في مواجهة الزلزال: كارثة سوريا الكبرى وجهود تطوعية جبارة 

في مواجهة الزلزال: كارثة سوريا الكبرى وجهود تطوعية جبارة 

لا يدري المرء ماذا يكتب عما حلّ بسوريا فجر السادس من شباط الجاري وتالياً، بدا الأمر كمزحة سمجة في ثوانيه الأربعين الأولى، فجأة اهتزت مدن بأكملها، أبنية، منازل، حجارة، أشجار، والكثير من الأرواح.

أرواحٌ كانت حتى الأمس القريب تتحمل شظف العيش وتكابده قهراً لتذلّه قبل أن يذلّها بلقمة عيش صار الحصول عليها صعباً، مريراً، أليماً، كليماً. فصار السائر من منزله إلى الخارج بغية الحصول على مالٍ يعينه ليسد رمق أسرته كمن يسير في حقل من الأشواك البرية، حتى حقّ في السوريين جمعاً هذه المرة، ما قاله الشاعر السوداني إدريس الجماع يوماً: “إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاةٍ يومَ ريح اجمعوه.”

 وما أكثر أيام الريح على الخارطة السورية، ما أكثرها وما أعنفها وما أعتاها، ولكن من كان يتوقع أن تتآمر الطبيعة عليهم أخيراً، بعد اثني عشر عاماً من القصف والدماء والدمار، من كان يتوقع أنّ الأسوأ لم يأت بعد؟.

جاء الأسوأ حقاً حين توقفت عقارب ساعة حياة آلاف الضحايا عند الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجر السادس من شباط، من إدلب المكلومة، إلى حلب الحزينة، فاللاذقية الجريحة، وابنتها جبلة الثكلى، إلى طرطوس وحماه.

لأول مرّة في الحرب السورية يجد السوريّ حدثاً أكبر من تحزباته السياسية جعل الجميع في الموت سواسية، وأي ميتة؟، تلك الميتة التي يسمع قبلها استغاثات ضحاياها من تحت الركام.

جاءت المأساة لتقول إنّ الإنسانية حين تنبري لتدافع عن جراحها تكون أقوى من ألف منطق أوجدته الحرب وعززته وكرسته، أصوات تعالت من إدلب تسأل عن حال ضحايا الداخل السوري، وأصوات أخرى من الداخل السوري كسرت حاجز الفراق وسألت عن إخوانهم في إدلب.

بيد أنّ التضامن كان ناقصاً، فأرقام الوزارات المعنية في سوريا أشارت لعدد ضحايا الداخل فقط، وأرقام المعنيين في إدلب أشارت لضحايا الشمال السوري فقط، فبئس أيام صارت فيها سوريا داخلاً وخارجاً، قاتلاً ومقتولاً، كارهاً ومكروهاً.

الناس لبعضها

ليس من السهل الحديث عما جرى، هي أيام عصيبة على السوريين، أيام قاهرة مسكونة بآلام كبيرة، 300 ألف شخص خرجوا من منازلهم في حلب واللاذقية وجبلة وحماه، 300 ألف شخص فتحت لهم الشوارع صدرها رحباً تحت سماء معاندة شاءت أن ترسل غيومها أمطاراً وثلوجاً لتزيد معاناتهم.

ولكن السوريين رفضوا مبيت إخوانهم في العراء، فهبّوا على قلب رجل واحد يتداعون لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لإطعام المنكوبين، لتدفئتهم، لإيوائهم، من درعا إلى الحسكة، مروراً بكل محافظات البلاد.

ليس على سبيل المبالغة القول إنّ عشرات الحملات الأهلية تم تنظيمها بجهود ومبادرات فردية وجماعية من المجتمع المدني الذي أثبت نفسه كفاعل حقيقي قادر على القيام بمهامه وإن كانت تطوعية.

حملات من كل المدن جمعت ما تيسر من أدوية وطعام وأغطية وخيم وخلافه وتوجهت بها إلى المناطق المنكوبة، وفرق أخرى قوامها ممرضون وأطباء وصحيون، وفرق ساهمت ولا زالت برفع الأنقاض، كل ذلك إلى جانب عمل الهلال الأحمر السوري وبقية المنظمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية والتي يدعمها جميعها استنفار واسع للقوات العسكرية.

إلى جانب كل ذلك استمر سيل الدعم الذي وصل ويصل تباعاً من دول عربية وغير عربية للمرة الأولى منذ بدء الحرب في سوريا، في خطوات وصفها ناشطون بـ”كسر الحصار”، ليتزامن هذا الـ “كسر” مع وسم تداوله الناشطون بكثرة يدعو لرفع العقوبات الغربية عن سوريا لتسهيل وصول المواد الأولية اللازمة للإغاثة. وعلى حد وصفهم تركيا حصلت على أضعاف ما حصلت عليه سوريا من مساعدات، رغم أنّ سوريا بطبيعة الحال تعيش حالة نكبة مستمرة منذ أكثر من عقد، حالة أدت لتخلخل ودمار البنية التحتية.

وكان قد نشر هيثم مناع الناشط والحقوقي، الرئيس السابق لهيئة التنسيق المعارضة في الخارج، بياناً من جمعيات ومنظمات مدنية وحقوقية عددها 47 طالبت جميعها برفع الحصار والعقوبات عن سوريا، وجاء في البيان: “نطالب برفع العقوبات فوراً عن سوريا والسماح بإمدادها بجميع المواد وبالوصول إليها من أجل أن لا تتحول هذه العقوبات إلى جريمة ضد الإنسانية، وتسهيل عبور قوافل المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة عبر المعابر الحدودية مع سورية، إضافة إلى السماح بجمع التبرعات المادية والعينية وإيصالها للمناطق المتضررة.”

أين المساعدات؟

اعتباراً من اليوم الثالث لما بعد الكارثة بدأت ترتفع أصوات كثيرة تسأل عن المساعدات، وهل هي فعلاً وصلت لمستحقيها؟، وإن كانت وصلت فعلام أُسر كثيرة لا زالت في الطرقات بلا مأوى أو بدون غذاء وأغطية.

وفي هذا السياق فقد انتشرت قصة “مختار قرية اسطامو” المنكوبة في ريف اللاذقية، والذي اتهم من قبل عشرات الأشخاص بسطوه على المعونات التي وصلت إلى القرية، مطالبين بمحاسبته على الفور بذريعة استغلال النكبة.

ورد المختار على الاتهامات بالقول: “استلمت من رئيس بلدية قمين ٥٠ حصة غذائية مؤلفة من معلبات اضافة الى ٥٠ بطانية و١٠ وسائد، و٣٠ حصة تفاح مغلفة، و٨ كراتين إندومي، و١٠ كراتين أقراص عجوة، و١٣ شرحة خيار وبندورة”. 

وأضاف “بحسب التعليمات فإن المساعدات مخصصة للمتضررين الذين خرجوا من منازلهم، وذوي الضحايا، لكن ما حدث هو أن الجميع كان يريد المساعدات وهذا أمر خارج عن إرادتي ولا أملك سوى تنفيذ التعليمات”.

تدخل عمرو سالم (وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك) على خط هذه القضية سريعاً مبيناً وجود مختارين في المنطقة، وكلاهما وزع تلك المعونات لأقاربهما فعلاً (غير متضررين)، مؤكداً أنّه تم حل المشكلة وإيصال المساعدات إلى مستحقيها.

قد تبدو قضية المختار ثانوية في حدث كهذا، ولكن فعلاً بدأ القلق يساور السوريين عن مصير المساعدات، خاصة أنّ الكميات التي جمعت داخلياً وخارجياً، تكفي على حد تعبيرهم- لإيواء كل متضرر بشكل تام، وقد يبدو هذا حقيقياً من حجم القوافل الداخلية والطائرات التي وصلت من الخارج.

وفي هذا الإطار يقول الصحفي بلال سليطين: “أنا أثق بـ ٩٩ بالمئة من العاملين على الأرض من جمعيات ومتطوعين في سوريا لمواجهة أضرار الزلزال ومساعدة الناس، ومن ليس له ثقة بهؤلاء هذا حقه لكن إذا كان حقاً يريد المساعدة يمكنه أن يثق بعائلته ويقدم المساعدات عن طريق أهله لكي يسلموها مباشرة للمحتاجين”.

ويشير سليطين لوجود أخطاء إلا أنّ معظمها ناتجة عن سوء التنظيم وقلة الخبرة: “لكن حجم العمل الإنساني والتعاضد واندفاع الجمعيات والمتطوعين بكبرو القلب”.

وتصف المهندسة لمياء أحمد من اللاذقية الوضع بالمأساوي والحزين وغير المقبول، وفي ذات الوقت تتهم معظم الجهات بالتقاعس.

وتشرح: “اسمحوا لي عبركم أن أوصل هذه الرسالة، ليس فقط حول إيصال المساعدات، ولكن عن الذين يلهثون لأخذها، نعم أفهم ظروف الناس الصعبة ولكن هذا ليس وقتاً مناسباً لنقاسم المنكوبين رغيف خبزهم، أقسم أنّه ثمة العشرات يصطفون على الدور ليأخذوا معونة وهم أصلاً غير متضررين أو منكوبين”.

تتابع أحمد حول مشاهداتها مؤكدةً أنّه ثمة أسر لغاية نهاية اليوم الثالث ما بعد الكارثة تنام على الأرض دون مأوى أو اهتمام، منوهةً في الوقت ذاته لضرورة الانتباه من الأفراد أو الجمعيات التي ستستغل هذا الحدث لتسوق لنفسها.

بدوره يرفض المحامي مفيد نصرة من جبلة ما ساقته المهندسة أحمد، معتبراً أنّ مدناً بأكملها منكوبة ولا يمكن استثناء أحد من حالة الجوع القائمة، وخاصةً أنّ الزلزال عززها إذ عطل الحياة والمهن واليوميات بشكل شبه تام، يقول: “المنازل التي لم تسقط على الأقل تصدعت وحال الكثير منها خطر ولجان الهندسة في حالة شبه عدم استجابة”.

ويبين نصرة أنّ لديه أخاً يعمل مياوماً وبسبب هذا الظرف هو لا يملك مالاً لإطعام أطفاله: “هذه نكبة شاملة أصابت كل العوائل رغم نسبية الأمر أحياناً”.

وفي الأثناء تداول سوريون على نطاق واسع قائمة تضم أسماء شيوخ خمسة جوامع معنية باستضافة المنكوبين متهمين إياهم بسرقة المعونات وإساءة معاملة الناس وعدم تأمين شروط تليق باستضافتهم. لم يتسن لكاتب التقرير التحقق من هذه المعلومة، التي انتشرت متزامنة مع عشرات المعلومات والبيانات والتنويهات والمنشورات التي تتهم أشخاصاً بعينهم أو بما يمثلونه من سلطة بالتقصير وسرقة المعونات.

وبحسب المحامي أحمد معروف من حلب فإنّ سرقة المعونات تندرج تحت مسمى سرقة خلال النوائب، فهي سرقة عقوبتها مشددة، حسب المادة 627 من قانون العقوبات. وقد تصل العقوبة حتى 15 سنة حبس. 

وفي هذا الإطار يتضح اتجاهان: الأول هو الدور “الجبّار” وغير المسبوق للمجتمع المدني، والثاني هو بعض ضعاف النفوس الذين استغلوا الكارثة، وعموماً هذا ليس غريباً في بلد أفرز من أمراء الحرب ما أفرزه خلال السنوات العجاف الماضية.

في الأسباب

قلّة الخبرة وضعف التنسيق أفضيا لحالة من الفوضى الشاملة في التعامل مع الحدث، وبافتراض النيّة الحسنة لجميع العاملين، إلّا أنّ هذين العاملين أديا لتشتيت الجهود باتجاهات عدة، جعلت عائلات بأسرها حتى الساعة تنتظر معونةً أو إيواءً.

وعلى الرغم من أن المئات أعلنوا فتح بيوتهم لاستقبال المنكوبين، إلّا أنّ الفوضى عينها هي ما حكمت الأمر، فقلّة أفادت قلّة، على اعتبار أنّ المعونة لم تصل بالضرورة إلى الأكثر حاجةً.

يبقى أنّ سوريا المدمّرة، المهدمة، كبُرت اليوم بأولادها، أولادها الغلابة الذين قدموا كل ما يستطيعون من تبرعات نجدةً لإخوتهم، وقد تكون الحالة الأكثر لفتاً هي تلك التي تبرعت لـ “مشروع أحمد الإنساني،” وهو مشروع طبي ناشط خلال الأزمة السورية وتطوع في عمليات الطبابة إثر الزلزال، فبحسب منشور لهم على صفحتهم الرسمية في فيس بوك، جاء إليهم رجل وتبرع بـ “جاكيت” وحيد يملكه وكان يرتديه.

الوجود منبثقاً من أعماق العدم: تأويل أنثروبولوجي للبقاء حيّاً مدّةَ يوم في سوريا

الوجود منبثقاً من أعماق العدم: تأويل أنثروبولوجي للبقاء حيّاً مدّةَ يوم في سوريا

أستيقظُ في الساعة السادسة صباحاً حسب التوقيت السوريّ، وأنا أكاد أتجمّد من البرد، والشمس لم تشرق بعد، فعن أي صباح يتحدّثون؟ أبحث في العتم عن صنبور المياه لأغسل وجهي المتحجّب بطبقاتٍ من الظلمة لا نهاية لها، فأصل إليه متعرّفاً على موقعه بصعوبة، فالتيار الكهربائيّ مقطوع دائماً، وبطارية السيارة التي اشتريتها لأعتمد عليها في إضاءة محل سكني بعد تركيب وصلات ومصابيح عليها فارغة تماماً، وذابت آخر الشموع التي كانت عندي. وها أنا الآن أصبحتُ البصير –الضرير، إذ رغم امتلاكي لعينين حادتين أو لآلة باصرة –على حدّ تعبير الفلاسفة-إلا أني بدأت أتعلّم كيف أسلك سلوك الأعمى، وكان الأفضل منذ طفولتي أنَّ أسلك سلوك إنسان مثل أبي العلاء المعرّي، فهو لم يكن ليعلّمني فقط البقاء حيّاً على المستوى الفيزيولوجي في مثل هذه الظروف اللعينة؛ بل كان ليعلّمني أيضاً ألا أتحطّم على المستوى النفسيّ؛ لأنه يعرف كيف يدرّب العقل على مواجهةِ شناعة الحياة.

أصلُ إلى صنبور المياه، أتحسّسه ثم أفتحه، فأجد أنَّ حظي كان جيداً، لأنَّ المياه غير مقطوعة، تتدفق المياه، أضعُ يدي فيها، فيقشعرُ جسمي من شدّة برودتها، أقرّر التراجع، ثم أتردّد، فأقول في نفسي: لا بدّ من إزاحة غبار الظلمات عن وجهي فأخاطر بغسل رأسي ووجهي…أرتدي ملابسي، راقصاً، من هولِ البرد…أفتحُ باب منزلي وأخرج، في سِفْرِ خروجٍ لا خروج فيه… أقف على الرصيف منتظراً مرور أيّ وسيلة نقل…لا شيء …وفجأةً تمرّ سيارة أجرة…ألوِّح له بيدي …يقف سائقها…أسأله: كم تريد أجرة للوصول بي إلى مكان عملي…إنّه يبعد 16 كيلو متراً؟ أجاب: أريد خمسين ألف ليرة سورية…قلت له: إنَّ راتبي 150 ألفاً…فهل من المعقول أن تأخذ مني هذا المبلغ….شَخَرَ بسيارته وابتعد عني دون أن يتكلم كلمة…فَقَفلتُ راجعاً إلى منزلي، وجلست على الكرسي الخشبي واضعاً كفي الحائرة على ذقني وقارعاً سنّ نادمٍ على هذه الحياة المريرة التي اخترتُ أن أعيشها.
هذا ما قاله لي “محمد” الشاعر وأستاذ الأدب العربي حينما سألته عن أحواله؛ ولكن ربما كان “محمد” أقلّ صلابةً من غيره، نظراً إلى أنَّ مشاعره مرهفة بصفته شاعراً ولغويّاً.

غير أنّي حينما التقيتُ مع “عبد الله” الخرِّيج الجامعيّ وسألته عن أيامه، فقال لي: أنا أعمل الآن في سوق الهال في بيع الخضار…وهذا أفضل عمل استطعت أن أحصل عليه…وعندما سألته عن سبب عدم رغبته في الاستفادة من شهادته الجامعيّة. قال بسخرية مريرة: إنّ ما أُحصّله من مال في يوم واحد هنا يعادل الراتب الحكوميّ بناء على تعييني في وظيفة حسب شهادتي… الشهادة الجامعيّة أمر تافه وسخيف من الناحية الماديّة. وتابع قائلاً: لولا عملي في سوق الهال لتحطّمت حياتي كلّها، فقد استأجرت غرفة في إحدى العشوائيات بمبلغ قدره 200 ألف ليرة سورية، وأسكن فيها أنا وزوجتي وابني، فعملي في سوق الهال يسهّل عليّ الحصول على الطعام، فالخضار يعطيني إياها ربّ العمل كجزء من أجرتي عن عملي معه، وهنا أتعرّف على أناس جَيِّدين من جيراني في المحلات المجاورة، فيمكن أن أشتري اللحم والحبوب والمنظِّفات وإلى ما هنالك بأسعار مقبولة مقارنةً مع غيري، لأنه بسبب العمل في مكان واحد توجد مراعاة لي من قِبَلِ التُّجار. وبعد أن سألته عن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي. قال: لقد اعتدنا أن تكون لنا عيون خفافيش، ولكن من أجل زوجتي وابني اشتريت بطارية درّاجة نارية، ومددت لها أسلاكاً ومصابيحَ مناسبة، مع شاحِنٍ كهربائيٍّ لها، والأمور تسير على ما يرام…وحاولت أن أفهم منه كيف يؤمّن التدفئة في منزله….ضحك بأعلى صوته وقال: هذا أمر نسيه الناس كلّهم، لقد بلغ سعر ليتر المازوت عشرة آلاف ليرة سورية في السوق السوداء، ولا يمكن لنا أن نشتريه إطلاقاً!! نحن نضع علينا فوق اللباس السميك أغطيةً تحمينا من البرد، ونبقى أياماً طويلة غير قادرين على الطبخ أو شرب أي مشروب ساخن، لأنَّ أسطوانات الغاز مفقودة، وننتظر دورنا أحياناً للحصول على أسطوانة غاز شهرين أو ثلاثة أشهر…وليس أمامنا أي حلّ، إلا أنه كنت قد اقتنيتُ أسطوانة غاز من الحجم الصغير يمكن تركيب قاعدة لشعلة اللهب عليها وأحياناً عندما يتوافر معي مال زائد أقوم بتعبئتها من أجل الطبخ؛ أما إذا لم يتوافر معي المال، فلا حول ولا قوة إلا بالله…ثم سألته: ماذا بالنسبة إلى الثياب والأحذية كيف تؤمّن لعائلتك هذا النوع من المتطلبات؟ فقال: عليك بـ”البالةِ” يا صديقي ففيها ألبسة أوروبية من أجود الأنواع، ولا يهم إن كان أصحابها الأصليون موتى أو أحياء، مرضى أو أصحّاء، فنحن نغسلها ونلبسها..

أما محمود وهو مزارع قويّ شديد البأس، فجاء كلامه غريباً عندما سألته عن طريقة تدبيره لأحواله المعاشية. قال: أنا أعيش في قرية جبلية عالية جداً، والبرد هناك شديد جداً يكاد يفتك بالمرء، ولذلك أذهب قبل حلول الشتاء إلى الأحراش المجاورة لقريتي وأحفر في الأرض بحثاً عن جذور الأشجار، لأنه لم تبق جذوع وأغصان أشجار على الإطلاق، إذ بسبب حاجة الناس إلى التدفئة تم القضاء على غابات بأكملها. المهم أني أحفر بحثاً عن الجذور العميقة للأشجار مدة طويلة حتى أجمع ما أستطيع جمعه وأقوم بتخزينه من أجل برد الشتاء. كما أقوم بزراعة قطعة الأرض الصغيرة قرب منزلي في الصيف بأنواع مختلفة من الخضار، وتقوم زوجتي بتخزين ما يمكن تخزينه منها بعد تعريضه لأشعة الشمس. وقد قمتُ بتربية الدجاج في “قُنٍّ” قربَ منزلي، فيمكن أن أحصل على اللحم والبيض في بعض الأحيان وليس دائماً. ويهمني أن أخبرك عن أمرٍ هو أنني أذهب في موسم صيد الأسماك إلى بعض سدود المياه القريبة من قريتي، واصطاد ما أقدر عليه من أسماك وأقوم ببيعها للناس في قريتي، لأنهم غير قادرين على شراء لحم الدجاج والضأن والأبقار، وهكذا أحصل على بعض الدَّخل الماديِّ. كما أنني أذهب في موسم قطاف الزيتون إلى بعض القرى لأعمل عند بعض مالكي أشجار الزيتون، فأحصل على ما يكفيني من ثمار الزيتون والزيت كأجرة لي على عملي في قطاف الزيتون…وإذا توقفت عن العمل بهذه الطريقة سأعجز تماماً عن الاستمرار في الحياة…

أما “شادي” وهو طالب جامعيّ، فقد أخبرني أنه متزوج وعنده ثلاثة أبناء، وهو يعيل أمه، بسبب موت والده…أشار إلى ثيابه وقال لي: انظرْ هل هذا لباس يليق بإنسان؟ إني أعمل، ليلاً ونهاراً، من أجل الصمود في الحياة، فأنا الآن ملتزم بالعمل في “كشك” على الشارع وأبقى موجوداً فيه طوال الليل، أبيع للعابرين التبغ والكحول وإلى ما هنالك. وأعمل في النهار في “العتالة”. نعم أذهب إلى أي مكان فيه هذا النوع من الأعمال، وأحمل على ظهري الأشياء الثقيلة من مختلف الأنواع من أفران وبرادات وغسالات…وما إن أنتهي من العمل في “العتالة” وألبث قليلاً في المنزل حتى يأتي موعد ذهابي إلى الكشك؛ غير أني أكون سعيداً لأنَّ زوجتي قادرة على طبخ وجبات مقبولة وهي تعطي لأمي حصتها منها كلّ يوم…وتابع قائلاً: ماذا في مقدوري أن أفعل أكثر من ذلك؟ إني أفعل كلّ ما في وسعي من أجل البقاء حيّاً مع أمي وزوجتي وأبنائي…ولكن كلّ ما أجنيه من مال لا يسد الرمق، فالأسعار مرتفعة جداً ولا يمكن الاستمرار على هذا النحو…إنَّ الفقر ينخر في عظامي وروحي…وهناك أناس يقبعون في شققهم الفاخرة مثل الرخويات في قواقعها دون أن يكترثوا بمعاناة الناس.

ودّعت شادي ودخلت في صمت عميق، متفكِّراً في هول المعاناة التي يمرّ فيها السوريون، ولكن يمكن هنا أن نكتشفَ بنيةً عميقةً ومباطنةً موجودةً في الإنسان بصفته إنساناً، وليس في الإنسان السوريّ وحدَه، وهي أنَّ الرجوع إلى “البدائيّة” بالمعنى الأنثروبولوجيّ قد يصبحُ حلّاً لمشكلة الإنسان في أزماتٍ معيّنة، أي أنَّ الإنسان السوريّ هنا في أزمته عاد إلى مواجهة الطبيعة بأساليب بدائية ولكن مبتكرة، عوضاً عمّا خسره من تقنيات حضارية حديثة، ولذلك تحوّل الإنسان السوريّ من تحديد هربرت ماركيوز للإنسان، بصفته ذا بُعدٍ واحد، ويقصد منه البُعد الاستهلاكيّ في المجتمعات الصناعية الأوروبيّة التي تمَّ تصديرها في نسخ مشوّهة إلى عالمنا العربيّ، إلى الإنسان الذي يمتلك “فكراً بريّاً” على حدّ تعبير كلود ليفي ستراوس؛ ولكن الفكر البريّ هنا هو فكر أعمق مما حدّده ستراوس نفسه، فهو ليس فكر القبائل البدائية القائم على الأسطورة والسحر والوثنية وطقوس الصيد في المجتمعات الأوليّةِ على نحو يكوِّن بنيةً ثقافيّة مخصوصة تضاهي، إنسانيّاً، في رأي ستراوس بنيات المجتمعات الأوروبية المعاصرة؛ بل أصبح الفكر البريّ هنا في سوريا محاولة لإعادة تجديد الذات في ظروف أشدّ صعوبة من الظروف التي يمرّ فيها البشر البدائيون، فما تزال، مثلاً في الأمازون، الأراضي والمياه والهواء تعجّ بأنواع متعددة من الحيوانات والأسماك والطيور، وبكلمة بالنسبة لقبائل الأمازون البدائيّة توجد عندهم المصادر الأساسية للحياة، لأنهم لم يعتادوا على أنماط الحياة الحديثة، لذلك هم متكيّفون تماماً مع واقعهم.
أما الإنسان السوريّ، فإنّه فَقَدَ وسائل الاستمرار الحديثة من أجل البقاء، ولا توجد حوله طبيعة غنيّة بأسباب الحياة. من هنا أصبح الإنسان السوريّ نوعاً جديداً غير الإنسان الأوروبي المعاصر وغير الإنسان البدائي. إنّه مزيج من كليهما، ولذلك لا بدّ من أن ينبثق من أعماقه ما يسمّيه نيتشه “الإنسان الأعلى” من أجل تغيير هذا الواقع الشائن، هذا الواقع الذي يتجه بكلّ قواه إلى تحويل شعب ابتكر للعالم أول أبجدية في التاريخ إلى شعب بدائي يعيش في “مجتمعات غير كتابية”، على حدّ تعبير ستراوس نفسه.

ملف حول “إرادة المقاومة اليومية في سوريا لدى المواطنين العاديين”

ملف حول “إرادة المقاومة اليومية في سوريا لدى المواطنين العاديين”

تُعنى مجلة صالون سوريا الإلكترونيّة في الوقت الراهن بإعداد ملفّ يتناول حياة السوريين اليوميّة، ويتكوّن هذا الملف من موادّ صحافيّة يقدّمها باحثون من مختلف الاختصاصات، وستكون المنهجيّة المُعتمدة ذات أبعاد ميدانية استقصائيّة من أجل استطلاع آراء عينات من الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية؛ ذلك من أجل الكشف عن آليات مقاومة الظروف القاهرة من انقطاع للتيار الكهربائي أكثر من عشرين ساعة في اليوم في غالبية أنحاء سوريا، والنقص الكبير في مياه الشرب، وتوقّف المواصلات بسبب فقدان الوقود، والنضوب الشديد في المحروقات، ومعاناة سوء التغذية، والتعرّض للبرد القارص، وغياب الخدمات الطبيّة والصحيّة، وإلى ما هنالك من ظروف لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً؛ إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

أصبح الإنسان السوريّ ضحية لحصارين: داخلي وخارجيّ؛ غير أنه استطاع التكيُّف مع أوضاع لا يمكن أن يوجد ما هو أسوأ منها في العالم الآن، من هنا جاءت المواد الصحافية من أجل التعمّق في فهم كفاح شعب بأكمله من أجل الانبعاث من الرماد، ولذلك جاءت محاور الملف على النحو الآتي:

أولاً-استقصاء آراء عينات من المجتمع السوري في أسباب معاناتهم الدامية أكثر من عقد من الزمان؛
ثانياً-استطلاع وجهات النظر فيما يتعلّق بابتكار أساليب إنقاذية للحياة على مستويات مختلفة؛
ثالثاً-البحث عن تحديد خطر التأثيرات النفسية المرضية في الأطفال بسبب قسوة الظروف الحياتيّة: التوحّد-السايكوباتية-النرجسيّة-اضطراب الشخصيّة الحدّيّة وإلى ما هنالك؛
رابعاً-اكتشاف طرق تأمين الطعام والشراب والعلاج والتدفئة والنظافة الشخصيّة والعامة، وكل ما يتصل بالحياة اليومية؛
خامساً-دراسة الواقع التربويّ بأبعاده المختلفة؛
سادساً-تحليل سوية التعليم الجامعي بمرحلتيه الدنيا (الإجازة) والعليا (ماجستير ودكتوراه).
سابعاً-البحث في واقع العمال والفلاحين والحرفيين؛
أخيراً-استقصاء آراء العاطلين عن العمل.

عناوين المواد المنشورة ضمن الملف:

أن تعيش في هذا الموات: السويداء المُهَمَّشة

نهر عيشة.. حياة مزدحمة بالفقر والصّبر!

دمشق: أزمات متواصلة وحلول غريبة للبقاء على قيد الحياة

عندما يصبح الاستحمام قضية رأي عام

حيلٌ ومحاولاتٌ لمقاومة الفقر والجوع

عن مقاومة العجز اليومي في ريف حماه

الرقص الشعبي في إدلب… الفرح رغماً عن الحرب

الرقص الشعبي في إدلب… الفرح رغماً عن الحرب

غطاء رأس يُعرف محليا بالـ”الحطة”، وهو غالباً مصنوع من الحرير البلدي، تحته القميص القطني المزيّن بتطريز الأكمام مع الياقة، و فوقه الصدرية، يليها من الأسفل الشروال الفضفاض، والشال العجمي الذي يشد على الوسط، وفوق كل هذا اللباس هناك المعطف “الملتان”، والجوارب البيضاء والحذاء أو ما يعرف ب”الكسرية”، والمحارم باليد، بهذا يكتمل أحد أزياء الرقص الشعبي الإدلبي، والذي اختاره مصطفى أبو محمود، وهو شاب ثلاثيني من أبناء بلدة سرمين بريف إدلب، لأعضاء فرقته المتخصصة بالرقص الشعبي العربي.
يقول أبو محمود لـ”صالون سوريا” إن فكرة تأسيس فرقته والتي تحمل اسم “شباب سرمين لإحياء التراث”، هو حلم يراوده منذ صغره، عندما كان يرافق جده لتدريبات وحفلات الرقص، وجده كان مؤسس فرقة أصيلة للرقص العربي أيضاً.

ويضيف أبو محمود “بدأ مشروع الفرقة بجمع أعضائها، والذين بلغ عددهم اليوم تسعة، وهم شباب يجمعهم حبهم وشغفهم للرقص، وكل من انضم للفرقة كان لأبوه أو جده باع طويل في أداء الرقصات العربية، فهي تراث الأجداد يتوارثه الأبناء”.

وترفض فرقة أبو محمود تقاضي أية أتعاب أو تعويضات من الحفلات أو الأعراس التي تحيها، لأنها “تعمل من أجل المحافظة على الإرث” بحسب قوله.

و تلبي الفرقة دعوات والحفلات والأعراس التي تقام بحضور فرق غنائية دينية أو طربية، وبعد انطلاقها بأشهر عدة حققت الفرقة انتشاراً ملحوظاً في المنطقة، لا سيما مع فترة هدوء نسبي تعيشه إدلب؛ ما أسهم في انتعاش الحفلات والأعراس.

وتتنوع الرقصات بحسب الإيقاع والألحان، فمنها “الشيخاني والقوصرة والقبا” وغيرها، وكلها رقصات قديمة يحافظ عليها، بالتدريب المتواصل مع أعضاء فرقته.
وتعد الشيخانية أبرز الرقصات الشعبية في محافظة إدلب، وهي تؤدى في الأفراح والأعراس والمناسبات العامة والخاصة على إيقاع الطبل والزمر، ويرافقها المبارزة بالسيف والترس، كما يقال أن لفظة الشيخاني جاءت من أن من كان يرقصها هم الشيوخ والزعماء وكبار الحارة.
أما رقصة “القبا” وتعني الرزانة والجلال، ويسميها الأهالي السلطنة على نغمات القبا السبعة التي يفتحها الزمر أو المجوز، ويكون السيف في هذه الرقصة حاضراً، ثم يرقص المؤدي به مع الإيقاع التي يحددها الطبال، يمنة ويسرة، وببطء شديد، وهو يتمايل على البلاطة التي هو عليها في مكانه، ثم يأخذه أمام وجهه، وتحت ذقنه ثم إلى اليسار، ثم يهوي به ببطء شديد إلى الأرض وهكذا، وقالوا عنها: “القبا في ملعبا ريحة عطر… جمعت طرب دنيا العرب نغمة وشعر… أو لا لكا بالمعركة طل النصر… ترقص قبا بالمركبا وبعد النصر”.
ولكل عضو بفرقة الرقص دور محدد فمنهم من لديه مهارة بالرقص بالسيف، أو بالأداء المنفرد أمام الفرقة، أما القائد فهو كما يقال باللغة الدراجة فإنه “يمسك ع الأول”، أي يقف في بداية الصف ممسكاً منديلاً بيده ملوحاً فيه، وموجهاً لباقي الفرقة، وهو من يشير بحركة من قدمه لباقي الأعضاء لتغير الرقصة والانتقال مع اللحن بحركات رشيقة متناسقة.
على مدار الأسبوع يجري أبو محمود مع فرقته التدريبات، والتي تزيد في مواسم انقطاع الأفراح للمحافظة على اللياقة والانسيابية في أداء الرقصات.
وفي أغلب الأحيان يرافق فرقة الرقص قارع الطبل، لمجاراة اللحن والكلمات التي يرددها المغني، كما تحرص الفرقة على ابتكار رقصات جديدة من اختلاف النغمات لتواكب الألحان الجديدة، ويتميز الرقص العربي بالرقصة العربية الثقيلة، والخفيفة، والغزاوية، والولدة، بحسب الحاج أبو نجيب الذي كان عضواً في فرقة للرقص في شبابه.
لم يدخل أبو نجيب مدرسة لتعليم الرقص، وإنما تلقاه عن أبيه عن جده، فكما يقول “الممارس غلب الفارس” في إشارة لتدريبه المستمر وحرصه على حضور الحفلات ومراقبة الراقصين.

ويقول أبو نجيب لـ”صالون سوريا”: “إن الثقيلة هي رقصة رباعية ذات حركة بطيئة، وتبدأ بالرجل اليمنى مع اليد اليسرى، وتنتهي بالرجل اليسرى مع اليد اليمنى، والرقصة العربية الخفيفة، وتبدأ بعد الموال مباشرة، ولكن بحركة أسرع قليلًا من الثقيلة”.

ويتابع أبو نجيب وهو يمسك بعصاه الخشبي، ويمسد شاربه الأبيض “أما الغزاوية، فهي رقصة سريعة الحركة تحتاج إلى نشاط الشباب لتأديتها، نحنا راحت علينا”.
من جهته يؤكد أبو حسن، وهو رجل أربعيني من سكان مدينة إدلب، أن العرس لا يحلو إلا بالرقص، ويشرح بأن المكان الذي يجرى فيه الفرح يجب أن يقسم لحلقات بحيث يجلس كل عشرة أشخاص تقريباً مقابلين لبعضهم، وعندما تبدأ الألحان تعزف يقوم الناس للتمايل على أنغامها برقصات متقنة أحياناً ومرتجلة حيناً آخر.
“ويمشي العريس برفقة أقربائه وهم يتمايلون مع أنغام الموسيقا بين الحضور طالبين منهم مشاركتهم الرقص والفرح” بحسب قوله.
إلا أن الفرق المتخصصة بالرقص، تتميز بزيها الموحد ودعوتها الخاصة لمكان الرقص الأول الذي يكون أمام فرقة الإنشاء والغناء، والتي بدورها تطلب فرقة الرقص للحضور بالقرع المتواصل على الدف والطبل مع مقولة “جماعة العربي عالساحة”، أو على ألحان وكلمات أغنية “قوموا نرقص عربية ونورجي هل العالم فنّا، نحن شباب زكرتية.. خلقت هل الرقصة إلنا”.


 

رغم الحرب.. سوريون يتسابقون لدخول غينيس

رغم الحرب.. سوريون يتسابقون لدخول غينيس

الساعة الثانية ليلاً لكن الضوء مازال يعمل في غرفة لمى، والألوان منتشرة في المكان، بينما تعمل بجد محاولة الانتهاء من لوحتها الضخمة التي قررت تنفيذها لتكون صاحبة رقم قياسي وتدخل سجل غينيس، في وقت تعاني بلادها من أوضاع اقتصادية صعبة وظروف معيشية سيئة للغاية، لكن ذلك لم يمنع الشابة العشرينية من الحلم.

لمى مع لوحتها

ليال طويلة عملت فيها لمى على لوحتها خلال خمسة أشهر بالتوازي مع دراستها في كلية العمارة، لتنجح في النهاية من انجاز لوحة ضخمة برسم الماندالا أبعادها 488 ضرب 488 تضم عدداً كبيراً من الدوائر المتداخلة بالإضافة للدوائر الحرة، ولتتمكن في تأمين هذه المساحة الضخمة قسمت اللوحة إلى أربعة أرباع، في كل ربع يوجد دائرة مشابهة للدائرة الموجودة في الربع الآخر كي تكون متكاملة، فضلاً عن وجود دائرة في المركز تعتبر قلب اللوحة، كما يوجد خطوط انسيابية تربط بين الدوائر.

الفكرة بالنسبة للمى كانت نوعاً من التحدي، لكنها دخلته ونجحت به، ثم كانت الصعوبة الأكبر بالحصول على اللقب، وإقناع غينيس بأن عملها حقيقي خاصة مع عدم وجود مندوبين للسجل في سورية، وتشرح لمى ”المراسلات كانت معقدة واحتاجت عملاً طويلاً، وفي كثير من الأحيان كنت أشعر بالإحباط وأظن بأن حلمي لن يتحقق، لأن الموضوع استغرق حوالي السنتين حتى حصلت أخيراً على الرقم القياسي العالمي ونلت الشهادة الدولية“.

لمى تعرف أن الرقم لن يقدم لها أي إضافة مادية، وربما لن يفدها بشيء في الوقت الحالي، لكنه معنوياً يعني لها ولمنطقتها، دير عطية، التي ساندتها خلال رحلتها ووقفت معها بكل خطوة وفرحت لفرحها.

وعن تعرفها على فن الماندالا وتعلمها له، تقول لمى ”الأمر يرجع لفترة الشهادة الثانوية، وللتخلص من الضغط المرافق للدارسة بدأت بتعلم هذا الفن والتعرف عليه، وكنت أشعر بنوع من الراحة النفسية كلما نفذت عملاً، لهذا قررت البحث في هذا الفن الهندي أكثر، والتعرف على تقنياته وقررت التخصص بفن الـ “Dotmandala” أو التّنقيط النّافر، لأنه أقل انتشاراً، فتدربت عليه بشكل جيدٍ حتى أنجزت لوحتي الضخمة بهذا النوع من الفن“..

صائد غينيس

من جهته لم يكتف محمد فيضو، وهو من اللاذقية، برقم واحد، إنما حصد حتى اليوم أربعة عشر رقماً، وينوي الوصول إلى عشرين رقم قياسي خلال حياته. 

اختار فيضو المجال الرياضي و بدأ بالتدريب من عمر السبع سنوات، ليحصل على العديد من الجوائز والبطولات المحلية، ولشدة تعلّقه بالرياضة كان يتدرب لعشر ساعات يوميا، بشكل منظم ومكثف، الأمر الذي دفعه للتفكير بالحصول على لقب عالمي، فنجح في عام 2021 من دخول سجل غينيس ست مرات، وثمان مرات في سنة 2022.

يقول فيضو وهو طالب كلية تربية رياضية ومدرب كمال أجسام ولياقة بدنية، لـ“صالون سوريا“، ”أنا متفرغ لغينس، ورغم عدم نيلي لأي تكريم أو تمويل محلياً، لكنني أصر على تسجيل الأرقام، وهو تحدي مع نفسي وشيء مهم بالنسبة لي، كما أن الأرقام القياسية هي هدف أحققه لنفسي، ولا أنتظر أي شيئ من أحد“. ويشير فيتو بأن الحصول على أول لقب احتاج منه جهداً ليفهم آلية تقديم الطلب بشكل صحيح، وطريقة التوثيق، وللوصول لهذه المعرفة قدم عدة طلبات فاشلة، ولكنه أدرك الطريقة صحيحة لاحقاً.

أول رقم سجله كان تمرين الضغط الجانبي بـ93 ضغطة بدقيقة واحدة، محطماً الرقم السابق لألماني بـ 55 ضغطة بدقيقة واحدة”، وآخر رقم سجله كان الضغط على القبضة مع وزن 100 باوند بـ 81 ضغطة بثلاث دقائق، والرقم السابق كان لرياضي استرالي بـ 70 ضغطة بثلاث دقائق.

ومن الأرقام التي سجلها ضغط مع رفع رجل واحدة مع وزن 100 باوند بـ51 ضغطة بدقيقة واحدة، والرقم السابق كان لباكستاني بـ42 ضغطة بدقيقة واحدة”، و سكوات مع القفز للأعلى مع وزن60 باوند بـ44 تكرار بدقيقة واحدة، وكان الرقم السابق صيني بـ34 تكرار بدقيقة واحدة”.

رقمان وأحلام جديدة

وفي المجال الرياضي أيضاً تمكن الشاب يزن صالح من مصياف من تحطيم رقميين قياسيين في سجل غينيس آخرهما كان تنفيذ 222 حركة “سكوات” خلال دقيقتين و58 ثانية، وبذلك كسر صالح الرقم السابق البالغ 206 حركة خلال 3 دقائق، أما الرقم الأول الذي ناله فيرجع لتمكنه من جر سيارة دفع رباعي تزن 3 أطنان لمسافة 100 متر، وهذه التجربة نفذها في جامعة تشرين أمام حضور كبير.

يزن مع شهادة غينس

يقول صالح (٢٣ عاماً) ”أنا كبقية من سجل أرقام قياسية في سورية، لم أنل أي دعم أو تبني، كما أنني أواجه صعوبات عديدة لأتمكن من نيل اللقب، فالسجل يطلب شروطاً صعبة للتوثيق، وقد كلفتني تجربتي الأولى قرابة المليون ليرة سورية لأتمكن من توفير التصوير المناسب، وفي المرة الثانية نفذت التحدي تحت إشراف نادي حطين الراضي كوني مدرب لياقة في النادي، وهذه الرعاية وفرت علي مصاريف التوثيق“.

 ويزن يدرس اليوم في كلية التربية الرياضية وهو بطل جمهورية بألعاب القوى (وثب طويل وثلاثي و٢٠٠ متر)، وبطل جمهورية بالقوس والسهم، بدأ الرياضة بعمر الخمس سنوات، نال خلال مسيرته الرياضية 53 شهادة محلية ودوليه، واليوم يحضر للقب جديد، ويقول عن سبب إقدامه على هذه التحديات ”الموضوع هو تحد شخصي في ظل الظروف الصعبة في البلد، والدعم شبه المعدوم للوصل إلى العالمية بأقل الإمكانيات“.

غينيس لحائط مدرسي

 وفي دمشق تمكن حائط مدرسي من الحصول على لقب في سجل غينيس عام 2014، بفضل لوحة فنية نفذها عدد من الفنانين التابعين لوزارة التربية، استعان الفنانون بمخلفات قاموا بإعادة تدويرها، وصمموا من خلالها لوحة فنية باتت مَعلماً في منطقة المزة.

الحائط الملون صُنع من أغطية عبوات بلاستيكية أو فناجين مكسورة أو بقايا صحون وغيرها. الفنان موفق مخول المشرف على مجموعة ”إيقاع الحياة“، التي رسمت اللوحة يقول إن مساحتها تتجاوز الـ 720 مترا مربعا، وقد نالت لقب أضخم جدارية على مستوى العالم، تم تنفيذها من بقايا “مواد بيئية“.

استغرق تنفيذ هذه اللوحة حوالي الستة أشهر، وكان الهدف منها ”نشر الفرح بين الناس والفن، وتحويل الجدران الصماء الشبيهة بجدران السجن لجدران تنبض بالحياة، لتواجه ظروف الحرب التي تعاني منها البلاد، وفي الوقت عينه تشجع الأطفال على الحفاظ على البيئة واعتماد مبدأ إعادة التدوير“ بحسب قوله.

وعن كيفية دخول اللوحة لسجل غينيس أشار مخول لـ“صالون سوريا“ إلى أن ”دارم طباع -ولم يكن حينها وزيراً للتربية- راسل (غينيس) عن طريق الإنترنت، وعرض عليهم الفكرة فشجعوا الأمر، وطلبوا صوراً وفيديوهات لتوثيق التجربة، وتمكن الفريق من نيل اللقب خلال ثلاثة أشهر من انتهاء اللوحة.“

 وشارك في تشكيل اللوحة كل من الفنانين: صفاء وبي، رجاء وبي، علي سليمان، ناصر نبعة، حذيفة العطري، والمساعدين: عدنان العبدالله، حسين مصطفى، محمود السبينة.

 النّدابة.. قرباطية تؤجر حزنها لتبكي أمواتاً لا تعرفهم 

 النّدابة.. قرباطية تؤجر حزنها لتبكي أمواتاً لا تعرفهم 

هاتف ليلي لأحد الأصدقاء في العام ٢٠٠٩، دفعني لمشاركته رحلة سفر نحو واحدة من مدن ريف حمص الشرقي، وطيلة الطريق الذي استغرق نحو ست ساعات تقريباً، كان الحديث يعود باستمرار لسيرة عم صديقي الذي توفي بحادث سير ناجم عن القيادة بسرعة تحت تأثير الكحول. كان المتوفى عائداً من سهرة في أحد الملاهي الليلية وترافقه راقصة تحمل جنسية إحدى الدول المغاربية.

 لم يكن هذا الحديث معتاداً بالنسبة لي، فهو عكس ما تقوله القاعدة المعروفة “اذكروا محاسن موتاكم”، فصديقي ذاك كان يوغل في نبش الحكايا السيئة عن عمه الذي يصرف مبالغاً طائلة على ملذاته، فيما يبخل على أسرته بالمصروف، وهو رجل يعمل بـ “الربى”، فلا يُعطي مالاً بدون فائدة حتى لأقاربه المقربين، وعموم ثروته كدسها من سرقات من القطاع العام، حينما كان مسؤولاً في مؤسسة حكومية بحمص تُعنى بإنشاء مباني المشروعات. بدا لي هذا الرجل بغيضاً من خلال حديث ابن أخيه الذي أجبر على حضور العزاء من باب الواجب العائلي، إلا أنه صدمني بجنازته.

الدهشة الأولى

سار موكب الرجال يحمل النعش بخطى ثقيلة، وفي الخلف نسوة تتقدمهن مسنة تبكي الميت بحرقة، وتردد جملاً توحي بأن ما قصّه صديقي عن عمه كان كذباً، خلف المرأة نسوة يبكين بحرقة أيضاً، فيما بقية النساء يمشين بهيبة ووقار دون إبداء الحزن الشديد.

سألت صديقي عن المرأة التي كانت تبكي بحرقة وتندب الميت بكلام مقفى، قلت له “هي شاعرة”، فرد “كل الندّابات شاعرات”، صُدمت ولم استوعب الجملة التي قالها، وبعد انقضاء الدفن والعزاء، سألته عن مدى قرابة المرأة لعمه، فقال ببساطة «قلت لك هي ندّابة، قرباطية تبكي مقابل مبلغ متفق عليه سلفاً»، والصدمة أن كل النساء اللواتي بَكَين عمه في التشييع كنّ من القرباطيات اللواتي يحضرن مثل هذه المناسبات ليبكين نيابة عن نساء العائلة.

خلال عملية بحث عن «القرباط» في محيط العاصمة السورية دمشق، كان مشهد الندّابات هذا يقفز من الذاكرة. تحاول سميرة التي قاربت العقد الخامس من العمر، و تعمل بهذه المهنة من سنوات أن تجيب عنه، وتقول لـ“صالون سوريا“: ”المرة الأولى التي شاركت فيها بتشييع ميت كنت بعمر السادسة عشرة، حينها خرجت ملتفحة بالسواد برفقة مجموعة من نساء المخيم الذي كنت أعيش فيه مع أهلي، صعدنا في صندوق سيارة “بيك آب”، أرسلها ذوي الميت آنذاك، وكنّ مشغولات بالغناء في طريق الذهاب، وبعدّ المال والحديث عما شهدناه في العزاء من كرم أو بخل أو تصرف نسوة آل المتوفى في طريق العودة“.

وتشير سميرة إلى أن جدتها كانت تسأل “حين وصولنا عن اسم الميت ولقبه فقط، لتبدأ بعدها بإلقاء ما تحفظه من رثاء سواء كان شعراً أو أغانٍ، ولحرقة بكائها كنا نبكي معها، وكأننا نبكي على حالها“ بحسب قولها.

حكايا لحزن مفترض 

في ثمانينيات القرن الماضي كانت جدة سميرة تتقاضى ٥٠ ليرة كاملة عن الندب على ميت لا تعرفه، وتحصل النسوة التي ترافقنها على مبلغ ١٠ ليرات لكل منهن، زاد المبلغ في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي  ليصبح ١٢٥ ليرة للندابة، وخمسين لكل من ترافقها، ويُحدد عدد المرافقات وفقاً لطلب ذوي الميت.

أما خولة، فقد كانت أولى مشاركاتها في عملية الندب في أوائل التسعينات، حينها خرجت برفقة أمها لعزاء بريف حمص الشرقي أيضاً، وكان الميت وفقاً لما تذكره مختاراً لقريته، وكان ذوي المختار كرماء، فحصلت كل النساء اللواتي رافقن أمها على مبلغ ٢٥ ليرة كـ “إكرامية”، أو “بقشيشاً”، فيما حصلت أمها على ٢٠٠ ليرة كاملة، فقد بكت حينها بحرقة وكأنها أم الميت أو حبيبته،.

من جهتها تروي خلود لـ ”صالون سوريا“: ”كانت أمي تعمل كحفّافة، أي تقوم بتزيين النساء وإزالة الشعر من وجوههن باستخدام الخيط، ولأنها ذات صوت جميل كانت النسوة يمنحنها وقتاً إضافياً لتغني لهن مقابل بقشيشاً تحصل عليه بعد إنهاء حفلة التزيين، ولم تكن معروفة كندّابة، إلا حين رغبة ذوي أحد الموتى باستقدامها لتندب في عزائهم“، ولا يوجد لدى «القرباط»، تفسير لسبب احتياج سكان القرى لهم في مثل هذه المناسبات إلا بكون ذوي الميت يريدون أن يتباهوا حتى في حزنهم.

عن عمرها تجيب خلود ”مثل ما أذكر ٦٥ سنة“، أما عن الندب فتقول “لا أذكر أن ثمة من طلب نساءً للندب في عزاء منذ عام ٢٠٠٥، كان وقتها ضمن عزاء بقرية في ريف حماه الشرقي، حينها استقلينا السيارة لمدة تزيد عن ساعة لنصل للقرية، وتقاضينا حينها مبلغ ١٥٠٠ ليرة سورية لكل منا، وكنا عشر نسوة، والطريف في الأمر أن النساء اللواتي كنّ يندبن خلال عزاء الميت، وما إن يعدن لثيابهن المزركشة بعد انقضاء المهمة، ليمارسن حياتهن الاعتيادية“.

وفي صباح اليوم التالي سيكون موعدهن لشرب كأس من الشاي أمام إحدى الخيام، ليتشاركن أسرار النساء الحاضرات من أقارب ومعارف الميت، وضمن هذه الجلسة يسخرن من “نساء الحضر“، اللواتي يبدين نوعاً من التحفظ في الاختلاط مع الندّابات لكونهن ”قرباطيات – نوَريات“، وما يثير سخرية الندّابات أكثر هو إنهن يبكين نيابة عن أولئك النساء.

وتردد الندّابات، كل ما يحفظنه من قصائد الرثاء المكتوبة شعبياً، وهي مستقاة من بيئة المنطقة التي يقع فيها هذا المخيم أو ذاك، وغالباٍ ما تكون جملاً من الموروث الشعبي للمنطقة، وتستذكر ونس، بعضاً من جمل جدتها في حالات الندب المأجور ومنها “وشربت من ميهم قطّع معاليچي.. بموتك شلون يبل الوگت ريچي“، ومعناه أن الراثية تسأل المرثي بعد أن شربت من ماء الغرب وتقطعت أحشاؤها وجعاً، كيف سيرويها الزمن..؟!.

أكثر ما كان يهم الندّابات هو قطع اللحم التي يحصلن عليها كحصة من الذبائح التي ينحرها أصحاب العزاء لتكون وليمة لضيوفهم، ويعدن محملات بخبز الصاج الطازج.

ويُعرف عن القرباط عملهم في مهن ”تبييض الأواني النحاسية – تركيب الأسنان المعدنية – لحام أغطية صفائح تخزين الجبن – الطب العربي – الختان“، التي يمارسها الرجال، ذات المردود المنخفض، وهم يعتمدون على ما يحصلون عليه من ”إكرامية“ وهي تتنوع بين المال أو المواد العينية من قمح أو عدس أو ثياب مستعملة، والحال مثله للنساء اللواتي يمارسن في الحياة الاعتيادية مهناً مثل الحفّافة – الونّاسة (ترافق سائقي الشاحنات لتبث لهم الونس بالغناء والحكايا) – الدگاگة (ترسم وشوماً للنساء) – الحچية (امرأة تغني في خيمة ذويها لمن يحضر من زبائن)، وسواها من المهن الأخرى، وتعد عادة المشاركة في ندب ميت ما، ”رزقة“، لم تكن تأتِ كل يوم..

عن هذه المهن تشرح ميادة، لـ ”صالون سوريا“، ”ليس للموت موسم، ونساء القرباط يعتمدن في بعض المهن على الموسم، فـالحفّافة، تطوف بشكل مستمر لتلتقط رزقها، لكنه كان يزيد في موسم الأعراس في القرى، و الدگاگة، كانت تَشِم للنساء بعد موسمي حصاد الحبوب وقطاف القطن، ويزيد عمل الحچيات بعد المواسم لأن جيوب الرجال تمتلىء، لكن الندّابات، وهن غالباً من كبيرات السن اللواتي اعتزلن العمل، ينتظرن عزاء ليلطمن فيه، والتعازي لا تحدث كل يوم“.

تضيف المرأة الستينية التي تخاف من العودة للخيام: “الآن لم يعد ثمة ندّابات، الناس تعودت على كثرة الموت ولم يعد للعزاء ذات الطقوس التي كانت سابقاً، كما إن الناس لم تعد تجد خيامنا، فكل سكان مخيمات القرباط إما استقروا في المدن أو بالقرب من مخيمات النازحين، وفي كل الأحوال بات التسول مهنة غالبية النساء والأطفال، فيما يعمل الرجال في مهن مثل بيع الدخان أو جمع القمامة أو بيع المشروبات الساخنة“.

التسول.. كمصير

في ساحة المرجة تجلس سمر، وهي في العشرين من عمرها، مع والدتها السبعينية على كرسيين لشرب كأس من الشاي خلال فترة الظهيرة للاستراحة من التسول. وتستأجر سمر مع أسرتها المكونة من ١٤ فرداً غرفتين في فندق قريب بأجر يومي يصل إلى ٢٠ ألف للغرفة الواحدة، وهم جميعاً يتسولون لجمع مبالغ تكفي لمعيشتهم وفقاً لتعبيرها.

وتبوح أم سمر، التي أنجبت ابنتها في مخيم شرق العاصمة، قائلة: “كل نساء القرباط كن يحلمن ببيت طبيعي بدل الخيمة، الرجال هم من كان يتحكم بقرار الحل والترحال للقبيلة تبعاً لموسم العمل وشكله، لم يكن ثمة مستقر، وغالباً ما كنا نرحل ليلاً، فيستفيق الناس في مكاننا القديم على اختفائنا المفاجئ، فيما يستفيق سكان أقرب منطقة من المكان الجديد لمخيمنا على مفاجأة وجودنا، كان البعض يجبرنا على الرحيل خوفاً مما يسمعونه عنا من إشاعات، فالبعض يظن أننا نخطف الأطفال، والبعض يعتقد أننا نعمل بالدعارة، وتهم أخرى مثل ممارسة السحر والسرقة وما إلى هنالك“.