السوريون يعيدون إحياء أدوات أجدادهم المنزلية

السوريون يعيدون إحياء أدوات أجدادهم المنزلية

تردي أوضاع السوريين وتراجع قدرتهم الشرائية، بفعل التضخم وارتفاع الأسعار بشكل كبير، دفع الكثير من الأسر إلى تغيير أنماط عيشها وتسوقها، وتحوّلت للعمل بمبدأ شراء الضروري فقط وعند الحاجة الملحة بما يُعرف باللهجة المحلية بـ”التسكيج”، فإذ يصبح شراء أساسيات الحياة لرفاهية، يتحول شراء أثاث البيت وأدوات المطبخ لتبذير.

أجبرت غالبية الأسر السورية على رثي الثياب التي ترتيدها، تصليح أحذيتها، إضافة لتصليح وتلميع أدوات المطبخ من طناجر أباريق وصحون، بعد أن أزالت الغبار عن “بوابير الكاز” وأعادتها للخدمة بعد صيانتها وتلميعها.

وبهذا عادت مهن كانت منسية، إلى العمل بنشاط، ومنها تلميع الأدوات المنزلية المعدنية مثل الطناجر وأباريق الشاي بالإضافة لإصلاح المدافئ و “بوابير الكاز” .

سوق النحاسين

عندما تدخل سوق النحاسين بجانب سوق المناخلية في شارع الملك فيصل بدمشق، تتوقع أن تسمع أصوات الطرق على النحاس، لكن الأصوات خجولة ومتباعدة، فقد خف الاقبال على الصناعة والشراء، وبات الاصلاح والتبييض سيدا الموقف.

يقول ابو عمر الميداني أحد الحرفيين القدامى في السوق :” الرائج اليوم هو التصليح لارتفاع اسعار الادوات الجديدة، فمجموعة طناجر الستانلس ستيل يتجاوز450 الفا بعد أن كان قبل 2011 بين 4500-5000 آلاف، و سعر قاظان النحاس وزن 15 كغ كان عندها حوالي ألفي ليرة، وبات اليوم مليون ونصف، لذلك من الطبيعي ان تلجأ الناس إلى الاصلاح”.

 ويرى الميداني أن أكثر الأواني اصلاحا هي الطناجر والاباريق ودلات القهوة، ويعتبر هذا العمل في ظل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة غير مجد ويضيف ” أجر تركيب يد لأبريق شاي هو 2000-2500، تلحيم  يد دلة قهوة 500-1000، وهذه الأسعار”معقولة ومقبولة أمام الارتفاع الكبير لأسعار الأدوات الجديدة.”

ويدفع أبو عمر ضريبة سنوية لا تقل عن مليون ليرة في السنة عن محله الذي لا تتجاوز مساحته 9م مربع، علما انه كان في 2011 يدفع 8 الالف ليرة فقط.

بدوره يقول أحمد الذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل :”عملت بتبييض الاواني منذ 30 عاماً، توقفت لفترة بسبب التهجير، لأعود منذ عامين تقريباً. لكن ارتفاع أسعار المواد الأولية يجعل المردود ضعيفا، فزبائننا من محدودي الدخل الذين يلجؤون للتصليح والصيانة لعدم قدرتهم على شراء الجديد”. ويتم التلميع عن طريق ماكينة كهربائية مرتبطة بفرشاة من الكتا،ن تدهن بصابون خاص، أما أكثر الأدوات طلباً للإصلاح فهي اباريق الستانلس والطناجر.

مصلحة على البركة

حسين صالحة 34 عاما يعمل أيضاً بمهنة تلميع الأواني وهو يعيش في ضاحية حرستا 10كم شرقي دمشق يروي لـ”صالون سوريا” :”عملت  بهذه المهنة منذ كان عمري خمسة عشر عاما، زبائننا من الناس الدراويش يفضلون دفع مبلغ 30- 50 الف لاصلاح جميع الأدوات بدلاً من شراء الجديد الذي يتراوح سعره ثلاثة او اربعة اضعاف هذا المبلغ”.

لا يتجاوز دخل حسين الشهري مبلغ 60 الفاً وهو يعمل لساعات قليلة بحسب توفر الكهرباء، ويعتمد على الاصلاح اليدوي أثناء انقطاعها، يصف حسين مصلحته بأنها “على البركة “بسبب ضعف الحركة في حرستا أثر ما عانته خلال الحرب، مضيفا ” لا استطيع رفع الأجرة لأن الناس وضعها الاقتصادي معدوم.”

وارتفعت اسعار الادوات المنزلية الجديدة إذ يترواح سعر ابريق الستانلس ستيل بين 18- 85 الف ليرة، وهي صناعة سورية أو صينية . دلات القهوة يبدأ سعرها من 2500 ليرة وصولا إلى 26 الف أما طناجر الستانلس فيبدا سعرها من 30 الف وصولا الى 200 الف للطنجرة الواحدة، في حين يصل سعر طقم طناجر الغرانيت حتى 575 الف ليرة.

عودة بوابير الغاز

الأسر السورية تحصل بالكاد على أسطوانة غاز كل ثلاثة أشهر تقريباً، ومع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة في اليوم اضطر السوريون لإحياء “بوابير الكاز” التي كانت تستخدم قبل مئة عام، وأسعارها تتراوح مابين 50-90 الفا.

ويرى الدكتور وائل الدغلي مدير الرعاية الصحية في مديرية صحة دمشق، أن استخدام وسائل الطبخ القديمة ينطوي على مخاطر و مشكلات جمة، “فاستعمال المحروقات السائلة مثل الكاز والمازوت في المطبخ بشكل متكرر، يرفع بشكل كبير احتمال حدوث حرائق، نتيجة سوء الاستخدام او سوء التخزين” ويضيف “تصميم البيوت في وقتنا الحاضر غير مخصص لاستخدام هذه المحروقات، فلا يوجد مكان آمن مخصص للتخزين أو لاستعمال البوابير، كما كانت البيوت عندما كانت هذه الادوات مستعملة.” .

كما ان احتراق هذه المواد يخلف أدخنة أحيانا لاترى بالعين، لكنها قد تسبب تسمم بغاز اول أكسيد الكربون، وقد يودي بحياة المصاب، خاصة اذا استعملت هذه الأدوات ضمن المطابخ صغيرة المساحة التي لا توجد فيها تهوية.

سوريا في الإعلام

سوريا في الإعلام

العربي الجديد: “الائتلاف السوري” يحذر من كارثة إنسانية بعد تخفيض المساعدات للنازحين (٢٢ أبريل ٢٠٢٢)

“قالت سلوى أكسوي، عضو “الهيئة السياسية” لدى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، الخميس، إن المجتمع الدولي والدول العربية جميعهم مطالبون بتقديم الدعم لمن يحتاجه في سورية.”

العربي الجديد: حملة للتشجير في الحسكة السورية لمواجهة التصحر (٢١ أبريل ٢٠٢٢)

“تتواصل في مناطق من ريف الحسكة شمال شرقي سورية، حملة لتشجير المناطق العامة والأماكن التي يقصدها السكان، بهدف التوعية بأهمية البيئة والحدّ من التصحر وعوامل التعرية، إضافة إلى مبادرات تنظيف هذه المناطق.”

العربي الجديد: إيزيديو سورية يحيون “الأربعاء الأحمر” بالقناديل والبيض (٢١ أبريل) 

“حتفل الإيزيديون في سورية، أمس، برأس السنة الإيزيدية “الأربعاء الأحمر”، وهو من الأعياد المقدسة لدى الطائفة الإيزيدية، ووفقاً للتقويم الشرقي يتأخر هذا العيد عن التقويم الغربي بـ13 يوماً، ويُشكّل الاحتفال به موروثاً لدى الإيزيديين بطقوسه الخاصة وعاداته القديمة.”

سوريا على طول: بعد سنوات من الحرمان: سوريون في الأردن يستقبلون ذويهم من بوابة “السياحة” (١٨ أبريل ٢٠٢٢)

“”كنت أخشى الموت قبل أن أراهم ثانية،” هكذا وصفت أم أحمد مشاعرها قبل أن تلتقي بأبنائها وأحفادها اللاجئين في الأردن، بعد عقدٍ من الفراق، نتيجة إغلاق الحدود أمام السوريين منذ العام 2013 إلا في حالات استثنائية.

وصلت أم أحمد، 60 عاماً، إلى عمّان، منتصف آذار/ مارس الماضي، في رحلة استغرقت ثماني ساعات، ولكن شعرت “كأنها سنة”، مستفيدة من قرار وزارة الداخلية الأردنية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، السماح لحملة الجنسية السورية دخول الأردن ضمن مجموعات سياحية، شريطة أن تتقدم المكاتب السياحية بطلب مسبق للداخلية، وتحتفظ بجوازات سفر الزائرين لحين مغادرتهم البلاد.”

سوريا على طول: تجاذبات الجيش الوطني السوري: ملامح مرحلة جديدة بإرادة تركية (١٤ أبريل ٢٠٢٢)

“​​في أحدث اندماج بين فصائل الجيش الوطني، أعلنت هيئة ثائرون للتحرير، في 10 نيسان/ أبريل الحالي، انضمام فصيل فيلق الرحمن إلى صفوفها، وهو واحد من سلسلة اندماجات داخل المؤسسة العسكرية المعارضة، خلال الأشهر الماضية، تعكس اصطفافات أيديولوجية ومصالحية بين مكوناتها.”

سوريا على طول: “الصقيع يكبد مزارعي إدلب خسائر مبكرة ويبدد أحلامهم بأرباح المحاصيل الباكورية” (١٢ ابريل ٢٠٢٢)

“أملاً في الخروج بأقل الخسائر، يستصلح المزارع أحمد عبد العزيز موسمه الزراعي الحالي بإعادة زرع أرضه ببذار وشتلات جديدة، بعد أن تعرضت أرضه لموجة الصقيع، في آذار/ مارس الماضي، التي ضربت الأراضي الزراعية في شمال غرب سوريا.”

سوريا على طول: مهاجرون سوريون في السجون الليبية “رهائن مال” (٨ أبريل ٢٠٢٢)

” في منتصف العام الماضي، ترك حسن أبو أيوب (اسم مستعار) مدينة درعا قاصداً ليبيا، كبلد عبور بهدف الوصول إلى أوروبا في هجرة “غير شرعية” لينتهي به المطاف في سجون الحكومة الوحدة الوطنية الليبية.”

حكاية ما انحكت: سمر حدّاد: الكتاب حريّة والقراءة تحرّر (١٣ أبريل ٢٠٢٢)

“درج قليل يصل قبوًا في بناء قديم يقع في جادة متفرّعة من شارع العابد في دمشق. عتمة شفافة وخفيفة تغمر الممر والمكان، كانت كافية كي تثير فيَّ متعة الاستماع إلى هسهسة بعيدة. عندما دلفت المكان، استطعتُ أن أقارن الحالة المباغتة بتلك الملاحظة التي سجَّلها أنطون تشيخوف: يا لمتعة أن تحترم الناس! عندما أرى الكتب لا يعنيني كيف كان كُتَّابها يعشقون أو يلعبون الورق؛ فأنا لا أرى إلّا أعمالهم الباهرة.”

حكاية ما انحكت: النسخة الفرنسيّة مني (٦ أبريل ٢٠٢٢)

“بعد كتابتها عشرات الروايات باللغة العربيّة، والتي تُرجمت إلى لغات متعدّدة، خاضت الكاتبة والروائيّة مها حسن، تجربتها الكتابيّة الأولى باللغة الفرنسيّة. تكتب في هذا النص الذاتي عن تجربتها تلك، عن شعورها ككاتبة فرنسيّة، وعن أناها الجديدة المتكونة وعلاقتها مع الجمهور وانتقالها بين اللغتين العربيّة والفرنسيّة، وأيضًا عن الهويات المتعدّدة وعن المنفى والوطن.”

الزجاج، الحرير، النول والطباعة اليدوية مهن يدوية سورية على طريق الزوال

الزجاج، الحرير، النول والطباعة اليدوية مهن يدوية سورية على طريق الزوال

على الطرف المقابل لمنطقة باب شرقي بدمشق القديمة، يقع معمل أحمد الحلاق “أبو محمود”، الذي يعمل به بنفخ وتشكيل الزجاج اليدوي منذ عشرات السنين.

يبلغ عمر معمل “أبو محمود” تقريباً مئة وخمسين عام، وهو يعمل به مع أخيه منذ حوالي خمسين عام، في مهنة صناعة الزجاج التي ورثاها عن والدهما.

أبو محمود في معمله الدمشقي

أغلق المعمل قبل عدّة أشهر بسبب نقص مادة المازوت التي تعد مادة أساسية في مهنته، يقول أبو محمود لـ”صالون سوريا”،”عملية إعمار الفرن تكلف الملايين ويجب أن يستمر بالعمل 24 ساعة، لأن الزجاج الموجود فيه يجب أن يكون على درجة حرارة عالية جداً ولا يبرد، وفي حال برد وتم إعادة صهره يتكسر ويعطل الفرن، وهذا ما حصل بالتحديد”.

بعد وعود من وزير الصناعة والأمانة السورية بتامين المازوت وإعادة تشغيل فرن الزجاج وتأهيله، مقابل تدريب حرفيين جدد على هذه المهنة، عاد العمل إلى العمل “لكن تدريب الكوادر لا يكفي دون سوق لبيع المنتج، فكل الطلبات لدينا موجودة بشكل خارجي وليست ضمن سوريا، قبل الأزمة كان هناك طلب داخلي حوالي 40 إلى 50 بالمئة اليوم الطلب قليل جداً” يقول أبو محمود، مستدركاً “في المقابل يجب أن نعطي سر هذه المهن للمتدربين الجدد بسبب الوضع الحالي، كنا في السابق لا نعطي سر المهنة، إذ كانت محصورة بعائلة القزاز، عائلة والدتنا وهذه العائلة تركت المهنة ونحن استمرينا فيها حتى أصبحت تُنسب لعائلة الحلاق”.

حرير دير ماما

“سوريا كانت توزع الحرير على دول الجوار وأوربا أيضاً، وخيط الحرير السوري مميز جداً حاز على عدة جوائز على مستوى العالم ولايشبه الحرير الصيني أو الهندي” تقول الفنانة التشكيلية عفاف النبواني المهتمة بمتابعة صناعة الحرير التي تحاول النجاة برغم كل الصعوبات.

تقول النبواني لـ”صالون سوريا”: “تُعرف منطقة دير ماما بريف حمص بغناها بشجر التوت وهو منتج رئيس لتربية دودة القز، لكن قلّ الاعتناء به، ونتيجة الحاجة للمادة بات سكان المنطقة يقطعون شجر التوت ويزرعون عوضاً عنه ليمون وزيتون، لأنه أسرع إنتاجاً”.

أجبر نقص شجر التوت المهتمين بتربية القز وإنتاج الحرير، لقطع مسافات طويلة إلى القرى المجاورة حوالي 3 كم لشرائه، فهو غذاء الدودة الرئيسي. هناك أيضاً عدة مراكز زراعية حكومية في اللاذقية، وحماة لبيع الشرانق للمربين، أبرزهم مركز “حاموش رسلان” في طرطوس المركز الرئيس الذي يوزع دودة القز، بعد تسجيل دور يستغرق أشهر للحصول على علبة من 11 غرام تُعتبر كمية كافية لإنتاج نحو 30 إلى 40 كيلو من الشرانق.

ولا تتوقف الصعوبات التي تواجها مهنة صناعة الحرير، عند تربية دودة القزّ وانتظار مراحل الشرنقة ليتم بعدها تحرير الخيط وإنتاج الحرير الطبيعي على النول اليدوي، فهناك أسباب أخرى بحسب النبواني منها، “كساد القطع التي تنتج بأسعار تتراوح بين 350 – 400 ألف ليرة سورية للقطعة الواحدة أي حوالي 100 دولار أو أقل، وبالتالي هناك صعوبة باستمرار هذه المهنة وأيضاً شراء شرانق للمرحلة التالية.

النبواني ترى أن استمرار تعامل الحكومة بهذه الطريقة مع هذه المهنة سيؤدي بالضرورة لزوالها “لأن البيوض الموجودة قليلة، وسلالة الشرنقة الذهبية موطنها سوريا وحوض العاصي، إذ باتت غير موجودة ولا يوجد استيراد، إضافةً إلى عدم وجود سلالات محصنة وقلة عدد المربين”، بحسب قولها.

النول في حلب

طلبت وزارة السياحة في السنوات السابقة من الحرفيين وأصحاب المهن اليدوية إخلاء الأسواق الأثرية في مدينة حلب لترميمها من قبل الأمانة السورية للتنمية، ومنها سوق خان الشونة. أخرج حينها علي خصيم مع ولديه، المشهورين بحرفة النول اليدوي.

في ذلك الوقت طلب خصيم من وزارة السياحة وبالتعاون مع الحرفيين بالتعهد بترميم الخان على حسابهم الشخصي بدلا من خروجهم من السوق، كون أضرار بعض المحلات بسيطة، لكن الوزارة رفضت ولم يعودوا حتى الآن، يقول خصيم لصالون سوريا: “المبيعات موجودة طبعاً ولكن خارج البلد وبصعوبة، وندرب اليوم حوالي عشرين حرفي من الجنسين للحفاظ على هذه المهنة بعد انتقالنا إلى مكان آخر”، مشيراً إلى أن الدعم الذي قدمته الجهات الحكومية للحفاظ على هذه المهنة غير كاف، وما أبقاها حتى الآن هو جهد فردي من قبل عائلة خصيم للحفاظ على هذه المهنة واستمرارها، وحرفة النول اليدوي مهنة لاتزال مستمرة منذ أكثر من 60 عام.

حماة.. الطباعة اليدوية على القماش

تُعتبر الطباعة اليدوية الحموية من الحرف التي عرفتها سوريا قبل الميلاد، وما تزال تمارس لغاية اليوم بالوسائل البدائية ذاتها، وتستخدم فيها عناصر طبيعية بالكامل، كقماش الخام القطني المحلي والألوان الأربعة “الأسود، أحمر، أزرق، أخضر،” المستخلصة من مواد نباتية منها خشب الورد وقشر الجوز والرمان.

أدّت الحرب السورية لتراجع الطلب على هذه البضاعة نتيجة توقف السياحة، الأمر الذي دفع أصحاب ما تبقى من مشاغل الطباعة التقليدية الحموية إلى هجرة حرفتهم “لعدم جدواها الاقتصادية” بحسب ما قالته الكاتبة الصحفية سعاد جروس، التي تهتم بالتعريف بهذه الحرفة من خلال مبادرة فردية أطلقتها لإنعاش المشغل الوحيد المتبقي في حماة.

تقول جروس لصالون سوريا “: للأسف لم يتبقى من أصل عشرات المشاغل التي كانت في سوريا عام 1950 إلا مشغل واحد في حماة هو مشغل “حوا” ولولا شغف صاحبه بحرفته لتوقفت أيضاً، بعد ندرة الطلب عليها منذ بداية الحرب بسبب توقف السياحة”.
و يستغرق تحضير ألوان ومواد الطباعة اليدوية اكثر من شهر بطرق تعد أسرار الحرفة، والخشب المحلي الذي تحفر عليه الوحدات الزخرفية المتنوعة باليد، وأغلبها رسوم موغلة بالقدم تشير إلى الحضارات التي تعاقبت على الأرض السورية، فالحرفي الذي ورث المهنة أباً عن جد يطبع تلك الرسوم على القماش وفق تصاميم تعتمد على تكرار الوحدات الزخرفية بأسلوب يميز عمله عن غيره.

وعن مبادرتها تقول جروس “هي محاولة لتوسيع خيارات استخدام الطباعة اليدوية التقليدية التي كانت تستخدم حصراً لتزيين مفارش الطاولات والوسائد، وتمكنت المبادرة بالتعاون مع فنانين تشكيليين وخياطين تقليديين من ابتكار تصاميم ملابس ولوحات وحقائب تنسجم مع روح الطباعة اليدوية بقوالب الخشب، مستلهمة من الأزياء التراثية، وهي تمتلك قيمة مضافة كونها مصنوعة من مواد طبيعية لنكون وليفاً للبيئة والإنسان التي يعبر عنها وصف (ولفي)، أي الوليف اللطيف الذي تغنت بها أغانينا التراثية للتعبير عن الألفة كعلاقة أكثر ديمومة واستقرار من علاقة الحب والعشق”.

سوق أبهة.. “دعم شكلي فقط”

خلال السنوات السابقة عملت الأمانة السورية للتنمية على خطوة للحفاظ على هذه المهن التراثية، عبر تجديد بعض المحلات الخارجية للتكية وتسويق بعض المنتجات تحت مسمى “أبهة” ولكن بأسعار باهظة، توجهنا إلى رئيس لجنة سوق المهن اليدوية بدمشق عرفات أوطه باشي، للحديث عن هذا الموضوع وعما إذا كانت هذه الخطوة مجدية، لكنه رفض التحدث معنا بحجة أنه غير مخول للحديث عن الموضوع لحين الانتهاء من ترميم السوق، ولكن في حديث سابق لأوطه باشي العام الماضي لموقع رصيف 22، وصف تجربة “أبهة” بغير الناجحة، قائلاً: “الأمانة عملت كوسيط لا أكثر، وكانت تأخذ تعب وشغل المهن التراثية، ورأينا ما لديهم: عصير وصابون، هذا عيب. لدينا مهن تراثية هامة وعلينا دعم الحرفي، ومن الآخر أي دعم لغير الحرفي لن يصل إليه”. 

وأضاف آنذاك: “وإن كانت الأمانة السورية تهدف للحفاظ على التراث السوري، بإمكانها أن تجمع أصحاب المهن في التكية الكبرى مثلاً، أي ضمن كامل المنطقة التي تحتوي قاعات أخرى غير مكتملة، وبهذه الحالة يصبح السوق جامعاً للتراث المادي وغير المادي. المادي هو مكانية التراث، وغير المادي هي المهن التراثية، من دون أن تضع الأمانة موظفين، لأننا نريد أن يكون الاهتمام للحرفيين، وأن يكون الدعم لهم، أما غير ذلك فهي تجارة باسم الحرف التراثية”. 

أوطه باشي عبر عن أسفه خلال حديثه للموقع ذاته عن المبالغ الكبيرة التي صرفتها الأمانة لتنفيذ ديكور جديد للمحلات، وهو مجرد استبدال للقديم الذي كان أفضل، بينما كان بالإمكان أن توجه الأمانة تلك الأموال للحرفيين، ومن يريد أن يقدم دعماً حقيقياً عليه أن يلمس الوجع”.

الأمل الممزوج باللوعة.. عائلات ظفرت وأخرى لا زالت تنتظر

الأمل الممزوج باللوعة.. عائلات ظفرت وأخرى لا زالت تنتظر

لم تتوقف عينا أم أحمد عن البكاء مذ لاحت أمامها أول بارقة أمل بلقاء ابنها البكر احمد (34 عام) المسجون منذ أكثر من ست سنوات، المرأة السبعينية كادت تموت باحتشاء عضلة القلب من فرط السعادة عندما قرأ عليها ابنها الأوسط عمار (29 عام) مرسوم العفو الرئاسي عن جرائم الإرهاب، يقول عمار لـ”صالون سوريا”: “والدتي لم تنتظر حتى طلع الصبح، قبل الفجر أيقظتني أنا وأخي الأصغر عبيدة (22 عاماً) لنأخذها إلى منطقة جسر الرئيس في العاصمة دمشق، حيث سرت شائعة قوية فوراً بأنّ المفرج عنهم سيأتى بهم إلى هناك، مرّ اليوم الأول صعباً للغاية، فالانتظار يقهر الأبدان، وخاصة حال أم سبعينية تنتظر رؤية ولد طال غيابه؟، في اليوم الأول عدنا مساء ولم نظفر برؤية أخي، عاودنا الكرة في اليوم الثاني، ولكن دون نتيجة أيضاً”.

أم أحمد كانت تحمل صورة ابنها وتدور بها على الناس تسألهم عنه وإن رآه أحد بلهفة قلبها المفطور. عن اعتقال أخيه يقول عمار: “أخي في السجن بسبب تقارير كيدية لا يعلمها إلّا الله، فقد كان أحمد بحاله، ولكن من يدري، ربما رفاق السوء –إن وجدوا- هم من أضروه، العبرة أنه مسجون منذ سنوات، وكل ما نريده الآن هو رؤيته”.

يوم تلو يوم من الانتظار، مرّت وتمرّ كسنوات على قلب عائلة أم أحمد حتى اللحظة، فحتى حينه لم تلتق العائلة بغائبها، “ربما هي الإجراءات!”، يقول عبيدة الأخ الأصغر معللاً الأمر ومهوناً على قلب أمه، ولكن ما يعزيهم مجتمعين أنّهم يعلمون أنّه سيخرج في نهاية المطاف، وسيصل إليهم، ما لم يكن اليوم فغداً، وعلى ذا الأمل عينه تبني أسر كثيرة آمالها.

لا تريد أم أحمد أن يصور أحد قصتها عبر الكاميرات أو الهواتف المحمولة، تكابر على جرحها، “مثلي كثر، شاهدت بأم عيني الجموع تحت جسر الرئيس، يا رب اجمع هؤلاء الناس بأحبتهم، والله لا يوجد في الكون ما هو أصعب من فراق الأحبة”.

عائلة أم أحمد تهجرت في الحرب من منزلها في غوطة دمشق الشرقية، من دوما أولاً، لتبدأ رحلة النزوح الداخلي، من منطقة لأخرى، قبل أن يعودوا إلى منطقتهم بعيد انتهاء الحرب فيها قبل بضعة سنوات، ويرمموا منزلهم وما استطاعوا من أرواحهم، وليلّموا شظايا ما بعثر الرصاص من كياناتهم، ولتبقى عودة أحمد آخر حجر في لوحة فسيفساء هذه الأسرة السورية الكليمة، والكليمة هنا صفة تنطبق على معظم الأسر السورية، فلكل أسرة قصة مع فقيد او غائب أو قتيل أو جريح، وفوق كل ذاك جراح الفقر والقهر والحاجة.

فرحة اللقاء

بالمقابل بدت حالة أسرة أبو جابر أفضل بكثير قياسا مع غيرها، فالعائلة التقت بابنها في اليوم الثاني من الانتظار تحت جسر الرئيس وسط العاصمة دمشق، “صارت زوجتي تتلمس وجه ابني مثل المجنونة، وتقبل وجهه ويديه وصدره، لم تصدق عيناها وهو الغائب عنا منذ سبعة أعوام ونصف تقريباً”، يروي أبو جابر الرجل الستيني تفاصيل اللقاء الأول، وهو الذي لا يريد الخوض في سبب سجن ابنه، لكنّه يكتفي بالقول: “الله يلعن هذه الحرب، راح فيها زينة شبابنا، واختلط الظلم بالعدل، المهم أنّ جابر سيعود ليملأ البيت علينا، ليس فقط أنا وأمه اشتقنا إليه، بل كذلك أولاده هيا (9 أعوام) ومحمد (13 عام) وزوجته الصابرة المكافحة التي لا يمكن القول عنها إلّا أنّها بنت أصول ولم تترك بيتنا لحظنا، الحمدلله.. الحمدلله”، أما أم جابر فيبدو أنّها حتى الآن لم تصدق أن ابنها قد عاد، فمن فرط السعادة تكاد تكون لا تستطيع تركيب جمل متطابقة.

أهم مرسوم

مصدر قضائي أكد أنّ مرسوم العفو هذا هو الأهم والأشمل ليس خلال الحرب فقط، بل طوال العقود القليلة الماضية، وفي المقابل خرجت آراء عدة تطالب بشفافية التطبيق، خوفاً من تفريغ المرسوم من أهميته.

المحامي أنس الشامي أفاد بتمنيه أن تكون قد أُسقِطت الملاحقات الأمنية وخاصة التي جاءت من وراء تقارير كيدية واتهامات كاذبة، يقول: “لكننا تفاجئنا بالطريقة والأسلوب لتنفيذ مرسوم العفو وين المشكلة يا معالي وزير العدل أن تخرج أنت ومدير إدارة القضاء العسكري في ندوة متلفزة ومعكم وزير الداخلية لتفسير مضمون مرسوم العفو والإعلان عن الأرقام الحقيقية للمخلى سبيلهم”.

وكانت وزارة العدل قد الغت في وقت متأخر بأيام بعد صدور المرسوم بلاغات وإجراءات إذاعة البحث والتوقيف والمراجعة المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب بحق جميع المواطنين في الداخل والخارج ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهــابية أو ارتباطهم مع دول أخرى.

وقالت وزارة العدل في بيان: “تنفيذاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 المتضمن عفواً عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين قبل تاريخ 30-4-2022 تم إلغاء كل البلاغات والإجراءات (إذاعة بحث- توقيف- مراجعة) المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وذلك بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهــابية أو ارتباطهم مع دول أخرى”.

ليبقى السؤال الأهم، فهل الغاء المراجعات يشمل تقييد الحركة وحرية السفر التي لم يشملها أي مرسوم او قانون سابق منذ بداية الحرب في سوريا، وحتى اللحظة لا يوجد إجابة على هذا السؤال الذي كبّل الكثير من السوريين.

صناعة الفخار السوري… تموت ببطء

صناعة الفخار السوري… تموت ببطء

بيدين مطليتين بطين الصلصال يضع علي، وهو صاحب ورشة فخار في دمشق، العجينة الطرية على دولاب متحرك، لتبدأ بالدوران في حركة دائرية اعتاد القيام بها بمهارة فائقة لمدة خمس وعشرون عاماً.

يتحدث الرجل الأربعيني بحسرة تعلو ملامح وجهه لـ”صالون سوريا” عن مقاومة هذه الحرفة مصير الزوال الذي ينتظرها والتحديات التي يواجهها خلال عمله، فيقول:” ورثت الحرفة أباً عن جّد، فوالدي تعملها من جدي، لكن الظروف الراهنة تحكم على هذه الحرفة بالهلاك، الكهرباء بانقطاع مستمر، ما يضطرني إلى تكبد تكاليف مادة المازوت لتشغيل مولدة الكهرباء من أجل صهر الفخار واكتسابها لونها البرتقالي الصلب، وغالبا ما تكون الأولى مفقودة بالسوق، ما يضطرني لشرائها بسعر مرتفع وبالتالي تخفيض ساعات العمل ورفع الأسعار”.

ولا تنتهي الأعباء المالية هنا فقط، بل بتكلفة التربة ومشقات نقلها وتوافرها بشروط خاصة بحسب وصفه.

أجهزت الحرب على ورشة الفخاري أبو خالد الواقعة في الغوطة الشرقية، إذ تكبد تكاليف فادحة للبدء من الصفر وفتح ورشة جديدة في دمشق، يقول لصالون سوريا:” منذ سبع سنوات دُمرت ورشتي بفعل سقوط القذائف والمعارك الطاحنة وعمليات النهب والسرقة، قضي عليها كلياً”، متابعاً:” هذه الحرفة على مشارف الموت، ما لم يتم إنقاذها، فمعظم  الحرفيين تعرضت ورشهم ومعاملهم للخراب دون تعويض، بينما البعض الآخر قد هاجر إلى الخارج، هناك حيث التمويل المادي الجيد والامتيازات المغرية وتقدير الحرف اليدوية ، لم يبق لدي سوى عاملين من أصل عشرة، رحل الجميع”.

يلفت أبو خالد إلى غلاء المواد الأولية للفخار، بدءا من ثمن التراب وأجرة العمال والشحن، فسابقا كان سعر الطن الواحد 100 ألف ليرة سورية، فيما وصل سعره الآن حوالي 700 ألف، أي ارتفع ستة أضعاف.

تأخذ جمعية الحرفيين موقف الحياد من المصاعب التي يواجها أعضاؤها، باستثناء “إطلاق الوعود الرنانة” و”الاستماع لشكاوى صناع الفخار والاكتفاء بهز الرأس دون تقديم حلول ناجعة”.

قبل عامين، ذهب شيوخ الكار، وهم قلّة، إلى مقر الاتحاد العام للحرفيين، وعبروا عن مخاوفهم من انقراض المهنة إذا ما استمرت ظروف الكهرباء، وتعويض خسارتهم التي تسببت بها الحرب، وعدوا بتخصيص قرية تضم ورش لصناعة الفخار في منطقة باب شرقي في دمشق القديمة، “لكن بقيت الوعود شفهية ذهبت أدراج الرياح”.

الفخّار

يحفظ الفخار طاقة الأطعمة والمياه ويسحب الكلس والكلور الموجودين في مياه الينابيع وذلك بفعل التراب المصنوع منه والذي ينقسم إلى نوعين، الأول تراب جبلي ينتشر على أطراف الأنهار والثاني كلسي يتواجد في باطن الأرض، كما أن الطبخ بالفخار أكثر صحي ويخلو من المواد المسرطنة على خلاف الأواني الأخرى المصنوعة من الألمنيوم و النحاس والتيفال.

 ورغم أن عملية صنع  الفخار تبدو لأعين الزبائن سهلة وبسيطة، إلا أنها صعبة وتتطلب موهبة وجلداً كبيرين من الحرفي، كما تستغرق وقتاً طويلاً لصنعها وظهورها بشكلها النهائي الذي تظهر فيه،  فهي تمر بعدة مراحل يشرحها علي:”  نحضر أطنان من التراب ثم نسقيه بالمياه بهدف غربلته من الحصى والأوساخ والشوائب، ونستخلص منه مادة  الغضار، بعد ذلك نقوم بطحنه وعجنه بطريقة يدوية، إيذاناً لمرحلة التخمر التي تستغرق حوالي أسبوع، ثم نضع كل قطعة على دولاب، بعد ذلك  تبدأ مرحلة الطهي، نضعها في الفرن لمدة ثلاث ساعات بدرجة حرارة عالية، وكلما طهيت أكثر كانت أكثر صلابة وتماسكاً حتى تكتسب لون محمر جميل”، متابعا :” تختلف درجة الشواء ومدة الطهي حسب حجم القطعة، فالنوع البسيط كالبسكوت يتطلب درجة حرارة 800 درجة مئوية، بينما تحتاج الآواني الملبسة بالزجاج درجة حرارة أعلى قد تصل إلى 1000 درجة مئوية لمدة لا تتجاوز 9 ساعات في حال وجود الكهرباء، أما إذا انقطعت الأخيرة أو فُقدت مادة المازوت فقد نستغرق أسبوع كامل للطهي، ما يتطلب منا صبر كبير”.

وطور الحرفي صنعة الفخار التي تعلّمها من والده بجهوده الشخصية، كاستبدال الحطب بفرن كهربائي لشّي الفخار إلى جانب التزيين بالرسوم وحفر النقوش الناعمة لإضفاء لمسة جمالية على الفخار، يقول الحرفي “قديما كانت أدوات الفخار تقتصر على بضعة أدوات للمطبخ كالمقلاة وجرة المياه والكؤوس، أما الآن فأصبح كل شيء مصنوع من الفخار كالشلالات وركوات القهوة ومطمورة النقود وجميع أواني المطبخ وطاولات المنزل وإدخال أشكال وزخرفات عصرية”.

لم يشفع التاريخ الطويل والعريق لصناعة الفخار السوري الممتد إلى العصور القديمة منذ الألفية الخامسة من التهديد بالاندثار، فأقدم حرف التاريخ الذي ينسب لها تقاوم، وبدأت بلفظ أنفاسها الأخيرة، طالما بقيت الجهات المعنية مكتوفة الأيدي لا تحرك ساكن، فمظاهر الإهمال والتقصير والوعود الكاذبة تنهش بهذه الحرفة لتصبح في طي النسيان ولا محاولات جدية لإنقاذها.

البصّارة.. “قرباطية” أكلتها الحرب ولفظها المجتمع

البصّارة.. “قرباطية” أكلتها الحرب ولفظها المجتمع

“بعيونك شايفة هم كبير، وهذا الهم مفروج، مد إيدك يا خالتي”، لم يكن خياراً بل قسراً أن أخذت يدي، ثم بدأت بمسحها وأمسكت بخيط بدأت تمرره ما بين أصابعي بطريقة توحي بأنه تشربك وهي تقول: “جنب بيتكم في بنت عشقانتك، لا هي طويلة ولا قصيرة، بين البين، بس في عين لئيمة تنظرك، وعاملة لك سحر يا خالتي وهمك كبير”، ثم نظرت في عيني وقالت “صلي ع النبي”، ومع ترديد الصلاة سحبت الخيط وهي تقول: “الله أكبر.. همك مفروج وسحرك بينفك”، ثم مدت يدها لتقلع عدة شعرات من غرتي ورمتها على الأرض وهي تبصق عليها، لتقول: “خليني أشوفلك فالك على مهل يا خالتي.. أقعد.. برضى بشو ما تعطيني”.

جرت هذه الحادثة في العام ٢٠٠٧، كانت هذه البصّارة واحدة من مجموعة من النسوة اللواتي يعملن بالتبصير ويتخذن من “كورنيش قاسيون” في. دمشق، مقراً لعملهن الذي يعتمد على الزبائن من زوار المدينة لا سكانها، ومنطقة مثل جبل قاسيون كانت مقصداً لمن يزور المدينة كسائح أو زائر لعمل.

وقواعد العمل تقوم أولاً على اختيار الزبون وسرعة الوصول إليه قبل بقية البصّارات، ومن ثم إقناعه بالتبصير مقابل أجر يجب أن يكون أولاً نابعاً من رضى الزبون ورغبته، وهناك جمل مفتاحية تستخدمها البصارة لتتمكن من إقناع الزبون بزيادة الأجر ومن ثم الحصول على “بقشيش”، يكون كقيمة الأجر فيما لو كانت البصّارة “شاطرة”.

على رصيف منسي

“أم يوسف”، إسم فضلته السيدة الخمسينية التي تجلس على رصيف في منطقة البرامكة وسط العاصمة السورية لتبيع النباتات الخضراء كـ “البقلة و النعناع”، حين قبلت الإجابة على مجموعة من الأسئلة حول عملها السابق في “التبصير”، الذي ورثت مهاراته عن أمها.

تقول خلال حديثها لـ “صالون سوريا”، كنا عدة نساء من القرباط اللواتي يخرجن صباحاً من حي “الحجر الأسود”، إلى “جبل قاسيون”، بعد أن نستقل سيارة أجرة بـ ٦٠٠ ليرة سورية (كانت تعادل ١٢ دولاراً قبل الحرب، وحالياً أقل من ٢ سنت أمريكي)، ونبقى في عملنا ذلك نحو ١٦ ساعة متواصلة، ويختلف عدد الزبائن في اليوم الواحد حسب الطقس، والموسم، وغالباً ما كنا نتقاضى أجراً يتراوح بين ٢٥ – ١٠٠ ليرة سورية، وقيمة ما يمنحه الزبون تحدد حول الوقت الذي سأقضيه وأنا أسرد عليه ما يقوله الطالع له، وغالبية الزبائن كانوا يعطون الواحدة منا ٥٠ ليرة سورية، والبعض كان يتهمنا علانية بالكذب حين يرفضون أن نبصر لهم.

في زاوية أخرى من دمشق، وتحديداً “تحت جسر الثورة”، تجد سوسن التي لا تعرف كم عمرها، لكنها تتوقع أنه اقترب من الستين، وهي تبقى في هذا المكان لتحمي أحفادها أثناء ممارستهم للتسول وتجمعهم مساءً لتعود إلى الفندق الذي تسكن فيه مع أفراد أسرتها لكون منزلهم في الأحياء الجنوبية تهدّم، وتقول: “لا نعرف منذ الحرب مهنة سوى التسول، أدير أسرة عدد نسائها والأطفال يقارب ١٦ شخصاً، الرجال منهم لا يتجاوز عددهم ثلاثة يعملون ببيع الدخان المهرّب والسبحات المصنوعة من الخشب، هي مهن لا تدر ربحاً كبيراً مثل التسول، ولجوؤنا للتسول جاء لانعدام إمكانية العمل بمهننا السابقة”.

والغجر بكل مسمياتهم يعملون بمهن قد تبدو غريبة لكنها كانت قائمة، مثل التبصير ، وتزيين النساء بإزالة الشعر أو الوشوم، وحتى من يعرفن بإسم الحجّيات كنّ يعملن فقط كمغنيات وراقصات ضمن خيم أسرهن، “وما يحكى عنا من ممارسة الدعارة والخطف والسرقة والتسول مجرد شائعات” بحسب سوسن.

تقول السيدة خلال حديثها لـ “صالون سوريا”، قرار السكن في منزل بحي “الحجر الأسود”، اتخذه والدي ومجموعة من الأقارب قبل الحرب بنحو عشر أو خمس عشرة سنة، وكنا قد استقرينا داخل العاصمة لتعمل النساء في مهن مثل التبصير وتزيين النسوة في الريف القريب، والرجال عملوا في “تبييض الطناجر – الطب العربي (الشعبي)، وكنت قد تعلمت التبصير من أمي التي كانت تصحبني خلال عملها في “ساحة المرجة”، أو “قاسيون”، أو “جانب الجامع الأموي”، ومنها تعلمت كيف ألتقط الزبون الأمثل، وماذا يجب أن يسمع الزبون لكي يمنحني مالاً بقيمة جيدة”، وحين كبرت كنت واحدة من مجموعة فتيات لا تزدن عن سبع نصعد في سيارة أجرة إلى قاسيون لنبدأ البحث عن الزبائن، وفي آخر النهار نحظى بوجبة دسمة ونوم هادئ، فعملنا لا يبدأ قبل العاشرة صباحاً، وكنا نضحك حين نقول لبعضنا “دوامنا يبلش مع دوام الوزراء”.

للتبصير.. انواع

تعددت الروايات حول أنواع التبصير، فهناك من يُبصرّن بـ “قراءة الكف”، وهي مجموع تفاسير محفوظة عن خطوط اليد وشكلها، وتصرّ أم يوسف على أن قراءة الكف هي الأصدق، فهي مجرد تفسير لشكل الخطوط، ولا تخفي معلومات هامة عن وجود روايات ثابتة تكررها على الزبائن، وتعيد الأمر إلى تفسيرين، الأول أن بعض الأيدي تكون ذات خطوط متشابهة، لكن السبب الأهم أن الزبائن يريدون أن يسمعوا هذه الروايات التي تقوم على وجود رزق آت، وإمرأة تحبهم بصمت، وأن هناك قريبة لهم تتربص بهم شراً وقد صنعت لهم سحراً يعاكس أمنياتهم ومسار حياتهم، فرزقهم ليس كما يجب لأنهم محسودون ومسحورون.. وكل ما يمكن أن يقال هو مصدّق، لأن الناس من وجهة نظر أم يوسف يبحثون عمن يكذب عليهم الكذب الجميل.

مريم التي تقف عند إشارة ضوئية في منطقة مساكن برزة للتسول، لم يكن الحديث معها بسهولة، فالفتاة التي يقارب عمرها من ثلاثين عاماً تخشى أن يلتقط لها صورة، كما أنها تخاف من أن يكون الحديث بهدف خطفها أو حتى اعتقالها ظناً بأننا من الشرطة، وبعد طول أخذ ورد انتهى الأمر لقبولها الحديث عن أمها التي كانت وما زالت تبصر بـ “الوَدَع”، لبعض الزبائن، وهو – أي الوَدَع- مجموعة من الصَّدَف والحجارة الملونة والأشياء الأخرى، التي ترميها فوق قماشة سوداء لتبدأ سرد الحكايا عن طالع الزبون، وحالياً هي تعمل مع أشخاص مقربين جداً ولا تقبل بالتبصير لأي كان، ومن يريد التبصير عليه أن يزورها في منزلها بمنطقة برزة ويدفع ٢٥ ألف ليرة سورية، ومن يريدها أن تزوره في بيته عليه أن يتكفل بأجرة تنقلها بسيارة تكسي، ويدفع ٣٥ ألف ليرة كأجر للتبصير، وغالباً ما يكون من يريد مثل هذا النوع من التبصير هم من “المهووسين”، أو المؤمنين بخرافات السحر والدجل، لكن الأمر يجدي نفعاً مادياً، فعشرون زبون شهرياً تعني ما يقارب من نصف مليون ليرة سورية، وهو أجر جيد بالنسبة لعجوز لم تعد قادرة على العمل كما كانت حين شبابها.

لم تمارس مريم مهنة التبصير بشكل رسمي بعد، لكنها تقرأ الفنجان لبعض من جاراتها اللواتي يتناسين فكرة أنها “قرباطية”، حين يلتقونها، لتبصّر لهنّ في الفنجان، وهي تأخذ ٢٥٠٠ ليرة سورية عن كل فنجان تقرأه، وكلما زاد عدد النسوة المجتمعات يجب أن يكون الحديث أكثر دقة، وبحسب ما تقوله الزبونات، فإن “كلامها ما يخيب”، وهو مطابق لماضيهن ويتطابق مع مستقبلهن.

النساء أكثر تصديقاً للتبصير، خاصة الحكايا التي يكون فيها من تريد أن تسرق منها زوجها، أو من تريد أن تسحرها، والصبايا العازبات تفرح بالحديث عن شخص يحبها سراً، والرزق القريب المتمثل بـرسوم القهوة التي تأتي على شكل “السمك – الدجاج”، حين يجف الفنجان المقلوب، يفرح قلب صاحبته، وأكثر من يجعلهن يفرحن هو الحديث عن “طاقة الفرج – مراية الفرح”، التي تكون بشكل مساحات بيضاء بين ما شكلته بقايا القهوة في الفنجان من نقوش، والطريف أن ما بعد “البصمة في الفنجان”، وهي آخر الجمل التي ستسمعها الزبونة، يكون غالباً على شكل “عقارب”، أي شر قادم.

مريم واحدة ممن هجروا خيامهم بفعل الحرب، وتقول لـ “صالون سوريا”، “كنا نسكن مع أقارب لنا في خيام بالقرب من منطقة حرستا قبل الحرب، لكن تفرقنا واضطررنا انا وأمي ومن بقي من عائلتنا للنزوح من منطقة لأخرى لنستقر أخيراً في حي برزة، أعمل حاليا مع ثلاثة أطفال بالتسول فأنا غير متعلمة، ولا يوجد رجال في عائلتنا لأنني فقدت زوجي بسبب الحرب وأبي توفي قبلها، فيما أخوتي يعيشون في حمص، وعموماً قبل الحرب وزواجي كنت أعمل كـ “ونّاسة”، أي أني كنت أرافق سائقي الشاحنات من محافظة لأخرى لأؤمن لهم “الونس”، خلال رحلاتهم الطويلة، وأتقاضى أجراً يحدد بالمسافة التي سأقطعها، فالسفر إلى حلب كان بأجر لا يقل عن ٥٠٠ ليرة ويقدم الزبون الطعام طيلة الرحلة التي تنتهي بركوبي مع سائق آخر سيكون عائداً لدمشق، وبنفس الأجر، ولم نكن نعمل بالدعارة”.

تحرش جنسي ووصم بالدعارة

تكشف “أم يوسف” سرّ المهنة، وتقول “أكثرنا جمالاً هي الأكثر تحصيلاً للمال، غالبية الزبائن كانوا يختارون البصّارة الجميلة في محاولة منهم لكسب بعض الوقت معها في محاولة لعرض ممارسة الجنس معها مقابل المال، لكن لم تكن أياً منهن تقبل بهذه العروض، فالدعارة محرمة بين مجتمع القرباط، ومن تمارسها تقاطع من بقية بنات القبيلة ويصير من الممنوع إلقاء السلام عليها، ومن عملن بـ “الدعارة”، من نساء القرباط غادرن قبائلهن إلى أماكن مجهولة، فهذه المسألة لا تهاون فيها”.

ويتشابه كلامها مع “سوسن”، التي كانت في السادسة عشرة من عمرها حينما تعرضت لأول عملية تحرش ومحاولة إقناع بـ “الجنس مقابل المال”، وتروي الحادثة بقولها: “كان سورياً مع مجموعة من أصدقائه ويرتدون جميعاً الدشداشة البيضاء الطويلة، حاولوا إقناعنا حينها بأنهم خليجيون لنصدق أنهم أثرياء جداً، عرض عليّ في ذلك الوقت مبلغ ٥٠٠٠ ليرة سورية (أكثر من مئة دولار حينها)، مقابل بعض المداعبات الجنسية داخل السيارة التي كانوا يستقلونها، لم أعرف ماذا أفعل حينها وفكرت بالركض إلى حيث تجتمع صديقاتي، لكن إلحاحه جعلني أستخدم الصوت العالي ليركبوا سريعاً بالسيارة ويفرّوا، بعدها تعلمت كيف استخدم الصوت العالي كسلاح للدفاع عن نفسي في مثل هذه الحالات.

تضيف مريم: “وقوفي هنا عند هذه الإشارة، يعرضني يومياً لعروض الدعارة، ولو قبلت لقبرت الفقر لكن إن عرف أياً من أقاربي بذلك، فإني سأخسر أولادي، فعُرف الغجر يمنع تربية الأطفال من قبل من تبيع شرفها”.

من هم..؟!

يعيش القرباط في تجمعات تتراوح بين الصغيرة والمتوسطة، ولا تقتصر مهنهم على الغناء والرقص، فالرجال يشتغلون في صناعة السكاكين، وتبييض الطناجر النحاسية، وصناعة الأسنان من الذهب والفضة والعظم وتركيبها، ناهيك عن عمل بعضهم في تجبير الكسور وختان الذكور بطرق بدائية، ولهم لغة تُعرف باسم “الدومرية”، وآخرون يسمّونها “لغة العصفورة”، وهي من اللغات غير المكتوبة، فمن غير المعروف إن كان لها حروفاً أو نصوصاً سرية متداولة في مجتمعهم الذي يتصف بالانغلاق، علماً أن بعضهم عاشوا في مناطق قريبة من القرى والبلدات الكردية شمال سورية، ما تسبب في إتقان عدد منهم اللغة الكردية.

هناك روايات متعددة حول أصل القرباط في سورية، كتعدد الأسماء التي تُطلَق عليهم، فتعاد تسمية “النَّوَرْ”، التي ليس لها مرجع دقيق وموثق، إلى كونها لفظاً محرّفاً عن كلمة “نور”، أو “الأنوار”، كنايةً عن جمال النساء منهم، وهناك رواية تقول إنهم من نسل قبيلة ربيعة العربية، ومن أحفاد جسّاس بن مرة البكري.

وتسمية “الزط”، ترتبط برواية ترجعهم إلى أصول هندية، وتقول إنهم مجموعة من القبائل التي هُجّرت من الهند بفعل تعرضها للعنف من قبل الممالك البوذية نتيجة اعتناقهم الإسلام، فحلّوا في جنوب العراق وكان العرب يسمّونهم الزطّ” من دون وضوح السبب، إلا أن ذلك لم يمنع القبائل العربية من احتضانهم والتحالف معهم، وحصلوا في البداية على حقوق مساوية لبقية المسلمين، لكن وضعهم المعيشي كان سيئاً، فاعتمد بعضهم على اللصوصية.

وتتحدث روايات أخرى عن انضمام مهمَّشين آخرين إليهم، وخروجهم في ثورة يعرّفها المؤرخون باسم “ثورة الزط”، قرابة العام 820 ميلادي، وفي ظل تزايد قوتهم قرر الخليفة المعتصم القضاء عليهم، ونفاهم إلى الأناضول، ثم نُقِلوا قسراً إلى منطقة “جبل كوربات”  في رومانيا الحالية، وبعد احتلالها من قبل العثمانيين، عاد الزط إلى الشرق الأوسط حاملين اسم “قرباط”. كل ما تقدّم من روايات لا يرحم القرباط من الصورة النمطية التي يتعامل من خلالها غالبية السوريين معهم، فهم متهمون بالعديد من الممارسات الخارجة عن قانون، وغالباً ما يقال إنهم شكلوا ثروات ضخمةً خلال سنوات عملهم في التسوّل ومهن أخرى