“نعتذر عن المجيء”… سوريون يكتفون بالمعايدات الهاتفية

“نعتذر عن المجيء”… سوريون يكتفون بالمعايدات الهاتفية

عيد الأضحى هو “العيد الكبير” هو أبرز الأعياد التي اعتاد السوريون على الاحتفال بطقوسها السوريين كحال كل الشعوب الإسلامية، وهي مناسبة اجتماعية متجذرة في عاداتهم للتلاقي بعد  طول غياب وتبادل التهاني.

 كما أن العيد يعتبر فرصة لرأب الصدع بين المتخاصمين، لكن هذا العيد كان صعباً ولم يعد بوسع أغلب السوريين تمضية أيامه سويّة، وذلك لعدم استطاعة السوريين خارج بلادهم تكبد نفقات السفر الكبيرة ، فيما حال الموجودين في الداخل ليس بأفضل، فمصاريف التنقل بين المحافظات باتت مرهقة.

تمسك دينا (30 عاما) جهازها الخليوي وتفتح الكاميرا لتبدأ بتقديم التهاني والمعايدات لوالديها، لكنها سرعان ما تجهش في البكاء، فلعنة المسافة الجغرافية لا يمكن للتكنولوجيا أن تقربها، ولا يمكن للشاشة الصغيرة أن تحل مقام الحضن والقبلات الحارة. تقول الشابة التي تقيم في أربيل لـ”صالون سوريا” :” هذا العيد الأول لي وأنا بعيدة عن أهلي، لا طعم للعيد بدونهم، كما أنني لم أتمكن من حضور عيد الفطر، أشتاق إليهم كثيرا، صحيح أن التكنولوجيا تمكنني من الاتصال معهم ورؤيتهم، لكنها لا تقارن بحضنهم الكبير”، وعن سبب عدم تمكنها من زيارة والديها وقضاء العيد معهم، توضح الشابة ” مضى على إقامتي عام وشهرين، أعمل كنادلة في مطعم هنا، راتبي لا يتجاوز 500 دولار، فيما ستكلفني زيارتي لأهلي قرابة 800 دولار، تشمل تذكرة الطيارة، مصاريف التنقل وفحص كورونا وبعض الهدايا، أي انها تعادل راتب شهر ونصف من العمل الطويل والمضني”، وتختم دينا حديثها قائلة:” اكتفيت مجبرة بمكالمة فيديو ، استعيد فيها  معهم ذكريات العيد البعيدة حين كنا صغار والكثير من الدموع التي حرقت وجنتاي، لا أعلم متى سأزورهم، ربما بعد عامين، فقدومي إلى هنا من أجل العمل وجني المال وإرسال النقود لأهلي للعيش بكرامة”.

حال عباس (28 عاماً) ليس بأفضل، فهو أيضاً استبعد كلياً فكرة  نزوله من أربيل هذا العيد للمصاريف الباهظة التي سيتكبدها وقد تصل إلى 1200 دولار، أي ما يقارب نصف راتبه الشهري، يقول الشاب:” قررت عدم زيارة أهلي وذلك بسبب النفقات الباهظة، فسوريا باتت أغلى معيشيا من هنا، فتكلفة تذكرة الطيران ترتفع في هذا التوقيت، بالإضافة إلى نفقات التكسي وفحص الكورونا والوزن الزائد والهدايا ،وأجور خدمات المطار، من حمل حقائب وبقشيش وسواها”، يعقب الشاب:” حتى إرسال المعايدات المالية باتت مهمة صعبة وخاسرة ومكلفة، فأجرة تحويل مبلغ مالي قدره 400 ألف ليرة سورية، يتم قضم حوالي 30 ألف ليرة سورية منه لإيصاله إلى أهلي ، وهناك مكاتب تأخذ عمولة عالية على أجور التحويل، ما يسبب خسارة لي أنا أيضا”

الوضع المادي يفّرق العائلات في العيد

“كيفك ماما… لاتزعلي مني بس مافيني أنزل، ما عطوني إجازة، رح ابعتلك عيدية لإلك ولأخواتي وبجي عن قريب” هكذا تهرب ماهر  من محادثته الهاتفية مع والدته التي أ ضناها شوقها لرؤيته، فالشاب تحجج بضغط العمل ورفض إجازة كي لا يخبر والدته بأن قدومه في عيد الأضحى يعني أنه سيبدد المال الذي جناه خلال عام كامل، يقول الشاب” لا أريد كسر خاطر أمي، سأكتفي بإرسال العيدية لها ولأشقائي، المبلغ الذي سأنفقه في إجازتي يعادل ما أدخره خلال سنة، سيذهب تعبي سدى”.

أحوال السوريين في الخارج  ممن يتقاضون رواتب ضئيلة دون 1500 دولار تتشابه تقريبا،  فسيتحتم عليهم تكبد نفقات كبيرة خلال فترة وجيزة، مايعني عبء مادي جديد يرهق كاهل غربتهم المريرة، وعن ذلك يقول جاد(25 عاما)” علي أن أفاضل بين زيارة أهلي وبين تجديد جواز سفري الذي ستنتهي صلاحيته بعد شهرين، ما يعني أنني سأدفع مقابل تجديده قرابة 1500دولار، أدخر  كلفته منذ أكثر من 4 أشهر”، متابعا “يذبحني شوقي لأسرتي، لكن في الوقت نفسه لا أملك المزيد من المال لنفقات السفر وتجديد الجواز معا، لا أستطيع الاستدانة من أحد ومراكمة الديون  “أما طارق ففضل توفير نفقات السفر إلى بلاده لصالح البدل الخارجي والهروب من شبح الخدمة العسكرية، يعقب بالقول” راح الكتير وبقي القليل، الله يجمعنا بأسرع وقت”. 

حال السوريين داخل حدود بلادهم ليس أكثر يسرا، فهناك من تعذر لقائه بأسرته وانقطعت به السبل المادية للوصول إليهم، كخليل الذي يعمل سائق أجرة ولم يتمكن من السفر إلى الحسكة لممارسة طقوس عيد الأضحى مع والديه، يقول” حجز ثلاثة مقاعد في باص يتمتع بخدمة سيئة لي ولزوجتي وطفلي سيكلفني 180 ألف ليرة سورية ذهاب وإياب، ناهيك عن المصاريف الأخرى كالحلوى، أما ثمن تذكرة الطيران فتصل إلى 400 ألف ليرة للشخص الواحد، أنها حقا مبالغ خيالية يصعب تحملها بالنسبة لأصحاب الدخل المعدوم وليس المحدود”. 

قلة الخيارات.. تدفع أطفال إدلب للانخراط بأعمال خطرة

قلة الخيارات.. تدفع أطفال إدلب للانخراط بأعمال خطرة

“شو يلي جبرك على المر غير الأمر منه” عبارة تختصر معاناة علي الأحمد الذي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، حين أُجبر على إعالة عائلته، وراح يعمل بأخطر المهن في محطات تكرير المحروقات، وهي ذات المهنة التي أدت لوفاة والده أواخر عام ٢٠٢١، حين انفجرت إحدى الحراقات على مقربة منه.

لم يسلم علي من تبعات هذه المهنة أيضاً، حين تعرض هو الآخر لحروق ناجمة عن انفجار حراقة بدائية لتكرير المحروقات في ترحين شرقي حلب في مايو/أيار ٢٠٢٢.

حراّقة

بحث علي طويلاً عن عمل لكنه لم يوفق، ما دفعه للعمل في تكرير المحروقات، يقول لـ“صالون سوريا“: “مع أنه الشغل فيها صعب كتير، وأبي توفى بسبب العمل فيها، وما بتفارقني لحظات حياته الأخيرة لما كان يتنفس بصعوبة، لكن كنت مضطر لأني اشتغل تحت كل الظروف”.

عن لحظات إصابته يضيف علي “كنت أعمل بين الحراقات، وفجأة غبت عن الوعي لثوان، و صحيت بعدها وفتحت عيوني وشفت النار حوالي ودخان أسود والدم ينزل مني، وسمعت أصوات الناس تصرّخ (فجرت الحراقة) فعرفت أن الحراقة القريبة مني انفجرت”.

نجا علي من الموت وأسعف إلى المشفى حيث تم تضميد الحروق والجروح في جسده المتعب، ليخرج بعد أيام إلى منزله لاستكمال العلاج بعد أن نصحه الطبيب بالراحة وعدم التعرض لأشعة الشمس مطلقاً.

 يأمل علي أن يتعافى بسرعة كي يعود إلى العمل من أجل الإعالة بأمه وأخوته، وتأمين متطلبات الحياة التي باتت ”صعبة المنال“ على حد تعبيره.

وفي الوقت نفسه يحلم علي بالرجوع لمقاعد الدراسة وتحقيق أحلامه بوظيفة مستقبلية آمنة، لكنه سرعان ما يصطدم بواقعه الأليم.

أما رائد الحلاق (١٢ عاماً) فقد أصيبت قدمه بإصابة بليغة تسببت له بإعاقة دائمة حين انفجرت عليه إحدى مخلفات الحرب أثناء عمله بالبحث عن المعادن والخرداوات في مكبات النفايات.

يقول رائد أنه كان على مقربة من مكب النفايات الواقع أمام مخيمهم  في البردقلي شمال الدانا بإدلب، حين رأى إحدى الكتل الغريبة، فاقترب منها وحاول لمسها لكنها انفجرت عليه وأدت لإصابته بتمزق داخل عظامه وعضلات قدمه.

لم يعد رائد قادراً على المشي بشكل طبيعي بعد التهشمات التي أدت لتضرر كبير في ساقه وقدمه جراء انفجار القنبلة التي كان يحسبها قطعة معدنية يمكن بيعها والاستفادة منها.

يعيش الطفل رائد مع أمه وإخوته الثلاثة في إحدى المخيمات بعد نزوحهم عن بلدتهم خان شيخون أواخر عام ٢٠١٩، وبات المعيل الوحيد بعد وفاة والده في القصف على مدينتهم، لكنه لم يعد قادراً على العمل بعد إصابته تلك.

المرشدة النفسية والاجتماعية أمل زعتور (٣٦ عاماً) تقول أن ”عمالة الأطفال تقتل الطفولة ويترتب عليها أضراراً نفسية وجسدية خاصة إذا عمل الطفل في مجالات لا تناسب حجمه وقدراته كالعمل على آلات ثقيلة أو استخدام وسائل حادة“.

وتشير إلى أن الأضرار النفسية التي تؤثرعلى الأطفال العاملين المتمثلة بخسارتهم لطفولتهم والعيش في حاجة وحرمان وتعب واستغلال وغياب الاستقرار والأمان.

وأوضحت أن عمل الأطفال ووجودهم دائماً في الشوارع يجعلهم على تماس مباشر مع الإنحراف والجنوح والانخراط بأعمال لا تتناسب وأعمارهم الصغيرة، مايسبب لهم إصابة أو إعاقة أو ربما يفضي إلى الموت المحتم، وسط الغياب الكلي لإيجاد الحلول أو الوقوف على حل مشاكل هؤلاء الأطفال المادية، والعمل على إعادتهم إلى مدارسهم واستقرارهم في بيئات آمنة.

ومع تدهور الأوضاع الإنسانية والتعليمية في إدلب وشمال غرب سوريا بعد مضي أحد عشر عاماً على الحرب، تسرب مئات الأطفال من المدارس وانخرطوا في الأسواق والشوارع والعمل في مهن لا تخلو من الخطورة، بحثاً عما يسد رمقهم ويساعد أهلهم على تحمل أعباء الحياة التي باتت مثقلة وخاصة مع غياب المعيل والداعم.

وتُعرّف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها أعمال تضع عبئاً ثقيلًا على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، وتعتبر ذلك انتهاكًا للقانون الدولي والتشريعات الوطنية، فهي إما تحرم الأطفال من التعليم وإما تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل في آنٍ واحد.

  تكاليف الإخصاب المساعد تقتل حلم الأمومة لدى السوريات

  تكاليف الإخصاب المساعد تقتل حلم الأمومة لدى السوريات

“أريد طفلاً يحمل اسمي، لقد نفذ صبري من الانتظار” بهذه العبارة كسر طارق قلب زوجته دارين (37) عاماً، التي تعاني مشكلات في الخصوبة، لتنتهي علاقة حبهما الطويلة بالطلاق، فهما غير قادران على تأمين الملايين المطلوبة لإجراء عملية طفل الأنبوب. فدارين لا تعمل و أجر طارق الزهيد الذي يتقاضاه من عمله في ورشة الخياطة بريف دمشق بالكاد يسد الرمق، ووالدته مريضة تشاركه المسكن، وهو معيلها الوحيد.

تلقي دارين اللوم على والدة طارق التي كانت تضغط عليه باستمرار ليتزوج من أخرى صغيرة تنجب لها حفيداً، تروي دارين لـ “صالون سوريا“ :”أثناء زيارتي الأخيرة للطبيب أخبرني  باستحالة حدوث حمل طبيعي، وأن الأمل الوحيد لنا هو باللجوء للإخصاب المساعد، لكن طارق رفض إجراء العملية  لعدم قدرته على تحمل تكاليفها المالية“، وتضيف: “من حقه أن يكون أباً، لكن لو أن المشكلة بالإنجاب عنده، لما تخليت عنه كما تخلى عني، ولما ضغط علي المجتمع لأفعل هذا”

تروي دارين تفاصيل معاناتها من حرمان الإنجاب، وهي تكره حالة الشفقة التي يظهرها المجتمع تجاهها، فتحاول أن تبدو قوية، لكن دموعها تنهمر حزناً عندما تكون وحدها.  

خلطات للإنجاب 

ودارين هي واحدة من مئات السوريات اللواتي أجبرهم ضعف الحال المادي على نسيان فكرة الإنجاب والأمومة، أمام التكاليف المالية المرتفعة لعمليات الإخصاب المساعد، إذ تنتظر ديمة (35) عاماً “معجزة سماوية ” تحقق حلمها بعد أن قررت التوقف عن متابعة علاجها عند الطبيب المختص، فهي لم تعد قادرة على إنفاق المزيد من الأموال لإتمام الرحلة.

بدلاً من ذلك لجأت ديمة للعطارين المختصين بتركيب خلطات عشبية بهدف المساعدة على الإنجاب، وهي تواظب على قراءة الأدعية والأوردة التي نصحتها بها إحدى الصديقات.

تشرح ديمة لـ “صالون سوريا ” :“الطبيب أخبرني أن احتمال نجاح طفل الأنبوب في حالتنا لاتتجاوز الـ5 %  فقط، ومع أني  أتوق شوقاً لاحتضان طفلي بين ذراعي، وأشعر بالأسى عندما تخفي جارتي أطفالها عني، ظناً منها أنني قد أحسدهم، ولكني لن أغامر بالمال مقابل هذه النسبة الضعيفة“.

بورصة الأطفال 

و ازدادت مؤخرا مشكلات الخصوبة في المجتمع السوري ”وذلك نتيجة تأخر سن الزواج والرغبة بتأخر الإنجاب، إضافة إلى الملوثات البيئية والسموم المهنية وطرق التغذية الحديثة“، بحسب ما أشار إليه الدكتور مروان الحلبي مدير مشفى الشرق للإخصاب في إحدى مقابلاته لوسائل إعلام محلية، لافتا ًإلى عدم  وجود إحصائية دقيقة  لنسب العقم في سوريا، لكنها و بشكل تقريبي تتراوح مابين 13 ـ  18%من جميع الزيجات التي تحصل بحسب مواد صحفية.

و تبدو ملك (43) عاما من المحظوظات في هذه الإحصائية، فالوضع المالي الجيد لزوجها منحها فرصة لتحقيق حلمها بالإنجاب، و أصبحت أماُ  لطفلة بعد تجارب عديدة فاشلة لعمليات أطفال الأنابيب، وبعد انتظار دام  16 عاماً.

وبحكم خبرة ملك الطويلة في تجارب أطفال الأنابيب، فهي تعرف جيداً التقلبات الكبيرة التي طرأت على أسعار عمليات أطفال الأنابيب. فقبل الأزمة كانت تترواح  تكاليف هذا الإجراء مابين 100-150 ألف ليرة، وفي الخمس سنوات الأولى من الأزمة في سوريا وصلت التكاليف لحوالي 600  – 750 ألف،  ثم ارتفعت لتصل لما يقارب المليون ليرة. وفي عام 2021 بلغت ما يقارب 5-7 ملايين ليرة ، وهذا العام  قفزت تكاليف العملية لتسجل رقماً قياسياً وصل لـ 10 ملايين ليرة سورية .

يعزي  الدكتور زياد رمضان إخصائي نسائية وتوليد ارتفاع تكاليف هذه العمليات إلى الواقع الذي فرضته الأزمة، وارتفاع سعر الصرف، فجميع المواد الأولية الداخلة في هذا الإجراء الطبي مستوردة, بدءاً من الإبرة وانتهاء بالأواسط الزراعية، لافتاً إلى أن التكاليف الإنتاجية العالية لهذه المواد ربما تكون أحد أسباب العزوف عن تصنيعها محلياً، ويرى أن ”التكلفة لاتزال مقبولة مقارنة بالدول المجاورة لكن الدخل المالي المتواضع  للمواطن يجعل كل شيء مرهقاً له“. 

حلول بديلة

تطرح ليلى العاملة في مجال الخدمة الاجتماعية فكرة استبدال تكاليف عمليات الإخصاب المساعد وكل ما يرافقها من قلق بكفالة أطفال أيتام ممن فقدوا أهلهم نتيجة الأحداث التي شهدتها  البلاد. أما  زميلتها ديمة فتطالب بوجود جمعيات خيرية أو مشافي حكومية تتولى مساعدة الأزواج اللذين لا يملكون المال لإجراء عمليات أطفال الأنابيب بأسعار مقبولة، ولمنع استغلالهم من قبل المراكز الخاصة والمتاجرة بأحلامهم.

وقبل اندلاع الحرب في سوريا تم افتتاح شعبة طفل الأنبوب في مشفى التوليد الجامعي  الحكومي، ولكنها أغلقت بسبب سفر الطبيب المسؤول عنها، ورغم التصريحات المتتالية من قبل  كل إدارة جديدة تتولى المهام بالمشفى عن عودة افتتاح قريبة، غير أن الأمر لم يخرج عن نطاق التصريحات الإعلامية  حتى اللحظة.

ويوجد مقابل شعبة طفل الأنبوب الحكومية المتوقفة عن العمل، حوالي 40 مركزاً خاصاً بالإخصاب المساعد، وقد حدد القرار التنظيمي رقم/ 18 / الصادر عن وزارة الصحة لعام/ 2008 جملة من الشروط للحصول على ترخيص لافتتاح هذه المراكز، من بينها انه لايجوز اللجوء إلى الإخصاب المساعد إلا بالنسبة لزوجين على قيد الحياة وبواسطة أعراس (أمشاح ) متأتية منهما فقط، ويحظر الإخصاب الطبي المساعد بقصد الحصول على بويضات ملقحة بغية استعمالها لغايات تجارية أو صناعية أو بقصد الدراسات والأبحاث. ويجوز بموافقة الزوجين معا الكتابية الحصول على بويضات ملقحة زائدة وحفظها بهدف إجراء محاولة جديدة لإعادة عملية الزرع غير أنه  في حال وجود أعراس (أمشاح ) أو مضغ فائضة يمكن للزوجين المطالبة كتابيا بإتلافها أو حفظها بالتجميد ويحظر التبرع بالأعراس (الأمشاح ) والبويضات الملقحة في إطار الإخصاب الطبي المساعد، ولايجوز استعمال رحم امرأة أخرى لزرع البويضة الملقحة .

قويات ومجتهدات… قصص بنات لرعاية الأيتام

قويات ومجتهدات… قصص بنات لرعاية الأيتام

في السادسة من عمرها، كانت نيفين (21 عاما) ترتدي زيها المدرسي بانتظار والدها الذي اعتاد على إيصالها إلى مدرستها، لكنه في تلك المرة لم يأتي.

تروي نيفين لـ“صالون سوريا“: “بعد وفاة والدي بحادث سير، تنقلت أنا وأختي الصغرى بين منزل جداي، وعندما تفاجأت أمي بحملها بأخي الذي ولد مصاباً بالشلل الدماغي، لم تستطيع تكبد مصروفنا جميعا، فاقترحت عليها إحدى صديقاتها إيداعنا في الدار، على أن تبقى أمي مع أخي للعناية به لحاجته إلى الرعاية المضاعفة“.

”الوصم“ هو أبرز التحديات التي تواجهها فتيات الدار، مع انتشار نظرة نمطية لهن في المجتمع، تشوبها الاتهامات القاسية، أولها الرسوب الدراسي، الأمر الذي تنفيه نيفين بالقول: “أدرس تصميم الأزياء، وتعلمت الرسم في معاهد خاصة، كما أطمح لإكمال دراستي والتسجيل في الجامعة الافتراضية قسم إدارة الأعمال، لا تعنيني نظرة المجتمع لي، بالرغم من أنني كنت محظوظة بأصدقائي الذين لطالما أحبوني و لم يسيئوا لي بنظراتهم المريبة، سأبقى مجتهدة على الدوام“.

وتختم نيفين بقولها “أنا فخورة أنني بنت الدار”، توافقها في الرأي نيرمين (22 عاما)  التي تدرس الصيدلة، إذ تّكن الشابة مشاعر الامتنان للدار. تقول نيرمين :” تستهويني التركيبات الكيماوية والمواد الداخلة في صناعة الأدوية، دخلت الفرع لمحبتي الكبيرة به“. لم تسمح نيرمين لظروفها العائلية القاسية بالتأثير على مستقبلها، إذ عاشت تجربة “كفالة اليتيم” مرتين في حياتها ، عن هذا تشرح الشابة:” في عمر الرابعة، وقع الطلاق بين والداي، فتخلى أبي عني، بينما أمي أصيبت بالمرض ولم تعد تستطيع الاعتناء بي، فقامت جدتي بإيداعي عند أسرة غريبة تكفلت بي، عشت معهم إلى  سن البلوغ في الثالث عشر من العمر، حينها أودعوني بدار الرحمة، لأن وجودي لم يعد مقبولا في ظل وجود 3 شبان في المنزل، وأنا أعيش هنا منذ تسع سنوات”. وعن تعامل المجتمع توضح نيرمين “عند ارتيادي المدرسة والجامعة، هناك من يعتبر أن وضعي الاجتماعي تهمة، ويتوجب عليّ الدفاع عن نفسي، لكني لا ألقي لهم بالاً، اتصرف بشكل طبيعي، عليهم تقبلي وانتهى الأمر”. وتتطلع الشابة لإكمال دراستها في الخارج إذا ما سمحت لها الفرصة عبر التقديم إلى منح دراسية مجانية، أما آية (20 عاما) فاختارت دراسة مجال التعويضات السنية بعد حصولها على الشهادة الثانوية، وقررت دراسة هذا الفرع عندما كانت تذهب برفقة والدتها التي كانت تعمل كمساعدة مخبري أسنان، وبعد أن انقطعت أخبار الزوج عنها وتم تهجيرهم من الغوطة الشرقية عاشت آية وشقيقتها مع أمها لمدة عامين إلى أن تزوجت ”فأودعتنا في دار الرحمة، ولم تعد تستطيع تحمل نفقاتنا، لكنها تزورنا على الدوام” تقول آية مضيفة ” أعلم جيدا أنني لو كنت مع والدتي ، لما وصلت إلى هذه المرحلة الدراسية،  فتقاليد وعادات منطقتنا بالية جدا، لُحرمنا من التعليم، وأُجبرنا على الزواج، على غرار صديقاتي في الحي”.

دار الرحمة لرعاية الأيتام

تأسست دار الرحمة لرعاية الأيتام في عام 2007، وهي تابعة لجمعية الأنصار الخيرية التي افتتحت أبوابها عام 1995، بدأ عمل الدار باحتواء البنات في خطوة أولية، لكنه بعد سنوات شمل البنين أيضاً. مديرة دار الرحمة براءة الأيوبي تقول لـ“صالون سوريا”: ”مع بداية اندلاع الحرب في البلاد، كانت تقصدنا عائلات وأسر مكونة من فتيات وذكور، وعملنا كان يقتصر على استقبال الإناث فقط، من هنا بدأنا التفكير بإنشاء فرع للذكور، وبالفعل قمنا بذلك وأسسنا قسم خاص بالذكور الذين تتجاوز أعمارهم العاشرة ممن فقدوا ذويهما أو أحدهما، سواء بالموت أو في عداد المفقودين”.

ومن الحالات التي تستقبلها الدار أيضاً، هي حالات اليتم الاجتماعي، ويقصد به أن يعيش الطفل/ة في بيئة غير سليمة وتهدد حياته بالخطر، بسبب معاقرة أحد الأبوين للكحول أو المخدرات ، أو إصابته/ا بالمرض العقلي والنفسي الذي يشكل خطرا على الأطفال. إلى جانب عدم توافر القدرة المالية لإعالة الطفل، أو تخلي الوالدين عنه.

وتلفت الأيوبي إلى وجود ما يسمى بنظام “وديعة الطفل”، حيث يقوم أحد الوالدين أو كليها بإيداع طفلهم عند الدار لفترة غير محددة الأجل، لأسباب قاهرة قد تكون مرض أو سفر أو سجن، ثم يعود الوالدين لاسترجاع طفلهما بعد تغير الظروف،

ويخضع دار الرحمة لمجموعة من القوانين الصارمة من حيث مواعيد النوم والدراسة والاستيقاظ ومشاهدة التلفاز والاستراحة، كما يمنع استخدام الإنترنت، إلا لطالبات الجامعة. تحتوي الدار على عدة  شقق، لتستوعب كل شقة حوالي 15 طفل وطفلة تتراوح أعمارهم من الأشهر الأولى إلى المرحلة الجامعية.

مهن تقاوم الاندثار في إدلب

مهن تقاوم الاندثار في إدلب

في زقاق الحمام داخل حارات مدينة إدلب يعمل عبدو دهنين (70 سنة) في محله التقليدي لكي الملابس. صباح كل يوم يسخن مكواته على منقل الفحم أو موقد الغاز، في حال نفاذ الفحم الموجود لديه، ويجلس بانتظار احضار الزبائن لملابسهم، ليقوم بكّيها.

عن عمله، يقول عبدو لـ“صالون سوريا“: ”ابدأ بتغطية الملابس المراد كيها بقطعة قماش، للحفاظ عليها ومنع احتراقها بسبب حرارة المكواة، وحرق الملابس يعد عيب بحق المحترف، و اليوم إذا أحرقت أي ثياب سأخسر ما بقي لدي من زبائن، وأعدادهم تتناقص أصلاً فهم جميعاً من كبار السن الذين لا تستهويهم التكنولوجيا“.

بدأ عبدو العمل بممارسة مهنته منذ كان صغيرا، بعد أن تعلمها على يد والده، لتصبح مصدر دخله الوحيد بعد أن اكتسب فيها خبرة كبيرة، كما قام بتعليمها لعدد من أبنائه وأخوته، إلا أنهم تركوا جميعاً الكي على الفحم، وتوجهوا نحو الكي على البخار والكهرباء، كما فتح بعضهم محلات لصباغة الملابس. بينما بقي عبدو متمسكاً بمكواة الفحم التي ورثها عن والده، والتي يتجاوز عمرها الـ 75 عاماً، حيث تعود تاريخها لفترة جلاء الانتداب الفرنسي عن سوريا. 

أما عن سبب عدم مواكبة عبدو لتقنيات الكي الحديث، فهو حبه لتفاصيل مهنته التي تعود عليها، بالإضافة ”لضعف إمكاناته المادية وعدم قدرته على شراء الأدوات الجديدة الباهظة الثمن“ بحسب قوله.

نول أريحا

ومن إلى أريحا، حيث مهنة تقليدية أخرى على شفا الاندثار، وهي الحياكة على النول. يمضي إبراهيم الحسين (64) السّاعات الطّوال أمام النول الخاص به، وهو يعمل على إنهاء بساط يدوي ينوي هديته لأحد قريباته بمناسبة زفافها. وفي الاستراحة يروي لـ“صالون سوريا“ حكايته مع النول قائلاً ”بدأت العمل مع النول منذ كان عمري 10، حيث بدأت بتدوير دولاب الحياكة وتجهيز الخيوط، و مع التدريب المستمر، تمكنت من الحياكة على النول وهي المهمة الأصعب في المصلحة، وما إن بلغت الـ18 من عمري حتى خضعت لفحص العمل على النول لدى شيخ الكار، وبدأت حينها العمل على النول بشكل رسمي، حتى الآن“.

يتجاوز عمر مصلحة الحياكة على النول مئات السنوات، إلا أن عدد مكنات النول الموجودة في أريحا اليوم لم تعد تتجاوز العشرة، ومعظمها لا يعمل بشكل دائما، بعد أن كانت المدينة تحتضن 100 نول، بحسب ما يقول الحسين.

أما عن السبب فيشير إلى أن ”الحرب ألقت ظللها على المهنة، بعد إن توقفت طرق التصدير، وحتى عند توافرها، تفوق أجور الشحن المربح المتوقع، كذلك الحال مع طرق جلب الخيوط و باقي المستلزمات“.

ورغم ذلك يستمر الحسين بعمله لأنه تراث وإرث من والده وأجداده، ”فمن هذا النول فتحت بيتي، وربيت أولادي ، ورغم كل ما حدث والحمدالله عايشين ومستورين“ يقول الحسين مؤكداً ”شيئان لا يمكن أن أبتعد عنهما: أريحا و النول“.

مكانس القش 

دخلت مهنة صناعة مكانس القش، المعروفة محلياً باسم ”المشباط“ إلى مدينة إدلب قبل مائتي عام، لتتقنها وتتوارثها عائلات خشوف، حربا، خشان، حايك، وزيداني، كما يشير زهير حربا (40سنة) وهو أحد أصحاب ورش صناعة مكانس القش في المدينة.

وعن هذه الصناعة يقول حربا لـ“صالون سوريا“ : ”تمر صناعة القش بعدة مراحل تبدأ بجلب أكوام القش التي تسمى في المصلحة (أبواع القش)، يليها عمليات الفرز لاختيار القش القوي وهو النوع الجيد لصناعة المقشات، ثم نقوم بنقع القش بالماء ليسهل التحكم به، ثم تبدأ بعدها عملية القص وتسويته ضمن حزم متساوية الطول والحجم، وأخيراً يخضع لعملية تبخير ليتخلص من العفن والحشرات في حال وجودها به، كما تكبسه تلك العملية لوناً جميلاً ومميزاً ليجمع بعدها القش في حزم تتم خياطتها“.

تواجه هذه الصناعة التقليدية عدّة تحديات متعلقة بالحصول على القش، فاليوم يجلب القش من منطقة الجزيرة أو يتم استيراده من تركيا، وبالتالي فان سعر القش سيتضاعف، كذلك انعدام طرق التصدير خارج المحافظة ولاسيما لبنان الذي كان المستهلك الأكبر لإنتاجهم، بحسب حربا، لكن انقطاع الكهرباء المستمر، وخسارة العديد من العائلات لمكانسها الكهربائية، نشط سوق المكانس اليدوية بعض الشيء.

وفي الوقت الذي تقضي فيه الحرب على الكثير من معالم سوريا، يصارع حرفيون لإبقاء بعض المهن التراثية حيّة رغم صعوبة العمل وتحدياته الكثيرة، دون أن يتلقوا أية مساعدة أو دعم من الجهات التي تدير هذه المناطق.

المهر في سوريا: حلم الليرات الذهبية وعجز القانون

المهر في سوريا: حلم الليرات الذهبية وعجز القانون

منذ عامين، فاجأت هيلين خطيبها بطلب رفع مهرها على غير المتفق عليه بينهما أثناء جلسة عقد قران الشيخ، وها هي اليوم تعزم رفعه للمرة الثانية تحسبًا لطلاق تعسفي مفاجئ يُسفر عن خسائر فادحة. من جهة أخرى، تنازلت ختام بإرادتها عن كامل حقوقها فارةً من لطمات زوجها وهربًا من نوبات جنونه الهائجة. تعكس القصتان باختلافهما حجم معاناة العديد من النساء مع قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 بالرغم من تعديله مؤخراً في شباط 2019 الذي سمح للمرأة بتعديل مهرها بما يتناسب مع القوة الشرائية في البلاد حين التسجيل. لكن مازال هذا القانون يحسم المعركة دوماً لصالح الرجل، ويعكس مدى عجز القانون عن حماية المرأة وصون كرامتها، مهما طرأ عليه من إضافات وحتى إن بلغت قيمة المهر مئات الملايين.

قصصهن

خرجت الأسبوع الفائت ختام (48 عاماً) من باب المحكمة وهي تتأبط ورقة الخلع بعد محاولات مضنية وفاشلة بالحصول على طلاق يضمن لها كامل حقوقها. تُشارك تفاصيل تجربتها وملامح التعب تغزو وجهها: “خلعتُ زوجي وتخليتُ عن مهري وجميع حقوقي، أريد الاحتفاظ بما تبقى من حريتي وكرامتي وراحتي، لم أعد أحتمل لطماته ونوبات غضبه المتكررة، لا أطيق غيابه المتكرر عن المنزل وتقصيره المستمر بواجباته كأب وزوج.” وتضيف ختام: “أخفى زوجي عني أمر إصابته بمرض ثنائي القطب، كما أصر على عدم تناول الدواء والتعافي، ما انعكس سلباً على صحتي حين تصيبه نوبات ضرب وصراخ تنصبان فوق رأسي.” حاولت ختام بشتى الطرق التوصل إلى تسوية لإرضاء الطرفين، لكن دون طائل، تدخل العديد من المقربين كوساطة لحل النزاع بين الزوجين، غير أن إصرار الزوج على أنه لا يعاني من أي مرض أدى إلى فشل العلاقة. تشرح ختام الوضع: “لم تنفع معه أي حلول، توسط الأصدقاء بيننا وطلبوا منه الالتزام بتأجير منزل لي ولأبنائي الثلاثة وتكبد نفقاته مقابل الاستمرار معه، لكنه رفض بالرغم من وضعه المادي الممتاز وطلب مني البقاء وتحمل تقلباته المزاجية والتزام الصمت وتقديم فروض الطاعة، غير أنني رفضت وخلعته، خسرت حقوقي، لكن كسبت حريتي وكرامتي المتبقية.” ليس لدى ختام عائلة، فوالدها متوفان، استدانت من أحد أصدقائها مبلغ مالي لسداد أجرة المنزل الذي تُقيم فيه مع أبنائها ريثما تجد عملاً لها.

في الوقت الذي هُدرت فيه حقوق ختام ولم تجني نفعاً من قيمة مهرها، تجد هيلين (25 عاماً) أن للمهر أهمية كبيرة لصون حقوقها فيما لو وقع الطلاق، ما دفعها لزيادة قيمته لحظة عقد قرانها وإرضاخ خطيبها آنذاك للأمر الواقع، وتقول عن تجربتها: “اتفقتُ مع خطيبي قبل الزواج على مهر مقدره مليون ليرة سورية مقدم، ومليونين مؤخر، لكن بعد التفكير العميق وجدته قليل جدًا، فطلبت رفعه إلى الضعف للاثنين معاً أثناء وجود الشيخ عند عقد القران، فوافق ذويه على مضض.” تُتابع الشابة: “المهر مصدر أمان لي في المستقبل عند حصول الطلاق، أفكر حاليًا برفعه مجددًا نتيجة ارتفاع سعر الصرف وغلاء المعيشة وإقناع زوجي بالموافقة دون إخبار أهله لأنهم حتما سيرفضون ذلك.” تعتقد الشابة وهي أم لطفل واحد أن على المرآة أن تطالب بمهرها وتمتنع عن كتابة كلمة مقبوض ما لم تقبضه حقًا وعدم السماح للزوج بالضغط عليها، لأنه يشكل لها ضمانة في المستقبل وستكون بحاجة ماسة إلى المال بعد طلاقها.

المهر بالليرة الذهبية

تفكر سارة (28 عاماً) جدياً بتحديد مهرها بالليرات الذهبية كضمان لقدرتها على العيش وعدم خسارتها ماليًا، وذلك أسوة بشقيقتها الكبرى: “يجب التفكير بمساوئ الطلاق قبل محاسنه، يجب توقع الأسوأ على الإطلاق، إذا كتبت بالعقد مبلغ مالي بالليرة السورية فهو سيصبح بلا قيمة بعد سنوات في حال فسخ عقد الزواج، فالليرة تنهار يوميًا، والأفضل أن أحدد مهري بالليرة الذهبية فستظل لها قيمة وستمكنني من تدبير أموري لأن الذهب يحافظ على قيمته دومًا، أن أخسر زواجي ومعي نقود توفر لي منزل، خير من خسارتي وأنا مفلسة ومرمية في الشارع انتظر رحمة الناس وشفقتهم.”

المهر لا يصون حقوق المرأة

“المهر بحد ذاته لا يصون حقوق المرأة بشكل كامل ولا حتى تعديله، فهو يسلع المرأة”، هكذا تجيب المحامية السورية اعتدال محسن عن رأيها حول المهر وتعديله، مضيفة: “أن المرأة الأفضل بنظر المجتمع يُدفع فيها المهر الأعلى، كما أنه لا حد لأقل المهر ولا أكثره وفق القانون وكل ما صح شرعًا صلح أن يكون مهرًا سواء كان مالاً أو منفعة أو حتى عملاً، لكن على ألا يتجاوز مهر مثيلاتها وهنا حدد المهر حسب الطبقة أو الحالة المجتمعية للمرأة.” 

وعن الآلية المتبعة في تعديل المهر، تشرح المحامية أنه: “لم ينص القانون السوري على إلزام الزوج بتعديل المهر ولا عدلته المحكمة من تلقاء نفسها، وإن تم التعديل كان يتم باتفاق الطرفين، أما وفق القانون الجديد فإذا كان المهر متدنيًا جدًا وفق سعر الصرف الحالي جاز تعديله على آلا يتجاوز مهر مثيلاتها.”

ترى المحامية اعتدال ألا سبيل إلى نيل المرأة حقوقها، إلا أن يساويها القانون مع الرجل في الحقوق والواجبات، وألا يكون الطلاق بإرادة منفردة، بل يكون بالاتفاق الكامل أو وفق ما يراه القانون الذي يكون أصلًا قد أعطى المرأة كامل حقوقها،” مؤكدة أن المهر، “ليس السبيل الوحيد لحفظ المرأة كرامتها ولا هو السبيل الوحيد الذي يعوض المرأة التي أفنت حياتها وشبابها في إعمار المنزل وتربية الأولاد فيكون جزاؤها مقدار من المال مع إخراجها بشكل كامل من حياة الأسرة”.

تعديل المهر: حبر على ورق

يحق للزوج أو الزوجة تعديل المهر في حالتين، إذا تم الأمر برضا الطرفين وبموافقتهما التامة دون خصومة وذلك من خلال تقديم طلب إداري إلى القاضي الشرعي، الذي يحول الطلب إلى الديوان، ثم تُكتب ورقة تعديل المهر على أصل عقد الزواج القديم في المحكمة. والحالة الثانية عند رفع دعوى خاصة، لكن لا ينظر القاضي بأمر التعديل إلا في حالة كانت قيمة المهر المسجلة منخفضة جدًا عند التسجيل. أما دون هذه الحالات فتقابل بالرفض التام، كحالات تحديد المهر بقيم متدنية دون 10 آلاف ليرة سورية على سبيل المثال، حينها يتم تعديله ليصبح 200 ألف ليرة سورية أو أكثر بقليل عند المطالبة. بمعنى آخر تبقى المرأة هي الخاسرة الأكبر من مسألة تعديل المهر في حال رفع دعوة خصومة.

قانون مجحف للنساء

ترى الناشطة النسوية بحقوق المرأة سلوى زكزك أنه “لا يمكن تناول مسألة المهر كجزئية منفصلة، بل هي من جملة وضع المرأة عمومًا في ظل قانون الأحوال الشخصية، كالحضانة والبقاء في السكن والحصول على الكفاف اليومي لها ولأطفالها بعد حصول الطلاق.” وتصر زكزك على أن المهر ليس مصدر أمان للمرأة ويعمل على تسليعها وتشييئها، وهو مبرر أساسي للرجل على تطليق المرأة في أي وقت يشاء بحجة أنه دفع مهرها بالكامل مقابل الخدمات الجنسية والمنزلية والإنجاب وزيادة أعداد أفراد العائلة وخدمتها التي قدمتها خلال مسيرة حياتها الزوجية. كذلك هو مصدر جلد وتمييز سلبي ضد الرجال ويدفعهم للسفر لتأمين مستلزمات الزواج.” وتوضح الناشطة النسوية: “يجب أن يبقى المهر حقاً ثابتاً للمرأة حتى بعد الطلاق أو الخلع ليكون مصدر حماية لها”.

المهر قبل وبعد سنوات الحرب

أحدثت الحرب صدوع وتشققات كبيرة في جدار المجتمع السوري، غيرت بالكثير من عادات سكان المناطق، حيث تم التخلي عن البعض منها واكتساب البعض الآخر. تتحدث زكزك عن السياق الاجتماعي للمهر قبل اندلاع الحرب السورية: “اختلف تحديد المهر بين المرحلتين، قبل عام 2011 كانت العائلات تحدد المهر حسب جمال ونسب الأسرة وثقافة الفتاة، كلما زاد جمال الشابة ارتفع مهرها والعكس صحيح، هذه العادة غير منطقية ومهينة للرجل والمرأة معًا، فالرجل الذي لا يملك مبلغ مالي كبير لا يحق له الزواج من شابة جميلة، وينصرف إلى الأقل جمالًا بما يتناسب مع وضعه المالي. وتضيف: “أما بعد عام 2011 فهناك فتيات تزوجن بلا مهر، أو بمنطق السترة عليها، أو تزوجن مقابل مهر إسكان ذويها في بيت يسترهما، كما تزوجت العديد من الفتيات مقابل استيلاء والدها على قطعة أرض كمهر من زوجها والانتفاع منها، إلى جانب استغلال تجار الحرب للنازحات واللاجئات والامتناع عن دفع مهورهن عبر الإشارة إليه أنه مقبوض وهو غير ذلك، مستغلين ظروفهن القاهرة والنظرة الدونية تجاههن وبالتالي يقل مهرهن أو لا يُمنح أبدًا.”

المادة منشورة على جدلية