بواسطة نادر عقل | يونيو 19, 2023 | العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
مع بداية كل موسم جديد، يفكِّر الفلاحون بتهيئة قطع صغيرة من الأرض متناثرة هنا وهناك في القرى الجبلية الساحليّة، من أجل زراعة شتلات التبغ استعداداً لتنميتها للحصول على موسم قد يُساعد هذه الطبقة الكادحة في مواجهة زوابع الفقر والجوع والحرمان.
تبدأ العمليّة بفلاحة الأرض، إما بوساطة الحيوانات أو جرّار زراعي، ثم تترك إلى شهر آذار حيث تُوضع كميات من السماد الطبيعيّ على وجه الحصر؛ لأنَّ السماد الكيماوي يُفقد التبغ نكهته ومذاقه الفريد، وتتفاضل أنواع السماد الطبيعيّ فأفضل الأنواع هو “بعر الماعز” ثم “بعر الغنم” وأخيراً “روث الأبقار”. وترجع جودة بعر الماعز كسماد للتبغ؛ لأنَّ غذاء الماعز من الأشجار الجبليّة التي يكون بعضها عطراً، فتعطي فضلات الماعز شتلات التبغ غذاء ممتازاً، فتصبح أوراق النبات ناعمة وممتعة للمدخنين؛ ولذلك أصبحت تجارة السماد الطبيعيّ ناجحة إلى حدّ بعيد، نظراً إلى حيويتها وأهميتها في يتعلّق بزراعة التبغ.
بعد أن يُفرش السماد الطبيعيّ على قطعة الأرض المُراد زراعتها في شهر آذار كما سبق القول، يقوم الفلاح بحراثة أرضه مرة أخرى من أجل أن يختلط السماد بالتربة على نحوٍ جيد، ويكون الفلاح قد جهّز ما يُسمّى باللغة الدارجة “المساكب”، وهي مكان من الأرض الزراعية يتراوح عرضه بين متر أو أكثر وطوله بين مترين أو أكثر، يقوم الفلاح بتكويم التراب فيه ليعلو فوق سطح التربة الطبيعية للأرض، ويبذر فيه بذور التبغ، ثم حينما تنمو الشتلات وتبلغ قدْراً معيناً من الحجم “يقلعها” من “المسكبة” ويزرعها في الأرض التي كان قد حضّرها مسبقاً في خطوط متلاحقة على امتداد الأرض، وتبعد عن بعضها بعضاً مسافات متناسبة، ويقوم الفلاح بسقاية التبغ والعناية به ومكافحته من الآفات على نحو مستمر، وإلا خسر موسمه.
ولقد قال لي أحد المزارعين إنَّ حبّات البَرَد تساقطت مرة على حقله، فتلفت شتلات التبغ كلّها؛ ولكنه ابتسم ابتسامة ماكرة، وقال: لم يستطع الطقس العنيف أن يدفعني إلى اليأس، فقد وجدتُ حلّاً، إذ قمت بقصّ شتلات التبغ كلّها من على وجه الأرض، ثم عادت ونبتت من جديد، وكان موسمي منها من أفضل مواسمي على الإطلاق.
حينما يأتي موسم قطاف أوراق التبغ في شهري تموز وآب يبدأ الفلاح هو وأسرته بقطفها ووضعها في سلال ثم نقلها إلى فسحة خاصة أمام منزل الأُسرة، يجلس بعد ذلك أفراد العائلة ويستخدم كلّ واحد منهم ما يُسمّى باللغة الدارجة “مِسَلَّة” وهي سيخ حديدي رقيق عرضه 1 سم وطوله 20 سم فيه ثقب من جهته الخلفيّة ومدبّب الرأس من جهته الأمامية مثل الإبرة، يوضع فيه خيط من القنّب ويُعقد ويتمّ شكّ أوراق التبغ بهذه “المِسلَّة”، ويُمرّر فيها خيط القنّب من رأس الورقة فتتخاصر الأوراق على الخيط، وتُراعى في عملية الشك أمور منها حجم الأوراق، فالأوراق القريبة الحجم من بعضها بعضاً تُشك في خيط واحد، وتستمر العمليّة حتى ينتهي استيعاب الخيط، ويتراوح طوله بين المتر أو المترين أحياناً. ومن هنا جاء اسم أحد أجود أنواع التبغ في سوريا وهو “شَكّ البنت”. إذ كانت البنات في القرى يساعدن أهاليهن على شك هذا النوع وهو المعروف أيضاً باسم التبغ البلدي؛ ولكن غلب عليه هذا الاسم الجميل “شك البنت”.
بعد أن تنتهي عملية شك أوراق التبغ وهي عملية مرهقة تستمر عدّة أيام، إذ إنَّ الفلاح لا يقطف الأوراق دفعة واحدة بسبب تفاوت نضوجها، فما يجب قطافه هو الأوراق التي أصبح لونها أصفر؛ أما الأوراق الخضراء، فتُترك إلى حين إصفرارها ثم تقطف. إذن، بعد أن تنتهي عملية شك الأوراق تُنقل خيوط التبغ، أي الخيوط التي تمَّ تعليق أوراق التبغ عليها إلى الخارج من أجل تعريضها لأشعة الشمس: فإما أن تُسطَح على الأرض ويتم تقليبها كلَّ يوم أو أو تعلّق بطرق مختلفة فوق الأرض، أو أن تُدلّى من أغصان الأشجار بحيث يشملها الظل، وهذه هي الطريقة الأفضل كما قال أحد المزارعين، وتبقى الأوراق على الأرض أو معلّقة حتى يتحوّل لونها من الأصفر إلى لون بني مُشرب بالحمرة، وتحتاج إلى شهر ونصف أو إلى شهرين من أجل بلوغ ذلك.
يقوم الفلاح بعد ذلك بجمع خيوط التبغ ويُشترط في ذلك أن يجمعها عند الفجر حتى تكون الأوراق طريّة مرنة، بسبب قطرات الندى، أما إذا جمعها الفلاح في الظهيرة مثلاً، فيمكن أن تتفتت الأوراق لأنها تكون يابسة بفعل حرارة الشمس فيخسر موسمه كلّه. هذا، وبعد أن يجمعها يقوم بترتيبها وتصنيفها ووضع خيوط التبغ فوق بعضها بعضاً على هيئة ما يُسمّيه الفلاحون “الشَبْحَة” وتُغلّف بغطاء أو كيس كبير مصنوع من البلاستيك وتُوضع خيوط التبغ داخله بترتيب معيّن ثم يُطوى عليها من أجل حفظها وتخميرها، ويكون ذلك طبعاً في مكان خاص (غرفة جانبيّة مثلاً) وتُترك أوراق التبغ من أجل التخمير ستة أشهر على الأقل.
بعد كلّ هذا العناء لا يحقّ للفلاح أن يبيع تبغه بالسعر الذي يراه مناسباً، وهذه هي المفاجأة الصاعقة؛ لأنَّ شركة حصر التبغ والتنباك التي يسمّيها مزارعو التبغ في سوريا (الريجي) تحتكر تجارة التبغ ولا تسمح لأيّ شخص بأن يتاجر بالتبغ وإذا فعل سيتعرض لعقوبات تصل إلى السجن ودفع غرامات ماليّة كبيرة، ولذلك تبعث هذه الشركة “خبراء” يقدّرون مدى جودة التبغ، وعلى هذا الأساس يصرفون مبالغ مالية للمزارعين الذين عملوا بإخلاص كامل من أجل الحصول على مبالغ مالية تافهة لا تتناسب مع جهودهم.
ولكن يقوم بعض مزارعي التبغ بإخفاء كميات من تبغهم عن مراقبي “الريجي”، ويبيعونها في السوق السوداء، ويتراوح سعر الكيلو غرام من ثلاثين ألف ليرة سورية إلى مئة ألف ليرة سورية، حسب جودة التبغ؛ ولكن الآن بدأت عملية مراقبة بيع التبغ في السوق السوداء من قِبَلِ الدولة، فأيّ شخص يُلقى القبض عليه وهو يقوم ببيع التبغ يتعرض إما للسجن أو لدفع غرامات مالية بأرقام كبيرة، فهناك تضييق حقيقيّ على مزارعي التبغ.
والأسوأ من ذلك أنَّ شركة حصر التبغ والتنباك في سوريا (الريجي) لم تنجح على مدى عشرات السنين في إنتاج أي نوع من التبغ صالح للتدخين، علماً أنَّ تبغ جبال الساحل السوري من أجود أنواع التبغ في العالم، ومردّ ذلك أنَّ الأنواع الجيدة من التبغ يتم تصديرها إلى الخارج للحصول على العملة الصعبة، وقد استطاعت الدولة أن تحصّل مبالغ طائلة من وراء تصدير التبغ إلى الخارج، علماً أنها لا تعطي مزارع التبغ ما يسدّ رمقه. أما الأنواع الرديئة من التبغ فيتم تصنيعها وتباع للمواطنين داخل سوريا؛ ولكن نظراً لرداءَتها اتجه المواطنون إلى شراء التبغ المُهرَّب عبر الحدود؛ ولكن حتى تهريب التبغ أصبح حكراً لأشخاص محدّدين من المقرّبين للسلطة، فما أحلاها من مهزلة ليس لها مثيل في تاريخ التبغ منذ الهنود الحمر الذين اكتشفوه إلى يوم الناس هذا.
يُعدُّ غريباً؛ بل عجيباً أن تُصادر حياة مزارع التبغ إلى هذا الحدّ، فشركة حصر التبغ والتنباك تفرض عليه زراعة أنواع محددة من التبغ، وتشتريها منه بالسعر الذي تحدّده، وتتحكم بمصيره تحكماً مطلقاً. والحقيقة أنَّ ما تفعله شركة حصر التبغ والتنباك هو استمرار لما فعله المشرفون على زراعة التبغ زمن الاحتلال العثماني وزمن الانتداب الفرنسي، فالعثمانيون والفرنسيون كانوا يعرفون مدى الأهمية الاقتصادية لزراعة التبغ في جبال الساحل السوري، فقمعوا المزارعين واستغلوهم وما زال هذا الاستغلال مستمراً، والأدهى من ذلك أنه حينما تمَّ تأميم شركة حصر التبغ والتنباك في سوريا عام 1951، تركت الحكومة آليات عمل الشركة دون أي تغيير، أي أنها تركت زراعة وصناعة وتجارة التبغ من مهامها التي لا ينافسها عليها أحد، وإن فعل سيُعاقب كما كان يُعاقب زمن الاحتلال العثماني وزمن الانتداب الفرنسيّ.
ولكن رغم كلّ هذه الضغوط ما زال القرويون يدخنون نبات التبغ مستمتعين به إلى أقصى حدّ، محاولين تأمين مؤونتهم منه بوسائل شتّى مخالفين ومتحدّين في آن شركة حصر التبغ والتنباك؛ مثلما تحدّوا شركة حصر العقول والنفوس!!! بل هناك أشخاص برعوا في صناعة سيجار يضاهي السيجار الكوبي، وهو يصنّعونه ويبيعون كميات قليلة منه سرّاً خوفاً من إلقاء القبض عليهم بتهمة الإضرار بالاقتصاد الوطني؛ الذي تهكم مرة الشاعر نديم محمد على وزيره في أبيات منسوبة إلى هذا الشاعر الكبير:
يا وزير الاقتصاد الوطني بالله قل لي كيف أصبحت غني
لم تهاجر لم تتاجر لم ترث عن أبيك الفذ غير الرسن
ولسوف نعثر على في سوريا على تجارب إنسانيّة تؤكد تأكيداً عميقاً جداً أنَّ جوهر الإنسان، يُعاد اكتشافه من جديد، أعني الإنسان بما هو إنسان، من دون انتمائه إلى عرق ولا طائفة ولا قبيلة، فجوهره هو ذلك الموجود الذي ينفث دخان لفافة تبغه في وجه الطغاة في الخارج والداخل الذين دمّروا حياته غير عابئ بهم، لأنه يبني انبثاق عالمه القادم من كفاحه وحيداً ضدهم، ولكن هذا الكفاح لا يظهر للعين غير الخبيرة، لأنه كفاح ليس من أجل قضية بعينها؛ بل من أجل الوجود، أو الاستمرار في الوجود.
بواسطة وداد سلوم | يونيو 16, 2023 | Culture, العربية, مقالات
جريمة على مسرح القباني هو عنوان رواية للكاتب السوري باسم سليمان. وقد صدرت عن دار ميم ويتناول فيها الحرب السورية التي استمرت لسنوات طويلة من خلال جريمة حدثت على مسرح القباني الشهير في دمشق. حول هذه الرواية، وعلاقتها بالموروث الثقافي، والحدث الراهن، كان لنا الحوار التالي مع الروائي:
وداد سلوم: تذهب بقوة وشجاعة في روايتك إلى تجريبٍ مختلف وحتى أقصى ما تحتمله الرواية فضمّنتها نصاً مسرحياً، مسرحية (الجثة) التي كتبها عبد الله القتيل -والحكاية أقصوصة الموت- والقصة القصيرة؛ قصة المقص على سبيل المثال، وإلى طرق أبواب قليل من تجرأ وطرقها، في الإشارة لضرورة إعادة قراءة النص القرآني والتراث وتفسيره على ضوء القراءة الجديدة، فهل غامرتَ بجمهور القراءة الذي كثيراً ما يرغب بالسهل ومتعة الحكي؟
باسم سليمان: هناك علاقة جدلية بين المضمون والشكل. ومن هذا المنحى كان لا بدّ من ورود المسرح والقصة والشعر ضمن سردية الرواية الكلية؛ وهذا ليس تجريباً محضاً. إنّ تقديم مقولة “السلام هبة العنف” التي ذكرها رينيه جيرار في بداية كتابه العنف والمقدس، والتي أوردتها في أول الرواية كبوصلة توجّه سمت القراءة، لن يكون لها من معنى، من دون وضعها موضع التطبيق العملي في الرواية. لقد اعتمد القدماء المسرح كما يشرح رينيه جيرار، كي يستحضروا العنف على خشبته محاولة منهم لإجهاض العنف، عبر تمثيله من خلال مسرحية ما، كي يحدث التطهير الأرسطي، ومن هنا كانت مسرحية الجثة في اعترافها المونولوجي أمام منكر ونكير، والذي تم التمثيل لهما بقناعي المسرح الضاحك والباكي كتطبيق لذلك. ولم يكن ورود القصص في الرواية إلا لأنّ القصص كانت الحامل الأول لنقل المعرفة والخبرة من جيل إلى جيل. وعبد الله في أوراقه كان يحكي لدميته قصص ما قبل حصول طوفان الدمار في سورية. وهو بذلك يقوم بإعطائها اللقاح كي لا تقع هي وجنسها من الدمى في العنف الذي وقع فيه البشر. وقد أتى الشعر من ذات الزاوية، فالشعر لم يكن في بدايته إلا تعازيم سحرية من أجل فرض إرادة الإنسان على واقعه العنيف والمجهول. وهكذا يصبح وجود المسرح والقصة والشعر في الرواية آلية رمزية لسحب دوافع العنف من التولد من جديد. إنّ وقوع جريمة قتل عبد الله في أول يوم من أيام عيد الأضحى على مسرح القباني، ما هي إلا باب سيتم الدخول منه إلى الأضحية الإبراهيمية وكشف الدوافع الخفية التي دفعت بالنبي إبراهيم لتقديم ابنه أضحية ومن ثم الفداء. فالأضحية الإبراهيمية تكشف لنا العنف المؤسس للوجود البشري، سواء كان ذلك بالخطيئة الأصلية المرمز لها بأكل التفاحة أو بإقدام قابيل على قتل هابيل. وأمام هذا الأصول العنفية للوجود البشري، لم يكن من مهرب إلا بإعادة سبرها مهما كانت المهمة صعبة على الكاتب والقارئ. لا أعتقد أن هناك كاتباً إلا ويقع تحت سطوة القلق من كيف تلقي نتاجه الأدبي، لكن هناك دوماً عزاء بوجود قرّاء يعوّل عليهم الروائي، سيقبلون مغامرته الخطرة، ويتقحمون معه المجهول. هذه هي أخلاقية الرواية، كما يقول ميلان كونديرا، وذلك بأن تذهب إلى حيث لم يتجرأ أحد على الذهاب. وهذه أخلاقية القراء الذين أعول عليهم أيضًا.
و.س: على خلفية هذا (حديثك عن أخلاقية الرواية وأخلاقية القارئ) وخلفية إهدائك الرواية إلى جميع السوريين. هل تعتقد أنّ الرواية يمكن أن تكون رافعة للوعي؟
ب. س: لا ريب أنّني لم أهادن القارئ في روايتي! وعندما تكلمت فيها عن الرسام الذي استغل الموت كتاجر حرب، كي ينجز لوحاته وشهرته الملوثة بالدماء، كأي قاتل آخر، أردت أن أوقظ القارئ من مثالية مخادعة. وهنا إذا أجبت متبجحاً، بأنّ فنّ الرواية يمكن عدّه من المحفّزات الجيدة للوعي؛ علينا أن نتذكر بأنّ أي أدب أو نتاج فنّي محكوم بأدلجة ما، كما يقول تيري إيغلتون في كتابه؛ نظرية الأدب. وبناء على ذلك كيف سيعرف القارئ أنّني لا أخدعه وأدس السم له في الدسم؟ إذن تكون الرواية رافعة للوعي، عندما يقف القارئ موقفاً نقدياً من الرواية، وإلا سيصبح الوعي المتأتي عن الرواية كضربة الحظ، قد يحدث أو لا يحدث! وإن كان من مثال على الوعي المزيّف الذي يحصله القارئ من رواية ما لا بدّ من ذكر تحليل رينيه جيرار في كتابه؛ الكذبة الرومانسية والحقيقة الروائية عن رواية مدام بوفاري؛ حيث أنّ الوعي الذي تحصّلت عليه من الروايات التي قرأتها أدّى بها إلى الاصطدام مع الواقع الحقيقي ومن ثم انتحارها.
و .س: لغة البطل كثيفة وعالية، ولولا الرمزي واتساعه، لاستغربنا السوية الثقافية والمعرفية واللغوية العالية المتجلية في أوراقه! فهل أراد الكاتب أن يعوضه بذلك عن التشوه الجسدي؟ إذ يعدّه ليكون أضحية، فتبدو أكثر كمالاً وبالتالي موصّلاً جيداً لمفهوم الفداء، فيحمل موته بالنتيجة مفهوم العنف المقدس الذي يمنع الثأر المتوالد والموروث وينهيه؟
ب .س: لقد كان الحكيم إيسوب عبداً وبشعاً. وأحدب نوتردام مشوهاً. والأول ما زالت مقولاته على ألسنة الناس إلى الآن، والثاني على الرغم من تشوهه استطاع أن يتخذ موقفا صحيحاً ومستبصراً بأنّ الثورة قادمة. وعليه ما الذي يختلف به عبد الله عن إيسوب وأحدب نوتردام، مع أنّ إشارات عديدة وردت في الرواية تشير إلى اهتمام عبد الله الجدّي بالمعرفة. بالتأكيد ستضلّل نشأته في ميتم وتشوّهه، وعمله في جمع القمامة، من حكمنا العقلي. وهذا كان مقصوداً، لأنّنا أميل لأن نأخذ بظاهر الأشياء. كان من الممكن أن يكون عبد الله غير مشوه، لكن تعارضه مع الأضحية النمطية، بأن تكون سليمة من العيوب، هو الذي فرض عليَّ تشويهه لأبرز التناقض بين أضحية عيد الأضحى التي شوّه معناها الأصلي لصالح قراءة سلطوية دينية، وتضحية عبد الله، فجاء التعارض الأول على صعيد المظهر الخارجي. أمّا التعارض على صعيد المضمون، فيكمن بأنّ التضحية المسكّنة للعنف يجب أن لا يكون من طالب ثأر خلفها. وبالمجتمع السوري الذي أدمي جراء الحرب، كيف يمكن إحلال السلام فيه من دون أن نوقف دورة العنف /الثأر. ولا يمكن حدوث ذلك إلا بأن يكون القاتل هو القتيل، والقتيل هو القاتل، فعبد الله هو القاتل والقتيل. هو الأضحية التي لا شائبة فيها، أي لا وجود لمن يطلب الثأر من أجلها.
و .س: تقول (أضحية عيد الأضحى التي شُوّه معناها الأصلي لصالح قراءة سلطوية دينية( ، ويقول المتهم في الرواية )حارس المسرح ):عيد الأضحى مسرحية تطهيرية عن خطيئتنا الأولى التي نمثلها ونكررها كل عام لكننا أضعنا جوهرها لذلك يكثر القتل فينا وعلينا” وهذا مؤشر آخر لدعوتك بإعادة قراءة النص القرآني والتراث للخروج من دوامة القتل منذ قتل قابيل لهابيل إلى دائرة الفداء. هذه الدعوة مهمة وجريئة وتصبح أكثر ضرورة كل يوم وهي تحدث بالرواية فتتقدم على الواقع الذي يطلبها ولا يتوصل إليها!
ب .س: آلية الفداء هي آلية مجتمعية لإدارة العنف كما القانون حالياً… وبالتالي الدعوة لإعادة قراءة النص الديني تندرج ضمن فهم الميكانيزميات الحاكمة بالمجتمع.
و. س: عبد الله ينسى كل يوم ما سبقه تقول : (ذاكرته تستيقظ كل يوم نظيفة من حيض التذكر) ويعود كما لو ولد تواً من التفجير، لكنه وجد طريقة للخلاص بالتدوين وكأن طريق الخروج من الأزمة يحتم التعلم والثقافة لبداية تأريخ جديد خارجاً من دوامة الحرب والعنف اليومية التي تأكل البلاد.
ب.س: إنّ النسيان أسلوب دفاعي تلجأ إليه النفس عندما لا تستطيع أن تتحمّل هول الفاجعة. لقد وعى عبد الله ذلك بشكل لا شعوري. وما القول بأنّه يستيقظ نظيفاً من حيض التذكر، إلا دلالة على رفضه للعقم، فهو يريد التذكر. ومن دون الذاكرة لا يمكن للأضحية أن تنجز مهمتها في التطهير، لذلك لجأ إلى التدوين، كما يفعل السجناء في حك حيطان السجن من أجل تدوين مرور الأيام، كي لا يفقدوا الإحساس بالتاريخ. إنّ التدوين وكتابة ما يحصل له في محيط الدمار كانا وسيلته الأولى لمقاومة الدمار، فالدمار أول ما يفعله هو أن يمحو الرموز والعلامات التي يستطيع بها العقل حيازة الواقع معرفياً. ومن هنا، كان التدوين والبحث بين الحطام على علامات متبقية، أسلوبه في إعادة رتق ذاكرته وجعلها خصبة من جديد. وعندما تم له ذلك خلق دميته/حواءه وشرع في تهيئة المسرح ورفع خشبته كي يعيد تمثيل مسرحية الجثة، كي تتم المصالحة بين القاتل والقتيل.
و.س: خشبة المسرح، هي سفينة نوح كما في حدث الطوفان!
ب.س: نعم التناص كان واضحاً.
و.س: تقول المصالحة بين القاتل والقتيل، وذلك يعيدنا إلى السؤال التالي:
ثلاثة تجمعهم صداقة الكتب، وتاريخ الميلاد، وجريمة يتقاسمونها بشكل ما؛ القاتل /المتهم ــ والقتيل/ الأضحية، ومن ثم المحقّق الذي يرث ساعة الأرمني مسيو كارنيك (والذي يعني اسمه الخروف ــ الأضحية أيضاً ) ، هل أردت مقاربة ثالوث جديد يكون فيه الموت على خشبة المسرح بانتظار قيامة الحياة /الخلق من قلب تل الخردة حيث تتشابك الأشلاء مع بقايا الدمار؟
ب.س: إنّ الجذر الثلاثي لفعل (قتل) هو الذي يمدّنا عبر الاشتقاق بكل من كلمتي: القاتل والقتيل. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني تعالقاً لا يمكن الفكاك منه، ما دمنا نأخذ معنى واحداً من معاني الجذر(قتل). ميزة مفهوم الفارماكوس اليوناني أنّه يشتمل بشكل واضح على معنيين متضادين، لكن متكاملين، فالسم يصنع منه الترياق، والترياق هو دواء السم. لهذا كانت الأضحية الفارماكوسية كعبد الله قادرة على إيقاف العنف لأنّها تكشف معاني الجذر (قتل)، فلا تصيبنا أحادية الرؤية بالعماء. ومن دون مسرحة العنف والأضحية، لايمكن أن نأخذ مسافة للحياد، ومن ثم المصالحة. والمسرح يقدم هذه المسافة عبر عبد الله نفسه، الذي قدّم نفسه أضحية على مسرح القباني جاذباً إلى دائرة الجريمة، ممثّل الثقافة؛ أي بائع الكتب. وممثّل السلطة؛ أي الرائد هشام، حتى يحدث الجدل الغائب بسبب العنف، ويتكشّف المعنى الجوهري للجذر (قتل) ألا وهو معرفة كنه الشيء! وعندها تتضح لنا أصول العنف، فمن الممكن تحقيق السلام والحياة بناء على ذلك.
البطل عبد الله كان يبحث عن هويته؛ يقول تدفعني الخيبة لا الأمل، لأبحث في الماضي عن تأصيل لهوية مضطربة. فخيبة الإنسان بالانتماء (عدم تحقّقه) تجعله يبحث في الهوامش عن بديل. وغالباً ما يعيد إحياء الانتماءات الضيقة كتعويض. وهي في الحقيقة محرك آلية العنف! أمّا عبد الله؛ فبحثه أخذه إلى المسرح والدمية ذات الصوت المكبوت أو العميق. أو كما أسميتها حواءه ومعها أكمل البحث وصولاً إلى إعادة الأب والأم إلى المسرح في إشارة لإعادة الحياة، تأصيل وتأسيس البحث عن هوية جديدة، هو القضية التي تؤسس الحياة الجديدة إذن!
لا أحد يستطيع الهرب من هويته، فهي معطى وجودي في حال ضياعه، فهذا يعني العدم. لكنّ البحث عن الهوية المحدّدة سلفاً يصبح حالة عنفية، عندما تبدأ بإلغاء الآخر، وأي هوية فيها من الإلغاء الكثير؛ لذلك قال سارتر: “الآخرون هم الجحيم”. أمام هذا الواقع المخيّب للآمال، كان لا بدّ لعبد الله ان يبتكر حلاً كي تنفتح الهوية على إنسانيتها، بحيث يصبح الآخر امتداداً حيوياً لها. إنّ تأصيل الوجود في مخيال عبد الله عبر الدمى التي صنعها لم يكن ليتم إلا عبر قصّ الخيوط التي تربط الدمى بيد محرك العرائس لتصبح حرّة. إنّها دعوة لخلق هوية تولد من محايثة الحياة تنمو كل يوم وتتجدّد، رافضة لأي شكل مسبق يحدّد وجودها، هكذا يصبح وجودها خياراً، لا قدراً محتوماً محدداً بشكل مسبق.
و. س: مقولة قتل الأب: ارتفعت الأصوات الداعية لها. وهناك الصوت التحذيري لديك قد جاء على شكل نبوءة؛ ستقتلون الأب ولن تجيدوا دفنه، ستقتلكم رائحة جثته، تقول: “سنوات، ونحن نحمل جثة الأب. ونحن نعلك لحمه كالصوف. والبلد تغرق بالقتل، نقتل الآباء ويتكاثر الأبناء كالجراد. وهكذا نعلن القطيعة، لنؤسس لأبوتنا وكراسينا المصنوعة من عظام الأباء”. فإذن قتل الأب كان تأسيساً لآباء لا يختلفون عنه، بل يتجاوزونه في القسوة! في عملية إعادة تدوير للعنف. لكنّك تعيد الأب وتجلبه للمسرح لنلمس تمييزك للأب الذي تريد إعادته المعبّر عنه بالعقل؟ ( هذا من فضل العقل) المقولة التي تحطمت في الهياج؟
ب.س: إنّ قضية قتل الأب قد تكرّرت كثيراً في الميثولوجيا الإنسانية. إذن هي رمزية أكثر منها فعلاً واقعياً، فقتل الأب، هو قطيعة مع منظومة سابقة ثبت فشلها، بأن تكون محايثة للحاضر. وبما أنّ مصير الأبناء أن يصبحوا آباء؛ إذن، هم ضحايا جدد. لهذا يقال، بأنّ الثورة تأكل أبناءها؛ وذلك عبر تحويلهم إلى آباء، من الضرورة أن نثور على الآباء الجدد. إنّ إعادة الأب عبر دمية في أوراق عبد الله مع ربطه بمقولة (هذا من فضل العقل) فقد جاء ذلك من أجل إيقاف دورة العنف، وإنشاء الحوار بين الأصول والفروع الذين سيغدون بدورهم أصولاً تنبت فروعاً وهكذا دواليك.
بواسطة محمد الواوي | يونيو 14, 2023 | Cost of War, News, العربية, تقارير, مقالات
في شباط/فبراير الماضي، ضرب زلزال مدمر جنوب تركيا وشمال سورية بقوة 7.7 درجات، تلاه آخر بقوة 7.6 درجات، ما أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في البلدين.
فاقمت الكارثة الطبيعية معاناة سكان سورية بعد أكثر من عقد على اندلاع الصراع المسلح، حيث ألحق الزلزال أضراراً بالبنى التحتية إلى جانب الممتلكات الخاصة بالمواطنين، وما زالت مسألة تأمين المأوى تؤرق بال الذين خسروا منازلهم في المحافظات المنكوبة، ورغم تقديم حكومات وجهات رسمية وأهلية عربية وأجنبية منازل مؤقتة مسبقة الصنع للعائلات إلا أنها ليست بديلاً عن المساكن الدائمة في ظل أزمة اقتصادية وتضخم عام في أسعار مواد البناء والإكساء.
وأعلنت “اللجنة العليا للإغاثة” في الحكومة السورية خلال اجتماعها بتاريخ 2 آذار/ مارس الماضي أن عدد الأسر المتضررة المسجلة بلغ 91,794 أسرة، وبلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 4,444 مبنى وعدد المباني التي تتطلب تدعيماً لتصبح آمنة 29,751 مبنى، أما عدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة فوصل إلى 30,113 مبنى، في حين هُدم 292 مبنى آيلاً للسقوط. (وكالة “سانا” الرسمية للأنباء).
قيمة الأضرار والخسائر
وأصدر “البنك الدولي” تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات الناتجة عن الزلزال في سورية (آذار، 2023)، حيث قدر البنك إجمالي قيمة الأضرار والخسائر بـ 5.2 مليار دولار أميركي.
ويتصدر قطاع الإسكان قائمة القطاعات المتضررة (24% من إجمالي الأضرار)، تليه قطاعات النقل والبيئة والزراعة. تعرّضت محافظة حلب لأكبر قدر من الأضرار (44% من إجمالي الأضرار)، تلتها محافظة إدلب (21%). وجاءت مدينة حلب أيضاً على رأس قائمة المدن الأشد تضرراً، إذ بلغ نصيبها نحو 60% من مجموع الأضرار، ثم اللاذقية (12%)، وأعزاز (10%). ويُقدِّر التقييم احتياجات التمويل لإعادة الإعمار والتعافي في المحافظات الست المشمولة بـ7.9 مليار دولار أميركي.
وفي سياق متصل، كشف تقييم الأمم المتحدة لاحتياجات تعافي سورية من الزلزال في أيار/مايو 2023 أن إجمالي الأضرار والخسائر وصل إلى قرابة 9 مليارات دولار، وأن هناك حاجة لحوالي 15 مليار دولار للتعافي في المناطق المتضررة.
من جهتها، أعدت “اللجنة الفرعية للإغاثة” في محافظة حلب تقريراً أولياً في أعقاب الزلزال. وأشار التقرير (تقرير غرفة عمليات محافظة حلب) في 17 شباط الماضي إلى أن عدد الأفراد المتضررين بلغ حوالي 65 ألف فرد، وتهدم 54 مبنى أثناء الزلزال، بينما هُدم 220 مبنى بسبب الزلزال في أحياء مختلفة من حلب، ووصل عدد المباني غير الآمنة لكنها قابلة للإصلاح إلى 2,287 مبنى، في حين ذكر التقرير أن عدد المباني غير القابلة للإصلاح ويجب هدمها بلغ 306 مبنى، وفي الوقت ذاته انتقلت حوالي 13 ألف أسرة إلى 188 مركز إيواء.
معضلة التمويل!
وافق “مجلس الوزراء” في آذار الماضي على مذكرة وزارة الأشغال العامة والإسكان لتأمين أراض بهدف بناء مساكن في محافظتي حلب واللاذقية تعود ملكيتها للمؤسسة العامة للإسكان والمجالس المحلية في المحافظتين، طبقاً لموقع المجلس على الإنترنت.
وفي هذا السياق، ترى وزيرة الاقتصاد السابقة في الحكومة السورية لمياء عاصي خلال حديث مع “صالون سوريا” أن تأمين التمويل اللازم لتعويض المتضررين مسألة صعبة، وتحتاج إلى جهود مشتركة من الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات المالية والتنموية المحلية والدولية، ولا يمكن أبداً الاعتماد على ما تخصصه الدولة في موازنتها العامة، لأن العجز المالي يشكل حوالي 30%، فضلاً عن نقاط ضعف كثيرة تعاني منها الموازنة ذاتها.
وصدر مرسوم تشريعي رقم 3 لعام 2023 يقضي بمنح إعفاءات خاصة للمتضررين من الزلزال تشمل الضرائب والرسوم المالية وبدلات الخدمات والتكاليف المحلية، ورسوم الترخيص على أعمال إعادة البناء أو التأهيل الكلي أو الجزئي لمنشآتهم ومحالهم ومنازلهم وأبنيتهم، حتى 31 ديسمبر/كانون الأول، 2024. وبموجب المرسوم، تمنح المصارف العامة قروضاً لمدة عشر سنوات للراغبين من المتضررين بمبلغ لا يتجاوز مائتي مليون ليرة سورية، وتسدد على أقساط يستحق أولها بعد انقضاء ثلاث سنوات على منح القرض.
تعتقد عاصي أن القروض المعفاة من الفوائد والرسوم -حسبما وردت في المرسوم- خطوة جيدة في حالة تضرر المباني بشكل جزئي، لكنها لن تكون كافية في حال إعادة البناء بشكل كلي.
وتوضح عاصي أن القروض تصبح مجدية إذا تجاوبت المصارف بشأن منح القروض دون اشتراط الملاءة المالية (ضمانات)، حسب المادة 13 من المرسوم، لأن كثيراً من أصحاب الأملاك الخاصة سيفشل بتقديم مثل تلك الضمانات غالباً، حيث لم يرد صراحة أي نص يفيد بأن الخزينة ستتحمل خسائر العجز عن السداد أو ما يسمى بالقروض المتعثرة.
ولا تخفي الوزيرة السابقة خشيتها من ارتفاع أسعار مواد البناء والإكساء بشكل مستمر، ما يعني انخفاض القدرة الشرائية للقروض الممنوحة بشكل سينعكس سلباً على عمليات الترميم وحتى البناء.
صندوق مالي
وصدر مرسوم رقم 7 لعام 2023 بإحداث صندوق وطني لتقديم الدعم المالي للمتضررين من الزلزال، وحددت موارده المالية من الاعتمادات التي ترصد له في الموازنة العامة للدولة، والمنح والإعانات والهبات والوصايا والتبرعات والمساهمات المالية ذات الطابع المحلي والدولي التي تقدمها الدول والمنظمات والاتحادات والنقابات والصناديق والهيئات والمؤسسات والشركات والأفراد وفق القوانين والأنظمة النافذة، وكذلك الفوائد المصرفية لإيداعات الصندوق أو أي موارد أخرى يوافق عليها المجلس وفق القوانين والأنظمة النافذة، وقدم المرسوم تخفيضات ضريبية للمتبرعين من المكلفين بالضرائب.
وحول هذه النقطة، تشير عاصي إلى أن المأخذ الرئيسي على الصندوق هو أن إدارته حكومية بنسبة كبيرة، في حين أن المحفزات التشجيعية لاجتذاب تبرعات رجال الأعمال غير كافية ومرنة.
تعد عاصي القروض المتاحة للمتضررين والمعفاة من الفوائد وتتكفل بفوائدها الخزينة العامة للدولة، خطوة جيدة إلا أنها غير كافية لحل المشاكل الناجمة عن الأضرار والخسائر التي سببها الزلزال، لذا فإن القروض الإنسانية التي تمنحها المؤسسات المالية التنموية الدولية قد تشكل طريقاً آخر في سبيل تأمين التمويل اللازم لتعويض للمتضررين.
قوائم أولية
أصدرت “محافظة حلب” في أيار الماضي الجدول الأول المتضمن أسماء المتضررين الذين انهدمت مبانيهم وعقاراتهم، ثم أتبعته بجدول ثان في حزيران.
وعلى غرار حلب، نشرت “محافظة اللاذقية” قائمتين بأسماء المتضررين في بعض العقارات التي تهدمت كلياً أو جزئياً أو التي أقرت لجان السلامة العامة أنها متصدعة وبحاجة إلى هدم أو تدعيم.
تقترح وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي تقديم القروض الإنسانية من قبل المؤسسات المالية والتنموية الدولية مثل القروض والبرامج التي يطلقها “صندوق النقد الدولي” وغيره، كالصندوق الائتماني للنمو والصلابة، وهو برنامج لمنح قروض للدول المتضررة من الكوارث الطبيعية بشروط ميسرة وفائدة منخفضة، وقد تكون فائدة صفرية وفترات سداد طويلة الأمد، ويمكن استخدام هذه القروض لتغطية جزء من التكاليف المطلوبة لتعويض المتضررين.
بواسطة عامر فياض | يونيو 11, 2023 | العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
لطالما تغنَّت سوريا قبل الحرب بمجتمعها الفتي، إذ كان الشباب يُشكلون النسبة الأكبر من إجمالي عدد السكان. لكن تلك النسبة بدأت تتراجع منذ عام 2011 وحتى اليوم، على حساب تزايد نسبة كبار السن، وذلك نتيجة عوامل كثيرة أوجدتها ظروف الحرب الطويلة وتَبعاتها، وهو ما سيترك آثاره السلبية على مستقبل البلاد التي بدأت تعاني خللاً ديموغرافياً يتفاقم يوماً بعد يوم.
حتى عام 2010 كانت معدلات الوفيات في سوريا لا تتجاوز 4،4 من كل ألف نسمة، وخلال سنوات الحرب ازدادت تلك المعدلات لتصل إلى 10،9. وقد شكلت فئات الشباب، خاصة من قتلوا في المعارك الحربية، النسبة الأكبر من حجم الوفيات. كما أدت الحرب وما خَلَّفته من نزوحٍ ودمارٍ إلى إحداث موجة هجرة كبيرة أفقدت البلاد ملايين الشباب، حيث ازدادت معدلات الهجرة بين عامي 2013 و 2017 لتصبح 70،5 من كل ألف نسمة، فيما كانت عام 2010 لا تشكل سوى 4 من كل ألف. وبحسب تقارير الأمم المتحدة لجأ، خلال سنوات الحرب، أكثر من خمسة ملايين سوري إلى دول الجوار، ثلثهم من الأطفال، فيما لجأ نحو مليون إلى بلدان أوروبا، هذا إلى جانب هجرة مئات الآلاف إلى أماكن مختلفة من العالم، حيث صُنفت سورية ضمن الدول الأكثر تصديراً للاجئين في العالم. ومن المعروف أن النسبة الأكبر من المهاجرين كانت من فئة الشباب، ومن الأُسر التي كان أبناؤها في عمر الطفولة أو المراهقة.
ورغم توقف العمليات الحربية في معظم المحافظات السورية إلا أن هجرة الشباب عادت خلال العامين الماضيين لتنشط بشكلٍ كبيرٍ، وذلك نتيجة تردي الواقع الاقتصادي والمعيشي – الذي جعل 90% من السوريين يعيشون تحت الفقر- وغياب أبسط متطلبات الحياة، وانعدام فرص العمل، وتراجع مستوى الدخل – في ظل التضخم الكبير الذي أدى لانهيار قيمة الليرة- وغياب أي مستقبلٍ واضح. وقد لوحظ خلال العام الماضي حجم الاقبال الكبير على فروع الهجرة والجوازات في مختلف المحافظات لاستخراج جوازات السفر، حيث شهدت تلك الفترة سفر آلاف الشباب إلى بعض الدول، كالإمارات ومصر والعراق/ أربيل، لمجرد منحها بعض تسهيلات السفر للسوريين. وتتوقع الكثير من الدراسات هجرة مئات آلاف الشباب في السنوات القادمة إذا ما بقي الواقع على حاله، حيث أصبح خيار السفر الحديث الشاغل بين الشباب والحلم الأول عند الكثير منهم، وقد باتت كثير من الأسر تُجهِّز أبناءها للسفر، فور انتهائهم من الدراسة، أو حتى لإكمال دراستهم في الخارج.
تراجع معدلات الزواج
سنوات الحرب الطويلة وانخراط نسبة كبيرة من الشبان في العمليات العسكرية، التي أبعدتهم عن الحياة المدنية وأشغلتهم عن التفكير في الزواج، ومن ثم تدهور الواقع الاقتصادي الذي أدى لارتفاع تكاليف الزواج وصعوبة تأمين المسكن والشروط المعيشية التي يحتاجها بناء الأسرة. كل ذلك، إلى جانب الخلل الديموغرافي الذي أحدثته هجرة الشباب، أدى لانخفاض معدلات الزواج بشكلٍ غير مسبوق، فبينما تم تسجيل نحو 228 ألف عقد زواج في عام 2010، لم يُسَجل في عام 2017 سوى 100 ألف عقد. وبحسب ما نشرته صحيفة البعث الحكومية، قبل ثلاثة أعوام، فإن نسبة العنوسة وصلت إلى نحو70% ، وهو رقم يزداد يوماً بعد يوم، فيما تحدثت بعض الاحصائيات عن وجود ثلاثة ملايين امرأة تجاوزن الثلاثين عاماً دون أن يتزوجن. وقد شَكل تراجع أعداد الذكور في البلاد عبئاً ثقيلاً على الإناث اللواتي ازدادت نسبتهن خلال الحرب وباتت فرص زواجهن تتراجع يوماً بعد يوم، وهو ما دفع القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي لكي يُشجع – عبر تصريحٍ له عام 2017- على خيار تعدد الزوجات، كحلٍ وحيد للحد من تفشي ظاهرة العنوسة.
وبما أن الزواج يُعتبر العامل الأساسي في زيادة نسبة الشباب مستقبلاً، كونه الطريقة الوحيدة للإنجاب في بلدٍ كسوريا، فإن تراجع معدلاته سيؤدي لتراجع معدلات إنجاب الأطفال/ شباب المستقبل.
وعن سبب عزوفه عن الزواج يحدثنا الشاب أسعد (38 عاماً) الموظف في شركةٍ للشحن والحوالات: “بات الأمر مستحيلاً، ويحتاج لملايين الليرات، بين تجهيزات منزل الزوجية وتكاليف العرس والمصاغ الذهبي. وإذا ما تم الزواج فسأعجز عن بناء أسرة في ظل هذا الظروف الاقتصادية المتردية، إذ كيف سأنجب طفلاً ودخلي المتدني لن يكفيه ثمن الحليب والحفاضات؟”. ويضيف”: إذا ما فكرت يوماً في الزواج فلن يكون في هذه البلاد التي سيتحول فيها إلى عبءٍ ثقيلٍ، في ظل فقدان الشعور بالاستقرار والراحة النفسية، وغياب أي مستقبلٍ واضح أو أملٍ بأي فرج قريب”.
يعيش أسعد مع الفتاة التي يحبها في شقةٍ صغيرة، يتقاسمان دفع إيجارها إلى جانب متطلبات المعيشة، حالهما كحال كثير من الشباب الذين لجؤوا لخيار المُساكنة كحلٍ بديلٍ عن الزواج الذي لا يستطيعون إليه سبيلاً.
وإلى جانب العزوف عن الزواج ازدادت معدلات ارتفاع سن الزواج بشكل كبير، حتى ضمن المجتمعات التقليدية التي كان شبابها يتزوجون في أعمارٍ مبكرة، وهو ما سيقلل فرص المتزوجين في الإنجاب، خاصة النساء اللواتي ستتراجع معدلات خصوبتهن مع التقدم في العمر.
“كنت أحلم بإنجاب ثلاثة أطفال، لكن حلمي بات يقتصر على إنجاب طفلٍ واحدٍ، بعد أن تجاوزت سن الأربعين. في عام 2013 كنت في علاقةٍ عاطفيةٍ مع شابٍ سافر إلى أوروبا على أمل أن ألحق به لنتزوج هناك ونُشكل عائلة. انتظرته ثلاث سنوات، لكن الظروف حالت دون أن نلتقي مرة أخرى فافترقنا”. هذا ما تقوله المُدرسة رحاب (41 عاماً) التي تزوجت قبل نحو عام برجلٍ لا تربطها به أية علاقة عاطفية، لكنه كان خيارها الوحيد لكي تنجب طفلاً قبل أن يفوتها قطار الأمومة. رحاب التي ستضع جنينها بعد أربعة أشهر، تعاني ظروف حملٍ صعبة ومتعبة، وإن ولِدَ جنينها بخيرٍ فلن تفكر بالحمل مرة أخرى لأنه سيشكل مخاطر كبيرة على صحتها وسلامة الجنين.
تراجع معدرلات الإنجاب
رغم مرور ثماني سنواتٍ على زواج الفنان التشكيلي حازم (37 عاماً) لم يفكر وزوجته حتى اليوم في إنجاب طفل. ويوضح سبب ذلك بقوله:” تزوجنا خلال الحرب، فكان الخطر والخوف من الموت يتربصان بنا في كل مكانٍ وزمان، ويجعلان خيار مغادرة البلاد يراودنا كل يوم، وهو ما منعنا من إنجاب طفلٍ قد تكون حياته مهددة في أي لحظة، وتنعدم فيها أبسط مقومات الرفاهية والصحة النفسية والشعور بالأمان”. ويضيف حازم:” اليوم، ورغم زوال خطر الحرب، يبقى خيار الإنجاب مستبعداً في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تجعلنا عاجزين عن تأمين حياةٍ مناسبة ومستقبل جيدٍ لطفلنا. وإذا ما فكرنا في الإنجاب فيما بعد فسنكتفي بطفلٍ واحدٍ فقط”.
أسباب مشابهة تجعل الموظفة نورا (34 عاماً ) تعزف عن إنجاب الأطفال. تحدثنا عن بعضها: “رؤية الأطفال المتسولين والمشردين في الشوارع تؤلمني فأشعر بالذنب إذا ما فكرت في إنجاب طفلٍ إلى هذه الحياة، ليعيش منذ أيامه الأولى في ظل الفقر والحرمان والأذى النفسي، ولتقتصر أحلامه على الحصول على أبسط حقوقه الطبيعية التي يحتاجها أي إنسان”. وتضيف نورا المتزوجة منذ نحو أربع سنوات: “الضغوطات النفسية والمعاناة التي نعيشها يومياً تجعلني غير مهيئة جسدياً ونفسياً لكي أكون أماً. أعمل أنا وزوجي لنحو تسع ساعات يومياً لنتمكن من توفير قوت يومنا، وإذا ما أنجبنا طفلاً فلن يكون باستطاعتي حتى أن أحصل على إجازة أمومة”. ونتيجة لذلك يؤجل الزوجان فكرة الإنجاب إلى ما بعد سفرهما المنتظر إلى خارج البلاد.
ربما يلخص كلام حازم ونورا واقع حال آلاف الأزواج الذين عدلوا عن فكرة إنجاب الأطفال نتيجة ظروف الحرب التي غيَّرت عادات الإنجاب لدى مختلف طبقات المجتمع، إذ تشير بعض الاحصائيات إلى تراجع معدلات الولادات من 38،8 بالألف، في عام 2010، إلى 25،4 بالألف عام 2019، فيما تراجعت معدلات الخصوبة عند النساء المقيمات داخل سوريا إلى 60% ، فبحسب دراسة نشرتها صحيفة قاسيون السورية المحلية منتصف عام 2019، فإن نسبة إنجاب الأطفال عام 2010 كانت بمعدل 17 طفل لكل 100 امرأة في عمر الخصوبة، خلال العام الواحد، فيما تراجعت تلك النسبة لتصل إلى 6،6 طفل لكل 100 امرأة، وبالتالي فقد خسرت كل 100 امرأة أكثر من عشرة أطفال، كان من الممكن إنجابهم فيما لو بقي معدل الإنجاب كما كان قبل الحرب.
وإلى جانب ما سبق أسهم ارتفاع معدلات الطلاق خلال الحرب في تراجع معدلات الولادة، فبحسب صحيفة الوطن السورية المحلية، وصلت نسبة الطلاق عام 2017 إلى 31%، فيما سجلت المحكمة الشرعية في دمشق عام 2015 نحو 7028 حالة طلاق، مقابل تسجيل 5318 حالة في عام 2010. وتعود أسباب الطلاق لغياب كثيرٍ من الأزواج عن بيوتهم خلال الحرب لفترات طويلة – نتيجة انخراطهم في المعارك القتالية، أو فقدانهم وعدم معرفة مصيرهم- وتشتت كثير من العائلات والأسر السورية خلال ظروف النزوح، بالإضافة لتدهور الواقع المعيشي الذي جعل بعض الأزواج غير قادرين على إعالة أُسرهم أو تأمين المسكن المستقل، الذي يعتبر من أهم أركان الاستقرار الزوجي، هذا إلى جانب هجرة العديد من الأزواج دون زوجاتهم، وعدول بعضهم عن فكرة لم الشمل بعد مرور سنوات على سفرهم.
ما ذُكر أعلاه قد يجعل سوريا مستقبلاً بلداً للعجائز، ويُضعف إمكانية تعويض النقص الحاصل في نسبة الشباب والفئات العمرية الصغيرة، ليصبح عدد من يحتاجون للإعالة يفوق عدد المعيلين المنتجين، كما سيؤدي إلى تراجع معدلات النمو السكاني في البلاد التي ستحتاج مستقبلاً لطاقات شبابها وأفكارهم ومشاريعهم أكثر من أي وقت مضى.
بواسطة سلوى زكزك | يونيو 8, 2023 | العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
يغمرني فرح هائل، أستقل سرفيس جرمانا–باب توما من موقف فرعي، بالصدفة كان فارغاً ومن فرط سعادتي أقنعت نفسي بأنه توقف هنا خصيصاً من أجلي.لا أصدق أن ذلك قد حصل معي فقد ثبّتت أزمة المواصلات في أذهاننا استحالة تخيل أننا سنشغل يوماً ما مقعداً فارغاً ومريحاً ولو في حافلة متهالكة. كالعادة كان الباب الأمامي مقفلاً، المقعدان الأماميان محجوزان دوما للشقراوات، (حتى لو صبغة)، هو ليس تنمرا أبداً، لكنه سر تآلفنا معه مع جهلنا المطبق لأسبابه، يبدو أنه سر يرتبط بالمهنة وبشدة حتى تحوّل إلى عُرف.
أتعاطف مع السائق الخمسيني، وأقول له: “متأخر بالطلعة من البيت؟”. لا يرد على سؤالي، كان يرتدي ملابس صيفية وقبعة صوفية، أبتسم في سري، وأقول “وإذا؟” التنافر بات موضة العصر وهذه المدينة حائرة في مناخ أوقاتها، تعوق القبعة سمع السائق، ما يضطر الركاب لرفع أصواتهم عدة مرات ليتوقف حيث يريدون. فجأة ودون طلب من أحد يضغط على الفرامل ويتوقف، يصرخ جميع الركاب والمارة إلا امرأة تشرب المتة على الرصيف المقابل، تضحك ضحكة مجلجلة، وتقول لصاحب البسطة الذي توقفنا بقربه: “لو كانت الكاسة بإيدك كانت وقعت”!
يشتري السائق عبوة زيت نباتي ويقول: “نفدنا”أي أنه قد تخلص من عقوبة زوجية مؤكدة في حال نسيانه لشراء عبوة الزيت. تصرخ تلك المرأة بصاحب البسطة وتطلب منه القدوم، يقول لها: “عم حاسب الزلمة، صبي لحالك.” إبريق الماء موضوع على غاز سفاري ملاصق للبسطة، والرجل يقطع الطريق مرات ومرات ليسقي المرأة مشروب المتة الساخن، يبدو أنهما يتبادلان الغرام عبر سفرات مكوكية ما بين رصيفين ترابيين مغبرين، تواصل الحافلة طريقها، يصرخ رجل يجلس في المقعد الأخير: “العمى ضرب الزلمة!!”
تتحول أنظارنا إلى الجهة المقابلة لنجد أن شاباً صغيراً يقود سيارة مفيّمة قد صدم رجلا مسناً، لا يقوى الرجل على الوقوف، وجهه مغطى بالحصى الصغيرة والتراب والدم، يمسكون به محاولين إنهاضه، يطلب منهم مناولته كيس خضار صغير سقط منه بفعل الصدم، يجلسونه على كرسي أحضره صاحب محل لإصلاح الإطارات، يبكي بشدة ويقول: “ودوني ع البيت بدي أموت ببيتي”. يفر السائق طبعاً مع أنه كان في متناول اليد، أتساءل لماذا لم يفكر أحد في إيقافه أو في الحصول على رقم سيارته؟ تَركُ هؤلاء المعتوهين صار عرفاً سائداً أيضا في مدينة تتجاهل أنين أهلها ومتاعبهم.
أزالوا البسطات الشعبية من الشوارع، قرار غير مفهوم، يرحب البعض به حرصاً على رحابة المدينة، نسخر من تلك العبارة التي صارت سخيفة، أي رحابة؟ والأكثر ألماً، أي مدينة؟
تسير في سوق الحرامية الذي يبيع خضاراً وملابس وأغذية ومعلبات ومواد عتيقة من الستائر وحتى صحون فناجين القهوة، صمت موحش يلف المكان، أزالوا البسطات كلها، من أين سيشتري الفقراء تمر العيد أو الفول اليابس لفطور أيام الجمعة؟ من أين ستشتري الناس ستائر رخيصة أو صحونا مشكلة بعد خسارتها لممتلكاتها وعجزها عن شراء أي قطعة جديدة، يعلّق أحدهم حزينا وكأنه يردد حكمة بليغة: “راح السوق وبقيوا الحرامية”!
بات التعاطي مع القضايا اليومية مُنطلِقاً من موقع وحيد، من أين سيأتي أصحاب البسطات بالطعام لأطفالهم؟ صراع الحقوق بات قاعدة عامة، من حق الجميع أن يأكل ولو لم يشبع، ومن حق المدينة وسكانها مساحات أكثر رحابة وأكثر نظافة وأقل تلوثاً وخاصة من الضجيج. صراع حقوق يهدر حقوق الجميع، يُغرق المدينة في نشاطات مربكة وتبرير الخيارات السوداء بات عرفاً أيضاً. في منتصف شارع الثورة الرئيسي وبمرأى من الجميع يبيع بعض الشباب بنزيناً بالسعر الأسود. لا يسألهم أحد من أين لكم هذا ولا يعترض أي شخص على وجودهم هنا في منتصف الطريق وفي مشهد يفقأ العين وهم يلوحون بأقماع بلاستيكية تقول للسائقين بصمت: لدينا بنزين أسود، منهوب، مسروق، متلاعب بطريق الحصول عليه لا يهم أبداً، بل ومرفق بخدمة تعبئته فوراً وعلى العلن، والمتاجرون به حاضرون أمامنا بكامل جرأتهم وبكامل تلبسهم لفعل غير قانوني. الأجدى هو القول بأنهم وبفائض قوتهم يستبيحون الطريق والجيوب وحركة العابرين دونما أي تردد أو أدنى قلق.
لوحات إعلانية عملاقة لألواح طاقة شمسية، تجارة جديدة وباب رزق متوحش يغرف من جيوب السوريين دونما رقيب ويؤملهم بكهرباء قوية بديلة للغياب شبه التام لمصادر الطاقة النظامية، اللافت أن تجار الطاقة يلُمون جيداً بأولويات الأسر السورية، سيؤمنون لهم طاقة لتشغيل البرادات أولاً حفظاً لطعام بات تأمينه مكلفا جداً وصعباً، ولتشغيل الراوتر ثانية لأنه جهة الوصل الوحيدة بين الأهل وأولادهم أو أفراد عائلاتهم. يكمن الاحتيال هنا في تلبيته لاحتياجات حقيقية، فتصبح مشاريع تركيب ألواح الطاقة مشروعاً اقتصادياً للعائلات، هو بالحقيقة شر لابد منه، وستلجأ العائلات العاجزة عن تركيب أجهزة طاقة شمسية لتغيير نمط تخزينها لمونتها الاضطرارية بطرق أكثر بدائية، وربما تجد إحداهن مقعداً شاغراً في ثلاجةِ قريبةٍ لها لحفظ كيس أو كيسين من الفول للشتاء.
إعلانات لمدارس خاصة تفوق أقساطها السنوية قدرة الغالبية من الطلاب وذويهم، إذ تتجاوز الملايين الستة سنوياً على أقل تقدير، والضمانة هنا مقابل كل هذا الاستفحال النقدي المسدد للتسجيل هو التفوق الأكيد والاستعداد لتعليم لغات جديدة كالألمانية. مؤسف أن الإعلانات المخصصة لهدف واضح واحد تشي بأهداف أخرى متسلسلة، يقول الإعلان ضمناً بأن كافة الطلبة المتفوقين والمتفوقات سيرحلون حكما إلى ألمانيا بعد حصولهم على الشهادة الثانوية أو بعد التخرج كمهندسين أو أطباء في أبعد تقدير، هي الخسارة مدفوعة الثمن مسبقاً.
تتداخل أصوات باعة الفول الأخضر مع باعة الملح على عربات خشبية تجرها البغال، مع أصواتٍ مُسجّلة تصدر من سيارات سوزوكي عتيقة، تعلن الاستعداد لشراء الخزانات البلاستيكية المكسورة والبطاريات العتيقة ومحركات البرادات التالفة من تذبذب شدة التيار الكهربائي، هنا تبرز النتيجة الفعلية لزحف البلاستيك الرديء وغير الصحي ولغياب الكهرباء ولصفقات البطاريات المغشوشة، كل ألواح الطاقة والبطاريات الأنبوبية غالية الثمن ستنجز دورة قصيرة الأجل محددة المدة مسبقاً لتصبح مواد عتيقة للبيع. الموضوع هنا ليس إعادة تدوير بل إعادة تفعيل لحلقات النهب المتجددة وليس للطاقة المتجددة كما يدّعون مع أنهم يعرفون حقيقة ريائهم وتغولهم.
والمدن المغدورة كثيرة، تمتد من الذاكرة وحتى لحظة الرواية، مدن تعج بالمغدورين كي ينطبق اسمها عليهم، لا تعترف بهم رغم جحودها ولا يطيقون الفرار منها، مسكونة بهم كي تتحول إلى مكب لأحلامهم، مسكونين بها حيث لا فكاك، لم تكتب الحكايات ولم يسجل التاريخ يوماً فكاك شعب بكامله عن مدنه المغدورة مهما أوغلت في القهر والإنكار.
بواسطة د. ناريمان عامر | يونيو 5, 2023 | Culture, Roundtables, العربية
المانوليا؛ ليس عنوان مؤلف للأديبة السورية ألفة الإدلبي وحسب، بل هو نوع من التناص الوجودي الأدبي بين بطلة قصتها “الليدي جين” وبين شخصية المؤلفة ذاتها، فتلك الإنكليزية المتمردة على عادات قومها بالزواج ثلاث مرات من رجال هم بارون ولورد وكونت، هجرت القصور والقلاع والأمراء لتأتي دمشق وتتزوج للمرة الرابعة من الشيخ مجول المسرب الذي ينتمي للعشيرة العنزية ولتعيش معه في البادية حيناً؛ وفي بيته العربي في دمشق حيناً آخر. في فناء تلك الدار زرعت الليدي جين شجرة المانوليا الإنكليزية فأزهرت وانتشرت في دمشق، تماما كما أزهر وانتشر نتاج إلفة الإدلبي في دمشق، فقد كانت إلفة كما الليدي جين متمردة على التقاليد والعادات، تستند إلى الطاقات الناضجة فيها، حتى أتقنت فن التكيف الاجتماعي إلى حد الروعة، أو على حد تعبير الأديبة أميرة الدرة: أتقنت فن الحياة ومجابهة الحياة بطريقة ديبلوماسية واستخدمت كل أساليب التفاهم والتعاون لتصل إلى حقها، ولكنها أبداً لم تعرف التهاون فيه. لقد أشربت نفسها حب المرح وبرعت في فن إلقاء النكتة وتفردت فيها. و آمنت بجدوى الضحك وفوائده، فالضحك يتبعه التسامح. وقد بلغت فعلياً مرحلة التسامح وعرفت كيف تلائم بينها وبين الظروف المحيطة بها، وعرفت كيف تحقق أسباب الحياة السعيدة الناجحة.
ظهرت على مسرح الحياة محتفظة بشخصية آسرة جذابة وأناقة متميزة مبنية على ذوق رفيع. فقد كانت تفرض احترامها في كل مجتمع تؤمه، فهي محدِّثة بارعة، دمثة الخلق، كريمة الطبع، بعيدة عن كل تزمت، وتتمتع بجاذبية خاصة وتأثير غريب على محدثيها. كانت تبذل العطاء بسخاء وتتصرف ببساطة وعدم تكلف، وتتميز بتواضعها على سُنّة “من دام تواضعه كثُرَ أصدقاؤه”. طبيعتها الشخصية انطوت أيضاً على ما كانته الليدي جين، فكما عبرت جين الحدود، فعلت إلفة الإدلبي. وعبر شخصية مجيد في الرسائل الواردة في كتابها «المانوليا في دمشق وأحاديث أخرى» ناقشت إلفة الكثير من الأفكار الفلسفية والتاريخية. فمجيد كان شاباً جامعياً من دمشق ويدرس الفلسفة في القاهرة، إلا أنه أيضاً كان صديقاً لابنها زياد في المرحلة الثانوية، ولذلك كان يراسلها من القاهرة.
عبر وصفها نجد أن مجيداً ليس إلا واحداً من ملايين الشباب الضائعين الحائرين القلقين الذين يتلمسون طريقهم إلى شاطئ الأمان وسط عتمة الآراء والمذاهب والنظريات، وفي بحور متلاطمة من التمرد والفوضى والبلبلة وعدم الاستقرار. لقد كانت البدع الداخلية المستوردة تغزو أفكارهم، وتشل أدمغتهم عن التفكير السليم. فمجيد كان في دمشق نباتي المذهب كأبي العلاء المعرّي إلا أنه أصبح في القاهرة سارترياً وجودياً، لكنه انصرف عن السارترية إلى الإنسانية، فنراه كيف يكره الحرب وينادي بإزالة الحدود والسدود بين الدول، حيث بات العالم كله في نظره أسرة واحدة، فلا قومية تفصل، ولا جنس أو مذهب أو لون.
في ظلال المانوليا غيرت إلفة الإدلبي أسلوبها التعبيري من الأسلوب القصصي والروائي إلى نمط المحاضرة، وفي المحاضرة انتقلت من تبنيها لقضية المرأة بالمعنى الوجودي إلى كل المعاني السياسية والاجتماعية الممكنة، حيث عمدت إلى الكتابة عن المرأة الأنثى، الأم، العاشقة، الخاطئة، المتمردة، المرأة المكبلة بالعادات والتقاليد، العانس، المتألمة.. وانتقلت من تلك الأوصاف لموقع المناضلة المدافعة عن حقوق المرأة وعن حضورها التاريخي وعن مشاركتها الفاعلة في الحياة.
محاضرتها عن «المرأة العربية والعقيدة» مثلاً أشارت إلى أن المرأة أكثر ثباتاً على العقيدة من الرجل، فهي قلما تتلون أو تنقلب أو ترتد، ولو أوردها ذلك الهلاك. كما انها اقتحمت التاريخ العربي تبحث عن نساء ملهمات، كأم علقمة الخارجية التي وقفت في وجه الحجاج غير هيابة قسوته وجبروته، وغزالة الحرورية التي اضطرت الحجاج أيضاً إلى أن يختبئ في مسجد الكوفة خوفاً من سطوتها، وكذلك عمرة بنت النعمان، وسودة بنت عمارة، وهند بنت عتبة، والخنساء الشاعرة، وأسماء بنت أبي بكر وغيرهن.
ولم تفارق المانوليا الا بعد أن وجهت كل طاقاتها للمطالبة بحقوق المرأة العربية من النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمطالبة بفكرة التساوي مع الرجل، فتعطى حقوقها كاملة لتكون قاضية أو رئيسة وزارة أو سفيرة في وزارة الخارجية.
وُلِدَت إلفة الإدلبي في مدينة دمشق في حي الصالحية المنحدر من جبل قاسيون في عام 1912 من أبوين دمشقيين هما «أبو الخير عمر باشا» و«نجيبة الداغستاني» وكانت البنت الوحيدة بين خمسة أخوة ذكور. يعود نسبها من أبيها إلى أسرة دمشقية الأصل، ومن أمها، إلى أسرة داغستانية، نفى السلطان العثماني محمود الثاني جدها الشيخ محمد حلبي، وقسره على مغادرة وطنه داغستان مع أسرته، بسبب نضاله لتحريره من الاحتلال الروسي، ليقيم نهائياً بدمشق. تلقت علومها في مدرسة تجهيز البنات، وفي عام 1920 أصبح التدريس في مدرستها باللغة العربية، وحين عاد الملك فيصل الأول من باريس خرجت لاستقباله بزي مدرسي أُعِدَّ خصيصاً لهذه المناسبة التاريخية.
في عام 1921 أُصِيبَت بالحمى التيفية، ونجت منها بأعجوبة، مما أخَّرَها عن الالتحاق بالمدرسة سنة كاملة، ولما أُسست مدرسة «العفيف» القريبة من منزلها انتمت إليها، وكانت من المتفوقات في دروسها. وفي عام 1927 نالت الشهادة الابتدائية وانتقلت إلى دار المعلمات. وكان من أساتذتها فيها أبو السعود مراد، وصادق النقشبندي، ومحيي الدين السفرجلاني. وكان صفها قليل العدد لا يتجاوز ستة عشر تلميذاً، أما التلميذات فلا يكاد عددهن يُذْكَر.
ومن الجدير بالذكر أن إلفة الإدلبي منذ بداية تفتحها على الحياة، أظهرت ميلاً واضحاً نحو الأدب. فكانت تُقبِل على القراءة، وحفظ الشعر، وتمضي الساعات الطوال مع أمهات الكتب، التي تذخَر بها مكتبة والدها الذي لاحظ ميول ابنته، فأخذ يوجهها واضعاًً بين يديها أثمن ما احتوته مكتبته، فقرأت «العقد الفريد» وقرأت «الأغاني»، وكتاب «الأمالي» واستحسنت الشعر القديم وتذوقته، وحفظت أروع القصائد وأجملها.
ومما يذكر عنها وبلسانها في هذه المرحلة قضية نضالها في سبيل التحرر الوطني إذ تذكر قائلةً: “أثناء الثورة السورية كنا في دار المعلمات. وكنت أنا وأخي وأربعة من أولاد عمومتي قد التحقنا بالثورة السورية، وسَرَت العدوى إلى صديقاتي وإخوتهم فالتحقوا بالثورة، وكنا يومها نشتعل حماسة واندفاعاً. أنشئ أول معمل للألبسة الوطنية (التريكو) في دمشق فخطر لنا نحن الفتيات المتحمسات أن نذهب إلى المعمل بالسر وبدون إعلام أهلنا من أجل أن يصنع لنا سترات بيضاء يحيط بها العلم السوري بألوانه الأبيض والأخضر والأسود والأحمر في إطار الكنزة وفي إطار الأكمام. ورحنا نلبس الملاءة السوداء ونضع السترة فوق التنورة السوداء فيظهر العلم السوري ما بين الملاءة والتنورة.
وعندما كنا نسير في الطرقات كان كثير من الشبان يحيوننا ويحيون العلم السوري. ولما وصلنا إلى المدرسة تكتلت رفيقاتنا حولنا ورحن يسألن: أين صنعتن هذه السترات، نريد مثلها، نريد مثلها. وكانت الناظرة عين المديرة الأجنبية تتجسس علينا، وتحمل لها أخبارنا، فأسرعت إليها بالخبر.
دعتنا المديرة الأجنبية إلى غرفتها وهددتنا بالطرد إن لم نخلع العلم السوري. لأن ذلك يثير الشغب في الطرقات وفي المدرسة. وكبر الأمر علينا فبقينا ثلاثة أيام في البيت ندَّعي المرض أمام أهلنا. وجاء أحد الآباء إلى أبي قائلاً: أفلا يكفي ما نلاقيه في أبنائنا الشباب حتى تفعل ذلك بناتنا؟. فطلب مني أبي ألا أرتدي ذلك اللباس وأن أذهب فوراً إلى المدرسة”.
في عام 1929 تزوجت إلفة من الطبيب حمدي الإدلبي، وأنجبت له ثلاثة أولاد هم: ليلى وياسر وزياد. وكانت قد انقطعت عن متابعة تعليمها بسبب هذا الزواج المبكر.
أنجبت إلفة الإدلبي في عام 1932 ابنها ياسر وأصيبت بمرض أقعدها في الفراش سنة كاملة انقطعت خلالها إلى القراءة انقطاعاً كاملا، حيث كانت تقرأ عشر ساعات متواصلة يومياً، تنتقل فيها بين الأدب القديم والحديث والمترجم، إلا أن قراءة القصة كانت هوايتها الأثيرة، الأمر الذي جعلها تستنفد جميع مؤلفات محمود تيمور، وتوفيق الحكيم، وإبراهيم عبد القادر المازني، وطه حسين، وميخائيل نعيمه، وجبران خليل جبران، ومارون عبود، ومعروف الأرناؤوط. ومن الأدب العالمي قرأت: تولستوي ودوستويفسكي وبلزاك. وقد حصلت على هذه الكتب كلها من مكتبة خالها كاظم الداغستاني (1901-1985) وكان مفكراً وأديباً وناقداً وحاصلاً على دكتوراه في الفلسفة وعلم الاجتماع.
وفي عام 1940 انتمت إلى جمعية الندوة، وقامت من خلالها بنشاط أدبي واسع، ولعل أول من تنبه ورعى موهبة إلفة الإدلبي من خارج الأسرة كان أستاذ اللغة العربية أديب التقي البغدادي عندما كانت طالبة في دار المعلمات، فعرض عليها وعلى مثيلاتها من الطالبات الموهوبات تشكيل جمعية أدبية، وكانت فكرته هذه هي النواة الأولى لتشكيل جمعية أدبية ثقافية أخذت صبغتها الرسمية في عام 1942 هي «الندوة الثقافية النسائية» وملتقاهن في الندوة الثقافية النسائية هذه كان صباح كل ثلاثاء.
ثم انتسبت لـ «حلقة الزهراء الأدبية» في عام 1945. وقد كان من أبرز أعمال هذه الجمعية إصدار كتاب «مختارات من الشعر والنثر» للأديبة والصحفية السورية الأولى ماري عجمي.
وفي عام 1947، كتبت أول قصة لها بعنوان «القرار الأخير» وأرسلتها للاشتراك في مسابقة إذاعة لندن ففازت بالجائزة الثالثة، وقد شجعها هذا الفوز على الاستمرار في كتابة القصة التي أصبحت إحدى رائداتها. وهي منشورة في كتابها «قصص شامية». ثم كتبت إلفة الإدلبي قصتها الثانية «الدرس القاسي» فأرسلت إلى مجلة «الرسالة» المصرية القصتين معاً، فنشرتا.
في يوم الخميس 22/3/2007 رحلت الأديبة إلفة الإدلبي عن عمرٍ يناهز السادسة والتسعين عاماً، وتم تشييعها من جامع البدر في حي المالكي الدمشقي بحضور أهلها وأصدقائها والعديد من الشخصيات الأدبية والثقافية في سورية.
أما على الصعيد العملي:
عملت إلفة الإدلبي في لجنة النثر في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب وذلك مدة تقرب من عشر سنوات، كما عملت في لجنة الرقابة الأخلاقية في مؤسسة السينما العربية في سوريا لمدة وجيزة.
ألقت عشرات المحاضرات في الأندية الأدبية والمراكز الثقافية، وعشرات الأحاديث الإذاعية، وأجريت معها مقابلات صحفية وتلفزيونية عديدة.
كما أجرى معها برنامج «كاتب وموقف» الذي يعدُّه عبد الرحمن الحلبي حواراً حول روايتها «دمشق يا بسمة الحزن»، وشاركت في عدة مؤتمرات عن المرأة منها: المؤتمر الخامس للاتحاد النسائي العربي الذي أقيم في بيروت عام 1962، وشاركت في بغداد عام 1969، وفي مؤتمر المغرب عام 1981.
كما حضرت العديد من الندوات الأدبية المحلية والعربية والعالمية، فمثلت اتحاد الكتاب العرب في تشيكوسلوفاكيا، وزارت الصين في مجال التبادل الثقافي بينها وبين سورية، كما شاركت في ندوة «مكاسب الالتزام في الأدب العربي الحديث» مع كل من الدكتور عبد الله عبد الدايم، و مطاع الصفدي، ويوسف الخطيب، في مركز الجمعية السورية للفنون بدعوة من جمعية الأدباء في 1/4/1959. كما شاركت في الندوة التي أقامتها «جمعية الوعي العربي» عن القصة السورية مع كل من شاكر مصطفى ود.عبد السلام العجيلي في 14/1/1961.
بلغ عدد الندوات التلفزيونية التي أجريت معها في كل من: سورية، ولبنان، والكويت، خلال الأعوام 1961-1986 سبع عشرة ندوة، أما الندوات الإذاعية فأكثر من أن تحصى.
أخيراً لابد من ذكر أهم أعمالها:
١– قصص شامية، مجموعة قصصية تضم سبع عشرة قصة قصيرة، 1954.
2- وداعاً يا دمشق، مجموعة قصصية فيها سبع عشرة قصة من القصص القصيرة، 1963.
3- المانوليا في دمشق وأحاديث أخرى، طائفة من المحاضرات والأحاديث التي ألقتها في كل من دمشق وحلب، 1964.
4- ويضحك الشيطان وقصص أخرى، مجموعة قصصية، 1970.
5- نظرة في أدبنا الشعبي: ألف ليلة وليلة وسيرة الملك سيف بن ذي يزن، دراسة، 1974.
6- عصي الدمع، مجموعة قصصية، 1976.
7- دمشق يا بسمة الحزن، رواية، 1980.
8- إسرائيليات، محاضرة، 1983.
9-حكاية جدي، رواية، 1991.
10- وداع الأحبة، 1992.
11- عادات وتقاليد الحارات الدمشقية القديمة، محاضرات ومقالات، 1996.
أعمالها المترجمة إلى اللغات الأخرى:
الانكليزية:
– «حمام النسوان»، ترجمة ميشيل أزرق، من مجموعة «ويضحك الشيطان» ،«بعد سبعين عاماً»، ترجمة سيمون فتال، من مجموعة «ويضحك الشيطان».
– «الحقد الكبير»، ترجمة منير فرح، من مجموعة «وداعاً يا دمشق»، «دمشق يا بسمة الحزن»، ترجمة بيتر كلارك، رواية.
الروسية:
«العودة أو الموت»، ترجمة د.أولغا فالورفا،
من مجموعة «وداعاً يا دمشق»، «وداعاً يا دمشق» و«حكاية جدي»، رواية.
الصينية:
«الحقد الكبير»، من مجموعة قصص «وداعاً يا دمشق».
«قصص شامية»، المجموعة الكاملة.
الإيطالية:
«ويضحك الشيطان» ترجمة محمود لولا، من مجموعة قصص «ويضحك الشيطان».
التركية:
«الستائر الزرق»، ترجمة منور موره لي، من مجموعة «قصص شامية».
الألمانية:
«الستائر الزرق»، من مجموعة «قصص شامية».
الإسبانية:
«دمعة وابتسامة»، من كتاب «المانوليا في دمشق».
الأوزباكستانية:
«انتقام»، من مجموعة «قصص شامية».
لغات أخرى:
توجد ترجمات أخرى منها إلى اللغة العبرية، والفرنسية، وبعض لغات الاتحاد السوفياتي السابق كالأوزباكستانية، و اللغة الهنغارية، والهولندية، والسويدية، والبرتغالية، و الفارسية.
ألفة الإدلبي، هي كاتبة ومثقفة ومناضلة دمشقية لابد من العودة له، واستحضارها من تاريخنا، لاسيما عندما تفكر الأجيال الشابة بصناعة مستقبل للفكر النسوي السوري.
تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”