات النشاط الزراعي، وغابت معها خطط واقعية للتطوير. شبكة الري في وادي الفرات المنشأة بمعظمها منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي تُسبِب هدراً كبيراً للمياه، ولا يسمح تصميمها الكلاسيكي باستخدام أساليب الري الحديثة. إن أنظمة الري الحديثة مُكلفة، وعزوف الدولة عن تأمينها للمزارعين دفعهم إلى الاستثمار في حفر الآبار أو الاستمرار في استخدام جر المياه التقليدي، وبدلاً من التمويل في تطوير شبكات الري ذهبت الاستثمارات الحكومية إلى قطاع الخدمات العقارية والسياحية.
بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٠ تعرض الشرق الأوسط عموماً وسوريا خصوصاً لموجة جفاف وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ خلال العقود الأربعة الماضية، بحلول عام ٢٠١٠، أدت هذه الموجة إلى تآكل مساحات واسعة من الأراضي البعلية والمروية على حد سواء، ولأول مرة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي اضطرت سوريا لاستيراد القمح، وأُجبر مايقرب من مليون مزارع وعائلاتهم على ترك أراضيهم والهجرة إلى أطراف المدن (العشوائيات) التي تفتقر إلى الكثير من الخدمات.
شكّل السكان النازحون في هذه العشوائيات متضمنين ١،٢ إلى ١،٥ مليون عراقي حوالي ٢٠% من سكان المدن في سوريا، بتعداد يقارب ١٣،٨ مليون (إحصائية عام ٢٠١٠) مقابل ٨،٩ مليون عام ٢٠٠٢ أي بزيادة حوالى ٥٠%. هنا “لا يمكن للمرء أن يفهم الانتفاضات التي تشتعل في المنطقة العربية أو حتى الحلول التي يعرضونها للخروج من مشكلاتهم من دون أن يأخذ الضغوط البيئية والمناخية والسكانية في الاعتبار” كما يقول الباحث توماس فريدمان.
هكذا نتيجة للسياسات الحكومية الفاشلة والعوامل الطبيعية أضحى وادي الفرات جاهزاً لتقبل أي تغييرات سياسية أو أمنية كأحد السبل للخروج من الأوضاع الصعبة التي يعيشها، وشاءت الأقدار أن يكون البديل أسوأ مما كان، وهو حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
وادي الفرات تحت حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”
خلال عام ٢٠١٤ سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على البادية السورية ووادي الفرات بسرعة كبيرة، وأسس عاصمة لدولته في مدينة الرقة، ومارس نظام حكم تقليدياً بيروقراطياً قاسياً. خلال فترة حكمه القصيرة أنشأ وزارة للزراعة، مهمة هذه الوزارة تحديد نوع المحصول الذي يجب زراعته، تحديد برامج الري وغيرها من المسائل الحقلية، في أداء لم يختلف كثيراً عن الأداء البيروقراطي لوزارتي الري والزراعة السابقتين في حكم البعث.
ونتيجة لقيام “الدولة الإسلامية” على مبدأ الحرب، بقيت هذه الوزارة مُهمَلة، وتدهورت الخدمات الزراعية ونُظم الري بشكل كبير. ونتيجة نقص الخبرة لدى موظفي “الدولة الإسلامية” فُتح الباب على مصراعيه لحفر الآبار الذي دمر بشكل كبير الحوامل المائية في الوادي. وبسبب تضرر شبكات الطرق وانعدام الأمن عليها لم يعد يتوفر الوقود اللازم لعمل المضخات وأصبح تأمين الأسمدة والبذور الجيدة صعباً للغاية، ما أدى الى تراجع كبير في الإنتاج.
وأدت المعارك العنيفة على امتداد وادي الفرات إلى استخدام أطراف الصراع للمياه مرات عدة كسلاح ضد الخصم. في العام الماضي عمدت حملة “غضب الفرات” التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” في حربها ضد “الدولة الإسلامية” إلى إغراق الأجزاء الشمالية الغربية من مدينة الرقة عبر فتح الماء بشكل عشوائي من قناة البليخ، وهي قناة رّي رئيسية تقع إلى الشمال من سد الفرات، وأدت الى تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ومواسم القمح والشعير فيها.
كما أدت الفوضى العامة في البلاد إلى إطلاق يد تركيا على مياه نهر الفرات، ولم تعد تأبه للقوانين الدولية، وبدأت بتخفيض حصص المياه لكل من العراق وسوريا، ففي فبراير شباط ٢٠١٨ خفضت أنقرة معدل الدفق المائي لنهر الفرات إلى ٣٢١ درجة (مايعادل ٤٥٠ متراً مكعباً/ثانية)، وهددت بشكل جدي إمدادات مياه الشرب لحوالي ٢ مليون نسمة من سكان محافظة حلب، وسط صمت من قبل الحكومة السورية وسكوت غير مبرر.
منذ عام ٢٠١٦ زاد نشاط التحركات العسكرية في شرق سوريا من قبل كل من “التحالف الدولي لضرب داعش” والقوات الكردية من جهة، والجيش السوري وحلفائه بمساعدة الطيران الروسي من جهة أخرى للقضاء على وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة. وفعلاً تقدم الجيش السوري نحو مدينتي البوكمال ودير الزور، في حين تقدمت “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة من الشمال باتجاه الرقة وحوض الخابور.
مستقبل وادي الفرات
تآكلت “الدولة الإسلامية” ولم يبق من المساحة التي شغلتها أكثر من ٣%. هذا العام أصبح وادي الفرات كاملاً تقريباً بيد الجيش السوري والقوات الكردية. لقد حان الوقت للتفكير بالقضايا البيئية والاقتصادية-الزراعية لمنطقة حوض الفرات التي من شأنها أن تؤسس لتنمية مستدامة، واستقرار اجتماعي. تعرضت المنطقة نتيجة الحروب لتدهور بيئي وزراعي واسع النطاق. وبغض النظر عن المسؤول، فإن النظام الذي سيحكم دمشق ستكون عليه مسؤوليات كبرى في هذا الشأن، أهمها على الإطلاق موضوع وفرة المياه المرتبطة بشكل أو بآخر بديناميات إقليمية سياسية وقانونية دولية، أيضاً اقتصادية واستثمارية وأخرى تقنية وبحثية.
لم تستطع الحكومات السورية في زمن الاستقرار التعامل مع موجة الجفاف السابقة ٢٠٠٧-٢٠١٠، فما هو الوضع إذا ضربت موجة جديدة من الجفاف الأراضي السورية في الوقت الحالي، حيث دمرت الحرب السورية معظم البنية التحتية في وادي الفرات؟
حقيقة لا تحتمل الشك، مياه الفرات آخذة بالتضاؤل بسبب تناقص الإيرادات المائية من تركيا، وتناقص المعدل العام المطري. هذه مشكلة هي ليست وليدة اليوم ولا الأمس، الحلول في الوضع الراهن تكاد تكون معدومة، بينما الواقع الزراعي نحو الأسوأ.
حوض الفرات هو مصدر معظم ثروات سوريا وكان سلة غذائها واستقرارها الاقتصادي. إن ماخلفه حكم “الدولة الإسلامية” كذلك السياسات الفاشلة للحكومات البعثية جعلت وادي الفرات في وضع اقتصادي واجتماعي مأساوي. الآن بعد سقوط “الدولة الإسلامية” وعودة الحياة تدريجياً، يترتب على الدولة السورية مهمات صعبة لأنها ستواجه سلسلة من المشاكل المعقدة: محدودية الموارد المائية، أنظمة الري المتهالكة، العدالة في توزيع الثروة المائية، أساليب الزراعة البدائية، إعادة توطين مهجري الحرب، متابعة تطبيق القوانين الدولية المتعلقة بالمياه النهرية بعدما أصبحت تمثل فتيلاً يهدد بظهور صراعات محلية وإقليمية مستقبلية.
الأهم من كل ذلك هي التعبيرات السياسية التي يمكن أن تقود مرحلة إعادة الاستقرار في الوادي، إذ لا يمكن مواجهة معضلات الوادي العميقة في ظل حكم نظام بيروقراطي وممنهج بالفساد كالذي كان ومازال موجوداً في دمشق.
فحوى هذا المقال موجه للنخب السياسية والحزبية للقوتين العسكريتين الأساسيتين في وادي الفرات: “قوات سوريا الديمقراطية” والجيش السوري، هو أن لا تتحاربا ابداً من أجل السيطرة على وادٍ قد يشهد في أي وقت كارثة بيئية وإنسانية جديدة. لابد وأن تتعاون هاتان القوتان على إعادة صياغة للعقد السياسي بين مكونات المجتمع المحلي، والمضي في تكريس الاستقرار في وادي الفرات بدلاً من تدميره.
أخيراً لايمكننا إلا أن نسأل نفس السؤال الذي سأله جو روم، مدير موقع (Climate Progress) سابقاً: “من الذي سيمد يد المساعدة في المستقبل لدولة مثل سوريا عندما تدمرها موجة الجفاف التالية، بينما نعيش في عالم يظهر فيه كل فرد كما لو كان يتعامل مع الإعصار ساندي؟” سؤال كنت أتمنى أن أسمع له جواباً عند أحدٍ من النخب السياسية في سوريا قبل أن أكتب هذه السطور.
بواسطة Sawsan Zakzak | يونيو 18, 2018 | Reports, غير مصنف
تنويه: هذا المقال هو الجزء الأول من بحث يتضمن أربعة أجزاء حول ظاهرة القبيسيات في السياق المجتمعي السوري.
يحتدم النقاش، من جديد، في الأوساط الثقافية والحقوقية في سوريا حول “القبيسيات”، مفجراً تساؤلات قديمة، لكنها متجددة، عن ظاهرة عُرفت من منتقديها أكثر بكثير مما عُرفت من قبل صاحباتها المقلّات جدا في الظهور الإعلامي أو من قبل المتعاطفين معها الذين لا يظهر منهم إلا القلة في الساحات الإعلامية. ولكن المختلف الآن هو أن جهة حكومية، وزارة الأوقاف في الحكومة السورية، قد انبرت للرد على “حملة افتراءات ممنهجة ونشر أكاذيب لتضليل الرأي العام وإلهائه بمعارك فارغة لا جدوى منها”1 وفي مقدمة ما ردت عليه الوزارة موضوع القبيسيات، حيث أكدت الوزارة في بيانها “أنه لا وجود لتنظيم اسمه القبيسيات كما أن هذه التسمية التي كانت تعود لفترة معينة لم تعد موجودة الآن، وإنما توجد حاليا معلمات القرآن الكريم مهمتهم تحفيظ القرآن وتفسيره ويعملن فقط في المساجد بناء على معايير وتراخيص ممنوحة من الوزارة ووفق منهج موحد وفي النور2” وقالت الوزارة إن “عدد المعلمات ١٢٠٠ امرأة فقط. مع العلم إنَّ هؤلاء المعلمات لا يتقاضين أي راتب من وزارة الأوقاف وإنما هُن متطوعات ويعملن تحت إشراف الوزارة.”3
فمن هن “القبيسيات” اللواتي يعرف الجميع بوجودهن القوي والمؤثر في المجتمع السوري، وفي الوقت نفسه، تُضطر مؤسسة حكومية بنفي هذا الوجود في محاولة للدفاع عن نفسها، وليس عن “القبيسيات”؟
النشأة
يتفق جميع من يتحدث في هذا الموضوع على أن “القبيسيات” وجدن في أوائل أو منتصف سبعينيات القرن الماضي4 ولكن دون تحديد سنة بعينها لهذه النشأة. كما يتفق الجميع في أن تسمية الجماعة بهذا الاسم يعود إلى مؤسسة هذه الجماعة النسائية وهي المدرسة منيرة القبيسي التي تخرجت من “جامعة دمشق، كلية العلوم الطبيعية، وعملت بعدها كمدرسة لمادة العلوم في إحدى مدارس دمشق، حيث عُرفت بشخصيتها الكاريزمية، وذكائها، وقدرتها على التأثير بمن حولها، وجذبهم للاستماع لأفكارها. ولم تكتفِ منيرة القبيسي بدراستها للعلوم، بل قررت متابعة دراستها بكلية الشريعة الإسلامية في جامعة دمشق”؛5 وأخذت القبيسي عقيدتها الدينية، كما والدها وعمها من قبلها، من الشيخ أحمد كفتارو، مفتي سوريا سابقًا، وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في دمشق.
وكانت نشأة هذه الحركة في ظروف داخلية معقدة، شهدت أمرين متناقضين:
الأول، تقرّب السلطة الجديدة من التيارات الإسلامية لمواجهة تحديات تثبيت أركان الحكم، وخطب ود التيارات التي استاءت من راديكالية التيار البعثي الذي حكم سوريا بعد حركة 23 شباط 1966، وكان لا بد من استخدام الكثير من البراغماتية السياسية لتثبيت أركان هذه السلطة الجديدة، وكان في مقدمة التيارات التي استهدفتها السلطة الحاكمة التجار وكبار رجال الدين السنة بالإضافة إلى التيارات السياسية النشطة في ذلك الوقت. وكان من المنطقي، ومن السهل أيضا، أن تقوم هذه السلطة بعقد تحالف مؤسساتي مع التيارات الأيديولوجية القريبة منها، القومية والشيوعية، فكان تأسيس “الجبهة الوطنية التقدمية” عام 1972؛ أما التيارات الأيديولوجية المخالفة لها فكان لا بد من البحث عن أشكال شعبوية تضمن، على الأقل، حياد هذه التيارات تجاه السلطة الجديدة، وكسب ودها في أحسن الأحوال. وفي هذا السياق قامت السلطة الحاكمة بنقل أعداد كبيرة من المعلمات والمعلمين الشيوعيين من وزارة التربية إلى وزارات الدولة المختلفة، على الرغم من أن أولئك المعلمات والمعلمين كانوا أعضاء في حزب حليف ضمن الجبهة، التي كان دستور 1973 يضمن لها، نظريا، مواقع متنفذة في إدارة البلاد؛ وكان موقف الحزب الشيوعي السوري الرافض للتدخل السوري في لبنان (1976) ذريعة لهذه الإجراءات التعسفية.
شكّلت هذه الإجراءات الحكومية فرصة ذهبية للمعلمات والمعلمين ذوي المرجعيات الدينية، التي شهدت نهوضا كبيرا بعد هزيمة حزيران (1967)، لملء الفراغ الناشئ في السلك التعليمي، وغصت المدارس بالمدرسات القبيسيات وفق شهادة سيدة6 جذبتها الحركة القبيسية من خلال زميلاتها وبنات حيها، وبتوجيه من مدرساتها القويات.
الثاني، تصاعد التهديد الإخواني للنظام الحاكم، والذي تطور إلى حركة مسلحة تزعمتها “الطليعة المقاتلة” للإخوان المسلمين في سوريا، وانتهت بصراع دموي (1979-1982) ما زالت الأعداد الحقيقية لضحايا هذا الصراع غائبة عن التداول. وكانت حادثة نزع الشبيبيات المظليات لأغطية رؤوس النساء في شوارع دمشق (29 أيلول 1981) علامة فارقة في ذلك النزاع. فعلى الرغم من أن السلاح لم يُستخدم في هذه الحادثة إلا أنها حملت دلالات عدائية كانت أشد مضاضة من القتل بحد ذاته؛ لقد جرت إهانة النساء المحجبات على الملأ ومن قبل فتيات يافعات غُسلت أدمغتهن وهيمنت عليها فكرة واحدة: كل محجبة هي “إخونجية” وعدوة للثورة تجب معاقبتها! ورغم أن المظليات كنّ من أديان وطوائف مختلفة إلا أن هذه الحادثة أخذت بعدا طائفيا كبيرا لم يخفف اعتذار الرئيس حافظ الأسد غير المباشر7 من آثارها، لا سيما بعد منع طالبات المدارس من ارتداء الحجاب في المدارس، فابتدأت حركة تحجب وتديّن في المجتمع السوري كردة فعل لهذه الحادثة، تعزّزت هذه الحركة مع بدء تدفق المال الخليجي من المغتربين السوريين الذين نقلوا جزءاً من ثقافة تلك المنطقة خلال زياراتهم المتكررة لبلدهم.
وفي هذا السياق انتعشت حركة “القبيسيات” وبدأت تتغلغل بين بنات العائلات الدمشقيات اللواتي رغبن بالتأكيد على هويتهن الثقافية الاجتماعية للتمايز عن “أخريات” قادمات من الريف البعيد ليستوطنّ دمشق التي لم تعد تشبه نفسها. وانتشر الحجاب بفعل حركة “القبيسيات” التي انتعشت باحتجابها عن عيون أجهزة الأمن السورية، وركزت نشاطها في المدارس التي أنشأتها وفي “استقبالات” و”موالد” الدمشقيات الثريات.
في هذه الظروف المضطربة نشأت حركة القبيسيات، واشتد عودها بعد أن تعلمت درسا قاسيا خسرت فيه عددا من قياداتها اللواتي التحقن بالإخوان المسلمين فسُجن البعض وغادر البعض الآخر مع من غادروا هربا من بطش أجهزة الأمن، وكان منهن “الآنسة سمية أبو الشامات”. وفي الوقت نفسه كان ذلك الدرس مفيدا لهذه الحركة الفتية: السياسة خط أحمر في سوريا، وبما أنها كذلك فالفضاء المجتمعي فضاء مفتوح لمن يكتشف، أو تكتشف، الفرص المخبأة وراء أبواب أصحاب وصاحبات النفوذ، المالي أو السياسي أو الديني. واستفادت حركة “القبيسيات” من حاجة النظام في سوريا إلى حركة دينية اجتماعية تخفف من النقمة التي تولدت إثر الصراع الدامي مع “الطليعة المقاتلة” ومن ساندها، وسارت منيرة القبيسي على خطى أستاذها الشيخ أحمد كفتارو، الذي أشاد أحد تلامذته بنهجه البراغماتي قائلا: “ففي تلك الظروف اتخذ الشيخ أحمد كفتارو موقف الحكمة في تخفيف حدة العداوة البعثية للدين، وتمكن خلال تلك الفترة من تعطيل قرار إغلاق المعاهد الشرعية وأقنع حافظ الأسد بافتتاح معاهد تحفيظ القرآن الكريم، وتمكن الشيخ كفتارو من افتتاح كلية الدعوة الإسلامية وكليات الشريعة وأصول الدين وأنتجت المعاهد والكليات الشرعية عشرات الآلاف من الخريجين والخريجات”.8
كما استفادت هذه الحركة من الصفات المتميزة عند منيرة القبيسي، التي يشهد د. محمد حبش بأن نشاطها قد تميز “بالضبط الإداري، وحسن توظيف الطاقات والجهود.”9
الانتشار
لم تقف الحدود عائقا أمام انتشار هذه الحركة التي وصلت إلى كل الأمكنة التي وصلت إليها منتسباتها، خاصة أن الدفاع عن معتقدات أولئك المهاجرات في بلدان “الكفار” كان صنوا للدفاع عن الهوية التي يُخشى عليها من الضياع في تلك البلاد الغريبة، أما المهاجرات إلى البلدان الخليجية فوجدن بيئة خصبة للتمسك بهذه العقيدة، وإن لم يحظين بفرصة العمل العلني لأن بلدان الخليج، كما سوريا، تحظر النشاطات الاجتماعية، خاصة للوافدين. كما أن “الدعوة” إلى التعمق في دين الله لم تكن أمرا مستهجنا في بلدان “الكفار” التي تنعم بالحرية الدينية لجميع القاطنين فيها، مواطنين ومهاجرين؛ أما بالنسبة لبلدان الخليج فكانت تجربة “التقيّة” (العمل السري)، التي خاضتها القبيسيات في سوريا، مفيدة في البلدان الجديدة، وعلى سبيل المثال استطاعت القبيسيات الوصول إلى الشيخة منيرة زوجة الأمير مشعل بن عبد العزيز، وكسبها إلى جانبهن.”10
بقي المركز الرئيسي لحركة القبيسيات في دمشق مكان انطلاقتها الأولى، مكان إقامة “الآنسة الأم”، منيرة القبيسي، وكانت مدينة حمص هي المدينة الثانية بعد دمشق في نسبة الانتشار. أما انتشار القبيسيات في البلدان المجاورة11 “فكان في لبنان عن طريق الآنسة أميرة جبريل (شقيقة أحمد جبريل)، المنحدرة من أسرة فلسطينية يسارية، والتي تُعد أقرب الآنسات للشيخة الكبرى. فقد أسست أميرة جبريل الجماعة في لبنان، ومن ثم تركت القيادة لآنسة لبنانية تدعى سحر حلبي، التي نشأت في فترة السبعينات، ودرست علم النفس في جامعة القديس يوسف (اليسوعية)، ثم توجهت إلى دمشق لتتلمذ على يد منيرة القبيسي، وكانت الشخص الأكفأ لحمل عَبء الدعوة القبيسية في لبنان. حتى أنه قد أُطلق على أتباعها اسم “السحريات” من قبل اللبنانيين.
وبعد تأسيسها للتنظيم في بيروت، عملت أميرة جبريل على تأسيس جمعية “بيادر السلام” المعروفة في الكويت عام 1981 م، وذلك بمساعدةٍ كبيرةٍ من يوسف سيد هاشم الرفاعي المرجع الصوفي الكويتي، ومن ثم عملت أميرة جبريل على تسليم مجلس إدارة الجمعية لدلال عبد الله عثمان. ويختلف تنظيم الكويت عن باقي التنظيمات، فجمعية “بيادر السلام” جمعية مرخصة ضمن منظمات وجمعيات النفع العام التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وربما كان الترخيص لجمعية “بيادر السلام” بسبب الانفتاح السياسي النسبي في الكويت. أما في الأردن فقد انبرت الآنسة، ذات الأصول الدمشقية، فادية الطباع لحمل راية الدعوة، وعملت على نشر أفكار القبيسيات في عمان، فاستطاعت بشكل سريع اختراق أهم العائلات في عمان، وأطلق على أتباعها اسم “الطباعيات”، وما يشير إلى أنهن على علاقة بالتنظيم الرئيسي في دمشق، هو اتباعهن لنفس النظام من ملابس وتنظيم إداري وجلسات الذكر، إضافة إلى اهتمامهن بالمدارس والتعليم، حيث تُعد الآنسة فادية الطباع إحدى المساهمات في مدرسة “الدر المنثور” في عمان، والتي تُركز بشكل أساسي على تحفيظ القرآن.
في فلسطين حملت الحاجة فدوى حميّض، وهي من عائلة مرموقة في مدينة نابلس، راية الحركة بعد أن درست اللغة الإنكليزية في العاصمة السورية دمشق، والتي يبدو أنها كانت على اتصال بمنيرة القبيسي أو إحدى الآنسات المقربات منها، خلال تواجدها في دمشق، فعملت على تطبيق هذه التجربة بعد عودتها إلى فلسطين، مع إضافة بعض التعديلات؛ فنرى إحدى الآنسات المقربات من الحاجة فدوى وهي الحاجة رغد الأغبر تقوم بلقاء صحفي لِتردَّ على بعض التهم الموجهة لبنات فدوى، من أن الحركة تمنع الزوجة من التعري والتزين لزوجها، على خلاف ما جرت العادة لدى القبيسيات عند تعرضهن للانتقادات بالرد غير المباشر، من خلال تصريحات رجال دين مقربين منهن. وتنفي الأغبر أي اتصال مباشر مع الحركة الأم، فتقول: “لسنا امتدادًا لأحد على الاطلاق، سواء في سوريا أو غيرها، ولا اتصال بيننا وبين القبيسيات في سوريا وغيرها. أما في مصر، فقد انتشرت عدة إشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول وجود آنسات قبيسيات في مصر يعملن تحت اسم “جمعية الزهروان”، ورئيسة هذه الجمعية شيرين فتحي، وهي زوجة أحد كبار المسؤولين في نظام مبارك السابق. وتسيطر هذه الجمعية على مساجد كبيرة ومهمة يرتادها الأغنياء فقط؛ بهدف جمع الأموال لدعم دعوتهم. ويكمن وجه الشبه بين جمعية الزهروان وتنظيم القبيسيات بأنهما تنظيمان نسائيان ينشطان في المجال الديني النسائي الخيري والتعليمي. لكن لا يوجد ما يثبت أي ارتباط أو تبعية لهذه الجمعية بقبيسيات سوريا، ومع كونها جمعيةً نسائيةً، إلّا أنَّ لديها العديد من النشاطات الموجهة للذكور، ولا تلتزم نساء الجمعية بزي معين وهو أمر في غاية الأهمية، بالإضافة إلى اختلاف البيئة الاجتماعية، والحالة الدينية بين بلاد الشام ومصر، فمن الممكن أن تكون البيئة الاجتماعية المصرية غير مناسبة لنشوء مثل هذه الحركات.”
أما حديثا فلم يكن غريبا خروج عدد من القبيسيات من سوريا بسبب النزاع المسلح الدائر فيها، وأن يبدأن بنشر دعوتهن في مخيمات اللجوء في لبنان، لكن اللافت أن دعوتهن هذه لم تلق القبول والرواج اللذين كانت تلقاهما في الوطن.12 وربما يعود هذا الفتور إلى ضعف في إمكانيات “الآنسات اللاجئات” المادية، أو إلى ظروف اللجوء القاسية التي تجعلهن غريبات حتى عن الجوامع المنتشرة في أماكن تواجدهن، أو إلى انشغال اللاجئات.
العقيدة
الصوفية النقشبندية:
“الصوفية هي مذهب إسلامي وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المُنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص…”13 وانتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري ولها طرق متعددة. أما النقشبندية فهي طريقة من الطرق الصوفية، “أسسها الشيخ محمد بهاء الدين شاه نقشبند الذي توفي سنة 791 للهجرة، وانتشرت في آسيا الوسطى وسوريا والقوقاز وبين سنة العراق وكردستان والحجاز وسنة إيران والبوسنة وباكستان“.14
النقشبندية “هي الطريقة الوحيدة التي تدّعي تتبع السلسلة الروحية المباشرة مع النبي محمد… وقد تبنى الشيخ محمد أمين كفتارو لواء النقشبندية في دمشق، حيث قام بتأسيس نواة إصلاحية قوامها العلم الشرعي والطريقة النقشبندية في جامع أبي النور”.15
ويؤكد د. محمد حبش على أن القبيسيات هنّ “صورة دقيقة للمجتمع السوري المحافظ، الدمشقي خاصة، وأن مبادئهن وأفكارهن ليست إلا خطاب المشايخ التقليديين المستمر في اتجاه الخضوع للسلطان منذ خمسين عاماً ولا زال”.16
وأتباع الصوفية “لا يكتفون بأن يوضحوا للناس أحكام الشرع وآدابه بمجرد الكلام النظري، ولكنهم بالإضافة إلى ذلك يأخذون بيد تلميذهم ويسيرون به في مدارج الترقي، ويرافقونه في جميع مراحل سيره إلى الله، يحيطونه برعايتهم وعنايتهم، ويوجهونه بحالهم وقولهم، يذكرونه إذا نسي، ويقوِّمونه إذا انحرف، ويتفقدونه إذا غاب، وينشطونه إذا فتر”.17
وتقوم الصوفية على آليتين رئيسيتين تستخدمها بغية إيصال من يستهدفهم الصوفيون إلى أعلى مراتب الإيمان؛ وهي: العلم، وبالأحرى التعليم الذي يقومون به لطلابهم، ف “السالك في طريق الإيمان والتعرف على الله والوصول إلى رضاه لا يستغني عن العلم في أية مرحلة من مراحل سلوكه. ففي ابتداء سيره لا بد له من علم العقائد وتصحيح العبادات واستقامة المعاملات، وفي أثناء سلوكه لا يستغني عن علم أحوال القلب وحسن الأخلاق وتزكية النفس”؛18 والصحبة لأن لها “أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، وأن الصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي”.19 وظهر جمع “العلم” مع “الصحبة” عند عدد من المتصوفين الأئمة، ومنهم أبو حامد الغزالي وابن عطاء الله السكندري.
وتتعزز ضرورة الجمع بين “العلم” و”الصحبة” عند الصوفية النقشبندية للارتقاء بنفس “السالك في طريق الإيمان” من “النفس الأمارة (تميل للشهوات وترغب في اللذات… وهي منبع للشر والأخلاق الذميمة)، إلى النفس اللوّامة (تنورت بنور القلب فهي تارة تقترف المعاصي ثم تندم وتلوم نفسها)، وبعدها النفس المطمئنة (تخلت عن صفاتها الذميمة ووصلت للكمالات)، ومن ثم النفس الملهمة (ألهمها الله تعالى العلم والتواضع والقناعة والسخاء)، فالنفس الراضية (رضيت عن الله وتحقق فيها قوله تعالى: “رضي الله عنهم ورضوا عنه”)، مرورا بالنفس المرضية (رضي الله تعالى عنها ويبدو فيها أثر رضاه وهي منبع الكرامة والإخلاص والذكر ويقال إن السالك في هذه المرتبة يضع الخطوة الأولى في معرفة الله تعالى ويظهر فيها تجلى الأفعال) وصولا إلى النفس الكاملة (صارت للكمالات طبعا وسجية ولا زالت ترتقي في الكمال وتؤمر بالرجوع للعباد لإرشادهم وتكميلهم”.20
وإذا كان الاعتقاد السائد عند العامة من المسلمين بأن “من لا شيخ له فشيخه الشيطان” فمن البديهي أن مكانة الشيخ ستكون عند الصوفيين، عامة، والنقشبندية منهم خاصة، ستكون مكانة “سامية”، فالتبحر في علوم الدين من أجل الارتقاء بالنفس على درجات سلّم النفس البشرية يحتاج إلى صحبة غوّاص متبحّر في هذه العلوم وذي نفس “كاملة”، أو في طريقها للكمال، وسيكون “الثواب” “ثوابين”، “ثوابا” لطالب العلم و”ثوابا” للمعلم. ومن هنا جاءت المكانة المتميزة للشيخ أو للشيخة، وجاءت حالة الارتباط الكبيرة بين الشيخ والمريد. “ومع أنَّ الطريقة النقشبندية قد بالغت في هذه العلاقة، إلا أنَّ القبيسيات بشكل خاص، وصَلْنَ بها إلى درجة كبيرة من الغلو”.21
مكانة استثنائية لـ “الخالة الكبيرة” ومن بعدها لـ “الآنسة”
كما جرت الإشارة من قبل كانت منيرة القبيسي تلميذة للشيخ كفتارو وأخذت الطريقة النقشبندية الصوفية عنه، وهذا ما جعل لها مكانة استثنائية عند كل من كانت من جماعتها، وساعدت صفاتها الشخصية في جعل ولائهن لها ولاء غير مشروط، فهي القدوة التي يتمنى الجميع أن يتشبه بها وأن يجتهد يقترب من صفاتها.
و”تحتل الشيخة الكبرى، أو الآنسة الأم، منيرة القبيسي أعلى مرتبة دينية في هرم الجماعة التنظيمي؛ مما يمنحها صفة التقديس المبالغ فيه إلى حد التأليه، فهي الوسيط لدى المريدات، والطريق للوصول إلى الله.”22
وكان هناك الكثير من المبالغات في إضفاء صفات “قدسية” على الشيخة الأم، فلم تكن منيرة القبيسي لتغيب لحظة عن مريداتها، خاصة في اجتماعاتهن، “ومن أقوالهن الشهيرة: شيختنا لو كنَّا أينما كنَّا فهي معنا لا تُضَيِّعُنا. ومع انتشار تلميذات القبيسي في بلدان مختلفة، أصبحت زيارة الشام عندهن واجباً مقدساً. لدرجة أنهنّ أطلقن على زيارة الشام اسم “رحلة كعبة المعاني.” وللقبيسيات عند مقابلة الآنسة أو الشيخة الكبرى دعاء خاص وهو “اللهم اجمعنا على ألمها واجمعنا على أملها”.23
وضمن هذه المبالغة بتقديس الشيخة الأم تقول لمى راجح: “غير أن ما أثار دهشتي هو اعتقاد الطالبات بمقدرات “الخالة الكبير” الروحية؛ فما زلتُ أذكرُ كلام إحداهن عندما قالت لي: “الخالة تستطيع قراءة أفكارنا…”، وحذرتني من تحدثي في سري عنها، لأنها ستسمع ما أقول، والغريب في الأمر أن باقي الطالبات أكّدنَ كلامها. وكما اعتقدت الطالبات أن الله كشف الغيب عن “لخالة الكبير”؛ فقد اعتدن أن يشاورنها علّها ترشدهن لما سوف يأتي في الامتحانات النصفية والنهائية، حيث تقوم بإمساك المقررات المدرسية والجامعية، ومن ثم تغمض عينها وتتمتم بعض الآيات، لتفتح بعد ذلك تلك المقررات، وتحدد الفقرات التي سوف تأتي الأسئلة منها.24
وبما أن الآنسات هن ممثلات “الشيخة الأم” فسيكون لكل منهن نصيب كبير من هذه النظرة التقديرية الخاصة، والتي غالبا ما تضيف إليها المريدات قليلا من الصفات التي يجب أن تكون خاصة ب “الشيخة الأم”، وينسحب “التقديس” إلى “الآنسات” اللواتي يأخذن بيد الطالبات للوصول إلى الله، فقد ورد في دراسة سلام إسماعيل25: “كما نجد أيضًا العديد من الشهادات لمنشقات عن التنظيم يتحدثن عن المبالغة في تقديس الآنسات، فعند دخول الآنسة للدرس تتسابق الحاضرات لتقبيل يدها وتبجيلها، حتى عندما تشرب من كأس الماء فإن ما يتبقى من كأسها طاهر؛ ومن تشرب من بعدها تكون صاحبة حظ سعيد”.
ولا يعني “التقديس” إسباغ الصفات الإيجابية الكاملة والقدرات الخارقة على “الآنسات” فقط، بل يستتبعه، منطقيا، “تقديس” كل ما تقوله “الآنسة” وكل ما تقوم به أيضا، وكأننا نقوم باستنساخ مسيرة الأنبياء مع أن هذا الاستنساخ مناقض بالأصل لفكرة تفرد الأنبياء وخصوصيتهم.
الابتعاد عن السياسة
جرت القبيسيات على عادة المتصوفة النقشبندية في سوريا بالابتعاد عن مناهضة الحاكم، وأحيانا الدعاء له من فوق المنابر، وهذان الأمران، عدم مناهضة الحاكم أو الدعاء له، هما موقفان سياسيان بامتياز. وعلى الرغم من ذلك فالحكم بشكل قطعي على المواقف السياسية للقبيسيات يبدو أمرا معقدا للغاية، خاصة في بلد مثل سوريا حيث العمل بالسياسة يعني مخاطر لها أول وليس لها آخر. وخبرت القبيسيات تجربة مريرة عندما انخرطت بعض العضوات مع الإخوان المسلمين خلال النزاع الدموي مع السلطة، وكان نصيبهن مثل نصيب الآلاف من السوريات والسوريين: الملاحقة والاعتقال والموت أو الهروب خارج البلاد.
وعلى الرغم من اشتداد القبضة الأمنية بعد انتهاء هذا النزاع الدموي إلا أن تلك القبضة الأمنية كانت قد هيمنت على الحياة في سوريا منذ قيام الوحدة بينها وبين مصر عام 1958 عند تأسيس “الجمهورية العربية المتحدة”، حيث جرى حل جميع الأحزاب والجمعيات غير الحكومية في سوريا، وأصبح حق تأسيس الجمعيات مقيدا بقيود إدارية فرضها قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة (93/1958) الذي ألغى العمل بحق تأسيس الجمعيات وفق مبدأ “علم وخبر”؛ وفوق هذه القيود الإدارية كانت القيود الأمنية التي تجبر كل من يرغب بالترخيص لجمعية بتقديم استمارات أمنية. وبدأت مسيرة الهيمنة على المجتمع واحتكار العمل المجتمعي في سوريا مع استكمال تأسيس الاتحادات العامة والتي تحولت بعد ذلك إلى المنظمات الشعبية، وأخذت إجراءات تشكيل الجمعيات تتعقد أكثر فأكثر خاصة مع المرسوم التشريعي رقم /121/ لسنة 1970 الذي حظر ترخيص أي جمعية نسائية لأن الاتحاد العام النسائي أصبح “الوكيل الخاص” للعمل بين النساء، ومع التعليمات التنفيذية لقانون الجمعيات، رقم (9/ د/ 62) تاريخ 8/8/1974، التي نصت على:
“14-على المكاتب التنفيذية التقيد بما يلي عند البت بطلب شهر أنظمة الجمعيات:
1-رفض طلب شهر أنظمة الروابط والجمعيات والأندية ذات الأهداف المتماثلة مع أهداف المنظمات الشعبية.
2-عدم شهر أي جمعيات نسائية عملاً بالمرسوم التشريعي رقم /121/ لسنة 1970.”
ولم يكن أمام المجموعات النسائية إلا أمران: الاستمرار بالعمل وتحمل مسؤولية عواقبه، وهو ما قامت به “رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة”، أو “التلطي” خلف الهيئات المتاحة وهذا ما لجأت إليه منيرة القبيسي التي أنشأت حركتها في المساجد، وترعرعت هذه الحركة في البيوت عندما كان التضييق الأمني يشتد عليها وتعود للمساجد عندما يضعف هذا التشديد.
إذا، هل يمكننا أن نتساءل إن كان تأسيس هذه الحركة، بحد ذاته، يحمل رسالة سياسية احتجاجية على احتكار العمل المجتمعي وحصر حق العمل بين النساء بمنظمة ذات توجه علماني (نظرياً)، وعلى ارتفاع الصوت النسائي الذي راح يطالب بمقاربة قضايا النساء وفق المقاربة الحقوقية مع بروز الدعوات الأممية لتخصيص عقد للمرأة (1975-1985) والذي شهد تنظيم ثلاثة مؤتمرات عالمية للمرأة، مع ملاحظة أن ” القبيسيات يشتمن الغرب والحضارة”،26 كما يعتبرن كل دعوة من أجل مساواة النساء استهدافا للأمة وأخلاقها. وفي الوقت نفسه، شهدت سوريا عام 1974 إحداث أول مركز لرعاية الأمومة والطفولة،27 وكان من ضمن مهماته: “تأسيس عيادة طبية لتنظيم الأسرة”، وتنظيم الأسرة يعني، فيما يعنيه، المباعدة بين الحمول وتخفيض خصوبة النساء؛ وفي عام 1975 جرى أول تعديل لقانون الأحوال الشخصية، بموجب القانون رقم 34 لعام 1975، والذي جاء في الأسباب الموجبة له”. انطلاقا من أنه من واجبات الدولة بنص الدستور… رفع القيود التي تمنع تطور المرأة فضلا عن مساهمتها في تطور حياة المواطنين، فإن قانون الأحوال الشخصية الحالي يغدو واجب التعديل بما يتفق وما وصل إليه ركب الحضارة…” وتضمنت التعديلات (السطحية بالنسبة للمنظمات النسوية) السماح للمرأة بالاحتفاظ بحقها بحضانة أولادها إذا عملت! وهنا أيضا يمكن أن يكون تأسيس ونشاط القبيسيات ردا مباشرا على سياسة جديدة للحكومة السورية بدأت بتعديل ما كان يجب أن يكون “مقدسا”، لذلك كان لا بد من التصدي لأية محاولات لاحقة للتعديل يمكن أن يدعم مسيرة النساء السوريات في سبيل نيل حقوقهن الإنسانية.
وعلى الرغم من كل الأقاويل التي تتحدث عن الملاحقات الأمنية، وهي أمر شائع في الحياة السياسية في سوريا وكذلك في النشاطات الاجتماعية التي كانت تجري خارج إطار المنظمات الشعبية، إلا أن الاعتقالات طالت النساء المنخرطات بالعمل السياسي بشكله المباشر، ولم تعرف الموافقات الأمنية على التوظيف تمييزا ضد صاحبات المرجعيات الدينية إلا خلال النزاع مع الإخوان المسلمين، في الوقت الذي كانت تُحرم فيه بعض الناشطات السياسيات العلمانيات من فرص التوظيف استنادا لموافقات أمنية، كما أن العمل في السلك التعليمي كان مشرع الأبواب أمام النساء ذوات المرجعيات الدينية، على اختلاف هذه المرجعيات (الإسلامية أو المسيحية)، ما عدا النساء المنتميات إلى طائفة “شهود يهوه.”
كان التجمع محظوراً في سوريا على الجميع باستثناء منظمات “الحزب القائد”، وكان من تبعات هذا الحظر ملاحقة القبيسيات اللواتي كنّ يعملن خارج إطار المنظمات الشعبية. وتقول سيدة كانت ضمن القبيسيات:28 تعرضت بعض عضواته للملاحقة والاعتقال، مثلما حدث مع الشيخة التي أشرفت على تدريسي العلوم الشرعية ضمن إحدى الحلقات. أما السيدة ك فتقول: “في أواخر السبعينيات كنا نضطر لاستخدام كلمات مشفرة في اتصالاتنا، وأحيانا كنا ننقطع عن اللقاءات لأسابيع.”29
وفي عام 2006 جرى تبليغ أجهزة الأمن بالتوقف عن مضايقة القبيسيات، وسرت شائعات في البلد تقول إن الشيخ البوطي قد توسط لهن عند الرئيس بشار الأسد وقال له “إن القبيسيات يدعون لك في صلواتهن”، فجرى رفع الحظر عنهن “شريطة أن تقام حلقاتهن ضمن ما يسمى المعاهد الشرعية في المساجد.”30
ولم تكن هذه الإجراءات التسهيلية خاصة بالقبيسيات أو بالنساء ذوات المرجعيات الدينية فقط، بل شملت أيضا المشايخ والنشاطات الدينية عامة، بينما صدر تعميم بحل جمعية “المبادرة الاجتماعية” وصدر تعميم من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بعدم التعامل مع “رابطة النساء السوريات”، كما طلبت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من وزارة الثقافة عدم السماح لأي سيدة تحمل صفة “ناشطة نسوية” بتقديم أي محاضرة في المراكز الثقافية!31 كما جرى رفض ترخيص جمعيات تدعو لنشر العلمانية. وقبل 2006 لم يُعط إلا ترخيص واحد لجمعية “تطوير دور المرأة” التي أسستها زوجة فراس طلاس.
إذا، كانت المقايضة واضحة وجلية للعيان: جمعية مدنية جاءت من مراكز النفوذ السياسية، وجمعية دينية جاءت من مراكز النفوذ الدينية.
كانت السلطة بحاجة إليهن بعد قضية اغتيال الرئيس الحريري (2005) وبعد حرب تموز 2006 التي وقفت معظم البلدان العربية ضدها، وفي المقابل كانت القبيسيات مستعدات لتقديم الدعم المجتمعي لهذه السلطة مقابل التضييق على الاتجاهات العلمانية النسوية، والحد من أي تعديلات قانونية تقرّب النساء السوريات من حقوقهن بالمساواة في المجالات كافة.
ويقول د. محمد حبش في علاقة القبيسيات بالسياسة: “خلال خدمتي في مجلس الشعب كنت دائم المواجهة مع المخابرات بشأن القبيسيات، فقد كان المخابرات يرون فيهن خلية إخوانية نائمة، وأن موقفهن المتسامح من الحاكم لا يعني بحال من الأحوال الاطمئنان لعملهن، وخلال خدمتي في مجلس الشعب تبنيت مبدأ إخراج القبيسيات من الغموض إلى العلانية، وكان موقفي يستند إلى قناعتي بأن المجموعة هي في الواقع مجموعة تعليمية ناجحة لا تمتلك أي برنامج سياسي وأن ممارسة إرعابها ومحاصرتها قد يدفع كثيراً من أبناء الجماعة للتطرف، وبالفعل فقد تمكنت من الحصول على عدد من الرخص لشيخات قبيسيات لممارسة العمل العلني في المساجد في سوريا وكان ذلك بداية خروجهن إلى العلانية منذ عام 2005.”32
وبعد انتفاضة 2011 اختلف المشهد العلني بشكل كبير في ظل الانقسام المجتمعي الحاد الذي شهده المجتمع السوري، خاصة مع صورة لاجتماع عدد من القبيسيات مع وزير الأوقاف في القصر الجمهوري في لقاء خاص مع الرئيس السوري بشار الأسد، ومع تعيين الداعية سلمى عياش معاونة لوزير الأوقاف، والتي قالت إن الرئيس بشار الأسد قد “نقل العمل الديني النسائي من البيوت حيث الظلام والضبابية، إلى المساجد حيث النور والضبط“، ويوضح د. محمد حبش أن برنامج نقل العمل الديني النسائي إلى المساجد وترخيص هذا العمل قد “كلف به وزير الأوقاف الذي قام بإحداث إدارة خاصة للنساء في الأوقاف، واختار قريبة له من القبيسيات، سلمى عياش، لتكون مشرفة الإدارة النسائية في الأوقاف، وهذه الرخص تصدر حصراً من المكتب النسائي في وزارة الأوقاف.”33
ومع ظهور الحشد النسائي الكبير في الجامع الأموي عشية انتخاب الرئيس بشار الأسد (2014). وأدت هذه التطورات إلى انقسام واضح في صفوف القبيسيات، فالبعض منهن أعلنّ عن مواقف علنية داعمة للنظام، وتقول لمى راجح: “توجد بينهن مواليات للنظام السوري”34، وأكد بيان وزارة الأوقاف الأخير هذا الأمر عندما ذكر: “كان لهنَّ دور مشهود وبارز أثناء الحرب على سورية في مواجهة التطرّف والطروحات الطائفية التقسيمية، بل وكان لهن الدور الرائد في الدفاع عن الدولة ووحدة الوطن“؛35 بينما ظهرت مواقف بين القبيسيات تبرر ما حصل من باب درء المفاسد، “فتروي إحداهن، كيف أنهن ذهبن تلبيةً لدعوة اعتيادية من وزارة الأوقاف كونهن مديرات مدارس شرعية للبنات ومعاهد حفظ القرآن وتم ذلك في المسجد الكويتي بشكل طبيعي. وبعد انتهاء اللقاء تم نقلهنّ بباصات، ثم وجدنَ أنفسهنّ في قصر بشار الأسد، وقد ذكرت واصفةً اللقاءً بأنه عادي؛ وأن الكثيرَ من الحاضرات استأن من أسلوب إحضارهن ثم تتفاجأ الداعيات بعد الانتهاء بنشر وكالة الأنباء خبرًا حول الموضوع مرفقًا بالصور!”36
ويورد د. محمد حبش تبريرات أخرى فيقول: “إن التجمع النسائي الكبير الذي ظهر في الجامع الأموي لتأييد الانتخابات ليس تجمعاً قبيسياً وإنما هو حشد لكل العاملات في الأوقاف، وهؤلاء بالطبع لسن موظفات مأجورات، ولكن من المؤكد أن تراخيصهن في العمل الديني مؤقتة وتخضع للتمديد والتجديد بشكل دوري ومن المؤكد أن غياب أي واحدة منهن عن هذا الحشد يعتبر نهاية ترخيصها ووقف عملها الدعوي، وبالتالي مضايقتها بشكل مستمر وهذا أمر بدهي لدى كل من يعمل في الحقل الديني في سورية.”37
ولم تخف معاونة وزير الأوقاف سلمى عياش موضوع الانقسام الحاصل بين القبيسيات، بل افتخرت بأنه ليس كبيرا خلال كلمة لها في اجتماع مخصص لبحث موضوع فقه الأزمة، حيث قالت: “أحب أن أطمئنكم، لا توجد أزمة واقعية بين صفوف داعياتنا في سوريا أبدًا وإن وجدت فهي لا تتجاوز اثنين بالمائة ممن هن خارج صفوف الداعيات المنضبطات بشروط الوزارة”.38 كما أنه جرى الحديث في العديد من المرات عن “حرائر القبيسيات”، أي القبيسيات اللواتي عارضن النظام بشكل واضح. وتقول السيدة ك: “هناك نقمة من القبيسيات على من قابلن الرئيس، ولم أسمع أيا من الآنسات تدعو لولي الأمر، بل إنهن يعبرن في السر عن نقمتهن على هذا الحكم لأنه غير مسلم.”39
ومن اللافت أن علاقة السلطة الحاكمة مع “القبيسيات”، شأنها شأن العلاقة مع التيارات الدينية، عامةً، قد خضعت لحركة تنوس بين “غض النظر”، الذي يعني في بلد يحكمه الأمن شبه تصريح بالعمل، وبين السماح بشكل علني بالعمل.
وبعد هذا الاستعراض هل يمكن القول إن القبيسيات لا يقمن بأي دور سياسي؟ ربما كان دورهنّ دوراً سياسياُ غير مباشر، لكنه بالتأكيد أثّر، وبشكل كبير، على سياسات الدولة تجاه حقوق النساء، خاصة أن المنابر المتاحة لهن ولدعوتهن لا تُعد ولا تُحصى، كما أنهن أيضاً حيث يقوم العديد من التجار بالتبرع للتجمع كزكاة أو صدقة، أو من خلال نسائهم وبناتهم المنخرطات في التجمع، وهؤلاء التجار تربطهم علاقات قوية مع النظام السوري مما سينعكس حتماً على موقف القبيسيات.
المراجع:
1– وزارة الأوقاف، بيان صادر عن وزارة الأوقاف، دمشق في 5 رمضان 1439، 21 أيار 2018
2- المصدر السابق: وزارة الأوقاف، بيان صادر عن وزارة الأوقاف، دمشق في 5 رمضان 1439، 21 أيار 2018
3- المصدر السابق، وزارة الأوقاف، بيان صادر عن وزارة الأوقاف، دمشق في 5 رمضان 1439، 21 أيار 2018
4- أشار بحث مركز “جسور للدراسات” في بحثه المعنون ب “جماعة القبيسيات، النشأة والتكوين” إلى أن منيرة القبيسي قد بدأت نشاطها الدعوي في ستينيات القرن الماضي، ولم نجد أية إشارة أخرى تؤكد هذا التاريخ.
5- سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي.
6- مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
7- قال الرئيس حافظ الأسد في خطابه في ذلك الوقت: “أنا أفهم تطلعات رفيقاتنا، أفهم تطلعات هذا الجيل، من الشابات بشكل خاص، .. وأفهم تمردهن على بعض الظواهر التي يرين فيها دلائل على ماض مظلم .. أنا أقول لرفيقاتنا بصدق الأب وصراحة الأب، إنني قلقت للحادث عندما سمعت به، وتأثرت له، سيما وكما ذكرت عرفت إن النسوة اللواتي شعرن ببعض الإساءة إليهن كن من المتقدمات سنا، وهؤلاء النسوة لسن معاديات للثورة، وربما بينهن كما علمت ما يمكن أن أقول عنه أم البعض، وبينهن أخوات البعض من فتياتنا الشابات الممارسات للتدريب والموجودات الآن بيننا”.
8- facebook.com/AlshykhAhmdKftarw/photos/a.145175868948126.30784.145150298950683/198570833608629
9- محمد حبش، القبيسيات الملف المجهول، كلنا شركاء، خاص، مقالات وتحليلات، 2014/06/09
10- مرجع سابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
11- مرجع سابق، سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي، جرى الاقتباس بتصرف من الباحثة.
12- مقابلة خاصة لغرض هذا البحث مع السيدة و غ التي تلقت علومها الدينية في صغرها عند القبيسيات في ضاحية من ضواحي دمشق.
13- ويكيبيديا، الطريقة الصوفية الصحيحة، https://ar.wikipedia.org/wiki/صوفية.
14- المرجع السابق، ويكيبيديا، الطريقة الصوفية الصحيحة، https://ar.wikipedia.org/wiki/صوفية.
15- لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧.
16- مرجع سابق، محمد حبش، القبيسيات الملف المجهول، كلنا شركاء، خاص، مقالات وتحليلات، 2014/06/09.
17- مرجع سابق، ويكيبيديا، الطريقة الصوفية الصحيحة، https://ar.wikipedia.org/wiki/صوفية.
18- مرجع سابق، ويكيبيديا، الطريقة الصوفية الصحيحة، https://ar.wikipedia.org/wiki/صوفية.
19- مرجع سابق، ويكيبيديا، الطريقة الصوفية الصحيحة، https://ar.wikipedia.org/wiki/صوفية.
20- النقشبندية، ويكيبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/نقشبندية.
21- مرجع سابق، لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧.
22- مرجع سابق، سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي.
23- مرجع سابق، سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي.
24- مرجع سابق، لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧.
25- مرجع سابق، سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي.
26- مرجع سابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
27- القرار التنظيمي رقم 10 لعام 1974.
28- مرجع سابق، لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧.
29- مرجع سبق ذكره: مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
30- مرجع سابق، لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧.
31- يمكن أن يكون هذا الأمر موضوعا لمقالة لاحقة.
32- مرجع سابق، محمد حبش، القبيسيات الملف المجهول، كلنا شركاء، خاص، مقالات وتحليلات، 2014/06/09.
33- المرجع السابق، محمد حبش، القبيسيات الملف المجهول، كلنا شركاء، خاص، مقالات وتحليلات، 2014/06/09.
34- مرجع سابق، لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧.
35- مرجع سابق، وزارة الأوقاف، بيان صادر عن وزارة الأوقاف، دمشق في 5 رمضان 1439، 21 أيار 2018.
36- مرجع سابق، سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي.
37- مرجع سابق، محمد حبش، القبيسيات الملف المجهول، كلنا شركاء، خاص، مقالات وتحليلات، 2014/06/09.
38- المرجع السابق، سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي والإسلامي.
39- مرجع سابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.