الكوليرا تعود لسوريا

الكوليرا تعود لسوريا

“اضطررت لأخذ جرعات وريدية مدعمة لتعوضني عن فقدان السوائل مرت أيام عصيبة، كانت إصابتي من النوع الشديد، ولو تأخرت في طلب العلاج كان يمكن أن يكلفني ذلك حياتي، بحسب ما قاله الأطباء لي بعد أن تعافيت”، يروي الشاب منصور ريحانة لـ “صالون سوريا” ماحدث معه مؤخراً عندما أصيب بالكوليرا في دمشق.

احتاج ريحانة لتطبيق البروتوكول العلاجي من الدرجة العليا، “وصلت المستشفى في حالة تجفاف خطير نتيجة إسهال لم يتوقف وأعراض إضافية، ما جعل حياتي عرضة للخطر” يضيف.

وعن تلك الأعراض يشرح أنّها كانت عبارة عن صداع وإقياء وآلام معوية متنوعة، إضافة للإسهال الشديد، قبل أن يسعفه أهله إلى المستشفى الذي أجرى له تحاليل فورية، ليصار إلى ادخاله لقسم العناية المخصص لهذا الغرض، وتم وضعه تحت المراقبة اللحظية حتى تم الاطمئنان على صحته.

حالة ريحانة هي واحدة من العديد من الحالات التي أصبح السوريون/ات يسمعون/ن عنها يومياً، وقد صار معروفاً أنّ الكوليرا قد انتشر فعلياً في سوريا، لكن الخلاف كان حول مدى انتشاره، لتدخل منظمة الصحة العالمية على الخط مؤكدةً انتشاره في 13 محافظة من أصل 14، وبأنّها فعلياً قد خصصت ملايين الدولارات لمواجهة الوباء.

المنظمة أكدت في بيانها أيضاً وجود أكثر من 13 ألف حاله اشتباه بالمرض، ويضاف إليها 60 حالة وفاة ناجمة عن الوباء في أكثر من محافظة.

وحتى نهاية الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام الجاري بلغ عدد الإصابات قرابة 825 حالة، في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة فقط، أما الوفيات فبلغت 40 وفية، وذلك بحسب بيانات ومعطيات وزارة الصحة، وهذه الأرقام تتعارض بصورة واضحة مع أرقام منظمة الصحة العالمية.

من يتحمل المسؤولية؟

الطبيب أحمد الزائر يشكك بالأرقام الرسمية لأكثر من اعتبار، أبرزها غياب دقة الملاحظة وإمكانية المسح الطبي الشامل في ظل ما تتعرض له سوريا من تدمير على أكثر من صعيد، وبالتأكيد فإنّ الصعيد الطبي هو ميدان من ميادين الصراع تلك، بحسب الطبيب.

يقول الزائر لـ”صالون سوريا”: “اتفق مع تصريح مدير دائرة الأمراض السارية والمزمنة الأخير بأنّ عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا كثيرة، وفي نفس الوقت لا اتهم الوزارة ولا امنحها صك البراءة، فهي تجود من الموجود، والدليل على غياب قدرتنا على المسح هو تدني أعداد مصابي كورونا في سوريا، قياساً بكل دول العالم، إضافة لوجود الكثير من العوامل المتداخلة، سواء في مناطق العشوائيات، أو الأرياف المحررة، أو خلافه من تلك المناطق التي يصعب تأمين مياه شرب نظيفة لها بسبب الواقع الحالي من دمار البنى التحتية الهائل”.

وكان مدير دائرة الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة قد أدلى مؤخراً بتصريح لوسيلة إعلام محلية أكد فيه كثرة الإصابات قائلاً إنّ المشكلة أنّها غير مشخصة، “إنما هي اضطرابات معوية نتيجة تغيرات الطقس واختلاف درجات الحرارة”، وأضاف “الحل الوحيد للوقاية من المرض هو الالتزام بسلوكيات الصحة العامة، وتناول طعام مأمون، وشرب مياه من مصدر آمن، وغسل اليدين جيداً”.

سالم اسم مستعار لطبيب في دمشق فضل عدم ذكر اسمه بعد أن بيّن لـ “صالون سوريا” شكوكه الكبيرة بآلية عمل وزارة الصحة ومنظومتها في كل المحافظات السورية، قائلاً: “في سوريا تتوافر كل العوامل المساعدة على انتشار الكوليرا بشراسة، ولكن الوزارة لا تذكر الأرقام الحقيقية، كما درجت العادة، ببساطة كيف يمكن أن تكون مصادر مياه الشرب في المناطق الشرقية والشمالية ملوثة وتحمل الوباء ويكون هذا العدد فقط مصاباً”، ليختتم حديثه ساخراً: “أم أنّ الوزارة تظن الناس جميعهم يشترون المياه الصحية المعبأة للشرب؟”.

يرى بدوره المهندس مازن الجرف أنّ وزارة الصحة تقع تحت احتمالين اليوم، “إما هي عاجزة عن المسح، أو أنّها تعلم وتخفي الأرقام الحقيقية، وفي الحالتين الأمر كارثي”.

ويتفق الأكاديمي صلاح مؤنس مع الجرف في خطورة عدم معرفة أو عدم الإعلان عن حقيقة أرقام الإصابة، ويقول: “وزارة الصحة لن تنسلخ عن الحكومة بطبيعة الحال، وهذه الحكومة لن تنسلخ عن طبيعة عمل سابقاتها، في الهرب إلى الأمام من المشاكل، ومحاولة التنصل من المسؤولية، وعلاوةً على ذلك محاولة إبراز قدرة قد تكون وهمية على التصدي للمخاطر في مختلف جوانب حياة السوريين”.

ويختلف الحقوقي ساري بيرقدار مع تلك النظرية التي تحمل وزارة الصحة المسؤولية وتتهمها بالتقصير أو إخفاء الأرقام، ويقول لـ “صالون سوريا”: “ليس قليلاً ما مرّ على سوريا في هذه السنوات العجاف، القطاع الصحي مدمر ومحطم والنهوض به يحتاج سنيناً طويلاً وتظافراً محلياً ودعماً دولياً، فأن تتمكن الوزارة من علاج حالات الكوليرا في مستشفياتنا المحلية، فهذا إنجاز، وإنجاز كبير صدقاً”.

الأسباب

السبب الأبرز لانتشار الكوليرا المطرد في سوريا يعود لمياه الشرب الملوثة والتي تلوثت لأسباب عدة، أبرزها الدمار الهائل في البنية التحتية في سوريا، ما سمح لبعض خطوط الصرف الصحي أن تتسرب وتجد طريقها للاختلاط بالمياه النظيفة، وفوق ذلك سقاية بعض المزارعين خضرواتهم بتلك المياه الملوثة، كما حصل خلال الفترة الماضية في غوطة دمشق، وإلى جانب ذلك فإن تلوث مكعبات الثلج المستخدمة في الحالات الطبيعية لعب دوراً في الأمر.

في الشمال يُضاف لهذه الأسباب انخفاض منسوب نهر الفرات ونهر “قويق” بحيث تتحول المساحات المائية لمستوعب رئيسي للجراثيم، بسبب تحولها إلى مصب لمجاري الصرف الصحي، خصوصاً بعد توقف محطة تنقية مياه الصرف في منطقة الراموسة بحلب عن العمل، حيث يعتبر النهر المصدر المائي الوحيد لريّ الأراضي الزراعية لقرى منطقة ريف حلب الجنوبي. وفوق ذلك ضعف القدرة على تأمين الوقود لتشغيل محطات الطاقة الضرورية لإتمام عملية جرّ المياه وتأمينها.

كل ذلك دفع الأهالي –مكرهين-  للاعتماد على مصادر مياه بديلة وغير مأمونة، ولا زالوا حتى الآن يعتمدون عليها في ظل غياب الحلول الجذرية.

ومن الجدير ذكره أنّ نحو نصف السكان في سوريا يعتمدون على مصادر بديلة تكون غالبا غير آمنة لتلبية أو استكمال احتياجاتهم من المياه، بينما لا تتم معالجة 70% على الأقل من مياه الصرف الصحي، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

وكانت قد أعلنت مديرية زراعة ريف دمشق في وقت سابق عن اتلاف محاصيل زراعية بمناطق عدة لمخالفات السقاية بمياه الصرف الصحي للمزروعات.

وقد قدرت الكميات المتلفة بالغوطة الشرقية وحدها بـ 45 دونم مزروعة بمحاصيل صيفية َمثل (باذنجان – فليفلة – ملوخية – سبانخ – بامية – كوسا – خيار).

وفي الكسوة فقد قدرت بحوالي 46 دونم مزروعة بمحاصيل صيفية (باذنجان . كوسا – بامية – ملوخية – بامية، و ذرة ودوار الشمس).

وكذلك صدر تعميم فوري من وزارة الصحة للمطاعم بالامتناع عن تقديم جميع أنواع الخضراوات الورقية ضمن المطاعم ولدى بائعي الساندويش تحت طائلة الإغلاق بسبب كونها عاملاً مساعداً في انتقال الكوليرا.

الحماية

لا تحدث اعراض سريرية واضحة لدى القسم الأكبر من المصابين، بينما يظهر المرض متوسط الشدة لدى 80 بالمئة ممن تظهر لديهم الأعراض المعروفة، و20 بالمئة منهم تتطور الحالة لديه مسببةً الوفاة ما لم يتم تدارك الوضع والمعالجة الوريدية الفورية.

وحول العلاج فإنّ معظم الحالات تشفى باستخدام أملاح الإماهة الفموية، بينما تعالج الحالات الشديدة في المستشفى، ويمكن تحضير محاليل الإماهة في المنزل كخطوة إسعافية ريثما يتم تأمين الوصول إلى المستشفى، وتحضير المحلول يكون عبر استخدام نصف ملعقة صغيرة من ملح الطعام، مع ست ملاعق من السكر، وواحد ليتر ماء نظيف.

وللوقاية يجب على الأشخاص السليمين تجنب مخالطة الأشخاص المصابين، واستخدام مياه نظيفة للشرب، وغسل اليدين جيداً، والأهم الإسعاف الفوري لأي مصاب حالته شديدة.

الرقص الشعبي في إدلب… الفرح رغماً عن الحرب

الرقص الشعبي في إدلب… الفرح رغماً عن الحرب

غطاء رأس يُعرف محليا بالـ”الحطة”، وهو غالباً مصنوع من الحرير البلدي، تحته القميص القطني المزيّن بتطريز الأكمام مع الياقة، و فوقه الصدرية، يليها من الأسفل الشروال الفضفاض، والشال العجمي الذي يشد على الوسط، وفوق كل هذا اللباس هناك المعطف “الملتان”، والجوارب البيضاء والحذاء أو ما يعرف ب”الكسرية”، والمحارم باليد، بهذا يكتمل أحد أزياء الرقص الشعبي الإدلبي، والذي اختاره مصطفى أبو محمود، وهو شاب ثلاثيني من أبناء بلدة سرمين بريف إدلب، لأعضاء فرقته المتخصصة بالرقص الشعبي العربي.
يقول أبو محمود لـ”صالون سوريا” إن فكرة تأسيس فرقته والتي تحمل اسم “شباب سرمين لإحياء التراث”، هو حلم يراوده منذ صغره، عندما كان يرافق جده لتدريبات وحفلات الرقص، وجده كان مؤسس فرقة أصيلة للرقص العربي أيضاً.

ويضيف أبو محمود “بدأ مشروع الفرقة بجمع أعضائها، والذين بلغ عددهم اليوم تسعة، وهم شباب يجمعهم حبهم وشغفهم للرقص، وكل من انضم للفرقة كان لأبوه أو جده باع طويل في أداء الرقصات العربية، فهي تراث الأجداد يتوارثه الأبناء”.

وترفض فرقة أبو محمود تقاضي أية أتعاب أو تعويضات من الحفلات أو الأعراس التي تحيها، لأنها “تعمل من أجل المحافظة على الإرث” بحسب قوله.

و تلبي الفرقة دعوات والحفلات والأعراس التي تقام بحضور فرق غنائية دينية أو طربية، وبعد انطلاقها بأشهر عدة حققت الفرقة انتشاراً ملحوظاً في المنطقة، لا سيما مع فترة هدوء نسبي تعيشه إدلب؛ ما أسهم في انتعاش الحفلات والأعراس.

وتتنوع الرقصات بحسب الإيقاع والألحان، فمنها “الشيخاني والقوصرة والقبا” وغيرها، وكلها رقصات قديمة يحافظ عليها، بالتدريب المتواصل مع أعضاء فرقته.
وتعد الشيخانية أبرز الرقصات الشعبية في محافظة إدلب، وهي تؤدى في الأفراح والأعراس والمناسبات العامة والخاصة على إيقاع الطبل والزمر، ويرافقها المبارزة بالسيف والترس، كما يقال أن لفظة الشيخاني جاءت من أن من كان يرقصها هم الشيوخ والزعماء وكبار الحارة.
أما رقصة “القبا” وتعني الرزانة والجلال، ويسميها الأهالي السلطنة على نغمات القبا السبعة التي يفتحها الزمر أو المجوز، ويكون السيف في هذه الرقصة حاضراً، ثم يرقص المؤدي به مع الإيقاع التي يحددها الطبال، يمنة ويسرة، وببطء شديد، وهو يتمايل على البلاطة التي هو عليها في مكانه، ثم يأخذه أمام وجهه، وتحت ذقنه ثم إلى اليسار، ثم يهوي به ببطء شديد إلى الأرض وهكذا، وقالوا عنها: “القبا في ملعبا ريحة عطر… جمعت طرب دنيا العرب نغمة وشعر… أو لا لكا بالمعركة طل النصر… ترقص قبا بالمركبا وبعد النصر”.
ولكل عضو بفرقة الرقص دور محدد فمنهم من لديه مهارة بالرقص بالسيف، أو بالأداء المنفرد أمام الفرقة، أما القائد فهو كما يقال باللغة الدراجة فإنه “يمسك ع الأول”، أي يقف في بداية الصف ممسكاً منديلاً بيده ملوحاً فيه، وموجهاً لباقي الفرقة، وهو من يشير بحركة من قدمه لباقي الأعضاء لتغير الرقصة والانتقال مع اللحن بحركات رشيقة متناسقة.
على مدار الأسبوع يجري أبو محمود مع فرقته التدريبات، والتي تزيد في مواسم انقطاع الأفراح للمحافظة على اللياقة والانسيابية في أداء الرقصات.
وفي أغلب الأحيان يرافق فرقة الرقص قارع الطبل، لمجاراة اللحن والكلمات التي يرددها المغني، كما تحرص الفرقة على ابتكار رقصات جديدة من اختلاف النغمات لتواكب الألحان الجديدة، ويتميز الرقص العربي بالرقصة العربية الثقيلة، والخفيفة، والغزاوية، والولدة، بحسب الحاج أبو نجيب الذي كان عضواً في فرقة للرقص في شبابه.
لم يدخل أبو نجيب مدرسة لتعليم الرقص، وإنما تلقاه عن أبيه عن جده، فكما يقول “الممارس غلب الفارس” في إشارة لتدريبه المستمر وحرصه على حضور الحفلات ومراقبة الراقصين.

ويقول أبو نجيب لـ”صالون سوريا”: “إن الثقيلة هي رقصة رباعية ذات حركة بطيئة، وتبدأ بالرجل اليمنى مع اليد اليسرى، وتنتهي بالرجل اليسرى مع اليد اليمنى، والرقصة العربية الخفيفة، وتبدأ بعد الموال مباشرة، ولكن بحركة أسرع قليلًا من الثقيلة”.

ويتابع أبو نجيب وهو يمسك بعصاه الخشبي، ويمسد شاربه الأبيض “أما الغزاوية، فهي رقصة سريعة الحركة تحتاج إلى نشاط الشباب لتأديتها، نحنا راحت علينا”.
من جهته يؤكد أبو حسن، وهو رجل أربعيني من سكان مدينة إدلب، أن العرس لا يحلو إلا بالرقص، ويشرح بأن المكان الذي يجرى فيه الفرح يجب أن يقسم لحلقات بحيث يجلس كل عشرة أشخاص تقريباً مقابلين لبعضهم، وعندما تبدأ الألحان تعزف يقوم الناس للتمايل على أنغامها برقصات متقنة أحياناً ومرتجلة حيناً آخر.
“ويمشي العريس برفقة أقربائه وهم يتمايلون مع أنغام الموسيقا بين الحضور طالبين منهم مشاركتهم الرقص والفرح” بحسب قوله.
إلا أن الفرق المتخصصة بالرقص، تتميز بزيها الموحد ودعوتها الخاصة لمكان الرقص الأول الذي يكون أمام فرقة الإنشاء والغناء، والتي بدورها تطلب فرقة الرقص للحضور بالقرع المتواصل على الدف والطبل مع مقولة “جماعة العربي عالساحة”، أو على ألحان وكلمات أغنية “قوموا نرقص عربية ونورجي هل العالم فنّا، نحن شباب زكرتية.. خلقت هل الرقصة إلنا”.


 

روث الحيوانات أبرز بدائل التدفئة في الشمال السوري

روث الحيوانات أبرز بدائل التدفئة في الشمال السوري

يخشى ملايين السكان في الشمال السوري من قدوم فصل الشتاء، الذي يُشكل عبئاً على كثير منهم، خاصة الفقراء والنازحين، وسط تفاقم أزمة البلاد الاقتصادية، وقسوة المناخ والبرد التي تشهدها المنطقة في كل عام، فضلاً عن نقص المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية.

يزيد الأزمة عدم توفر التيار الكهربائي في كثير من المناطق، وإرتفاع سعر الاشتراك به، وتعتبر 85 بالمئة من مخيمات الشمال السوري أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف، وأقل مقاومة للظروف الجوية، بحسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، في تشرين الأول 2021.

في سبيل التدفئة، يعمل معظم سكان المخيمات على جمع بقايا الخردة والأغصان، ومنهم من يجمع روث الحيوانات، في ظل انعدام فرص العمل والفقر الذي يحول دون شرائهم مواد التدفئة الأخرى كالحطب، والقشور بأنواعها، والفحم الحجري، والمازوت.

نجلاء النحاس واحدة من هؤلاء النازحين، تقيم مع أربعة من أبنائها في “مخيم الكرامة” الواقع على أطراف بلدة “باتبو” بريف حلب الغربي، بعد أن فقدت أثر زوجها منذ أكثر من خمسة سنوات.

تشرح النحاس خوفها من البرد القادم وتقول “ابني البكر يعاني من التهاب مزمن في العين نتيجة فقدانه لعينه اليسرى ببرميل متفجر في حلب، فيما تعاني ابنتي البالغة من العُمر سبعة سنوات من ألم مزمن في يديها وظهرها، وكلا المرضين تزداد حدتهم عند البرد الشديد، فأخشى أن يأتي هذا الشتاء وأنا لا أستطيع تدفئتهم بالشكل المطلوب”.

وتضيف: “إن خياري الوحيد منذ ثلاث سنوات للوقاية من البرد الشديد، هو روث الحيوانات، إذ أقوم أنا وأطفالي في كلِ عام بجمع روث الحيوانات في مكان مخصّص ثم نقوم بصب الماء عليه ثم نتركه ليجف قبل أن أستخدمه للتدفئة والطهي”.

وأشارت النحاس إلى أن أكثر النساء المقيمات داخل المخيمات يستخدمون نفس الطريقة.

من وسائل التدفئة البديلة التي يعتمد عليها بعض النازحين في مخيمات الشمال السوري هي إحراق الملابس المستعملة، إذ تعمد العائلات لشراء الألبسة المستعملة الرخيصة التي لا يتجاوز سعر الكيلو الواحد منها 7 ليرات تركية.

عن يقول “أبو محمد” وهو نازح من حريتان: ” لست الوحيد الذي أقوم بذلك فاليوم باتت عائلات عدّة هنا تستخدم الملابس كوقود في الشتاء، في الشتاء الماضي كنا نستخدم أربعة كيلوغرامات من الملابس خلال اليوم الواحد وكنا نستخدمه في التدفئة والطبخ وتسخين المياه”، ويضيف أبو محمد “لدي الآن أكياس ملابس مستعملة كثيرة، كنا قد خزناها منذ انتهاء الشتاء الماضي، لكي نستخدمها في الشتاء المقبل”.

مدافئ قشور الفستق

في محلٍ على أحد الطرقات العامة لبلدة “حزانو” شمالي إدلب، ينهمك عمال مهجرين من ريف حماة، في تصنيع المدافئ ووضع اللمسات الأخيرة على عدد منها. وتتألف كل مدفأة من أسطوانة طويلة، تُضرم فيها النيران، مثبتة على لوح مرتفع قليلاً عن الأرض، وملتصقة بصندوق مستطيل الشكل مصنوع من الألمنيوم، توضع فيه قشور الفستق ويكون موصولاً ببطارية سيارة.

تباع هذه المدافئ المُستحدثة بأسعار تتراوح من 100 دولار أمريكي حتى 225 دولار بحسب مواصفاتها بدءاً من جودة المدفأة إلى صندوق الحافظ للقشور ومحرك التشغيل ومنظرها الخارجي، وفقاً لصاحب هذه الورشة الشاب المهجر “محمد جدوع” من بلدة كفرزينا شمال غربي حماة.

“أبو وليد” أب لستة أطفال يعيش في تل الكرامة شمالي إدلب، قال لـ”صالون سوريا”: “نتيجة انقطاع مادة المازوت بحثنا عن بديل من أجل التدفئة، ولجأنا إلى مدفأة قشر الفستق، الأكثر صحيّة من باقي المدافئ، فهي لا تبعث روائح أو دخان، كما أنها أقل كلفة من المازوت غير المتوفّر حالياً”.

وتحتاج العائلة إلى أطنان من قشور الفتسق، وعن أسعار القشور يقول تاجر القشور ديب عبد الرحيم وهو من مدينة الأتارب غربي حلب، “إن سعر طن الواحد من قشر الفستق التركي الأول بلغ 250 دولاراً أمريكياً، والنوع الثاني 240، أمّا قشور البندق فبلغ سعر الطن الواحد 225 دولار، وقشور الكرز 220 دولار، أمّا سعر طن قشر المشمش فبلغ 255 دولار، إذ يتميز قشر المشمش بسمكه الذي يدوم أكثر داخل المدفأة”.

من جهته يجد نعيم الحسين من سكان بلدة الدانا شمالي إدلب، أنّ اللجوء إلى التدفئة بالحطب بديلاً أفضل من قشور الفستق، ويقول: “أنا أقوم بشراء الحطب غير المجفف في نهاية كل شتاء، ثم أقوم بتجفيفه بشكل مناسب خلال الصيف، لاستخدمه في الشتاء اللاحق”، ويبلغ سعر كيلو الحطب الزيتون والسنديان في الوقت الحالي 190 دولار أمريكي، بينما كان ربيع العام الماضي بـ 125 دولار.

ويشير نعيم إلى أن طنين من الحطب يكفيانه وعائلته المؤلفة من 6 أشخاص طوال فصل الشتاء.

الجانب الصحي ..غائب

الطبيب محمد عبيد المختص في أمراض الصدر في مركز عيادات بلدة معرمصرين شمالي إدلب يقول إن مواد التدفئة البديلة تحمل الكثير الأمراض في كل شتاء، وخصوصاً ما يتم استخدامه حالياً لدى الكثير من العائلات النازحة كإحراق البلاستيك وأكياس النايلون والألبسة المستعملة وحتى مدافئ الحطب.

ويقول د.عبيد: “استنشاق الأبخرة المنبعثة من هذه المواد لفترات طويلة يتسبب بأمراض إلتهاب الحنجرة والجيوب الأنفية، وقد تصل لدرجة الشعور بالغثيان والتعب وحتى الاختناق أيضاً، فضلاً عن تسببها بأمراض السرطان، ولعلّ أكثر المتضررين من ذلك هم الأطفال وخصوصاً حديثي الولادة، والأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة وبعض الأمراض الأخرى”.

وخلال الشتاء الماضي وصل إلى مركز العيادات العديد من حالات الإختناق والأمراض التنفسية والصدرية جلهم من سكان المخيمات، ويستصعب شفائهم بشكل جيد لقضاء فترة العلاج في تلك الأماكن التي أصبحت ملوثة بشكل كبير.

مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” المختص برصد حال النازحين والمهجرين محمد حلاج يقول لـ”صالون سوريا” إن “أبرز احتياجات النازحين في المخيمات، هو تأمين مواد التدفئة، بالإضافة لتأمين مدافئ جديدة أو استبدال القديمة منها بنسبة 56 بالمئة من اعداد النازحين في المخيمات، وتأمين عوازل مطرية جديدة للخيم بنسبة 85 بالمئة، وتسوية وعزل أراضي المخيمات بنسبة 92 بالمئة، ومستلزمات اخرى (ثياب شتوية، بطانيات،…)، بنسبة 84 بالمئة”.

مؤسسة البريد تعيش على المهام المالية

مؤسسة البريد تعيش على المهام المالية

مؤسسة البريد تعيش على المهام المالية

فرضت تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي، وتداعيات الحرب نفسها بقوة على المؤسّسة السّوريّة للبريد، ما دفعها إلى إجراء انعطافه كبيرة في عملها، حيث أخذت على عاتقها القيام بالعديد من المهام المالية، دون أن تتخلى عن جوهرعملها في تقديم خدمات الرسائل، أو “البعائث” كما يسميها موظفو المؤسسة، للإشارة إلى إرساليات مؤسستهم، وهذا التغيير لم يطرأ على المؤسسة فحسب، وانما على جمهور المستفيدين/ات من خدماتها.

مع بداية الألفية، بدأت فكرة البريد والرسائل الورقية تختفى وتحل محلها مواقع التواصل الإجتماعي، بعد أن كانت الرسائل المكتوبة وسيلة التواصل الأكثر اعتماداً بين السوريين/ات الذين تفصلهم/ن المسافات.

إذ كانت العائلات السورية تنتظر رسائل الأقرباء والأصدقاء بالأيام والأشهر، وغالباً لا تصل هذه الرسائل بشكل مباشر بل بريد موجود في الصيدلية أو الدكان في الحي. اليوم أصبحت الرسائل الورقية شيئاً من الماضي تم الاستغناء عنه، وغابت الكتابة على الورق من يوميات السوريين والسوريات.

 من يدخل مبنى مؤسسة البريد في ساحة الحجاز وسط العاصمة دمشق، لن يرى أي أثر للرسائل القديمة المرصعة بالأختام والطوابع. الصور العائدة لربع قرن، وباب المؤسسة الخشبي الدوار، والزبائن الراغبين في ايداع رسائلهم عبر البريد العادي (محلي – دولي) لا وجود لها.

فالرسائل بمفهومها القديم، تكاد تختفي، والجمهور الذي كان يقصد المؤسسة لإيداع الرسائل، يأتي اليوم لاستلام راتب، أو حوالة بريدية، أو لإنجاز عمليات دفع، أو للحصول على وثائق.

هذا ما يؤكده أحد موظفي المؤسسة بقوله لـ”صالون سوريا ” :”في سياق إعادة طرح الهوية البصرية للمؤسسة، وعملية التسويق نقدم 20 خدمة جلها مالية، بالإضافة إلى خدمة البريد الحكومي.”

ويؤكد الموظف بأن الرسائل ماتزال موجودة، ولكن على نطاق ضيق، والرسالة كما يقول “تحمل مفهوما أشمل وأوسع من موضوع الاطمئنان والعلاقات الاجتماعية والمجاملات، فهذه انتهت مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، لكن الرسائل بالمفهوم الاعم لازالت قائمة” مضيفاً “مراكز البريد منتشرة في كل المحافظات والمدن والمناطق السورية، و صناديق البريد موجودة، لكن الرسائل الشخصية لا تتجاوز 2%من مجموع البريد.”

الخدمات مالية

تتوزع خدمات مؤسسة البريد لأربعة أنواع؛ خدمات بريدية أساسية، البريد الحكومي، وهذا حصرا عن طريق المؤسسة، الناقل الحصري لبريد مؤسسات الدولة، والطرود البريدية.

إضافة للخدمات المالية من حوالات فورية، دفع التعويضات والمستحقات الماليّة للعسكريّين المسرحين، رواتب المتقاعدين عسكريين ومدنيين، خدمات التأمين والمعاش وتعويضات نهاية الخدمة، منح ورواتب ذوي الشهداء، حوالات المتفوقين، عمليات سحب وايداع، يانصيب، بطاقات صراف، وأقساط سكن.

وخدمات القيمة المضافة مثل تسديد أقساط الجامعة الافتراضية، وخدمات الوثائق وهي تشمل جميع وثائق النافذة الواحدة (بيان عائلي ،غيرموظف ،غير محكوم ،..الخ ).

وتعتبر الخدمـات التي تقدمها المؤسسـة جزءاً من نشاطها البريدي الذي تمارسه، فهي تقوم وعبر مكاتب بريد الطرود باستلام البضائع وشحنها إلى المحافظات، أو طلب سيارة شحن من أي مديرية بريد في المحافظة لنقل بضاعة أو أثاث ضمن شروط النقل في المؤسسة.

. كما تقوم ايضاً بخدمة ايصال الرواتب للراغبين في أماكن سكنهم مقابل عمولة 400 ليرة سورية،  أما فيما يخص التسوق الإلكتروني، فهو حسب أحد مسؤولي المديرية مختلف عن مفهوم البريد ، “فخدمات المؤسسة تتميز بالموثوقية، فهي جهة حكومية، وكل أعمالها تحظى بأثر قانوني.” بحسب قوله.

ويذكر أن المؤسسة العامة للبريد في سوريا أحدثت في العام 1975، وهي مؤسسة عامة ذات طابع خدمي واقتصادي ترتبط بوزارة الاتصالات والتقانة مركزها الرئيسي دمشق، ولها فروع ومكاتب وشعب في كافة مراكز المحافظات والنواحي.

وقد احتفل العالم  في 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري باليوم العالمي للبريد، وهو الذكرى السنوية لتأسيس الاتحاد البريدي العالمي في عام 1874 في العاصمة السويسرية برن.

مهرجان للرمان في بلدة دركوش في إدلب

مهرجان للرمان في بلدة دركوش في إدلب

نظّم المجلس المحلي هذا الشهر مهرجان “الرمان الخامس” في بلدة دركوش بريف إدلب الغربي، بمشاركة المزارعين والأهالي وممثلين عن هيئات المجتمع المدني وعدد من الناشطين والفنانين.

وتضمن المهرجان فعاليات ومسابقات عدّة في إطار دعم المزارعين وتسليط الضوء على ثمرة الرمان، وعادات المنطقة التي تشتهر بها بلدة دركوش، وكان أبرزها، إجراء مسابقات لاختيار أفضل منتوج من الرمان وتكريم المزارعين الفائزين.

وضم المهرجان أيضاً فعاليات وفقرات كرنفالية ومسرحيات قام الأطفال بتأديتها، ومعرضاً للمأكولات الشعبية، والأدوات اليدوية، ونشاطات عدّة فنية وشعبية كالرقصات والأمسيات الشعرية، كما كان هناك معرض لأعمال فنية انتجها مكفوفون/ات بمشاركة مركز “الأيادي المبصرة” لتأهيل المكفوفين في مدينة إدلب.

وتضمن المهرجان أيضاً سباقاً للزوارق، وعرضاً تمثيلياً عن نقل الجرحى عبر نهر العاصي وذلك بالتنسيق مع هيئات عدة في البلدة، وبحضور ما يزيد على 500 شخص.

يقول عبد الرؤوف القاضي وهو أحد المزارعين في البلدة: “إن مدينة دركوش تشتهر منذ القدم بزراعة الرمان، لأن نهر العاصي يمر بها، ولأن الرمان يحب الماء، ولهذا تصبح ثماره هنا من أفضل المنتوجات، إذ تكون الشجرة مشبعة بالمياه”.

أما عن المهرجان فيضيف عبد الرؤوف: “لقد أصبح أحد معالم البلدة وأصبحنا كمزارعين ننتظره في كل عام، لعرض ما لدينا من أصناف متنوعة من الرمان، وبمواصفات تضاهي جميع المناطق”.

من جهته يرى الحاج أبو قاسم، وهو مزارع أيضاً في البلدة ومشارك في المهرجان، أن هذا المهرجان يساعد المزارعين في التسويق وبيع الرمان “الذي نعتمد عليه نحن بشكل رئيسي كمورد أساسي لنا، فمن خلاله نُعيل عوائلنا” بحسب قوله، ويضيف أبو قاسم “بالطبع لو كان بإمكاننا تصدير الرمان لحصلنا على سعر أفضل من ذلك بكثير، وخاصة أن الموسم لدينا وحسب طبيعة الأرض مميز، ولكن ضعف سوق التصريف يؤدي لانخفاض سعره وعدم تصديره”.

من جهته، يقول التاجر وصاحب بستان رمان في البلدة إيهاب القاسم: “لقد كان هدفنا الأول من المهرجان تسليط الضوء على المنتج المحلي وعرضه وعرض أصنافه المتعددة والمتنوعة، خاصة أن الغالبية لا تعرف أنواع الرمان، فمن خلال المهرجان نركز على عرض الأصناف والمنتوجات وإظهار جودتها، بالإضافة لعرض بعض الأكلات الشعبية والتراثية، وعرض طريقة صناعة دبس الرمان المنتج في دركوش أيضاً، لأن هذا الموسم لا يُباع بأسعار تتناسب مع كلفة إنتاجه”.

وشارك في المهرجان أيضاً الفنانة سلام الحامض وهي رسامة تشكيلية، حيث عرضت خلال المهرجان لوحاتها والتي تضمنت قضايا عدّة كقضية المعتقلين والمهجرين، بالإضافة إلى المعالم الأثرية في سورية.

كذلك شارك فيه الفنان التشكيلي رامي عبد الحق والذي أكّد خلال حديثنا معه أن مشاركته تأتي من أجل إكمال المهرجان ليكون لوحة “فسيفسائية” متكاملة، ولتذكير الأهالي والزوار “بشهداء الثورة السورية” بحسب قوله.

وتشتهر بلدة دركوش بزراعة ثمرة الرمان بأنواعها المختلفة، وهي: “اللفان، العصفوري، الفرنسي، ناب الجمل، رمان القزم”، وكانت الزراعة تقتصر على أطراف البساتين كنوع من السياج، إلا أنه ومع دخول الصنف الفرنسي أصبح بالإمكان زراعة أشجار الرمان على مساحات واسعة، على اعتبار أن هذا النوع يتميز بإمكانية زراعته على مسافات متقاربة، عكس الأنواع الأخرى.

شهادة جامعية بالاسم

شهادة جامعية بالاسم

حرمت الحرب السورية الكثير من السوريين الأكاديميين من الحصول على فرص عمل في اختصاصاتهم الجامعية، وذلك بسبب ارتفاع حصيلة البطالة وتأثير النزاع على سوق العمل الذي شهد تحولات كبيرة ومهن جديدة فرضت نفسها. هذا الواقع أدى إلى لجوء العديد من الشباب والشابات إلى خيار أعمال لا تليق بدرجتهم العلمية، لتتحول شهادات خريجي الجامعات إلى إطار خشبي معلق على جدران المنزل، كوثيقة رسمية تدل على أن هذا المنزل يحتضن جامعي برتبة عاطل عن العمل.

مجالسة الأطفال وكبار السن

في منشور مطول على أحد مجموعات موقع “فيس بوك” يدرج عمر (25 عاماً) خبراته المتعددة في مجالسة الأطفال وكبار السن، إلى جانب 5 سنوات خبرة في أعمال التنظيف مركزاً على الأمانة في العمل مع الإشارة إلى ميزة الابتسام وحس الفكاهة لديه كأداة للتسويق وجذب زبائن. يقول الشاب (خريج رياضيات): “وجدت فرصتي بالبحث عن عمل عبر السوشيال ميديا التي لا يمكن تجاهل أهميتها، لمجرد أن يسألني أحد عن أجرتي اليومية، أرسل إليه رسالة مفصلة مكونة من 8 بنود أشرح فيها عن قدراتي الخارقة في التنظيف والعناية بكبار السن والانتظام بمواعيد الأدوية والاهتمام بالأطفال، بالإضافة إلى إمكانية العمل ضمن نظام الساعات والراتب الشهري، مع أسعار مناسبة جدا أقل من غيري بكثير.”

يحاول عمر توسيع دائرة مهامه كي يظفر دوماً بفرصة عمل، حيث يعرض خدماته في شراء حاجيات الأسرة والطبخ وغسيل الصحون وخدمة الضيوف، هذه المهام التي ورثها من والدته حين كانت تعمل في تنظيف المنازل قبل أن يقعدها المرض وتولي عمر مهامها، خاصة أن الشهادة الجامعية لم تنفعه في شيء. يعقب عمر: “درست الرياضيات دون جدوى، أجني 3000 ليرة سورية مقابل درس واحد مع منة كبيرة من أهل الطالب، بينما تدر أعمال التنظيف مبالغ كبيرة، يصل أجري قرابة 30 ألف ليرة يومياً، مع ميزة توفر وجبة الفطور والغداء، لأن العادة جرت أن يقوم أهل البيت بإطعام عاملات وعاملين المنازل.” يضيف عمر “أن هناك عائلات تطلبه من أجل رعاية أطفالهم براتب شهري يصل إلى 700 ألف ليرة سورية وبدوام ست ساعات يومياً، هذا العمل يجني لي المال أضعاف ما سأجنيه من الدروس الخصوصية أو التدريس براتب شهري في مدرسة حكومية”.

شهادة علوم برتبة تنظيف

اضطرت ريم (25 عاماً) لقبول وظيفة عاملة نظافة في أحد المدارس الحكومية كحل مؤقت إلى حين نيل فرصة حقيقية في العمل بمجال دراستها، ظناً منها أن عملها في التنظيف لن يطول لأكثر من أشهر، لكن مضى على عملها هذا أكثر من ثلاث سنوات. وتقول عن تجربتها: “كنت بحاجة ماسة إلى المال عند تخرجي، لم يتوفر لي فرصة عمل سوى التنظيف، في البداية ظننت أن الأمر لن يتجاوز عدة أشهر حتى أجد عمل يناسبني، لكن دون جدوى، ما زلت عالقة فيه ولا فرصة أفضل”. وتتابع حديثها: “تؤلمني حالة التعالي التي أتعرض لها من قبل المعلمات والمعلمين، أساويهم بالعلم والمعرفة، لكنهم يصرون على معاملتي بفوقية”.

رفاهية الاختيار

قرر محمد (27 عاماً) تعلم صنعة الدّهان على يد عمه، إيماناً منه أن العلم لا يشبع البطون الخاوية، فيما أبقى على شهادته الجامعية بالأدب الإنجليزي حبيسة الأدراج إلى أن يأتي موعد إطلاق سراحها عبر فرصة في الخارج. ويقول عن تجربته: “أنحدر من أسرة فقيرة، لذلك لم أمتلك رفاهية الاختيار، كان يتوجب عليّ اتقان صنعة تدر المال، لاسيما في ظل غلاء المعيشة وتأمين مصروفي الشخصي ونفقات الجامعة، كانت الخيارات المتاحة هي تصليح برادات وصيانة الأجهزة الخليوية، والدهان، ولكوني أعشق الرسم استقريت على الخيار الأخير”. ويضيف محمد: “للأسف اليوم في سوريا يعد تعلم المصلحة أهم من حمل الشهادة الجامعية، لفقر سوق العمل وارتفاع منسوب البطالة”. ويضيف: اتقاضى 3500 ليرة سورية على كل متر دهان، ما يعادل وسطياً 300 ألف ليرة للورشة الواحدة، كما أنني استلم عدة ورشات شهرياً، هذا المبلغ لا أستطيع تحصيله من الدروس الخصوصية”. يختم حديثه: “يعز عليّ أن لا اشتغل بشهادتي، بس مصلحتي لا تتوقف لا في زمن الحرب ولا في زمن السلم”.

موظف خاص صباحاً وعامل بناء مساءاً

يجمع منهل بين عملين، ففي الصباح يعمل ضمن شهادته الجامعية التي نالها في إدارة الأعمال، وفي المساء يعمل في الأسقف المستعارة، يقول الشاب العشريني عن تجربته: “تخرجتً في عام 2016، أعمل بشهادتي في القطاع الخاص براتب 250 ألف ليرة سورية، فيما أعمل بالجبسن بورد والأسقف المستعارة مساءاً، وبالطبع لا يقارن ما أجنيه من عملي المسائي بمرتبي من العمل الصباحي”. ويتابع: “لذلك أفكر جدياً بتقديم استقالتي والتفرغ التام لمجال الديكور البنائي، خاصة أن لدي ورشتي الخاصة التي تدر علي المال”. يشعر الشاب بالحزن والخذلان نتيجة عجز تحصيله الدراسي على توفير الحياة الكريمة والاستقرار المادي، ويعقب بالقول: “أنا أب لطفلين، كما أعيل والدتي، صرت أفكر بمستقبل أطفالي وهل سأنصحهم بالتعلم أو إتقان مصلحة تدر لهم المال والاستقرار”. 

إعلامي بدرجة عتال

“تخرجتُ من كلية الإعلام منذ خمس سنوات، لكن أعمل بمهنة العتالة بأجر يصل إلى 8000 ل.س. مقابل تحميل أي نوع من البضائع، هذا المبلغ لن أجنيه من عملي بالصحافة.” هكذا يبدأ إبراهيم (27 عاماً) حديثه عن ماذا قدمت له شهادته الجامعية وأهميتها الفعلية، ويتابع الشاب كلامه: “اخترت هذه المهنة كونها من الأعمال غير الملتزمة بوقت معين وساعات عمل محددة، تعتمد على السرعة في الإنجاز، ومن المهن التي لا تحتاج إلى شروط معينة باستثناء القوة البدنية وقوة تحمل عالية، كما أن أجرة اليد العاملة ترتفع تبعاً لارتفاع الأسعار في السوق”. لا ينكر الشاب أهمية التعليم، لكنها لا تكفي لتأمين متطلبات الحياة ومكابدة العيش، ويعقب: “العلم أساس نجاح المجتمع، لكن لنكن موضوعيين، لا تكفي لمواجهة تحديات العيش الشاقة، أطمح للعمل في تخصصي العلمي، لكن متطلبات العيش التعجيزية تمثل أكبر عائق لذلك”.

المادة منشورة في جدلية