بواسطة Ahmad Hafez | يونيو 9, 2020 | Poetry, غير مصنف
” بعد أن تَسقط الفراشة، يختلج اللَّهب قليلاً ثم يشبُّ. قشعريرةُ الندمِ تمرينٌ منشِّطٌ لكلِّ قاتِل.”
مزّقتُ الصفحتين. إنّ ما أكتبه قُرب الموقد بعيدٌ عن الشِّعر بُعدَ المتنزّهِ عن الغريق.
نُسقى العتمةَ بجرعاتٍ دقيقة. تتوسع الأحداق لتلبّي وظائفَ أخرى غير الرؤية. نحوم حول النيران لا لنَدفأَ بل لنطارد الأخيلة ونراقص أنسام الذكرى. تَخْدَرُ أيدينا بين الأزرار والشاشات كي نَقْنع أنّ الجلوس ارتحالٌ والظلامَ معرفة. تكتسب أصواتنا، يوماً بعد يوم، بحّةَ الأسرى الرتيبة، مترددةً في المجال المتوسط بين غمغماتِ الناجين من الزلزال وصراخِ المجروفين بالسيل.
تخجلنا الفرحة حين يعود التيّار، نكاد من شدة التقوّس أن نسجد لوليِّ نعمة الكهرباء. نكتشف أن أيامنا مقسومة بين شوطين: التزاحم على الخروج من الكهف كي نلعن وحشتَه، والتباري على العودة إليه لإكمالِ زخرفتِه.
ثم نتناسى. لدينا غرائز لا تلبَّى إلا في النور، وأخرى لا بدَّ من تأجيلها كي تستعر وتُسْكِر حين يعمُّ الظلام.
إننا مصفوفون على الحبال، مدهونون بكل ألوان الطيف. فلْيَعرِضْ محرِّكُ الدمى ما يشاء.
لكنْ. هناك، في الشارع، تحت المصابيح تصطخب الحقائق.
تَطمر الجبّالةُ آخِرَ بستانٍ، لينهضَ البرج مسوَّراً بالنباح، متباهياً بما جنتْهُ السياط.
يومئ الصائغ للسيدة الواقفة خلف الميزان أن تخلع إسوارةً أخرى، وهو يهاتف الشبحَ الممسك بخناقِ ابنِها.
تنهال الملامات على عامل الفرن لأنه انشغل عن تقليب الفطائر باستقبال من جاؤوا يهنئونه بماجستير الهندسة.
ستقول يا صديقي: ( إن هذا بعيدٌ أيضاً عن الشِّعر، إن الشعر كشفٌ للغامض وصبوةٌ إلى البعيد وارتقاءٌ للمطلَق.)
أزِحْ هذا السقفَ المطبق عن أضلاعي، واسرحْ ما شئتَ في براري الصوَر.
اغمرني بالنور، وهنيئاً لك اللَّهوُ بشبّابات الظلام.
جِدْ لي ينبوعاً أرتمي فيه، ومبارَكةٌ عليك مواويلُ الظمأ.
بواسطة Susan Ali | يونيو 1, 2020 | Poetry, غير مصنف
زجاجة
مومسٌ أنا
أصعد بيتي
بأنفاس مركب يغرق
اللسعات النيئة
الليل المغرم بالضحايا.
أيها الشمع الحر في موتك
هل أنرت لي هذه السلالم؟
في قلبي رجل ميت
وفي عيني أهلي
وها هو المهرّب العجوز
بسن منخور وشعر أحمر
يريد رقم جواز سفري كي أعبر
وأنا أريد أن أشرب
أريد أن ألبس
أريد أن أكتب.
أيتها الظلال المغشوشة
علميني كيف أصل النبع
وفي دمي ألف جثة
وألف إناء مكسور
علميني أيتها الأعماق
كيف أموت دون فقاعات.
أحبك أيها الليل المضني
وأحب رائحتي تحت إبطك
لكنني أريد ان أحبو
أن ألمس البهجة من جذورها
كيف تتسلق الضوء
ثم تتنشر دخانا رماديا بين الصخور….
الدمع البني
الخريف يقبلني
وفمكَ الإفريقي يقطع قرطي الأزرق.
كان للرصاصة مأوى في قلبي
ان للوسادة تفاح بين نهديَّ
وكان للجدران أم وأب يدقان صورهما مع لحمي
فأنا يتيمة ووحيدة وبلهاء
أفتح نافذتي لأعدائي، للمجانين
ثم أمرض من وجع الحنين.
الآن وأنا ألعق أصابع قدميكَ
وأنا أمارس الجنس مع دمعكَ البني
لم يعد في قفصي الصدري أثر للسنونو
والمناديل في ظهري ذابت مع صفير القطارات.
لقد تركتُ بيتي
وهجرتُ سيرتي قبل أن تصير قفلا
ودّعْتُ أصدقائي قبل أن يقتلوني
ورسمتُ سكينا في الهواء
وها هو المساء يا جسدي
طاولة خشبية تطل على الفناء
الفناء الذي أرغب أن يمحو ضالتي
بيوت وشجرة صنوبر
ورجل يحب أن يرى عيني بالأبيض والأسود.
انتظار
تعال إليَّ
أنا شهيةٌ هذا المساء
وأشعر بأن القمر بين فخذي
يضيء دون دموع.
إنها الحواس المؤجلة لبناء الكوخ
لزرع سنديانة
لقبلة على حافة النهر
أتدري في أي حانة تعيش أعشابي الضارة؟
هل تعلم عن دقات عظامي في العتبات؟
عن لسان رطب ملّ تخيلاتي؟
أرجوك تعال إليّ هذا المساء.
لن نتزوج
لن نشعل شمعة
لن أقلب ألبوم صوري فوق قدميك.
أريد فقط
أن أفتح لك هذا الباب
وأراك تعبر العتبة
تعبرني
وتدخل بيتي.
البيانو
شجرة الميلاد في بيت عازف البيانو تضيء الشرفة
والشرفة تضيء نفسها.
عازف البيانو نائم الآن
وأضواء الشجرة تحتفل وحيدة
بتكرار وحيد
بمرور سنة جديدة
فتات نجمة ومطر وعيني
هيه أيتها الشرفة كم عمرك
هل لديك أطفال
من أين مدينة أتيت
ما اسم أمك
هل يؤلمك هذا الشارع كما يؤلمني الحنين؟
أيتها الشرفة
هل نام عازف البيانو قبل أن يضاجعك؟
أيتها الشرفة
أزيلي هذه الثياب المعلقة على حبل الغسيل
وأنا سأتعرى أمام النافذة الآن.
تعالي كي أمص حزنك إلى أن تنهاري وتسقطي
حتى أعود وألملم حطامك في حطامي وأصير شرفة
وتصيري امرأة تهوى تصوير حمالة نهديها على حبل الغسيل.
يا شرفة عازف البيانو
تعالي وصيري امرأة
وأكون أنا حطامك العالي
حافة لسجائر عازف البيانو وكلبه المسن
وزهرة الصابر الميتة تلك.
*تنشر هذه المادة بالتعاون مع جدلية.
بواسطة أسامة إسبر | مايو 28, 2020 | Poetry, غير مصنف
نهايات
استيقظْ.
أَتَسْمَعُ صفيرَ القطارات في حلمكَ؟
استيقظْ
ثمة سفينةٌ في المرفأ
طائرةٌ في المطار
سيارةٌ أمام الباب.
استيقظْ.
حقيبتكَ قرب الفراش
حين تُمْسك بها يدكَ وترفعها
لن تمتلك الوقت
كي تتذكّر حياتك السابقة.
هكذا كانت الأصواتُ تتحدث في داخله
بلغاتها الكثيرة
في مدينةٍ يمرُّ فيها الآلافُ كلّ يوم
تُروى قصصُ الآلاف كل يوم
تصبح اللغة فيها بحراً
تندفع أمواج كلماته كل يوم
إلى نهاياتها في الزبد.
صوت الريح
ثمة شيءٌ في الحجر
يذكّرني بنفسي.
أحياناً يتحدّثُ معي
وحين أصغي
لا أسمع إلا صوتَ الريح.
حجر
حجرٌ رماه المدُّ فوق الرمال
وغسله الضوء بمائه.
لم يومئ لي
لم يفتح حديثاً معي.
كان غارقاً في صلابته
منشغلاً بهموم من نوع آخر.
تمنيتُ أن أريحه منها
أن أمنحه لحظة اعتراف
وأصبح كاهن لحظته
لكن الحجر لم يكترث
كنت أنا الذي شعر به
حميمياً، قريباً مني
كما لو أنني أعانقه وأصغي إليه
وهو يقول لي:
تمسّكْ
تمسك بما بين ذراعيكَ
طالما أنت تسير على هذه الشاطئ.
قبور الأبناء
نتدافعُ في نفقٍ.
الضوءُ كان هنا
أو هكذا ظننا
وحين لم نتبيّن طريقنا
شعرنا أن الظلام يخرجُ من أعيننا.
ويتغذّى بأنفاسنا.
أمامنا لم تبنْ منعطفاتٌ
كان الطريقُ مستقيماً كرمحٍ
أو كسبطانة بندقية
في نهايته
لا يلوح ضوء في الأفق
لا شيء ينتظر أو يغوي
وإذا كان هناك شيء
فهو هناك
لأنه هناك.
كنا نضع أيدينا في جيوبنا
كما لو أنا نتحسّس
ذكرى معدن
أودعنا فيه أرواحنا
وبقيت سبائكه في الخزائن.
وفي الأمكنة الخالية
حيث سبق أن تعالت أصواتُنا أو ضحكاتنا
كان الهواء مسكوناً بما صنعناه بأيدينا
ونحن نحفر قبور أبنائنا
الذين لم يولدوا بعد.
نسْر لحظة عابرة
-1-
حين يفردُ النَسْرُ جناحيه
يأوي إليهما الضوءُ
كأنهما وطنٌ.
-2-
لم أرَ النسور إلا حين
غادرتُ مَسْقط رأسي.
تمنيت لو أن عينيْ طفولتي
سافرتا في أفق أجنحتها.
-3-
أحياناً تضيقُ السماء
على جناحيْ النسر.
-4-
في سماوات صدْره
يحلّقُ قلبُ العاشق كنسرٍ.
-5-
الذين لا يفرحون لمن يمتلك جناحين
يعيشون في الأقفاص.
-6-
كنْ نسراً في فضاء حياتكَ
لا تتوقَّفْ عن التحليق
نحو الذروات التي في داخلك.
-7-
أحبُّ الذين يحلقون بأجنحة الكلمات
الألحان
الألوان
لأنهم يشحنون الفضاء
بضوء الأجنحة.
-8-
نَسْرَ لحظةٍ عابرة
أسمّي نفسي وأنا أحلّقُ إليكِ
في بدايات الحب.
-9-
في بدايات الحب
تكون السماوات بلا نهاية
وَعْداً بضوءٍ يُسْكر الجناحين.
شجرة النار
-1-
لا تفكّر الوردةُ لمن تمنح عطرها
لا تبيعُ ولا تشتري.
كذلك الأشجارُ والينابيع.
-2-
القلبُ المليء بالحب
لا يعيش في الصدر فقط
بل يخفقُ في الأشياء كلها.
-3-
لا يأتي الحب من الشرق أو الغرب
من الشمال أو الجنوب
من الأعلى أو الأسفل
يشرقُ من الأعماق
ويوزّع ضوءه على الجهات.
-4-
الشجرةُ التي صارت حطباً في الموقد
تولد أغصانُها وأوراقُها وتموتُ في ألسنة اللهب
التي تصنع شجرة النار.
أغصانُ شجرة النار لا تعرف أنها ستنطفئ
لا تعرفُ شيئاً عن الرماد
تعيش حياتها إلى النهاية فحسب.
لغة الأشياء
-1-
المصباحُ المطفأ
المتدلي من السقف
يضيء الظلمة.
-2-
الشمعة تذوبُ على طاولتي
تصنع أشكالاً.
ذوبانُها نحّات.
-3-
كلبٌ يعوي
يخرج صوت العواء من فمه
كما يخرج صوت الكلام
من فم خطيبٍ على المنبر.
-4-
اللوحة المعلقة على الجدار
بابٌ دخل منه الرسام إلى نفسه
اللوحة المعلقة على الجدار
باب غادرتُ منه نفسي.
بدايةُ طريق المنفى.
-5-
العناقيد المتدليةُ من الدالية سماءٌ سوداء
حين يأتيكَ جوهرُها في كأسٍ
يُوسِّع السماء الزرقاء.
-6-
حين أسوق السيارة
وأكون وراء عجلة القيادة
أشعر أنني حيوانٌ معدني.
-7-
ما الذي يجعل العينين تتوهّجان:
إعجابهما بالشيء،
أم رغبتهما بامتلاكه؟
-4-
هل رأيتَ جثة الفرح محنطة؟
أنا رأيتُ قوماً
صنعوا إلههم من الكآبة
وقدموا فرحهم قرباناً له.
-5-
رسمتُ اليومَ لوحةً بعينيَّ،
تأملت الضوء وهو يغمر جناحيْ طائر البجع،
أو راقبت طائر البجع يغمس جناحيه في محبرة الشمس
ويكتب قصيدة الرحيل.
-6-
غادرتُ مدينتي منذ تسع سنوات.
حين أنظر إلى الخلف أقول:
كانت حياتي تزهر أحياناً
وفي كثير من الأحيان كانت
كمثل الغبار الذي يتوضع على الأشياء.
-7-
أوراقُ نَعْيٍ فوق بعضها
المدينةُ جداريةٌ للموت.
-8-
حجرٌ على الشاطئ
أحياناً يستعير لمعانه من الماء والضوء
في أحيان أخرى يستعير لحافاً من الزبد.
-9-
شمعةٌ على الطاولة
لا تملك شيئاً تقدمه للنهار.
في سان فرانسيسكو
في سان فرانسيسكو
لم تعد القصيدة تتجوّل في الشوارع
لم تعد تجلس في المقاهي
أو تبتسم للمشردين
الذين ينامون على أرصفة لامبالاتها.
لم تعد تمضي لياليها في البارات
أو تسير فوق الجسور
وهي تطارد بعينيها الشعاع فوق البنايات.
لم تعد تنظر في عينيْ العالم
لم تعد تكترث بقراءتهما
لم يعد يهمها انتشال الكلمات
من الآبار
حيث تسقط الأشياء سهواً أو عمداً.
في سان فرانسيسكو
يمرّ الضوء كلّ يوم
كسائق قطار على خط ثابت
ينهي نوبته جيئة وذهاباً
والبشر يخرجون من الأبواب ويدخلون
موجةً بشرية لا تكفّ عن التجمع والتلاشي
في بحر العمل.
في شقةٍ ما
أو قبْوٍ ما
تدخّن القصيدة سيجارة ماريجوانا
أو تحقن وريدها
أو تُفْرغ زجاجةً أخرى
في محاولة يائسة لسبْر وحدتها
بين دفتيْ كتاب.
توابيت
رأيت التوابيتَ مصفوفةً
في الشارع فوق الإسفلت.
الأجسادُ التي في داخلها
تنتظرُ رحلتها الأخيرة في قطار الأنفاق.
من نوافذ الشاشات
من نوافذ الصفحات
من نوافذ الأحلام
تطلُّ التوابيت
وتعوم في ماء نهر الإنترنت.
الدروب الوحيدة المشغولة
هي دروب الجنازات
الطرق الوحيدة السالكة
هي الطرق إلى المقابر.
كان الموت هو النجار الوحيد في البلاد
يجلس في منشرته الكبيرة
واضعاً ساقاً فوق أخرى
يدخن سيجاراً من الجثث
وينفث الدخان كي يصنع سماءه.
اكتشفتُ صوتي
اكتشفتُ صوتي على شاطئٍ
ليسَ لطفولتي آثارُ أقدامٍ على رماله.
خطفَ عينيّ
ربّاهما من جديد
وأشعرني بأنني طفلٌ
يُصْغي إلى أنفاس الأشياء
ويقرأ أحلامها.
حينَ أرى بياض أمواجه يندفع
في الفضاء ويعلو
ثم تنهار صخورهُ الزبدية
وتعود إلى أسرّتها المائية
حين أرى البياض يفتح
باباً
بابا معلقاً
لا أستطيع أن أدخل أو أخرج منه
يشعرني أنني وحيدٌ
على طرقات رياحه.
ورقة صفراء
ورقةٌ صفراء
عروقُها حادّة وجافة
تتوزّع إلى اليمين وإلى اليسار.
في وسطها يسري خطٌّ
كجرحٍ في القلب.
تتقلّب وحيدةً في الريح
والخريف في أوجه.
شعرتُ بأني أنا هي
وذكّرتْ جسدي،
بخطوطه وشرايينه،
أنه هاربٌ من خريفه.
كانت قوة الريح الخفية
تحمل الورقة إلى فلواتها السوداء.
وكنت أسير في تلك اللحظة
كي أتبدد كلي بين ذراعيكِ
تقودني قوة الحب.
ورقةٌ صفراء.
وجسدٌ يتورّد وهو يفكّر بكِ
كأنه تاريخٌ من الورود المتفتحة.
جسد يرقُّ
يصيرُ لمسةً
يصير همسةً
يصير مطراً من القبل
أوراقَ رغبةٍ
في ريح الحبّ الخريفية.
العبور
لم يعد يُسْمَح للدم
بالإقامة مُدّةً أطول في الشرايين.
المدنُ عالقةٌ في رمال أحلامها المتحركة
في صحراء السياسة.
الأنهارُ التي تعبرُ الخريطة بريدٌ
يرسل عبْره الموت جثثه الكثيرة.
المحاربون يحفرون الأنفاق
في جسد المستقبل.
وغداً حين تُشْرق الشمس
ويلمع ضوءها فوق شواهد القبور
وفوق الطرق المزروعة بالألغام
لن نلمحَ إلا أنقاض الجسور
أو آثارَ خطوات مهاجرين
نجحوا في العبور.
امنح نفسكَ
امنحْ
امنح نفسكَ هذا الهواء
الذي ينقلُ العطر
الشعاعَ الذي يسافر
في عروق الأوراق
الوهْجَ الذي يصنعُ الشجرة.
امنحْ
امنح لخطواتكَ الطريق
الذي يقودكَ إلى دهشةٍ أخرى
بحراً يتقدّم كله
كي يفتحَ لك باب النهار.
تمشي على طرقاتك البحرية
ظاناً أنك موجة قادمة من ماضيك
غير أنك تتقدم بجبروت لحظتك
بكلّ ما أنتَ.
هل تسأل الموجةُ عن بداياتها
في سرير الزبد؟
امنحْ نفسك نافذة الأفق
وأصْغ لهدير المياه
كأنه موسيقا تعزفها لك
أراغن الزرقة.
امنحْ نفسكَ
ما تحب عيناك أن تراه
ما يخفقُ له قلبك
ما تتوثّب ذراعاك لعناقه
ولا تنظرْ وراء هذا
ولا تلتفت.
مثلك، أيها الجسد
لا اسمَ لكِ
لا اسم لك
ودوماً تولدين.
تتقدمين إلى الشاطئ
دون أن تحسبي المسافة
بين ولادتك وموتك.
لا تفكرين أن تكوني نبعاً
أو مصباً.
هكذا،
طفرةً
ارتجاجاً
في جسد الماء،
ولادة مفاجئة
تندفعين
كما لو أنك البحر والشاطئ
الجناح والصخرة،
السماء والأرض.
مأخوذاً بكِ أيتها الموجة
أعيش أحوالكِ في جسدي.
أقول: للعبور نكهةُ فجرٍ قادم
وهذا ما تقوله أيضاً
أزهار الربيع المسائية.
هذا ما يقوله شعاعٌ
يتفتح حولها متناثراً هنا وهناك
كأنه يريد أن يمنح نفسه في أزهار كثيرة
كأنه يقول:
أنا مثلكِ أيتها الموجة
مثلكَ أيها الجسد
لا أتوقّف عن العبور.
*تنشر هذه المادة بالتعاون مع جدلية.
بواسطة أسامة إسبر | مايو 17, 2020 | Culture, Poetry, غير مصنف
فوق المحيط
–١–
سأرشّ حول جسدكِ طحيناً
كما فعلَ أنكيدو حول جسد جلجامش
كي أتوهّج في شمس أحلامكِ
كي تشعري بطعمي
في لقمة الخبز في فمك.
فأنا أعيشُ في النار
التي تُنضجُ الرغيفَ الذي تأكلين منه.
–٢–
ليس الحبّ قصةً أرويها
فأنا لا أعودُ إلى الذكريات
ولا أفتحُ صناديق في زوايا غرفتي
كي أبحث عن رسائل قديمة
بل أترك باب حياتي مفتوحاً
كي تدخلي إلى الغابة
التي أعيش فيها وتبحثي عني
وهنا، إذا ما عثرتِ عليّ
سنزرع شجرة أخرى باسم الحب.
–٣–
بحثنا عن أيام أكثر راحة
عمّ يختصر المسافات بيني وبينك.
سافرنا في أذهاننا قليلاً
إلى أمكنة عشنا فيها
حين كنتِ تصعدين الدرج
وكنت أراقب خطواتك
وأخالهما في أوقات كثيرة
جناحين يرفعانك
وكنت أنظر إليهما يحلقان بك
ويتغلغل فيهما الضوء في الأعالي.
–٤–
كان الحب أحياناً
يصنع الفضاء ويوسّعه
يفتح أبوابه كلها ويزيح الستائر.
وفي أحيان أخرى
كان يوزع غيومه
يرعد ويبرق وتسقط أمطاره
وحينها نكون متعانقين
في صاعقة جسدية
تسقط فوق شجرة الرغبة.
–٥–
حين جاء الموت
لم يكن هناك حياة إلا في وجهكِ.
وحين جاء الظلام
لم يكن هناك وهج إلا في عينيك.
لم نلمح طريقاً آنذاك
كان المحاربون يعبرون على الدراجات النارية
وكنا نلمح التوابيت فوق كتفيْ
المدينة وهي تحني رأسها
في طريقها إلى المقبرة.
–٦–
في فجر أحد الأيام أيقظتْنا انفجاراتٌ
صنعتْ سماء من الدخان
وأصواتٌ خدشتْ لحم السماء بأظافرها الفولاذية.
غادرنا حينها البيت
أغلقنا الباب وراءنا
محونا أشياءنا وراءنا
لم يكن يتوهج في أعيننا
إلا ضوء الرحيل.
–٧–
وفي طائرة في الفضاء
شعرنا أننا ضائعان
أننا لن نصل إلى أي مكان.
كان كل شيء خلفنا يختفي في الدخان
وأيامنا القادمة
ضائعة في صوت المحركات العملاقة
فوق المحيط.
المدينة التي عشتُ فيها
السماءُ فيها سقفٌ لصالات العزاء
والضوء غبارٌ يتساقط، تنثرهُ الريح
على ملامح وجهها الممحوة.
نهرُها الذي يجفّ في جسدٍ متصحّر
حنجرةٌ من الرمل ترتّل الأناشيد لمطرٍ لا يهطلُ.
أما ليلها الذي يعشقهُ الشعراء فمبقّع
بأضواء تنطفىء الواحد بعد الآخر
ليس لأن الفجر قادم بل لأنها
لم تعد قادرة على التوهج.
الأشجار التي بقيت فيها
ضيّع الربيع طريقه إليها.
تعرفُ هذا كلماتٌ تخرج مذعورةً
من الأفواه في المقاهي.
يعرفُ هذا من يرى كلمات كاذبة
تخنقُ عناوين الصحف.
تعرف هذا أحلامٌ لا تتحقّق
وأعينٌ ترى من ثقوب في الحصار.
فوق حاراتها الملوّثة
حيث يتدفّقُ نَهْر الأسلاك
تبدو الشمسُ باهتةً ككرة قدم مغبرّة
شاطها أحدهم وبقيت عالقةً في الأعلى.
المدينةُ التي أمضيتُ فيها نصف حياتي
كانت دوما تفتحُ لي الباب
لا لكي أدخل إليها بل كي أغادرها.
ريح الخوف
–١–
شيءٌ ما يرجّ الكوكبَ
يرميه
في ريح الخوف.
–٢–
كان الكوكبُ دوماً
على حافّة الهاوية.
الغريب أنه لم يسقط.
–٣–
شوارعُ المدن خالية.
الموتُ ينتظرُ في الشوارع
في السيارات المركونة
على شواطئ البحار
على خشبة المسرح
في الأوراق الأولى للصحف
في البارات
والمدارس
في القبل والمصافحات
في عواء الكلاب الضجرة
وتصريحات السياسيين.
–٤–
سجادة الصلاة
تحلّ خيوطها
كي تصنع كمّامة.
الدعاء
لا يعثر على خشب
كي يصنع سلماً للصعود.
–٥–
أنشغلُ الآن
بترتيب المائدة
كي أجلس إليها
أنا والوحدة.
–٦–
الكأس الممتلئ أمامي
يشعر أنه فارغ.
يدي تشعر أنها
ليست يدي.
صرنا جسوراً
يعبر عليها الموت
وها أجسادنا تتدلى منتظرة
على أغصانها الذابلة.
–٧–
كما يعيشُ الموتُ في قبرٍ
يعيش في اللامبالاة.
في أيد لا تعرفُ معنى عناق
لا حاجة إليه.
–٨–
بما أنني خلف الجدران الآن
أحبّ أن أسأل نفسي:
ألم أكن خلفها من قبل؟
–٩–
العالم موحشٌ الآن
شوارعه مهجورة
والبشر يهربون من بعضهم.
واقعٌ أراد
أن يكون أكثر وضوحاً.
–١٠–
لو وُضع للجسد البشري تاريخ،
ماذا هناك غير الموت؟
–١١–
حتى في أوج شعوركَ بأنك نَفَسٌ عابر
حفيفٌ في أوراق أشجار اللحظات،
حتى لو كنت تعرف
أنك لا تستطيع التمسك
بأي شيء
ابْنِ، ابْن حديقة للفرح
وازرعْها بالورود.
–١٢–
لا أحب الدعاء
وإذا ما استمرت الحياة
حتى العكاز يمكن أن يكون
حفيداً، كما قال الهنود الحمر.
–١٣–
يسير البشر واضعين كمامات على وجوههم
نظراتهم قلقة
ثمة شيء ما يتربّص بهم في الخارج.
لكن في الأعين نفسها وهج
لا يمكن أن يطفئه أي شيء.
–١٤–
كان الشاطئ مهجوراً
خُيّل لي أن الأمواج والغيوم خائفة
وهي على حق إن كانت هكذا
تعرف أنه لا معنى لها
دون أعين تنظر إليها.
–١٥–
كان الشاطئ مهجوراً
والطيور قلقة.
كان صوت الريح مختنقاً
وهي تهب فوق دروب خالية.
هذا هو الجسد
١–
رغم أنه يتمنى ذلك أحياناً،
لا يستطيع الجسدُ
أن يصبح حجراً.
–٢–
الجسد موجةٌ
وفي غالب الأحيان
يكون البحر في داخله.
–٣–
تتجمّع الغيوم في السماء
وتلعب الريح بأشكالها وتبدّدها.
هذا هو الجسد.
–٤–
حين ييدأ الطريق ولا ينتهي
حين تبحر السفينة وتضيع البوصلة
هذا هو الجسد.
–٥–
في منقار النورس المحلق فوق الماء
كائنٌ بحري يتدلى.
هذا هو الجسد.
–٦–
اليوم، في مزيجٍٍ
من الأصداف والرمال
رأيتُ آثار أجساد قديمة.
–٧–
في الأعشاب التي تطلع
من شقوقٍ في القبور وحولها
يشير الجسد إلى طرقه.
–٨–
يولد الجسد أكثر من مرة في الحب
وبعد ذلك إذا اختار مسكناً
يكون عادةً الريح.
حين عشقتُ أول مرة
–١–
حين عشقتُ أول مرة
كانت قدماي تتسلقان الجبال وتهبطان السفوح
كالهواء الذي تميل فيه الأعشاب.
–٢–
حين عشقتُ أول مرة
كنتُ أرى نفسي بعينيها
وكنتُ معجباً بنفسي.
–٣–
حين عشقتُ أول مرة
شعرتُ أن الانتظار
ثمرةٌ يتقطّر عصيرها بين شفتيَّ الظامئتين.
–٤–
حين عشقتُ أول مرة
لم أعرف قلبي ولم يعرفْني
كما لو أنه خفقَ في صدرٍ آخر.
–٥–
حين عانقتُ أول مرة
لم أر ما كنت أعانقه ولم أر نفسي
كنا جسدين ضائعين في بعضهما.
–٦–
حين قبّلتُ أول مرة
شعرتُ أنني ضائع ولا يمكن أن يخرجني
من المتاهة إلا قبلةٌ أخرى.
–٧–
حين قبّلْتُ أول مرة
عرفت أن للشفاه وروداً تتفتّح
وأن لها عطراً ينتشر.
–٨–
حين عانقتُ أول مرة
عثرتُ على نفسي بين ذراعيكِ
وحين خرجتُ من بينهما ضعتُ من جديد.
–٩–
حين يعشق المرء
يعشق دوماً لأول مرة
كما لو أن الحب ينجبه كل مرة.
الطائر الطنان
–١–
حين يُحلّقُ الطائر الطنان
تُصْبح أجنحتهُ لامرئية.
هل يريد أن يتحوّل إلى هواء
أم لأنَّ الرحيق يُسْكره؟
–٢–
كما يعيشُ الطائر الطنان على رحيق الأزهار
أعيش على رحيق الكلمات
التي تهمسُ لي شيئاً.
–٣–
كان اللون الأخضر كثيفاً في ذلك اليوم
كانت الأشجار تنوء به
كأنها تتمنى عودة الضباب
كي يخفف من وطأته.
–٤–
العلاقةُ بين نسبة الرطوبة في الهواء
وسقوط الضوء على الطائر الطنان
هي ولادة قوس قزحٍ في ريشه .
–٥–
حين يسقط الضوء
على ريش الطائر الطنان
يهاجر من ذاته ويصبح آخر.
–٦–
ما الذي يجري لي؟
كلما رأيتُ جناحيْ الطائر الطنان
تمنيتُ لو أنهما على جسدي.
–٧–
يا مدينة ولادتي النائمة
فوق الشاطئ الصخري
لستُ طائراً طناناً
كي أحلّق نحو الأعلى والأسفل
كي أطيرَ جانبياً أو بالمقلوب
أو كي أحلّق مثله باتجاه الوراء
حين أحنّ إليكِ.
لا حاجة كي أفعل ذلك يا مدينتي
فأنت تعيشين في داخلي
والعلاقة بيني وبينك
تاريخٌ من الأجنحة
التي بلا فضاء.
على طرقي البحرية
الفجرُ ضبابيٌّ
على طرقي البحرية،
وصدْر المياه ليس رحْباً
كل شيء هاجعٌ
وراء باب عزلته.
الريح تسرعُ كأنها تنوي
العودة من حيث جاءت
والضوء يبهت
كأنه يفكر بالاحتجاب في مصدره.
شعرتُ بثقل وحْدتي
وبثقل الفراغ على جسدي.
ربما لن يغيبَ الضوء طويلاً
لكن هل سيكشفُ حين يأتي
غير ما حجبه الضباب؟
كانت المدينة تتقلب على سرير الأرق
تنتظر خبراً
يدلي حبله في الهاوية.
بواسطة Firas Sulaiman | أبريل 22, 2020 | Poetry, غير مصنف
أتسلّى بإساءة فهمي
في هذا الفيء الرخيص
أخترع نفسي
.من دون آخرين
***
أقطع جذوري التي تصلني بي
أحرقها
.بقى لي أن أتعلم كيف أحتمل هذا الصقيع
***
على منصة هذه الشيخوخة المبكرة
أشجّع زوالي على أدائه
هو ممثل رديء
.وأنا مُشاهِد بذائقة تخرَب رويداً رويداً
***
كل الوعود التي لم أقطعها وفيت بها
كيف لي أن أفرح
أني حفيف وأوراق أشجاري
.تنمو… ترتفع مقلوبةً
***
أذهب إلى العالم وحدي
أنا و هو
وهمانِ نيئان
.بحماسة يتجادلان على منصّة غبار
***
لم أعد أحلم بشيء
أما هذه الرغبات الصغيرة
فمقاعد قليلة أرتبها
.لأشخاص ربما يحضرون جنازتي
***
خارج الانتظار
أقف
ألوّح لي
.أنا الذي مضى
***
هكذا
أتسلى بإساءة فهمي
.أكتبُ
***
أحب أن أصدّق أني حفرت بئري وحدي
لا أحب أني عندما أرمي دلوي
.أرفعه ممتلئاً ببقاياهم
***
تطقطق طفولتي آخر الليل
.لا أعيرها انتباهاً
***
في البرية هناك عندما ألتقي بنفسي
.أميّزني عني
***
لا يريدون أن يصدّقوا أن هذه الحافلة
لن تصل إلى مكان
من أنا لأوقظ الغفلة كلها؟
***
بعد الحفلة سيمضي الحشاشون
إلى بيوتهم
.وسأمضي أنا إلى خيالاتهم
***
تحررت من الزخرفة
بقي قليل من الأقنعة
سأٌبقي عليها
يحتاج إليها اسمي
.بعد أن أموت
***
.لا وطن لي لأرفع صورَهُ ورايته فوق عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ
.لا شعب لي لأصرخ باسمهِ وأنا أجرّ عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ
وحدي أمام هذا المنحدر العظيم
.أهمّ بقذف ما تبقى من جسدي فوق عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ
.وحدي في هذا القاع العظيم المظلم مهترئاً أقلّد مواء أسراري
مايسترو
ظهره لهم
بعصاه النزقة يسوط الوقت
يمزّق جلده
يُحدِث ثقوباً زرقاء
كي يسمح لمياه الموسيقى أن تتدفق
وعندما يشعر المايسترو أن أرواح الجمهور
تبللت تماماً
.يستدير وينحني
أشباح
1
(في حضني سكين (صباح الخير
منذ عشرين عاماً وأنا أشحذها حالماً بأن أشق بها هذا الليل البارد الذي أقيم فيه
أو لعلّي أضعها في يد عابر ما
لكنّ العابرين أشباح
هكذا إذن سينتهي الأمر بسكين تلمع مغروسة في قلب رجل وحيد
.يقيم في ليل بارد منذ عشرين عاماً
2
إنها (الأنا) التي تعمل لأجلي وضدي
مصنع يعيد تدوير الندم
.مصنع يديره أشباح شجعون
3
ثقيلة رموزي
لا يستطيع حملها
.إلا أشباح حقيقيون
4
صباحات حزينة تلك التي يريد أن يهزها أشباح مغلوب على أمرهم
.عندما يخبطون بجزماتهم الهوائية على الأرض ملقين التحية على عالم ميت
5
يخرج شبحي مني كل صباح
لا أنتبه لعودته. بل كنت أظن واهماً أن داخلي مدينة من الأشباح
غير أنه أمس فقط رأيته
شبحي الذي ومنذ سنين طويلة لا يني يخرج ويدخل
رأيته حاملاً مسامير ومطرقة. تلك غنائمه من الخارج. إنه الآن يصلب نفسه
داخل جسدي. أي ألم عليه أن يحتمله شبحي الجميل!
.لقد أهانه العالم كثيراً
6
من عادات أصدقائي الأشباح،
بعد انتهاء الحفلة أن يلملموا قشور الفستق. لقد
.اتفقوا منذ وقت أن يبنوا منها فندقاً صغيراً
في فندق
أتعذب وأنا أتخيل الفندق
الزجاج يلمع
وقع الأسرار على البلاط
النوم محمولاً على عربات لا تصدر صوتاً
الموظفون يرتبون حياة طارئة
لنزلاء ينعسون في ذكرياتهم اللينة
السكون بديناً بخفيه الصوفيين يعبر بين الممرات
كل شيء مصقول
الثلج على القمم
الزمن على أجنحة الطيور
الله مفتتاً مثل القطن فوق الأشجار
أتعذّب
أتعذّب أكثر
وأنا أتخيلكِ بيدين متعبتين
تلّمين صوتك
البخار الذي أطلقه فمك
على زجاج الشباك
صوتك الذي اختفى
.حياتي القادمة التي تتبخر
غروب
تحت سقف صلاة يتداعى
العجوز يؤلف جيراناً في الجنة
لم يعتد بيتاً
لم يعتد أن يسجل ملاحظات ولا أن يروي
لذلك كلما همَّ بقول شيء
،ربط جذراً غامضاً بالهواء
تفاصيله أراجيح تحن إلى الأرض
أشياؤه أفكار مثل أرانب تخّرب المتن و لاتهدأ في الهوامش
لأنه لم يعتد أن يصدّق
يشكّ في هذه الفكرة أيضاً
وفي الوقت الضائع… الوقت المناسب
يلكز بكوعه البطن المنتفخة للشك
في الردهة إلى أحاجيه تتقافز أيامُه إلى لا مكان
ولأنه لا يحب أن يكذب دائماً أقواله منامات تعرج إلى النهار ولا تصل
لأنه لا يتذكر يطارده المستقبلُ
هو الذي لم يعتد أن يلحق بأحد
هو الذي لم يعتد بيتاً
يفكر بمحو كل ما كتبه
.خشية أن يسكن
كما يجب
قبل أن أموت بأيام قليلة، سأضع حياتي أمامي. سأوبّخها كجدّ قاس لئيم سأمطرها بأقذع النعوت، سأذكّرها كم هي حمقاء، غبية كسول مستهترة أنانية ووقحة بخيلة فاشلة.
.وربما بقسوة سأصفعها
،ولأنه ليس ثمة خطة واضحة تماماً
.كجدّ طيب رؤوف ربما سأُظهر لها من الحب والحنو ما لم تختبره حفيدة قطّ
.سأقول لها كم هي رائعة واستثنائية ذكية أصيلة حساسة ورقيقة، نبيلة وكريمة
وأندفع بعاطفة فائضة لأضمها طويلاً وأقبل رأسها، يديها
لكن لأنه ليس ثمة خطة واضحة تماماً
ولأسباب تتعلق بضيق الوقت بوهن الجسد ماضياً إلى غير رجعة
قد لا يحدث شيء كهذا
غير أنه من المؤكد لو تسنى لي
بعينين حزينتين وجسد مليء بالدموع سأقول لها حياتي :كم سرّني أني
.تعرفت عليكِ …كم آلمني أني لم أعرفك كما يجب
جسر
على جسر عال
أقف
لا لأتخيل مشاعر الذين قفزوا منتحرين
لا لأحزن لأجلهم
لا لأتحسّر على حيواتهم القانية عميقة في المياه القانية
أقف
ألملم ما بقي من كرات أنفاسهم النابضة
أنفاسهم التي ما تزال عالقة في الهواء
.ألملم ما استطعت من هبائهم كي أكمل عبور الجسر