يربط المتابعون للمشهد السوري العنف بسنوات الحرب الطويلة. والمؤسف بهذا الربط هو تبسيط المشهد العنيف، كأنه نتيجة طبيعية للحرب التي تقوم أساسا على فكرة إهلاك الآخر، وتغدو كل الوسائل لتثبيت حلقة العنف من الأقوى نحو الأضعف مبررة. لكن لهذا العنف جذور تمييزية مغرقة في القدم، يتم التعمية عنها، وتحميل مسؤوليتها للحرب فقط دون الإشارة إلى البنية الهيكلية المتجذرة للعنف من الأقوى نحو الأضعف ومن المتحكم نحو المحكوم.
الخطاب الرسمي على شاشات التلفزة مقابلات مع أشخاص بؤساء فعلا، يبدو أن اختيار بؤسهم مقصود مع أنهم عادة يعانون من إهمال بل من نكران مديد، لكن هذه المرة ثمة حاجة ماسة لظهورهم بكل بؤسهم، الاحتفال بالبؤس لمصادرة حق الآخر! تم توجيه سؤال واحد لجماهير البؤساء: “من لا يستحق الدعم؟” تخيلوا لم يسألهم أحد من يستحق الدعم؟ لقد حرموهم حتى من فرصة التعبير عن أحوالهم، لكن المطلوب لا يخصهم، هم مجرد أدوات، والأدق هم مجرد ديكور ارجي، وكانت الأجوبة التي بدا واضحا أنها ملقنة إجابات حاسمة موجهة بيقين قطعي غريب لكل من تم رفع الدعم عنه، وكأن المطلوب أن تقول الحكومة: “هل سمعتم سبب حرمانكم؟”. نحن لا دخل لنا! شركاؤكم البؤساء في الوطن هم من قرروا أنكم لا تستحقون الدعم. ضرب النار بالنار وعلاج الحرمان بالحرمان. أي عنف هذا؟ عنف مؤدلج، متلفز، ملعوب به وعليه، والهدف هو أن يقف الناس في مواجهة بعضهم البعض! ويا دار ما دخلك شر، ونحن الحكومة العادلة ننفذ رغبات البؤساء! وتكاد الرسالة أن تقول نحن في خدمة البؤساء ونعمل من أجلهم فقط، وقد تصل الرسالة للبعض بعمقها الحقيقي حين يشير أو يلمح بعض البؤساء الشركاء في الوطن على حين غرة: بأن المحرومين من الدعم هم سراق وطماعون وينهبون مقدراتنا. قمة العنف أن تضرب الحكومة السلم الأهلي والتشاركية بسلاح الأخوة الأعداء.
الخطاب الشعبي على كوة صراف قبض الرواتب الشهرية، يحتشد عدد كبير من الأشخاص للحصول على أموالهم الشحيحة. يتدافع المجموع ويشتمون بعضهم بعضا. تطالب سيدة بطابور خاص بالنساء وطابور خاص بالرجال، يسخر منها رجل، يقول لها: “خايفة على جمالك”. وتقول لها سيدة بتأفف وضجر: “الناس ميتة من الهم، ما حدا ألو نفس يغتصبك”. تصمت المرأة، تفكر بالانسحاب، لكنها دورها بات قريبا، ولن تفرط بالوقت الذي قضته واقفة على كوة الصراف، رغبت بالرد، لكنها شعرت بأنها ضعيفة جدا، أحست برغبة عارمة بالبكاء، طلبت من الرجل الذي يقف خلفها ان يحفظ لها دورها بذريعة اضطرارها لإجراء مكالمة هاتفية مع ابنها لتوقظه كي يذهب إلى عمله، تدخل إحدى البنايات تبكي بشدة ، تمسح دموعها وتعود، كل ما كان بوسعها فعله حينها تجاه الحجم المذل من العنف هو ان تبكي في الخفاء، إعلان الشكوى يطعن الروح بعد أن طعن القلب مرات ومرات، عادت إلى مكانها في الطابور وكأنها قد تخففت من الغضب الذي تخشى استعاره، بات لجم الغضب وابتلاع الألسنة والتحايل بالهمسات الساخرة أسلوبا وقائيا، قد يرضي أصحابه ظاهريا، لكن في العمق كل شيء بات بلا جدوى. لم يفكر أحد من الواقفين في الطابور الطويل الذي بات يعيق حركة المشاة على الرصيف بسؤال الموظفين عن سبب التأخر بتوطين الرواتب في كوات صرف الرواتب، لم يسأل أحدهم المسؤولين عن سبب خروج عدد كبير من الصرافات عن الخدمة بسبب اعطال فنية أو بسبب الغائها وبعضها قد تم نزعه وتسوية الجدار الذي كان يحمله، دونما أي تعويض بجهاز آخر ولو في مكان آخر، وحديث الصرافات حديث ذو شجون خاصة في الأرياف بحيث يضطر الموظفون للذهاب عدة مرات إلى أماكن وجود الصرافات القليلة جدا وبسيارات أجرة لتحصيل رواتبهم القليلة والتي تفقد أجزاء منها كبدل للتنقل. الجميع مستاء، لكنه يختار الصمت، ويحاول لوم الآخرين، لا بل الانتقاص منهم وربما إهانتهم، لكسب شعور واهم بأنه أرفع منهم مستوى والحقيقة هي عملية هروب كي لا يعترف بأن الذل يجمع بينهم بوثاق متين.
معارك الشارع لا وسائط نقل يوم الجمعة، يمر الوقت بطيئا. سميحة وأطفالها الثلاثة على موقف الحافلات، اتصلت أمها لتستعلم عن سبب تأخرها، تجيب سميحة ما في باصات! يرد والدها يوم الجمعة هو يوم عطلة للباصات الكبيرة، تصمت سميحة سأنتظر سرفيس إذن، يبكي ابنها الصغير ويصرخ: جوعان، تحاول تهدئته وتعده بفطور طيب عند جديه، من بعيد يلوح بالأفق ظل سرفيس، تحمل سميحة ابنها الصغير، تصرخ بابنتها الكبرى وتقول لها: “دغري طلعي واحجزي مقعدين”. يصل السرفيس، يفتح رجل الباب ويرمي الطفلة على الأرض بجسده الضخم، يدخل شاب إلى السرفيس عبر النافذة، تبكي سميحة، تشتم الرجل الذي كان سببا في وقوع ابنتها، يتعاطف معها أحد الركاب، يحاول مساعدتها في دخول السرفيس، يصاب رأس ابنها بباب السرفيس وهي تصعد، يبكي الطفل بشدة، لا مقاعد في السرفيس، البنت تبكي والطفل الصغير يبكي والطفل الأوسط يبكي بعد أن ملأه الخوف وشعر بالضياع. امرأة تشتم سميحة وتقول لها: “ليش عم تخلفوا ولاد يا مجرمين”. رجل يقول لسميحة: “معك 3 ولاد وطالعة لحالك تتبهدلي بالسرفيس. خذي تكسي أو انضبي ببيتك”. الشاب الذي حجز مقعدا لصديقتيه عبر دخوله من النافذة، يشتم سميحة قائلا: “روحتي علينا السيران ورفيقاتي ضلوا تحت”. ويأمرها بمغادرة السرفيس بعد أن رفض جلوسها على المقعد المحجوز من قبله. ترفض سميحة المغادرة، تجلس وأطفالها الثلاثة على أرضية السرفيس المعدنية، وتبكي، ليس بوسعها سوى توجيه مزيد من الشتائم للجميع، ودعوات بالموت لها ولهم، تنطق بالعبارة الشعبوية المشهورة: “منستاهل كل شي عم يصير معنا! لأنو ما منحب الخير لبعض”. الكل وجه الاتهامات للكل، لا أحد سأل عن سبب قلة السرافيس بسبب نقص المازوت، أو طول انتظار السائقين على محطات الوقود، أو اهتراء الحافلات والباصات وتعذر تأمين السيولة الخاصة للتصليح، لا أحد سأل سميحة عن رغبتها أصلا بإنجاب ثلاثة أطفال خلال ست سنوات زواج. فقط وبسبب الحاجة لوسيلة نقل تحولت سميحة وأطفالها إلى عدوة للجميع، الكل أدانها والكل حملها وحدها مسؤولية تأخره أو عدم راحته، وقد يحملونها المسؤولية الحصرية عن أزمة المواصلات برمتها. يتصاعد خطاب العنف المقنّع وكأنه غير مرأي وغير ملموس وغير ذي أثر، تتوه بوصلة المسؤولية، ويتحول المجني عليه إلى جاني ومذنب، تتضخم الرغبة في معاقبة الأضعف لأنه لا يمتلك أية وسيلة للدفاع، والأهم أن خطوط التوصيف واهية وباهتة، يغرق الجميع في دائرة عنف معمم ومقبول وموجه، بل ومطلوب منه أن يتعاظم حتى الإهلاك المعنوي والجسدي والمعيشي والقيمي.
بين عشرات أنواع الأجهزة الخلوية، يقلب رجل ستيني عينيه بين واجهات المحال الكثيرة، في سوق الموبايلات الأشهر بدمشق، المسمى بـ”البرج”. يدخل في متاهة المعروضات الكثيرة قياساً بطلبه اليتيم، وهو “موبايل حديث ومجمرك وبسعر معقول”. وبعد ساعة من البحث الأولى، صرخ: “مستحيل”. متاهة بقي يدور فيها لأربع ساعات متتالية. أبو معن الذي يعيش هو وأسرته على راتبه التقاعدي يقول لـ “صالون سوريا” حيث بدت عليه آثار الإنهاك والدهشة والحسرة وصمت تجاعيد الوجه الذي زاده البحث هدوءاً: “وعدت ابني الي دخل كلية طب جبله أحدث موبايل بالسوق، بيستاهل والله، بس أنا كما ما بستاهل هالبهدلة، شوفة عينك داير من محل لمحل والشاطر اللي بده يعرض بضاعته ويغلي السعر، حرام من الله كل اللي ببيتنا حطه سعر موبايل، طيب منين بدنا ناكل”. يسترسل أبو معن بالحديث عن برج دمشق للموبايلات الذي لم يزره منذ زمن طويل، يوم جاء لشراء وصلة لشاحن هاتفه، يقول: “رزق الله هديك الأيام، كان سعر الدولار لسا محمول، أما اليوم الوضع صار جنوني”. يقارن ارتفاع أسعار الموبايلات خلال العامين الماضيين بشكل لا يصدق، “قفزت الأسعار 300 بالمئة، مقارنة مع الوضع المعيشي المزري والرواتب التي إن زادت فإنها تأتي كذر الرماد في العيون لا طائل منها ولا جدوى أمام الواقع القاسي والصعب في البلاد”، يقول أبو معن، ويفصح عن نيته بعد طول تفكير “راح طالع قرض هاد الجديد تبع مليون ليرة ع راتبي لجيب موبايل ومع هيك رح اشتري موبايل مستعمل لأن الجديد غالي، الله بعين، شوبدنا نعمل العين بصيرة والايد قصيرة”. العين بصيرة هي جملة واقعية بكل ما فيها لكنها لا تنطبق إلا على الطبقة المعدومة التي أفقرتها سنوات الحرب من مصائب وجوع وغلاء، وهذي الطبقة، تقول الأمم المتحدة إنّها باتت تشكل قرابة 90 بالمئة من تعداد السوريين، لكن هناك عين بصيرة تطول يدها فقط لمن لم يختبر يوماً البؤس والحرمان بل زاد فوق ثروته مكاسب طائلة لا تعد ولا تحصى من جيوب الناس والعباد، يقول فقراء على الدوام.
“كان أسهل عليّ ان أرسب بمواد الجامعة، ولا ينسرق موبايلي”، بحرقة كبيرة تروي سلمى مصطفى وهي طالبة جامعية تبلغ 20 سنة، لـ “صالون سوريا” كيف تمت سرقة موبايلها منذ حوالي ثلاثة أشهر، حيث كانت ذاهبة إلى جامعتها وتوقفت عند كشك فوق “جسر الرئيس” لتعبئة “وحدات للموبايل” ثم فوجئت بأن سحاب الحقيبة الخارجي مفتوح ولم تعثر على الموبايل، “شر البلية ما يضحك” تقول سلمى، وتضيف: ” يعني فوق الموتة عصة قبر.. عبيت وحدات بألفين من هون وراح الموبايل من هون”. تتنهد سلمى وتستذكر تلك الحادثة وتروي كيف بكت أمام الكثير من المارة وقتذاك، وذاك الوقت كان لحظاتٍ مشبعة بالانكسار، على ما تقوله الطالبة الجامعية. الكل يرمقها بنظرات الشفقة، ربما فقدت عزيزاً عليها أو حلت مصيبة بها، لم يكن أحد يعلم ما بها إلا النشال الذي سرق لتوه الموبايل وفر هارباً ليبيعه في بسطات الموبايلات المسروقة تحت جسر الثورة أو في سوق البرج حتى أو لربما ليعرضه على الانترنت لزبائنه. “الكل يعزي نفسه وبقلك أنا مو زعلان على سرقة الموبايل، أنا زعلان على الصور والأرقام اللي فيه، منضحك ع حالنا، أقل موبايل منيح صار بمليون وأهلي وفروا كتير ليشترولي اياه، وبالآخر انسرق” هكذا تختتم سلمى روايتها عن سرقة الموبايل التي كانت تداريه برموش عينيها كما ذكرت، وهي الآن تنتظر تحويشة أخرى من والديها لشراء موبايل حديث بدلاً من الذي تحمله الآن، وربما عليها أن تنتظر كثيرا هذه المرة، سنة أو سنتان أو ثلاثة، طالما أن أسعار الموبايلات والأجهزة الإلكترونية آخذة بالارتفاع، فلا مجال لوجود حسبة دقيقة لأي شيء، لذلك تبدو سلمى غير متفائلة هذه المرة بتعويضها بموبايل حديث كالذي كان معها على مبدأ “اللي بروح ما بيرجع”. هكذا حال البلاد فمن يعيش ليومه قد يموت غداً ليس بسبب القذائف والحرب التي هدأت نارها في معظم المناطق، بل بسبب الغلاء المستعر الذي يكوي بناره كل يوم الغلابة والفقراء ومحدودي الدخل، الذين اداروا ظهورهم لرفاهية الحياة وهم في سرهم يبكون على ما ماضيهم الذي ذهب ولن يعود أفضل مما كان نظراً لوجود أمراء الحرب الذين رسخوا وجودهم وفرضوا قوانينهم على كل مفاصل الحياة رفاهية كانت أم ضريبة، ولأولئك الغلابة خيارات خاصة بهم، السفر أولها، والصومال أقرب البلدان وفيها أشد المغريات، من بلد الحرب إلى بلد الحرب، هي رحلة السوري في بحثه عما يفتقده، عن شكل أفضل للحياة. مفيد البدعيش (26 عاما) يعمل في محل للألبان والأجبان في دمشق، حصل على رقم صاحب محل في منطقة “كراج الست” يبيع الموبايلات المستعملة والمجمركة بسعر أقل من السوق، يقول لـ “صالون سوريا” إنّه وبالفعل ذهب إلى هناك واشترى “موبايلا” يناسب ما يحمله من مبلغ مادي، لكن لم تنتهِ قصته هنا فيروي كيف تحولت تجارة الموبايلات بالبيع والشراء من “الشطارة إلى الحقارة” كما وصفها”. “اشتريت موبايل مستعمل ونظيف ومجمرك ورجعت عالبيت وحطيته بالشحن، وبعد ساعة طفى الموبايل، حكيت مع صاحب محل الموبايلات قلي بتكون عامل تحديثات مجانية وانضرب بورد الموبايل” بالطبع لم يقتنع مفيد بتلك النتيجة وعاد إلى محل الموبايلات في كراج الست ولكن هذه المرة استعان بشخص خبير في البرمجة ليذهب معه حتى لا يقع في الخطأ مرتين “متل ما اتوقعت طلع الموبايل من لما اشتريته مضروب وكان رح ينصب عليي صاحب المحل، وبعد التهديد والوعيد بالشرطة والقضاء بدل الموبايل بواحد تاني وبنفس السعر والمواصفات لأنو كان بيعرف سلفاً أنو نصب عليي”. ولحسن حظ مفيد أن تلك الحيلة لم تنطل عليه وسارع للكشف عن عملية النصب التي تعرض لها وهو واحد من كثر تعرضوا لعمليات النصب والاحتيال المستمرة بسبب عدم الخبرة في التكنولوجيا ومهارة البائع في الاقناع والإغراء بدون أي ضمير أخلاقي، وغالبية التجار الكبار ومن خلفهم الباعة الصغار لازالوا يرددون في قرارة أنفسهم، “البلاد مغارة، والتجارة شطارة”.
لا يقتصر سوق العرض والطلب للأجهزة الخلوية ضمن المحالات المخصصة لها بل يتعدى ذلك إلى مواقع الانترنت، وعلى مجموعات “فيسبوك” تنشط تلك التجارة بكثرة بين الباعة والزبائن لمختلف الأنواع والأصناف. فمثلاً “سيريان موبايل كورنر”، هي واحدة من مئات المجموعات الخاصة على “فيسبوك” والتي يتم فيها عرض الكثير من أنواع الموبايلات مجمركة أو غير مجمركة مرفقة بصور للموبايل وشرح عن مواصفاته، وترفق صور الموبايل بعبارة “على الخاص”، بمعنى أنّه على الزبون مراسلة البائع عبر تطبيق مسنجر للاستعلام عن السعر، لتتحول الدردشة عرضاً وطلباً بين البائع والزبون، وليس ذلك فحسب بل تتعدد المنشورات في المجموعة للسؤال عن أجهزة موبايلات بحسب قدرة الشخص على الدفع وما يحمله في جيبه من أموال للحصول على موبايل لائق. “تباع أجهزة الموبايلات المهربة وهي نفس الأجهزة في الشركات العالمية بفرق من 300 إلى 700 ألف ليرة سورية عن سعرها في الشركات الموجودة والمرخصة ضمن سوريا، تصل إلى منطقة الجزيرة عبر العراق ومن ثم إلى التاجر الذي يوزعها على المحالات”. عيسى اسم مستعار لصاحب أحد محال بيع الموبايلات في دمشق طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي كي لا تطاله المسائلة القانونية يصف لـ”صالون سوريا” حال سوق بيع الأجهزة المستعملة المرخصة والذي تراجع كثيراً بسبب انخفاض أسعار الموبايلات المهربة إلى سوريا بعد إجراءات الجمركة. يستعرض عيسى أسعار الموبايلات المهربة ومواصفاتها الأكثر طلباً في السوق “أكثر الأجهزة المهربة مبيعاً موبايل A12 رامات 4 وذواكر 64 غيغا، يبلغ سعره في الشركات المرخصة حوالي 900 الف، أما سعره المهرب من دون جمركة يبلغ 650 ألف ليرة سوري، وبعد جمركته التي تبلغ حدود 300 ألف ليرة يصبح سعره أقل من 900 ألف بقليل”. وعند سؤاله عن إمكانية الحصول على موبايل غير موجود في الأسواق أجاب عيسى أن جهاز “شاومي نوت عشرة اس” هو الأكثر طلباً في السوق وغير موجود في صالات الشركات المرخصة لكن يمكن تأمينه بسهولة عن طريق التهريب وبسعر حوالي 850 ألف لفئة نوت اس و950 ألف لفئة نوت 9 برو ماكس. أما عن ربح البائع فيصل إلى 100 ألف في الموبايل الذي يتبع لأجهزة الهواتف متوسطة السعر.
تستغرب شريحة كبيرة من السوريين ما يحصل من بورصة الموبايل في سوريا. غالبيتهم عبروا عن ذلك مراراً سيما على “سوشال ميديا”، ليطفو في كل مرة سؤال ملح على واجهة الحدث، فكيف تباع في دمشق أجهزة خلوية لم تصل عواصم العالم المتقدم، وضمنها دبي، حصل ذلك في قضية أجهزة “اي فون -12 ماكس برو” التي بيعت في وقت سابق من العام الماضي بدمشق قبل أن تصل الأجهزة عينها إلى دبي، ليكون السوري من بين أوائل أهل المعمورة الذين حظيوا بامتلاك الهاتف، ليثار في الإطار سؤال آخر يبدو أنّه أكثر إلحاحاً، على أي أساس يتم منح رخص الاستيراد لشخصيات نافذة ومحددة ومعروفة؟، وهل هؤلاء الأشخاص أكبر من قانون قيصر؟، أم أنّ قانون قيصر يشمل الأرز والزيت ولا يشمل ما هو منتهى الرفاهية والغلاء؟، “أين قانون الحصار اللعين من هؤلاء؟، إذا كانوا بهذه القوة لماذا لا زلنا جائعين؟”، جملة قالها المهندس المدني خالد عمورة في حديثه ل “صالون سوريا”. من الواضح والجلي أنّ أسعار الهواتف المحمولة ارتفع قرابة 400 بالمئة مقارنة بالأسعار في الأسواق العالمية، فالهاتف الذي يباع عالمياً بحوالي مئتي دولار أميركي يباع في سوريا بحوالي 500 دولار اميركي، في حين أنّ أجهزة بعينها وصل سعرها في دمشق إلى حوالى ألفيين و500 دولار مع وصول “عزوات” جهاز “اي فون 13”. محللون اقتصاديون يعزون ذلك إلى استئناف الجمارك العمل بقانون التصريح الإفرادي عن الأجهزة، بالمعنى المتداول جمركة الجهاز ليسمح له بالعمل على الشبكة، وتالياً تمنح الأجهزة غير المجمركة مدة شهرية محددة للعمل، وبعدها ما لم يتم التصريح، يتم ايقافها عن العمل لناحية إجراء الاتصالات والرسائل، ليقتصر عملها على الانترنت عبر شبكة واي فاي حصراً، ويظل الوضع هكذا حتى تتم جمركتها، والجمركة هنا تبدأ من حوالي مئة دولار وصعوداً، قد تصل في بعض الأجهزة إلى ألف دولار وبضع، وفي حال الغيت الجمارك، فمن البديهي أنّ أسعار الأجهزة ستنهار فوراً إلى الثلث أو النصف. أجرى “صالون سوريا” جولة في سوق الأجهزة المستعملة المزدهرة، وقد يكون بداخل بعضها أعطال تسمى بالخفية، تظهر مع الاستخدام، وبعضها الآخر يسمى “مفكوكاً” بمعنى أن خضع لعملية صيانة ما، وبالتالي يكون سعره أقل بقليل أيضاً، ليبقى أنّ معظم السوريين يتجه لفئة “سامسونج” لسعرها رخيص، فالرواتب المتدنية، يضاف إليها انعدام الأمن الاجتماعي والغذائي، كلها عوامل تجعل الموبايل حلماً يرقى للحلم بالعيش الكريم، وكلا الحلمين لم يتحققا للسوري منذ سنوات طويلة.
أصبحت قاعدة «حميميم» الروسية، غرب سوريا، «رأس حربة» في الاشتباك بين موسكو و«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، خصوصاً بعد استقبالها أخطر الطائرات وصواريخ «فرط صوتية» ووزير الدفاع سيرغي شويغو، للإشراف على أضخم مناورات روسية في البحر المتوسط غرب سوريا، بالتزامن مع تدريبات بحرية «الناتو» في المتوسط. هذا هو تقدير «مصادر سورية رفيعة المستوى» إلى صحيفة «الوطن» في دمشق، بعد لقاء شويغو مع الرئيس بشار الأسد، مساء أول من أمس. أما «التسريب» الآخر، فجاء عبر صحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم، بأن زيارة شويغو إلى حميميم جاءت بعد رفض موسكو عرضاً من واشنطن بـ«مقايضة سوريا مقابل أوكرانيا». قاعدة حميميم أصبحت روسية منذ التدخل العسكري نهاية 2015 والتوقيع على اتفاق عسكري بين دمشق وموسكو للإقامة المفتوحة، بعد سنة من أزمة أوكرانيا، وهروب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، وقيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم في 2014، مذاك، كان التشابك بين ملفي أوكرانيا وسوريا. صحيح أن روسيا أبعدت إيران قبل أسابيع عن ميناءي طرطوس واللاذقية وسيطرت عليهما بشكل كامل، وربطتهما بميناء القرم، وباتت سيدة المياه الدافئة كما كان يحلم قياصرتها، لكنها المرة الأولى التي يبرز بالفعل دور حميميم في اللعبة الجيوسياسية الأوسع من سوريا، إذ إنه في موازاة حديث موسكو عن سحب بعض القوات من شرقي أوكرانيا، جاء الاستعراض العسكري الروسي «المبهر» غرب سوريا وبإشراف وزير الدفاع بعد لقاء الأسد. العرض شمل: مقاتلة «ميغ 31 – كي» وصواريخ «كينجال» فرط صوتية، وقاذفة «تي يو 22 أم 3» وصواريخها «كي إتش 22» الأسرع من الصوت والمضادة للسفن، و140 قطعة بحرية و60 طائرة و15 سفينة، ضمن ألف آلية وعشرة آلاف جندي في مناورات البحر المتوسط، حسب قول بيانات رسمية روسية. اللافت أن دمشق «ترحّب» بهذا الربط، ذلك أن مصادرها قالت إن لقاء الأسد – شويغو «ركّز على الوضع في أوكرانيا وربط هذه الجبهة بالجبهة السورية»، وإن توقيت المناورات «مرتبط بالتسخين الحاصل على الجبهة الأوكرانية». وذهبت صحيفة «البعث» أبعد للقول إن سوريا باتت في «عمق الجبهة الأوكرانية»، بعد رفض موسكو مقايضة «الجبهتين»، وأبلغت واشنطن أنها «متمسكة بأوكرانيا ومتمسكة بالتحالف مع سوريا والنظام السياسي الذي يقوده الرئيس الأسد، بل إن الرئيس فلاديمير بوتين ذهب إلى أبعد من ذلك، وأرسل أحدث المنظومات القتالية في مجال الصواريخ العابرة للقارات والطائرات القاذفة إلى قاعدة حميميم، وبدأ التحضير لمناورات روسية انطلاقاً من هذه القاعدة». أي بالنسبة لموقف موسكو الذي تباركه دمشق عبر صحافتها، لم تعد قاعدة حميميم مرتبطة فقط بـ«الحرب على الإرهاب» أي بالحرب السورية، بل إن دورها «تجاوز بكثير حدود الجغرافيا السورية لتكون رأس حربة عسكرياً في حوض المتوسط والاشتباك الدولي» بين موسكو و«الناتو». ومن هنا أيضاً، يمكن فهم «التعاون العدائي» بين موسكو وأنقرة في سوريا وأوكرانيا. الرئيس بوتين يسعى بعلاقته مع تركيا وتنازلاته لها شمال غربي سوريا لـ«هز» تماسك «الناتو» الذي كان يعتبر قاعدة إنجرليك، جنوب تركيا، مقدمة رئيسية في «الجبهة» مع الاتحاد السوفياتي السابق صاحب النفوذ في سوريا. الرئيس رجب إردوغان، يوسع خياراته بشراء منظومة «إس 400» من موسكو وبيع كييف مسيرات «بيرقدار» ويقيم معها علاقات استراتيجية ويرفض الاعتراف بضم القرم. أيضاً، بات الآن الوجود العسكري الأميركي شرق سوريا مرتبطاً أكثر بـ«الجبهة الأوكرانية» وليس فقط الحرب ضد «داعش». وينسحب هذا أيضاً على الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية في سوريا، التي كانت تجري بموافقة روسية. وأحد المؤشرات، أن تل أبيب رفضت بيع كييف منظومة «القبة الحديدية» كي لا تغضب موسكو وتقيد أيديها في ملاحقة مصالح طهران في سوريا. دمشق ليست وحيدة في ملاحظتها أن حميميم باتت «رأس حربة» في اشتباك دولي، وأن هناك ترابطاً بين «الجبهتين» السورية والأوكرانية، وأن ذلك يفتح الباب بالفعل أمام «المقايضات» بين روسيا وأميركا. قبل هذه الخطوة، كانت موسكو قامت بخطوتين كبيريتين لـ “ربط الجبهتين”: الاولى، عندما احكمت قبضتها على مرفأ اللاذقية، رئة سوريا في المياه الدافئة. الثانية، عندما وقعت موسكو مع مينسك اتفاقاً لنشر قوات بيلاروسية في سوريا. ربط “حميميم” بين “الجبهتين” الروسية والاوكرانية، قوبل بارتياح او ترحيب في دمشق، لكنه قد يكون امساك بوتين بالملف السوري بهذا القدر والحقاقه بملفات اخرى أمراً مقلقاً لاحقاً. ولا شك أن هذا ما سيحاول وزير الخارجية فيصل المقداد تلمسه خلال زيارته إلى موسكو الاثنين المقبل.
يبدو أن الحياة في سوريا عموماً ومناطق الحكومة السورية خصوصاً، لم تعد تستقبل إلا من يملك الأموال بشكلٍ كبير. أما الفقراء باتوا خارج هذه الدائرة فلا فائدة منهم.. لا يملكون المال!. يعاني أبناء الطبقة الفقيرة من أحوال اقتصادية سيئة تتضاعف مع بداية كل يوم جديد، في ظل الارتفاع المستمر بأسعار المواد المختلفة وقلة وسائل النقل وانخفاض الرواتب والانقطاع الكبير بالكهرباء، ويرافق ذلك بدء الحكومة برفع الدعم عن الكثير من السوريين. ووصلت الحكومة السورية إلى مرحلة من العجز بعد سنوات من الحرب وسط انتشار كبير للفساد، وهذا ما اعترف به رئيسها حسين عرنوس بعدم القدرة على الاستمرار بتقديم نمط الدعم ذاته الذي كان قائماً طوال العقود الماضية. كل هذا دفع فقراء سوريا لمحاولة السفر نحو بلاد أخرى تسمح لهم بالعيش، وتغيير طبقتهم المعيشية المتأصلة في سوريا والتي تكاثرت خلال العقد الاخير بكثرة.
رفع الدعم مع بداية شهر شباط (فبراير)، بدأ السوريون بتفقد تطبيق “وين” المخصص لـ “البطاقات الذكية” أي التي توزع عبرها المواد التموينية (سكر وأرز وخبز) والنفطية (بنزين ومازوت) بأسعار مدعومة من الحكومة، وكانت النتيجة استبعاد 596628 ألف بطاقة أسرية من الدعم أي ما يعادل 15% من البطاقات. وذكرت معاون وزير الاتصالات والتقانة فاديا سليمان أن تحديد الشريحة المستبعدة من الدعم؛ استند إلى معايير الثروة والملكية ومستوى الدخل. ومن الفئات التي سيرفع عنها الدعم العائلات التي تملك أكثر من سيارة، ومالكي السيارات السياحية التي سعة محركها فوق 1500cc طراز 2008 وما فوق، ومن يملك أكثر من منزل في نفس المحافظة، وأصحاب العقارات في المناطق الأغلى سعراً، وكبار ومتوسطي المكلفين ضريبياً والمستوردين والمصدرين ومؤسسي المصارف الخاصة وشركات الصرافة وأصحاب السجلات التجارية من الفئة الأولى والممتازة وأصحاب الجامعات والمدارس الخاصة ومحطات الوقود والأفران الخاصة وغيرهم. وسيحصل المستبعدون من الدعم على المواد بأسعار عالية، فربطة الخبز الواحدة ستكون بـ 1300 ليرة سورية، والسكر بسعر 2200 ليرة للكيلو الواحد، والرز بـ 2000 ليرة، ولتر البنزين بـ 2500 ليرة والمازوت بـ 1700 ليرة. بينما تباع ربطة الخبز بـ 200 ليرة سورية بالسعر المدعوم، وسعر الكيلوغرام الواحد من السكر 1000 ليرة، والأرز 1100 ليرة، ولتر البنزين المدعوم 1100 ليرة ولتر مازوت 500 ليرة.
لمن يملك المال يعاني سوريون في مناطق السورية من ندرة وارتفاع أسعار المحروقات من بنزين ومازوت، حيث حُددت كمية الحصول على مازوت التدفئة المدعوم بـ 100 ليتر موزعة على دفعتين وبسعر 500 ليرة سورية لليتر الواحد، علماً أن هذه الكمية تكفي قرابة الأسبوعين أو أقل، ولم يحصل الكثيرون إلا على الدفعة الأولى أي 50 ليتراً رغم اشتداد قساوة فصل الشتاء. وينطبق الأمر نفسه على البنزين حيث تحصل المركبات التي تدخل بالدعم شهرياً على أقل من 100 ليتر بسعر 1100 ليرة، ومن المفروض أن تصل رسالة تعبئة كل أسبوع لكنها تتأخر حتى عشرة أيام، إلا أنه يمكنك شراء الكميات التي تريدها من البنزين والمازوت، ولكن بأسعار مضاعفة من البائعين المنتشرين على الطرقات وهم ليسوا متخفين ولكن لا تلاحظهم دوريات التموين والأمن!. أما الهم الأكبر للناس فهو ارتفاع ساعات تقنين الكهرباء، إذ تتراوح ساعات وصل التيار ما بين ساعتين إلى أربعة في اليوم فقط، ولكن وزارة الكهرباء السورية وجدت حلولاً بديلة ليس للجميع وإنما لمن يملك المال، عبر إمكانية الحصول على خط كهربائي معفى من التقنين. وقال مدير عام مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء فواز الظاهر لوسائل إعلام محلية إن: “تكلفة الاشتراك بالخط المعفى من التقنين هي 300 مليون ليرة سورية لكل 1 كم، وهو متوفر لجميع المواطنين”. ويصل راتب الموظف ما بين 90 إلى 120 ألف ليرة سورية بعد زيادة الرواتب الأخيرة بـ 30%، فكيف يمكن لمن يحصل على مثل هذا الراتب أن يشترك بخط معفى من التقنين بـ 300 مليون. إلا أن حلول وزارة الكهرباء لم تنته بالنسبة للسوريين، طالما أن الأمر فيه دفعٌ للأموال، فقد هللت الوزارة لمشاريع الطاقة الشمسية ودعت المواطنين إلى تركيبها للتخفيف من واقع التقنين الكهربائي وكأنها في حالة انفصام عن الواقع، بالنسبة للوضع المعيشي. ماذا عن تكلفة تركيب ألواح الطاقة الشمسية؟ تتراوح ما بين 5 ملايين ليرة سورية إلى 14 مليوناً، وبحسبة بسيطة يحتاج الموظف السوري لتوفير كامل راتبه دون أكل وشرب إلى أكثر من 5 سنوات لتركيب طاقة شمسية في منزله، بشرط بقاء الأسعار على حالها حتى ذلك الوقت وهذا مستحيل. ادفع.. جوازك يكون جاهزاً بـ 24 ساعة وبناء على ما سبق فلا خدمات من كهرباء وبنزين ومازوت وغيرها متوفرة سوى لمن يملك المال، والكثير من فقراء سوريا الذين يقدر عددهم بـ 90 % من إجمالي عدد السكان يريدون الخلاص من هذا الواقع فكان الحل هو الهجرة. ويحاول يومياً آلاف السوريين السفر كلاجئين أو نحو دول تسمح للسوري بدخول أراضيها، وهذا ما تطلب منهم بيع كل ما يملكون لتمويل العملية، ولكن قبل ذلك لابد من الحصول على جواز السفر الذي بات يتطلب شهوراً من الانتظار وكأن الحكومة تريد توديع السوري بقبلة من المرارة، ولكن إن كنت مستعجلاً وتملك المال تختفي كل الطوابير لأجلك بعد أن تدفع 100 ألف ليرة، عندها ستحصل على جواز سفر خلال أيام قليلة. ورفعت وزارة الداخلية السورية سعر جواز السفر الفوري إلى 100 ألف ليرة، علماً أنه خلال الأشهر الماضية دفع بعض الأشخاص قرابة الـ 500 ألف ليرة للحصول على الجواز، وسط أزمة تأخير كبيرة وصلت إلى أكثر من شهرين.
تكريس الطبقة الفقيرة يؤكد المحلل الاقتصادي سعيد موسى أن قرارات الحكومة في السنوات الأخيرة هي “تكريس للطبقة الفقيرة وتعميقها أكثر وأكثر”، موضحاً أن الحكومة لا تقدم أي شيء للسوريين سوى بعض الخدمات بأبسط المستويات، ولكن إن كنت غنياً وتملك المال سيكون بإمكانك الحصول على كهرباء لـ 24 ساعة، والبنزين والمازوت كما تريد ولكن بأسعار عالية. وأضاف “كل ذلك يؤدي إلى حقيقة واحدة تقول إن من لا يملك المال فلا حياة له في هذا البلد، وإن بقيت لن تجد سوى الشقاء والعمل في أكثر من مكان حتى تؤمن أبسط وأبسط مقومات الحياة”. ويتسأل موسى عن آخر قرار اتُخذ لصالح الطبقة الفقيرة، وقال: “لا يوجد شيء”، مضيفاً “الآن يريدون رفع الدعم دون أي أساس واضح لهذه العملية وجميعها قرارات متخبطة والهدف منها سد العجز في الموازنة العامة وتحصيل الأموال من جيوب الفقراء”. ويشير سعيد موسى إلى أن كل هذه الأمور تؤدي إلى حقيقة واحدة هي أن الفقير، أو من لا يملك المال بلا مستقبل ولن يكون قادراً على البقاء في سوريا. ضربة منية لا يمر يوم في حياة السوريين دون تصريح لمسؤول سوري سواء وزير أو مدير، يذكر بكلفة الخدمات أو المواد المقدمة وكأنها تقدم مجاناً أو تعطى للغرباء وليس للسوريين. وآخرها تصريح رئيس الحكومة حسين عرنوس بأن تكلفة ربطة الخبز 1800 ليرة وتباع مدعومة بـ 200 ليرة، كما تحدث عن تكلفة سعر ليتر البنزين بـ ٢٦٠٠ والمازوت بـ ٢٥٢٣. وعبر مواقع التواصل الاجتماعي يتناول السوريون هذه التصريحات بسخرية، حيث تقول مرام “بتشعر أنو الشعب هم تقيل على الدولة وضيف غير مرغوب فيه، مع أنو معاشك يا سيد عرنوس من جيوبنا”. بينما يقول اسماعيل “تكلفة المعيشة ٥٠٠ ألف ونحن عم نقبض رواتب بأحسن حالاتها ٩٠ ألف وجايين لسا عم تحكوا عن هي التكاليف”. بدوره علق علي “حدا يخبره رئيس الحكومة، كم تكلفة البنزين لسيارات المسؤولين”، أما حلا “كتر خيركم طمرتونا بفضلكم حاج هلكتوه لهل الشعب”. وبالتالي فإن الطبقة الفقيرة أكبر مكون في مناطق الحكومة السورية باتت عبئاً ثقيلاً عليها كونها لا تجد فائدة مالية من أصحابها، وكما في الماضي والحاضر تبدو الصورة واضحة أن لا مستقبل للفقراء في سوريا، وإنما فقط من يدفع المال سيكون مُرحباً به.
تقطع سهيلة مسافة 38 كيلومترا في الباص كي “تظفر” بحمام ساخن “خرافي” حسب وصفها. فالسيدة الأربعينية كانت تكتفي خلال الشهرين الماضيين بسكب بضع طاسات من مياه فاترة تُسخنها على عجل. تقول لـ “صالون سوريا” :”لا نرى الكهرباء إلا ساعتين خلال اليوم، لا تكفي لتسخين المياه، ترانا نهرول في أرجاء المنزل لإنجاز الأعمال المرتبطة بالكهرباء كشحن الهواتف الذكية والبطارية والغسالة والبراد. أما الحمام، فأصبح عند الضرورة القصوى”، تتابع: “جئت إلى هنا كي أنظف جسدي جيدا، وأزيل الأوساخ المتراكمة عليه، التكييس والتلييف هنا ممتاز، قضيت ساعة ونصف في الحمام تحت المياه الساخنة، لم أحظى بهكذا حمام منذ أشهر طويلة”.
“برد في جسدي“ أما ضحى، فتنتظر بفارغ الصبر حلول فصل الصيف، إذ باتت الشابة الجامعية تنفق معظم مصروفها الشخصي على أجور دخولية حمام السوق. تقول لـ “صالون سوريا” :”لا توجد أي وسيلة في بيتنا لتسخين المياه، الكهرباء مقطوعة والمازوت إما مفقود أو غالي الثمن، آتي إلى هنا كل أسبوع تقريباً، تكلفني حوالي 9 آلاف ليرة سورية كل مرة، لينتهي الشتاء بسرعة، في الصيف ندبر أمورنا ونستحم بماء فاتر”. وتنتهز أم خالد فرصة زيارتها لمنزل أهلها الواقع في الشام القديمة لقصد حمامات السوق، فالاشتراك بنظام الأمبيرات في بيتها في عين ترما (ريف دمشق) لا يكفي لإزالة الانتفاخ في قدميها المتشكل بفعل البرد. تروي لـ “صالون سوريا”:” نكاد لا نرى الكهرباء، اشتركنا بنظام الأمبير لكنها مكلفة جدا، ندفع 2500 للكيلو الواحد، أي حوالي 100 ألاف شهريا، تصلح لإشعال التلفاز وأضواء الإنارة، أما الحمام فنخصص له يوم الخميس، ونستعين بكيسين حطب وجفت الزيتون التي يصل سعرهما إلى 25 ألف ليرة، بينما نستخدم مياه الآبار لغسيل الملابس وأعمال التنظيف الأخرى”، تتابع حديثها “تورمت قدماي ولم أعد أستطيع المشي عليهما، توجهت إلى الطبيب الذي عزا السبب بوجود كميات كبيرة من البرد مخزنة في جسدي لتستقر في ساقاي، ونصحني بمغطس ساخن جداً ومساج لإخراجهما من جسدي”. وفتح باب حمام السوق ذراعيه لخلود بعد أن كان مغلقاً بسبب أعمال الصيانة، فقد مضى شهر كامل على آخر حمام حظيت به. فالمرأة كانت تتبع طريقة التيمم بالكحول مستخدمة الفوط والماء الفاتر لتنظيف جسدها. تقول ضاحكة مع نبرة لا تخلو من التهكم على الواقع الذي تعيشه: “صار لي شهر مو متحممة، منيح زوجي مسافر، لكان طلقني، عم اتحمم بالكحول، بحط كمية على منشفة ومي فاترة وبمسح جسمي، وبغسل تيابي بمي باردة أو فاترة حسب جية الكهرباء”.
بالرغم من أن أزمة الكهرباء والمياه توحد مصاب السوريين، لكن دائما ما تكون هذه المصائب ذا فائدة عند بعض المستفادين، فخلال الشهرين الماضيين ازدهرت حركة حمام السوق وازداد عدد زواره. تقول مديرة أحد حمامات دمشق القديمة فضلت عدم الكشف عن اسمها :”تسببت أزمة انقطاع المياه والكهرباء والمازوت في الآونة الأخيرة بازدياد مريدي حمام السوق، خاصة في أيام العطل، حيث يأتينا يومياً ما لا يقل عن45 زبونة من مختلف المناطق وأحياناً ضيوف من بقية المحافظات جاؤوا لزيارة أقاربهم في العاصمة. جميعهم يشتكون من قلة المياه وانعدام الكهرباء جاؤوا التماساً للدفء والنظافة والراحة”، تتابع كلامها “الناس مستعدة لقطع كيلومترات طويلة لتحظى بحمام هانئ وقد تتغاطى عن الأجرة التي تصل إلى8آلاف ونصف، بالنهاية الناس بدا تتحمم وتنظف حالها إذا ماعندا مي”. جاءت تاليا إلى حمام السوق برفقة صديقاتها اللواتي اصطحبن الشابة القادمة من اللاذقية في زيارة إلى العاصمة، بعد أن اكتشفت أن وضع الكهرباء ليس بأفضل من مدينتها. تقول لـ “صالون سوريا”: “جئت إلى الشام في إجازة لمدة أسبوع، تمت استضافتي من صديقاتي في منزلهن بباب شرقي، لكن لا كهرباء هنا، فقررنا الاستحمام لأن لا سبيل لتسخين المياه”، فيما تأتي الشقيقتان لجين ورشا، مرة أسبوعياً إلى حمام السوق للاستحمام أولاً، ولتوفير كلفة تعبئة خزان مياه منزلهن ثانياً. تقول احداهن لـ “صالون سوريا” :” مياه مدينة جرمانا مرتبطة بالمضخات المرتبطة بدورها بالتيار الكهربائي، وكنتيجة حتمية تظل المياه مقطوعة طالما الكهرباء مقطوعة، ندفع 35 ألف ليرة مقابل تعبئة 5 براميل، تكفي فقط للغسيل والجلي والطبخ، أما الاستحمام فيجب الانتظار حتى ساعات الليل المتأخرة إذا ما حالفنا الحظ بالكهرباء”، تختمان كلامهما باستهجان:” لم يبق سوى الأكسجين لم ندفع ثمنه”. في المقابل، قررت “أم عدنان” إحضار ابنتها إلى حمام السوق تجنباً لوقوع مشاجرات مع كنتها التي أصبحت تتزايد في الفترة الأخيرة، تقول:” لا تكف زوجة ابني عن الشجار والتلاسن مع ابنتي على خلفية من سيستحم أولاً ، ليتحول المنزل إلى ساحة معركة طاحنة عن استحقاقية الدخول أولا إلى الحمام، ويبدأن بالصراخ والاتهامات المتبادلة بالتسبب ببرودة المياه”.
“حب… وسلام العالم”، هكذا راق للنحات ابن مدينة درعا البلد، تسمية هذه الصخرة في مدينة درعا البلد جنوب سوريا. الصخرة التي تبلغ من الوزن 117 طنا، نحتها أحد أبناء مدينة درعا البلد منذ كان عمره أربعة سنوات، واستمر العمل بها 11 عاماً على فترات متقطعة، الى ان صار في عمر الثلاثين، لكنه توقف عن اكمال العمل بها. وجمعت هذه الصخرة عشرة معالم وحضارات تعود إلى مئات السنين، وكانت الكعبة المشرفة من أولى المنحوتات على الصخرة، وتضم معظم حضارات العالم، وأبرزها البابلية وحضارة سبأ اليمنية، وحضارة الفينيقيين الذين سكنوا سواحل البحر المتوسط، والفرعونية والفارسية والآشوريين والكنعانيين والهندية والصينية، ومعبد جانكور البوذي في كمبوديا، وسور الصين. نحات درعا، جمعها النحات في لوحة واحدة. كانت مقصداً للزوار والسياح.