بواسطة Sora Alloush | مارس 9, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
ولو كانَ ورداً أقلَّ الذي نامَ ما بيننا في السرير
أكُنّا سنحلُم أكثرَ بالنوم في شُرفات البلادْ؟
وما الحبُّ إنْ لم يكن عارضاً للحديث عن الريحِ
أو جمرةً تتباهى بأحلامنا كلّ صبحِ
وتأخذنا من يدينا لكيلا نموتَ إذا جاء وقتُ الرمادْ!
وما الشوقُ إنْ لم يكن مؤلـِماً وغريباً كصبّارةٍ
وانتظاراً يغيّـرُ أقدارَنا لو أرادْ؟
وحين أفكّرُ فيكَ يهبُّ من المزهريةِ صوتُكَ
يسقطُ قلبي على درجِ البيتِ مني
وأنسى تماماً – كأيةِ عاشقةٍ– كيف يشتدُّ عودُ الغريبة في البرد
أصعدُ نحو هلاكي رويداً رويداً
فيجعلني الوقتُ أغنيةً لا تُعادْ
ولو كان ورداً أقلَّ أكنتَ ستمضي بعيداً لتبحثَ عن وطنٍ آخرٍ
أو نشيدٍ جديدٍ؟
أكنتَ ستكسرُ قلبي كما فعلَ الآخرون به،
أم ستبقى جميلاً كأيّ غريبٍ يرى في المنافي ملاذاً من الحرب
والتركاتِ البخيلة من شجرِ النار أو كذبِ الأصدقاءْ؟
كبرنا كثيراً على أنْ نكون سوانا
وهذا الرحيلُ الذي كان محضَ اتفاقٍ مع الشمس كي نمسكَ الغيم
أصبحَ كلَّ الذي تركتْهُ لنا الأرضُ من سِـيَـرِ الأنبياءْ
* * *
بواسطة Louay Salman | مارس 8, 2018 | Cost of War, Culture, غير مصنف
همّشتْ الحرب الدائرة المثقفين السوريين وأنواع الفنون الثقافية، وحُرم الكتاب والمثقفون المقيمون في الداخل، رغم ظروف الحرب، من المشاركة في المهرجانات والمعارض والأنشطة الثقافية العربية. كانت القطيعة داخلية وخارجية، وقد أدت إلى حرمان الجمهور من الاطلاع على كافة الإصدارات الجديدة من كتب ومجلات كانت تأتي إلى العاصمة السورية بشكل دوري قبل الحرب. واليوم نجد أنفسنا أسرى العالم الإلكتروني – في الأوقات التي تأتي فيها الكهرباء – باحثين عن كتاب أو مجلة أو صحيفة لنطلع من خلالها على ما يدور من أحداث ونتاج ثقافي لم يعد يصل إلينا كمنشورات ورقية.
المقاهي تعود جزئياً
عاد لبعض المقاهي الدمشقية ألقها وتحولت إلى مواقع للتواصل الاجتماعي بعد أن هجرها الكثير من المثقفين صوب العالم الافتراضي. تجد غالبية المهتمين من روائيين وكتاب يحرصون على تواجدهم في المقاهي الشعبية للمشاركة بحوارات وندوات ارتجالية للبحث في ظاهرة أو النقاش حول إصدار جديد رغم أن أبرز ما يسيطر على الجلسات هو الوضع الأمني والتطورات السياسية، لكن أغلب المثقفين يغيبون عن فعاليات ثقافية منظمة تطلقها المؤسسات الرسمية، وهي لم تخرج عن شكل الصالونات الثقافية التي كانت منتشرة في سورية قبل عقود، لكن من دون أن يكون هناك أي اتفاق مسبق على المواضيع التي ستطرح أو تناقش أثناء هذه الجلسات الودية والتي نادرا ما تصل إلى سبعة أفراد.
إعادة تدوير
المطالعة على ضوء الشموع في ساعات الليل هي ما يميز ليالي المثقفين السوريين، كثير منهم عاد لقراءة كتب كان قد قرأها سابقاً، أو قراءة كتب مركونة في مكتبته المنزلية ولم يسمح له الوقت للاطلاع عليها في زمن الكهرباء والتواصل الاجتماعي، حتى زمن الكتابة على الورق عاد وفرض نفسه بقوة. ولم يعد البعض يرزح تحت رحمة التيار الكهربائي، المهم أن لا يتوقف عن الفعل.
هناك قسم كبير من المثقفين بدأ يرتاد مكتبات الرصيف للبحث عن كتب قديمة أو كتب ترفض المكتبات وضعها على رفوفها ليطفئ عطشه الثقافي، إعادة تدوير ثقافية لصحف ومجلات صادرة في عشرينات وثلاثينيات القرن المنصرم.
ورغم الكثير من العراقيل هناك من يصر على إنشاء حركة ثقافية ولو على الصعيد المحلي، القاص خضر الماغوط قال: “ما زلنا نتابع الحياة الثقافية والأدبية، عن طريق الندوات والمحاضرات والملتقيات الخاصة التي أحدثتها الحرب في العديد من المناطق السورية، غير خاضعين للظروف القاهرة والصعبة التي تصادفنا،” مؤكدا على “أن المقاطعة الدولية والعربية المفروضة على سورية لم تكن مقاطعة اقتصادية فقط، بل هي مقاطعة لكل نواحي الحياة بما فيها الثقافية، فلم يعد يصل من دور النشر الخارجية إلى سورية كتب، مجلات، صحف، دوريات أو حتى تبادل للوفود الثقافية بين سوريا والعالم الخارجي. تُوجه إلينا دعوات لمهرجانات الرواية والقصة من قبل المنظمين في الدول العربية، لكن السياسة تحرمنا من المشاركة ولا تمنحنا سمة دخول.”
يضيف أن المكتبات وأكشاك بيع الصحف أصبحت خاوية تماماً من كل ما هو جديد. وبالطبع افتقدنا جميعاً إلى الكثير من الصحف والمجلات التي كنا نتابعها وفقدناها فجأة، وكان من الممكن أن يحدث تصحر ثقافي بالكامل لولا وجود الكتب والجرائد والمجلات الورقية بما يعادلها من النسخ الإلكترونية عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الأغلبية من المهتمين رغم بعض الصعوبات أحياناً.
هناك دوريات ليس لها مواقع على الشبكة العنكبوتية، وأخرى لا تزود مواقعها إلا بعناوين الموضوعات، إضافة إلى قلة عدد الصحف والمجلات السورية، حتى الصحف التي تصدر غاب عنها زوايا الثقافة والفكر والأدب والإبداع لسببين، أولهما أن الجريدة الرسمية تخصص أغلب صفحاتها لمواضيع تخص الحرب والصراع في المنطقة، وغابت عنها الصفحات الثقافية، إلا في ما ندر، أما الصحف والمجلات الخاصة فنجدها جنحت إلى الاهتمام بالدعاية والإعلان التجاري، أضف إلى ذلك الشللية والعلاقات الخاصة، فلا يجد الكاتب مكاناً له طالما هو بعيد عن الشلل واللوبيات الثقافية، هذا ما يحدث أيضا في الجرائد والمجلات الحكومية، التصحر موجود في العلاقات بين المثقف والصحف المحلية، أكثر مما هو ناتج عن غياب الصحف والمجلات الخارجية، لكن رغم الإمكانيات البسيطة والثقافة والوعي، استطعنا تجاوز المعوقات التي تسعى إلى توقف حياتنا الاجتماعية والفنية والثقافية وما زال هناك وسائل لاستمرار الحياة الثقافية، رغم قساوة الظروف التي خلقتها الحرب وتخلقها في كل لحظة.
الشاعرة عبير سليمان تؤكد على استمرار علاقتها مع الكتاب رغم أنها فوضوية نوعا ما: “قبل الحرب كنت أحرص على اقتناء الإصدارات الجديدة وأثابر على القراءة، أثناء الحرب أقرأ مجموعة من الكتب وبشكل عشوائي من غير أن أنتهي من قراءتها أنهيت بعضها فقط، الكتب التي أحرص على قراءتها وأنتهي منها في يوم واحد كتب الشعر ربما لأنها الأقرب وجدانيا.”
أما فيما يخص دور النشر الخارجية لم يعد يصلنا الجديد، أحيانا نستطيع الاطلاع على النسخ الإلكترونية للأصدقاء خارج سورية، أما الكتب الأخرى فنعرف عنها من خلال ما تكتب عنه الصحافة. في سورية دور النشر مستمرة وثمة أزمة إعلانية، لا أحد يلقي الضوء على الأسماء والإصدارات الجديدة، ودور وزارة الثقافة خجول بالنسبة للكتاب كما النشاطات الأدبية شبه المعدومة، ولولا التواصل الافتراضي بين الكتاب والشعراء لاعتقدنا أن أنواع الأدب أصابتها قذيفة ولفظت أنفاسها الأخيرة.
الكاتب والفنان التشكيلي أيمن الدقر قال: “لا أعتقد أن التصحر الثقافي بسبب الحرب، التصحر قائم أصلا عند معظم الناس. لا أعتقد أن هناك عائلة سورية لا تمتلك مكتبة منزلية، وهناك مكتبات تزخر بكتب مهمة وعشرات الكتب التي تحمل توقيع مؤلفها وأجزم أن أحدا منهم لم يقرأ إلا صفحة الإهداء.” لكن بشكل خاص وإن كنا نريد الحديث عن النخبة أو القارئ الحقيقي، أعتقد أن أغلب ما كان يرد من مجلات لا يستحق القراءة أما الكتب فهناك ما يستحق المطالعة والاقتناء، غير أن غالبية الدوريات التي كانت تصل ورقية كالصحف حجزت لها مكانا على صفحات الانترنت، ومن يريد فعلا أن يقرأ ويتطلع إليها يستطيع ذلك بسهولة باستثناء القليل ممن لم يتصالحوا مع التطور التكنولوجي وما يزالون يستخدمون القرطاس والقلم جازماً أن أسباب التصحر الحقيقية بدأت قبل الحرب. يسأل: “أين كتب الطفل ومجلات الأطفال واليافعين؟.” الطفل استبدل الكتاب بجهاز خليوي وألعاب إلكترونية، مع تطور عالم الميديا والقنوات الفضائية التي تعمل على خلق ثقافة جديدة أرهقت الإنسان العربي وجعلته غير قادر على تنمية ميوله الثقافية وتركته رهينة القلق والخوف من المستقبل.
من جسر فكتوريا إلى جسر جورج واشنطن
عمار شاهين صاحب بسطة لبيع الكتب، قال لنا: “بالطبع هناك مشكلة بالنسبة للإصدارات الجديدة التي لم يعد يصل أغلبها، لكن ذلك لم يؤثر بشكل كبير، هناك آلاف الكتب المهمة التي تستحق القراءة ولم تطلع عليها الأجيال الجديدة، وهي موجودة لدينا بأسعار زهيدة مقارنة بأسعار الكتب الجديدة التي تصدر وغير مهمة.” ويرى شاهين أن الكتب القديمة والمجلات مضامينها أهم بكثير مما فقدناه من الكتب والمجلات الحديثة التي لم تعد تصل أثناء الحرب، مضيفا: “هل يمكن مقارنة مجلة شعر أو الآداب بالمجلات الثقافية التي كانت تأتي من الخليج وكتب التنفيعات. كنا دائما نرفض شراءها ووضعها ضمن مجموعتنا، حتى الإصدارات القديمة من المجلات السورية – مجلة المعرفة – أهم بكثير من الأعداد الجديدة التي تصدر اليوم من المجلة ذاتها، لدينا الكثير الكثير من أمهات الكتب القيمة التي لا يمكنك أن تجدها أصلا في أشهر المكتبات السورية، لكن ما زال البعض يتعامل مع مكتبة الرصيف بتعالٍ خاصة، ولم تهتم الحكومات بمكتبات الرصيف وتمنحها أكشاكاً خاصة بها كما منحت بعض المهن اليدوية وبائعي السجائر.
عادل صاحب بسطة صغيرة في مدخل بناء يؤكد أنه كان يعيش وعائلته من مهنة بيع الكتب والمجلات، لكنه اليوم يضع كتباً قديمة ومجلات قديمة نادرا ما يجد راغبا لها. يقول: “اليوم يعرض علينا كتب ومجموعات أكثر مما يطلب منا، أكثر من شخص طلب مني أن أبيع له مجموعات أدبية، وموسوعات كان اقتناها في زمن الرخاء، اليوم رغم ارتفاع سعر الورق والتجليد الفني سعر تلك المجموعات أقل لكن لا أحد يقبل أن يقتنيها، المهتمون بالكتاب والثقافة لا يملكون المال، وأصحاب الأموال لا يعنيهم إلا المجلات الفنية وأخبار الموضة،” نعم هناك جفاف وتصحر و”تقحل” حسب تعبيره.
أبو مهيار الميداني لديه عروض للكتب المستعملة، لكن الكتب القيمة مغلفة يضعها جانبا في صناديق كرتونية، مجلات مسرحية وسينمائية تعود إلى أيام الوحدة بين سورية ومصر، مجلدات ضخمة، أعداد قديمة جدا لمجلات مصرية ولبنانية، جهة مخصصة للكتب الصادرة عن دور نشر عراقية، للوهلة الأولى تعتقد أنه مجرد بائع “كومسيون” يشتري ويبيع الكتب المستعملة، لكن ما إن تبدأ الحديث معه حتى تجده يكبر ويكبر حتى يملأ الفراغ تحت جسر فكتوريا. يكاد رأسه يوازي الجسر، تكتشف أنه ليس مجرد بائع أو مطلع يرشدك إلى الكتب المهمة، يقدم شرحا وافياً عن كل كتاب، حتى الكتب غير الموجودة لديه يقدم لمحة عن المؤلف وأهم ما صدر له بما فيها الكتب المترجمة، تكتشف لا حقا أنه خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية. يقول: “ما تشاهده عندي مجرد جزء مما كنت أملكه من الكتب، المكتبة التي فقدتها مع منزلي وابني المخطوف في حي “عين ترما” كانت تضم خمسة عشرة ألف كتاب وكلها كتب مهمة، سأبيع ما بقي لدي من كتب وأهاجر إلى أمريكا، لدي موافقة من قبل الحرب لكن لم أسافر، اليوم لم أعد أملك إلا القليل من الكتب.
دور النشر والمكتبات
بعض الدور لا تصدر عنواناً واحداً في العام، وبعضها تعيد طباعة ما نشرته سابقاً. الدور العلمانية وبعض الدور الدينية ما زالت تحافظ على نشر كتب جديدة، الكل يحاول الحفاظ على وجوده رغم المتغيرات السياسية، وكثيرة هي العناوين التي يعاد نشرها، أو تقوم بعض الدور بطباعتها على نفقتها الخاصة إكمالا لمشروعها غير المعلن. بالمقابل هناك الكثير من دور النشر توقفت عن العمل بسبب الظروف الاقتصادية التي فرضتها الحرب، ودور عمرها بعمر الحرب لم تطبع كتابا واحدا، وأخرى قديمة تعيد طباعة عنوان واحد فقط. كلفة طباعة الكتاب الواحد اليوم توازي طباعة ستة كتب في العام الأول من الحرب وذلك بسبب غلاء الورق والأحبار والمواد التي تخضع لانخفاض سعر الليرة، وهذا برأي الكثيرين سبب إحجام البعض عن اقتناء الكتاب اليوم، والذي لا يتناسب سعره مع دخل الفرد. كما يلجأ بعض الكتاب لطباعة مؤلفه على نفقة المؤسسات الرسمية من غير أن يدفع ليرة واحدة لكنه يقع في مشكلة الحذف والرقابة التي ترفض غالبا ما لا يتوافق مع مزاج الرقيب.
العناوين الجديدة
العناوين الجديدة قليلة نسبياً في أي مكتبة مختصة. يتصدر الواجهة كتب الصراعات السياسية والحروب، وكتب تروي سيرة بعض الحكام الذين أثروا في العالم أثناء فترة حكمهم. الرواية تحتل المكتبات لكن أغلبها إصدارات قديمة ومحلية، الكتب والروايات التي تطبع في دول مجاورة لكتاب سوريين من غير الممكن أن تجدها على رفوف مكتبة بسبب غلاء ثمنها والاحتكار الذي تمارسه الدور الخارجية على المؤلف حين تكون الطباعة على كلفتها.
يرجع صاحب مكتبة نوبل المشكلة إلى غياب الكثير من العناوين الجديدة بسبب فرق الأسعار ودخل الفرد يقول: “إن دخل الفرد في الحرب لم يعد يسمح له باقتناء كتابين، جميع أنواع الكتب السورية تضاعفت أسعارها ثلاث أو أربعة أضعاف بما فيها الكتب القديمة كونه لم تعد تتكرر طباعتها، غير أننا لم نعد نستطيع تلبية رغبة القارئ بأنواع الكتب التي تصدر في دور نشر خارج سورية لعدة أسباب أولها فرق السعر وانخفاض سعر الصرف، وأجور الشحن الغالية نسبياً، الأمر الذي يضاعف سعر أي كتاب إلى عشرة أضعاف سعره في السابق، حتى أننا لم نعد قادرين على شراء عناوين جديدة لوضعها في الواجهة ولا أحد يسأل عنها، الكثير من المهتمين يسألون عن أسماء وعناوين لكنهم يحجمون عن شرائها، وللأسف لم يعد يوجد نهم للقراءة بسبب ظروف الحرب، للأسف الثقافة لم تعد أولوية عند المواطن السوري. وبعد بدء الحرب الكثير من المكتبات أغلقت أبوابها ومنها ما تحول إلى مطاعم للوجبات السريعة ولبيع إكسسوارات الهاتف الخليوي.”
لم تتوقف الجهات المعنية بالثقافة والكتاب عن العمل طيلة فترة الحرب سواء في طباعة المؤلفات السورية، أو ترجمة المؤلفات من لغات أخرى، محاولة أن يكون سعر الكتاب متماشياً مع دخل الفرد رغم الزيادة التي طرأت عليه خلال الخمس سنوات الماضية، حتى أنه بإمكان المهتم ترقب المعارض الصغيرة الدائمة والتي تقدم حسومات للقارئ تصل إلى خمسين بالمائة أحيانا، لكن أغلب الإصدارات تتعلق بالحرب وآثارها وأسبابها وتداعياتها وثقافة المقاومة، العروبة وأسئلة النهضة، الأزمة السورية وثقافة التكفير الإرهابي، الحرب القذرة …الخ. أما الكتب الثقافية فنجدها مكررة كأن تصدر المجموعة الكاملة لشاعر أو قاص، أو دراسات نقدية عن الشاعر وشعره وغالبا ما تكون بتكليف من الشاعر ذاته لبعض أصدقائه، أو تكون من أجل المال فنجدها خالية من النقد الحقيقي وتتجه نحو الإطناب والتصفيق والتأليه الأدبي، وللأسف أغلب الإصدارات الثقافية ضعيفة من حيث المضمون والكتب التي تحمل قيمة قليلة نسبيا بالنسبة لما يتم طباعته ونشره كل عام. وهو أحد أسباب عزوف ونفور الفرد عن قراءتها والاطلاع على محتوياتها.
دمرت الحرب الكتاب كما دمرت رموزاً من التراث الإنساني، وهو ليس مجرد كلام استهلاكي فهناك الكثير من الجرائم الفنية ارتكبت بحق المكتبات الخاصة، ومستودعات كثيرة للكتب خاصة وعامة لا أحد يعرف شيئاً عن مصيرها، وثمة كتب نُهبت وكتب أُحرقت وكتب كان مصيرها حاويات القمامة، مكتبات شخصية تركها أصحابها وأغلب تجار الكتب المستعملة فقدوا مستودعات مليئة بكتب قديمة، وكل هذا انعكس على الجو العام وعلى حياة الفرد والمثقف فلم تنج الثقافة هي الأخرى من اللصوص والحدث اليومي والقذائف والحرب.
بواسطة Hekmat Shafi Al Assaad | مارس 7, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
حين اشتقتُ إليك
حين اشتقتُ إليكِ كتبتُ قصيدةً على الجدار
هدمتْها القذيفةُ
.وسالَ الدمُ من حروفها
حين اشتقتُ إليكِ بحثتُ عن أطفالٍ غير جياعٍ
.فلم أجدْ
حين اشتقتُ إليكِ صعدتُ إلى الجبال
ونظرتُ إلى المدن
.فلم أجدْها
حين اشتقتُ إليكِ أشعلتُ شمعةً
وفضحتُ تشرّدي الأخير.
حين اشتقتُ إليكِ لمستُ جثّةَ مقاتلٍ جانبي
.وشعرتُ به يبتسم
حين اشتقتُ إليكِ نسيتُ قصيدة “يطير الحمام.. يحطّ الحمام”
وتذكرتُ قصيدة “في البالِ أغنيةٌ يا أختُ عن بلدي“
فأحسَسْتُ بحَلْقي طعمَ العِتاب.
حين اشتقتُ إليكِ نزلتْ طيورٌ خضراءُ في حَنجرتي
.وماتتْ من قلّةِ الماءِ والخبزِ في هذا الحصار
.حين اشتقتُ إليكِ كانت الرصاصةٌ قد غيّرت اسمي
حين اشتقتُ إليكِ تنفّستُ هواءً نقيّاً
.وكأنني لستُ في ثلاجة الموتى
حين اشتقتُ إليكِ سمعتُ الملائكة يحصونَ أهل الجنّة
.ويكذّبون نشرة الأخبار
.حين اشتقتُ إليكِ كان الشعراءُ يلصقون “النعوات” على أعمدة الكهرباء
حين اشتقتُ إليكِ دخلتُ مغارةً
.ونمتُ بهدوء طفلٍ لم يعرفْ أنه على هذه الأرض
…إلخ
.ليست خيانةً أنْ أشتاقَ إليكِ في هذه اللحظات الأخيرة
* * *
بواسطة Tammam Talawi | مارس 7, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
كان هذا الشتاء غزير التوابيت
فتاةُ القرى
وهي تلمحُ بين التلال القطار البعيد
وأعوامَها وهي تعبرُ مثل ثلاثٍ وعشرين غيمةْ
تحدّثُ جارتها عن ذهابِ الجنود إلى الحرب تحت المطرْ
تقول لقد كان هذا الشتاء غزيرَ التوابيت
والأرضُ تزهرُ في كل يومٍ مئاتِ الضحايا
ولي عاشقٌ غاب من سنتين
ولكنه يتلفّظُ باسمي إذا ما اعتراهُ الرصاص
..فينجو
هو ابنُ ثلاثٍ وعشرين نجمةْ
يهاتفُني من قرى الآخرين
ويلمح بين التلال القطار البعيد..
فتاةُ القرى لا تقول لجارتها
إنّ عاشقها لا يهاتفُها منذ عام..
وجارتُها لا تقولُ لها إنها لمحتْ
نجمةً سقطتْ
.منذ عامٍ وراء التلال
* * *
لم يعد أحدٌ منذ عام وأكثر
لم يعُدْ أحدٌ منذ عامٍ وأكثرَ
:قيلَ لنا
“مرّ هذا الشتاءُ على أهلِنا قاسياً
والذي سوف يأتي به الصيف أقسى”
خرجنا سريعاً من الباب
بابِ المدينة
كانت خيوطُ الدماءِ تسيلُ على الجانبين
هبطْنا بأثقلِ أحزانِنا فوق أرضِ الهزائم
ثم انتظرنا
انتظرنا طويلاً وراء التلال
ومرّ الشتاءُ
ومرتْ بنا العرباتُ محمّلةً بالجنود
ذئابٌ رماديةٌ
ونساءٌ يضعنَ قلائدَ مسبوكةً من رصاصٍ
رأينا على صفحةِ النهرِ أجسادَنا وهي تطفو
وراياتِنا تتمزّقُ قبل المغيب
وقيل لنا لن نعود كما لم يعدْ أحدٌ منذ عامٍ وأكثرَ
لكننا كلما اهتـزّ من تحتِ أرجُلِنا الجسرُ
مدّ إلينا الشتاءُ حبالَ الحنينِ
وعُدنا إلى ضفّةِ الحزن..
هذا خرابٌ عظيم
تجاعيدُ أحلامِنا باتتِ الآن أكثرَ عمقاً
وصارتْ ضفائرُ أشجارِ هذا الطريقِ رماديةٌ
لم يعُدْ أحدٌ
لم تلوّح لنا من وراءِ الجدارِ يدٌ
لم يصلْ طائرٌ
والخيولُ الثلاثون تلك التي انطلقتْ بالرجالِ الثلاثينَ
لم ينجُ منها صهيلٌ على الجرفِ
لكنّ ضوءً خفيفاً فقطْ
شعَّ في عتمةِ الليل..
قيل لنا إنّ نجماً هوى
قيل نبعٌ تفجّرَ
قيل حريقٌ خَبَا
..قيل سيفٌ أطاحَ برأس الملكْ
لم يكنْ غيرَ نصلٍ فقطْ
..شعَّ في عتمةِ الليل
.ثم سقطْ
* * *
بواسطة أسامة إسبر | مارس 6, 2018 | Culture, Roundtables, غير مصنف
ملف أعده لصالون سوريا: أسامة إسبر
رغم أن الحرب هدمت سوريا عمرانياً وفكّكتْها اجتماعياً لا يزال الشعر يمثل فضاء مشتركاً للسوريين، وهو يكتسب أهمية كبيرة، كونه فناً غير قابل للتوظيف، ويمثل اللغة في أرقى وأعلى أشكالها التعبيرية، كما أنه يلوِّن اللغة ويُغنيها بألوان الشعراء المختلفين، وبرؤيتهم وبنائهم للعلاقة بين اللغة وعوالم الواقع وأشيائها. والشعر، يضيءُ عتمات، ويقود أضواء فيها، تظلُّ تبحث عن الخفي، والذي يظل هارباً، ولهذا لا تُستنفد اللغة الشعرية، بل تظلُّ مقترنة بالمستقبل، لأنها غوصٌ فيه، واستكشافٌ له، ورحلة في تقلبات الذات.
وفي هذا الملفّ الذي يمثّل جانباً مميزاً، وليس شاملاً، من الشعر السوري الجديد، يتفرد الشعراء المشاركون، كلٌّ بلغته الخاصة ورؤيته المختلفة، في بناء قصيدة تعيش غير مستقرة، لا وطن لها، فلا المنفى بكل مغرياته يخلق الطمأنينية، ولا الأوطان. وهكذا، يعيش الشاعر في وطن بديل، هو وطن الفن، العالم الشعري الذي يبنيه ويوسعه، والذي هو نافذة للآخر كي ينظر إلى الأشياء بطريقة جديدة، كي يرى نفسه ومحيطه خارج نطاق السائد والمألوف، هذا هو عالم الشعر، وتلك هي مغرياته، وهنا تكمن فرادته، في أنه دوماً يولد مع كل قصيدة جديدة، ويتشكل في كل تجربة شعرية، وبالتالي فإن كل شاعر كوكب يدور في فلك الشعر، أحياناً تكون الإضاءة خفيفة وفي أحيان أخرى يشتدّ السطوع. وفي هذه المختارات التي ينشرها ”صالون سوريا“، ثمة رسالة عميقة، وهي أن ما يوحّد السوريين، يكمن في الإبداع، وفي أفق العلاقات الجديدة التي يبنيها الأدب والفن بين الذات والآخر، بين الروح المبدعة والروح المتلقية، في هذا التفاعل يولد الأمل، ويتوهّج ضوء الحضور.
في الأيام القادمة سننشر المواد تباعاَ ونقوم بتفعيل روابطها:
١: كان هذا الشتاء غزير التوابيت
تمام التلاوي
٢: حين اشتقتُ إليك
حكمة شافي الأسعد
٣: ولو كان ورداً أقلّ
سُرى علّوش
٤: الغريب
عبد الكريم بدرخان
٥: تقطيع المشاهد بالاختناق
عمر الشيخ
٦: في البدء كانت السكين
صلاح إبراهيم الحسن
٧: لا يحزنني الموت
لينة عطفة
٨: قصائد
محمد شعبان
٩: فيلُولوجيا الأزهار
أمارجي
١٠: النساءُ الأوروبيّات
مناهل السَّهْوي
١١: رائحة البرتقال
ميس الريم قرفول
بواسطة Abdallah Hassan | مارس 3, 2018 | Culture, Reviews, غير مصنف
يفصلنا يوم واحد عن المحفل السينمائي الكبير الذي تقيمه إدارة «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة»، والذي سيتم فيه توزيع جوائز الأوسكار بنسختها الـ90 على الأفلام الفائزة. كانت الأكاديمية قد أعلنت قبل نحو شهر عن وصول الفيلم الوثائقي «آخر الرجال في حلب Last Men In Aleppo» القائمةَ النهائية التي تضمّنت أفضل خمسة أفلام وثائقية مرشحة للحصول على الجائزة لعام 2018 الجاري، وهو من إخراج فراس فياض، وحسن قطّان (سوريّا الجنسية)، إضافة إلى ستيڨ جوهانسن (دنماركي).
الفيلم الذي ماكان له أن يُرشح للجائزة فيما لو كان سورياً إذ سيؤخذ حينها في حسابات قائمة الأفلام الأجنبية، أثار الكثير من البلبلة أخذاً وردّا، ففي حين اعتبرته وسائل إعلامية تلفزيونية وأخرى إلكترونية مدعاةً للتعالي والفخر بوصفه “أول فيلم سوري يصل إلى الأوسكار”، انقسمت أصوات أخرى من جانبها (مؤيدة للنظام، ومعارضة له) حول ما يتعلّق بالتوجه الفكري لأحد مخرجيه، حيث تناقلت على نطاق واسع جداً صورةً لمنشورٍ على فيس بوك ينعو فيه (حسن قطان) صديقاً له في تنظيم جبهة النصرة.
وكان قطان قد نشر على صفحته في فيسبوك قائلاً: «ما تزال بسماته الجميلة التي تنير وجهه معلقة في ذاكرتي المرهقة، لم يكن كأي مجاهد آخر، عشق القتال والموت تحت راية إسلامية فنالها، كان أكثر الذين عرفتهم صفاء وبشاشة وورعاً وتقوى، أسدٌ من جبهة النصرة قد رحل اليوم عنا إلى جنان الخلد، أتمنى من الله تعالى أن يتقبله.» مُرفقاً (المنشور) بصورة للجهادي وهو يشير بيده إلى الراية السوداء ببقعتها البيضاء الشهيرة.
قد يبدو اتهام البعض لقطّان بانتهاجه فكراً إرهابياً هكذا بعبارة صريحة أمراً مبالغاً فيه، لكن أن يكون أحد مخرجي فيلمٍ مرشح لنيل جائزة شهيرة قد توجّه إلى عضو “تنظيم إرهابي” بالنعوة، والإشادة، وإبداء التعاطف هو أمر مشين، ومعيب، ومخجل، ناهيك عن أنه يحط من قيمة العمل ونزاهته، ويقلل من مصداقيته كذلك، خصوصاً وأنه فيلم وثائقي، أي أن ذلك يطعن حرفياً في صلب النقل الموضوعي للحقيقة. وضع قطّان، بصفته أحد مخرجي العمل، المادة الوثائقية المرشحة للأوسكار في موقفٍ حرجٍ لا يمكن تجاوزه في عمليّتي الإنتاج وما بعدها، لا بل يسيء لشعارات الحرية والكرامة والمواطنة التي انتهجتها الثورة السورية ضد نظام الحكم الديكتاتوري في البلاد مطلع العام 2011، والتي باتت الآن (الشعارات) شكلاً طوباويّاً لايعدو التنطّع لها أن يكون محاولةً لدفن الرؤوس في الرمال لا أكثر، ناهيك عن أن تلك البلبلة التي أثارها قطّان من خلال منشوره تعد بمثابة منحة للنظام السوري بأدواته الإعلامية، إلى جانب البروباغندا الروسية في توجيه الاتهامات لا للجهاديين فقط، وإنما لمفهوم المعارضة السورية ككل.
الجميع يعلم أن عمليات اختطاف الأجانب وطلب الفدية المالية لقاء إطلاق سراحهم أو تسليم جثثهم في بعض الأحيان حالت دون استساغة الصحفيين الأجانب لفكرة الدخول إلى البلاد ونقل ما يجري فيها مؤخراً، الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً أمام المخرجين السوريين الشباب، لكن ليس ثمة طريقة لفعل ذلك دون التواصل مع آخرين في الداخل قادرين على الإحاطة بما يجري تحت حماية من فصائل عسكرية على (اختلاف توجهاتها)، وهذا أيضاً يطعن في موضوعية نقل المادة خارج سوريا. ناهيك عن أنك لو كنتَ مخرجاً سورياً مثلاً ما كان من المناسب أبداً لأخلاقيات مهنتك أن تتواصل مع إعلاميين ذوي ولاء للقاعدة في ليبيا بُغية صناعة فيلم وثائقي عما يجري هناك، مامن سبب يبيح لك ذلك إلا الانتهازية اللعينة.
في المقابل ينأى من يحترم أخلاقيات مهنته بنفسه بعيداً عن هذه المساحة المليئة بالشبهات، كيف لمن يحترم أخلاقيات مهنته أن يشتغل على مادة لا يعلم أصلها ولا فصلها حتى وإن كانت حقيقية، إذ لا شيء يمنعها من أن تكون قد اجتزأت من الحقيقة ما يعجبها، والاجتزاء من الحقائق هو نكرانها عينُه.
لم تكن السينما يوماً ما لعبة، إنها مسؤولية كبرى، شأنها شأن الكلمة، بإمكانها أن تدعو، أو تدفع، أو تهدد، أو تعطي، أو تمنع. إن كل الأحداث تُصنع، تَبدأ أو تنتهي، ولا يبقى منها سوى ما هو مرهون باللغة، مكتوبةً كانت أم بصرية.
على أية حال، كثيرةٌ تلك الأصوات التي تدعو دائماً إلى الفصل بين الفن وشخصية الفنان، ليس من السهل الاستجابة لتلك الدعوة بالتأكيد إذا ما أخذنا ضرورة اتساق الفكرة مع صاحبها بعين الاعتبار، وهنا تتبادر مجموعة من الأسئلة: كيف للمرء أن يقف ضد الإصدارات المرئية التي ينتجها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» لأنها تحتوي على مشاهد العنف، وأن يغض الطرف عن كونها أصلاً من صناعة داعش؟ وكيف للمرء أيضاً أن يؤيد مثلاً أداةً إعلامية تابعة لنظام حكم ديكتاتوري دون أن يترك ذلك مساحة كبرى للشك في مصداقية وجوهرية ما يُراد من مادّتها الإعلامية؟ وكيف يرتضي الفنان أصلاً أن يعمل وفق منهجيّة الغاية التي تبرِّر وسائلها؟
أن يتحرّى الفنان الصدق، ويُسائل نفسه على الدوام، ويبتعد عن منتجة الواقع المعقد واختزاله على نحو قد يضعه بموقع من يسعى لتحقيق مجد شخصي دون مسؤولية اجتماعية، هي عناصر أساسية من عناصر الأخلاقيات المهنية خاصة في ظل الحرب. ختاماً، إن كان ثمة من سيقول الحقيقة المُنصفة التي لا مآخذ عليها إزاء ما جرى ويجري في سوريا، فهم المدنيون الذين دفعوا ويدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب العبثية.