مصابات الحرب في إدلب ..معاناة لا تنتهي

مصابات الحرب في إدلب ..معاناة لا تنتهي

“أصبحت أعيش على هامش الحياة بعد الإعاقة، وأقصى أحلامي العودة للمشي من جديد، دون أن أطلب المساعدة من أحد” تقول سوسن التناري (31 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم في بلدة “كللي” بريف إدلب الشمالي، التي حكم عليها أن تبقى أسيرة كرسيها المتحرك بقية حياتها، فهو  وسيلتها الوحيدة في الحركة والتنقل من مكان إلى آخر، بعد تعرضها لشظية قذيفة في منطقة الظهر، وحول ذلك تقول لصالون سوريا: “أحتاج عدة عمليات جراحية على أمل الشفاء، لكنني أعجز عن دفع تكاليف العلاج .”

تعاني نساء في إدلب من بتر الأطراف والإصابات الناجمة عن القصف العشوائي وانتشار السلاح، ورغم أنّ جميع فئات المجتمع عرضة لهذه المعاناة، إلا أن المجتمع المجحف والنظرة الدونية للمرأة وتغييب دورها وانتقاص حقوقها، تجعل حياة النساء اللواتي يتعرضن للإعاقة أكثر صعوبة وتعقيداً.

بحزن كبير تستذكر التناري لحظة إصابتها فتقول: “بشهر نوفمبر من عام 2019 كنت في طريق عودتي من مكان عملي إلى المنزل، حين سقطت قذيفة على مقربة مني، فاستقرت إحدى شظاياها في عمودي الفقري وتسببت لي بالشلل .”

وتلفت التناري أنها خسرت عملها وكل أمل بعيش حياة طبيعية، وتضيف: “كنت أرعى أطفالي الثلاثة الأيتام، وأؤمن نفقات المنزل من مردود عملي كمعلمة، ولكن بعد إصابتي اضطررت للانتقال للعيش مع والدتي المسنة التي ترعاني مع أطفالي، وأصبحنا جميعاً ننتظر المساعدة من أهل الخير لنؤمن مصروفنا ونبقى على قيد الحياة  .”

كما تعجز معظم مصابات الحرب عن تأمين أطراف صناعية بسبب تردي أوضاعهن المادية، وغياب أي جهة أو منظمة تهتم بتقديم أطراف صناعية مجانية لمصابات الحرب وتهتم بهن وترعى شؤونهن .

مريم المعمار (28 عاماً) من مدينة سرمين، أم لطفلين، لم تتمكن من تأمين ثمن طرف صناعي سفلي، بسبب سوء أحوالها المعيشية، وعن ذلك تقول: “فقدت قدمي اليمنى بشظية برميل متفجر منذ خمس سنوات، وبعد انتظار دام قرابة سنة حصلت على طرف صناعي، محلي الصنع من جمعية خيرية، لكنه تسبب لي بآلام كثيرة، ولم يساعدني على المشي، لذلك تخليت عنه وعدت للسير بمساعدة العكازين .”

وتشير المعمار أن معاناتها لم تقف عند حدود الإعاقة، حيث زاد معاناتها عدم تقبل زوجها وأهله لإعاقتها، فعمد لهجرها والزواج من امرأة أخرى، وعن ذلك تضيف بعيون دامعة: “أحاول أن  أرعى أولادي وأقوم بواجباتي كأم، ولكن أكثر ما يؤلمني هو تخلي زوجي عني، علماً أنه لو كان مكاني، ما كنت لأتخلى عنه مهما كانت الظروف .”

الشابة رولا السلوم (19 عاماً) نازحة من بلدة خان السبل إلى مدينة حارم، كانت تفضل الموت على إكمال حياتها مبتورة القدمين، وعن معاناتها تقول: “غارة من الطيران الحربي كانت كفيلة بقلب حياتي إلى جحيم وتدمير مستقبلي، حيث أدت لمقتل والدي وبتر قدمي .”

وتضيف: “لم يعد لحياتي معنى، فقد كنت سابقاً مقبلة على الحياة ومفعمة بالنشاط والحيوية، وأسعى للتفوق وإكمال الدراسة، ولكنني اليوم منطوية ومنكسرة، وأخشى الخروج من المنزل خوفاً من رؤية الشفقة والانتقاص في عيون الناس، فهي تذكرني بما وصلت إليه من عجز وبؤس وشقاء .”

وتلفت أنها محملة بذكريات مريرة، وأحلام مقيدة بمواصلة التعليم والعودة للاندماج بالمجتمع بفعل غياب الدعم، وضعف الإمكانيات، وحاجتها الماسة لكرسي كهربائي متحرك، يمكّنها من الذهاب للمدرسة، ثم تضيف بصوت خافت: “حتى لو أتممت دراستي مَن سيوظف معاقة مثلي! .”

من جهتها المرشدة النفسية علا خمورة(33 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث عن معاناة النساء ذوات الإعاقة بالقول: “شكلت الإعاقة نقطة تحول قاسية في حياة الكثيرين، وخاصة النساء اللواتي يقع على عاتقهن مهمة رعاية الزوج والأولاد، وتحديات وأعباء كثيرة في ظل محدودية مراكز الرعاية والتأهيل الخاصة بهن، والنظرة القاصرة التي تنحصر بين الشفقة والسخرية، لذا يزداد شعورهن بالقلق والإحباط وفقدان الثقة بالنفس، إلى جانب العزلة والانطواء وتراجع المستوى الدراسي والعملي، والفشل في تكوين علاقات جيدة مع الآخرين، فضلاً عن الإحساس بالشفقة على الذات والغضب والانفعال المستمر . “

وأكدت الخمورة أن غالبية النساء لا يحصلن على الحد الادنى من الحقوق، وينعدم لديهن أي حافز للتحدي وإثبات الذات، نتيجة لثنائية التهميش الناتج عن الإعاقة من جهة والنظرة السلبية للمرأة في المجتمع من جهة أخرى، لذا أوصت بضرورة توفير الرعاية الصحية والتعليم وتحسين المعيشة من خلال محاربة الفقر، والتدريب والتأهيل والعمل، وتوزيع الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين على كل المراكز والجمعيات والمخيمات التي تتواجد فيها النساء ذوات الإعاقة، للتعرف على أفضل الأساليب في التعامل معهن وجعلهن ناجحات ومنتجات وواثقات، فضلاً عن توفير العلاج اللازم، وتردف قائلة: “هؤلاء النساء  بحاجة إلى فرص فقط، لا إلى شفقة.”

سلبت الحرب أجزاء من أجسادهن ليعانين الأمرين في محاولة التأقلم مع الإعاقة والالتزام بمسؤولياتهن وأعباء الحياة المضاعفة رغم الظلم والإقصاء وإجحاف المجتمع .

الأمبيرات.. تنتشر في المدن والأرياف السورية

الأمبيرات.. تنتشر في المدن والأرياف السورية

بعد أن حلّت أسوأ أزمات الكهرباء نتيجة شح وصعوبة تأمين موارد الطاقة اللازمة لتشغيل المحطات الكهربائية بأنواعها المختلفة، بدأت “الأمبيرات” تنتشر في محافظة حلب، و امتدت إلى محافظات جديدة تحت وطأة زيادة ساعات التقنين، رغم عدم حصولها على ترخيص قانوني حتى اليوم.

يقول نور من سكان حي الحمدانية في حلب لـ”صالون سوريا”: إن ساعات التغذية الكهربائية لا تزيد في كثير من الأحيان عن ساعتين فقط، مع تحسن في يومي الجمعة والسبت بشكل طفيف؛ إذ تصل إلى ساعتي تغذية كل 4 ساعات في فصل الربيع”، هذا ما دفع حيّه وأغلب أحياء المدينة تقريباً لاستخدام نظام “الأمبيرات” لتوفير الكهرباء اللازمة للمنازل. كذلك تفعل المحلات التجارية في الأسواق، وهو مصدر طاقة كاف لتشغيل الإنارة وبعض الأدوات الكهربائية البسيطة، مثل: التلفاز.

 جورج وهو من سكان حي الميدان بحلب في نظام “الأمبيرات” منذ سنوات مقابل 60 ألف ل.س شهرياً (حوالي 23,8 دولاراً أمريكياً حسب النشرة الرسمية لمصرف سورية المركزي).

ويبلغ سعر “الأمبير” الواحد ما بين 8 إلى 10 آلاف ل.س أسبوعياً حسب كل منطقة، وتحتاج العائلة إلى 2 أمبير على الأقل، وبذلك تنفق نحو 16 إلى 20 ألف ل.س (حوالي 8 دولارات) بشكل أسبوعي، ويغطي “الأمبير” عموماً الفترة المسائية من الساعة الرابعة مساء حتى منتصف الليل بمعدل 8 ساعات يومياً، في حين توفر “الأمبيرات” الصناعية 13-14 ساعة تغذية للفعاليات التجارية، لكن بسعر أعلى من المنزلي.

ولم يحصل نظام “الأمبيرات” على ترخيص قانوني في البلاد، كما نفى وزير الكهرباء غسان الزامل في تصريح نشر على وكالة الأنباء السورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 مناقشة أي مشروع لـ”الأمبيرات” في دمشق وريفها، مؤكداً أن وزارته “صاحبة الحق الحصري في توزيع الكهرباء”.

ويتشابه واقع الكهرباء في الريف الدمشقي مع حلب، حيث لا تتجاوز عادة ساعات التغذية الكهربائية 4-5 ساعات يومياً، ما أجبر الأهالي وبعض أصحاب المحلات التجارية على تأمين بدائل، مثل: المولدات التي تعمل على البنزين أو المازوت، ومؤخراً الاشتراك في نظام “الأمبيرات” لأنه أقل كلفة.

أحمد وهو من سكان معضميّة الشام، اشترك مؤخرا في نظام “الأمبيرات” الذي دخل إلى المدينة في الأشهر الماضية. عن تجربته يقول لـ”صالون سوريا”: “بلغت كلفة تركيب الكابلات والساعة الكهربائية وأجور العمال نحو 350 ألف ل.س، تحسب التكلفة الأسبوعية على أساس حجم الاستهلاك مهما بلغ، استعمل كهرباء الأمبير من أجل الإضاءة وشحن الهواتف فقط “.

ودخلت “الأمبيرات” محافظة طرطوس على غرار محافظات أخرى في ظل الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، وأكد مدير عام كهرباء طرطوس عبد الحميد منصور لصحيفة “الوطن” المحلية في كانون الأول/ديسمبر 2021 أن الشركة ترفض ترخيص عمل هذه “الأمبيرات”، وهي ممنوعة لعدم وجود أي بند في قانون الاستثمار يشرع عملها، مضيفاً أن 10 مولدات “أمبير” تعمل في مدينة طرطوس من دون رخص قانونية.

وتناقلت وسائل إعلام محلية أنباء عن دراسة تجريها لجان رسمية في محافظة حماة لاستثمار مولدات أمبير في المدينة.

وذكر مدير التخطيط والتعاون الدولي في “وزارة الكهرباء” أدهم البلان في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أن القطاع الصناعي يستهلك نحو 500 ميغاواط يومياً، وبالتالي يستحوذ على 25% من الطاقة الكهربائية المتاحة حالياً، وتقدر بـ 2000 ميغاواط.

وبلغت الخسائر المباشرة وغير المباشرة لقطاع الطاقة الكهربائية في سورية نحو 6 مليارات ل.س (حوالي 2,4 مليون دولار)، وانخفض إنتاج الكهرباء من 49 مليار كيلو واط ساعي في عام 2011 إلى نحو 19 مليار كيلو واط ساعي عام 2016، ثم عاد للنمو، حيث وصل في عام 2020 إلى 27 مليار كيلو واط ساعي، بحسب تقرير صدر عن “وزارة الكهرباء” في آب/أغسطس 2021.

وصرح رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس مؤخراً أن واقع الكهرباء في سورية سيشهد تحسناً ملحوظاً خلال النصف الثاني من عام 2022، وذلك بعد تأهيل ووضع عدد من مشاريع ومحطات توليد الكهرباء بالخدمة والاستثمار.

وتعمل “وزارة الكهرباء” على إنشاء مشاريع أو تسهيل الاستثمار في الطاقات المتجددة للتخفيف من استهلاك الطاقة التقليدية، وبخاصة من قبل القطاع الصناعي، لكن مساهمة هذه المشاريع في المنظومة الكهربائية ما زالت ضعيفة نسبياً.

مهن الروائح في دمشق

مهن الروائح في دمشق

يخطف المرور بسوق البزورية في دمشق القديمة الأنفاس، فتغرق في بحر من الروائح المدهشة والألوان الزاهية، السوق التاريخي الشهير ببيع التوابل والعطارة يمتد من قصر العظم وسوق الصاغة القديم، إلى سوق مدحت باشا الذي يحتضن بائعي العطورات وخلطات الزيوت.

بدأ  أبو نضال الخمسيني عمله في البزورية منذ السابعة عشر من عمره، حين  كان صانعا لدى أهم العطارين في دمشق القديمة، وبعد أن تعلم أسرار المهنة فتح أخيراً محله الخاص في السوق ليُسخر مهاراته في الزيوت الباردة و التوابل، جامعا حصيلته المعرفية لخدمة الناس، يقول أبو نضال لصالون سوريا: “حاسة الشم والتذوق هما أساس عملي، فمن خلالهما أقوم بصنع خلطاتي المميزة، واكتشاف المفقود منها ووضع المقادير المناسبة لها، لذلك أحرص على جعل الشم قوي جدا بالتدريب، وأعمل على تجنب الإصابة بالزكام والحساسية، فالعطار الماهر هو من يمتلك حاسة شم 100% لاتشوبها شائبة، وقادر على تحديد التوابل على بُعد مسافة طويلة “.

يستطيع أبو نضال من مسافة متر تحديد العنصر الناقص في مزيج خلطة الدجاج المشوي على سبيل المثال، هذا حصيلة خبرة راكمها على مدار سنوات طويلة، يضيف أبو نضال متحدياً:”أحضري لي  أي نوع بهارات لأعطيك اسمه على الفور، تأتيني الكثير من ربات البيوت حائرات في تحديد اسم التوابل التي يشترونها بعد أن نسي البائع كتابة اسمها أو سقطت سهواً”.

و يبتكر  أبو نضال العديد من خلطات التوابل التي تأتي من الهند والصين وسيرلانكا ” في سوريا لدينا انواع قليلة من التوابل كالكمون والزعتر  تعد على أصابع اليد الواحد، نستورد البقية من الخارج، أخلط التوابل وأمزجها وفق معايير ومكاييل محددة، ثم أطبقها في طعام منزلي أولاً حتى أتوصل للطعم المميز والكامل، ثم أبدأ بيعها للناس” يشرح لنا. ومن خلطات البهارات الشهيرة “السبع بلدان” أو “السبع دول” أو “البهارات السبعة”، وهي عبارة عن مزيج بين مساحيق مطحونة من الزنجبيل والقرفة والهيل وفلفل أسود وجوز الطيب  وبهار حلو والقرنفل.

يعتقد أبو نضال أن مصلحة التوابل تتجاوز عملية بيع الزبون كميات من البهارات مقابل النقود، بل هي فن وتذوق عاليين المستوى يجب أن تتوافر لدى كل من يريد امتهان هذه المهنة.

الزيوت الطبيعية

من المهن التي تعتمد على حاسة الشم أيضاً هي خلطات الزيوت الطبيعية، أبو ريم بدأ بالعمل في هذه المهنة منذ عام 1997، حين كان في الخامسة والعشرين من العمر،  يشرح لـ”صالون سوريا” عن أصولها، “استخرج الزيوت الطبيعية وأعصرها على البارد كي تبقى محافظة على خواصها وفوائدها وتفادي خسارة عناصرها وفيتاميناتها، مثلا اسحق بذور الكتان، ثم أعصرها واستخلص منها الزيت مباشرة، كي تظل مفيدة للبشرة والشعر، والأمر كذلك بالنسبة لباقي الزيوت”، يجد أبو ريم أن عمله يتطلب ثقافة واسعة بأنواع الزيوت وخواصها المميزة وفوائدها المتعددة، والحذر من الخلط بين الزيوت كي لا يقع البائع في الخطأ، كأن يعطي زيت شعر بدل البشرة.

والعطور الفوّاحة

يمسك أبو محمد (55 عاماً) بقارورة زجاج فارغة، ليجيب على الفور بدون تردد عن اسم العطر الذي تبحث عنه إحدى الزبونات بعد أن أضاعت الورقة الملصقة عليها، ببراعة اكتسبها الرجل خلال ثلاثين عاماً من مسيرة عمله، يقول :”تعلمت تركيب العطور على يد شيخ قدير لم يبخل عليّ بالعلم، استقيت منه مفاتيح المهنة، ثم انطلقت لوحدي برحلة التعلم الذاتي والاكتشاف والمطالعة، حتى أصبحت خبيراً بها”.

طور أبو محمد من حاسة الشم عنده، فكان يمارس تمارين خاصة تساعده على تقويتها وزيادة رهافتها، كاستنشاق الزعتر والثوم والبصل لقدرتهم على رفع مناعة الجسم، بالإضافة إلى تجنب التدخين للحافظ على رئتيه نظيفتين، وعدم تراجع حاسة الشم، ليتمكن من التقاط الروائح وتمييزها من بين المئات.

وعن العطور يشرح أبو محمد :”هناك بعض العطور المفقودة في البلاد كالأصلية منها، ويرغب صاحبها بالحصول على مثيل لها، فبفضل حاسة الشم القوية أستطيع تحديد تركيبة العطر، وأقوم بصنع عطر مشابه له تماما، لدرجة أن البعض يقولون لي أنني وفرت عليهم عناء الحصول عليه من الخارج وتكبد مصاريف كبيرة، باعتبار أن العطور الأصلية غالية جدا”، ويضيف “كما ينسى بعض الزبائن أسماء عطر أعجبهم فيعرضون الزجاجة الفارغة عليّ لأشمها والتعرف على اسمها الذي يكون بعدة نسخ متطورة، و من هنا تكمن مهارة بائع العطور وأنفه المرهف بالحصول على الرائحة ذاتها وهذه القدرة تأتي بالتقادم، فأنا أحفظ قرابة 150 رائحة خلال السنوات التي راكمتها”.

ويشير أبو محمد إلى أن “الاسانس” هي المادة الزيتية التي نستوردها من الخارج، كفرنسا وسويسرا وألمانيا، قد تكون نخب أول أو ثان وجميعها مواد كيمائية زيتية، وليست طبيعية كما يشاع باستثناء الأصلية المستخلصة من رحيق الورود والحمضيات وهذا ما يفسر ثمنها الغالي، إذ يبدأ سعرها من الـ 100 دولار.

وللحصول على عطر مميز جاهز، يستخدم الرجل مواد قليلة كالاسانس ومثبت العطر وكحول خالي من الرائحة وماء مقطر، يوضح أبو محمد “إذا كنت أنوي تحضير كمية من العطر تقرب من 100 غرام، فبحاجة إلى  20 غرام من الأسانس و75 غرام من الكحول و1 غرام من المثبت الكافي الذي يحافظ على ثبات الرائحة”.

قد تبدو مهنة بائع العطور براقة ولا تخلو من المشاكل والآثار الجانبية، لكن على العكس من ذلك، تحيق بصاحبها العديد من وتأثر عمل أبو محمد كما أغلب بائعي العطور وأصحاب المهن خلال سنوات الحرب في سورية بسبب ضعف الطلب وغلاء المواد وانقطاع الكهرباء، حيث تراجعت جودة الإنتاج وارتفع سعره أضعاف عدة.

مفاتيح ادلب

مفاتيح ادلب

يا قلب جدك هذا مفتاح البيت الذي ربيّتُ فيه أباك وعماتك، وكنت أتمنى أن تتربي فيه مع أخوتك ولكن حدث التهجير وشاء الله أن تولدي هنا في إدلب يقول أبو عبد الوهاب لحفيدته الأولى وهو يهديها عقداً ذهبياً كهدية لمولدها (النقوط) كما جرت العادة لديهم، مستبدلاً تعليق حرف اسمها بمفتاح منزله.

ترك أبو عبد الوهاب منزله بريف دمشق منذ تهجيره مع عائلته نحو الشمال السوري منذ عدّة سنوات.

المفتاح الذي يمثل الأرض والوطن في عاطفة أبو عبد الوهاب هو ذاته مصدر لرزق عدد من الناس الذين يعملون في مهنة صناعة المفاتيح في إدلب.

 محمد العلي (60 سنة) أحد الذين يعملون بمهنة المفاتيح اليوم، صبّ أول مفتاح داخل دكان والده قبل سبعة وأربعون عاما قبل أن يفتح دكانه المستقلّ بالقرب من دوار المتنبي، يقول لـ “صالون سوريا”: “دخلت العديد من التغييرات على مهنة صناعة المفاتيح”، كما تغيرّت معها مدينته إدلب كثيراً خاصة خلال العشر سنوات المنصرمة، إلا أن محمد استطاع مواكبة تلك التطورات رغم كل الظروف التي مرت بها مدينته ومهنته ليستمر في المدينة والمهنة التي هي آخر ما تبقى له من الزمن الجميل بعد وفاة زوجته كما يقول.

يشرح محمد لـ “صالون سوريا” أسرار صناعة المفاتيح قائلا: “تحتاج المهنة للكثير من الدقة والتركيز والتدريب، بالإضافة إلى الرغبة في تعلمها”، وتعلّم محمد هذه الصناعة من مراقبة حركات يد والده وهي تفرط الأقفال، أو تصب المفاتيح، ليبدأ بعدها بتقليده إلى أن اكتسب السرعة والحرفية في استخدام المفكات وإعادة تجميع الأقفال.

وعلى مقربة من دكان محمد باتجاه حي الناعورة، أحد احياء إدلب القديمة، كشك صغير على حافة الطريق يعمل به منصور (32 سنة) المهجّر من مدينة حمص، بعد أن حمل منصور معه سرّ مهنته المتوارثة في نسخ المفاتيح في قوافل التهجير نحو الشمال، فكانت مهنته صمام أمانه الاقتصادي رغم قلة مردودها، فهي على الأقل تمكّنه من دفع آجار الغرفة التي يقطنها مع عائلته.

زيّن منصور جدران هذه الغرفة بعدد من مفاتيح متنوعة الأحجام والأشكال جمعها خلال عمله، يتوسطهم مفتاح منزله الذي يحلم بالعودة إليه، رغم معرفته بأن منزله قد تدّمر.

مفاتيح دون أصحاب

قرب ساعة مدينة إدلب يجلس عبد القادر في مكتبه العقاري يومياً، بجوار لوحة تحوي مفاتيحا لبيوت ومتاجر عدد من أبناء المدينة الذين غادروها نحو تركيا أو أوربا.

يروي عبد القادر لـ “صالون سوريا” كيف ترك أصحاب تلك المفاتيح ممتلكاتهم بحوزته بغية تأجيرها والحفاظ عليها بعد سفرهم نحو تركيا أو أوربا منذ سنين.

ويضيف عبد القادر ” هذه المفاتيح غالية على قلبي، أحبها بقدر حبي لأصحابها، معارفي وجيراني، وأعامل بيوتهم كما أعامل بيتي، هذه المفاتيح أمانة والأمانة صعبة”.

وأخرى عابرة للحدود

على أطراف مدينة أطمة شمالاً، تعيش هند في إحدى المخيمات العشوائية برفقة ابنها وعائلته، تجلس يومياً على باب خيمتها ويتحلق حولها أطفال المخيم بفضول لتريهم مجموعة مفاتيحها المتنوعة، وهي “أغلى مقتنيات خيمتها” على حد وصفها.

هند فلسطينية سورية (45 سنة) كانت تقيم في مخيم الرمل الجنوبي باللاذقية قبل نزوحها منها لمدينة درعا ثم لمخيم أطمة، وهي ماتزال تحتفظ بمفاتيح كل البيوت التي سكنتها سابقاً، بالإضافة لمفاتيح منزل أهلها وبيت جدها في فلسطين قبل نزوحهم منها إلى سوريا.

تقول هند “لكلّ مفتاح قصة من الوجع والنزوح، ومع كل مفتاح مجموعة من الذكريات الجميلة التي قضيتها بتلك المنطقة مع أهلي”، ولهذا ورغم معرفتها ان أبواب كل تلك البيوت لم تعد موجود بفعل الزمن والحرب، ولكنها مصرّة على توريث تلك المفاتيح لأولادها وأحفادها من بعدها.

أما جارتها فاطمة الخليف (50سنة) النازحة من ريف حماة فهي ترى في تلك المفاتيح “بصيص ضوء بأمل الرجوع لمنازلهم عما قريب” بحسب قولها.

بعد أحد عشراً عاماً عن بدء الانتفاضة السورية وما عاشه السوريين فيها من خسارات متتالية تغيرت علاقة السوريين بتفاصيل لم تكن تعني لهم الكثير من قبل، ومنها المفاتيح فخلال العقود الماضية كان المفتاح مجرد أداة يحمون به أملاكهم أو يبعدون المتطفلين عن حياتهم الشخصية، ولكن هذا الأمر تغير في العقد الأخير حيث أضحى المفتاح نافذة لأزقة الذاكرة وعتبات الروح.

تين الهبول ودبس الرمان في مصياف

تين الهبول ودبس الرمان في مصياف

عند زيارتك لمنطقة مصياف وريفها بمحافظة حماة، ستقدّم لك في أغلب منازلها التي تنزل فيها ضيفاً منتجات وأطعمة تقليدية، اعتاد الأهالي على صناعتها منذ سنوات طويلة، وعُرفت بتقديمها للضيوف.

وتتفن النساء بصناعة العديد من الأطعمة الشعبية بأنواع وأشكال مختلفة، بعد أن توارثن هذه الأشياء عن الآباء والأمهات.

تقول رؤى: “كان يزورني أصدقائي وخاصة من غير محافظة، وأقدم لهم الهبول وأحبوه كثيراً وأعطيهم قسماً لأهاليهم” مضيفة “للهبول طعم شهي كما له فوائد طبية فهو يمد بالطاقة والنشاط، ويساعد على محاربة السعال عبر غليه وشربه”.

ويوضح الباحث التاريخي لؤي بيطار أن منطقة مصياف اشتهرت بالعديد من الصناعات والمأكولات الشعبية مثل “تين الهبول” ودبس الرمان والعرق البلدي وغيرها، والتي توارثتها الأجيال، مبيناً أن القسم الأكبر من هذه الأطعمة كان يُصنع بغرض الضيافة، “فيما يباع قسم منها بأسعار منخفضة” بحسب قوله، هذا قبل أن يتغير الوضع بعد الحرب، وتصبح صناعة هذه المنتجات مصدر رزق للعديد من العائلات.

تين الهبول

هو علامة مميزة لمنطقة مصياف التي تتميز وريفها بوجود العديد من الأراضي المزروعة بالتين البعل بأصناف عديدة مثل الصفراوي والأحمر والفرزي والملي وغيرها.

تروي السيدة رؤى (50 عاماً) أنها تعلمت من والدتها صناعة التين الهبول، حيث تملك عائلتها أراضٍ مزروعة بالتين.

وعن كيفية صناعته تقول رؤى لـ”صالون سوريا”: “بعد قطف التين يُنتقى الجيد منه ويُنشر على أسطح المنازل حتى يجف بعد تعرضه لأشعة الشمس، وبعدها يُجمع ضمن وعاء معدني فيه ثقوب من الأسفل يسمى الغربول”.

وبعد ذلك يوضع التين الجاف في وعاء معدني كبير مليء بالماء موضوع على النار، ويُترك حتى تطهى ثمار التين على البخار بشكل كامل.

وتتابع رؤى “عقب هذه العملية يُعجن التين مع بعضه، ويقطع إلى قطع صغيرة ويغمس بنخالة القمح، ويمكن إضافة الجوز أو اللوز أو جوز الهند ثم تناوله”.

كما تحدثت رؤى عن وجود نوع آخر من التين، الذي يوضع تحت أشعة الشمس حتى يجف ويصبح جاهزاً للأكل ويسمى “المسطوح”، وغالباً ما يتم تناوله خلال الشتاء.

وتواظب الكثير من العائلات على صناعة التين بنوعيه وخاصة “الهبول” خلال شهر آب عندما تنضج الثمار، وخاصة أنه تحول إلى مصدر رزق.  

دبس الرمان

تعتبر صناعة دبس الرمان حرفة يتوارثها أهالي مصياف منذ القدم، وهم يبيعون منتجاتهم في المنطقة وباقي المحافظات.

وتتميز العديد من قرى ريف مصياف بانتشار أشجار الرمان بكثرة في المنطقة، وعن صناعة الدبس تقول لميا (51 عاماً) إن: “تبدأ بفرط حب الرمان ثم توضع بأواني معدنية، وبعدها يتم العصر “.

وتذكر لميا أنه في الماضي كان الأهالي يعصرن حب الرمان عبر الرحى الحجرية التراثية، ومع التطور بات الناس يعتمدون على الخلاط الكهربائي أو آلة العصر اليدوية (الخضاضة).

وبعد العصر يوضع الرمان بأطباق معدنية على النار لغليه ساعات عدة حتى يصبح لزجاً، وحالياً يعتمد الأهالي على الحطب لغلي الرمان في ظل ندرة الغاز المنزلي وارتفاع أسعاره في السوق السوداء.

تبين لميا أنه بعد غلي عصير الرمان يوضع في أطباق ليجف تحت أشعة الشمس لمدة أسبوعين تقريباً، ثم يُخزن في أوان زجاجية ويصبح جاهزاً للتناول.

مصدر للرزق

ومع تدهور الوضع الاقتصادي بشكل حاد في سوريا، اختلفت الأوضاع كثيراً حيث بات الناس يبحثون عن مصدر دخل آخر في ظل قلة الأجور وارتفاع أسعار المواد باستمرار.

هذا ما دفع رؤى التي تعمل كمدرسة لغة عربية إلى امتهان بيع تين الهبول، فقد أصبحت تنتج كميات كبيرة منه بغرض البيع.

وتبين أنها تبيع كميات في المنطقة كما ترسل إلى محافظات عدة أيضاً، مما ساعدها على تحقيق مردودٍ جيدٍ، حيث يصل سعر الكيلو إلى 15 ألف ليرة.

وتقول: “راتبي لا يكفيني حتى أمن لعائلتي ما تحتاجه وزوجي متوفي من سنوات، فكان لابد من إيجاد حل وأولاد يساعدوني قدر الإمكان”.

وتبيع رؤى منتجاتها من المنزل حيث يحضر إليها أبناء المنطقة لشراء احتياجاتهم من تين الهبول أو من يرغب بأخذ هدية لشخص ما.

وتقول: “أبيع كميات متفرقة في البيت وأجهز طلبات توصية بناء على رغبة البعض من أصناف التين المتنوعة”، ورؤى ليس الوحيدة التي امتهنت بيع التين الهبول، بل يوجد العديد من أهالي مصياف وريفها ممن قاموا بذلك ومنهم سامر (30 عاماً).

ويبين سامر أن والديه انفصلا عن بعضهم ويعيش مع أمه، وبات عليه المساعدة في مصرف البيت، لذلك لجأ إلى بيع تين الهبول ودبس الرمان.

ويقول: “أوقفت تسجيلي بالجامعة منذ فترة لأتمكن من صناعة التين ودبس الرمان مع أمي، ونبيع حالياً في مصياف ودمشق والطلب هناك أكبر “. 

ويضيف “الذهاب إلى الجامعة بات مكلفاً والمصاريف تزداد يومياً، والبقاء بالمنزل والعمل في التين والرمان أصبح أفضل لي ولعائلتي”.

ويصل سعر كيلو دبس الرمان إلى قرابة 20 ألف ليرة سورية، حيث ارتفع سعره في الفترة الأخيرة خاصة مع تراجع قيمة العملة وارتفاع الأسعار.

صعوبات صناعة المنتجات التقليدية

“صناعة التين ودبس الرمان تتطلب جهداً وعملاً متواصلاً من الصباح حتى المساء.. أنا شاب وأتعب كثيراً حتى أتمكن من تأمين جزء من مصروف البيت ولكن هذه حال البلد”، بهذه الكلمات عبر سامر عن الجانب الآخر من صناعة دبس الرمان وتين الهبول، مبيناً أنه يواجه العديد من الصعوبات.

ويذكر أنه يستيقظ في الصباح الباكر لجمع الحطب من الجبال لأجل النار، لعدم توفر الغاز الذي وصل سعره إلى 170 ألف ليرة سورية، إضافة إلى تأخر رسالة الغاز المدعوم لأكثر من 100 يومٍ.

وتتشارك لميا ورؤى هذه الصعوبات دون وجود أي تسهيلات أو جهات داعمة لهذه المشاريع الصغيرة.

وتقول لميا: “نعاني من تسويق المنتج إلى خارج مصياف، وأحياناً لا تصل الكميات إلى المحافظات الأخرى بسبب الحواجز”.

أما رؤى تطالب بأن يكون هناك تصدير لبعض الدول المجاورة لسوريا نتيجة الطلب على هذه المنتجات.

وتقول: “يتواصل مع أشخاص من الأردن والعراق يريدون التين، ولكن لا يوجد إمكانية لإيصاله، والمفروض أن يكون هناك بعض الدعم لتسويق المنتج من جميع الجهات”.

ورغم ذلك تبقى هذه المأكولات الشعبية سنداً وعوناً للعائلات في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعاني منها سوريا، حيث وصلت نسبة الفقر إلى أكثر من 90 % حسب الأمم المتحدة.

الدروس الخصوصية في سوريا منفعة علمية وغاية تجارية

الدروس الخصوصية في سوريا منفعة علمية وغاية تجارية

“عم حلل تعبي ورزقي، جهد أكبر بس مصاري أكتر” يقول خالد عساف مدرس اللغة العربية عندما سأله “صالون سوريا” عن توجهه لإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، مضيفاً بأن راتب الدولة الذي يتلقاه نظير عمله الحكومي في إحدى مدارس منطقة دويلعة في دمشق “غير عادل ولا يوازن بين تعب المدرس ووقوفه لست ساعات متواصلة على مدار خمسة أيام لإعطاء الدروس للطلاب” بحسب قوله. ويعمل المدرسون/ات في المدارس المتهالكة التي باتت فضلاً عن سوء بنيتها العمرانية، تكتظ بالطلاب، نتيجة حالة نزوح السكان من منطقة لأخرى خلال الحرب التي شهدتها البلاد.

يضحك المدرس عادل جبر حين يشبه نفسه “بالنحلة” التي تنتقل من بيت إلى آخر طيلة اليوم وبدون استراحة، لإعطاء دروس خصوصية بمادة الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ” كله فدى العلم والتعليم!”، يقول ممازحاً.

حصل خالد على إجازة جامعية بالرياضيات لكن بحسب شرحه لـ “صالون سوريا” فإن مادتي الفيزياء والكيمياء تتداخلان مع الرياضيات، ويضيف “أهل الطلاب يفضلون الأستاذ الذي يستطيع أن يدّرس أكثر من مادة، ومن جهة أخرى أقل جهداً على المدرس واختصاراً للوقت بالنسبة للتنقل من بيت إلى آخر، غالباً سيراً على الأقدام”.

وعن ارتفاع أجور الدروس الخصوصية يقول خالد “نعم، ومع ذلك لا يمكنه أن يواكب جنون الأسعار في الخارج، حتى أن كل شخص في سوريا أصبح يتمنى عدم الخروج من بيته كي لا يواجه الواقع القاسي الذي يحيط به أينما تلفت.. واقع يفرض معاناة إنسانية ومعيشية ضاغطة ويسعى كل يوم لتدمير شخصية وكرامة من بقي في هذه البلاد وعاش حرباً لعقد من الزمن!”.

الهجرة محرك تعلم اللغة

شذى محمد طالبة ماجستير لغة انكليزية في جامعة دمشق تقول لـ “صالون سوريا” إن اللغة الأجنبية باتت الأكثر رواجاً بين الدروس الخصوصية، نظراً لأن الكثير يفكرون في السفر والهجرة إلى الخارج مما يتطلب في المقام الأول تعلمهم للغة الإنكليزية، هذا إن توفر المال لهم، توضح شذى “الوضع في البلاد بات لا يطاق، لا ظروف معيشية لائقة للبشر ولم يعد هناك أدنى احترام للدرجات العلمية، أنا أيضا أخطط للهجرة إلى الخارج وهذا ما دفعني لإعطاء دروس خصوصية كي أجمع المال استعداداً لذلك”.

تجارة رابحة

وأضحت الدروس الخصوصية في سوريا تجارة وسوق لها أسعارها بحسب جودة إعطاء الدرس، وضمان الأهل لحصول أبنائهم على معدلات عالية. كمال عفيف والد رامي الطالب في المرحلة الثانوية بالفرع العلمي شرح لـ”صالون سوريا” الفارق بين مستوى مدرس وآخر “هناك أسماء صار لها وزنها في سوق الدروس الخصوصية نظرا لخبرتهم، و دفعهم الطالب للتركيز على الأسئلة المهمة، لكن المشكلة أن هؤلاء الأستاذة غير متوفرين في غالب الأوقات نظراً لكثرة مشاغلهم العملية، ولذا لم يتسنى لنا فرصة حجز موعد عند بعض الأسماء من الأساتذة المشهورين” يستدرك كمال “بكل الأحوال حتى لو استطعنا أخذ موعد فسعر الدرس الخصوصي عند مشاهير المعلمين غير معقولة!”.

وعن الأسعار يوضح كمال: “ساعة الدرس الخصوصيّ تبدأ بعشرة آلاف ليرة للدرس في الأيام العادية، ويمكن لها أن تصل إلى 50 ألف ليرة وربما إلى مئة ألف لجلسة واحدة جماعية لعدة طلاب، قبل ليلة الامتحان”.

فالدروس الخصوصية تحولت مثل أي تجارة في السوق السوداء لها ميزان تجاري بحسب المادة وشهرة الأستاذ ومنطقة السكن وأيضاً المستوى المعيشي لأهل الطالب، هذا طبعاً بالنسبة لشريحة الطلاب الذين حالفهم الحظ واستمروا في تلقي تعليمهم.

“الدروس الخصوصية موضة” يختصر وزير التربية دارم طباع في تصريحات سابقة بهذه العبارة عن رأيه فيها مؤكداً أن الضابطة العدلية في مديريات التربية تقوم بملاحقة كل من يقوم بإعطاء دروس خصوصية في منزله، مبيناً أنه: “يتم التغاضي عن بعض الحالات في حال اقتصر الإعطاء على طالب واحد، من منحى إنساني، ولكن في حال كان هناك عدد من الطلاب يتم اتخاذ إجراءات بحقه وفرض غرامة كبيرة بحقه”.

 ترف المدارس الخاصة

” تراجع مستوى ابني تيم التعليمي بسبب النزوح الكبير إلى منطقتنا وما سببه من ازدحام لأعداد الطلاب في المدراس وفي الصف الواحد” تقول هيفاء سبيع صاحبة مركز تجميل في منطقة المزة لـ “صالون سوريا” واصفة الحال السيء الذي وصلت إليه المدارس الحكومية، وتضيف “كان الحد الأعلى لعدد الطلاب في الصف الواحد لا يتعدى 35 طالب، اليوم وصلت المدارس الواقعة في المناطق المكتظة بالسكان أن تضع في الصف الواحد 50 طالب، وأحياناً أكثر، هل هذا معقول؟!”.

دفعت تلك الأسباب هيفاء لنقل ابنها من مدرسة حكومية إلى مدرسة خاصة، فهيفاء تريد أن تضمن مستقبل ابنها في مدرسة خاصة حيث المستوى العلمي أفضل لقاصدي هذه المدارس بحسب قولها.

أما من تبقى من الطلاب وهم السواد الأعظم في البلاد فبقيوا في المدارس الحكومية. و رغم مناشدات أهاليهم الكثيرة للحكومة لتحسين واقع المدراس العامة وافتتاح مدارس كبيرة، فإن استجابة الدولة كانت خجولة بتوزيع صابون لعدد من المدارس، وعقد ندوات للطلاب للتعريف بالصحة العامة.