بواسطة فريق صالون سوريا | يناير 15, 2022 | العربية, تقارير, مرئيات
تنقسم سوريا، البالغة مساحتها 185 كلم مربع، الى ثلاث “مناطق نفوذ”
واحدة تشمل ثلثي الاراضي، تحت سيطرة الحكومة بدعم روسي وايراني
الثانية، تشكل حوالى ربع المساحة، وتحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية -العربية بدعم من التحالف الدولي بقيادة اميركا
الثالثة، تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وتضم حوالى 10 في المئة من مساحة سوريا، اي ضعفي مساحة لبنان
بواسطة عامر فياض | يناير 14, 2022 | العربية, تقارير
أصبحت الكهرباء الشغل الشاغل للناس. تتحكم في أبسط تفاصيل حياتهم، أعمالهم، زياراتهم ومواعيد نومهم واستيقاظهم. يعيشون يومهم وفق مزاجها الذي يتفنَّن في قهرهم وتعذيبهم وهدر وقتهم وطاقاتهم.
أزمة الكهرباء الحاضرة بقوة طيلة السنوات الماضية، تفاقمت في الآونة الأخيرة بشكلٍ كبيرٍ فكانت الأسوء على الإطلاق منذ بداية الحرب، إذ أصبح متوسط ساعات التغذية الكهربائية ساعة أو ساعة ونصف في أحسن الأحوال مقابل خمس ساعات قطع قد تزيد في بعض الأحيان.
مهن شُلَّت
ورشات الخياطة والنجارة والحدادة، المعامل والحرف والورش الصناعية وغيرها الكثير والكثير من المهن والأعمال كانت ضحية الإنقطاع الطويل للكهرباء الذي أدى لشلل بعضها وتوقف بعضها الآخر عن العمل بشكل نهائي، وهو ما أثَّر سلباً على أصحابها وعلى العاملين فيها حيث تراجع إنتاجهم بشكلٍ كبيرٍ أو فقدوا مصدر رزقهم الوحيد.
النجار أبو طارق (54 عاما)، اضطرته أزمة الكهرباء للاستغناء عن ثلاثةٍ من عمال ورشة النجارة الخاصة به، ويحدثنا عن معاناته اليومية في العمل فيها: “طوال فترة العمل نحظى بساعة كهرباء في أحسن الأحوال، وهي لا تكفي للقيام بأي عمل يذكر، لذا تراجع عملنا بنسبة 70 % وبتنا نعتذر عن تلبية الكثير من الطلبات”. ويضيف : “نستعين أحيانا بمولدة كهرباء صناعية، لكنها لا تخدمنا بما يكفي وتحتاج للمازت الذي بات من الصعب تأمينه، وإن وجد في السوق السوداء فسيكلفنا الليتر منه نحو أربعة أو خمسة آلاف ليرة وهو ما يُحملنا نفقاتٍ إضافيةٍ تجعل عملنا غير مُجدٍ”.
الواقع ذاته أجبر الخياط أبو ربيع (47 عاما) على إغلاق ورشة الخياطة التي ورثها عن أبيه بعد انعدام الإنتاج وتفاقم حجم الخسائر، فقام ببيع ماكينات الخياطة وجميع محتويات الورشة التي كانت تؤمن عملاً لنحو سبعة عمال، ليتخلى بذلك عن تلك المهنة بشكل نهائي، ويفتتح دكاناً صغيراً يُجَنبه عناء الانتظار والتعب واللاجدوى.
الشاب سامر (39 عاما) صاحب مصبغة لغسل وكوي الثياب، بدوره حذا حذو أبو ربيع فأغلق المصبغة، التي أصبح العمل بها لا يعود عليه سوى بالتعب والخسائر واستياء الناس من أداء عمله وعجزه عن تلبية طلباتهم، ثم باع بعض محتوياتها ليسافر بثمنها إلى أربيل، علَّه يجد عملاً مجدياً يمكنه من عيش حياةٍ كريمة.
أزمة مياه خانقة
الإنقطاع الطويل للكهرباء أثَّر سلباً على عمل المضخات المركزية التي تضخ المياه من المصادر الرئيسية إلى الشبكات التي تغذي الأحياء والحارات وهو ما خلق أزمة كبيرة في وصول المياه إلى البيوت التي بدورها شُلّ عمل المضخات الخاصة بها، ما أجبر الكثير من الناس على نقل عشرات الغالونات من أماكن مختلفة إلى بيوتهم أو على شراء المياه من سيارات الباعة الجوالين لتعبئة خزاناتهم الفارغة، خاصة في المناطق المحيطة بالعاصمة وذات الكثافة السكانية الكبيرة كمدينة جرمانا، حيث تنتشر سيارات بيع الماء التي تمتد خراطيمها إلى خزانات الطوابق العليا وعليك أن تنتظر لساعات طويلة ليلبي الباعة حاجتك نتيجة الضغط الكبير عليهم، والذي أدى لارتفاع سعر برميل الماء بشكل كبير، وصل إلى نحو خمسة آلاف ليرة، وهو ما شكل عبئاً مالياً إضافياً على الناس الذين بالكاد يتدبرون لقمة عيشهم.
ويحدثنا أبو ريان (58 عاما) أحد سكان مدينة جرمانا عن معانته مع تلك الأزمة، قائلا: ” لنحو عشرين يوماً لم تصل المياه الرئيسية إلى بيتي إلا فيما ندر، ورغم التقنين الكبير في استهلاك الماء نحتاج أسبوعياً لنحو خمسة براميل، وهي سعة خزاننا المنزلي، الذي اضطررنا خلال الأسبوعين الماضيين لتعبئته مرتين عبر شراء الماء من إحدى السيارات بتكلفة 50 ألف ليرة، وإذا ما استمر الحال على ذلك النحو فسنحتاج 100 ألف ليرة شهرياً لشراء الماء، أي ما يعادل نصف دخلي الشهري الذي أدفعه بالكامل إيجاراً للمنزل الذي أسكنه وعائلتي”.
الاستحمام والغسيل
“لكي نستحم علينا أن ننتظر ساعات طويلة وربما أياماً. لم يعد الأمر متاحاً في أي وقت، إذ بات أفراد عائلتنا يتناوبون على الاستحمام على مدار أيام الأسبوع، فساعة واحدة من الكهرباء لا تكفي لتسخين الماء في سخان الحمام، لذا نلجأ أحياناً لتسخين الماء بواسطة وعاء كبير نضعه على النار ونقنن في استهلاكه قدر الإمكان، وكثيراً ما نضطر أنا وبعض أبنائي الخمسة للذهاب إلى بيت أختي لكي نستحم هناك”. هكذا تصف أم فادي (61 عام) معاناتها التي تشبه معاناة معظم الناس الذين باتت الكهرباء تتحكم في أوقات استحمامهم بل وتحرمهم أيضاً من غسل ثيابهم، بعد أن أصبحت الغسالات شبه عاطلة عن العمل، وهو ما أجبر الكثير منهم على العودة إلى الطرق البدائية كحال أم فادي: “منذ شهرين وحتى الآن أغسل الثياب بشكل يدوي، أتذكر جدتي وألعن التطور والتكنولوجيا، فالغسالة الأوتوماتيكية تحتاج لأكثر من ساعة لتنهي غسل وجبة الثياب التي قد تبقى في داخلها لساعات طويلة وأحياناً لأكثر من يوم وهي مغمورة بالماء ومسحوق الغسيل ما قد يؤدي إلى تلفها السريع مع مرور الوقت”.
وإلى جانب ذلك تخلى معظم الناس عن كوي الثياب واستخدام المكنسة الكهربائية والخلاط وغير ذلك من الأدوات، فيما نسوا مشاهدة التلفاز الذي أصبح مجرد ديكور منزلي لا نفع له.
طبق شوربة عدس
نتيجة صعوبة توفير الغاز المنزلي يضطر كثير من الناس، لكي يطهو طعامهم، إلى استخدام الطباخ الكهربائي، ولكن الأخير بات يخذلهم في الآونة الأخيرة، لذا استغنوا عن تحضير كثيرٍ من الأطعمة التي يحتاج طهوها لوقتٍ طويل.
وتروي لنا ربة المنزل أم سعيد (47 عاما) معاناتها في تحضير طبق شوربة العدس: “وضعتُ طنجرة العدس على الطباخ الكهربائي عند الساعة الواحدة ظهراً، وهو موعد التغذية الكهربائية التي يُفترض أن تستمر لساعة ونصف، وقبل أن يسخن ماء الشوربة انقطعت الكهرباء بعد عشر دقائق من مجيئها، ثم مر الموعد دون أن تعود، فكان عليَّ انتظار موعد التغذية المسائية عند الساعة السابعة لأكمل تحضير الشوربة، لكن الكهرباء خذلتني مرة أخرى إذ لم تأتِ سوى عشرين دقيقة”. وتضيف: “بقي العدس في الطنجرة حتى الساعة الواحدة في انتظار موعد التغذية الليلية. وبعد ثلاثة عشرة ساعة من الانتظار المؤلم والتوتر نضجت الشوربة أخيراً عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل قبل أن يتكمن أطفالي الصغار، الذين ينامون باكراً، من تذوقها”.
المؤونة تغيب عن الثلاجات
حبوب البازيلاء والفول والحمص والذرة، اللحوم المتنوعة، ورق العنب، الكبب والبُرك، مشتقات الألبان، وغير ذلك من المؤونة التي تعتبر ثقافة سورية متوارثة تميز بها المطبخ السوري، والتي اعتاد الناس على تخزينها في ثلاجات بيوتهم لتوفر عليهم الكثير من الجهد والأعباء الإقتصادية، وتتيح لهم تحضير الأطعمة المتنوعة في أي وقت. تلك المؤونة لم تنجُ بدورها من لعنة الإنقطاع الطويل للكهرباء الذي أدى إلى تلف الكثير منها ليُجبر الناس على رميها في القمامة، بعد أن تعبوا في تحضيرها وأنفقوا الكثير من المال لشراءها. وتحت وطأة تلك الأزمة استغنى معظمهم عن الاعتماد على الثلاجة التي أصبحت شبه خاوية وتحولت لما يشبه الخزانة بعد عجزها عن التبريد، فباتوا يكتفون بشراء كميات قليلة من الأطعمة ليُحرموا بذلك من إحدى العادات التي لطالما كانت تُغني مطابخهم.
معاناة أخرى
يضطر كثير من طلبة الجامعات والمعاهد للذهاب إلى المكتبات والمقاهي، التي يتوفر فيها مولدة كهرباء، ليتمكنوا من الدراسة ومتابعة مشاريعهم التي تحتاج لاستخدام الكومبيوتر والدخول إلى مواقع الإنترنت، وهو ما حمَّلهم أعباءً جسدية ومادية إضافية تفوق طاقتهم. وفي الليل يُجبر بعضهم على الدراسة على ضوء الشموع أو الهواتف المحمولة في كثير من الأحيان، حالهم كحال معظم طلاب المدارس، فوسائل الإنارة البديلة التي تعمل بالشحن، لم تعد تفي بغرضها حيث ينفذ شحن البطاريات في أي لحظة.
وإلى جانب ذلك تحولت أغلب الشوارع إلى مكان للاختناق والتلوث السمعي حيث تكتظ الأرصفة بالمولدات الكهربائية التي يُشغِّلها بعض أصحاب المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية وغيرها، والتي تجعجع طوال الوقت لتصدِّع رؤوس المارة ويطغى ضجيجها على أحاديثهم وتخنقهم بدخانها الذي يلوِّث الهواء بكثافته. وفي الليل تغرق معظم الشوارع وخاصة الفرعية، في ظلمة دامسة، تجعلها موحشة ومخيفة في بعض الأحيان، وتجبرك على الإستعانة بضوء هاتفك المحمول أو بضوء القداحة كي لا تتعثر أو تصطدم بشيٍ ما في طريقك.
سنوات مرّت ومازالت أزمة الكهرباء الهاجس الأول لدى الناس الذين يعانون ويتذمرون وينفعلون وهم ينتظرون فرجاً كهربائياً ما، حتى بات أحد أحلامهم أن ينعموا بقسطٍ وفيرٍ من كهرباء مستقرة لا تخذلهم في كل وقت.
بواسطة جوان حبيب | يناير 13, 2022 | العربية, مقالات
أكثر من 700 كيلو متراً، هي المسافة الفاصلة بين شمال شرق سوريا وجنوبها، لكن تلك المسافة ليست المعاناة الوحيدة لعابري ذاك الطريق الملتصقين بكراسيهم طوال الوقت، بل يضاف بينها ما يعانيه المسافرون براً من صعوبات فرضتها ظروف الحرب السورية وتبدل خرائط السيطرة بين أطراف الصراع.
اضطر علام (45 عاماً) وهو من مدينة القامشلي ومقيم في دمشق منذ حوالي العامين، للسفر إلى قريته في ريف القامشلي، ويقول لــ”صالون سوريا”: “خلال سفري شعرت وكأني غريب عن هذه البلاد بدءً من المعاملة السيئة على الحواجز وليس انتهاء بطرق تفتيش أقل ما يقال عنها تشبيحية” من حواجز المسلحين.
حواجز
تنتشر على طريق دمشق -القامشلي حواجز مهمتها “تشليح الناس وليس حمايتها”، بحسب إفادة علام، ويضيف، “أنَّ كل حاجز يتفنن في طريقة إذلال الناس وقهرها ناهيك عن مشقة الطريق وعناء ساعات السفر التي تصل لحوالي الــ 24 ساعة ذهاباً ومثيلتها إياباً”.
ويعاني مسافرون يسكنون في دمشق في تنقلهم إلى مسقط رأسهم في القامشلي وغيرها من مدن شمال شرق سوريا من -فرض الإتاوات عليهم ومن تعرض أمتعتهم الشخصية وما يحملونه من أغراض -للتفتيش من قبل حواجز الجيش السوري بشكل عشوائي يتلف أغراضهم وفقاً لعدد من المسافرين التقاهم “صالون سوريا”. وذكر الرجل الأربعيني أنَّ من بين أغراضه الشخصية التي تعرضت للتمزيق أثناء التفتيش من قبل أحد الحواجز “لحف وبطانيات” بحجة وجود شيء ما بداخلها. وقال: “لم يكلف العنصر نفسه حتى فتح الكيس وإلقاء نظرة عليه بل مزقه بسكين كانت بيده”. ويفيد بأن هذه الأغراض لها قيمة غاليه عنده كونها من تجهيزات عرسه منذ حوالي الخمسة عشر عاماً. لكن لا حول ولاقوه، وفقاً لتعبيره.
مضايقات
علام ليس حالة فريدة، بل هذا حال أغلب العابرين لهذا الطريق، فمنى ابنة مدينة الحسكة لم تنجُ من أسئلة عناصر حاجز أثريا عن سبب ذهابها لمدينتها، وتقول: “تولدي المسجَّل على هويتي مدينة دمشق” لكنها من سكان الرقة منذُ طفولتها حتى غادرت المدينة في العام 2013. وأضافت منى (33عاماً) وهو موظفة بنك خاص في دمشق لــ “صالون سوريا” بأنَّ “أخوها مسافر في الإمارات منذ العشر سنوات وطلب منها إحضار والدتها المقيمة في الرقة إلى دمشق بهدف ذهابها إلى دبي في زيارة لولدها”. وتقول بإنَّ من بين الأسئلة الموجهة لها تدخل في باب التحرش اللفظي والعنصري كــ “صبية حلوة متلك شو بياخدها على الرقة”.
وتذكر بحرقةً أنها لم ترَ والدتها منذ حوالي الثلاثة سنوات تجنباً للسفر إلى مسقط رأسها والمعاناة التي تحصل معها على طريق الرعب كما تصفه الشابة الثلاثينية.
اتاوات
أما خالد الشعيبي ورغم أنه يعمل قاضي في محاكم ريف دمشق بعد تخرجه من المعهد القضائي التابع لوزارة العدل فأن “حصانته القضائية لم تنجه من التفتيش والتفتيش”. يقول لــ “صالون سوريا”، ويضيف، “قام عنصر بتفتيش شنتاية لابتوبي وطلب مني تشغيله كي يرى ما يوجد بداخله”. وأفاد، بأنَّه شهرياً يسافر إلى الرقة ويتعرض لهذه المضايقات التي تختلف في طريق عودته إلى دمشق، إذ يضطر هنا لدفع (أتاوة) على بعض الأغراض التي بحوزته. ويقول لــ “صالون سوريا” ” في إحدى سفراتي جلبت معي تنكة زيت زيتون”، لكنَ العنصر قال له “الزيت ممنوع نقله بالبولمان”، وهي إشارةً إلى أن العنصر يريد “مصاري” بحسب تعبير القاضي الذي اضطر لدفع مبلغاً من المال 16 ألف ليرة”.
لا يختلف الواقع كثيراً على المقلب الآخر، حيث سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنتشر حواجزها على طريق مناطق سيطرتها، ويقول الشعيبي لــ “صالون سوريا” “يمر سكان المنطقة الشرقية على حواجز قسد تقريباً بنفس إجراءات التفتيش وبعض المضايقات للشبان الذين هم في سن التجنيد”. ويؤكد، بأنَّ من يسافر من مناطق سيطرة دمشق وقيده المدني غير تابع للمنطقة الشرقية يحتاج إلى إجراءات روتينية وكأنك داخل إلى دولة أخرى، ومنها “الكفيل والشاهد” من أحد أبناء المنطقة.
طريق دمشق -القامشلي
في العام 2017 أُعيد فتح الطريق البري الوحيد الذي يصل مناطق شمال شرقي سوريا بالعاصمة، وذلك بعد سيطرة دمشق على أغلب المناطق الواقعة على طرفي الطريق والتي خسرتها في العام 2013.
ويشكل هذا الطريق البري منفذاً رئيسياً لأهالي الجزيرة للوصول للمحافظات والمناطق السورية الأخرى، إضافة للطريق الجوي عبر مطار القامشلي في الحسكة.
وتنطلق رحلات الحافلات من دمشق باتجاه القامشلي والرقة عبر طريقين لكل منهما، حيث يمر طريق دمشق -القامشلي من نقطة الانطلاق بدمشق عبوراً بحلب ثم القامشلي -قراقوزات، بينما يمر طريق دمشق -الرقة عبر أثريا وصولاً للطبقة ومنها إلى الرقة.
رحلة طويلة وغالية
قد تستغرق الرحلة من دمشق إلى القامشلي وبالعكس براً حوالي الـــ 18 ساعة، وقد تصل إلى 24 ساعة حسب ظروف الطريق وطريقة التفتيش على الحواجز والمعابر الواصلة بين بداية الخط ونهايته، على أنها كانت تستغرق حوالي الــ 9 ساعات قبل الحرب بالعام 2011.
وتبلغ قيمة التذكرة للشخص الواحد حوالي 32 ألف ليرة بحافلات رجال الأعمال و25 ألف ليرة بالحافلات العادية ويجتاز الراكب أكثر من 15 حاجزاً ونقطة تفتيش إضافة للحواجز الطيارة، أي غير الدائمة والتي تظهر فجأة على الطريق في حين كان سعر التذكرة قبل الحرب 500 ليرة.
بالمقابل، هناك من يسافر عبر الطائرة العسكرية التي تنقل بضائع مقابل 50 ألف ليرة وواسطة كي يحجز مكاناً. وهناك من يضطر نظراً لظروفه لدفع مبالغ مالية تتجاوز الـ 350 ألف ليرة للحصول على حجز طيران عبر شركة أجنحة الشام.
بواسطة فراس كرم | يناير 12, 2022 | العربية, مقالات
كثيراً ما نسمع عن قصص وحكايات وأوجاع لعائلات نازحة، تعيش في المخيمات ومراكز الإيواء، تفتقر لأبسط مقومات الحياة وأشكال الرفاهية في شمال غربي سوريا، معظمها قريبة من الحدود التركية، بعضها يقع في مناطق جبلية وعرة، ولكل عائلة نازحة في هذه المخيمات حكايتها وظروف معيشتها اليومية التي يطغى عليها مشهد الفقر والتقشف والبساطة.
“صالون سوريا” امضى يوماً مع احدى هذه العائلات في مخيم الأمل بالقرب من مدينة الدانا شمال إدلب، وضمن خيمة لا تتجاوز مساحتها الداخلية الكلية 10 أمتار مربعة. هنا يعيش أبو محمد (42 عاما) وزوجته وأولاده الستة الصغار، (نازحون من ريف حلب الجنوبي قبل نحو 5 سنوات)، حياةً بسيطة رغم مرارة العيش، لايملكون فيها أي شيء من تكنولوجيا العصر سوى بطارية صغيرة وسلك كهربائي معلق بلمبة صغيرة بقياس 12 فولتا، مربوطة بلوحة شمسية صغيرة مركونة على جدار الخيمة وموجهة بإتجاه الشمس لتحصل البطارية على الطاقة من أشعة الشمس يومياً.
خيمة… منزل
عملت الزوجة أم محمد ذات الثلاثين عاماً، على تحويل الخيمة إلى أشبه بمنزل صغير متواضع، فوضعت الغاز عند باب الخيمة من الداخل، وإلى جانبه بعضاً من أواني الطبخ البسيطة ضمن صندوق بلاستيكي (سحارة). وفي الجهة الثانية، وضعت قطعة خشبية مخصصة لوضع الأغطية والفرش بعد أن تستفيق أسرتها صباحاً، بينما فرشت أرض الخيمة بقطعة سجاد متهالكة وبعض الاسفنجات والوسائد، ومع كل صباح تبدأ الحكاية
أبو محمد، نزح من قريته بريف حلب الجنوبي قبل نحو 5 أعوام، عقب هجوم بري شنته قوات دمشق وإنتهت بالسيطرة على المنطقة حينئذ، ولجأ مع أقاربه إلى هذا المخيم، بالقرب من مدينة الدانا شمال إدلب، وحصل على فرصة عمل في أحد معامل الطوب (البلوك) في المنطقة.
مع ساعات الصباح الأولى من كل يوم (صيفاً وشتاءً)، يسيتيقظ وزوجته و أولاده (محمد 14 عاماً وحسن 13 عاما). فأبو محمد وأولاده يذهبون إلى وعاء مملوء بالماء عند باب الخيمة الخارجي، ويغسلون وجوههم. أما أم محمد، تُعد وجبة الإفطار مما توفر (صحن من الزيت النباتي وإلى جانبه صحن من الزعتر وبعض الأرغفة من الخبز وإبريق الشاي)، وأثناء تناول وجبة الإفطار يتمازحون ويضحكون ويتحدثون عن ما ينوون القيام به من أعمال خلال اليوم.
ومع إنتهاء تناول الطعام، كل منهم يذهب لإرتداء ملابس العمل والإستعداد للذهاب إلى العمل وسط أجواء من المزاح والضحك. فأبو محمد يسلك طريقه مشياً على الأقدام بإتجاه معمل الطوب. أما محمد وحسن يذهبان سوياً إلى واحدة من المدن القريبة (الدانا وسرمدا) بحثاً بين أكوام القمامة في شوارع المدن عن ما يستحق البيع من (مواد بلاستيكية ونايلون أو نحاس)، طيلة ساعات اليوم وحتى المساء، بينما أم محمد تبقى في الخيمة بإنتظار طفليها الصغيرين أن يستفيقوا من النوم لتعد لهم وجبة الإفطار ذاتها التي تناول منها زوجها وأبنيها، قبل الذهاب للعمل.
ام ومديرة
تقول أم محمد: “أعيش وأسرتي في المخيم منذ خمس سنوات إلى الآن نمطاً واحداً من الحياة لا غير، (إعداد الطعام والغسيل والجلي)، وغالباً ما أعده من طعام، يكون من المخصصات الإغاثية التي نحصل عليها شهرياً، (إما برغلاً أو عدساً أو معكرونة)، وذلك قبل الظهيرة. أما عند المساء أجلس مع جاراتي ونتبادل الأحاديث بالظروف المعيشية التي نعاني منها يومياً وأحاديث اخرى عامة، وبعدها أعود إلى خيمتي، وأعمل على تسخين الماء، ومع وصول زوجي وأولادي، أنهمك بتحضير الألبسة النظيفة لهم وإستحمامهم، وبعد ذلك نجلس جميعاً ونتاول العشاء، وبذلك يكون الظلام ملئ المكان، ونمضي ساعة أو أكثر نتبادل فيها الأحاديث، عن ما جرى معهم من أحداث أثناء العمل، وبعدها يذهب كل منا إلى النوم”.
وتفخر “أم محمد” بنفسها وترى أنها هي المسؤول الوحيد عن إدارة شؤون أسرتها في المأكل والمشرب والملبس والأشياء الأخرى التي تخص الأسرة، في الوقت الذي يمضي فيه زوجها بالعمل طيلة النهار وعلى مدار العام. وتقول: “عندما يعود زوجي من العمل يقوم بإعطائي ما جمعه من نقود خلال العمل بنقل الطوب في اليوم، وعادة يكون المبلغ بين 30 إلى 40 ليرة تركية، وكذلك أبنائي أيضاً فهم يقومون بشكل يومي بإعطائي ما تم جنيه من مال خلال عملهم في اليوم، بعد بيع ما تمكنوا من جمعه من أشياء (بلاستيكية ونايلون وخردة)، وأكون بذلك المسؤولة عن تدبير وإدارة شؤون الأسرة”.
وتضيف، “المرأة السورية وتحديداً النازحة مع أسرتها، تجد نفسها مسؤولة مباشرة عن أسرتها، فغالباً أرباب الأسر يذهبون للعمل منذ الصباح حتى المساء ليتمكنوا من جني النقود لإعالة أسرهم، وبذلك تلقى كامل المسؤولية في تدبير الأسرة من تربية وخدمات على عاتق المرأة، بينما سابقاً (قبل النزوح) كانت الحياة بالنسبة للمرأة أسهل بكثير، فالرجال يعملون في الزراعة والصناعة والتجارة في القرية التي نعيش فيها، وتكون ساعات العمل أقل بكثير من الآن، وهذا يخفف على المرأة أو ربة الأسرة الكثير من الأعباء في تربية الأطفال وتلبية متطلبات الأسرة اليومية، فمثلاً عندما يشكو أحد الأطفال من عوارض مرضية أو يصاب بضيق تنفس أو أي أذى، أذهب به إلى الطبيب ومن ثم إلى الصيدلية وجلب الأدوية، وأعود إلى الخيمة وأتابع العناية بحالته الصحية، فضلاً عن أنني المسؤولة عن شراء إسطوانة الغاز والأشياء الأخرى كالطعام والملابس، ومع ذلك لا أشعر زوجي بأي ضيق أو ملل، بل على العكس تماماً”.
حياة دون توقف
من جهته، قال أبو محمد: “منذ 5 أعوام وحتى الآن لا أذكر أنني تعطلت عن العمل يوماً واحداً، سوى أيام الأعياد، وبت أشعر مؤخراً بآلام وأوجاع في الظهر والمفاصل، نتيجة عملي المجهد، ولكن بالرغم من ذلك، لا أسمح للرغبة في التعطل عن العمل أن تنال مني، فذلك يعني أنني عرضت أسرتي للجوع والفقر أكثر، فعطلتي ليوم واحد قد يؤدي إلى فقدان إسطوانة الغاز في خيمتنا لأيام، أو لا تجد أسرتي ثمن ربطة الخبز أو ثمن الدواء فيما لو أصاب أحد أبنائي مرضاً، عدا عن متطلبات فصل الشتاء من وسائل تدفئة وغيرها، ومع ذلك أشعر في بعض الأوقات بحزن عميق، كوني لا أرى أولادي وزوجتي سوى ساعة أو ساعتين كل يوم قبل النوم، وفي اليوم التالي أذهب باكراً في الوقت الذي يكون فيها طفلين من أسرتي نائمين”.
ويضيف، “قبل النزوح كنت أملك حوالي 20 دونماً من الأرض الزراعية في بلدي، وأعمل في زراعية القمح والشعير والخضار سنوياً وأحصل في نهاية العام على مبلغ أستطيع من خلاله العيش وأسرتي بحال ميسورة جداً، بينما اليوم وفي ظل النزوح والمعاناة والمصاعب التي نواجهها يومياً من غلاء وغيره، يتطلب منا العمل يومياً دون كلل أو ملل لنؤمن قوت أسرنا ومتطلباتها”.
وأشار” تعرضت منذ عدة أشهر إلى كسور بأصابع قدمي نتيجة سقوط قطعة طوب عليها أثناء العمل، وبالرغم من الألم الشديد الذي أصابني حينها، إلا أنني تابعت العمل حتى نهاية اليوم، وأثناء عودتي إلى أسرتي عملت زوجتي على تضميدها بعد تدليكها بالماء الساخن والصابون، وفي اليوم الثاني عدت إلى العمل، وتحملت الألم لأيام”.
وختم “أحمد الله وأشكره أنه رزقني زوجة صالحة، حملت معي جزءً كبيراً من أعباء الحياة وتربية الأولاد في النزوح”.
خردة ونايلون
أما محمد وحسن، فتحدثا قائلين: ” فضلنا العمل على التعليم، فأحياناً لا يتمكن والدنا من جني نقود كافية لسد حاجتنا وتأمين ما يلزمنا في العيش، وكنا نعيش ظروفاً صعبة للغاية، ولذلك قررنا العمل بجمع الخردة والنايلون والبلاستيك المستعمل من كل مكان في المدن والقرى المجاورة للمخيم، وبيعها للإستفادة من ثمنها ومساعدة والدنا على كفاية الأسرة وتلبية إحتياجاتها اليومية”.
وأضاف محمد، “نذهب كل يوم صباحاً ونتجول في شوارع المدن بين الحاويات وأكوام القمامة بحثاً عن أشياء لها ثمن كـالنايلون والبلاستيك والنحاس والحديد، وفي نهاية اليوم نذهب بالأشياء التي قمنا بجمعها إلى أحد المراكز لشراء الخردة ونبيعها، ونحصل بالمقابل على ثمنها الزهيد الذي لا يتجاوز 20 ليرة تركية، ونعود بعد ذلك إلى المخيم”.
وزاد “هناك كثير من العائلات في المدن والقرى القريبة، لا تقوم برمي الأشياء غير اللازمة أو غير الضرورية في منازلهم بالحاويات إلا في المساء، ولذلك غالباً ما نتأخر بالعمل بحثاً عن تلك الأشياء، ونعود إلى المخيم بعد حلول الظلام”، لافتاً، “كثيراً ما نتعرض للإهانة والتهكم من بعض الأشخاص في الشوارع والأسواق، وآخرون ينظرون لنا بعين الاشمئزاز لمظهرنا وثيابنا المتسخة، فضلاً عن تعرضنا أيضاً لحوادث سير بسيطة، تنتهي بخدش في اليد أو القدم، وكلها تدعو إلى الإحباط والحزن والجلوس إلى جانب الرصيف لبرهة من الزمن ونحن ننظر إلى الناس والمارة، وسرعان ما نتجاوز تلك الحالة ونعود للعمل مجدداً بإصرار”. وأضاف، “أتمنى أنا وأخي أن يتوفر لوالدنا عمل أفضل من عمله الحالي، بأجور أكبر، قادرة على تأمين متطلبات عائلتنا، ونترك هذا العمل ونعود لمقاعد الدراسة في المدارس من جديد”.
بواسطة علياء الأمير | يناير 10, 2022 | العربية, غير مصنف
كشفتْ دراسة نشرتْها مُؤخَّراً صحيفة “قاسيون” التّابعة لـ “حزب الإرادة الشعبية في سورية” أنَّه مع انقضاءالعام 2021، وصل وسطي تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من مليوني ليرة ، أي مايعادل600 دولار أميركي، وهو مايزيد عمق الفجوة بين التكاليف المعيشيَّة والحد الأدنى لأجر العامل الذي “ارتفع ” بموجب المرسوم الأخير ليصل إلى مايقارب /93/ ألف ليرة ، أي أقل من 30 دولاراً.
أمام هذه الوقائع يتبادر إلى الذّهن سؤال عن الطريقة التي يدير فيها المواطن السوري نفقاته لردم هذه الفجوة ، الإجابة على هذا السؤال تكشف الحالة المزرية من الجوع والفقر والحرمان التي وصل إليها السواد الأعظم من الناس.
مشاهداتٌ مؤلمة
من المشاهد التي صادفتنا، امرأة تقف أمام بائع الخضار تتوسّل إليه ليعطيها حبة ليمون واحدة لتكمل طبخة “الملوخية ” لكنَّه يرفض ، بينما “ينتخي ” زبون أخر يقف في نفس المكان مُطالِباً البائع إعطاءها ما تريد وأنَّه سيتكفَّل بالحساب .
وبجانب إحدى الصيدليات، تقف فتاة صغيرة لاتتجاوز 12 عاماً تتوسل إلى رجل كبير أنْ يعطيها مبلغ خمسة الاف ليرة لتشتري لوالدتها المريضة الدواء، وعندما يعطف الشخص على الفتاة ويلبي طلبها يقوم الصيدلاني بتمزيق كرتونة الدواء حتى لاتفكر الفتاة ببيع الدواء لصيدلية أخرى وتقبض ثمنها.
اللافت في الأمر ، أنَّ البعض لا يبدو عليهم هيئة التسوُّل ، وربما لاتكون حرفتهم الأساسية، لكن الحاجة دفعتهم لطلب المساعدة. تقترب امرأة في عقدها الأربعين ثيابها نظيفة ومرتبة وبشرتها مرتاحة على عكس الصورة النمطية لغالبية المتسولات. تهمس في أذن أحد المارَّة تطلب مساعدة مالية لشراء طعام لعائلتها ، والبعض الآخر يستوقفك ليطلب منك ثمن “سندويشة فلافل” أو مبلغ 200 ليرة لأنه لايملك ثمن تذكرة للصعود في النقل الداخلي الذي يشبِّه أغلب السوريين الصعود فيه “بقطرميز المكدوس”، نظراً للكم الهائل من الازدحام في هذه الوسائل .
في دمشق كما في باقي المحافظات، ليس مستغربا ، أن تركب سيارة أجرة وتكتشف أن السائق خرّيج جامعي، أو موظف في جهةٍ حكومية، فرواتب الحكومة لا تكفي لسد نفقاتك ليومين.
“وما حدا عايش على راتبه اليوم”، هذا ما يؤكده طارق خرِّيج علم الاجتماع، فهو يعمل يوميا حوالي8 ساعات بعد الانتهاء من عمله في إحدى المؤسسات الحكومية لتأمين متطلبات عائلته، بينما لارا طالبة الهندسة المدنية ، تعلمت فن الوشم وهي تعمل في مركز تجميل تقول :”هذا العمل يؤمّن لي دخلاً مقبولاً لتغطية نفقات دراستي ومساعدة عائلتي” .
ارتفاع تكاليف المعيشة ، دفعت بعض العائلات لتوجه كامل أفرادها إلى العمل ، كما هو الحال مع عائلة أبو فراس الذي يعمل في أحد المطاعم بدمشق القديمة، بينما وجد عمل لابنه القاصر الذي لايتجاوز 15 عاماً عملاً في ورشة لتصليح السيارات. أما الزوجة فتعمل في تنظيف المنازل ، يقول لـ “صالون سوريا” : نزحتُ مع عائلتي خلال الأحداث من إدلب إلى دمشق واستأجرتُ منزلاً في ضواحي دمشق ، رغم كل ذلك فدخلُنا بالكاد يكفي تغطية نفقات الإيجار والدواء والطعام ،ومع أننا نتبع سياسة التقشّف فهناك الكثير من المواد الغذائية اُلغيَت من قائمة المشتريات كاللحوم والفاكهة وحتى منتجات الحليب والبيض.
“طوقُ النَّجاة ”
يساهم المغتربون وخاصة مَنْ هاجروا خلال الحرب بإيقاف نزيف أسرهم المالي في الداخل. وبحسب مصدر رسمي فإن نسبة كبيرة من المواطنين يعتمدون على ما يرسله أقاربهم المتواجدين في الخارج لتحسين أوضاعهم المعيشية. ورجَّح المصدر أنَّ مبلغ الحوالات التي تدخل سوريا خلال اليوم الواحد يصل لما يقارب5 ملايين دولار. كما أنَّ الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي الذي يصل لـ2500 ليرة والسوق السوداء الذي تجاوز عتبة الـ/2500 / ليرة شجَّع على تسليم الحوالات خارج القنوات الرسمية ، وتحاول الحكومة باستمرار ضبط هذه الظاهرة وملاحقة المتعاملين بها نظراً لما يضيع على الخزينة العامة من القطع الأجنبي بهذه العملية.
أمَّا حسام، فلديه ابن في أوروبا يرسل له أموالا عن طريق أحد الوسطاء، يرفض استلامها عبر شركة الصرافة بسبب الفارق بين سعر السوداء والسعر الرسمي، مُعتَبِراً أنَّ هذا الفارق يساعده كثيراً في تغطية نفقات المعيشة المرتفعة، وهذه الأموال هو الأحقُّ بها من غيره .
“أم سعيد”، لديها أخٌ مُقيمٌ في بلجيكا يرسل لها بشكل شهري مبلغ/ 300 / دولار يساعدها في تسديد إيجار المنزل الذي تسكنه ونفقات لعلاج ابنها الذي يحتاج إلى غسل كلى. تقول :”أدعو لأخي بالتوفيق ليل نهار. لولاه كنت تبهدلت وعم أشحد بالشوارع وأمام باب الجامع”.
شرعنة الفساد
الهوَّة الكبيرة بين الإيرادات والنفقات شجَّعتْ موظَّفي القطاع العام وخاصة الخدمية على “الرشوة ” فيكفي أن يدفع طالب الخدمة مبلغاً من المال لموظف حكومي ليمُنَح استثناءً ويحصل على الخدمة التي يريدها بزمن قياسي.
أحد الموظفين فضَّل عدم الكشف عن اسمه قال: “الراتب لايكفي، نعمل حوالي 8 ساعات مقابل أجر زهيد ،الزيادة الأخيرة على الرواتب لا تكفي لشراء فروج وصحن بيض ،لذلك أقوم بتسهيل معاملة البعض مِمَّن يطلبون السرعة في الإنجاز ولا يريدون الانتظار لوقت طويل ، ويصل ما أتقاضاه من المتعاملين 5 أضعاف دخلي الشهري ،ربما لاتكون هذه الطريقة سويَّة ومُوافِقة للقوانين والأخلاق ولكن لدي أطفال أريد تربيتهم”.
شهدتْ في الآونة الأخيرة أغلب المناطق السورية ازدياداً في جرائم سرقة المنازل والدَّراجات النارية وإطارات السيارات والأجهزة الخليوية ، إضافة إلى جرائم القتل بدافع السرقة ، إذ أعلنتْ وزارة الداخلية السورية مؤخرا ، تفاصيل جريمة قتل أب على يد ابنه المُدمِن، بدافع سرقة مبلغ زهيد يبلغ أقل من 100 دولار أميركي.
كما سجل قسم الإحصاء في إدارة الأمن الجنائي منذ بداية العام الحالي وحتى شهر آب (اغسطس) الماضي 366 جريمة قتل و3663 حالة سرقة، وبعض الجرائم بقيادة نساء .
بعض السوريات لم يجدن سبيلاً للعيش سوى بيع أجسادهن مقابل المال، وتتحدث وسائل إعلام محلية باستمرار عن تفشّي ظاهرة الدعارة، كما أعلنت وزارة الداخلية أكثر من مرة إلقاء القبض على شبكات دعارة.
باحث اجتماعي أشار أنَّ انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع نسبة البطالة دفع البعض للبحث عن مصادر غير مشروعة لتأمين دخلهم، لافتاً أنَّ غياب الرقابة الأسرية والتنشئة الاجتماعية الخاطئة للأبناء والتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق دفع الأبناء للوقوع فريسة الجريمة والدعارة ، مُشدِّداً على ضرورة تطبيق أحكام القوانين الرادعة تجاه كل فعل جرمي يمس الحق العام للمجتمع وأفراده ومكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي وزرع القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية منذ مرحلة الطفولة المبكرة .
تؤكد الجهات الحكومية أن تداعيات الحرب والحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، إضافة إلى سيطرة القوى المدعومة من الخارج على الثروات الزراعية والنفطية في شرقي الفرات وشمال إدلب ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي على حد كبير. وبحسب المعلومات، كانت سورية في تصدِّر القمح الفائض بإنتاج /4 /ملايين طن وتستهلك مليونين ونصف طن، وتنتج زيت الزيتون والخضار والحمضيات ،والتي كانت تمثِّل 10% من صادراتها. أما القطن والصناعة النسيجية فكانت تشكل نسبة 20% من الصادرات. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أنَّ تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار الجنوني ، وهجرة الكوادر العاملة في القطاع الزراعي والصناعي زاد من ارتفاع كلف الإنتاج ،مما ساهم إلى حد كبير بتدني الإنتاج والأجور .
بواسطة طارق ميري | يناير 7, 2022 | العربية, غير مصنف
لا يذكر كامل المرة الأخيرة التي جالس فيها أطفاله الثلاثة خلال أيام الأسبوع. فهو بالكاد يلتقي بهم يوم الجمعة. كأنه مغترب داخل وطنه، يمضي كامل نهاره وجزءاً من ليله متنقلاً بين عمل وآخر، عله يتمكن من توفير المال لتأمين احتياجات عائلته.
يغادر منزله في منطقة معضمية الشام بريف دمشق السادسة والنصف صباحاً، ليتسنّى له الوصول إلى عمله بوزارة التربية في الثامنة وسط أزمة نقل خانقة.
ويعاني السويون في مناطق الحكومة السورية من تدهور الوضع الاقتصادي بشكل حاد، ما دفعهم إلى العمل في أكثر من مكان على فترات مختلفة من أجل تأمين الحاجات الأساسية للعيش.
يمضي كامل عدة ساعات في الوزارة ثم يتسلّل إلى سيارة الأجرة التي يجول فيها شوارع دمشق بحثاً عن الزبائن. يأكل السندويشة التي أعدّتها زوجته وأحياناً تفاحة إن توفرت في المنزل، قبل أن يصل إلى المطعم الذي يعمل فيه “جرسون” حتى الواحدة بعد منتصف الليل. يعود بعدها لمنزله ليجد زوجته في انتظاره بينما يكون أطفاله نائمين. يغط كامل بالنوم ويستيقظ صباحاً ليبدأ دورة حياته المرسومة بالقلم والمسطرة بعيداً عن أي راحة.
ارتفعت تكاليف المعيشة في مناطق الحكومة السورية إلى حدّ لا يطاق، حيث تحتاج أسرة من خمسة أشخاص لمليون و800 ألف ليرة سورية شهرياً كحدّ أدنى، لتأمين ثماني احتياجات أساسية: الغذاء والسكن والنقل والصحة، واللباس والتعليم والأثاث والاتصالات، يضاف إليها نسبة 8% لحالات الطوارئ الأخرى، حسب تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية. وأكدت الصحيفة أن هذه التكاليف عن شهر أيلول الماضي، بعد أن كانت مليون و240 ألف ليرة في حزيران، مما يعني أن هذه التكاليف قد تغيرت حالياً ووصلت لرقم أكبر، في ظل ارتفاع الأسعار المستمر.
هذا ما دفع السوريين للعمل في أكثر من مكان في سبيل تأمين لقمة العيش. ويوضح كامل أنه برغم عمله في أكثر من مكان إلا أن ما يحصل عليه آخر كل شهر يصل إلى قرابة الـ 350 ألف ليرة سورية أي 100 دولار، وهو غير كافٍ لتأمين احتياجات أطفاله وزوجته من طعام وشراب، كما يضطر إلى الاستدانة من بعض أصدقائه ليتمكن من إكمال مصروفه الشهري، والذي يتجاوز ما يحصل عليه بضعف أو أكثر حسب كل شهر.
“ما عم نصرف إلا للشغلات الأساسية والأسعار كل يوم بترتفع، ومن 5 شهور ما أكلنا لحمة.. ما عاد أعرف شو اشتغل أكتر من هيك”. ويذكر كامل أن الجهات التي يعمل لديها استغلالية ولا تراعي أحوال الناس، مضيفاً: “السوري عم يستغل السوري بيربحوا كتير وبيعطونا الفتات وإذا تركنا نفس الحالة.. كل الناس عم تدور على شغل، بيعرفوا رح يجي غيرنا فوراً”.
وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، قدر أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90%، وأن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
كامل ليس حالة استثنائية بل حاله يشبه حال الكثير من السوريين في بلاد تعاني حرباً، ومنهم رغدة أستاذة المدرسة التي قررت ترك وظيفتها بمدرسة حكومية، والانتقال إلى أخرى خاصة كونها أفضل من ناحية الراتب.
تنهي رغدة دروسها في المدرسة وتصل إلى بيتها لتأكل على عجلة، ثم تتنقل بين منازل الطلاب لتعطي دروساً بالفيزياء والكيمياء، حيث يتراوح سعر الدرس في دمشق بين 15 و20 ألف ليرة.
وتبين رغدة أنها تحصل على مبلغ جيد، ولكنها تكاد تخسر صحتها نتيجة العمل المجهد، الذي يصل إلى أكثر من 15 ساعة يومياً حتى يوم العطلة. وتضيف “برجع على البيت بأقصى درجات التعب، ولازم اطبخ ونضف واعتني بأهلي لأنهن كبار بالعمر.. ما عاد طلعت مشوار أو زرت أي شخص.. حياتي شغل بشغل”.
أما سائق السرفيس أبو محمد فيخرج من بيته السابعة صباحاً ولا يرجع إليه حتى التاسعة والنصف، ويوضح أن لديه ولدان بالجامعة وثالث في المدرسة ويحتاجون إلى 150 ألف ليرة كمصروف شهري، إضافة إلى تأمين الأكل والحاجات الأخرى للمنزل. ويقول: “إذا ما عملت هيك منموت من الجوع.. عم اشتغل أكتر من 12 ساعة وعمري 50 سنة وصحتي على قدي”. وذكر أبو محمد أن ولديه بدآ البحث عن عمل لمساعدته، وعرضا عليه ترك الجامعة لكنه رفض رغم إلحاح زوجته.
ووفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي يعاني حالياً نحو 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة قدرها 4.5 مليون شخص خلال العام الماضي وحده.
ويقول برنامج الأغذية العالمي “يكافح الآباء أكثر من أي وقت مضى لإطعام أطفالهم، بعدما أصبح سعر المواد الغذائية الأساسية الآن أعلى بـ 29 مرة من متوسط أسعارها قبل الأزمة”.
ولم ينجُ طلاب المدارس من حتمية العمل لتأمين لقمة العيش، فطالب المدرسة بالمرحلة الثانوية توفيق، ينهي دوامه ثم يعمل على بسطة بمنطقة قريبة من منزله، حيث ساعده أحد أصدقائه بالمدرسة على تأمين هذا العمل.
يعود توفيق إلى بيته في التاسعة والنصف مساء، ثم يبدأ بتحضير دروسه لليوم التالي، رافضاً ترك مدرسته مثل بعض أصدقائه رغم طلب والده منه ذلك بحجة أن “العلم ما بطعمي خبز ببلدنا”. ويقول: “لازم ساعد أهلي شايفين الحياة صارت صعبة.. وكتار من رفقاتي عم يشتغلوا لهيك تشجعت”.
وجميع الحالات التي تحدثنا إليها كان خوفها الوحيد هو ما يمكن أن تتعرّض له من مشاكل صحية، وهنا يؤكد الطبيب هيثم حنا أن خطر الإصابة بالمشاكل الصحية وخاصة أمراض القلب والجلطات الدماغية، يزداد بنسبة 10% لمن يعمل بحدود 40 ساعة أسبوعياً، و30 % في حال العمل لـ 54 ساعة، و60% في حال العمل 100 ساعة في الأسبوع.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن العمل لساعات طويلة يقتل مئات الألوف من الأشخاص سنوياً.
في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم لتقليل ساعات العمل واستقطاع يوم راحة إضافي أسبوعياً، يجد السوري نفسه أمام خيار وحيد وهو العمل والعمل دون أن يعرف سبيلاً للراحة، ليس حباً بالحياة وبحثاً عن الطموح، وإنما لتأمين لقمة عيشه التي أصبحت عبئاً كبيراً في دوامة النزاع الحاصل بالبلاد منذ أكثر من عشر سنوات.