بواسطة ناظم مهنا | فبراير 18, 2021 | Culture, غير مصنف
هو هو.. هي هي.. ها ها..
ما أروع الدولة حين تمزح يا “زد” وتحاول أن تكون خفيفة الظل، تتخيل الدولة نفسها في أوقات العبث حكماً في ملعب كرة، وتظهر هوساً في رفع الكرت الأحمر، وأنت لا يحق لك إلا أن تبتسم، أو تتذمر على طريقتك، ولكن احذر التمادي يا زد. أنت يا زد رفع في وجهك هذا الكرت، مزيلاً على طلب من طلباتك القليلة، وعلينا أن نعترف لك بأنك لم تكن لجوجاً في يوم من الأيام، هكذا مع التوقيع بالحبر الأخضر: /مع عدم الموافقة.
توقفْ يا زد هنا،لا تدخلْ في نفق التداعيات والتفاصيل، ولا تجعل ضغط الدم عندك يرتفع.
قد تكون الدولة التي يمكن أن نرمز لها بالحرف ” دال” أو “ضاد” من الضد، في غاية المرح، حين تخطّ هذه الجملة الجاهزة، وتهزّها في وجهك البريء، أو تخطَّها بأناة على الطلب الذي يترك فيه مساحة من البياض يتريَّض عليها فرسان الدولة بأقلامهم الفخمة، المذهبة، بياض يترك للضرورات ولراحة نفس الدولة. أنت يا زد مع أصدقائك لا تصدقون، أن الدولة يمكن أن تعبث، ولا ترون فيها إلا الوجه الصارم المتجهم، أليست الدولة كائناً حياً، يتدرَّج في النمو؟ وبعض الدول تطول فيها مراحل النمو حتى لتبدو ثابتة، من الصبا إلى المراهقة إلى الشيخوخة، هذا ما يمكن أن نستوحيه من ابن خلدون. وإذا مارسنا المزاح نفسه، وأطلقنا التداعيات على هواها، وتذكرنا المراحل الثلاث لنمو الطفل عند فرويد، وأسقطنا ذلك على الدولة، سنجد أنَّها تجمع المراحل معا مع إضافة صفة واحدة، فهي فموية ضاحكة، وشرجية مكتَّمة، وقضيبية منتصبة، ويمكن أن نعكس هذه الصفات.
في لحظات الجد، يمكن أن يسقط حرف الجر (مع) عن العبارة وتغدو: (عدم الموافقة) مجردة من الخفض والجر، وهنا جدية أكثر، وربَّما تعبير عن غضب أو سأم، وفيها حسم لا رجعة فيه ولا رخاوة. إذا جزَّأنا العبارة الأخيرة، وتوقفنا عند طرفها الأول “عدم” الخالي من أي بعد فلسفي، المجرد أيضاً من التعريف، والمضاف إلى المعرف، وما أدراك ما العدم ومشتقاته، عليك في هذه الحالة يا زد أن تفكر بالفرار أو بالهرب أو بالدخول في غابة لا نهاية لها. أما الطرف الثاني، المضاف، هو مهم في المعنى ولكنه جزء متراخ مثل جلد امرأة عجوز، أو مترهل مثل أذرع الأخطبوط النائم. الدولة أحياناً، يشبهها البلاغيون المتحذلقون بالأخطبوط المتربّص بالفريسة، يستيقظ عندما تقترب منه الفريسة، وتتحول أذرعه الرخوة إلى مخالب فولاذية. الرخاوة هنا استدراج. يتم جمع طرفي العبارة من قبل فرسان الدولة لتكون: عدم الموافقة، وتحتها التوقيع، وهو خط حاد ينتهي بقبضة تشبه سيفاَ يمانياً، تحته نقطة، خطَّه فارس غاشم، رمى لك بهذا السيف في أسفل الصفحة، على اليسار منها. قد لا تعرف أنت وغيرك هذا الفارس، ولم ترَ وجهه من قبل، لكنها إشارة رمزية تختزن القوة الصريحة والخفية للدولة. لا أعرف إذا ما كانت النقطة ضرورية، وعلى الأغلب هي ضرورية أكثر مما نُخمّن، قد تُقرأ على أنها نقطة النهاية أو الانتهاء، لا شيء بعدها، وإذا أحسنَّا الظن، نقدر أنَّها تعني عودة إلى أول السطر أو إلى أفق الاحتمالات، وهذا من باب الظَّن الطيب. كلمة ” انتهى” أكثر توافقاً مع الحالة من البداية، إذ، لا مكان لبداية جديدة.. إنه حكم قطعي، أنت يا زد مرفوض، ربَّما لو لم يكن اسمك زد لكان الأمر مختلفاً، عليك أن تكتفي بما أنت فيه، فالهواء الذي تتنفسه حتى الآن يمكن أن تقطعه الدولة عنك، وأن تقطع أنفاسك لو أرادت، الدولة لها الحق بكلِّ شيء، لها الماء والهواء والتراب والنار، وما فوق وما تحت الأرض، ولها جلدك وعظمك، روحك وأوردتك، كلّها.. عليك يازد، أن تشكر الدولة، هي أم ثانية، تريد الحفاظ على أولادها، مهما كبروا، هم صبيان مراهقون، يعبثون ويلعبون في حدائق الأرض!
أنت ساخط ومتبرّم على الأب والأم، والدولة ليس لها الوقت الكافي لتنشغل بك، عرفت ذلك أم لم تعرف. اسمك، مثلاً، غير مكتمل، غير ثلاثي، وهذا ليس ذنبك وحدك، بل خطيئة والديك، أو خطيئة الكاتب الذي اختار لك هذا الاسم المسوخي، حكموا عليك منذ الولادة باسم ناقص، لا يركب على الميزان الصرفي، وغير قابل بأي شكل أن يتحول على وزن فاعل أو فعل، لا مكان للطموح هنا، محكوم عليك بالنقصان في اللفظ والمعنى، وهذه لعنة اللعنات ياسيد زد. لكن، من غير المحسوم، أن اسمك زد كان منذ الولادة، فهذا غير مستخدم في الأسماء، وغير مستساغ، على الأرجح هو اختلاق أدبي محض، وأنت لا تستطيع أن تتأكد من هذا، لأن ذاكرتك بدأت في هذه اللحظة التي وجدت نفسك فيها على الورقة. إذا نظرت إلى النصف الملآن من الكأس، أنت لست مجرد حرفين صوتيين، بل ستة أحرف صوتية مجتمعة، لا تخلو من المعنى، إنها: (زال+ دال) هذا ليس أمراً مستصغراً، خلف هذه الخدعة البيضاء دراية وعمق فقهي، لا تؤول المفردات ولا تغص في تقصي النوايا، خذ ظاهر اللفظ، وتمتع بالإيحاءات الإيجابية لكلمة (مواطن) يعني أن لك وطناً، وأنت واحد من أفراد، يُسمَّون مواطنين، لست وحيداً، أو مقطوعاً، أو منفياً في خرائط العدم، أنت قابل للجمع، جزء من كلٍّ، والكل يتكوَّن من هذه الأجزاء المجموعة..
وكما تقول الكتب والأحلام والشرائع: للمواطن حقوق وعليه واجبات..
لا تعتقد يازد أنك نكرة، تعادل صفراً في مقياس القوة والحضور، كنت جندياً منذوراً للدفاع عن الحياض، وأنت تدفع الضرائب والرسوم المالية على أكمل وجه، تمنحك الدولة شهادة تأدية الخدمة، وهذه وثيقة شرف.
الفواتير تمنح إشعارات ممهورة بالختم الرسمي عليها اسمك كاملاً مع اسم الأب والأم والكنية. لولا هذه الحيثيات التي تبدو غير مهمة، لما كنت تعرف من أنت، ومن هو أبوك.. كنت ستكون لقيطاً بلا انتماء. أنت تنتمي إلى أرومة ضرائبية، بدليل هذه الفواتير الممهورة بالأختام الرسمية. تمنحك الدولة بطاقة شخصية، لا تكن جاحداً وتعتقد أنها لاتعني كثيراً، بطاقة عليها اسمك، واسم أبيك وأمك وكنيتك ومكان وتاريخ الولادة، والأهم من هذا كله، عليها رقمك الوطني.
كان زد يحاور نفسه، على الرغم من أنه يكره الحذلقات، لكن لا بد من أن يكون الإنسان الجديد مرتاباً أو ذا ريبة. زد يتفاعل مع كل جديد بإيجابية ووعي، ليس لأنه يكره العالم القديم، بل لأنه يحبُّ أن ينظر إلى الأمام لا إلى الخلف، كان قد قرأ مسرحية جون أوزبورن” انظر إلى الوراء بغضب” كان يرددها مع رفاقه في الجامعة والمقهى، كـ(مانشيت) في ميديا الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم. ليس زد جاهلاً أو بسيطاً، بل هو حاذق في التهكم، قرأ كتباً، ولا يزال يقرأ في الخفاء!
قال زد في نفسه، مهم جداً أن يكون الإنسان مواطناً، وجزءاً من الآخرين، له وطن وله معارف، جزء من كل. كان في غاية الانشراح، منذ الصباح حين خاطبه موظف النفوس بعبارة: يا (مواطن) إذن، أنت يازد مواطن! هل كنت تدرك ذلك؟ هذا الموظف الذي يمثل السلطة الرسمية أطلق عليك هذه الصفة الساطعة كضوء الشمس، كان الموظف لطيفاً، أملسا مثل أفعى بلا أنياب، لم يقل (مواطن) مجردة، بل مقترنة بحرف النداء المنعش: ( يا أخي المواطن) ربما كانت جدية ومن القلب، لكن لا تخلو من احتمالات التهكم! لاتفكر بالتهكم، الأحسن أن نتلقى بعض الكلمات بحيادية.
لكن سرعان ما تعكَّر مزاج زد بعد الظهر، بسبب انقطاع الكهرباء، وحرارة الطقس المرتفعة، وعاد ليفكر بمدلول كلمة مواطن على لسان الموظف، وصب فيها دفقاً من الريبة، اعتقد زد أن الموظف يقصد من الكلمة عكس معناها النبيل، إنه يريد أن يقول: أنت لا شيء، ليس لك إسم، عليك أن تبلع ريقك وتقبل الصفات التي يطلقونها عليك، لا يحق لك أن تتبادل معهم إنتاج الصفات، هذه لها مرجعياتها ومصادرها، وطريقة إنتاجها، أنت تتلقى، ولا يحق لك أن تنتج هذه الصفات وتصدرها، هذا النوع من الإنتاج اللغوي، حق حصري، تحتكره البيروقراطية، بكل قوتها الممركزة، المكثفة، وما فيها من فائض القوة. أنت يازد لا تشكل شيئاً في نظام الكلمات والأشياء، حتى لا تستحق أن تكون رقماً، أنت لامرئي في عالم الـ: (نحن) أنت من إقليم الـ: (هُمْ) أنت هو .. هو، هي.. هي، ها .. ها…
– من أنت، هل أنت عبداً في نظام العبودية؟
– لا، هيهات!
-هل أنت خصم؟
-لا
-هل أنت قابل للتأهيل؟هل أنت نقطة في خلاء؟
-لا، النقطة كبيرة الأهمية في عالم اليوم.
-لست حرفاً، ولا فاصلة، ولا نقطة، ماذا تكون؟
لا جواب، فالجواب اعتراف، سيكون إشعاراً آخر، بعدم الموافقة، هذا الحكم الأبدي المبرم، الذي أطلقه عليك الوجود الحاضر بقوُّة.
في مزحة أخرى استثنائية، استطاع زد أن ينتزع انزياحاً طريفاً على عبارة: “عدم الموافقة” فيما يشبه لعبة القط والفأر، حصل على ابتكار معابثة فكاهية مع الدولة، قدم له موظف كبير تعبيراً جديداً على طلب توظيف، من باب الحق في العمل الشريف والكريم، إنها عبارة: ” موافق أصولاً” ويالها من عبارة شكلت عزاء تراجيدياً للمواطن زد، الذي اكتشف بعد مرور أيام من المرارة والخيبة، أنها تحمل الشيء ونقيضه، الموافقة وإبطال الموافقة! كانت خالية من مفردة العدم، الصعبة، خالية من السلب، فيها أريحية محمودة، على الرغم من أنها لا تفضي إلى شيء، لكنها لا تخلو من مستوى ضئيل من الأمل، وهذا يدعو إلى السعادة،إمكانية أن تُطور الدولة آلية إنتاج العبارات بعد مراس طويل في هذا المجال.
(موافق أصولاً) إيجاب منفوخ مثل بالون ملوّن، لكنْ، اللعنة تكمن هنا، في الكلمة الثانية، المخادعة (أصولاً) وقد نسفت الإيجاب في الكلمة الأولى، إنه صراع نفي، ونفي النفي، تجيد أجهزة الدولة ابتكاره ببراعة ألسنية، تحويل الإيجاب إلى عدم، والجدوى إلى اللاجدوى. إنها دوامة من العبث بالكلمات، تجلب الخيبة والعدمية، بعد الشعور المتكرر بالخسران، ستكون دائما خاسراً يا زد في هذه الحلبة، حتى لايبقى فيك أي شعور بالذات!
في تفسيرات البيروقراطية المقيتة، على لسان مدرائها أو مديريها المحنكين، ابتسامة هزء مع هزِّ الرأس، والمدير يضع سبابته على فرج الجملة العذراء( موافق أصولاً) المتراخية في سرير بياض الورقة، ويقول: للأسف لا يوجد عندنا شواغر الآن. هكذا إذن، عليك أن تتأكد يا زد أو تستنتج تعريفاً خاصاً بك، إن الدولة تساوي عبارة عدم الموافقة أو مشتقاتها التي تؤدي إلى النتيجة ذاتها! هذا بعد اختبارات من المراقبة والعقاب، يا سيد فوكو. إذا كان المدير ثرثاراً يُحبُّ التفسير، سيشرح بدهاء كلمة السر هذه، ويكشف لك كم كنت مغفلاً عندما اعتقدت أنك حصلت على الموافقة أو الوصول إلى الذروة، ويقول لك: لا يوجد اعتماد مالي. ما يذكرك يا زد بـ:إرم ذات العماد، ويقول: عندنا فائض وظيفي. وأنت يا زد لن تقبل أن تُرمى فوق هذا الفائض أو تحته، أو أن تكون غائطاً! هل لا حظ ذلك سيبويه؟
هذه لغة ما بعد سيبويه يا زد، لغة عصر انحطاط الجديد!
الكاتب، الذي اختلقك يا زد، يتواطأ مع القارئ، ويقولان لك:
لا تدع الكآبة تغزوك، انظر إلى النصف الملآن من الكأس، واجعل هذه الكلمات والأشياء أضحوكة، أو أضحوكات، على وزن أمثولة أو أمثولات أو زقزقات أو فعلالات. قهقه إذا استطعت، وأنت ترى أسراب الغربان تعبر سماء المدينة.
ابتسمْ باشتهاء وأنت تعبر أمام الجميلات اليقظات، انظرْ كم هنَّ كثيرات.. وقل كما قال شاعر الرصيف والحرمان: “جميلة عيون النساء في باب توما..” واشتهِ ما طاب لك، وعربد في الحدائق وفي الحجرات، واقرأ ما يكتبه المجانين على الحيطان، واسمع تفاهات الشاشة الصغيرة، وامض إلى حيث تشاء. ولكن، ابتسم بعمق، وأنت ترى عصافير الصباح، وأطفال المدارس والروضات، وهم يغذون السير نحو أناشيد الأفق..
غرّدْ مع العصافير، وانشد مع التلاميذ نشيد الصباح، بصوت جهوري أو بصوت سري، فأنت يا زد أكثر من حرفين، أنت رهط من الأصوات والحروف والمشاعر، أيُّها المواطن اللغوي.
بواسطة Mohamad Alaaedin Abdul Moula | سبتمبر 29, 2020 | Culture, Poetry, غير مصنف
- ثنائيّاتٌ غيرُ منتهية
سأهدأُ حين تمرّين كالعاصفةْ
وأعصفُ عند انسدالِ السّماءِ على كتفيكِ…
وأكتبُ بالماءِ فوق الزجاجِ: أحبّكِ،
ثمّ أرى الماءَ نهراً على الطاولةْ.
سأدفَعُ في النّهرِ جسمَ المساء
ألوّحُ للفجرِ كن دافئاً كشفاهِ حبيبي
إذا احتاجَ هذا النّسيمُ إلى وردةٍ سأدلّ عليكِ
وإنْ ملّ من صوته وترٌ سأدلّ عليكِ كذلكْ.
أنا الآن تحتَ جناحيْكِ مستسلمٌ للرّحيلِ إليكِ
ومهما تغبْ نجمةٌ عن معلّمها ستعودُ إليه…
وأنتِ مجرّةُ دهشةْ
أدورُ بفضلِكِ في أفقٍ يتجدّدُ من ذاتهِ…
هنا عند منعطفِ الحلْمِ أعطفُ قلبي على قدحٍ يتوهّجُ باسمكِ،
لا ليلَ يغفل عن سحرِ اسمكِ…
…حتى النهايةِ سوفَ أهدهدُ من وطأةِ الكيمياءِ
لأنّ الصّباحَ الّذي شقّني قمرينِ؛ أتى منكِ…
…لا بدّ من لغةٍ للنوافذِ حين تودّعُ ضوضاءها
ولا قلبَ يخسرُ أكثرَ ممّا خسرتُ.
ولكنّني أتمشّى على طُرُقاتٍ منَ الكلماتِ الشّريدةِ،
يتبعني ظلّكِ المريميُّ كنذرٍ قديمْ.
أردّدُ بيني وبيني نشيداً عن الخمرةِ السّرْمَديّةِ،
هلْ كنتِ تشتغلينَ إلهةَ كرْمٍ على طَرَف السّفحِ أسفلَ وادي الوجود؟
لأنّكِ أكثرُ من صورةٍ ومجازٍ وأجْملُ منْ استعارةْ
أُبعثرُ قلبي على قدميكِ ولا أتردّدُ أن أنحني لأحسّ علوَّ السّماء.
هي السّاعةُ الآنَ خمرٌ كثيرٌ تمامَ القدحْ
وصوتُ العقاربِ رخُّ المياهِ على النافذةْ.
ستمطرُ فيما يلي من شهورٍ يدايَ
لأنّكِ تحتشدينَ أمامَ الكتابةِ ملتفّةً باللغاتِ القديمةِ والقادمةْ.
علوتُ قليلاً لأن جباليَ يرعى عليها صنوبركِ الخالدُ
علوتُ لأنّكِ واحدتي في رحيلي، ولكن أنا؛ هل أنا واحدُ؟
24/3/2009
- لا النّافية للموت!
لا دليلَ على سعةِ الأرضِ إلاّ وجودكِ فيها
والّذي خسرتْه إناثُ القرنفلِ من لمعةِ النّهدِ
أكمَلَه صدركِ البضّ…
لا شاعرٌ قبليَ اختلّ إيقاعُهُ فتوازنَ في شفتيكِ
وأمعنَ في الخطأ النّحويّ ليضبطَ معجمهُ في لسانكِ
ما من دليلٍ على حسنِ شعري
سوى أنّ ظَهركِ أبلى بلاءً رهيفاً
بإعطاءِ سفحِ الخيالِ مجازاً جديداً…
لا دليلَ على أملٍ غير ليلٍ تسلّى
بعدّ النّجومِ على ساعديْكِ…
لا دليلَ على مطلعِ الفجرِ إلاّ اندلاعُ البلابلِ
من كتفيكِ…
لا دليلَ على صحّةِ القلبِ غيرُ اعتلالي بحبّكِ…
لا صوت نبعٍ إذا غابَ ظلّكِ
ما من دليلِ على سهري في الموشّحِ
إلا بقيّةُ أندلسٍ تحتَ عينيّ من أثرِ العنبِ
لا دليلَ على الذّهبِ
غير فركِ يدينا لأيقونةِ النّارِ ما بيننا
لتسيلَ على جانبينا خواتمَ من لهبِ
لا دليلَ على فضّةِ الحلْمِ غيرُ شروعِ القمرْ
بالولادةِ فوقَ سريركِ هذا المطرّزِ بالسّحبِ
لا دليلَ على أنّني مشبعٌ بالحنينِ سوى أنّني
أثقبُ النّايَ ثقباً جديداً
وينزفَ فيكِ مزيجاً من الانتظارْ
لا دليلَ عليّ سواكِ
أؤجّلُ تشييعَ كلّ الورودِ
إلى أن يجفّ الحليبُ
وينقطعَ العطرُ من نسلهِ
ويغادرَ قلبي محطّاته دون أي قطارْ
لا دليلَ على أنّني قد أموتُ بحبّكِ
غير انتهاءِ الحوارْ.
17/5/2009
- بعض من شبق الحياة
ولديّ من شبق الحياةِ فيوضُ مجنونٍ يجنُّ
ويكرهُ الأنقاض والأطلال والقصفَ الدّنيءَ
على كؤوس الماء أو أقداح خمر العارفينْ
وأحبّ ” زوربا ” في صعودِ بروقهِ الزّرقاء في أقمار موسيقى تنيرُ كوامنَ العشّاقِ وهو يدقّ أرضَ الرّوحِ يوقظُ كلّ جنّيّاتِ شهوته يرقّصهنّ حول القمح قربَ الجمر حولَ عواصفِ الفرحِ المبينْ
وأحبّ ” داليدا ” التي هزمت كثيراً لسعةَ الأفعى وظلّت تنشرُ الكلماتِ بين سطوحِ مصرَ كأنّها فلاّحةٌ مصريَّةٌ من عهدِ “يوسفَ” وهو يقلبُ في الكنانةِ قبرها يُحْيي عظامَ الحالمينْ
وأحبُّ رقصتها المشعَّةَ بالزهورِ
وبحّةَ الأعماق في روحٍ تعذّبها وتسحقُ حلمها الطّاغي
إلى أن أمهلتها الريح ثانيةً
فقالت لن أكون سوى مرايا للحنينْ
وأحبُّ أفلامَ البحار
وعالم الحيوان
أسئلةَ الصخور على الجبال
أحبُّ تحليق الطّيورِ مع الصباحِ
أحبُّ أشجار الأكاسيا في هضاب الّنورِ
أسماءَ البنفسج في الأغاني
وأحبُّ كَـوْنيَ عاشقاً متأخّراً لأطاردَ الغزلانَ في أبد الزّمانِ
وأحبّ أنّي عالمٌ تالٍ لأوّله القديمِ
وأنّني وشمُ الوجودِ على المكانِ
وأحبّ أنّي لفظةٌ خضراءُ في السّهلِ المعدِّ لمهرجانِ القطنِ في أرض الشآمِ
وأنّني في ذاتِ يومٍ سوف أدخلُ روحَ مولاي الحصانِ.
6 تشرين أول 2012
- ينابيع
تأخّرت البنتُ على النبع.
حين أفاقتْ، وجدتْـه قربها في السرير
جلس الشاعر قرب النبع،
فلم يميّـز الآخرون بينهما
البنت التي ذهبت تعبّىء جرّتها من النّبع،
أخطأت، فنسيت الجـرّةَ ممتلئةً، وحملت النبع على كتفها.
الجميع يغسل يديه بماء النيع:
من تلطّخت يداه بالدماء، ومن تضمّختْ يداه برحيق النهدين
والنّبع في نزوله من عليائه،
يسقي في طريقه حـتّى الأعشابَ الضّـارة!
مع أن النبع واقف في مكانه ثابتاً،
لكنه لا يتقدم إلاّ إلى الأمام…
- ما قصتك مع النبع؟
- منذ عرفتُكِ أصبحتُ خبيراً بعلم الينابيع.
- كابوس
أفاق الكابوسُ عليَّ
كنت أركبُ حبالاً مائيّةً
أدلي رجليَّ في الفراغ
أدحرجُ عن أصابعي نجوماً حجريَّةً
ربما هبطتْ من سنديانةٍ على بابِ الكهف المجاور
العصافيرُ لم تهربْ منّي مع أنّ شكلي غيرُ معروفِ الانتماء
رأسي صورةٌ عن أبي الهول إلاَّ قليلاً
صدري مغارةٌ صغيرةٌ تخرجُ منها الأعاصيرُ
يدايَ سؤالان ساقطانِ في اللاَّجدوى
قدمايَ سروتانِ متأهّبتان للشّجارِ مع الهواء
وحتى الآن لا أعرفُ لماذا أصرَّت الفراشةُ أن تتحوّلَ إلى تمثالِ شمعٍ يفتحُ فمَه ويبدأ بابتلاعي
ولا أدري أينَ كنتُ الآن لوْ لمْ يستفقِ الكابوسُ عليَّ
19 آب 2011
- يا جدّتي … إنها حرب
عمّـا قليلٍ سوف أسحبُ جثَّتي من شارع الذكرى لأستعصي على النّسيان
أنقرُ حبّةَ القمح الأخيرة في جِـرابِ الجدّة الأولى
أقبّلُ رأسها لتطيلَ في سردِ الحكايةْ
وأقول: لطفاً جـدَّتي لا تأخذيني للنهايةْ
سأضيعُ مثل قطيع خـرفانٍ على دربِ الذئابْ
إنْ لمْ تضيفي للكلامِ رقائقَ الحلوى
بنكهةِ نجمةٍ عذراء…
ماذا يفعلُ الأيتامُ في هذا الفراغِ سوى مواصلةِ الحنينِ
إلى أبٍ عيناهُ تلتهمانِ مائدةَ الضبابْ؟
يا جـدّتي … هي جـثّتي مستهلكةْ
لكنّها قد تُـصْلحُ الميزانَ عندَ المعركةْ.
11 نيسان 2012
- يومُ الأموات
- في يومِ الأمواتِ وقفتُ أمام السّاحرة
حملتْ بيدها باقةً من النّبات مغسولاً بالماء
رفعتُ يديَّ في الرّياح
دارت الساحرة حولي ترشّ عليَّ ماء النبات
تطيّرُ البخورَ في بيوتِ جسدي الصغيرة
تقرأُ تعاويذَ لاأحد يفهمها إلا هيَ
وروحي التي أفلتتْ مني طائرةً بعيداً عالياً
حتى بلغتْ أعلى طيرٍ يختبىءُ في قمَّة الكاتدرائية…
***
- في يومِ الأمواتِ حملتُ روحي في حقيبةٍ غيرِ مرئيّة
كانت أطياف الجنازاتِ تتراءى لي في ذاكرتي
هناك في ليل مدينتي صرخات الجماجم المكسرّة
عظام تتدحرجُ على منعطفات الدمّ
بينما عيني ترى هنا مهرجانَ الألوان في لحظة استحضار الأرواح المكسيكية القديمة
أقنعةٌ لا نهاية لها
على الأرض ارتسمت أشكالُ قبورٍ
يا للدهشة
يا لموسيقى السّحر
قبورٌ مرسومةٌ بالورود؟
هل تسمحين أيتها الأرواحُ أن أغفو قليلاً إلى جانبكِ؟
أنتِ يا حارسة القبور
أيّ فرحٍ تدافعين عنه ؟
أيّ فقيدٍ تفرحين بالنّيابة عنه؟
أيّ بكاءٍ سرّيّ خلفَ هذه الورود
ها قد لمحتُ دموعاً معطّرةً من عين الوردة
وردةُ الموتى تختصرً آلافَ الجنازات في وادي المكسيكِ
وردةٌ واحدةٌ
لكنّها صيفٌ كاملٌ يبشّرُ بالشّمس
- بيت الرّوح / بيتُ الوجود
سقطتْ على منزل روحي عواصفُ اقتلعت حجارة الصوّان من أبراجها
مثلما أوقعتْ أوراق الشجر من أحلامها
وهكذا بقيتْ روحي بلا منزلٍ
كيف أبني لها حصناً يحميها من قطعانِ الرّعب ؟
أين الحجرُ الحنون؟ / الرّملُ الشمسيُّ؟ / الخشبُ المعجونُ برائحةِ الورد؟
سألتُ الشجرةَ والكهنةَ والقديسين
صوتهم في الريح قال لي:
اترك روحكَ تسافر في طرقات الغابات والسفوح الخطيرة
عليكَ أن تقطع سبع صحراوات وثماني هضاب
وفجأةً تهبّ عليكَ ريحٌ شرسةٌ تحملُ حجارةً من الصوان
تدخلُ روحكَ لقاء الموت تطيرُ تحطُّ متعبةً ممزّقةَ الأجنحة قليلةَ القوى
لكن عليها أن تكمل
بعد أن تصرعَ قوةَ الرّيح / وتردّ عنها الصوّان ذا الشّرر
هكذا كُتبَ في شعائرِ الآلهةِ
تذهب بعدها إلى شواطئ نهر المياهِ التّسعة
ثمّة كلبٌ أحمر تصعد عليه روحكَ لتجتاز النهرَ
وبعد أن تصل الشاطئ قل لها أن تغرز سهماً في حلْقِ الكلبِ
يموتُ وتفرح روحكَ
هناك الكون كلُّه بيت للروح
النجوم سقفٌ
الفراشاتُ نهاراتُ رّقصٍ
النّسيمُ الصَّباحيُّ أجراسُ ذرة كريمة
صلّ للمشرق والمغربِ
كلْ من ثمر المانجو فرحاً
اعصر سلال الجوافة
اسقِ حتّى قطيعَ الذّكريات
اغسلْ بماء الشمسِ قلبكَ
اتّحدْ مع أجزاء الوجود.
الوجودُ حصنُ الرّوح القوي
الوجودُ عطرٌ لوردة الرّوح.
19 نيسان 2012
بواسطة أسامة إسبر | سبتمبر 19, 2020 | Culture, Poetry, غير مصنف
يصدر قريباً عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في الأردن مجموعة شعرية جديدة بعنوان ”علىطرقي البحرية“ للشاعر والمترجم السوري المقيم في أميركا أسامة إسبر.
تجدر الإشارة إلى أن أسامة إسبر، شاعر ومترجم سوري يعمل محرراً في موقع “جدلية” وموقع “تدوين للنشر” وكصحفي ومترجم مستقل. صدرت له أربع مجموعات شعريّة هي “شاشات التاريخ”، “ميثاق الموج”، “تتكررفوق المنفى”، و”حيث لا يعيش”. كما صدرت له مجموعتان قصصيتان هما “السيرة الدينارية” و”مقهى المنتحرين”.
ومن أحدث ترجماته عن الإنجليزية “الكاتدرائية“ و”أساليب شائعة” لريموندكارفر، رواية “أسنان بيضاء” لزيدي سميث، “الفناء الإسمنتي” لإيان مكيوان، ورواية “التراب الأميركي” لجينين كمنز، ورواية “كندا” لرتشارد فورد، ورواية “توقيعه على الأشياء كلّها” لإليزابيث جلبرت، جوزف أنطون (سيرة ذاتية) لسلمان رشدي وغيرها من الكتب الأخرى.
اخترنا القصيدة التالية من المجموعة الشعرية:
خطوات من زبد
القمرُ فوقكَ يُضيءُ نفسهُ،
وعلى مذبحكَ
تقدّمُ الأمواجِ أضحياتها لإلهٍ من رمل.
أنظرُ إلى ضوء الشمس المائلة للغروب
وهو يسرق تقاطيع الأشياء
وأقول:
هل أسمع صوتَ بحركَ يتموّج
أم اضطراب أعماقي؟
أراك منفصلاً عني
معلقاً كلوحةٍ في فضاء
أحاول أن أقرأه بلغةٍ،
ابنةِ اللحظة،
فيغلبني الصمت.
يا شاطئ أسيلومار
أشعر كأنني أسيرُ
على شاطئ حياتي
بخطواتٍ من زبد.
********
ظلال
كان لظلالنا حضورٌ،
آثارُ أقدامٍ على الرمال.
كانت دليلاً على أن أجسادنا مرَّتْ من هنا،
تحت شمس الظهيرة،
التي كانت تسوقُ قطيع الظلال
بأسواطٍ من الضوء،
كي تعانق الأمواج
في حفلاتِ الزبد.
كان المحيط يتسلّى بأعشابه
يرسم بها أشكالاً
سُرعان ما يمحوها،
ولم يكن يجاريه في مهنته أحد.
********
قطعة خشب
قطعةُ خشبٍ
طرحَها البحرُ على الرمال.
كانت فيما مضى طريقاً مُورقاً
سارت عليه الثمار.
كانت متكأً
عتبةً لحضورات أطلّت بوجهها.
كان اللحاء متقشّراً
بدا كبشرةٍ
تتجمّع فيها فراغات المنفى.
شعرتُ لوهلةٍ أنها يد
حركّت أصابعها كي تصافحني
وصدقاً شعرتُ بملمس تلك الأصابع
وسرتُ على الشاطئ كالمجنون
باحثاً عن عودٍ أو غيتار
ورقة أو قلم
كي أنقلَ الرسالة.
********
جناح محلق
ثمة مدنٌ
تقرأ شهواتها
في جناحٍ مُحَلِّقٍ
تتعرّى في النهار
تُبرِّدُ البيرة متلهّفةً
كي تَروي ظمأها
وتمسح الرغوة وهي تبتسم
ثم تعيش لحظتها
في رقصةٍ أو أغنيةٍ أو عناق.
تتمدّد على شواطئها وتسترخي
تمسّد ظهر الضوء كأنه كلبٌ.
بواسطة مازن أكثم سليمان | سبتمبر 15, 2020 | Culture, Poetry, غير مصنف
لن يهزمنا جيشُكِ أيَّتُها العمَّة الغرابة.
…
لا حاجة لي بحافِلةٍ؛
أحملُ المحطّاتِ على ظَهري
وأربطُ القطارَ الأخيرَ
بإصبعِ ريحٍ تتخاصَرُ مع حُلمي.
…
ما أن مررتُ أمامَ الأبوابِ المصقولةِ بالخوف
حتّى اهتزَّتْ أقفالُها كعروشٍ تنهارُ
جناحايَ قلادةُ الغُيومِ
وقلبي وشمُ الأسئلة.
…
القُبَّعةُ فوقَ رأسي خُدعةٌ
ظلُّها هو المعنيُّ بالأمرِ
أنْ يُغطّي سهلاً من الأنسامِ
وتلالاً من العُشبِ الطَّموح.
…
في مُحيطِ كُلِّ أُغنيةٍ جزيرة
تستطيعُ الرُّسوَّ بسلامٍ
لكنَّ خُطايَ التي التحقتْ بالمُوسيقى
لن تكفَّ عنِ البَحث
عن لحنٍ غريب.
…
الحيادُ يُعطِّلُ المشاعرَ
أنا كُلِّيّ في مدىً
ولو كنتُ بعضي
لقتلني المللُ المُزهرُ كسلاسلَ.
…
_ بمَ أُكافئُ الطّائِرَ القادمَ من المجهول..؟!!
… حمَلَ لي علامةَ حُبٍّ
وطمأنني بالاقتراب
وأنَّ قفزاتي القادمة ساحاتُ تجريبٍ أخضر
وأنَّني مهما كنتُ أسيرَ عاصمتي
سأجدُ في النِّداءِ ملاذاً لانزياحٍ خاطف.
…
لفظتانِ هادئتانِ معكِ
قد تكفيانِ لزيارةِ الوردة
ثُمَّ تجاوزها
إلى حيثُ يتعرّى الرّحيقُ
ويكشفُ عن سرِّه.
…
…
المُقامُ يضيقُ
بألوانِ المَجازِ
والأشواقُ تتَّسِعُ
كحقلِ ألغامٍ مُموَّه.
بواسطة أسامة إسبر | سبتمبر 4, 2020 | Culture, غير مصنف
إعداد وحوار: أسامة إسبر
منذ أن عثر على وسيلة التعبير المناسبة له، والتي هي الكاميرا، بدأ الفنان السوري المقيم في المجر بهجت اسكندر حياة جديدة، مختلفة كلياً عن حياته كطالب يدرس الهندسة. علق على كتفه الكاميرا الأولى التي أهداها لنفسه، لأنه يعرف نفسه وما تحب، وانطلق كي يقبض على المشاهد العابرة، وبنى عالماً فنياً متكاملاً من الصور التي تسلسلت من الصور الواقعية التي وثقت لمراحل مهمة في المجر، إلى فن البورتريه الذي دعاه النقاد ”ملكاً له“، إلى الصور الموحية كاللوحة الفنية، ولهذا يجمع في صوره بين العالم المرئي، في جمالية حضوره، والعالم اللامرئي الذي يظل هارباً لكنه يتجسد للحظات ويتجلى حولنا ويمنح نفسه لمن يعرف أن يراه.
بهجت اسكندر يعرف جيداً أن العلاقة مع الصورة ليست علاقة حب عابرة، ليست نوماً في سرير الأشياء واستيقاظاً ورحيلاً، بل هي غوص وسفر وهجرة وإقامة في عوالمها وفي ما وراءها وفيما تقود إليه، ولهذا تظل الصورة ناقصة بالنسبة للروح التي تسعى وتطمح إلى الكمال في منجزها الإبداعي، هذا اللاكمال، هذا النقص هو طريق الروح التي يتجلى بحثها في الصورة.
يعرف كثيرون بهجت إسكندر كفنان وثق لتواريخ وأمكنة وحالات كثيرة في سوريا بلده الأول والمجر بلده الثاني الذي شهد ولادته كمصور فوتوغرافي منذ أن هاجر إليه سنة 1967 وحيث حصل على أرفع الجوائز والأوسمة، ورسخ اسمه كأحد أبرز المصورين الضوئيين في المجر، وسيتعرفون عليه من جديد هنا في هذا الحوار الذي يروي فيه قصته كمصور وكيف ينظر إلى الصورة، مضيئاً تجربته من الداخل، ومتحدثاً عن حياته وفنه، كي يمنح القراء صورة أخرى يرون فيها الفنان في حياته وعمله.
أسامة إسبر: ما الذي قادك إلى الكاميرا وفتنة التصوير؟ هل كان التصوير في البداية مهنة، أم أنك اخترته كفن؟
بهجت إسكندر: عندما وصلتُ إلى المجر من أجل الدراسة والتخصص كان هدفي الأول هو أن أحاول الاستفادة من كل شيء جديد ومفيد. كنتُ متعطشاً للعلم والمعرفة باختلاف أنواعها. وكنت أشعر أنني أمثل منطقة وبلداً أحبه وأعتز به وأحاول حفر ونقش أعمالي بحجر صلب. ومن يعيش هذا يفهم ما أقوله. شاركتُ من البداية دون معرفة واتقان للغة بشكل جيد في الندوات والأنشطة الثقافية، وجذبني الفن بشكل خاص من نحت ورسم وموسيقى وتصوير فقررت أن أحاول التعبير من خلال الصورة لأنها سهلة القراءة والفهم ولغة العصر الحديث.
بمناسبة عيد الميلاد ورأس السنة في عام 1968 قدمت لنفسي هدية هي آلة تصوير روسية الصنع من نوع زينيت، واشتريتُ في الوقت نفسه الأحماض والأوراق والأفلام اللازمة معاهداً نفسي بأن ألتزم التصوير كأداة للتعبير وليس لكسب المال، لأنني كنت أدرس الهندسة وكانت في حينها كافية جداً لتأمين المعيشة بأمان ورفاهية.
كانت الصورة في كثير من الأحيان تحل مشكلة اللغة فكان الجميع يفهمونها مما زادني ثقة وأملاً.
أإ: تركز في كثير من صورك على وجه الإنسان وعينيه. متى تستطيع الصورة أن تنقل الحالة التي يمر فيها الوجه، ومتى يكون الوجه الواقعي، الذي هو موضوع الصورة، جاهزاً للصورة؟
ب. إ: منذ بدايتي بالتصوير ركزتُ على الإنسان وهمومه اليومية بشكل كبير، وكانت قراءتي للإنسان من خلال وجهه وتعابيره وعينيه تملك كثيراً من الأسهم والميزات التي لا يمكن تجاهلها حيث هي أن العين هي مرآة الإنسان، ولربما كانت العين هي مصدر وهدف قراءتي للحقيقة. وكانت دائماً تذكرني عندما كنت طفلاً صغيراً في سن الثالثة أو الرابعة بوالدي الذي أحضر لي مرة هدية وكانت صندلاً أذكره تماماً بلونه الخمري. وحين انحنى والدي وناولني الحذاء ناظراً إلي توهجت عيناه وبقي معي هذا البريق في العين من وجه أبي الذي فقدته بعدها وأنا في سن الرابعة أو الخامسة. هذه آخر صورة في الذاكرة عن أبي رحمه الله، وفيما بعد أصبح الخيال حقيقة عندما أرى المشاهدين يقفون أمام الصورة ويحاولون قراءتها جيداً وعند ذلك أقول لنفسي وصلت الرسالة وأخذت الصورة مكانها
أإ: كيف تستكشف الوجه فوتوغرافياً؟ ما هي فلسفتك الخاصة في تصوير البورتريه، هل تقوم بالتقاط صورة الوجه مباشرة أم تتحدث مع الشخص وتتعرف عليه ثم تصور وجهه؟ ولماذا تفعل ذلك؟
ب. إ: كما ذكرتُ سابقاً إن الوجه بالنسبة لي هو كل الإنسان، ومن يفهم الوجه يقرأ الإنسان بكامل طباعه، بحزنه وفرحه، بصمته ومحبته. وغالباً عندما ألتقط الصورة الفنية للأشخاص أحب الاطلاع على الشخص من خلال الحديث معه، وقد يستغرق الوقت أكثر من إخراج الصورة لأن كثيراً من الأشياء المهمة تظهر ويتم توضيحها من خلال معرفة الشخص جيداً.
يُقال عني في المجر إنني سيد البورتريه أو ملك البورتريه، وهذا يتطلب مني الجدية وأخذ كل ما يمكن أخذه، من أجل إخراج الصورة المناسبة والمعيرة على الشخص، ولذلك يجب اختيار الوقت المناسب من أجل توقيف الزمن لمدة وجيزة جداً، وكل ذلك من أجل أن تكون الصورة عملاً فنياً أدخل من خلاله إلى باطن الإنسان .
هذا هو السر في جودة وقوة البورتريه، ففي كثير من الأحيان تأخذك تعابير الوجه وحركة الأيدي إلى الباطن وعندها تختار بسرعة الزمن والمكان المناسب لالتقاط الصورة.
أإ: صورتَ كثيراً من الكتاب والشعراء المشهورين، هل كان لقرائتك لأعمالهم دور أو تأثير ما في مقاربةالبورتريه؟
ب. إ: كان لي الحظ الكبير والنادر في المشاركة بمعرض فني في لقاء لأدباء المجر في عام 1979 من القرن الماضي، وحضر اللقاء في الوقت نفسه كبار مفكري المجر في ذلك الوقت الذين تعرفتُ على الكثير منهم، ومع الأسف الشديد غادروا الحياة لتقدمهم في العمر. حدث هذا اللقاء التاريخي في مدينة لاتي تيلك ولامس الأوضاع المجرية في ذلك الوقت، وكانت لي شهرة كبيرة بين أدباء ومفكري المجر بسبب اهتمامي وتصويري للريف المجري بدون تحيز. وبدأت المجلات والصحف بنشر أعمالي بإعجاب شديد وهذا سهّل لي الطريق كي أكون قريباً جداً من أدباء وشعراء المجر الذين بادلوني المحبة والاحترام والتقدير وصار كثيرون منهم أصدقاء لي، وتبادلنا الزيارات، وكانت حديقتي مركز تجمع للأدباء سنوياً مما سهل عليَّ العمل فقد كنت دائماً أراقب تصرفات وحركات المشاهير كي أستطيع التقاط الصورة المناسبة وأحياناً كنت أقوم بقراءة أعمال بعضهم من أجل إخراج الصورة المعيرة الناطقة.
أإ: أقمْتَ الكثير من المعارض، ودوماً صورك كانت مرتبطة بفكرة أو بتوثيق مرحلة بصرية في المجر أو أمكنة أخرى زرتها، وهذا يقودنا إلى سؤال يتعلق بالصورة كعالم قائم بذاته، كيف تجمع الصورة بين كونها وثيقة وكونها عملاً فنياً إبداعياً؟
ب. إ: لقد أقمتُ الكثير من المعارض في أنحاء العالم وبلغ عددها أكثر من 300 معرض خاص. شاركتُ في البداية في المعارض الجماعية بلوحة أو عدة لوحات في السبعينيات من القرن الماضي ولكن بعد استدعائي للعمل كعضو في لجان التحكيم تمكنت من أن أترك المعارض الجماعية من أجل التركيز على مشاكل ومواضيع مختلفة ولطرح أفكاري وأعمالي بشكل أوسع للجمهور ومحبي الفن. فكان من أعمالي التي حصدت الرعاية والجمهور والاهتمام الصحفي والعالمي معارض مثل معرض ”حفنة من العالم“ وكذلك ”الريف المجري في السبعينات“ و“الأمهات الحوامل“ و“أدباء وشعراء ومفكري المجر“، ودائماً كان لدي مجموعة من الصور جاهزة للتنقل بين المدن وصالات العرض. وكانت كل المعارض تستقطب جمهوراً أكبر واهتماماً أوسع وتغطية إعلامية أشمل.
أأ: ما الصورة التي يعتبرها الفنان بهجت إسكندر صورة إبداعية، ماذا يجب أن يتوفر في الصورة كي تكون إبداعية؟
حين ألتقط الصورة الفنية تأتيني فكرة سريعة جداً ويتوضح الهدف من الصورة سواء كانت تذكارية عابرة أم فنية باقية، وتتراكم علي بسرعة فائقة المشاعر مع الهدف، وأحياناً أرى الصورة في مخيلتي بشكلها النهائي على الجدار بالإطار اللازم وكل ذلك في لمحة بصر في جزء من الثانية . يحدث كل ذلك ويتم توقيف الزمن لتبقى الصورة مجالاً للجدل والنقاش وتعيش بدون المصور الفاعل.
وليس أجمل من أن يقوم المصور بكسر الجواجز النفسية من أجل إخراج الصورة المعيرة الصادقة الباقية الدائمة وكل ذلك بسرعة فائقة وأخلاق عالية بدون استغلال مع فهم الآخر ومعرفة مسبقاً بتصرفات وحركات الموديل على أمل اختيار الوجه الإنساني الأفضل المعبر عن الشخص.
أ. إ: أنت فنان متجول، ولقد صورتَ في مدن كثيرة، ما المدينة الأحب إلى قلبك فوتوغرافياً ولماذا؟ هل تبني بعض الأمكنة علاقات خاصة مع المصور؟
زرتُ الكثير من بلدان العالم ولكن كانت دائماً دمشق وجبلة ملازمتين لأفكاري وأحلامي وحبي وحناني. كان أملي كبيراً في توثيق دمشق قبل تكون عاصمة الثقافة العربية ولكن مع الأسف لم يساعدني الحظ في ذلك وبقيت حسرة في قلبي حتى الآن. أما مدينة جبلة فقد حالفني الحظ بدعوة ومساعدة الأصدقاء من محبي المعرفة والقيم حيث شاركت في مهرجان جبلة الثقافي لعام 2004 وتعرفتُ على كثير من الأصدقاء هناك من مختلف البلدان. فألف شكر لهذا المهرجان المستقل والفريد من نوعه وللقائمين عليه.
أ.إ: ما الكامير الأحب إليك كفنان، والتي تشعر أنها امتداد لعينك الفنية؟ هل من علاقة خاصة مع كاميرات معينة؟
ب.إ: كانت البدايات صعبة جداً حيث كانت الكاميرا الأولى هي زينيت روسية وكنت أعيش حياة صعبة جداً. كانت غرفة العائلة في الليل هي عبارة عن مخبر لتحميض وتكبير الصور. وكانت التجهيزات بسيطة جداً رغم أن مشاركتي في المعارض العالمية والمحلية كانت كبيرة وكثيرة رغم التكاليف والإرهاق في العمل حيث كان عملي الأصلي مهندساً في إحدى الشركات لتصنيع الآلات في هنغاريا. بعد ذلك استعملت الكثير من الكاميرات الألمانية واليابانية، وأخيراً جهزت استديو ثابتاً وكاملاً بالفلاشات وآلات التصوير وكان استنتاجي أن أفضل كاميرا هي الفكرة والتفكير والموضوع والمكان والزمان. إن الصورة تخرج بأي وسيلة حديثة الآن من الموبايل حتى أغلى العدسات. إن آلات التصوير غالية الثمن وعالية الجودة إذا لم تلازمها فكرة تكون كالسيارة الفاخرة بدون طريق أو الحاسوب الجديد بيد من لا يعرف تشغيله، وكل ما تعطيك الكاميرا الحديثة هو جودة الإنتاج وسرعة المراقبة وطاقة الإنتاج ولكن كل ذلك يبقى بدون طعم إذا كان بدون رسالة أوفكرة.
منذ البداية كان الهدف الأول الصدق والمسؤولية الأخلاقية فالصورة تعكس هوية المصور. المهم أن تكون الصورة ذات رسالة أخلاقية وليست بالدرجة الأولى لحصد الشهرة. فالصورة في هذا العصر بالذات تستطيع التدمير أكثر من أي سلاح لهذا المسؤولية كبيرة جداً.
أ.إ: هل يلعب فن الفوتوغراف بالنسبة لك دوراً بالمعنى السياسي؟ خاصة أنك صورت كثيراً من الفقراء والمحتاجين وأشخاصاً في ظروف صعبة؟ ما الدافع الذي كان لديك آنذاك؟
ب. إ: فعلاً أشعر بنخوة كبيرة عندما أقف إلى جانب المهمشين وصوري أغلبها إن لم تكن كلها من أجلهم وليس ضدهم. كنت أحاول أن يراها الجميع من أجل تقديم المساعدة، وكان اختيار مواضيعي وتوسعي الفني دوماً في خدمة الإنسان والمجتمع وليس تفريقه وإحداث الكراهية من مبدأ كلنا زائلون والأعمال باقية.
وعلى سبيل المثال معارضي كلها افتتحت من قبل أدباء ومفكرين وشعراء وليس من قبل سياسيين. وبالمناسبة سمحت لي الفرصة أن أصور ميخائيل غورباتشوف وملكة بريطانيا إليزابيث وولي العهد الأمير تشارلز ووالده أيضاً في سباق الخيل وبقيت هذه الصور في سياقها التذكاري وليس الفني. كما أنني دُعيتُ لقاء راتب باهر كي أصور بشكل دائم مسؤولين سياسيين كبار لكنني لم أقبل العرض لأنني أحب أن يُطلب مني التصوير عن مواضيع مثل مشاكل البيئة والمواصلات والمجتمع والصحة والمقابر والطفولة والشباب، هذه هي الأعمال المهمة التي أحب أن أكون جزءاً منها.
أ. أ: عصرنا هو عصر طغيان الصورة، والانبهار البصري، وتطغى الطبيعة الاستهلاكية الوظيفية على الصورة، والتي صارت مرتبطة بالشهرة العابرة. كفنان، كيف تنظر إلى الصورة الفنية، وأين تضعها في هذا السياق؟ وما الذي ينقذ الصورة من كونها وظيفية واستهلاكية وعابرة؟
ب. إ: إن التصوير متعدد الجذور والأسماء ومتشعب الأهداف: تصوير حفلات وأعراس وأطفال ورياضة وصحافةوطبيعة ومناظر ومجتمع وطب وعلوم وفضاء والكثير من المعرفة، غير ذلك.
بالنسبة لي اخترتُ الإنسان وإبداعاته والمجتمع بما فيه وظروف الحياة وابتعدتُ قدر الإمكان عن تصوير العجائب والأشياء الباهرة بدون معنى أو هدف. أو بالأحرى لم أفهمها كما يبدو لي. ولقد شبهت ذلك بمطعم فيه الوجبات المختلفة وكل إنسان يطلب ما يحب وربما جميع المطبوخات طيبة ولذيذة.
أ. أ: ما الذي يراه المصور الفنان المبدع ولا يراه المصور العادي؟ هل تشعر كفنان أنك تتجاوز المصور – العدسة وتجمع بين الفنان التشكيلي والمصور أحياناً؟ أطرح سؤالي على ضوء بعض الصور التي لديك والتي تتحرك في مناخ أو فضاء تشكيلي.
ب.إ: أحياناً أخلط بين الفن والشطارة في مجالات الفن بشكل عام. أحب الرسم والنحت والموسيقا والشعر وما إلى ذلك. لكننا نعيش في عالم خيالي تتوفر فيه لنا كل وسائل العلم الحديث ويمكن استعمال ذلك بطرق حكيمة وجيدة للبشرية أجمع. ويمكن استعمالها للهدم والتحريض ومثال على ذلك بالنسبة لي الفوتوشوب والفيسبوك الذي فتح لنا نوافذ جيدة للحياة غير أن هذا يمكن عكسه. وفي جميع الحالات يجب أن يكون الإنسان أميناً وصادقاً في علمه وعمله.
أ.أ: كيف نظر نقاد فن الفوتوغراف في المجر إلى تجربتك، وخاصة أنك تأتي من خلفية ثقافية وبصرية مختلفة؟
ب. أ: لقد كُتب عن أعمالي الكثير وأُخرجت حلقات وأعمال تلفزيونية كثيرة، ورغم كل ذلك بقي في ذاكرتي ما كُتب عن أعمالي وشخصيتي بالذات عندما كنت أشارك في المعارض في السبعينيات من القرن الماضي. حيث كتب أحدهم: ”لا يمكن أن يستطيع إنسان غريب الثقافة أن يدخل أعماق الثقافة المجرية والمجتمع المجري والريف المجري كما فعل بهجت إسكندر ولا أحد يصدق أنه لم يولد هنا مع آبائه وأجداده“.
إنها حقيقة وصارت أعمالي مرجعاً للمهتمين بالريف المجري والشأن الاجتماعي.
أ.إ: ما مشاريعك الحالية؟ هل من مشروع فوتوغرافي ما تعمل عليه؟
ب.أ: لدي أحلام ومشاريع كثيرة وكبيرة وربما أكبر من حجمي. أنا متقاعد منذ أكثر من عشرين عاماً ومتزوج ولدي بنت وولد وثلاثة أحفاد الحمد لله كلهم بصحة جيدة، ويوجدلدي استديو خاص بي بنيته على كيفي ووفق متطلباتي، وهو خاص وليس عاماً. وبنيت حديقة إلى جانب البيت وهي كبيرةوجميلة جداً حيث أخذت من وقتي الكثير ومن حبي الكثير والكثير من العمل والتخطيط والتنفيذ أي أكثر من 30000 ساعةعمل منذ أكثر من 35 عاماً حيث زرعت أشجاراً ووروداً كثيرة، وغرس فيها بعض الشعراء والجمعيات أشجاراً باسم الصداقةوالمعرفة. لقد تغنى بالحديقة الشعراء وهي مكان لاجتماع سنوي لأدباء وشعراء المجر الأصدقاء حيث كان يتواجد من 60 إلى 70 شخصاً في اللقاء الواحد، وهي نموذج في المنطقة وجلبت لي السعادة والراحة كثيراً، وكانت ملتقى للعائلة أيضاً. ولكن يوجد بعض الأفكار والأحلام والمواضيع التي تؤرقني ليلاً ونهاراً. لقد تقدمتُ في السن ويوجد عندي تراث ثقافي كبيروعمل أكثر من خمسين عاماً بدون كلل. وأحياناً أفكر بالعاصفة التي تأخذ الزهر قبل الثمار بالرغم من حصولي على مئاتالجوائز والتقديرات الحكومية والدولية ورضا المجتمع وكثرة الأصدقاء الأوفياء إلا أنه ما يزال يقلقني وضع أعمالي ونهايتها. يوجد كميات هائلة من الأفلام بمختلف المقاسات مكدسة بشكل أنالوج وأحب أن تكون على الدجيتال لحفظها وتنقيتها بأمانومسؤولية وهذا يحتاج إلى إمكانات مادية ضخمة وخمس سنين عمل متواصلة وآلات وتكنولوجيا للحفظ والكثير من الأشياءاللازمة كي يكون لدي أرشيف آمن وسهل البحث وفي متناول المختصين . والسؤال كان دائماً أين محطة هذه الأعمال. قديماًكان يوجد فكرة دار اسكندر للثقافة ولكن حالياً هذه الفكرة صعبة المنال ولربما قد يحالفني الحظ يوماً بمساعدة مجهولبامتطاء الفرس الأبيض. وأقول بصراحة إنه لولا دعم رجال الأعمال المجريين لما تمكنت من إقامة معرض واحد، فكل الشكرلهم، وكل ذلك موثق. أقوم حالياً بتصوير طبقة اجتماعية كبيرة تعيش في المجر وهم الغجر وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم وسوف تصدر الصور في كتاب مشترك مع صديق مجري قبل نهاية العام ولكن فيروس كورونا كان لنا بالمرصاد.