هل هناك دروس في «سلوك» روسيا العسكري والسياسي والإنساني في سوريا يمكن الاستفادة منها، في فهم مغامراتها الجديدة بأوكرانيا؟ وهل يمكن أن تقوم موسكو بنسخ «السيناريو السوري» في الحرب التي تخوضها على الحدود الروسية الغربية؟ أيضاً، ما تقاطعات التجارب الغربية بين «الملفين»؟
«الأرض المحروقة» في نهاية 2016، حذر وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون (رئيس الوزراء الحالي) ونظيره الأميركي السابق جون كيري، موسكو من تحويل مدينة حلب إلى «غروزني سوريا»، في تشبيه مع عاصمة الشيشان التي اعتبرتها الأمم المتحدة في 2003 «المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض» بعد محاصرة قوات روسية ولها وتدميرها. وردت السفارة الروسية في واشنطن على موقع «تويتر» بالقول: «غروزني اليوم هي مدينة سلمية وحديثة ومزدهرة. أليس هذا الحل الذي نبحث عنه جميعاً؟». كان هذا الأمر نموذجاً لفهم روسيا في تدخلها العسكري بسوريا نهاية 2015 لـ«إنقاذ الدولة السورية». وفي نهاية العام الماضي، قال وزير الدفاع سيرغي شويغو إن جيشه «جرّب» في سوريا 320 طرازاً من مختلف الأسلحة، الأمر الذي استمر إلى هذه الأيام، حيث جرى نشر طائرات «ميغ 31 كا» قادرة على حمل صواريخ «كينغال» بقاعدة حميميم غرب سوريا. و«كينغال» صاروخ فرط صوتي تعادل سرعته 10 أمثال سرعة الصوت، ويتبع مساراً متعرجاً، وهو ما يسمح له باختراق الشبكات المخصصة لاصطياد الصواريخ، وكان بين الأسلحة التي شاركت في المناورات البحرية قبالة ساحل سوريا عشية الهجوم على أوكرانيا. وحسب خبراء عسكريين، فإن القوات الروسية اتبعت سياسة «الأرض المحروقة» في دعم قوات دمشق، التي رفعت حجم الرقعة التي تسيطر عليها من 10 في المائة إلى 65 في المائة. وغالباً ما كانت تأخذ قرية، مثل اللطامنة في حماة وحمورية في غوطة دمشق واللجاة في ريف درعا، «نموذجاً» لإيصال «إنذارات نارية» وإخضاع مناطق المعارضة بعد حملة عنيفة من القصف الجوي من قاذفات جوية و«براميل» وطائرات «درون» انتحارية. وتحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مقتل 21 ألف شخص في غارات جوية روسية، خلال 77 شهراً من التدخل العسكري، من أصل نحو نصف مليون سوري قتلوا خلال عقد من الصراع. وتحدثت الأمم المتحدة عن استخدام غازات سامة وأسلحة كيماوية خلال المعارك. موسكو تدخلت في سوريا لصالح «الجيش الحكومي» وكانت تواجه فصائل معارضة مختلفة المشارب والإمكانات والدعم، بينها فصائل إسلامية بعضها متشدد أو تابع لـ«القاعدة» و«داعش»، فيما هي في أوكرانيا تقاتل جيشاً نظامياً في دولة هائلة مجاورة وتنتمي إلى التاريخ نفسه. إلى الآن، لا يبدو أن التكتيتات العسكرية ذاتها في «المعركتين»، حيث لا يزال يغيب القصف العشوائي و«الأرض المحروقة» و«البراميل» والغارات الجوية العنيفة. لا شك أن هذا سيخضع للاختبار في الأيام المقبلة، بعد اعلان موسكو اغلاق الأجواء الأوكرانية وتصاعد العمليات ومقاومة أصحاب الأرض.
«انسحابات إعلامية» أعلنت روسيا أكثر من مرة أنها بصدد «تخفيف» عملياتها العسكرية في سوريا أو سحب بعض قواتها، ونشرت أكثر من اتهامات عن نية «الخوذ البيضاء» التحضير لـ«مسرحية كيماوية» بهدف «اتهام الحكومة السورية بها». كان هذا يحصل قبل بدء هجوم عسكري شامل أو جولة تفاوضية سياسية في جنيف. وأعلنت وزارة الدفاع عدم اعترافها بـ«شرعية» فصائل مقاتلة «معتدلة»، بينها «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» في بيانات نشرت على موقعها الإلكتروني، تمهيداً للانقضاض عليها وقصف مقراتها، لأنها «مرتبطة بالإرهاب». ووقعت موسكو سلسلة اتفاقات و«تسويات» بتعاون مع واشنطن أو مع «ضامني» عملية آستانة الآخرين، أنقرة وطهران، لكن سرعان ما كانت تنقلب على الاتفاقات مع مرور الوقت وتغير المعطيات. وآخر مثال على ذلك، «تسويات» درعا التي أنجزت في 2018، وبقيت صامدة إلى العام الماضي، حيث جرى الانقلاب عليها. التجربة الأوكرانية مختلفة، لكن الآن، هناك بعض التقاطعات المشتركة. موسكو أعلنت سحب قواتها من حدودها الغربية، قبل الشروع عملياً في الغزو الشامل. وأعلنت أنها تريد المفاوضات، قبل جولة جديدة من التصعيد. وزارة الخارجية، تلعب دور «المدافع» و«الدبلوماسي» في المعركة التي تخاض عملياً من قبل وزارة الدفاع بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين. هناك هدف عسكري معروف، في سوريا كان «استعادة سيطرة الدولة» و«دعم القوات الحكومية»، قد يتم التريث أو التكيف لتنفيذه. العقبات الوحيدة أمامه هي عسكرية وليست سياسية، والمفاوضات ما هي إلا أداة لتنفيذه وشراء الوقت للوصول إليه. وأعلنت موسكو أكثر من مرة فتح «ممرات إنسانية» لخروج الناس من «هيمنة الإرهابيين»، قبل أي معركة. ورعت كثيراً من المقايضات لـ«هندسة اجتماعية» ونقل ناس من مكان إلى آخر، من الجنوب إلى الشمال تحديداً. ولم توقف هجرة ١٣ مليوناً من النازحين واللاجئين. وليس مستبعداً أن تترك موسكو الباب مفتوحاً أمام هجرة أوكرانيين إلى الجوار، ما يسمح أيضاً بلعب «ورقة الهجرة» في أوروبا من جهة، والوصول إلى «مجتمع منسجم» في أوكرانيا من جهة ثانية. والمستقبل، سيقرر ما إذا كانت موسكو وواشنطن ستعملان معاً، أم لا، في ملفات إنسانية، مثل رعاية قرار دولي لتقديم مساعدات «عبر الحدود»، كما حصل في سوريا، من دون مظلة جوية.
«برنامج سري» الدروس المستفادة ليست روسية وحسب، بل هناك إمكانية لاختبار تجارب دول أخرى في «المختبر السوري»، ولعل أبرزها «العسكرة» و«القوة الصلبة». إذ إنه في نهاية 2012 وبداية العام اللاحق، رعت «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه) الأميركية برنامجاً سرياً لتدريب فصائل معارضة ورصدت لهذا البرنامج مليارات الدولارات، ما أسهم في تراجع قوات النظام إلى أبواب دمشق قبل التدخل الروسي. وخلال كل فترة التدخل، رفضت أميركا إقامة منطقة حظر جوي جنوب سوريا وشمالها، لكنها سرعان ما أقامت مع التحالف الدولي ضد «داعش» منطقة حظر في شمال شرقي البلاد منذ 2014، لهزيمة التنظيم ومنع عودته. في موازاة ذلك، استخدمت تركيا أيضاً قواتها البرية والجوية بموجب الذهاب إلى «حافة الهاوية» ضد قوات دمشق من جهة، وتفاهمات ثنائية واستراتيجية مع روسيا من جهة ثانية. التجربتان الأميركية والتركية، تقومان على مبدأين: تدريب فصائل سورية وإمدادها بالسلاح عبر الحدود والدعم الجوي، وعقد تفاهمات وترتيبات مع روسيا لمنع الصدام العسكري على الأرض السورية، للوصول إلى «مناطق نفوذ» بين اللاعبين الخارجيين. وتجري حالياً اتصالات بين أجهزة استخبارات غربية للإفادة من «التجربة السورية» في أوكرانيا. معروف أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأميركا ودولاً أخرى، قررت إرسال أسلحة إلى كييف لدعم الجيش الحكومي. لكن السؤال: كيف يتم إيصالها إلى داخل أوكرانيا وجيشها؟ أحد السيناريوهات التي تتم دراستها، هو تأسيس برنامج سري بحيث يتم إيصال السلاح عبر حدود بولندا، في وقت تصعّد روسيا هجماتها غرب كييف، لقطع خطوط الإمداد و«تقطيع أوصال» أوكرانيا خصوصاً الأجزاء الغربية، لإغلاق الأبواب أمام الخطط الغربية. كيف سيتم ذلك من دون حصول مواجهة بين روسيا و«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)؟ هل يؤدي هذا إلى تفاهمات ومقايضات ومناطق نفوذ في أوكرانيا كما الحال في سوريا؟
لا مبالغة في القول إن سوريا ستكون بين الأكثر تأثراً من الهجوم الروسي على أوكرانيا ومآلاته العسكرية والسياسية، سواء نجح الرئيس فلاديمير بوتين في إجراء تحول كبير في الميدان و«تغيير النظام» في كييف، أو غاص في «المستنقع الأوكراني» وووجهت قواته بمقاومة داخلية أو بدعم سري من دول «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) عبر الحدود البولندية. في الأصل، كان هناك رابط دائم بين الملف السوري وأزمات أخرى، مثل ليبيا وناغورنو قره باخ، في السنوات الأخيرة، باعتبار أن «اللاعبين» هم أنفسهم خصوصاً تركيا وروسيا. وكثيراً ما كان الطرفان يتبادلان الضربات في جبهة لإيصال «رسائل» في جبهة أخرى لإنجاز مقايضات جيوسياسية. لكن الرابط العسكري الأوضح هو بين أوكرانيا وسوريا، وهنا بعض الأسباب: أولا، الأسد – يانوكوفيتش: بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا في فبراير (شباط) 2014، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على «الثورة الملونة» بضم شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) من العام نفسه. كما أن موسكو طلبت من دمشق التشدد في عملية السلام في جنيف التي كانت تجري برعاية الأمم المتحدة وعدم المرونة أمام طلبات «الثورة الملونة» في سوريا. وفي أحد الاجتماعات، أبلغ الرئيس بشار الأسد نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف أنه لن يكون مثل يانوكوفيتش الذي هرب خلال أيام، بل قرر «البقاء والصمود». ثانياً، التدخل العسكري: بعد اعتراض موسكو على التدخل الغربي في العراق وليبيا، وبناء على طلب سري من موفد الأسد إلى الكرملين وطلبات أخرى من طهران في 2015، قرر الرئيس بوتين الانخراط العسكري في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015 لوقف انتكاسات القوات السورية ومنع «تغيير النظام». في المقابل، حصلت روسيا على امتيازات عسكرية كبيرة أهمها تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في حميميم بريف اللاذقية وقاعدة بحرية في ميناء طرطوس. لم تقلب روسيا ميزان القوى العسكرية في سوريا بحيث ارتفعت حصة القوات النظامية من السيطرة على الأرض من 10 في المائة إلى 65 في المائة وحسب، بل إن الجيش الروسي استعمل الأراضي السورية مختبراً لتجربة 350 نوعاً من المعدات والأسلحة العسكرية في المعارك. ولوحظ أن مشاهد بعض المعارك في أوكرانيا حالياً تشبه إلى حد كبير مشاهد المعارك في وسط سوريا وغربها في 2016. ثالثاً، المياه الدافئة: وجود روسيا على مياه البحر المتوسط، كان حلماً قيصرياً روسياً قديماً، تحقق بتحويل ميناء صغير في طرطوس إلى قاعدة بحرية وإقامة قاعدة عسكرية قرب حدود «الناتو» في تركيا. وأبرز استعراض لهذا «الإنجاز الاستراتيجي» كان عشية بدء الهجوم على أوكرانيا، إذ جرت أكبر مناورات بحرية في البحر المتوسط الذي كان يشهد مناورات لـ«الناتو». يضاف إلى ذلك، أنه قبل المناورات زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قاعدة حميميم والتقى الأسد، وكانت هذه إشارة واضحة إلى أن موسكو باتت تعتبر سوريا «امتداداً لأمنها القومي». رابعاً، إشارات رمزية: لم تكن صدفة أن يكون وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في موسكو، يوم اعتراف بوتين بـ«استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك»، الذي اعتبره المقداد منسجماً مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ولاحقاً، أشاد الأسد بالهجوم على أوكرانيا باعتباره «تصحيحاً للتاريخ» بعد «تفكك الاتحاد السوفياتي». وكانت سوريا أيضاً وقعت اتفاقات لربط ميناء اللاذقية بشبه جزيرة القرم، واعترفت بجمهوريات انفصالية كثيرة تدور في فلك موسكو، وكلها إشارات إلى أن سوريا «جزء من العالم الروسي» الذي يريده بوتين. خامساً، رأس حربة: تعتبر موسكو قاعدة حميميم التي تضم منظومات صواريخ «إس 400» و«إس 300»، رأس حربة في المواجهة مع «الناتو» الذي يقيم قاعدة في انجرليك جنوب تركيا. واستطاع بوتين كسب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، المصاب بخيبة من السياسة الأميركية ودعمها للأكراد شرق سوريا، إلى جانبه. وأوضح مثال على ذلك، أن أنقرة رفضت إغلاق ممر البوسفور أمام مرور السفن العسكرية الروسية باتجاه السواحل الجنوبية لأوكرانيا. في المقابل، رفض شويغو طلباً سورياً خلال زيارته الأخيرة بإعطاء الضوء الأخضر لهجوم شامل في إدلب، حسب معلومات. سادساً، «القبة الحديدية»: الحذر في التعاطي مع الهجوم الروسي في أوكرانيا، لم يكن تركياً فقط، بل إن إسرائيل كانت حذرة بدورها، حيث أفادت تقارير عن عدم تقديم تل أبيب دعماً عسكرياً لكييف خوفاً من إغضاب بوتين وتقييد أيدي إسرائيل في غاراتها على «مواقع إيرانية» في سوريا، خصوصاً وسط تقارير عن احتمال أن يكون إحدى ثمار الحرب الأوكرانية تقارب إضافي روسي – إيراني. سابعا، خطوط التماس: لم تتغير «الحدود» بين مناطق النفوذ السورية الثلاث خلال سنتين، لكن المواجهة الأوكرانية تطرح أسئلة عن إمكانية تعرضها لاختبارات كثيرة. واشنطن أعلنت أن اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين لا يزال قائماً. وموسكو رفضت طلب دمشق شن هجوم على إدلب. لكن لا شك أن مستقبل هذه «التفاهمات» مرتبط بمسار الأوضاع في أوكرانيا ومدى قدرة موسكو وواشنطن على عزل المسارات بين الملفات المختلفة. وينطبق هذا أيضاً على تفاهم البلدين على قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود وتمديده. ثامناً، ثمن اقتصادي: لا تقتصر آثار الرياح الأوكرانية على البعد العسكري والسياسي في سوريا، بل هناك آثار اقتصادية كثيرة، خصوصاً أن دمشق تعتمد بشكل كبير على الدعم الغذائي والنفطي من موسكو لمواجهة العقوبات الغربية عليها. موسكو في الأيام المقبلة، مشغولة جداً بملفها الساخن، لذلك لم يكن أمام دمشق سوى اتخاذ قرار بـ«شد الأحزمة» أمام تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية. لا شك أن مستقبل «خطوط التماس» ووقف النار والمساعدات الإنسانية والغارات الإسرائيلية والوضع الاقتصادي، بات مرتبطا بمآلات شرق أوروبا… كأن سوريا أصبحت «رهينة» مغامرة بوتين في أوكرانيا.
أصبحت قاعدة «حميميم» الروسية، غرب سوريا، «رأس حربة» في الاشتباك بين موسكو و«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، خصوصاً بعد استقبالها أخطر الطائرات وصواريخ «فرط صوتية» ووزير الدفاع سيرغي شويغو، للإشراف على أضخم مناورات روسية في البحر المتوسط غرب سوريا، بالتزامن مع تدريبات بحرية «الناتو» في المتوسط. هذا هو تقدير «مصادر سورية رفيعة المستوى» إلى صحيفة «الوطن» في دمشق، بعد لقاء شويغو مع الرئيس بشار الأسد، مساء أول من أمس. أما «التسريب» الآخر، فجاء عبر صحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم، بأن زيارة شويغو إلى حميميم جاءت بعد رفض موسكو عرضاً من واشنطن بـ«مقايضة سوريا مقابل أوكرانيا». قاعدة حميميم أصبحت روسية منذ التدخل العسكري نهاية 2015 والتوقيع على اتفاق عسكري بين دمشق وموسكو للإقامة المفتوحة، بعد سنة من أزمة أوكرانيا، وهروب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وقيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم في 2014، مذاك، كان التشابك بين ملفي أوكرانيا وسوريا. صحيح أن روسيا أبعدت إيران قبل أسابيع عن ميناءي طرطوس واللاذقية وسيطرت عليهما بشكل كامل، وربطتهما بميناء القرم، وباتت سيدة المياه الدافئة كما كان يحلم قياصرتها، لكنها المرة الأولى التي يبرز بالفعل دور حميميم في اللعبة الجيوسياسية الأوسع من سوريا، إذ إنه في موازاة حديث موسكو عن سحب بعض القوات من شرقي أوكرانيا، جاء الاستعراض العسكري الروسي «المبهر» غرب سوريا وبإشراف وزير الدفاع بعد لقاء الأسد. العرض شمل: مقاتلة «ميغ 31 – كي» وصواريخ «كينجال» فرط صوتية، وقاذفة «تي يو 22 أم 3» وصواريخها «كي إتش 22» الأسرع من الصوت والمضادة للسفن، و140 قطعة بحرية و60 طائرة و15 سفينة، ضمن ألف آلية وعشرة آلاف جندي في مناورات البحر المتوسط، حسب قول بيانات رسمية روسية. اللافت أن دمشق «ترحّب» بهذا الربط، ذلك أن مصادرها قالت إن لقاء الأسد – شويغو «ركّز على الوضع في أوكرانيا وربط هذه الجبهة بالجبهة السورية»، وإن توقيت المناورات «مرتبط بالتسخين الحاصل على الجبهة الأوكرانية». وذهبت صحيفة «البعث» أبعد للقول إن سوريا باتت في «عمق الجبهة الأوكرانية»، بعد رفض موسكو مقايضة «الجبهتين»، وأبلغت واشنطن أنها «متمسكة بأوكرانيا ومتمسكة بالتحالف مع سوريا والنظام السياسي الذي يقوده الرئيس الأسد، بل إن الرئيس فلاديمير بوتين ذهب إلى أبعد من ذلك، وأرسل أحدث المنظومات القتالية في مجال الصواريخ العابرة للقارات والطائرات القاذفة إلى قاعدة حميميم، وبدأ التحضير لمناورات روسية انطلاقاً من هذه القاعدة». أي بالنسبة لموقف موسكو الذي تباركه دمشق عبر صحافتها، لم تعد قاعدة حميميم مرتبطة فقط بـ«الحرب على الإرهاب» أي بالحرب السورية، بل إن دورها «تجاوز بكثير حدود الجغرافيا السورية لتكون رأس حربة عسكرياً في حوض المتوسط والاشتباك الدولي» بين موسكو و«الناتو». ومن هنا أيضاً، يمكن فهم «التعاون العدائي» بين موسكو وأنقرة في سوريا وأوكرانيا. الرئيس بوتين يسعى بعلاقته مع تركيا وتنازلاته لها شمال غربي سوريا لـ«هز» تماسك «الناتو» الذي كان يعتبر قاعدة إنجرليك، جنوب تركيا، مقدمة رئيسية في «الجبهة» مع الاتحاد السوفياتي السابق صاحب النفوذ في سوريا. الرئيس رجب إردوغان، يوسع خياراته بشراء منظومة «إس 400» من موسكو وبيع كييف مسيرات «بيرقدار» ويقيم معها علاقات استراتيجية ويرفض الاعتراف بضم القرم. أيضاً، بات الآن الوجود العسكري الأميركي شرق سوريا مرتبطاً أكثر بـ«الجبهة الأوكرانية» وليس فقط الحرب ضد «داعش». وينسحب هذا أيضاً على الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية في سوريا، التي كانت تجري بموافقة روسية. وأحد المؤشرات، أن تل أبيب رفضت بيع كييف منظومة «القبة الحديدية» كي لا تغضب موسكو وتقيد أيديها في ملاحقة مصالح طهران في سوريا. دمشق ليست وحيدة في ملاحظتها أن حميميم باتت «رأس حربة» في اشتباك دولي، وأن هناك ترابطاً بين «الجبهتين» السورية والأوكرانية، وأن ذلك يفتح الباب بالفعل أمام «المقايضات» بين روسيا وأميركا. قبل هذه الخطوة، كانت موسكو قامت بخطوتين كبيريتين لـ “ربط الجبهتين”: الاولى، عندما احكمت قبضتها على مرفأ اللاذقية، رئة سوريا في المياه الدافئة. الثانية، عندما وقعت موسكو مع مينسك اتفاقاً لنشر قوات بيلاروسية في سوريا. ربط “حميميم” بين “الجبهتين” الروسية والاوكرانية، قوبل بارتياح او ترحيب في دمشق، لكنه قد يكون امساك بوتين بالملف السوري بهذا القدر والحقاقه بملفات اخرى أمراً مقلقاً لاحقاً. ولا شك أن هذا ما سيحاول وزير الخارجية فيصل المقداد تلمسه خلال زيارته إلى موسكو الاثنين المقبل.
تعاقبت ردود الفعل الشعبية على قرار رفع الدعم عن المحروقات والمواد التموينية، وتصاعدت الى ان وصلت لمرحلة قطع الطرق وإشعال الإطارات، كما حصل في السويداء وخاصة عند مفرق مدينة شهبا. تبدو كلمات المحروقات والمواد التموينية، عبارات تشمل ضمنا كل أنواع المحروقات والمواد التموينية، لكن الحقيقة أن المازوت مثلا لا يتجاوز عتبة الخمسين ليتر سنويا، واسطوانة الغاز الواحدة كل ثلاثة أشهر. هذا كله في ظل أزمة انقطاع كهرباء غير مسبوقة، لدرجة أن مناطق بكاملها قد لا ترى الكهرباء لأيام عديدة أو قد تزورها لدقائق قليلة في اليوم. اما البنزين، فالحصة مئة ليتر شهريا وفق اسعار متصاعدة، وغالبا ما يضيع 25 ليترا لأسباب معلومة ولكن غير معلنة تحت ذرائع مختلفة، كغياب الشبكة أو عدم وصول البواخر الحاملة النفط أو خروج إحدى المصافي ن الخدمة. أما المواد الغذائية المدعومة، فهي سكر وارز بمعدل كيلو واحد شهريا للشخص وعبوة ليتر زيت نباتي. ومن الضروري الإشارة إلى سوء المواد الموزعة وعدم كفايتها، لكن السوريين كرسوا حياتهم على قاعدة الكحل أحسن من العمى.
فور انتشار خبر رفع الدعم، اكتسحت مواقع التواصل حملات واسعة من الاعتراضات ممزوجة بالتهكم والسخرية، وعلى المواقع الخاصة على “فيسبوك” عرض السوريون حالتهم بعبارة “محروم” و “مستبعد، أو “معاقب”. أمثلة: ـ يا ابني لا تمشي مع فراس! ليش؟ لأنو أخو مستبعدة ـ إنه ينتمي إلى أسرة مدعومة وهي تنتمي إلى أسرة مستبعدة، ففسخته. ـ استبعدوا جوزي، قال عندو امرأة بتتقل بالدهب. ـ روح انشالله بيصير عندك بيت وسيارة وبيشيلو عنك الدعم. ـ رفع الدعم عن كل عائلة فيها امرأة او صبية قياس صدرها اكتر من 90 لأنها علامة عز. ـ اطلع برا البلد وحن أحسن ما تبقى جواها وتجن. وفي ظل غياب أي معنى لنقاش منطقي أو عقلاني، وفي ظل عدم جدوى أي مقاربة اقتصادية أو تحليل للجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذا القرار الذي تحضر السوريون نفسيا لصدوره، كان الأمل المراوغ بأن يكون مجرد إشاعة غير قابلة للتحقق، غدر بالسوريين أيضا وأدخلهم في جوف مأساة جديده وبليغة ومؤذية. لذلك فإن نقل قصص الناس وخاصة المستبعدة من عملية الدعم والذين بلغ عددهم ما يقارب ستمائة ألف عائلة، وبمعدل وسطي خمس أشخاص لكل عائلة، فإن مجموع المستبعدين يساوي ثلاثة ملايين فرد تقريبا، هو الخيار الوحيد المتاح أمام العاصفة العاتية الحالية. ولكن رفع الدعم الذي اكتسى وجها كارثيا كان متعلقا برغيف الخبز الي قفز سعره ما بين سعر مدعوم وسعر بلا دعم من 29 ليرة للرغيف الى 185 ليرة للرغيف الواحد ولو افترضنا ان العائلة تستهلك وسطيا ربطتين يوميا لكان الفارق الشهري في سعر الخبز فقط يساوي ستة وستون ألف ليرة أي أن مصروف الخبز للعائلة أصبح 2600 ليرة يوميا بدلا من 400 بفارق 2200 ليرة يوميا. وعن هذا كتبت إحدى السيدات على صفحتها ما يلي: “اليوم بدي آكل من ربطة الخبز غير المدعومة وخايفة غص باللقمة انشالله 1300 غصة بقلوبن”. الكارثي في عملية حجب الدعم هو التوقيت في ظرف اقتصادي عام مشلول وخانق وبات أكثر من 80بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، فكيف تتجرأ الحكومة على رفع الدعم عن اللقمة الأساسية للبشر؟
لعل المشكلة الأكثر ظلما هي حجب الدعم عن عدد كبير من السوريين بسبب امتلاك سجل تجاري لدكان بسيط أو بقالية أو مكتبة صغيرة، لا تدر دخلا يشبع أصحابها إن لم تكن مغلقة أو خارج الفعالية الاقتصادية حاليا، لكن ومع هذا فقد طال حجب الدعم أصحابها جميعا على الرغم من أن غالبية السجلات التجارية غير ممددة لسنوات طويلة بمعنى أنها خارج الفعالية، كما أن كثيرين قد اصدروا سجلات تجارية على منشآت صغيرة جدا أو وهمية كي يتمكنوا من السفر إلى لبنان لزيارة أبنائهم أو عوائلهم بعد التعقيدات الحدودية التي تقيد دخول السوريين إلى لبنان إلا لأسباب محددة جدا والسجل التجاري هو أحدها، وربما من المفيد الإشارة إلى أن البعض قد اصدر سجلا تجاريا باسمه لغيره ، كشقيق لا يملك دكانا مرخصا، وربما يكون الأخ قد توفي أو قد أوقف العمل في فعاليته الاقتصادية ، لكن الأخ المسجل السجل باسمه هو من خرج من مظلة الدعم، مع أن التعليمات الناظمة لقرار حجب الدعم ذكرت أصحاب السجل التجاري الممتاز، أي تجار ومصدرين ومستوردين وليس صاحب دكان يبيع بالمفرق وقد لا يملك بدل إيجار منشأته في ظل هذا العجز الاقتصادي التام. اتصلت سمر بقريبها المحامي: “استبعدوني!! أنا موظفة متقاعدة وعمري سبعون سنة، راتبي لا يكفي لشراء أدويتي الشهرية”. وما السبب؟: “رب الأسرة خارج القطر! ابي ميت منذ عشرين عاما، وأنا أعيش هنا وكنت موظفة”. لا جواب، اعترضي، اعترضت، انتظري، سأنتظر، لكن دوري بأسطوانة الغاز بات قريبا، سأخسرها، تبكي وقريبها المحامي يغلق سماعة الهاتف عاجزا عن فعل أي شيء!! فجأة اكتشفت الزوجات أن أزواجهن الميتين يعيشون خارج البلد، فجأت اكتشفت بعض البنات أن آباءهن موتى وهنّ غير جديرات بالدعم، وفجأة اكتشفت ميساء أن أخاها المسافر في الإمارات هو رب العائلة، مع أن بطاقتها باسمها ولشخص واحد وبأن أخاها غير مشمول أصلا بالبطاقة المدعومة. لحد الآن وحجب الدعم في ايامه الاولى والصدمة سيدة الموقف، الفوارق كبيرة جدا بين الأسعار، الجج والأسباب غير عادلة، والأوضاع الاقتصادية لا تقوى على تأمين المتطلبات الأساسية للجميع، كثيرون لا يعرفون أوضاع بطاقاتهم لأن البطاقة تحتاج تفعيلا والشبكة ضعيفة والبرنامج لا يستجيب. يتراجع الوزير عن رفع الدعم عن الموظفين او المتقاعدين المستبعدين فقط بسبب امتلاكهم لسيارة خاصة تاريخ صنعها بعد الـ 2008 أو أن سعتها تتجاوز الـ 15 حصان، يدب الانقسام بين المستبعدين الموظفين وغير الموظفين، بات الوظيفة العامة شحيحة الأجر والتقاعد المجحف نعمة تعيد الدعم! أي جو مشحون ومتوتر وقاهر يعيشه السوريون، ترقب، خوف، شعور بالعدمية والعجز، والبطاقة الذكية عنوان المرحلة وتوصيف صادم وفج لها، وتقلباتها وألاعيبها تعصف بالأمن الغذائي والمعيشي الضعيف أصلا.
وصلت رسالة الإشعار بتعبئة لبنزين إلى “السيد ج”، وعندما ذهب إلى المحطة لاستلام مخصصاته الأسبوعية، فوجئ بأنه مستبعد من الدعم وعليه الدفع بالسعر الحر، أي 2500 ليرة ثمنا لليتر الواحد بدلا من 1100 ليرة، المفجع هنا، انه لا يحمل نقودا تكفي لذلك، وقريته تبعد عن محطة البنزين 11 كلم، اكتفى بشراء عشر ليترات فقط، والسؤال الذي طرحه “السيد ج” على عامل المحطة: “هل يمكنني العودة غدا لتعبئة ما تبقى لي من المخصصات؟” فكان الجواب: “لا، عليك الانتظار للأسبوع القادم عند ورود الرسالة”. ماذا حل إذن بالليترات الخمسة عشرة المتبقية والتي سجلت وخصمت من بطاقة “السيد ج”؟ لا أحد يمتلك الجواب، وهنا صرخ غاضبا: ” طالما انني خارج حلقة الدعم، اعتقوني من قبضة تلك البطاقة الملعونة، واتركوني أملأ خزان سيارتي حسب إمكاناتي”، وأضاف: “حاكمك وربك”، بمعنى أنه يحق لنا طردك من دائرة الدعم لكن لا يحق لك شراء أي مادة مدعومة حسب حاجتك أو على طلبك. إنه الاستعباد في زمن الاستبعاد اللا متناهي من طرف واحد دائم التحكم والمبررات مجرد كلام بلا معنى.
“هزّت المجتمع السوري، جريمة قتل طفلة على يد أهلها، بعد علمهم باغتصابها وهي بعمر خمس سنوات”، هكذا يقول الخبر. ما لفت نظري ليس الجريمة البشعة بل أنها “هزّت المجتمع السوري”. مجتمع تحكمه قوانين عشائرية عفا عنها الزمن. لا تزال راسخةً ضمن نصوصه القانونية الوضعية وليست فقط الشرعية، لن “تهزّه” هكذا جريمة. مجتمع اعتاد على قتل نساء لمجرّد الشبهة بالحب معتمداً على نصوص القانون والإجتهادات التي تحمي القتله، بل تدفع بهم لارتكاب هذه الجرائم، لن يتوانى عن قتل الإناث ولو كان عمرهن يوماً واحداً فقط لغسل العار. وأي عار هذا الملحق بالإناث فقط، الإناث اللواتي يُقتلن بعد خروجهنّ من المعتقلات أو من أماكن اختطافن خوفاً من شبهة العار، والإناث اللواتي يتم تزويجهن من مغتصبهنّ وبرعاية القانون (حتى بعد تعديله عام 2008)، والإناث اللواتي يتم تصفيتهنّ بعد تزويجهن زواجاً عشائرياً من قبل الأهل بعد انتهاء مهمتهن بالمصالحة بين العشائر،والإناث اللواتي يستخدمن لإذلال عائلاتهن ومجتمهنّ لأنهن رمز الشرف. وكل هذا يتكريس من القانون والإجتهادات التشريعية.
الجسد هتك العرض، العورة، الشرف، العفة، تدنيس السمعة، غشاء البكارة ودوره في المهر والنفقة وفداحة الجرم وتوصيفه. هي وغيرها من المفاهيم يحفل بها قانون العقوبات السوري والإجتهادات القضائية تساعد القضاة والمحامين/ات في توصيف الجرم وتكييفه ما بين الجنحة والجناية والتخفيف من العقوبة وسابقاً في الحلّ منها نهائياً. من الأمثلة التي تطلقها الإجتهادات القضائية الشارحة لقانون العقوبات السوري والمكرّسة لتشيء جسد الإناث: 1- “إن الكشف عن مواطن العفة من المرأة ولمسها إنما يعتبر هتكًا للعرض على اعتبار أن ذلك يؤذيها في عفتها ويلحق بها العار ويدنس لها سمعتها” . 2- “إن الفخذ من المرأة عورة فلمسه وقرصه على سبيل المغازلة يعد هتك عرض” . “مواطن العفّة” و “هتك العرض” و “يلحق بها العار” و “يدنّس لها سمعتها”، عبارات تمرّ بسلاسة وبشكل طبيعي مع أنها تحمل من التمييز ضد النساء ما تحمله، فلا تدنّس سمعة الرجال بالقانون إلا من خلال جسد المرأة ، ولا يوجد مواطن للعفّة إلا عند المرأة، ولا يلحق العار إلا بالمرأة (وهي تنقل هذا العار لذكور القبيلة) ، كل تلك التعابير الفضفاضة تتعلّق بالنساء فما هي السمعة الحسنة والسمعة السيئة، وما هي العفة؟ وما هو العار؟ كلها مصطلحات لا يوجد لها تعريف محدد.
البكارة ويعتبر الإجتهاد والقانون السوري “غشاءَ البكارة”، مقياسًا لمدى خطورة الفعل، بين احمراره أو انتزاعه أو وجوده بالأصل أو عدم وجوده. هذا الإعتبار لـ “الغشاء”، تكريسٌ للفكر الذكوري الذي يضع “غشاء البكارة (وجسد المرأة) معيارًا، ويقوّي العرف والذهنية العاميّة في مفهوم الشرف ودلالة غشاء البكارة عليه. يوجد لهذا مقابل في قوانين الأحوال الشخصية الشرعية التي تميّز بين “المرأة البكر” و “المرأة الثيب”، وبين الدخول بالمرأة وعدم الدخول بها، في مسائل عديدة منها المهر، ومقدرتها على تزويج نفسها أم لا، فهو مقياس للطهارة والعذرية والبتولية وشرف العائلة، وله دور في قيمة المهر، ولذكور العائلة الحق في الحفاظ عليه، مثلا: 1-التعويض من جرم فض البكارة يكون للولي كونه هو الذي تمّ إيذائه بشرفه. “والد المجني عليها في جرم فض البكارة بوعد الزواج وهو الولي الشرعي، بموجب أحكام المادة 20 و21 من قانون الأحوال الشخصية، وبهذا الوصف فهو متضرر أدبيًا مما أصاب ابنته، ويحق له إقامة الدعوى بطلب التعويض، ويؤيد ذلك أن المادة 475 عقوبات المعدلة علّقت الملاحقة في دعوى زنا المرأة غير المتزوجة على شكوى وليها”. الأب أوأي ولي شرعي هو المتضرر أدبياً، كم تحمل هذه العبارة من تحييد لإنسانية الأنثى (الطفلة، الفتاة، المرأة). 2- غشاء البكارة يغيّر وصف الجرم. “اذا لم يقتصر الفعل على ملامسة العورة بالآلة التناسلية، وإنما تعدى ذلك إلى الإيلاج حتى لامس غشاء البكارة وأحدث به احمرارًا، والمجنى عليها لم تتم الثانية عشر من عمرها، يكون فعل الجماع قد اكتمل ويعاقَب الفعل بموجب أحكام المادة 491 من قانون العقوبات السوري” . و”توجد عقوبة خاصة تتعلق بفض البكارة بالرضى على أساس الوعد بالزواج لكن لو لم تقع بالرضا أي بالإكراه لتمت عليها عقوبة الاغتصاب” ، وهنا تفريق بين الزنى والاغتصاب في القانون، يميزهما عن بعضهما الرضى. وما يهمّنا هنا مدى اهتمام القانون بـ “العورة” و “الإيلاج”. و “الإيلاج” في القانون لا يحدث إلا من الرجل على المرأة في مكان التناسل وبعضوه فقط، أي “غشاء البكارة” و “فضّ البكارة”. النصوص القانونية التي يجب أن ترفع معاني العنف ضد المرأة لتواكب الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة العالمية الذي يقول: “يُفهم من العنف ضد المرأة أنه يشمل ما يلي: العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يحدث في الأسرة بما في ذلك الاعتداء الجنسي على الأطفال الإناث في الأسرة والعنف المرتبط بالمهر والاغتصاب الزوجي وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وغيرها من الممارسات التقليدية الضارة بالمرأة والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال”. نجدها لاتزال ضمن مفردات قانونيّة تمييزية داعمة لقتل النساء كونها تعتبرهم مقياس للشرف والحياء العام والعرض والسمعة. بغض النظر عن الإعتداءات عليهنّ كإنسان وليس شيء تابع للذكور. لذلك لن يهتز مجتمعنا لقتل طفلة مغتصبة بل سيقولون في سرّهم : “ارتاحوا من عارها. وارتاحت من وصمة العار”.
قال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن «لا خلافات استراتيجية» بين أميركا وروسيا في سوريا، وإنه حصل على «دعم صلب» من مجلس الأمن الدولي للمضي قدماً في مقاربته الجديدة «خطوة مقابل خطوة» بين الأطراف المعنية، لـ«تحديد خطوات تدريجية، ومتبادلة، وواقعية، ومحددة بدقة، وقابلة للتحقق منها، تُطبق بالتوازي» بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية وصولاً إلى تطبيق القرار الدولي 2254.
وأضاف بيدرسن، أن ممثلي روسيا وأميركا أبلغوه أنهم «مستعدون للانخراط» في هذه المقاربة، لافتاً إلى وجود «جمود استراتيجي استمر لنحو سنتين، حيث لم تتغير الخطوط» في سوريا. وزاد «الأطراف الأساسية، أبلغوني أن مرحلة العمليات العسكرية انتهت، وأن لا طرف سيحتكر الخاتمة. وهناك شعور بضرورة اختبار شيء جديد». ووافق على القول، إن أميركا تخلت عن سياسة «تغيير النظام» وتسعى إلى «تغيير سلوك النظام».
وسئل عن إعلان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد رفضه الاقتراح الجديد، فأجاب بيدرسن، بأنه سيكون «سعيداً كي أشرح بتفاصيل أكثر لدمشق، الخلفية الحقيقية لـخطوة مقابل خطوة، على أمل أن ننخرط أيضا بطريقة مناسبة، أيضاً مع هيئة التفاوض» المعارضة.
وقال المبعوث الأممي، إن «مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد) الجناح السياسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تسيطر على ثلث سوريا ومعظم ثرواتها بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ليست جزءاً من مسار جنيف؛ لأن هذه العملية تقوم بموجب القرار 2254 الذي «شمل مجموعات معارضة محددة، لكنها (مسد – قسد) لم تعدّ جزءاً من ذلك. ولا يزال هذا هو الواقع».
وأشار بيدرسن إلى أنه يجري مناقشات مع دمشق و«هيئة التفاوض» لترتيب عقد جولة جديدة لاجتماعات اللجنة الدستورية الشهر المقبل تعقبها جلسات في كل شهر، وأن أي تقدم في المسار الدستوري، سينعكس إيجاباً على خطة «خطوة مقابل خطوة» وردم عدم الثقة بين الأطراف المعنية.
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عبر الهاتف إلى نيويورك مساء أول من أمس:
> قمت بجولة إقليمية ثم بروكسل ونيويورك لتقديم مقترحك «خطوة مقابل خطوة»، هل حصلت على دعم لمجلس الأمن لمقاربتك الجديدة؟
– أعتقد، هناك دعم قوي لمقاربتي «خطوة مقابل خطوة». كما تعرف، أجريت مشاورات في جنيف بدءاً من الروس ثم ممثلي دول أخرى في مجلس الأمن. من العدل، القول إنه من وجهة النظر في مجلس الأمن، هناك دعم لمبادرتي، أيضاً من اللاعبين الرئيسيين الآخرين، العرب والأوروبيون. يوم الاثنين، التقيت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وهناك إجماع على دعم مقاربتي. التوقيت مناسب للمضي قدماً في هذه المقاربة، وما زال في مرحلة العصف الفكري حول الفكرة وسأعقد جولات إضافية من المشاورات.
> كيف تشرح المسار السياسي، للسوريين الذين يعانون منذ 11 سنة؟
– شرحت لمجلس الأمن بوضوح، الحالة الصعبة في سوريا: ضربات جوية، تبادل قصف، غياب الأمان، الألغام، الهجمات الإسرائيلية على اللاذقية. هناك موضوع سجن الحسكة وهجوم عناصر تابعين لـ«داعش». هناك أيضاً، الأزمة الاقتصادية وتعمقها حيث بات 14 مليون مدني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية و12 مليون نازح نصفهم خارج البلاد.
يضاف إلى كل ذلك، هناك جمود استراتيجي استمر لنحو سنتين، لم تتغير الخطوط. والمحاورون الأساسيون أبلغوني أن مرحلة العمليات العسكرية انتهت، وأن لا طرف سيحتكر الخاتمة. وهناك شعور بضرورة تجربة شيء جديد.
وأمضيت وقتاً طويلاً لشرح هذا الموضوع مع دمشق والمعارضة والمنطقة والمحاورين الدوليين الرئيسين، وأشعر أن الوقت حان لاختبار مقاربة «خطوة مقابل خطوة».
> ما هو؟ هل ممكن شرح عناصره؟
– البدء بتحديد خطوات تدريجية، ومتبادلة، وواقعية، ومحددة بدقة، وقابلة للتحقق، تُطبق بالتوازي. ثم، مهم جداً، إنه عندما نقوم بذلك، أن نكون قادرين على الوصول إلى بيئة محايدة وهادئة للمضي قدماً في العملية الدستورية ثم انتخابات وفق القرار الدولي 2254.
> ما هي المجالات التي يمكن البدء بها؟
– لا أزال في مرحلة العصف الفكري، لكنها قد تشمل المعتقلين والمختطفين والمفقودين، المساعدات الإنسانية والتعافي المبكر والبناء على التقدم المحرز من خلال اعتماد قرار مجلس الأمن 2585، شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين، تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي انهارت بعد أكثر من عقد من الحرب والنزاع، والفساد، وسوء الإدارة، والأزمة المالية في لبنان، وجائحة «كوفيد – 19»، ترسيخ الهدوء في عموم سوريا وتحقيق الاستقرار، وهو بالتأكيد أمر أساسي، وفي الوقت ذاته التعاون في مكافحة الإرهاب، ثم يلي ذلك ما أطلق عليه القضايا الدبلوماسية. وموضوع سجن الحسكة، تذكير بضرورة التعاطي مع عملية ضد الإرهاب.
هناك سلة من الأمور، وفي حال تحركنا فيها، سينعكس ذلك على حياة السوريين. والأمل، أن نقيم بعض الثقة للعمل على تنفيذ القرار 2254.
> التقيت الروس والأميركيين في جنيف. ماذا قالوا؟ هل يدعمون فعلاً «خطوة مقابل خطوة»؟
– الأمر المهم، أنهم مستعدون للانخراط واختبار ومناقشة لتحديد ما إذا كان ممكناً تقديم بعض الأفكار للتحرك بشكل جماعي وموازٍ في بعض الخطوات.
> مثل ماذا؟
– في هذه المرحلة، سيكون من الخطأ التحدث علناً لأننا لا نزال في مرحلة العصف الفكري وسأقوم بجولات إضافية من المشاورات، وسأتابع المناقشات مع دمشق و«هيئة التفاوض» المعارضة.
> هل روسيا وأميركا مستعدتان للانخراط؟
– نعم، حقاً.
> في بروكسل التقيت الوزراء الأوروبيين، لكن علناً، هم قالوا إنهم مستعدون للانخراط تحت سقف الشروط الثلاثة (لا للمساهمة بالإعمار، لا لرفع العقوبات، لا للتطبيع قبل تحقيق تقدم سياسي). كيف يمكن لهم الانخراط بمقاربتك ضمن هذه الشروط؟
– حددت لك الفكرة وراء مقاربة «خطوة مقابل خطوة». في هذه المرحلة، هناك عدم ثقة عميق بين الأطراف الفاعلة، بين الأطراف السورية. لكن فقط عبر التحرك ببطء لتحديد الخطوات التي يمكن القيام بها ومعالجة المسائل التي ذكرتها لي. كل القضايا يجب أن يتم التعاطي معها في مرحلة ما. من الضروري التأكيد، استمرار الوضع ليس خياراً، ولا يمكن الاستمرار بهذا الوضع.
> لا يمكن تجاهل الأزمة الكبرى حالياً الخاصة بأوكرانيا. هناك توتر بين الروس من جهة والأميركيين والأوروبيين من جهة أخرى. هل يمكن التحرك بمقاربتك في سوريا في هذه الأجواء المتوترة حول أوكرانيا؟
– سأواصل مهمتي التسهيلية. كلامك صحيح، في حال لم تحل الأزمة في أوروبا دبلوماسياً، ستترك أثراً بمعنى أو آخر ليس فقط بالملف السوري، بل ملفات أخرى. أعتقد، أنها ستعقّد الأمور التي أعمل عليها. لكن دعني أضيف، أنه في الوقت نفسه يجب أن نذكّر أنفسنا، أن ما يخص سوريا، ليس هناك اختلافات استراتيجية بين أميركا وروسيا. هناك مصالح مشتركة بمحاربة الإرهاب، تحقيق الاستقرار. ولتحقيق الاستقرار، نحتاج إلى عملية سلام. آمل أن نصل إلى حل دبلوماسي للأزمة في أوروبا، بحيث يكون هناك أثر إيجابي في سوريا.
> وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، قال علناً إن الحكومة السورية ضد مقاربة «خطوة مقابل خطوة». هل هذا ما سمعت في الجلسات المغلقة أم سمعت شيئاً مختلفاً؟
– أجريت جولات عدة من المناقشات مع الحكومة السورية، وسأواصل المناقشات معها حول هذا الأمر. أعرف أن لديهم أسئلة عديدة، لكن أعرف أيضاً أن «هيئة التفاوض» المعارضة لديها أسئلة حول المقاربة الجديدة. سأكون سعيداً كي أشرح بتفاصيل أكثر لدمشق، الخلفية الحقيقة لـ«خطوة مقابل خطوة»، على أمل أن ننخرط أيضاً بطريقة مناسبة، أيضاً مع «هيئة التفاوض».
> بعض المحللين والمراقبين قالوا إن «خطوة مقابل خطوة»، ليست جزءاً من مهمتك لتطبيق 2254، وإنك تطرح أموراً خارج صلاحياتك. ما قولك؟
– هذا سوء فهم جدي. الأمور المطروحة هي جزء من القرار 2254. القضايا التي ذكرتها هي جزء أساسي من القرار. أيضاً، بناء الثقة للمضي قدماً أمر ضروري. لذلك؛ إنني سعيد جداً أننا حصلنا على دعم صلب من مجلس الأمن الذي أقر 2254. لا أحد يرى أي تناقض بين هذه المقاربة والقرار 2254، بل بالعكس، هي ستساعدني للمضي قدماً في مهمتنا لتنفيذ 2254.
> ماذا تقول للسوريين النازحين واللاجئين والفقراء الذي يعانون؟ كثيرون فقدوا أي أمل أو إيمان بأي عملية سياسية، كيف تقول لهم إن هذه المبادرة الجديدة مختلفة عما حصل في جنيف خلال 11 سنة؟
– دعني أقول، كما قلت لمجلس الأمن، إن معاناة الشعب عميقة إلى حد صعب فهمه أو تقديره. هناك سوريون يعيشون في ظروف صعبة جداً وسط الثلوج في خيم وظروف صعبة. هذا يفطر القلوب. أفهم أنه بعد أكثر من عشر سنوات، هناك الكثير من الشكوك إزاء العملية السلمية وقدرتها على تقديم شيء ملموس للشعب السوري. ما أستطيع قوله، أن قناعتي وتصميمي، أن نتحرك بثبات وجدية للأمام لتحسين وضع الشعب السوري.
> ماذا عن ملف المفقودين والسجناء والمخطوفين؟
– هذا أحد أولوياتي من اليوم الأول لتسلم مهمتي. للأسف، لم نر اختراقات عميقة في هذا الملف أيضاً. كانت لدينا مناقشات مع أطراف عملية آستانة في نور سلطان، وهناك بعض الأفكار على الطاولة ونأمل التحرك في هذا الملف الذي يخص الكثير من العائلات السورية. طالبت بإطلاق سراح الأطفال والنساء والقصر والكهول، وسأواصل جهودي للتحرك إزاء عائلات المفقودين.
> ماذا عن اللجنة الدستورية؟ هل توفرت ظروف عقد جولة جديدة؟
– نحن في حوار مع دمشق وطرحنا بعض الأفكار، وسأتواصل مع الرئيس المشتركة في «هيئة التفاوض». آمل، أنه في الأسبوعين المقبلين سيكون لدينا تفاهم مشترك بحيث نعقد جولة صوغ الدستور في فبراير (شباط)، ثم بناءً عليه أن تحصل اجتماعات أخرى في الأشهر المقبلة، مارس (آذار)، أبريل (نيسان)، مايو (أيار)، يونيو (حزيران) لتحقيق تقديم حقيقي.
> هل ستكون مختلفة عن الجولات السابقة؟
– هذا أملي، أن نرى تبادلاً جدياً لوجهات النظر، بحيث يكونون مستعدين لمراجعة النصوص التي يقدمونها ويتجاوبون مع ما يسمعون من الطرف الأخرى. الوفود لا تقدم نصوصاً دستورية فحسب، بل إنها على استعداد أيضاً لتعديلها في ضوء المناقشات، لمحاولة إيجاد أرضية مشتركة، أو على الأقل تضييق مساحة الاختلافات. فنحن في حاجة إلى عملية صياغة مثمرة وفقاً لولاية اللجنة. وذكرت أمام مجلس الأمن، أن اللجنة يجب أن تعمل، كما تحدد المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية، «على وجه السرعة وباستمرار لتحقيق النتائج والتقدم المستمر».
> «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، يسيطرون على ثلث مساحة سوريا ومعظم ثرواتها ومدعومون من التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة أميركا، لكنهم ليسوا جزءاً من عملية جنيف؟ ماذا تقول لهم؟
– هذه عملية نوقشت وقررت في قرار مجلس الأمن 2254، الذي هدّد مهمتي بتضمين مجموعات معارضة محددة، لكن «مجلس سوريا الديمقراطية»، «قوات سوريا الديمقراطية»، لم تعدّ جزءاً من ذلك. ولا يزال هذا هو الواقع.
> بعض المحللين يقولون، كيف يمكن إحداث اختراق في «خطوة مقابل خطوة» الذي يتضمن قضايا كبرى ومعقدة، بعد عدم النجاح في تحقيق تقدم في اللجنة الدستورية، السهلة؟
– لا أعتقد أن «خطوة مقابل خطوة» أكثر تعقيداً. صحيح، ستكون هناك تحديات، والتحدي الرئيسي، هو فقدان الثقة. أعتقد، أننا سنكون قادرين للمضي قدماً بتقديم بعض الأفكار التي تخص فقدان الثقة. بناءً على هذا يمكن المضي ببطء إلى الأمام. بعد ذلك، أملي أنه مع تحقيق بعض التقدم في عمل اللجنة الدستورية. هذا سيكون له تأثير إيجابي في «خطوة مقابل خطوة». دعنا نكون صريحين، الأمر يتطلب الكثير من الجهود السوريين والأطراف الدولية للمضي قدماً. ما أستطيع قوله، إنه بعد المشاورات التي أجريتها، هذا ممكن وقابل للتحقيق.
> هناك من يقول، إن بعض الأسباب التي سمحت بالقيام بالمبادرة الجديدة، هو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قالت بوضوح إنها لا تريد «تغيير النظام» السوري، بل «تغيير سلوك النظام»، وهذا ما تريد روسيا. هل هذا صحيح؟