“تخيلت ولدي المعتقل مكان الممثل الذي يتعرض للضرب، فبكيت. لكن رغم ذلك كنت أشعر بالسرور لإنه ما زال هناك أشخاص يتذكرون قضية المعتقلين ويحاولون تذكير العالم بها”. كانت دموع سهيلة تسابق كلماتها بعد انتهائها من مشاهدة مسرحية “تحت الصفر” التي أقيمت على مسرح المركز الثقافي في مدينة ادلب من قبل “فرقة حلم المسرحية”. وكانت “حلم ” قد توقفت على العمل عام 2011 بسبب “القبضة الأمنية”، بحسب إبراهيم سرميني مدير الفرقة، الذي اشار الى مشاركة اعضاء الفرقة بالمظاهرات السلمية. غادر ابراهيم ورفاقه المدينة ليعودوا إليها عام 2015 بعد سيطرة فصائل مقاتلة عليها. يقول إبراهيم، انهم فكروا منذ عام 2016 بعودة النشاط المسرحي للمدينة، لكن ذلك تعثر حتـى العام 2018 حيث “بدأنا بإعادة تفعيل المسرح بعد استقر الوضع الأمني جزئياً وتوقف القصف بسبب اتفاق خفض التصعيد” بين انقرة وموسكو، لتطلق الفرقة مع “منظمة بنفسج” تدريب إعداد ممثلين حيث خضع 25 شابا للتدريب. كما قام الطلاب بإعداد عرض مسرحي، لكن لم يعرض. وأضاف إبراهيم، إنه وزملاءه فكروا بعودة المسرح ليكونوا منبرا يقدرون من خلاله إيصال القضايا التي تخص مجتمعهم وليكونوا “ضمن وجدان” شعبهم ودائرة اهتمام الموجودين. كما أكدوا ان لديهم تصورا عن المسرح كفن و “منبر مهم جدا”، بإمكانهم من خلاله مناصرة قضيتهم وإيصال صوتهم لأماكن بعيدة.
قبل عام 2011، كان في إدلب خمس فرق مسرحية استطاعت إثبات حضورها على الساحة الفنية السورية بعد ان شارك في المهرجات المسرحية على المستوى المحلي والإقليمي، إذ قدمت عشرات العروض المسرحية إلا أن “المسرح الإدلبي” لم يكن ذائع الشهرة والصيت كون الفرق المسرحية في ادلب، رفضت تقديم عروض تجارية منذ دخولها للعمل المسرحي. لكن تلك الفرق توقفت مع بداية اندلاع الاحتجاجات لتعود إرهاصات العمل المسرحي بعد اتفاق خفض التصعيد عام 2017، الذي شمل مدينة إدلب ليجتمع من بقي من مسرحيي ادلب في “فرقة بيدق” ويخرج العمل المسرحي الأول في ادلب تحت اسم “سرداب الموت”، لكن المسرح بقي تحت رحمة الأوضاع العسكرية والسياسية في شمال غربي سوريا، فالمسرح يحتاج لهدوء ليستطيع العمل والهدوء محكوم بتلك الأوضاع، المسرحي مجد هامو وهو ممثل في مدينة إدلب، قال لـ “صالون سوريا”: “حصلنا على تجاوب كبير من الجمهور وحتى من المجتمع بشكل عام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فالمسرح دوره تذكير الناس بالقضايا المهمة باعتبار الفنان هوي ابن قضيته ومجتمعه أولاً وأخيراً”. وزاد: “المسرح هو منبر للناس ليحكوا وجعهم والتذكير وخاصة ان العروض تناقش مشاكل الواقع السوري لإننا نؤمن ان الفنان ابن مجتمعه، فالقصص المسرحية يجب ان تتكلم من قضايا المجتمع والا فلا قيمة لها حتى أن توافد النزوح نحو إدلب شارك عدد من المهجرين من مختلف المحافظات بالمسرح فلقد كان لشبان من دمشق وحلب والرقة ودرعا ودير الزور دور في العمل المسرحي في ادلب”. وعن المصاعب التي تواجههم كمسرحيين، أضاف هامو، ان “الدعم المادي وغياب أي تمويل للعمل المسرحي في شمال غرب سوريا إذ تعتمد معظم الفرق على جهود شخصية من الممثلين او دعم متواضع مع بعض المنظمات لا يتجاوز موضوع اللوجستيات، بالإضافة إلى غياب دور النساء بالعمل المسرحي فالعروض المسرحية غالباً ما تحتاج لممثلات نساء وهذا غير متوفر اضافة إلى نقص مراكز التدريب والدورات الخاصة بإعداد الممثلين والمخرجين والفنيين”.
من جهته، شرح الكاتب نور الدين إسماعيل لـ “صالون سوريا” رؤيته للواقع المسرحي في إدلب بقوله: “بعد قيام الاحتجاجات اعتمد بعض الناشطين على المسرح لإيصال معاناة الداخل إلى العالم. فبعض الأعمال المسرحية رغم أنها كانت أعمالاً بسيطة، حملت رمزية كبيرة، كونها كانت تعبر عن قضايا المجتمع، وتخرج عن الخط الذي رسمته السلطة في سوريا للمسرح منذ عشرات السنوات. فقبل عام 2011 كان المسرح القومي هو المسيطر على القطاع المسرحي، حيث كان المسرح السوري وقتها في واد والمجتمع السوري في واد آخر، وهذا ما تم إصلاحه بالتجارب المسرحية في شمال غربي سوريا. حيث كان النص المسرحي نابعاً من الواقع وظروف الناس”. وأضاف: “المسرح بكل تأكيد هو أداة حشد ومناصرة لقضايا السوريين، لأنه رغم كل المصاعب والآلام التي نمر فيها فوجود حركة مسرحية تعكس الواقع الذي نعيشه، هو أمر ممتاز لما للمسرح من رمزية في ذاكرة الشعوب”.
كثيرةٌ هي المرات التي يحتار فيها الصحافي/ة: كيف ستكون بداية مادته/ها؟ هل يبدأ/ تبدأ بقصةٍ إنسانية لبطل/ة في تلك المادة يكون النجاح، الخوف، الفشل، اللاجدوى عنواناً لحبكة صحافية؟ أم سيواجه الجمهور برقم صادم عن قضية فساد، هجرة، خسارة، أو رقم صدرته قضية حرب؟ أسئلة تفرض نفسها عند التفكير بقضية آلام أطباء التخدير في سوريا، أو الأصح حول قضية الهروب من اختصاص التخدير في سوريا وهجرة من اختص فيه عن سابق إصرارٍ وتصميم. 15 طالب طب اختصاص تخدير فقط في جامعة دمشق هذا العام. انخفض العدد 35 طبيباً خلال عام، ومن سجل هذا الاختصاص ينتظر فرج بطاقة طيران خارج الحدود، بين سطور هذا التقرير آلام لأطباء يُخدرون آلام الجروح.
صرخة في العام 2017، أطلق الدكتور فواز هلال المسؤول العلمي لـ “رابطة أطباء التخدير وتسكين الآلم” صرخة، عبر الإعلام الرسمي والخاص وصفحته على السوشال ميديا، يُحذر من يومٍ “ستتجمد فيه المشافي” اذا استمر وضع التعامل مع أطباء التخدير بطريقة عدم التقدير المادي والمعنوي، في القطاعين العام والخاص. وفي بدايات 2022، تحديداً يوم 9 كانون الثاني، أوقف “مشفى التوليد الجامعي” قبولات المرضى والإسعاف لعدم وجود كادر من أطباء التخدير، في وقت كان ولا يزال “مشفى الزهراوي” بمدينة حلب يعمل بطبيب تخدير واحد فقط بمساعدة فنين. وفي ذات السياق، تحدثت الدكتورة زبيدة شموط أن “رابطة أطباء التخدير” أجرت دراسات متتالية حول عدد وواقع أطباء التخدير في سوريا في اعوام 2000 و2016 و2020، منوهةً أن الوضع اليوم “أسوء بكثير من عام 2020، حيث يفقد هذا القطاع الأطباء الشباب من تتراوح أعمارهم تحت 30 عاماً، وفي كل سوريا 4 أطباء فقط من هم تحت سن الثلاثين عاماً”. بعد الصرخة الأولى، أعطت الحكومة السورية مكافأة شهرية لأطباء التخدير 100 ألف ليرة سورية، يومَ كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار لا يصل إلى 1500 ليرة سورية، خُصم منها 18% ضريبة أيضاً، في الوقت الذي لا يجوز أن يخصم من المكافأة أي ليرة سورية، لم تنجح محاولات المعنين بمحاولة “تثبيت أطباء التخدير بأرض الوطن”.
صراع أطباء بعد سنوات على محاولة الجهات المعنية في سوريا، “إنقاذ كوادر أطباء التخدير”، تحاول ذات الجهات محاولة إنعاش أخرى، بضخ زيادات على الرواتب والتعويضات الخاصة بأطباء وطبيبات التخدير، حيث كشفت دراسة سربها الإعلام السوري الخاص أن اللجنة الاقتصادية في رئاسة الحكومة رفعت توصية لتكون مكافأة كل طبيب تخدير 200 ألف ليرة سورية شهرياً أي مايعادل 56 دولارا اميركيا تقريباً حسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء، و 80 دولارا حسب سعر صرف المركزي، واشترطت أن تصل عدد أيام دوام طبيب/ة التخدير إلى 6 أيام أسبوعياً. صب هذا التسريب الزيت على نار القضية، ولم يكن بعد ما تم تداوله نفعاً لـ “الملح على الجرح”، كما يقال باللهجة العامية السورية. يعقب الدكتور ” ع. م” الذي رفض ذكر اسمه كاملاً على القضية قائلاً: ” تحتاج قضيتنا صفحات في جرائد”. ويتحدث لـ “صالون سوريا” عن جوهر المشكلة المتمثل في العلاقة مع طبيب التخدير ضمن المشافي العامة والخاصة، موضحاً أن المشفى والجراح هما من يقرران أجور طبيب التخدير، الذي يبقى له الفتات من الأجور، بعد نقاشات طويلة من سيدفع الأجور له المشفى أم طبيب الجراحة، و”بالتالي يغيب الضامن للعلاقة بين طبيب التخدير والمشفى، وبين طبيب الجراحة وطبيب التخدير هذا على صعيد المشافي الخاصة، أما على صعيد المشافي التعامل مع التأمين الصحي في المشافي الخاصة، يدفع التأمين الصحي تسعيرة وزارة الصحة وهي لا بأس بها، لكن يدفعها للمشفى الذي يقتطع منها ما يريد”. وفي أحد الردود على الحلول التي قدموها أطباء التخدير لوزارة الصحة، أن فني التخدير يمكنه القيام بمهام الطبيب، حسب قوله. لكن أي خلل في العمل الجراحي فان “الملام الأول هو طبيبة/ة التخدير”. سلسلة تناقضات يدخل بدوامتها كل من يدخل اختصاص تخدير قبل أن يسافر خارج البلاد. وتتحدث الدكتورة “ش .ع” عن جملة مشاكلَ أخرى تبدأ بالأجور لطلاب الدراسات العليا التي تصل إلى 90 ألف ليرة سورية، وتقارنها بطلبة من حملة شهادات الطب العام في جامعات ألمانيا تصل لحوالى 2800 يورو. وطبيب التخدير هو الوحيد الذي أجوره قليلة مقارنة بباقي الاختصاصات وخصوصاً الجراح، وتضيف أن المشكلة أيضاً في قلة الأساتذة والمشرفين بسبب الأجور الزهيدة، حيث يصل أجر الطبيب المشرف بعد دوام 5 أيام في “مشفى المواساة الجامعي” إلى 180 ألف ليرة سورية، حيث لا يوجد أيضاً أي أجور على العمليات في المشافي الحكومية، وهذا يجعلهم/هن يتخلفون عن الحضور إلى المناوبات في المشافي الحكومية. لم تكن الأجور وحدها هي ما تلخص عمل وهجرة أطباء وطبيبات التخدير، بل عدم وجود منظومة كاملة اسمها “تسكين الألم”، بحيث يصبح في مقدور الطالب عمل اختصاص لمدة سنتين أو ثلاث بعد الانتهاء من التخدير، إضافة إلى استغناء المشافي عن الطبيب بالفني وهذا استخفاف كبير بالطبيب على حد تعبيرها.
خارج الحدود! حاول كثيرون من أطباء وطبيبات التخدير المطالبة بمساواتهم بزملائهم من ذات الاختصاص في دول الجوار على الأقل. كل هذه المطالب باءت بالفشل، فكان البقاء صعباً. تتفق الدكتورة “ش، ع” والدكتور “ع .م” أن كل من يدخل الاختصاص في عينيه السفر فقط، ليس بدافع التخلف عن الخدمة الإلزامية فحسب، بل بدافع وجود إغراءات مادية ومعنوية حقيقية. ويشرح ” م. ع” طبيب تخدير سافر إلى ألمانيا عام 2019، عن تجربته في المشافي الألمانية التي تبدأ بالأجور الشهرية، ومساواة طبيب التخدير من حيث القيمة المعنوية بأي طبيب آخر، حيث لا يمكن أن يحل أن فني تخدير مكان الطبيب في غرف العمليات، بينما يشير “م.ر” وهو طبيب تخدير سافر إلى العراق عام 2020، ويعمل في أحد المشافي الخاصة بالعاصمة بغداد، أن أجره بدأ بـ 2000 دولار، لو بقي في سوريا، كان يحتاج سنة ونصف ليجمع هذا المبلغ، ويتحدث عن عدم دخول أي طبيب إلى غرفة العمليات بدون طبيب تخدير، مع وجود فنين تخدير أيضاً، لكن الأدوية ومعايرتها ونوعيتها هي من اختصاص الطبيب فقط، ولا يشعر أي طبيب تخدير بأنه قلة قيمة طبية من غيره من الأطباء، وله نسبته وأجره الذي يختلف من مشفى إلى آخر ويتساوى مع اختصاصات أخرى. في 2022 توقف “مشفى التوليد الجامعي” عن العمل بسبب عدم وجود طبيب تخدير، ماذا ينتظر البلاد بعد 5 سنوات إذاً؟ وفي سوريا التي تصدر أطباء إلى العالم منذ زمن وليس أثناء الحرب فقط، هل سيقف المرضى طوابير بانتظار طبيب تخدير؟ هل تنفع الإغراءات المادية التي لا تكفِ نصف شهر للعيش في بلد يعاني من الغلاء والتضخم؟
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة للنزاعات والنوع الاجتماعي، مُخصصة للصحفيين/ات السوريين/ات المقيمين/ات داخل سوريا وخارجها.
بسبب الظروف الصحية الراهنة، ستُعقد الدورة التدريبية أونلاين عبر تطبيق “زوم”، وهي مقسمة على ست جلسات خلال ثلاثة أيام، بين 11 و13 آذار/مارس 2022
ستتناول الجلسات اساسيات الصحافة، التعامل مع المصادر أثناء النزاعات، الفرق بين الصحافة المكتوبة والمرئية، وحساسيات النزاعات، إضافة لجلسات حول الموضوعية والحساسية للنوع الاجتماعي وطرح قضاياه.
يدير هذه الجلسات مجموعة من الصحفيين/ات السوريين/ات المتخصصين/ات بهذه القضايا، وستتاح الفرصة للصحفيين/ات بعد نهاية التدريب للنشر مع موقع “صالون سوريا” كصحفيين/ات، وخلالها سيحصلن/ون على فرصة المتابعة مع المدربين/ات لتطوير مهاراتهم/ن الصحفية.
اذا كنت مهتما/ة بالتقديم على التدريب يرجى ملئ الاستمارة التالية خلال موعد أقصاه الأربعاء 7 آذار/مارس 2022
هل هناك دروس في «سلوك» روسيا العسكري والسياسي والإنساني في سوريا يمكن الاستفادة منها، في فهم مغامراتها الجديدة بأوكرانيا؟ وهل يمكن أن تقوم موسكو بنسخ «السيناريو السوري» في الحرب التي تخوضها على الحدود الروسية الغربية؟ أيضاً، ما تقاطعات التجارب الغربية بين «الملفين»؟
«الأرض المحروقة» في نهاية 2016، حذر وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون (رئيس الوزراء الحالي) ونظيره الأميركي السابق جون كيري، موسكو من تحويل مدينة حلب إلى «غروزني سوريا»، في تشبيه مع عاصمة الشيشان التي اعتبرتها الأمم المتحدة في 2003 «المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض» بعد محاصرة قوات روسية ولها وتدميرها. وردت السفارة الروسية في واشنطن على موقع «تويتر» بالقول: «غروزني اليوم هي مدينة سلمية وحديثة ومزدهرة. أليس هذا الحل الذي نبحث عنه جميعاً؟». كان هذا الأمر نموذجاً لفهم روسيا في تدخلها العسكري بسوريا نهاية 2015 لـ«إنقاذ الدولة السورية». وفي نهاية العام الماضي، قال وزير الدفاع سيرغي شويغو إن جيشه «جرّب» في سوريا 320 طرازاً من مختلف الأسلحة، الأمر الذي استمر إلى هذه الأيام، حيث جرى نشر طائرات «ميغ 31 كا» قادرة على حمل صواريخ «كينغال» بقاعدة حميميم غرب سوريا. و«كينغال» صاروخ فرط صوتي تعادل سرعته 10 أمثال سرعة الصوت، ويتبع مساراً متعرجاً، وهو ما يسمح له باختراق الشبكات المخصصة لاصطياد الصواريخ، وكان بين الأسلحة التي شاركت في المناورات البحرية قبالة ساحل سوريا عشية الهجوم على أوكرانيا. وحسب خبراء عسكريين، فإن القوات الروسية اتبعت سياسة «الأرض المحروقة» في دعم قوات دمشق، التي رفعت حجم الرقعة التي تسيطر عليها من 10 في المائة إلى 65 في المائة. وغالباً ما كانت تأخذ قرية، مثل اللطامنة في حماة وحمورية في غوطة دمشق واللجاة في ريف درعا، «نموذجاً» لإيصال «إنذارات نارية» وإخضاع مناطق المعارضة بعد حملة عنيفة من القصف الجوي من قاذفات جوية و«براميل» وطائرات «درون» انتحارية. وتحدث «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مقتل 21 ألف شخص في غارات جوية روسية، خلال 77 شهراً من التدخل العسكري، من أصل نحو نصف مليون سوري قتلوا خلال عقد من الصراع. وتحدثت الأمم المتحدة عن استخدام غازات سامة وأسلحة كيماوية خلال المعارك. موسكو تدخلت في سوريا لصالح «الجيش الحكومي» وكانت تواجه فصائل معارضة مختلفة المشارب والإمكانات والدعم، بينها فصائل إسلامية بعضها متشدد أو تابع لـ«القاعدة» و«داعش»، فيما هي في أوكرانيا تقاتل جيشاً نظامياً في دولة هائلة مجاورة وتنتمي إلى التاريخ نفسه. إلى الآن، لا يبدو أن التكتيتات العسكرية ذاتها في «المعركتين»، حيث لا يزال يغيب القصف العشوائي و«الأرض المحروقة» و«البراميل» والغارات الجوية العنيفة. لا شك أن هذا سيخضع للاختبار في الأيام المقبلة، بعد اعلان موسكو اغلاق الأجواء الأوكرانية وتصاعد العمليات ومقاومة أصحاب الأرض.
«انسحابات إعلامية» أعلنت روسيا أكثر من مرة أنها بصدد «تخفيف» عملياتها العسكرية في سوريا أو سحب بعض قواتها، ونشرت أكثر من اتهامات عن نية «الخوذ البيضاء» التحضير لـ«مسرحية كيماوية» بهدف «اتهام الحكومة السورية بها». كان هذا يحصل قبل بدء هجوم عسكري شامل أو جولة تفاوضية سياسية في جنيف. وأعلنت وزارة الدفاع عدم اعترافها بـ«شرعية» فصائل مقاتلة «معتدلة»، بينها «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» في بيانات نشرت على موقعها الإلكتروني، تمهيداً للانقضاض عليها وقصف مقراتها، لأنها «مرتبطة بالإرهاب». ووقعت موسكو سلسلة اتفاقات و«تسويات» بتعاون مع واشنطن أو مع «ضامني» عملية آستانة الآخرين، أنقرة وطهران، لكن سرعان ما كانت تنقلب على الاتفاقات مع مرور الوقت وتغير المعطيات. وآخر مثال على ذلك، «تسويات» درعا التي أنجزت في 2018، وبقيت صامدة إلى العام الماضي، حيث جرى الانقلاب عليها. التجربة الأوكرانية مختلفة، لكن الآن، هناك بعض التقاطعات المشتركة. موسكو أعلنت سحب قواتها من حدودها الغربية، قبل الشروع عملياً في الغزو الشامل. وأعلنت أنها تريد المفاوضات، قبل جولة جديدة من التصعيد. وزارة الخارجية، تلعب دور «المدافع» و«الدبلوماسي» في المعركة التي تخاض عملياً من قبل وزارة الدفاع بأمر من الرئيس فلاديمير بوتين. هناك هدف عسكري معروف، في سوريا كان «استعادة سيطرة الدولة» و«دعم القوات الحكومية»، قد يتم التريث أو التكيف لتنفيذه. العقبات الوحيدة أمامه هي عسكرية وليست سياسية، والمفاوضات ما هي إلا أداة لتنفيذه وشراء الوقت للوصول إليه. وأعلنت موسكو أكثر من مرة فتح «ممرات إنسانية» لخروج الناس من «هيمنة الإرهابيين»، قبل أي معركة. ورعت كثيراً من المقايضات لـ«هندسة اجتماعية» ونقل ناس من مكان إلى آخر، من الجنوب إلى الشمال تحديداً. ولم توقف هجرة ١٣ مليوناً من النازحين واللاجئين. وليس مستبعداً أن تترك موسكو الباب مفتوحاً أمام هجرة أوكرانيين إلى الجوار، ما يسمح أيضاً بلعب «ورقة الهجرة» في أوروبا من جهة، والوصول إلى «مجتمع منسجم» في أوكرانيا من جهة ثانية. والمستقبل، سيقرر ما إذا كانت موسكو وواشنطن ستعملان معاً، أم لا، في ملفات إنسانية، مثل رعاية قرار دولي لتقديم مساعدات «عبر الحدود»، كما حصل في سوريا، من دون مظلة جوية.
«برنامج سري» الدروس المستفادة ليست روسية وحسب، بل هناك إمكانية لاختبار تجارب دول أخرى في «المختبر السوري»، ولعل أبرزها «العسكرة» و«القوة الصلبة». إذ إنه في نهاية 2012 وبداية العام اللاحق، رعت «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه) الأميركية برنامجاً سرياً لتدريب فصائل معارضة ورصدت لهذا البرنامج مليارات الدولارات، ما أسهم في تراجع قوات النظام إلى أبواب دمشق قبل التدخل الروسي. وخلال كل فترة التدخل، رفضت أميركا إقامة منطقة حظر جوي جنوب سوريا وشمالها، لكنها سرعان ما أقامت مع التحالف الدولي ضد «داعش» منطقة حظر في شمال شرقي البلاد منذ 2014، لهزيمة التنظيم ومنع عودته. في موازاة ذلك، استخدمت تركيا أيضاً قواتها البرية والجوية بموجب الذهاب إلى «حافة الهاوية» ضد قوات دمشق من جهة، وتفاهمات ثنائية واستراتيجية مع روسيا من جهة ثانية. التجربتان الأميركية والتركية، تقومان على مبدأين: تدريب فصائل سورية وإمدادها بالسلاح عبر الحدود والدعم الجوي، وعقد تفاهمات وترتيبات مع روسيا لمنع الصدام العسكري على الأرض السورية، للوصول إلى «مناطق نفوذ» بين اللاعبين الخارجيين. وتجري حالياً اتصالات بين أجهزة استخبارات غربية للإفادة من «التجربة السورية» في أوكرانيا. معروف أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأميركا ودولاً أخرى، قررت إرسال أسلحة إلى كييف لدعم الجيش الحكومي. لكن السؤال: كيف يتم إيصالها إلى داخل أوكرانيا وجيشها؟ أحد السيناريوهات التي تتم دراستها، هو تأسيس برنامج سري بحيث يتم إيصال السلاح عبر حدود بولندا، في وقت تصعّد روسيا هجماتها غرب كييف، لقطع خطوط الإمداد و«تقطيع أوصال» أوكرانيا خصوصاً الأجزاء الغربية، لإغلاق الأبواب أمام الخطط الغربية. كيف سيتم ذلك من دون حصول مواجهة بين روسيا و«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)؟ هل يؤدي هذا إلى تفاهمات ومقايضات ومناطق نفوذ في أوكرانيا كما الحال في سوريا؟
في “شارع الثورة” قلب دمشق، تكتظ الأرصفة بعشرات البسطات، وعند الشارع المؤدي بحاراته إلى منطقة ساروجة، هناك سوق ضمن سرداب مكشوف يطل على الشارع العام، ما إن تدخله، ترى للوهلة الأولى أنها نقطة النهاية: “مرحباً بك في سوق الخجا”، المحطة الأخيرة للسورين ما قبل السفر. مع حلول فصل الشتاء لم يعد هذا السوق مخصصاً فقط لبيع الحقائب المدرسية، مع أنه الوحيد المتخصص ببيع منتجات الجلود وتنشط فيه حركة البيع والشراء بشكل كبير. شيّد في عام 1985 كبديل لسوق الخجا القديم الشهير الذي كان بجانب سوق الحميدية ويلاصق قلعة دمشق الذي هُدم في سبيل إحياء مشروع السور الغربي للقلعة وترميمها وإظهار معالمها. وعلى مد النظر، تجد أنواعاً مختلفة من الحقائب الملونة. وحقائب السفر باتت تطغى على الحقائب المدرسية. يتجول شباب بمختلف الأعمار، وشابات برفقة أمهاتهن، بحثاً عن واحدةً تناسب السعر والسعة، وبعد المسافة. يقف أحد الشبان يتفحص حقيبة متوسطة الحجم. ربما ناسبت نوع حمولته يحملها ويهزها بيده، يجر الشاب العشريني حقيبته البرتقالية خارج السوق بعدما تفاوض مع البائع لمدة نصف ساعة تقريباً. “باقي فحص “كورونا”، يقول لـ “صالون سوريا” مبتسماً. يقول محمد ( 27 عاما) بعدما حصل على حقيبته: ” شعوري متخبط. الآن سأترك بلدي، لكني مضطر، الوضع الاقتصادي صعب وأنا شاب أريد بناء مستقبلي، أفكر دائماً بأهلي أصدقائي أنا لا أعرف ما الذي ينتظرني في ألمانيا، هذه المرة ما قبل الأخيرة التي سأزور بها دمشق. تختلف حقائب السفر في سوق الخجا، من حيث السعة والنوعية. البعض يختار حقيبة من نوع متوسط، كي تسع ثيابه الخاصة، وآخرون يختارون أكياساً قماشية مغلقة سعرها رخيص جداً لمجرد أن توصلهم إلى بر الأمان فقط. يقول شاب أخر يقف عند نهاية السوق بعدما اختار واحدة: “الفكرة ليست في حصولي على الحقيبة وإنما بالسفر، لا يوجد خيار مطروح حالياً للشباب إلا الخروج من هذا البلد”. يضيف لـ “صالون سوريا” سامر( 30 عاما) الذي ينوي السفر إلى أوروبا: “شعور الخوف من هذه التجربة هو سيد الموقف، ما الذي سينتظرني، سواء كان ذلك بداعي الهجرة أو الدراسة أو العمل لا يوجد هنا عمل يوفر قوت يومي أو ربما يكفيني كشاب أعزب لنهاية الشهر، كما أن الأحلام باتت معدومة، من تطور أو كسب أي نجاح على الصعيد المهني ما بالك المالي، أتمنى أن تسع هذه الحقيبة ذكرياتي وليس ثيابي فقط، ربما سأعود يوماً ما”.
“ليس هناك داع للحقيبة. الأهل في الخارج، قررت السفر أنا وعائلتي، أطفالي بعمر الخمس سنوات يكبرون في بلد مجهول”، يقول جورج، وهو من الحسكة ( 36 عاما) ، بعدما قرر المغادر مع أطفاله وعائلته، الشاب من بلدة تل تمر المنطقة التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية المسيحية في شمال شرقي سوريا بعدما هجّر مع عائلته إلى دمشق يصيف لـ “صالون سوريا” : “نحن أقلية وبلدتي دمرت بسبب الحرب لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المسنين، الجميع جهز حقائب السفر، سابقاً كان السبب الحرب، واليوم الوضع الاقتصادي أحد الأسباب هذه الخطوة، ولكن لن يكفي أن يتوفر الطعام الأمر أكبر من لقمة عيش”. الفكرة لم تعد مقتصرة على الشباب فقط، بل هناك عوائل قررت المغادرة، منهم “جورج” وعائلته، وشابات أيضاً لكن بدوافع مختلفة، دافع بارعة ( 27 عاما) التي تقف وسط السوق كان الزواج وبناء عائلة خارج هذه البلاد. لكن شعور الخوف كان مشتركاً مع الجميع. تقول لـ “صالون سوريا” : “خطوات قليلة مشيتها في سوق كله حقائب سفر بالمختصر هي حلول مع أنها فقدت مكانتها ودورها الأساسي بجمع أغراضنا وثيابنا، أصبحت الآن تجمع أحلامنا طموحاتنا”. وتضيف سارة: “تمنيت أن أشتري حقيبة بنفسجية أضع فيها كل خبراتي ومتاعبي وصعابي والعقبات يلي واجهتها ليساعدوني كي أصبح أقوى خارج البلد، ربما الآن اشتريت حقيبة “لجهاز عرسي”، لحياة جديدة لا أعلم ما هي”.
بعد جولة بين الحقائب توجهنا إلى “أبو تيسير”، أقدم بائع في السوق منذ 23 عاما. لا يكاد يجلس بضع دقائق إلا ويدخله “زبائن سفر”، يرفض أن يكون تاجراً على حساب حاجة الناس كما يقول. يتحدث لـ “صالون سوريا” عن الحجم المبيع في السوق يومياًن، قائلا: ” مبيعنا يعتمد على حقائب السفر تقريباً والقليل على الحقائب المدرسية أو الجلود العادية، الجميع يريد السفر، البعض ظروفه صعبة يريد حقيبة توصيل فقط وآخرون يطلبون حقائب بجودة عالية ولكنهم قليلون”. “الشباب أكثر من الفتيات بكثير، هذه هي الحقيقة، الشباب يهاجر والفتيات يجدون العريس على الإنترنت. يقول “أبو تيسير” كاشفاً عن حجم مبيعات السوق، حيث بلغ عدد المبيعات من حقائب السفر يومياً حوالي خمسمئة حقيبة. ويضيف”: ازداد المبيع منذ سنة تقريباً حيث يتراوح سعر الحقيبة بين 80 ألف ليرة سورية 130 ألفا”. يبيع هذه السوق يومياً بعشرات آلاف الدولارات. في المقابل يصعب التأكد من صحة التقارير الإخبارية، والأرقام، والإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية الحكومية، في حين لا يوجد دراسة دقيقة تقدم أرقاماً حول الهجرة من سوريا والسفر يومياً. ومؤخراً كثُر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن هجرة كبيرة للصناعيين، وأخرى عن ازدياد هجرة الحرفيين، وأصحاب الأيدي الماهرة والأطباء أيضاً، فضلاً عن صور الازدحام على فروع ادارة الهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخلية، لاستصدار جوازات سفر جديدة.
لا مبالغة في القول إن سوريا ستكون بين الأكثر تأثراً من الهجوم الروسي على أوكرانيا ومآلاته العسكرية والسياسية، سواء نجح الرئيس فلاديمير بوتين في إجراء تحول كبير في الميدان و«تغيير النظام» في كييف، أو غاص في «المستنقع الأوكراني» وووجهت قواته بمقاومة داخلية أو بدعم سري من دول «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) عبر الحدود البولندية. في الأصل، كان هناك رابط دائم بين الملف السوري وأزمات أخرى، مثل ليبيا وناغورنو قره باخ، في السنوات الأخيرة، باعتبار أن «اللاعبين» هم أنفسهم خصوصاً تركيا وروسيا. وكثيراً ما كان الطرفان يتبادلان الضربات في جبهة لإيصال «رسائل» في جبهة أخرى لإنجاز مقايضات جيوسياسية. لكن الرابط العسكري الأوضح هو بين أوكرانيا وسوريا، وهنا بعض الأسباب: أولا، الأسد – يانوكوفيتش: بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا في فبراير (شباط) 2014، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على «الثورة الملونة» بضم شبه جزيرة القرم في مارس (آذار) من العام نفسه. كما أن موسكو طلبت من دمشق التشدد في عملية السلام في جنيف التي كانت تجري برعاية الأمم المتحدة وعدم المرونة أمام طلبات «الثورة الملونة» في سوريا. وفي أحد الاجتماعات، أبلغ الرئيس بشار الأسد نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف أنه لن يكون مثل يانوكوفيتش الذي هرب خلال أيام، بل قرر «البقاء والصمود». ثانياً، التدخل العسكري: بعد اعتراض موسكو على التدخل الغربي في العراق وليبيا، وبناء على طلب سري من موفد الأسد إلى الكرملين وطلبات أخرى من طهران في 2015، قرر الرئيس بوتين الانخراط العسكري في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015 لوقف انتكاسات القوات السورية ومنع «تغيير النظام». في المقابل، حصلت روسيا على امتيازات عسكرية كبيرة أهمها تأسيس قاعدة عسكرية دائمة في حميميم بريف اللاذقية وقاعدة بحرية في ميناء طرطوس. لم تقلب روسيا ميزان القوى العسكرية في سوريا بحيث ارتفعت حصة القوات النظامية من السيطرة على الأرض من 10 في المائة إلى 65 في المائة وحسب، بل إن الجيش الروسي استعمل الأراضي السورية مختبراً لتجربة 350 نوعاً من المعدات والأسلحة العسكرية في المعارك. ولوحظ أن مشاهد بعض المعارك في أوكرانيا حالياً تشبه إلى حد كبير مشاهد المعارك في وسط سوريا وغربها في 2016. ثالثاً، المياه الدافئة: وجود روسيا على مياه البحر المتوسط، كان حلماً قيصرياً روسياً قديماً، تحقق بتحويل ميناء صغير في طرطوس إلى قاعدة بحرية وإقامة قاعدة عسكرية قرب حدود «الناتو» في تركيا. وأبرز استعراض لهذا «الإنجاز الاستراتيجي» كان عشية بدء الهجوم على أوكرانيا، إذ جرت أكبر مناورات بحرية في البحر المتوسط الذي كان يشهد مناورات لـ«الناتو». يضاف إلى ذلك، أنه قبل المناورات زار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قاعدة حميميم والتقى الأسد، وكانت هذه إشارة واضحة إلى أن موسكو باتت تعتبر سوريا «امتداداً لأمنها القومي». رابعاً، إشارات رمزية: لم تكن صدفة أن يكون وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في موسكو، يوم اعتراف بوتين بـ«استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك»، الذي اعتبره المقداد منسجماً مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ولاحقاً، أشاد الأسد بالهجوم على أوكرانيا باعتباره «تصحيحاً للتاريخ» بعد «تفكك الاتحاد السوفياتي». وكانت سوريا أيضاً وقعت اتفاقات لربط ميناء اللاذقية بشبه جزيرة القرم، واعترفت بجمهوريات انفصالية كثيرة تدور في فلك موسكو، وكلها إشارات إلى أن سوريا «جزء من العالم الروسي» الذي يريده بوتين. خامساً، رأس حربة: تعتبر موسكو قاعدة حميميم التي تضم منظومات صواريخ «إس 400» و«إس 300»، رأس حربة في المواجهة مع «الناتو» الذي يقيم قاعدة في انجرليك جنوب تركيا. واستطاع بوتين كسب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، المصاب بخيبة من السياسة الأميركية ودعمها للأكراد شرق سوريا، إلى جانبه. وأوضح مثال على ذلك، أن أنقرة رفضت إغلاق ممر البوسفور أمام مرور السفن العسكرية الروسية باتجاه السواحل الجنوبية لأوكرانيا. في المقابل، رفض شويغو طلباً سورياً خلال زيارته الأخيرة بإعطاء الضوء الأخضر لهجوم شامل في إدلب، حسب معلومات. سادساً، «القبة الحديدية»: الحذر في التعاطي مع الهجوم الروسي في أوكرانيا، لم يكن تركياً فقط، بل إن إسرائيل كانت حذرة بدورها، حيث أفادت تقارير عن عدم تقديم تل أبيب دعماً عسكرياً لكييف خوفاً من إغضاب بوتين وتقييد أيدي إسرائيل في غاراتها على «مواقع إيرانية» في سوريا، خصوصاً وسط تقارير عن احتمال أن يكون إحدى ثمار الحرب الأوكرانية تقارب إضافي روسي – إيراني. سابعا، خطوط التماس: لم تتغير «الحدود» بين مناطق النفوذ السورية الثلاث خلال سنتين، لكن المواجهة الأوكرانية تطرح أسئلة عن إمكانية تعرضها لاختبارات كثيرة. واشنطن أعلنت أن اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين لا يزال قائماً. وموسكو رفضت طلب دمشق شن هجوم على إدلب. لكن لا شك أن مستقبل هذه «التفاهمات» مرتبط بمسار الأوضاع في أوكرانيا ومدى قدرة موسكو وواشنطن على عزل المسارات بين الملفات المختلفة. وينطبق هذا أيضاً على تفاهم البلدين على قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود وتمديده. ثامناً، ثمن اقتصادي: لا تقتصر آثار الرياح الأوكرانية على البعد العسكري والسياسي في سوريا، بل هناك آثار اقتصادية كثيرة، خصوصاً أن دمشق تعتمد بشكل كبير على الدعم الغذائي والنفطي من موسكو لمواجهة العقوبات الغربية عليها. موسكو في الأيام المقبلة، مشغولة جداً بملفها الساخن، لذلك لم يكن أمام دمشق سوى اتخاذ قرار بـ«شد الأحزمة» أمام تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية. لا شك أن مستقبل «خطوط التماس» ووقف النار والمساعدات الإنسانية والغارات الإسرائيلية والوضع الاقتصادي، بات مرتبطا بمآلات شرق أوروبا… كأن سوريا أصبحت «رهينة» مغامرة بوتين في أوكرانيا.