سيطرت شركات روسية وايرانية على المساحة الاكبر في “معرض إعادة إعمار سورية” المسمى بـ “عمّرها 3″، الذي انطلقت فعالياته مساء الثلاثاء ١٩ ايلول/سبتمبر في مدينة المعارض جنوب دمشق. وقدمت تلك الشركات الحكومية والخاصة ما لديها من منتجات لاعمار سورية وخاصة في قطاعات البناء والنفط والكهرباء .
وقال وزير الأشغال العامة والإسكان السوري المهندس حسين عرنوس أن “حلفاء دمشق، إيران وروسيا والصين، سيكون لهم الدور الأكبر في إعادة إعمار ما دمرته الحرب الظالمة على سورية.”
“The objective of this project is to provide the most comprehensive, publicly available tribal mapping of Deir Azzour governorate, which is a governorate in eastern Syria that border Iraq, where Arab tribes make up the clear majority of the local population. Deir Azzour is the new administrative center for the Islamic State of Iraq and Syria (ISIS) since the Salafi-jihadi organization lost control over its capital in Iraq, Mosul, and it began losing its hold over its Syrian capital of Raqqa.
This project was conducted by the Middle East Security Program in the Center for a New American Security (CNAS), under the direction of Nicholas A. Heras; and People Demand Change Inc. (PDC), under the direction of Bassam Barabandi and Nidal Betare.
From November 2016 to September 2017, the project implementers leveraged a network of Syrians from Deir Azzour, both those currently residing in the governorate in areas under ISIS’ control and those displaced to other areas of Syria, to collect the data for the mapping.
This project has two parts: (1) a series of maps depicting the major tribal groups in Deir Azzour and (2) a report based on the implementers’ interviews with their network in Deir Azzour that assesses the current state of play in ISIS-controlled areas. The project provides policymakers, international organizations, and the interested public with a reference point for the socio-political terrain in Deir Azzour that will be encountered by any force that seeks to defeat and displace ISIS.
Sasha Ghosh-Siminoff, Executive Director of PDC, and Melody Cook, Creative Director of CNAS, drew the tribal maps. The project implementers would like to thank Hassan Hassan, Senior Fellow at the Tahrir Institute for Middle East Policy and a native of the Albu Kamal area in Deir Azzour, for his review of the draft assessment report and the Deir Azzour tribal maps. The project implementers would also like to thank the network of researchers from Deir Azzour who collected the data that was used for the creation of the maps and helped inform the analysis of this report.”
تبدو مناظر الشوارع في دمشق، تلك التي كانت تنتمي إلى فترة العهد الوطني بعد الاستقلال، أشبه بالبطاقات السياحية بالأسود والأبيض، في الوقت نفسه لا تنقصها الألوان الطبيعية، حتى أن اللون الأسود يبدو دخيلاً عليها، مشرقة على نحو يدعونا إلى الحنين إليها، لا سيما وداعتها الآسرة، التي بتنا نفتقد إليها في زمن الصخب، ليس صخب الموسيقا، وإنما أصوات تحليق الطيران الحربي وقصف راجمات الصواريخ، التي لا تتوقف طيلة النهار والليل، حتى اعتدنا على أن نصحو عليها صباحاً وننام على وقعها ليلاً.
تركز الكاميرا على ساحة المرجة وعربات الخيل مصطفة حوالي النصب التذكاري، باصات شركة “نرن” تنتظر المسافرين. يظهر بناء السرايا والعدلية، وفندق السمير أميس، والمدخل الذي يقودنا إلى امتدادات سوق ساروجة، بدءاً من زقاق الأحمدية، فطلعة جوزة الحدباء، وقد نعرج على سوق العتيق ومنه إلى سوق الهال. تركز الكاميرا أيضاً على شارع فؤاد الأول، في زمن الانتداب أطلق عليه شارع الجنرال غوابييه، ونُسي مع ذهاب الجنرال. أيام العدوان الثلاثي على مصر أصبح اسمه شارع بورسعيد، ومن ثم لا يدري أحد ما أطلق عليه، ربما كان شيئاً بعثيا اخترعه الحزب الحاكم. يمتد الشارع تحت اسم “سعد الله الجابري” حتى بناء محطة الحجاز، ينعطف إلى اليمين نحو أزقة الحلبوني، فالجامعة السورية. على الطرف المقابل شارع النصر، المؤدي إلى سوق الحميدية والحريقة، فأسواق “تفضلي يا ست”، ثم المسكية والبزورية.
وإذا عدنا إلى شارع فؤاد الأول، كان ثمة أشجار على جانبيه، من الأنواع التي اختفت حتى من غوطة دمشق؛ ثم سكة الترام تخترقه في منتصفه. على الرصيف اليميني مقهى البرازيل، تقبع إلى جوار مدخله بسطة بائع الجرائد والمجلات، وعلى امتداده جامع الطاووسية والمكتبة العمومية، ومحلات أحدها لبيع التحف الشرقية، فمطعم الصفا، فبناية الحايك. نتوقف عند جسر فكتوريا ونهر بردى. على الرصيف المقابل، زقاق المتنبي، حيث كوبانية شركة الترام البلجيكية، تواجهها مكتبة دار اليقظة العربية، وسينما الكندي، نزولاً إلى مقهى الهافانا وسينما الأهرام والنادي العربي…. في الاتجاه المعاكس، ينبسط شارع الفردوس، فساحة يوسف العظمة، ومن ثم بوابة الصالحية، وامتداد شارع 29 أيار. معظم ما أتينا على ذكره من أزقة ومحلات اختفى، ذهب به التنظيم، ابتلعه سماسرة أمانة العاصمة وتجار العقارات.
تلك هي الشوارع والأسواق الحيوية لمدينة دمشق ضمن مساحة لا تزيد عن 2 كم مربع إلا قليلاً، تتمركز فيها الرئة الثقافية والفنية، مسارح سرعان ما تظهر وسرعان ما تختفي، دور سينما تعرض الأفلام المصرية من فيلم “سلامة” مع مناظر الحج إلى أفلام ليلى مراد وأنور وجدي، وعبد الحليم حافظ، بالإضافة إلى الأفلام الأمريكية والفرنسية والهندية، مغامرات في البحار، غراميات رومانسية، ميلودرامات حزينة. ومكتبات تعرض على واجهاتها ما يردها من كتب عربية وإنجليزية وفرنسية من بيروت والقاهرة ولندن وباريس… بأغلفتها الملونة، المترجمة والموضوعة من تأليف شتاينبك وتولستوي ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ومكسيم جوركي وجان بول سارتر.
مثلت هذه المنطقة الصغيرة من دمشق جغرافية تاريخ أهم الاحتجاجات والمظاهرات سواء الآتية من مكتب عنبر أو القادمة من الجامعة والتجهيز الأولى والمتوجهة نحو البرلمان أو السرايا، أو المندوبية الفرنسية. لا يمكن الاطلاع على ما يجري في كواليس المشهد السياسي السوري إلا في مقهى البرازيل حيث يجتمع السياسيون والوزراء المخضرمون، والصحافيون المعروفون، والضباط المسرحون من الجيش، مع موظفين كبار وأدباء وشعراء ظرفاء لا ينجو أحد من ألسنتهم، يتناقشون ويتهامسون، ويفبركون الأخبار والشائعات ويطلقون النمائم والنكات، يمارسون مواهبهم السياسية في انتقاد مرافعات النواب في البرلمان، وتوقع موعد الانقلاب القادم.
ينعكس المشهد ذاته على نحو مقارب في مقهى “الهافانا”، حيث الدخان والوجوه المكفهرة والجدالات الحادة، يرتاده شباب من أحزاب مختلفة، الحزب الوطني، حزب الشعب، الاشتراكي التعاوني، البعث العربي، والعربي الاشتراكي، والشيوعي…الخ، ينتقدون الحكومة وإجراءاتها الأخيرة، ويتصدون للقضايا السياسية الساخنة، ولا تخلو مناقشاتهم من جدل حول التاريخ واللغة والقومية العربية والرسالة الخالدة… والتصدي للأحلاف الغربية.
كانت دمشق مسرحاً يؤمه القادمون من أنحاء سورية، كي يلعبوا أدوارهم الطموحة على خشباتها؛ حالمين بقيادتها نحو المستقبل، سواء بالانتخابات والديمقراطية الوليدة، أو بالقوة، بالمؤامرات والانقلابات. سياسة حرق المراحل كانت هي المعتمدة، فانتصرت الانقلابات وجاء العسكر على ظهور الدبابات.
وكانت أيضاً مسرحاً يؤمه الباحثون عن الصفقات المخزية والمناصب المؤثرة والوساطات المشبوهة، فتبدو مدينة المغامرات الطائشة، والتجارات المشروعة وغير المشروعة. وهناك من يأتي إليها كي يلعب أدواراً عظيمة الشأن، ثقافية وإنسانية واجتماعية، فمثلما استقبلت دمشق الانقلابيين والانتهازيين والنهابين، استقبلت رموز الحركات القومية والعلمية والثقافية، مثل: زكي الأرسوزي، وبدوي الجبل، وعبد السلام العجيلي، والصافي النجفي، وصدقي إسماعيل، وحنا مينة وغيرهم. لم يأتوا بمنطق الغزاة، جاؤوا كي يقدموا للمدينة أفضل ما لديهم، دافعوا عنها وشاركوها مصائرها، وصنعوا أمجادها الحقيقية.
وجدت الانقلابات مجالها الحيوي، ونقاط تمركزها الاستراتيجية، بين معالم دمشق؛ دبابة تقف عند سور البرلمان، وأخرى أمام درج بنك سورية ولبنان، وثالثة أو أكثر عند قصر الضيافة، وكتيبة مشاة تتخندق وراء أكياس الرمل عند مبنى الأركان القديم في الصالحية، وفي شارع شكري القوتلي، ولا ننسى القوة الضاربة سواء عند مبنى الإذاعة القديم في شارع النصر، أو في ساحة الأمويين عند مبنى التلفزيون الجديد.
لا يمكن الكتابة عن العقود الماضية وما جرى فيها من متغيرات، دون أن تخطف دمشق الحدث الرئيسي على المستويين السوري، وإلى حد ما العربي. ففي حين مثلت المسرح الصاخب للصراع بين العسكر والأحزاب، مثلت أيضاً الصراع بين القديم والجديد، البرجوازية والاشتراكية، وتحرر المرأة، والمخاض الديمقراطي، والنهوض القومي، وشعلة اليسار وانكسار الأحلام …
أما عالم دمشق الجواني، فلم تمنحه إلا لهؤلاء الذين أقاموا فيها، من أي مكان جاؤوا، أحبوها وأصبحوا جزءاً منها. أما العابر فلم يقتنص خصوصياتها، قد يعجب بها السائح، مع أنها لا تُبرز سوى مظهرها المخادع، الفاتر غالباً، الهادئ والمراوغ، المعسول والمبذول للجميع. لذلك تبدو دمشق للكثيرين مدينة محيرة، ففي نظر البعض متحفظة ومذعورة، كما وصفها وافدون إليها، وهذا ليس وليد العقود السابقة، بل قرون سبقت، ابتليت فيها بالغزوات والفاتحين الدمويين القساة. وتبدو للبعض الآخر منفتحة وودودة، لا تبخل عليهم بأسرارها. ومع هذا، أتقنت دمشق إخفاءها، وربضت وراء أسوار من التمويه، يبدو في أسلوب عمارتها وحاراتها الملتوية.
للمكان الدمشقي خصوصيته، فللحارة باب ضخم يوصد بالترباس والأقفال، ينفتح على أزقة وزواريب ودخلات ضيقة ومتداخلة. وللبيت الدمشقي تقاطيعه: الباب الذي لا يوحي بما خلفه، الدهليز المعتم، المؤدي إلى باحة الدار والليوان، جنة الأزهار والورود وأحواض العرائش والأشجار المثمرة. القسم التحتاني من البيت؛ القاعة والصاليا، المطبخ، ثم الدرج المؤدي إلى الفوقاني؛ غرف النوم، الفرنكة، ومن ثم السطح. عدا ما يحتويه من دخلجات مثل، الداكونة، بيت المونة، الليوك، الخص… في كل زاوية ذكرى أو ذكريات، تختزن ما لا يبتذل ولا يباح به.
الشوارع لم تتغير كثيراً، كانت هادئة حركة السير قليلة وغارقة في النعاس، اليوم تشكو من الازدحام وغارقة في الوجوم. دمشق المدينة الحالمة، هذا ما كانته، وهو زمن يبدو الآن كأنه لم يكن، أشبه بحلم ليلة صيف، لن يتجسد أبدا، بالمقارنة مع الثكنة العسكرية التي أمست عليها اليوم، منذ بدأ الربيع العربي واندلعت الاحتجاجات في أرجاء سورية. باتت دمشق تعج بمناظر فظة ومستهجنة، الأسوار الاسمنتية العالية، استحكامات الأكياس الرملية، شبيحة بعضلاتهم المفتولة ولحاهم المقرفة ونظراتهم المفترسة، وعسكر بلباس الميدان الكامل، يستوقفونك بخشونة، يرطنون بالشتائم، ويستفزونك بغلاظة، يسددون أسلحتهم نحوك ويسألونك عن هويتك.
ومنهم أيضاً الكثيرون الذين يؤدون الخدمة العسكرية، تلاحظهم غير راغبين بما يقومون به، يتعاملون مع الناس بلطف، يتبادلون الكلام معهم بخجل، متعبين يعانون من الحر والبرد، وأيضاً من الجوع. عندما تصادفهم تطمئن، ليسوا قلة، ولا نادرين. هذا جيش البلاد الذي جرى تشويهه. هؤلاء الشبان معرضون للموت من الجانبين، من ضباطهم إذا راودتهم الشكوك فيهم، ومن الثوار لأنهم جنود.
دمشق مدينة مفتوحة على الدمار، مداخلها ركام وحطام. الأحزان لأهاليها، والأفراح لمؤيدي النظام، يطلقون الرصاص بوفرة وكثافة احتفاء بخطابات الرئيس. عربات الزيل كتب عليها “الأسد أو لا أحد”، “الأسد أو نحرق البلد”. الجنود يهتفون: “الله، سورية، بشار وبس”. قصف وانفجارات وتفجيرات، طائرات الميغ الروسية تحلق في السماء، يُسمع دويها، ثم تُرى بالعين المجردة، تطلق صواريخها من بعيد على أبنية يظللها الغبش الرمادي، لتظهر بعد قليل مآذن الجوامع تبتهل إلى السماء من خلال أعمدة الدخان المتصاعدة. طائرات الهيلوكوبتر المحملة بالبراميل المتفجرة تنطلق نحو داريا والقابون والغوطة… أو تعلو في السماء، وإذا انقضت على الأرض فلتمشط البساتين والحقول، كأنها تقوم برش المبيدات على الحشرات، بينما هي تطلق الرصاص على كل ما يتحرك. جبل قاسيون المطل على منظر دمشق الساحر في الليل، زرع بمنصات لإطلاق الصواريخ. القناصون يعتلون الدوائر الحكومية ومعظم الأبنية السكنية العالية. الطرق الرئيسة والفرعية والأزقة والساحات والأسواق تتقاسمها اللجان الشعبية وشبيحة مدججون بالأسلحة وجعب الذخيرة. تراهم جالسين على الكراسي والكنبات المنهوبة ، يشربون المتة والشاي ويدخنون الأركيلة، وخلفهم كتب على الجدار: “شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد”.
كل من يعتقل، بصرف النظر عن السن أو المكانة أو العمل، سيكون مصيره مجهولاً تماماً، يعتمد على الحظ والمصادفة. في الحروب الهمجية، الحظوظ معدومة، والمصادفات قاتلة. حلقة مفرغة، ودوامة من أخبار تحطم الأعصاب، صور شهداء شبان في زهرة العمر، تركوا دراستهم الجامعية والتحقوا بالثورة، أو في جيش النظام قتلوا أثناء دفاعهم ليس عن الوطن. عائلات بأكملها ماتت تحت الركام، ناشطون شبان أعدموا ميدانياً، معتقلون على الحواجز أو أثناء المداهمات قتلوا دعساً بالبساطير، وفعست رؤوسهم بالأحجار. متطوعو إسعاف وإغاثة اعتقلوا وأعيدوا جثثاً هامدة. أطفال قتلوا برصاص القنص عن قصد، نساء صرعى أجسادهن ملقاة في الشوارع لا يستطيع أحد الاقتراب منهن خوفاً من القناصة…. سعيد من يجد من يدفنه سواء في قبر أو حفرة، بدلاً من أن يترك طعماً للكلاب.
كل شيء تغير، سكان العاصمة ازداد عددهم مع أن الكثير من العائلات هجروها، حل محلهم نازحون من الأرياف، احتلوا الحدائق والمباني المهجورة، ينامون في العراء مع قليل من الأغطية، يقدمها إليهم المارة والجمعيات الخيرية، وينتظرون من يقدم لهم وجبة طعام، أو يدبرون شيئاً ما يأكلونه. في رمضان والأعياد قد تكون حظوظهم أوفر، ففي إطعامهم ثواب.
الكتل الاسمنتية متناثرة في الشوارع أمام الأبنية الرسمية والمؤسسات الحكومية. الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش منتشرة عند كل بوابة وحي وزقاق. نقاط عسكرية تدل إليها لوحات كتبت عليها عبارة “يمنع المرور”. المؤسسات الحكومية تحولت إلى معسكرات للجان شعبية وقوات الدفاع الوطني ينطلقون منها لعمليات المداهمة. يقدر النشطاء ان حوالي 300 حاجز ونقطة تفتيش متوزعة في مداخل ومخارج الأحياء. أطراف دمشق الساخنة أغلبها تسيطر عليها المعارضة بدءاً من داريا والحجر الأسود مروراً بنهر عيشة جنوب دمشق. بات مألوفاً مشهد ازدحام السيارات وتعالي صيحات السائقين من طابور طويل قد يستغرق ساعات. أصبح أمراً عاديا انقطاع تيار الكهرباء ومياه الشرب وخدمات الانترنت والاتصالات، ألفه سكان دمشق.
دمشق اليوم مدينة محتلة، لميليشيات محلية ولبنانية وعراقية وإيرانية يصعب حصرها ذات صبغة مذهبية، التاريخ عاد بها إلى عصور بادت، واستردت حظوتها في زمن ليس زمنها. يبدو زوال دمشق قريباً، وحلّ أوان الوداع.
أهلها يعتقدون أنها باقية، رغم أنها لبست لباساً موحداً، لباس الحرب والموت.
“تعود مدينة السويداء لتظهر من جديد في ساحة الخبر السوري مع مشهد اعتقال الناشط المدني والمعارض جبران سلامة مراد. الشاب الثلاثيني الذي ألقت دورية تابعة للمخابرات العسكرية القبض عليه، على الطريق بين مدينَتَي السويداءــ القريَّا، له سجلٌ حافل في النشاط السياسي والعمل على تحقيق أهداف الانتفاضة السورية في التحرر من الاستبداد، والتأسيس لحياة سياسية وديمقراطية في البلاد. فجبران ينتمي لعائلة لم تكن بعيدة عن أجواء الاعتقال والملاحقة في عهد الأسد الأب، والده سلامة مراد وعمّه حديثة مراد الوزير السابق وصاحب كتاب (تجربتان: سلطة واعتقال) قضى في السجن أكثر من 25 عاماً بعد الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد ضد تيار صلاح جديد صبيحة 16 تشرين الثاني من عام 1970.
في التاسع من حزيران 2017 تمّ إلقاء القبض على جبران بعد عدّة اعتقالات سابقة وملاحقات لم تنتهِ حيث ما زالت السلطة الجمهوريّة المورَّثة في سوريا تواصل ممارسة سياساتها القمعية بحقّ أجيالٍ من المعارضة، وبحقّ أصحاب الرأي المختلف تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب.”
وبفعل الحرب السوريّة التي أفقدت السلطةَ الكثير من أدوات هيمنتها وبطشها، تمكّن أفراد عائلة جبران من احتجاز عناصر تابعين للأمن راوح عددهم في أيام قليلة بين 7- 12 عناصراً. ثمّ احتشد أقارب جبران وعدد كبير من الناس التي رأت في قضية اعتقال الناشط جبران مراد قضية عامّة تستطيع من خلالها الاحتجاج على سائر التوغلات الأمنية، وبالفعل كانت الساحة أمام مبنى قيادة الشرطة هي المكان الأساسي حيث أُشعلت الإطارات وتمّ قطع الطريق على وقع وعود تفاوضية باردة من طرف السلطة، تولّتها بالمقابل قنواتٌ دينية (المؤسسة التقليدية القديمة مشايخ العقل، وحركة مشايخ الكرامة التي ظهرت بعد عام 2011) قبل أن يُصار إلى إطلاق سراح كل عناصر الأمن أو الجيش، لكنّ الخبرَ عن جبران غير مؤكّد، وكلُّ جهة أمنية تلقي بالتبعة على الأخرى 2.
لكن لا يمكن قراءة هذا الحدث الأخير معزولاً عن سياق ما جرى في المدينة خلال السنوات التي تلت الانتفاضة السورية. فرغم قربها الجغرافي من مهد الانتفاضة في درعا، احتفظت مدينة السويداء بخصوصية في الصراع السوري حيث لم تشهد دماراً أو حرباً أو تشكيلاتٍ لكتائب عسكرية معارضة كما حدث في معظم المناطق السورية الساخنة. لكن المدينة شهدت نقطة تحوّل أساسية في علاقات القوة بين أبناء المدينة من جهة وبين المدينة والمركز (دمشق) عقب اغتيال الشيخ وحيد البلعوس الذي يُعتبَر ظهوره مع حركته المسلحة “مشايخ الكرامة”، حتى اغتياله في أيلول 2015، مركزاً لكل قراءة سياسية في المدينة. وعليه لابدّ لنا من العودة قليلاً لأحداث الأعوام الماضية من أجل ترتيب المشهد ومحاولة فهمه.
-1-
لمع نجم رجل الدين الدرزي الشاب وحيد البلعوس (1972-2015) بعد عسكرة الانتفاضة السورية وتحولها إلى صراعٍ مسلح حيث خاضَ فصيلُه المعروف باسم “مشايخ الكرامة”، وبشكل مستقل نسبياً، عدّة معارك على أطراف محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، ضد قوى إسلامية محسوبة على المعارضة، كان أشهرها في صيف العام 2014. ثمّ بروزه كقوة احتجاج شعبي ومطلبي واجهت السلطة الحاكمة التي فتكت بالقوى السياسية المعارضة من جهة، وتصدّت، من جهة ثانية، لحالة الهشاشة والانكفاء التي ألمّت بهذه الكيانات والشخصيات.
في بدايات 2011 كانت الشريحة الاجتماعية في السويداء التي تلاقت مع شعارات الانتفاضة السورية، شريحة متعلّمة وذات انتماء سياسي (من الأحزاب التقليدية للمعارضة السورية). مع مرور الوقت وضمور أي دور اجتماعي لهذه الشريحة الهزيلة وسرعة مغادرتها للبلد، وتأزم الصراع المسلح ودمويته، دُفِعَ بالشيخ البلعوس إلى الواجهة، وبدأ باستقطاب شباب خابت آمالهم، وانسدّ الأفق بوجههم.
كان تبني البلعوس للمطالب الشعبية والمعيشية للناس تدريجياً وليس دفعةً واحدة، لكنّه كرجل دين صاحب توجّه إحيائي تعذّرَ معه ارتقاءُ خطابه السياسي، كما أنّ افتقادَ الصراع السوري لإطاره الوطني من جهة ثانية، وتنامي الأصوليات المقاتلة وخطابها الطائفي من جهة ثالثة، لم يساعد على حمل هذه المطالب وتحريرها من لغتها الدينية الخاصة ومقاطعتها مع مشاريع المعارضة السياسية، التي فضّل جزءٌ منها أن يستثمر بالحالة الدينية للبلعوس (كدرزي المذهب) كما هي، وسعى بمحاولات متكررة إلى فتح قنوات تواصل إعلامية وعسكرية مع حركته. في حين لم يصدر عن جزء آخر من المعارضة الداخلية (والعاملين فيها من أجل التوصّل لحل سياسي عبر صيغة توافق دولي)، أي تعليق رسمي أو اعتراف بهذه الظاهرة التي تمّ بالتالي تجاهلها.
-2-
ظلّت مدينة السويداء طيلة أربع سنوات من عمر الصراع السوري، تستوعب السوريين الذين هجّرتهم آلةُ الحرب النظامية من مختلف المدن، حرصت حركة البلعوس خلالها على ما سمّته بـ”تحريم التعدي منّا وعلينا”، وبالتالي لم تشترك مجموعته في نصب الحواجز التي أرهقت حركة النازحين، في حين لم تكن عناصر “الدفاع الوطني” التابعة لأجهزة المخابرات، لتتورّع عن الإساءة المباشرة للنازحين.
لكنّ التناقض الأبرز الذي وقع فيه حامل شعار “تحريم التعدي”، هو تولي فصيله المسلّح دون الفصائل الأخرى (وفي السويداء قرابة 17 فصيلاً بين العائلي والديني) عمليات الخطف والمبادلة سواء مع جبهة النصرة، أو قوى المعارضة الأخرى، أو حتى قبائل بدوية اتهمها البلعوس بمساندة النصرة واشتبك معهما في بلدة داما عند حصن اللجاة (أيلول 2014) وقضى بالمعركة أحد إخوته. هنا لعب العميد وفيق ناصر رئيسُ فرع الأمن العسكري في المدينة، دور “الناشط السلمي”، ليتّهم البلعوس ورجاله بإشاعة الفوضى وتهديد العيش المشترك مع الجارة درعا! بينما اتّهم البلعوس النظامَ والجيش بالتخلي عنه في هذه المعركة، لتبدأ العلاقة بينهما بالتوتر، ستصل لاحقاً إلى درجة إشاعة خبر إقالة النظام لرئيس هذا الفرع، لتهدئة الأنفس، قبل أن يعيده بعد أقل من أسبوع.
-3-
حاولت مجموعة “مشايخ الكرامة”، تأمين بديل خدمي للناس إثر تراجع الدور الخدمي للدولة، مع ذلك لم يستطع البلعوس أن يوسع قاعدته الشعبية بما يتوافق مع طموحه المذهبي، لأسباب تعود إلى حساسيات عشائرية داخل الطائفة الدرزية ذاتها، وميل قطاعاتٍ واسعة منها لعدم التورط في صراع مع النظام. بدورها اتهمت قوى المعارضة النظامَ بأنه يجيّر الأقليات عموماً لصالحه، ويتعامل مع الطائفة الدرزية من خلال زعمائها الدينيين.
أمجد (اسم مستعار) وهو شاب في منتصف الثلاثينات، اعتقله النظام لنشاطه السياسي أكثر من مرّة، وكان عضواً في إحدى تنسيقيات السويداء عام 2011، يلخص في حديثه وجهة النظر المعارضة وتخوفها من بروز العامل الطائفي في المدينة، مطلع العام 2015:
“ضَمن النظام سياسياً ولاء الرؤساء الروحيين للطائفة (مشايخ العقل: أحمد الهجري، يوسف جربوع، حمود الحناوي) إثر قرار الإبعاد الديني (أو ما يعرف بالحرم) الذي فرضه هؤلاء الثلاثة مجتمعين على البلعوس جرّاء تحطيم “مشايخ الكرامة” لحاجزٍ للمخابرات الجوية تكرّرت تعدياته على الناس، مطلع العام 2015″.
ويزعم أمجد بأنّ النظام قد أوعز “أمنياً لرئيس فرع الأمن العسكري بأكثر من ذلك خاصّة بعد أن تناول البلعوس، في تسجيلٍ هو الأشهر، رأس النظام (بشار الأسد) متهماً إياه بالتخلي عن المحافظة، مؤكداً أنه] أي البلعوس [يقول ما يقول ولا يريد غير سوريا وطناً، رافضاً أي كلام أو مشروع عن دولةٍ درزية. عندها راح الأمن العسكري يشكّل العصابات العائلية (أو ما تسمى الدروع والألوية) ويموّلها بالإضافة إلى حثالات الشبيحة”
-4-
جراء ذلك ارتفعت وتيرة المواجهة الشخصية بين البلعوس والسلطة، ثم كان رفض البلعوس الزجَّ بمجموعته في القتال إلى جانب النظام، بمعركة مطار الثعلة حزيران 2015 التي هاجمت فيها قوى إسلامية ومعارضة اللواء 52 شرقي درعا، لكن البلعوس لم يمتلك القدرة الكافية لمنع كتائب عائلية ودينية أو حتى حزبية (مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي) من الاشتراك مع النظام. الأمر الذي أوجد تلاقٍ بشكل أو بآخر مع أوساطٍ درزية، غير سورية، على عداءٍ شديد للنظام السوري مثل الوجيه الدرزي والنائب اللبناني وليد جنبلاط. كما حدث وتلقَّت حركة البلعوس تبرعاً بالأموال من دروز فلسطين بعيد مجزرة “قلب لوزة” التي ارتكبتها جبهة النصرة بإحدى القرى الدرزية في ريف إدلب، وتزامنها مع معركة مطار الثعلة، والخوف من دخول القوى الإسلامية للسويداء. أمّا الوجوه الدرزية، غير السورية أيضاً، إنما الموالية للنظام فقد ركزت في زياراتها للمدينة على اللقاء بمشايخ العقل، كما في حالة السياسيين اللبنانيين طلال أرسلان ووئام وهاب اللذين سبق لهما أن زارا البلعوس شخصياً أو عبر وفود، في داره الكائنة بمنطقة المزرعة، سنة 2011 وما قبلها، لدعم حركته الفتيَّة آنذاك.
بعد الموقف من معركة مطار الثعلة، تعزز إيمان قطاعات من الناس بجدوى حركة البلعوس بوصفها ملاذاً لعدد كبير من الشباب الذين لم يلتحقوا بالخدمة العسكرية بصفوف الجيش النظامي، يصف ماهر (اسم مستعار)، وهو أستاذ للرسم فُصل من المدرسة التي يُدرّس بها بعد طلبه كاحتياطي وعدم التحاقه، الخدمة الإلزامية بأنّها “باتت كابوساً يلاحق الشباب السوري بشكل عام، خاصة مع توسع النظام في طلب الاحتياط وإصداره قوائمَ مطوّلة بأسماء المفصولين من عملهم والكثير من هؤلاء الموظفين لم يعبّروا أساساً عن أي موقف معارض للنظام، الأمر الذي تركهم بلا مصدر دخل، وقطع عنهم قوت يومهم”.
-5-
بالعودة إلى الوضع الخدمي، صحيحٌ أنّ المحافظة لم تدخل الصراع المسلح كأرضٍ للمعارك لكنّ تململَ الناس بدا مقلقاً للسلطة. وتبلغ التقديرات المحلية (غير الرسمية) المتداولة لعدد من فقدوا حياتهم في صفوف الجيش النظامي بما يزيد عن 2000 شاب، (يُشار إليهم محلياً بـ”أبناء المحافظة” وذلك للتمويه على الحساسية الطائفية التي تخصّ وضع الأقلية الدرزية ومصيرها).
كما تدهور الوضع المعيشي بشكلٍ كبير مع تزايد الغلاء والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، الذي لم ينتظم حتى ضمن برامج التقنين المعلنة، وقد يمضي الأسبوع برمّته مقتصراً على بضعٍ ساعاتٍ من الكهرباء فقط، لكن تبقى الأزمة الخدمية الأكبر هي أزمة المحروقات (الوقود). وبعد شتاءٍ قارسٍ جداً خلال سنتي 2014 و2015، وندرة مادة المازوت أجبر الناس خلالها للاعتماد على الحطب ووسائل بدائية أخرى 3، برزت ظاهرة تبدو منافية للمنطق تماماً تمثلت بالتزايد الطردي لمحطات الوقود داخل المحافظة مع تناقص مادة الوقود الرسمي الذي توفره حكومياً! ونتيجةً لعمليات الاحتكار والتهريب تمكنت شخصياتٌ فاسدة مرتبطة بالأجهزة الأمنية وبعضها على رأس ميليشيات، أو تسخرُهم ضمن شبكاتها، من بناءٍ ثرواتٍ شخصية. اصطدم البلعوس مع بعض هذه الشبكات واستطاع أثناء العاصفة الثلجية مطلع العام 2015 من مصادرة شحنة مازوت حكومية وقام بتوزيعها على عدد من قرى الريف الغربي وقاعدته الشعبية في ناحية المزرعة 4. أستخدم مصطلح “التهريب” هنا تجاوزاً لأنه عندما كان بعض الشباب المعارض يقوم بتمرير “تهريب” الغذاء والأدوية لقرى درعا المحاصرة كان النظام يعتقل الناشطين القائمين على ذلك، أمّا عندما يقوم رؤساء عصابات بتمرير صهاريج من الوقود وقاطرات من الإسمنت (يستخدمها المقاتلون بصناعة الدشم) فإن الأرباح تُقتسم بينهم وبين السلطة والحواجز من جهة أخرى).
أمام هذا التناقض جاء تحرّك مجموعة شبابية حملت اسم “نظّف بلدك” قبل أن تتوسع وترفع شعاراً أكثر حدّة “خنقتونا” (1 أيلول، 2015) ولم تنادِ بالعنف ومثّلت صوت الناس ومطالبها المشروعة وتوقها إلى الحياة، في تأثرٍ نسبي من حيث التنظيم والشعارات بالتظاهرات المدنية التي عمّت شوارع بيروت تحت شعار “طلعت ريحتكن”. وبالفعل استمرّ الاعتصام لمدة 4 أيام أمام مبنى المحافظة، ردّت فيها السلطة على الاعتصام بقطع الانترنت والكهرباء عن المدينة. في حين صمد شباب الاعتصام والكثير منهم كان على رأس تظاهرات 2011 ويمتلك مستوى من الوعي السياسي حاول النظام طمسه لكنه فشل.
في هذه الفترة لم يحدث اعتداء على المتظاهرين من قبل تجمعات المسلحين الموالين للنظام، ونوعاً ما كانت حركة التظاهر أيسر بما لا يقارن مع مظاهرات 2011 التي حصلت في المدينة. لكن لا ينبغي النظر إلى التساهل الأمني مع هذه المظاهرات على أنّه مؤشر على تغير في سياسات النظام الأمنية أو بادرةٌ منه باتجاه انفتاحٍ سياسي تجاه المنطقة، بل لأن الجميع يدرك حجم السلاح الذي بات منتشراً بين الأهالي، والجميع يترقب ويتخوّف من الساعة التي سينفجر فيها بوجه الناس.
لم يتوقع أحدٌ أنّ اليوم الذي ارتفعت خلاله حدّة تحشيد المظاهرات وازداد عدد المشاركين في الاعتصام، مع إعلان الشيخ البلعوس استعداده لحماية القائمين عليه دون تدّخلٍ ميداني مباشر من رجاله 5، سيكون نقطة تحول فارقة في مسار الحراك السياسي والاجتماعي في السويداء. لم يتوقع أحدٌ أنّ الرابع من أيلول ( (2015سينتهي بجريمة اغتيال دموية راح ضحيتها الشيخ البلعوس نفسه في تفجير بعبوة ناسفة استهدف سيارته في طريقه من ظهر الجبل بمنطقة عين المرج، تلاها تفجيرٌ آخر داخل المشفى الوطن بلغ عدد ضحاياه 36 شخصاً.
-6-
سرعان ما اتهمت المعارضة السلطة الحاكمة بالوقوف خلف عمليتي الاغتيال والتفجير، وعمّت اضطرابات عنيفة شوارع المدينة ليلة الجمعة 4 أيلول 2015. أسقط المتظاهرون تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد من أهم ساحة في المدينة (الصورة رقم 1)، واستلم عناصر من رجال الدين الدروز الحواجز على مدخل المدينة، في حين لم يعثر على أثر للمحافظ عاطف الندّاف، أو رؤساء الأفرع الأمنية، أو أمين فرع الحزب شبلي جنّود (الذي سيُقتل لاحقاً في ظروف غامضة 6). يزعم فايز وهو رجل دين شاب شارك في إسقاط التمثال أنّ هذه الشخصيات القيادية قد هربت إلى دمشق عشية عملية الاغتيال.
عقب الاغتيال، ساد جوٌّ من القلق والترقب بين أهالي المدنية لاسيما مع عزلها عن العالم الخارجي بقطع الإنترنت وعودة متقطعة للتيار الكهربائي، كما فاقمت الإشاعات من حدّة الخوف من قطع طريق السويداء دمشق، وكان طلاب جامعة دمشق أكثر المتخوفين من هذه الإشاعة. لكنّ الأيام التالية هدّأت من حدّة الاحتجاجات إلى حدّ كبير، مما أزعج أطيافاً من المعارضة السورية والناشطين الذين أملوا أن تكون نتائج حركة الاحتجاجات ذات جدوى سياسية أكبر من اقتصارها على إزالة تمثال وسط المدينة. وخبت آمالهم تدريجياً في الاستثمار في أي تصعيد، وتسخين الجبهات، دون أي تخطيط أو حساب لموازين القوى المجتمعية والمذهبيّة في مدينة السويداء!
-7-
بدأت السلطة بلملمة المشهد السياسي. فغياب شخصية دينية كاريزمية، مكّن من وضع حدّ لحركة “مشايخ الكرامة” بأسرها، في ظل افتقار هذه الحركة أصلاً لأي برنامج سياسي يضغط معها صوب تحقيق أهدافها، وتعويلها فقط على مفهوم “الرجولة” الأمر الذي يضعها في مهب رياح المناوأة والاستثمار على حد سواء، دون أن يكون لها هي في ذاتها شيء.
أمّا بعض الفصائل المعارضة المنخرطة بالصراع العسكري، والتابعة لجهة معارضة رسمية كالائتلاف، فقد خسرت صوتاً من الداخل. فرغم أن حركة “مشايخ الكرامة” لم تُعرّف أو تعي نفسها كحركة معارضة لكن تطوّرها التدريجي وتزايد شعبيتها كان سيفيد المعارضة السياسية في حال لو فتحت قنوات اتصال مع الحركة. أما من الناحية العسكرية، كان من شأن التحالف أن يؤدي إلى تكوين تراكم يُرجّح الميزان العسكري لصالح معاركها، ويُحرّر قوى المعارضة المسلحة “إعلامياً” من وصفها بالإسلامية أو المتطرفة بناءً على موقف تقارب مع رجل دين ينتمي للأقلية الدرزية، الأمر الذي كان من شأنه أن يُربك علاقة النظام بهذه الأقلية، خاصة أن دعاية النظام ــ بحسب زعم المعارضةــ تقوم على ادعائه بحماية الأقليات.
وبالفعل خرجت أصوات إعلامية تابعة للمعارضة لتروّج لبعض العبارات السهلة والمكررة عن التحاق المدينة بالثورة، وعن التحرير والإدارة الذاتية وتقديم الدعم العسكري. متجاهلين أنّ أقدام هؤلاء أساساً غير ثابتة في مناطق سيطرتهم المزعومة والتي تتعرض لشتى أنواع التهديد ومن أفرقة مختلفين. فلم يعد المشهد بعد عسكرة الانتفاضة السورية وتحولها إلى حربٍ طاحنة كما كان خلال الأشهر الأولى، وقد خبر ورأى معظم المدنيين بأعينهم كيف تحكم المعارضة مناطقها “المحررة” (أو بالأدق كيف لا تحكم، إنما تتركها للمتطرفين)، وسرعة قصف النظام لها بالبراميل، كما خبروا فرارَ الناس منها، على اختلاف أسبابه.
هذه القراءة الرغبوية لما جرى في السويداء آنذاك، وما يجري الآن من تنامي عمليات الخطف وتحوّلها لمصدر تمويل ذاتي للحركات المسلحة مقابل فديات مالية باهظة، يُغفل عنصراً أساسياً في تحليل ديناميكيات الصراع الأهلي المسلح. فكيف يتوّقع هؤلاء الخبراء والمحللون أن ينزلق أهالي مدينة السويداءــ وهم متخوفون من قطع طريق الشام-السويداء، والإجهاز الكامل على ما تبقى من الخدمات الأساسية الضرورية، ومن انتقال الصراع العسكري إلى شوارع المدينة التي بقيت آمنة نسبياً طيلة سنوات الحرب، ومن تصاعد الخطاب الطائفي والاستهداف المباشر (كمجزرة قرية قلب لوزة في إدلب في حزيران 2015)ــ 7 إلى مغامرة غير محسوبة العواقب وحسب وإنما أيضاً مضرّة بمصالحهم اليومية.
-8-
في أيلول 2015 هزّت الحربُ السورية السويداءَ وضربتها في قلبها، وبدا الصراع وشيكاً خلال أيام ومرشحاً للتصعيد، وشهد انتقالاً من أطراف المحافظة إلى مركزها، وبين مواطنيها أنفسهم، إلا أنّ الولاءات هنا تتوزع فيما هو أوسع ومختلِف تماماً عن ثنائية القياس المحدود بين موالي ومعارض، كما أنّ الاعترافات التي بثّها التلفزيون السوري 8 يوم الأحد (التالي ليوم الجمعة الذي وقعت فيه عملية التفجير) لمن يقال إنه المتهم الرئيسي بعملية الاغتيال (المدعو وافد أبو ترابة) قد ساهمت في نشر الشكوك والبلبلة بين “عائلات” الضحايا. وبالرغم من ركاكة الحبكة، لكنّ الأسماء التي ذكرها المتهم تمّ اختيارها لتلائم الحساسيات العشائرية ضمن الطائفة الدرزية ذاتها، وهنا يتحوّل السبب الواهي إلى سبب ضروري يتمثل باستدعاء موروثات محلية تحت اسم ‘حقن الدماء’.
مع رؤية الأمور من هذه الزاوية قلّت فُرص دخول السويداء على خط النار بالرغم من “عروض القوة” التي خوّفت بها الفصائل المسلحة الدرزية (داخل المحافظة) بعضها البعض من جهة، وتخوّف الناس أجمعين من جهة أخرى. عدا عن الأداء المعارض الهزيل وعجزه عن تقديم بديل للناس، كلُّ ما سبق لم يدفع بالمدينة للترحيب ببيانات الكتائب المسلحة المعارضة (المحيطة بالمحافظة) والتي تدعو نفسها بنفسها للدخول وتحويل أرض المدينة إلى ساحة معركة، بعد أن ضاقت مساحات المدن المهدمة عليها. بل إنّ هكذا دعوة هي بالأصل ما خاضت المعارك ضده حركة الشيخ البلعوس.
بمعنى آخر إنّ الحساسيات السياسية والأهلية التي عرضنا تجاذباتها داخل المدينة وداخل الأقلية الدرزية تبدو غير مستعدة لخوض معركة غير واضحة المعالم، على أرضها وبدماء “أبنائها”، لتفرّط بباقي ما تبقى من شبابها الميّت والمهجّر مقابل الوعود فقط. ولو أنّ خلاصةً كهذه قد تُغضب الناشطين المتحمسين الذين سرعان ما انحطّت لغتهم لمستوى من القَبَليّة لدرجة أنهم صاروا يعيّرون الأهالي بالجبن وقلة النخوة، وكأنّ هذه القيم الثابتة والجوهرانية هي المحرّك الأساسي للناس لا الظروف السياسية والاقتصادية. هذا ولم نقل شيئاً عن الخطر الذي يتهدّد الجميع ويستغله الجميع وسبق أن حاول مراراً غزو أطراف المحافظة فعلياً من ناحية البادية الشرقية، ونقصد هنا داعش.
أخيراً جرى عبر هذه الجريمة المنظّمة تصفيةُ عدة أصواتٍ لا صوتاً واحداً: كان البلعوس يتحرك باتجاه أكثر ثباتاً وقوة في معارضته الحازمة للسلطة وخلال أربعة أيام كان الحراك المدني “خنقتونا” يتطور بشكل سريع، فجاء الاغتيال ليقطع مسار تطور الاثنين ويضعنا على أعتاب مرحلة أكثر عنفاً، ليبقى الشيء الوحيد الأكيد أنّه من غير الممكن تحليل مسارات الصراع وعلاقات القوى دون الأخذ بعين الاعتبار تفاعل السكان المحليين وإمكاناتهم المادية من جهة، والمصادر التي تشكّل وعيهم من جهة ثانية، كما لن يتيسّر لأي جماعة سورية الخروج من هذا النفق إلا بإيجاد صيغة دولية لحل عادل يخلّص السوريين أجمعين ويضع حداً لمأساتهم قبل تورّط ما تبقّى منهم في دوامة الحرب والدم.
هوامش
1- ملاحظة: كُتبت هذه المشاهدات في السويداء مباشرة بعد عملية الاغتيال وتم تعديله ليتوافق مع الأحداث الأخيرة
2- تم إطلاق سراح جبران مراد أخيراً في 20 تموز بعد مرور قرابة أربعين يوماً على اعتقاله.
3- للاطلاع على تفاصيل الاحتطاب والمصادر البديلة للوقود في محافظة السويداء، يمكن مراجعة: الحناوي، معتز، ” سنديان السويداء ولعنة الحرب السورية.” جدلية، 23 حزيران، 2017
4- في الفيديو التالي المصوّر في قرية المزرعة في السويداء بتاريخ 10 كانون الثاني2015، يتحدّث الشيخ البلعوس عن أزمة المازوت وسبب الخلاف مع السلطة التي حاولت مصادرة شحنة مازوت وصلت إلى محطة خالد نصر للوقود لتغطية حاجة الأهالي خلال فصل الشتاء القارس. حاول “بعض المسؤولين،” بحسب البلعوس، في الأجهزة الأمنية مصادرة المازوت بذريعة أنه “مُهرّب” و”غير نظامي” رغم دخول الشاحنة قانونياً عبر الحدود اللبنانية-السورية لإعادة توزيعه على أقاربهم وشبكاتهم.
5- كان الشيخ البلعوس يتحاشى الاصطدام المباشر برجال الأمن وموالين النظام المسلحين الذين يعتبرهم بأنهم من “أبناء” المحافظة، وقد خَبِرتُ بناءً على مشاهدات عينية مباشرة وسمعت مراراً استخدام البلعوس لتعبير أبناء المحافظة في قرية المزرعة في السويداء. وقد أشرت إلى أنّ استخدام توصيف “أبناء المحافظة” لا يضمر حساسية دينية فقط (من هم هؤلاء الأبناء؟) بقدر ما يظهر بالمقابل نوعاً من الحرص الأبوي عليهم. وبالتالي مهما اختلف الموقف السياسي للجهة أو الشخص الذي يصدر على لسانه هذا التوصيف فإنّ الظهور بمظهر الحريص سيكسبه بالضرورة رأسمالاً شعبياً سهلاً وغير مكلف مقارنة بالمواجهات الميدانية المباشرة التي لا يضمن أحد نتائجها.
“Last week, some in the Syrian opposition were fired up by reports that Saudi Arabia asked the Syrian opposition to accept Bashar Al Assad’s survival as a fact. The alleged request took place during a meeting between the Saudi foreign minister, Adel Al Jubeir, and the opposition’s High Negotiations Committee.
The Saudi foreign ministry disputed the accuracy of the reports. According to an opposition figure present at the meeting, Mr Al Jubeir merely conveyed to the opposition that the focus of the international community has shifted away from any attempts to bring down the regime and that various opposition blocs should come together to form a broader negotiation front. Opposition members fear that a new Saudi stance would reverse an earlier opposition consensus in Riyadh in December 2015 that Mr Al Assad should leave at the start of a transitional period.
Saudi Arabia and regional allies recently moved to reshuffle the opposition’s structures, to expand the representation of the hawks-dominated and divided HNC and to stem the influence of extremists within the political and military bodies. There is also a plan to bring together the opposition blocs known as the “Cairo platform” and “the Moscow platform”.
Notwithstanding official rhetoric, though, even the most committed of the rebel backers have already moved well beyond the acceptance of Mr Al Assad as a reality. Some countries have taken steps with the assumptions that the regime is not going anywhere. The problem for the Syrian rebels is that they still fail to see the changes, especially in regional countries they consider to be their strongest backers.
When Donald Drumpf was elected the president of the United States, Gulf countries wishing to undercut the growing Iranian influence in Syria considered lifting pressure from the regime in Damascus as a way to reduce its need for Iran. The most damaging policy change to the Syrian opposition is that of Turkey, the rebels’ most critical backer. While many in the opposition continue to see Ankara as a patron of their cause, Turkey’s priorities today often run counter to their interests.
Ankara shifted its Syria policy last year, specifically after it launched an operation to fight ISIL in August. It moved from aggressively backing the rebel cause to focusing on disrupting Kurdish expansion near its borders. It has since worked closely with Russia and Iran – politically in Astana, the Kazakh capital, and militarily on the ground.
Turkey has arguably done the most to steer the conflict into the current political trajectory. Politically, Turkey enabled what can be called the “Astana-isation” of the Geneva process. The Astana Process is a Russia-led platform essentially designed to change the nature of the conversation about the future of Syria, even if the Geneva process remains in place. American officials continue to speak of the Geneva process as the main legitimate international platform. But that is largely meaningless given how the conversation has developed over time. Turkey has been a key factor in this change.
The change in Turkish policy contributed to the rebels’ loss of Aleppo in December last year. Turkey and Iran brokered a deal in four Syrian towns near the Lebanese and Turkish borders that involved relocation of demographics. Ankara also watched as Al Qaeda’s Hayat Tahrir Al Sham, formerly known as Jabhat Al Nusra, tightened its control in Idlib near its border.
Turkey also stood idly by as Hayat Tahrir Al Sham weakened and fragmented Ahrar Al Sham, a previously key Turkish proxy in Syria, and forced it to give up control of a Syria-Turkey border crossing. Turkey also pressured Syrian rebels to participate in the Russia-sponsored Astana talks.
Additionally, Turkey also opposed the participation of opposition fighters in the fight against ISIL under the umbrella of the US-backed Syrian Democratic Forces, and continues to do in key areas like Deir Ezzor. This policy runs counter to the rebels’ interests since the United States insists on working solely with the SDF. Privately, some of these rebels understand that working under the US-backed umbrella will help them liberate and govern their own areas. Publicly, they feel under pressure to reject working with the “enemy” of their supposed Turkish ally.
Before its policy changes last year, Turkey, more than any other country and repeatedly over five years, had promised the opposition an “imminent” plan to establish no-fly zones and bring the full force of the international community to bear against Mr Al Assad. It had also focused its support to Islamist and jihadist elements within the opposition, although not exclusively. These policies raised the opposition’s expectations and strengthened extremists.
Despite such policies, most in the Syrian opposition see Turkey as an ally, mostly due to Turkey’s public support for the opposition’s cause and its commendable support for Syrian refugees. But it is time for the Syrian opposition to realise that Turkey is not in the same place today. It has been a critical enabler of the Russian strategy in Syria for at least a year.
The rebels have lost historic opportunities to expand their influence in territories previously occupied by ISIL. They are now set to lose what remains of their areas if they continue to be tools to their supposed backers in the region. Recognition of the recent policy changes in Turkey, and indeed other countries, could help the Syrian opposition think clearly about its future.”
Hassan Hassan is a senior fellow at the Tahrir Institute for Middle East Policy.
[This article was originally published by The National.]
In northwestern Syria, however, an overlooked but important battle has been taking place, pitting Hayat Tahrir al-Sham (HTS), a successor to the Syrian al Qaeda affiliate known as Jabhat al-Nusra, against Ahrar al-Sham, a rival Salafist group aligned with Turkey and Qatar. The two have been engaged in heavy fighting for control of Idlib Province, the epicenter of the remaining anti-Assad insurgency, and HTS has acquired important gains. It has seized the provincial capital, Idlib city, and forced Ahrar out of Bab al-Hawa, the main border crossing with Turkey. HTS, in other words, has already scored a major strategic victory against Ahrar and will likely dominate Idlib from now on.
HTS control of Idlib means that the province will increasingly be viewed as a pariah internationally. Although the group claims to be independent, the United States and the international community at large see it as an al Qaeda front. One result of this perception is that while HTS may claim that it can preserve NGO independence, fewer and fewer NGOs will be willing to work in Idlib, leading to a further deterioration in the province’s humanitarian situation. Moreover, the Assad regime and its allies will likely have greater international support for an offensive to retake the province.
But how did this disastrous turn of events come about, and who is to blame for it? Largely, the fault lies with Ahrar itself.
DECLINE AND FALL
With support from outside powers such as Turkey and Qatar, Ahrar has emerged over the course of the war as one of Syria’s most powerful rebel organizations. It possesses networks across the country, but is strongest in the north. Its prominence has made it the subject of polemical debate among Western commentators and policymakers, who are unsure whether to treat the group as a potential ally or enemy. Arguments about Ahrar (and Western policy toward it) have tended to focus on its internal ideological trends: although the group is commonly recognized as Salafist, outsiders disagree as to whether it is a jihadist group little different al Qaeda and ISIS or something more complex—a movement with diverse and evolving ideological strands, some jihadist, some more nationalist or moderate.
Yet debates about Ahrar’s ideology often obscure the bigger picture. The main problem with the group, from the Western perspective, has always been its role as an enabler of jihadists, whether or not its members can be fairly described as jihadists themselves or have changed their position over time. This problem was captured well in a 2014 McClatchy article in which Syrian journalist Mousab Alhamadee profiled Ahrar’s first leader, Hassan Abboud, who was killed in a mysterious explosion in September 2014 and with whom Alhamadee had had extensive interactions. Before his death, Abboud had apparently made attempts to distance the group from al Qaeda, with which it was most notably connected by way of Abu Khalid al-Suri, an Ahrar member who was appointed by al Qaeda leader Ayman al-Zawahiri in 2013 to mediate between Nusra and ISIS and who was killed in February 2014. But Alhamadee recognized that under Abboud’s leadership Ahrar had worked to bring large numbers of foreign jihadists into the country and undermine local councils and civil society. In particular, under Abboud Ahrar played a significant part in enabling the rise of ISIS in Syria in 2013—cooperating with it in Tel Abyad and Hasakah and standing by while it crushed other groups, such as Ahfad al-Rasoul in Raqqa. These problems came at a time when an early rebel mobilization against ISIS might have prevented it from seizing considerable swaths of Syrian territory.
Abboud’s death and Ahrar’s conflict with ISIS, however, did not lead the group to abandon its close working relationship with Nusra—even after the latter expelled the most important Western-backed group in northern Syria, the Syrian Revolutionaries Front, from Idlib by the end of 2014. In 2015, Ahrar and Nusra together set up and led the Jaysh al-Fatah alliance of rebel groups, which would go on to drive the regime out of all major towns in Idlib in the spring of that year. But the coalition made no further gains, and its advances in Idlib helped provoke the September–October 2015 Russian intervention that has over the last two years helped Assad win victory after victory, including the December 2016 recapture of Aleppo that dealt a major blow to the insurgency. Ahrar’s unwillingness to dissolve Jaysh al-Fatah meant that over time, Nusra was able to embed itself more deeply in Idlib society and grow in strength.Over time, certain political differences between Ahrar and Nusra—such as the former’s desire to distance itself from the al Qaeda brand—grew more pronounced, partially contributing to Nusra’s rebranding, first as Jabhat Fatah al-Sham (JFS) and later as HTS. For example, in early 2016 Ahrar rejected the idea of a merger with Nusra on the grounds of the latter’s al Qaeda affiliation, but even after that affiliation was officially dropped (and despite some support for the move within Ahrar) the group’s leadership feared that a merger would hurt its relations with Turkey, its main external backer.The fall of Aleppo, however, put further pressure on Syria’s remaining rebels to unify against the regime. Again, a merger between Ahrar and JFS was floated, but didn’t work out because of Ahrar’s fear of alienating Turkey. Infighting subsequently broke out among the Idlib rebels, leading several smaller groups to seek protection in Ahrar. Meanwhile, JFS, groups that had a close working relationship with JFS, and a pro-JFS faction from Ahrar came together to merge into HTS at the end of January 2017.AFTER AHRARAt the beginning of this year, it seemed as though Ahrar and HTS held roughly equal power in Idlib—a view I myself held at the time. In reality, HTS was strengthening its hand, gaining control of some important supply routes near the Turkish–Syrian border despite Ahrar’s control of the Bab al-Hawa border crossing. HTS, it turns out, was invigorated and determined to expand its administrative capabilities. Ahrar, although it knew it wished to maintain ties with Turkey, was indecisive, unable to formulate a clear stance against HTS. Indeed, it maintained the broader Jaysh al-Fatah alliance thanks to fears of further conflict. As Syria analyst Aron Lund wrote in early February, “The balance of power has now visibly tilted in favor of the jihadis”—that is, HTS and its allies.
Since then, a new round of infighting has begun in which Ahrar has suffered major losses. Conflict between HTS and Ahrar, as noted by Abu Sulayman al-Muhajir, an independent Australian jihadist previously involved in Nusra and JFS, was likely inevitable. The two have been running incompatible projects: both established their own administrative systems in Idlib, including governmental institutions such as courts, which could not coexist in the long run. And between them, HTS is clearly winning. Whatever words Ahrar’s leaders might utter against HTS are now of little use—the group allowed HTS to fester and grow for too long. Recently Ahrar, long one of the dominant groups in northern Syria, has even seen many defections from its own ranks to those of its rival.HTS’ ascendancy in Idlib can only be described as a major jihadist victory in northwestern Syria. That will lead to international pariah status for the province and increase the chances of a new regime offensive. At this stage, the only viable option for reversing this victory would be a direct Turkish military intervention in favor of Ahrar and other rebel factions in Idlib, although there is little incentive for Turkey—which does not see HTS as a direct threat to its territory—to do so. Absent that intervention, the most likely alternative is an ugly regime-backed offensive to retake Idlib, prompting greater refugee flows into Turkey.Such an offensive into Idlib is not necessarily imminent. For now the regime and its allies will still focus most of their firepower on ISIS in the east, hoping to outcompete U.S.-backed forces for valuable natural resources and control of the border with Iraq. In the long run, however, a negotiated compromise between Assad and HTS is unlikely: the latter clearly affirmed in a recent statement that “the revolution continues.” Eventually, however, Assad will attempt to take Idlib, and Turkey and the West may have to prepare for a new wave of refugees.”