حين لا يأتي أحدٌ ليضع حداً للمجزرة: قصائد للشاعر الأمريكي كوس كوستماير

حين لا يأتي أحدٌ ليضع حداً للمجزرة: قصائد للشاعر الأمريكي كوس كوستماير

ترجمة عن الإنكليزية: أسامة إسبر

كوس كوستماير شاعرٌ ومسرحيٌّ وروائيٌّ أميركي بدأ حياته الأدبية كاتباً مسرحياً وكاتب سيناريو. صدرت له عدة مسرحيات وثلاث مجموعات شعرية وتُرجمت له رواية إلى العربية بعنوان ”فارغو بيرنز“  صدرت عن دار خطوط وظلال في الأردن في ٢٠٢١. عُرضت مسرحياته في أميركا وفي بلدان غربية أخرى وحصل على العديد من الجوائز بما فيها جائزة دائرة نقاد المسرح في لوس أنجلوس لأفضل مسرحية وجائزة جمعية نقاد المسرح الأميركية.

من أعماله المسرحية ”حول النقود“،  ”تاريخ الخوف“، “المستنقع الغربي الكبير“، و”حلم الحرية المطلقة“، وصدر له في الشعر الدواوين التالية: ”سرير الزواج“، ”العام الذي اختفى فيه المستقبل“، ” بلا عنوان“، أما في الرواية فله ”دين مفقود“، ”سياسة اللامكان“، و“جادة الأيام الحزينة“.

القصائد التالية هي قصائد جديدة كتبها الشاعر عن حرب غزة، وخصَّ بها ”صالون سوريا“.

١- عناد

الرجلُ يستعملُ يديه بدل المطرقة

يركع وحيداً بين الأنقاض

يضربُ الفولاذ

يُدْمي الحجر

يصرخُ منادياً أسماءهم بأعلى صوته

 يصلّي كي ينطق من تبقى

غير أنه لا يخرج أحد.

الرجلُ الذي يستخدم يديه بدل المطرقة

ينبش الأرض بأظافره

يتضرّعُ إلى الموتى

يتوسّل إليهم أن يرجعوا.

حين تكتفي الريح من الإصغاء

تُعْول وتهبّ مبتعدةً

حينها، حتى المطر

يشعر بالعار من بقائه.

٢- الحرب على الأطفال

“هذه حرب على الأطفال”.

جيمس إلدر الناطق باسم الأمم المتحدة متحدثاً من جناح في مستشفى في غزة.

تتقدّم الجيوشُ

فوق الحليب الأسود والدم المسفوح.

يبكي أطفالٌ رضّعٌ

تحت الأنقاض ويفرُّ الناس.

تُعرّى أمهاتٌ

وتُقْحم أصابعُ في أعضائهن.

يُلفُّ آباء بالرايات ويُضْرَبون.

يُجْبرُ أطباء على السير على الماء

يُقتل أطفالٌ في حاضناتهم

يُقتل أشقاءٌ وشقيقات

وتتعفّن جثثهم في ضوء الشمس

حين لا يأتي أحدٌ كي يضع حدّاً للمجزرة.

تتدفق الأسلحةُ من الولايات المتحدة.

سياستنا موادّ لصناعة الأسلحة.

شهدْنا نهاية الأيام

وما من طريقةٍ كي نبعث المستقبل.

الأنهار تتدفّقُ داكنةً وحمراء من الدم

وما من مكانٍ نهرب إليه،

 أو نختبئ فيه

ما من طريقةٍ لإصلاح الريح المتكسرة

أو لإعادة الأطفال

كي نغنّي وندغدغ بشرتهم الناعمة التي كالعسل

حين لا يأتي أحد ليضع حداً للمجزرة.

نرى أجساد الأطفال

تُرْفَع محطّمةً من تحت الأنقاض.

نسمعُ أشخاصاً يتسوّلون شربة الماء

يصلّون للسلام،

لكن لا أحد يأتي كي يخفّف أحزانهم

ويحوّل أمنياتهم إلى خبزٍ

أو يروي ظمأهم الحارق

لإنقاذ أطفالهم من الدفن

لا أحد يتمرد

 ضد العرض المقيت لأكاذيب قديمة

تتقدّم عبر أخبارنا اليومية

وتزحفُ على شاشاتنا في الليل

كي تحتفي بدولارات جُمعت

وأذى أُلحق بالآخرين

حين لا يأتي أحدٌ ويضع حداً للمجزرة.

٣- درس لشرح المفردات

(إلى نعومي شهاب ناي)

نتعلّمُ اللغة في مركز العالم المحترق.

(السياسة، جريمة، صديق، عذاب، شظايا، دولة)

كلّ كلمة لطخةٌ لا نستطيع إزالتها

(بطل، قناص، شهيد، طاغية، سلطة، مصير)

هناك كلمات مجنونة، وأخرى مُهلكة وغادرة

وهناك كلمات كثيرة كاذبة.

(غريب، صاروخ، وطني، خصم، الآخر، نار)

إن نَحْو المأساة عظيمٌ، وإذا ما أصغيتَ

ستسمعه يتكسّر على الجدران

ويعاود ترتيب الجثث في جميع الأمكنة.

دَرْسُنا اليوم هو كلمة ”دبابة“.

 هل تعرفونها؟

Tank: الكلمة ذات المقطع الأحادي الثقيل

تمتلك شهية أسطورية

للموت وتقتلُ كل شيء

يقع في مدى بصرها.

تستهدف الجنود والأطفال والنساء والمعلمين

والطلاب والمزارعين، والأطفال

والناس بشتى أصنافهم.

هذا الاسم الذي لا يعرف الصفح

يتكاثر في جميع الأمكنة

ويفضّل أن يعمل في الشوارع

ليتمكن من استخدام خطمه القاتل والإجهاز على فريسته

دون أن يضطر لالتهام ما تبقى.

وكل ما يتبقى هو الشيء نفسه دوماً:

مرادف للأسى

وكلمة أخرى للكراهية.

٤- فن الحرب

حين جاءت الطائرات

كان قايين يستلقي في فراشه في البنسيون

 شبه نائمٍ ولم يحلق ذقنه بعد.

أنتم تعرفون المشهد،

أعرف أنكم تعرفونه،

ومطّلعون على خلفية الفيلم:

الغرفة القذرة بالأسود والأبيض

حيث كلّ الأغطية رطبة من الخبز المتعرّق

التلفاز مُدار، والسيجارة مُشعلة.

وحين بدأت القنابلُ بالسقوط

كان يقف عند النافذة

في الوهج الأحمر للصواريخ

والسماء مذهلة وملتهبة.

تعرفون الأغنية،

 أعرف أنكم تعرفونها:

الأطفال يموتون، هذه الجعجعة الفارغة.

النار تلتهم حقول القمح

الظلال تتقيّح في الشوارع.

لكن هذا هو قابيل، أتفهمون؟

الرجل نفسه الذي يحدّق بالأطفال وهم يحترقون،

ويركضون في عاصفة معدنية

صُنعت بلغةٍ

لم يتعلموها أبداً في المدرسة.

يتذكر فجأة

كيف سقط أخوه الأصغر هابيل تحت الضربات

قرب مذبحٍ دمويٍّ في يوم الأضاحي الكريه ذاك.

السماء فارغةٌ وصامتة الآن

آه، لكنّ جميع الأمهات يعرفْن

أن الموت قادم غداً إلى البلدة.

يقفْن خلف نوافذهن ويحدّقْن في الخارج

إلى الأشلاء وشظايا العظام، والبراز الدموي.

تعرفون المشهد:

 الرئيس، ثم بالطبع فواصل إعلانية

وفجأة ابن الإنسان

بوجهه المنهك منعكساً على لوح زجاج النافذة

يصيح بصوت مرتفع: ما الذي فعلتُه؟

ما الذي فعلته؟ 

ثم يكرر الصياح: ما الذي فعلته؟

٥- النظام العالمي الجديد

يتجلى جمال الأمم حين تكون النكهات كلّها محليةً،

 وتصبح الحياة لذيذة في جميع الأمكنة

إذا تُبّلت بطريقة ملائمة.

في اليونان، مثلاً، يمكن أن تشرب الريتسينا، وتتذوّق على شفتيك

أحجار التاريخ المرّة. يتصلّبُ لسانك كالفولاذ داخل فمك

وتشعر بأنك قادر على ممارسة الحب مع زوجتك

طوال الليل حتى الصباح.

أحجارُ اليونان نظيفةٌ وبيضاء،

لكن النبيذ الأحمر الداكن لبوجليا يجب ألا يُزدرى أبداً. فهو يمنح

فمك طَعْم الطمي

والشذى الأسود للتوت المسحوق.

لكلّ منزل سرّهُ،

 ولكلِّ أمةٍ متعتها:

الجوز الأرضي من السنغال

نبيذُ النخيل من غامبيا.

خيوط المعكرونة الفضية النحيلة والساكي الحارق من اليابان،

الشنكليش والمكدوس من قلب سوريا الجريح،

 أطباق المازة التي تُدْعى التاباس من أسبانيا

وخبز التشاباتي من إسلام آباد.

يجب أن تُزال الحدود اليوم،

على الفور،

وتحلّ محلّها قوائمُ طعامٍ بأطباقٍ محلية.

وفي هذا النظام العالمي الجديد

سنمدّ مائدةً مشتركة تحت قبة السماء

ونتحلّقُ حولها كأصدقاء وجيران

ونعدّ وليمةً عظيمة.

نحتفي بالصداقة أولاً،

نحكي قصصاً مدهشة بكل اللغات

عن أعاجيب عادية رأيناها.

نتقاسم كلّ ما أحضرناه،

 ونعتني بالجميع

مبتدئين بكبار السن ثم بالصغار.   

حينها كم ستبدو الحياة ثمينة لنا!

 كم ستبدو رائعة وعذبة!

وبعد العشاء نتذوّق أباريق متخمّرة

من شاي النعناع القوي،

ثم نجتمع معاً تحت النجوم

ونهدهد أطفالنا إلى أن يناموا. 

 شهوَةُ القِصَاصِ من ليبيدو حزينٍ

 شهوَةُ القِصَاصِ من ليبيدو حزينٍ

يعودُ الوحشُ إلى ما يظُنُّ أنَّها ذاتُهُ،

فتَزِيغُ بينَ يديْهِ الدَّلالاتُ،

وتَسِيلُ عطراً مُلتبِساً بالنَّارِ.

يُلقِي التُّهَمَ على خِداعِ الطَّريقِ المُنمَّقِ الأنيقِ

على تَمويهِ العابِرَينَ في باطِنِ ساعاتٍ ذهبيَّةٍ

وعلى وُعودِ التَّلويحاتِ البعيدَةِ الغامِضَةِ.

يعودُ، كي يَستأنِفَ الأسئلَةَ

فتُحاصِرُهُ ظلالُهُ المُبعثرَةُ

بأجوبَةٍ قد تُرْجَأُ

إذا صدقَتِ المَرايا معَ نُسْغِ الأشجارِ، لا معَ أغصانِها..

(وهذا ما لا يحدُثُ إلّا بتبادُلِ الحقيقَةِ والمَجازِ للخِياناتِ باستمرارٍ).

طريقُ الوحشِ مَرشوشَةٌ بماءِ زهرِ اللِّيبيدو الحزينِ.

ما أرادَهُ اللِّيبيدو منذُ نُعومَةِ الأُغنياتِ

هوَ تعريةُ الوحشِ تحتَ مِقصلَةِ الحُرِّيَّةِ

لا ترويضَ الخُطَى بوُصولٍ مُستحيلٍ.

/  كأنْ تُنظِّفَ المَسَامَ المقلوبَةَ

خَناجِرَ في نقْيِ العِظَامِ

منَ التَّلوُّثِ السَّمعيِّ والبصَريِّ

على امتدادِ أرصفَةٍ ثكلى على الجانبيْن

لكنَّ للعالَمِ مَداخِلُهُ التي لا يعرِفُها هوَ نفسُهُ  /

بينَ الولادَةِ والموتِ

اللِّيبيدو ليسَ سُلَّمَاً للعُلُوِّ

ولا مُنطاداً للتَّرفيهِ

ولا حتَّى ذرَّاتِ هواءٍ مائلٍ.

ثمَّةَ قفلٌ بلا مفاتيحَ في حمَّالَةِ أثداءِ مُشعوِذَةٍ

يُقالُ إنَّها تُقيمُ معَ الأفاعي الصَّريحَةِ جدَّاً

في وادٍ مَجهولٍ..!!

الغابَةُ، كذلكَ، لها اقتراحاتُها

لفصْلِ الوحشِ عن وهمِ اللِّيبيدو الأثيرِ

لمَحْوِ رغبَةِ الأنا

بأنْ تُرفرِفَ ذاتاً

تحتَ غُيومٍ شاعِرَةٍ

أو فوقَ بحرٍ هرَبَ خارِجَ حُفرَتِهِ.

: الغابَةُ غيرُ المَوجودَةِ أصلاً…….

أقصَى ما يحلُمُ بهِ الوحشُ

أنْ يقتُلَ اللِّيبيدو

ويُذوِّبَ جثَّةَ الفراغِ بالأسيدِ

ثُمَّ أنْ يقذِفَهُ الطَّريقُ رُجوعاً

إلى أوَّلِهِ/ آخِرِهِ.

سلاماً أيُّها الرَّحَّالَةُ

في هَوادِجَ من سَرابٍ.

*تنشر بالتعاون مع جدلية.

أخيراً، عثرتُ على جذوري: حوار مع الشاعرة والفنانة التشكيلية الأمريكية من أصل سوري أريكا هيلتون

أخيراً، عثرتُ على جذوري: حوار مع الشاعرة والفنانة التشكيلية الأمريكية من أصل سوري أريكا هيلتون

أريكا هيلتون شاعرة وفنانة تشكيلية أميركية من أصول سورية ولبنانية، هاجرت عائلتها إلى تركياوولدتْ في مرسين، ثم هاجرت مع أمها حين كانت في سن السادسة إلى الولايات المتحدة الأمريكيةحيث استقرت نهائياً. نشرت في كثير من المجلات والصحف المرموقة مثل أوشن جيوغرافيك ماجازين،شيكاغو تربيون، توركواز ماجازين، أوثوريتي ماجازين ومجلات أخرى، وكانت مديرة سابقة لمركزالشعر في شيكاغو. يصدر ديوانها الأول في العربية قريباً. هذا الحوار أجري باللغة الإنكليزية معالشاعرة المقيمة في شيكاغو وتُرجم إلى العربية.

أسامة إسبر:  أنت من أصل سوري ولبناني وتركي، وبعد ذلك أصبحت مواطنة أمريكية. كيف تؤثر قصتك كمهاجرة في تجربتك كشاعرة وفنانة تشكيلية؟

أريكا هيلتون: ولدتُ في تركيا لأبوين أحدهما سوري والآخر لبناني. كان أبي من أنطاكيا، وأمي من مرسين. في طفولتي كان جميع أفراد أسرتي يتحدثون التركية والعربية والفرنسية. وبعد أن انتقلنا إلى الولايات المتحدة لم أكن أنطق كلمة واحدة بالإنجليزية. لا أستطيع تذكر الوقت بين اللغات. في أحد الأيام بدأت أتحدث كما لو أنني كنت دوماً أتحدث الإنجليزية فحسب.  وكما يحدث، نترك أحياناً شيئاً ما خلفنا حين نصل إلى شيء آخر،  في هذه الحالة، كانت الخسارة هي خسارة اللغة العربية. ولأنني ولدتُ في تركيا كانت أمي تتحدث التركية معظم الوقت في البيت، وغالباً ما كانت مختلطة بالعربية، ولهذا ما يزال لدي فهم أولي حين أسمع كلمات معينة. لكن قدرتي على التفاعل مع العربية اختفت لأن رغبتي كانت شديدة للتفاهم مع أطفال آخرين، أردت أن أصبح أمريكية مثلهم وكنت أتضايق حين تنطق أمي باللغات التي وُلدتُ في جوها.  أخيراً، أعتقد أنني وجدت نفسي ضائعة في عالمي الخاص أبحث دوماً عن جذوري. وهكذا وجدت نفسي أحاول أن أبتكر حقائقي.

أإ– ما الذي قدح لديك الشرارة الأولى لكتابة قصيدة؟

أهـ: أحببت دوماً المكتبات. في أوقات فراغي (قبل الإنترنت) كنت أذهب إلى المكتبات  في معظم الأحيان وأسير في الممرات باحثة عن كتب يمكن أن تغريني. عثرت في إحدى المرات على كتاب ورقي صغير يدعى ”أركيولوجيا الروح“. أحببت الملمس المخملي لغلافه، والعنوان بالطبع.  وهكذا اشتريته من دون أن تكون لدي فكرة عن محتواه. وجدت نفسي مأخوذة بمعنى الكلمات. داخل الصفحات، اكتشفتُ ريلكه وشعر جلال الدين الرومي وبابلو نيرودا وخاصة قصيدته التي سحرتني ويقول فيها: ثدياك كافيان لقلبي وجناحاي لحريتك.  ما كان غافياً في روحك سيصعد من فمي إلى السماء…“. وهكذا بدأ ظمأي للرمزية الغنائية للكلمات التي تربط بين العوالم.  بعد بضع سنوات، سجلت في مشغل يدعى ”كيف تعيش حياة أسطورية شعرية“، وكان المدرّس هو مؤلف الكتاب الذي أثر بي كثيراً، فيل كوسينيو. كانت ضربة حظ.

٣– تنحدرين من سلالة من الشعراء في شجرة نسبك العائليةعلمتُ أن ابن عربي هو أحدهمثمة خط من الشعراء الذين كتبوا في العربية يمتد الآن إلى الإنجليزيةكيف تتواصلين في شعرك مع هذا الخط؟

أ. هـ: هذا مدهش حقاً.  حين كنتُ صغيرة لم أكن أعرف أنني أنحدر من أسماء مهمة كهذه في تاريخ الشعر والفلسفة.  كان أبواي مطلّقين حين جئت إلى هذه الدنيا. تزوجت أمي شخصاً آخر وأحضرتني إلى أمريكا في سن السادسة. التقيتُ بوالدي للمرة الأولى بعد أن بلغت الأربعين من العمر. في ذلك الوقت كان لدي ولدان وكنت منخرطة بقوة في عالم الفن والشعر. والمدهش أن ابني البكر جيم أراد أن يصبح شاعراً وفي النهاية نال شهادة الماجستير في الفلسفة.  أظن أن هذا يجري في دم العائلة. حين التقيت بأبي لأول مرة كانت تجربة سريالية. طلبتُ منه أن يحدثني عن العائلة التي لم ألتق بها أبداً فروى لي قصصاً كثيرة لكنه قدم لي في النهاية الهدية الأعظم وهي نسخة من خريطة النسب الخاصة بعائلتنا والتي حُفظت لقرون. لم أعتقد أن قائمة كهذه يمكن أن توجد ولم أكن أعرف أي شيء عن معظم الأسماء إلى أن أطلعت عليها أساتذتي الذين تعرفوا على محي الدين بن عربي وحاتم الطائي وامرئ القيس، وأسماء أخرى لم أسمع بها من قبل.        

كان هذا سحرياً بطريقة ما. للحظة تشعر أنك تائه في عالم ضائع، كاليتيم الذي لا ينتمي إلى أي مكان، إلى أي عائلة، إلى أي ثقافة أو أي وطن.  تعرف أنك مختلف، لكنك لا تفهم لماذا وكيف ومن أنت.  ثم في تلك اللحظة السحرية تعرف من كان حياً في دمك، ثم تبدأ بفهم لماذا وكيف كما لو أن السماء تنفتح وضوء السماوات يُمْطر عليك ولا تعود تشعر بأنك وحيد. تمتلك الآن إحساساً بالانتماء. تبدأ بفهم لماذا أنت مركّب هكذا، ولماذا تفكر بالطريقة التي تفكر بها.

بوسعي القول إن الاطلاع على أسلاف كهؤلاء شهادة على قوة الحياة، فحين أقرأ شعر ابن عربي يبدو متقاطعاً مع شعر كتبته عن السماء والأرض، عن النجوم والتواشج مع الكون، عن الحب والضوء وكل ما هو موجود.  والآن بعد أن عرفتُ من أين أنحدر يبدو من الطبيعي القول  إنني عثرت أخيراً على جذوري، كما لو أن الضوء ظهر في نهاية النفق كي يضيء طريقي.

أ.إكفنانة تشكيلية وشاعرة كيف تعرّفين العلاقة بين الشعر والفن؟

أ.هـ: لا أظن أن هناك حدوداً فاصلة بين الفن والشعر. إنهما توسيع لحواسنا الخمس. يسألني الناس كثيراً كيف يمكن أن يفعل الإنسان أكثر من شيء واحد، وأن يكون أكثر من شيء واحد. بالنسبة لي، سيكون من المستحيل أن أكون بخلاف ذلك. أذكر أحبَّ الفنانين إلى قلبي وذائقتي في التاريخ ليورنادو دافينشي. كان مهندساً وعالم نبات وبالمصادفة صار رساماً. كل شيء مترابط.

أ.إأحد كتبك الشعرية سيصدر بالعربية قريباًستعودين إلى لغتك الأصلية المنسية لكن عبر الترجمة، ما الذي يعنيه هذا لك؟

أ.هـ: ثمة مفارقة عذبة في هذا. بصرف النظر عن المكان الذي نذهب إليه وعن المسافة، تعلمت أننا لا نستطيع أن نهرب مما يشكلنا. طلبتُ من الكون أن يساعدني في العثور على جذوري، وها أنذا هنا، أعود إلى البدء. إن لغتي الأصلية، ثقافتي الأصلية جذبتني كما يجذب نداء حوريات البحر. ليس هناك ما هو أفضل من هذا.  

أ.إكرئيسة سابقة لمركز الشعر في شيكاغو ما الأنشطة التي قمت برعايتها، ما المميز في تلك التجربة؟

أ.هـ: كان عملي في منظمة تُعنى بفن الشعر وتروج له تجربة تكوينية بالنسبة لي. التقيت بأكثر الشعراء شهرة في العالم، وقمتُ بتسهيل ورشات الشعر واستمديت الإلهام من أفكار الآخرين وتجاربهم.

أإكراعية للفنون ما الذي يجعلك تختارين فناناً أو مصوراً لعرض أعماله؟

أ.هـ: بالنسبة لي الفن تمثيل بصري لجوهر الفنان وأفضّل أن أعمل مع فنانين يحدثون فرقاً بطريقة ما في العالم. أقدم فنانين يدعمون القضايا الإنسانية، مثل تأمين التمويل وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على محيطاتنا وبيئتنا، وفنانين يساعدون في تأمين التمويل لأبحاث الأطفال المصابين بالسرطان ورفع الوعي بالأخطار التي تهدد أنواع الحيوانات ووضعنا الإنساني.  كما قال أرسطو: ”إن هدف الفن ليس تمثيل المظهر الخارجي للأشياء بل دلالتها الباطنية“.

أ.إبرأيك ما الذي يجعل قصيدة قصيدة بالمعنى الإبداعي الحقيقي؟ وكي أوسع هذا السؤالما الذين ترينه في لوحة إبداعية؟

أ.هـ: إن قصيدة أو لوحة إبداعية يمكن أن تكون أي شيء يلامس عاطفة في قلب وذهن المرء. قد تكون بسيطة ككلمة واحدة أو ضربة ريشة. إن القصيدة قصة مقطرة في بضع كلمات بينما اللوحة تمثيل بصري لقصة. وهذا متشابه إلى حد ما. كما قال الفنان مارسيل دوشامب: ”إذا دعوتُ هذا فناً فهو فن“.

أ.إهل تؤمنين بالقوة التحويلية للفن والشعر؟ كيف يقوم الشعر أو الفن بتغييرنا من الداخل؟

أهـ ـ: نعم أؤمن بها، ذلك أنه عبر الألفيات تعلم الناس عن أنفسهم وتاريخهم عن طريق قوة الفنون البصرية، وقوة الصوت. منذ التقاليد الشفهية التي تحولت إلى كلمة مكتوبة، ومنذ رسوم الكهوف إلى النهضة وحتى الأزمنة الحديثة، بحثنا عن معنى وهدف الحياة على الأرض. من دون فن لن يكون لدينا تاريخ. وثمة حاجة لدى البشر كي يصقلوا إحساسهم بالمكان في العالم، كي يتوحدوا مع الأرض والنجوم ومعنى وجودنا. نحن كبشر مستكشفون، لا يرضينا أن نكون موجودين فحسب بل نسعى، نبحث ونوسع حدودنا كي نتغلب على مخاوفنا، كي نحقق أحلامنا، ونذهب إلى حيث قيل لنا إننا يجب ألا نذهب. إن جمال كونك إنساناً هو أن تواصل البحث، أن تسافر إلى أراض بعيدة، أحياناً جسدياً وفي الغالب من خلال أذهان وتجارب الفنانين. نحب رحلات القلب.

أ.إحين تفكرين بجذورك، من منظور شعري وفني، ما الذي يتولد في ذهنك؟

أ.هـ: أفكر بزهر البرتقال والبحار التي بزرقة الياقوت، بعطر الياسمين، وببشر يتقاسمون الطعام، بعشاق يسيرون على الشاطئ، بالهيام والقوة وبأشجار الزيتون وخطوطها على الجبال، وبأشجار التين على طول الطريق وأشجار النخيل، برائحة الخبز من التنانير في الجبال وصوت الأذان والحرارة الحارقة لصيف البحر الأبيض المتوسط، النسيم في الجبال حيث بيت عمتي بوروده التي تتسلق إلى شرفة الطابق الثاني، أفكر أيضاً بأشجار الدراق في الصيف، وبساتين الليمون والبرتقال، وبالشمس تشرق على صوت المدينة المستيقظ، وهذا محزن ومفرح في آن، ويتضمن دوماً متعة قضاء الوقت مع  العائلة والأصدقاء الذين يتقاسمون الطعام معاً. هذه هي ذكريات أرضي. 

مختارات من شعر أريكا هيلتون

اللحظة الأخّاذة

The Magical Instant

-I-

وحدثَ أن بُعثْتُ حيةً

 في تلك اللحظة الأخّاذة.

تسارعتْ دقاتُ قلبي

واخترقَ صدري حنينٌ هاجع

كنيزكٍ يندفع نحو الشمس.

وكما اشتهى بجماليون جالاتيا

جذبتْ نظرتُكَ المتوقدة النَفَس

إلى كون متعددٍ في الفضاء

وطوتْ نسيج الزمن

قبل أن يكون هناك

 أي مفهوم للسماء…

وفيما كنتَ تُسرع عائداً عبْر الألفيات

بدت عناصرك كمعادلة

كنتُ أحاول حلها،

كقداسة سيميائية، 

أشعلتْ لسانَيْ لهبٍ توأمين

يسعيان إلى مرآتهما في الضباب.

كيف حدث أن عشنا

فيما نصف حياتنا

يتدفق في اتجاه آخر؟

وأي جبالٍ من الحقيقة 

تعلو صامتة في عناقك؟

-II-

أنا مكتبةٌ تزخر بالأفكار

لكن من يكتب بالضوء

هو أنتَ.

في أحد الأيام،

 تزحلق كبير الملائكة جبريل

نازلاً على درابزين بيتي

فسألتهُ في دهشة:

 لماذا ولدتُ في عالم كهذا،

مترع بالأسى والألم واليأس البشري؟

فزمّ شفتيه

وكان جوابه الصمت

فيما بدأت الكتب تتدفق 

من فتحة في صدري

وظهرت معرفة ثرّة.

-III-

انفتح رتاجُ بوابة قديمة

 وانكشف عالمٌ جديد

ينقّب عن جذوره.

آهٍ أيها القلب،

أنشدْ لي أشعارك

عن أول صوتٍ

عن أول ضوء كشف النور

فقد أبان التأمل المزهر للسماء 

قبة متألقة كألماسة،

تنفث مزاميرها المقدسة في جلدي.

-IV-

حين أسبح في مضيق البوسفور

على أية يابسة أنزل؟

صارت ذراعاك جناحين

تطوقان تيارات المحيط. 

لكن أي نهر حملك بعيداً 

إلى ظلال نومي؟

كُنتَ الأفق الأزرق

لخيالي.

ولو كان بوسعي الرجوع،

لزحفتُ إلى صنجات قلبك

ورتّلتُ أنشودةً لمدك العالي. 

-V-

هالتُكَ الذهبية امتزجت بهالتي 

كعطر أزهار البرتقال

 الفوّاح في الربيع.

انبعث انسجامنا العميق

من أرض ولادتنا.

دمك دمي.

وقفتك الطويلة،

 تعكس ألق الوجود،

وأنا أخطو في الحياة

بين السماء والأرض

وكلي توقٌ 

لأغتسل بشعاع أنفاسك.

ملاكٌ يتحدث إلى شيطان

 Angel Speaks to a Demon

حسناً، تريدُ أن تختبرني.

تظنُّ أنني لن أقوى على الصمود،

أنك أشدّ بأساً مني،

وأنك سيّاف أمهر.

حسناً، ربما أنت كذلك

ربما ليس بإمكاني أن أستخدم نصلاً

بدقة مماثلة

أو أن أُحْدث الجرح نفسه.

 فأنت تثير خوفاً يقطع الأنفاس

في عالم أحلامي.

في صحوةٍ أريد أن أكون

وليس في نومك المرتعش

حيث أخشى فكرةَ السقوط

خارج سماء امتلائي وانعتاقي

حيث أعيش.

إذا كنت تريد دمي خذْهُ

فأنا لا أحتاجه كي يخفق قلبي

لديّ طريقة مختلفة

ليس لكَ أن تعرفها

لأنك شيطان

والشياطين تجهل هذي الأمور.

لو عرفتَ ستذهب إلى

أول طبيب وتطلب منه قائلاً:

”أيها الطبيب، هبْني وجهاً جديداً

بعينين مفتوحتين

كي أستطيع أن أرى هذه الأشياء

التي تقول بأني لا أعرفها“.

”لماذا أشربُ دمها وأبصقه

كما لو أن غضارتها مدفونة في حلم؟“

”مثل ذي اللحية الزرقاء

التهمتُ مائة زوجة

ومع ذلك لساني ما يزال جافاً

وما من دم يروي ظمأي“.

ما زال عليّ أن أكتشف معجم الضوء

أم هو الحب؟ 

”ما الحب يا طبيب؟

ما هو وجه الحب؟“

وسيُجيب الطبيب:

”أيها الشيطان،

 أستطيع أن أمنحك وجهاً جديداً

لكن لا يمكنني أن أمنحك عينين لتشعر

فأنت تلتهم ما تخافه.

إن ما يجفف لسانك

ويدفعك للجنون

ويسلبكَ روحَك

ويرميها في النسيان

هو الخوف،

فأنصت

أنصت إلى قلبها

وستلمح العديد من الوجوه

وستسمع أغنيتها الحزينة

حين يتوقف حبيبها عن العزف على نايِه

في غرفة أسرارها المخملية.

إذا اقتربتَ 

واقتربت أكثر 

يمكنك تذوق فخذيها

اللذين يقطران بلآلئ من زهر البرتقال 

على لسانك

إلى أن تُنعّم نصلك

فيغدو ريشةً من نار حرارتها المستعرة

 أشدّ من أن يحتويها عالم خوفك.

باختصار، يا صديقي الشيطان:

كفّ عن التربصّ في ظلامك 

حدّق في مرآة عينيها

ستلمح  نهراً 

يسكب ضوءاً في ذلك المكان

لا يمكن إلا لقلبٍ من ياقوت أن يحمله.

(أجرى الحوار بالإنجليزية وترجمه إلى العربية مع القصائد: أسامة إسبر)

على خط الزلازل، على خط الحروب

على خط الزلازل، على خط الحروب

حين جئْنا إلى الحياة

وُلدْنا على خط الزلازل،

وكبرنا على خطّ الحروب

ومنذ الولادة والأرضُ التي تحتنا تميدُ بنا،

والبناياتُ التي نعيش فيها تتأرجح

كأنها مبنية في الفراغ.

يأتينا الضوء بالقطّارة

والظلام كنهر أتشيرون.

دوماً نسير على حبل البهلوان

ونتعجّب كيف نتوازن طيلة الوقت فوق الهاوية

وهي تقول لنا بصوت ساخر:

أينما توجهتم فأنا تحتكم!

وحين تنشقّ الأرض غاضبةً وتبتلع كل شيء

حين يشهر التاريخ مخالبه

 ويمزّق قطعاً من الخريطة

حين تكشّر القوة عن أنيابها

وتقضمُ حديد البنايات ورؤوس البشر

تأخذ المسرحية أبعادها

في انفجارات متتالية

في تدافع جنوني

في انزلاق أبله للصخور

 في شقّ كأنه شدقُ الجحيم

في طيش في باطن الأرض

يخطر أيضاً في رؤوس بشرية

تتكسّر الأجساد فوق صفائح  الطغيان

ويحطّم الاهتزاز الأعمى جدران الأرض.

أيتها الصفائح التكتونية الكبيرة التسع

أيتها الصفائح الصغيرة الاثنتا عشرة

التي تضمنا جميعاً بذراعين صخريتين

وتتحرك بطيئة فوق وشاح الأرض

أيتها الأحجار التي تسحق رؤوساً،

أيتها الأنقاض التي تدفن أجساداً

أيتها الرصاصات والانفجارات التي تدوي

يا صنّاع الحروب والفقر

نحن هنا،

على قشرة الكوكب

نركض بين الاهتزازات هاربين

من كوى في الكتب المقدسة

من شقوق في الشعارات

من فجوات في العقائد

من ثقوب في الرايات

الأرض تغلي تحت أقدامنا

خلفنا تركض الموجة العالية

وتحتنا تتطوح الصخور

في رقصة سقوط تستمر أربعين ثانية.

ما نحتاج إليه كي ننقذ أنفسنا

ما نحتاج إليه كي ننقذ أنفسنا

(شذرات وأقوال)

-١-

من يتطوعون لإنقاذ الآخرين، ويهرعون إلى نجدة الضحايا والمحتاجين، هؤلاء هم أبطال الحياة الحقيقيون. الضوء الذي يتوهّج من أيديهم يعري رجال السياسة ورجال الدين والكذب الذي صار الروح المحركة لوجودنا. 

يندفع الأبطال وسط الأنقاض غير آبهين بالخطر كي ينقذوا حياة الآخرين لأنهم يعرفون قيمة الحياة الإنسانية، ولهذا يحق لهم أن يقودوا المجتمع لأنهم بتطوعهم يعلموننا درساً عظيماً في السياسة ألا وهو أن المهمة الإنسانية الأنبل هي إنقاذ الإنسان من كل ما يستهدف وجوده وإنسانيته، في وقت تعمل فيه كل السياسات العربية على تحويله إلى رقم خاضع ومدجن.

-٢- 

حين تنشبُ الحرائق ولا نقدر على إطفائها، حين تضربُ الزلازل ولا نقوى عن رفع أنقاضها،  حين تتمدد الحروب ولا نستطيع احتواء نتائجها، حين يُخْترق الفضاء وتُقْضم قطع من الأرض ويُعاد رسم الخريطة ولا نجرؤ على رفع رؤوسنا، ألا نستطيع التساؤل: لماذا عجزنا على امتداد أكثر من نصف قرن عن بناء مؤسسات تكون جاهزة للعمل في اللحظة التي يتعرض فيها الشعب لخطر وجودي؟

-٣-

أحزاننا تفيض كالينابيع وقلوبنا مقهورة. أعيننا تفتش الأنقاض بحثاً عن أية علامة، وآذاننا تصغي. لقد دُفنت البيوت تحت الركام، البيوت المنكوبة، البيوت المهزوزة والمردومة والتي تبدو كفلول جيش من الإسمنت محطم ومهزوم.

-٤-

تغزونا صور الأنقاض: أنقاض مدن دمرتها الانفجارات ثم جاء زلزال كي يضع ختمه على الفاجعة، لكن النبل الإنساني يتجلى في أوقات الكوارث لدى من يعرف أن الضحايا أينما سقطوا على الخريطة، وكيفما كان شكل قتلهم، هم أعضاء بُترت من جسده، وصورهم تسكن في قلبه وتظل حية فيه.

-٥-

لي أصدقاء في أنطاكيا، وفي كل المدن المنكوبة، منهم من عاش ومنهم من لا أخبار عنه. 

قال لي صديق من أنطاكيا على الهاتف: لقد متُّ وانبعثتُ إلى الحياة. وبوسعك أن تقسم حياتي الآن إلى حياة قبل الزلزال وحياة بعده.

-٦-

مات صديق لي في جبلة تحت الركام هو وزوجته، حين رُفعت أنقاض البناء الذي كان بيتهما فيه وجدهما رجال الإنقاذ متعانقين. هذا العناق، هذا الحب وسط الكارثة، زرع روحاً جديدة في حياتنا تهزم الموت، وهذا ما نحتاج إليه كي ننقذ أنفسنا.

-٧-

العنصريون ينمون كالفطر في العالم، وثمة كثيرون يمارسون العنصرية حتى دون أن يعوا ذلك في طريقة استخدامهم للغة. هناك عرب يعيشون في أمريكا أعرفهم شخصياً يطلقون على السود اسم العبيد دون خجل.  وثمة في تركيا من يحتقر الناطقين بالعربية، ووصل الأمر إلى جرائم قتل ضد السوريين، وتجاهلهم تحت الأنقاض.

في أوقات الكوارث لا تخبو نار العنصرية، ويصبح إنقاذ الآخرين من الموت معتمداً على مرتبتهم القومية. إن هذا النوع من العنصرية الذي ينتشر بيننا وبين شعوب كثيرة مجاورة دليل على أن الحجر قد يكون أفضل من الإنسان أحياناً، كما قال أبو العلاء المعري:

أفضل من أفضلهم صخرة

لا تظلم الناس ولا تكذبُ.

-٨-

إلى طفلة عُثر عليها حية تحت الأنقاض:

كان وجهكِ عينين فقط، رأيتُ بهما كيف اتخذ الموت شكل الأنقاض. 

كان الموت أيضاً أجسادنا التي تقف بعيداً وتتفرج

 غير قادرة على فعل أي شيء. 

-٩-

بعد الموت عصّة قبر، قال كثير من السوريين.

بعد الموت يعضّك القبر،

يسحق صدرك، يفتتك، يخلطك بالتراب.

إلى حياة محاصرة،

إلى حياة من الفقر والضيق والنزيف

في خريطة أدمتها الحرب والتهمت قطعاً منها

سكانها على حافة الهلاك

أتى الزلزال ليوقّع لوحة تحمل اسم:

 الموت لا يأتي بالتقسيط.

-١٠-

الذين نسُيوا تحت الأنقاض،

 جرح لن يندمل في الذاكرة، 

سينزف كلما تذكرنا ما حدث.

-١١-

رائحة الموت تفوح بين الأنقاض.

 جندريس،

 على أطلالك لا تعرف العين أين هي

أو إن كانت عمياء أم مبصرة، 

والشاشة التي تعبر فوقك ليست صهوة.

جندريس،

فوقك كان الفراغ يجهش بصوت الريح

والسماء تبكي وتذرف قطرات المطر.

-١٢-

حلب،

عمارات كثيرة مضعضعة. 

الشقوق في الجسد الإسمنتي

جراح في الأجساد

طعن في الأرواح.

المدينة مثخنة بجراح وكدمات غيرت ملامح وجهها.

 لكن لها جذوراً في القلوب لا تتوقف عن النمو.

حلب،

زائر آخر في مطلع الفجر

يُركع المدينة 

ويكسر عظماً آخر في ظهرها.

-١٣-

جبلة\اللاذقية

كان المطر غزيراً،

الظلمةُ تسيل داخلة من النوافذ المحطمة،

والبَشَرة تتجلد.

كان البحر خريطة مطفأة

والجبال تندب أشجارها.

فوق أنقاض بيوت هدمها الزلزال،

كانت الريح تخمد الأصوات

وهي تحملها بعيداً.

-١٤-

إن قدرة الدول سواء الكبرى أو الصغرى على تدمير الحياة أعلى بكثير من قدرتها على الحفاظ عليها وحمايتها. 

تمارس الدول الكبرى فحولتها باستعراض عضلاتها العسكرية من خلال صواريخها الفرط صوتية وطياراتها الشبح أو المسيرة ورجالها الآليين وقنابلها وقاذفاتها الاستراتيجية. بضغطة واحدة على الزر تتغير مصائر وتولد مراحل جديدة، وفي هذا السياق تتحول الثقافة المكتوبة والمنطوقة إلى تعليق على السياسات القاتلة التي هي توأم للزلازل.

الطبيعة تقتل من دون عقل، فيما العقلُ البشري يوظّف نفسه في خدمة القتلة. إن نظرة فتاة مأسورة بين الأنقاض تخترقنا وتصل إلى تلك النقطة من تحللنا الإنساني ككائنات للتنوير، زعمت مرة أنهم امتداد لله.

  إننا الآن صفر ممتلئ بنفسه حتى التخمة وملغم في كل أطرافه وعلى وشك الانفجار وتفجير الكوكب. 

-١٥-

ليست الزلازل من يدمّر ويقتل فحسب. إن من يمهد الطريق لفتكها الأشدّ مهندسون يمررون كرة الخديعة كي يسجلوا هدفاً في مرمى الفقراء، ومتعهدون لاعبون في فريق الخداع نفسه، وقضاة تصطبغ ثيابهم بالدم، ومحامون ينحازون إلى صف المجرمين.  

-١٦-

مدننا مصابةٌ بأمراض مزمنة، أحدها التورم الخرساني السرطاني القائم على أسس واهية، ولهذا نشعر أننا نعيش معلقين في الفراغ، ودوماً على وشك السقوط.

-١٧- 

لا توجد إنسانية صرفة تجمعنا على ما يبدو، حتى المساعدات للمنكوبين تحت راية ما يُسمى بالتدخل الإنساني يُشاع أنها تتم داخل معادلة: معي أو ضدي.

-١٨-

ينهار البناء كأن تدميره مدروس. يتقوض بعينه ضمن دائرته الهندسية كأنه اختير كي يُدمّر، ويتداعى ساقطاً لوحده على من فيه، كما لو أن الزلازل تقصف بصواريخ موجهة. هل هذه مصادفة؟ أم أن الموت ينتقي؟ أم أن العشوائية العمياء والمدمرة تأخذ أحياناً شكلاً منطقياً؟ 

-١٩-

نخسر أصدقاء مقربين وأشخاصاً لا نعرفهم، ونعلن تضامننا مع الذين علقوا تحت الأنقاض. إنهم ينتظرون تحت إسمنت وجودنا المفتت، تحت أنقاض حياتنا اليومية، عالقين هناك والأمل بأن تُفْتح فجوة ويبزغ ضوء وتعاود الحياة وصل شرايينها المقطوعة يحوم فوق المشهد كطائر مذعور.

-٢٠- 

سكنتُ في غرف وشقق في دمشق كانت كلها على القائمة السوداء للزلازل. هزة خفيفة في قشرة الأرض كانت كافية لتحويلها إلى أنقاض، فتخيلوا الأمر إذا حدثت هزة قوية. لا شك أنها ستتحول إلى ذرات لامرئية في ريح الدمار.  نعيش حياتنا دوما على شفا جرف هار، ونتوهم أننا سعداء. 

-٢١-

لا حاجة للتنبؤ بالزلازل وبوقت حدوثها وبالجدل الذي لا طائل منه. ما نحتاج إليه هو مهندسون يبتكرون حلولاً معمارية لمواجهتها وسياسيون يؤمنون بأن هدف السياسة هو خدمة الإنسان، وبأن توزيع الثروة والحياة الكريمة والمنزل الآمن والحرية والدخل الكافي وجواز السفر المحترم هي البنود الأساسية على أجندتهم الانتخابية. 

في مواجهة الزلزال: كارثة سوريا الكبرى وجهود تطوعية جبارة 

في مواجهة الزلزال: كارثة سوريا الكبرى وجهود تطوعية جبارة 

لا يدري المرء ماذا يكتب عما حلّ بسوريا فجر السادس من شباط الجاري وتالياً، بدا الأمر كمزحة سمجة في ثوانيه الأربعين الأولى، فجأة اهتزت مدن بأكملها، أبنية، منازل، حجارة، أشجار، والكثير من الأرواح.

أرواحٌ كانت حتى الأمس القريب تتحمل شظف العيش وتكابده قهراً لتذلّه قبل أن يذلّها بلقمة عيش صار الحصول عليها صعباً، مريراً، أليماً، كليماً. فصار السائر من منزله إلى الخارج بغية الحصول على مالٍ يعينه ليسد رمق أسرته كمن يسير في حقل من الأشواك البرية، حتى حقّ في السوريين جمعاً هذه المرة، ما قاله الشاعر السوداني إدريس الجماع يوماً: “إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاةٍ يومَ ريح اجمعوه.”

 وما أكثر أيام الريح على الخارطة السورية، ما أكثرها وما أعنفها وما أعتاها، ولكن من كان يتوقع أن تتآمر الطبيعة عليهم أخيراً، بعد اثني عشر عاماً من القصف والدماء والدمار، من كان يتوقع أنّ الأسوأ لم يأت بعد؟.

جاء الأسوأ حقاً حين توقفت عقارب ساعة حياة آلاف الضحايا عند الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجر السادس من شباط، من إدلب المكلومة، إلى حلب الحزينة، فاللاذقية الجريحة، وابنتها جبلة الثكلى، إلى طرطوس وحماه.

لأول مرّة في الحرب السورية يجد السوريّ حدثاً أكبر من تحزباته السياسية جعل الجميع في الموت سواسية، وأي ميتة؟، تلك الميتة التي يسمع قبلها استغاثات ضحاياها من تحت الركام.

جاءت المأساة لتقول إنّ الإنسانية حين تنبري لتدافع عن جراحها تكون أقوى من ألف منطق أوجدته الحرب وعززته وكرسته، أصوات تعالت من إدلب تسأل عن حال ضحايا الداخل السوري، وأصوات أخرى من الداخل السوري كسرت حاجز الفراق وسألت عن إخوانهم في إدلب.

بيد أنّ التضامن كان ناقصاً، فأرقام الوزارات المعنية في سوريا أشارت لعدد ضحايا الداخل فقط، وأرقام المعنيين في إدلب أشارت لضحايا الشمال السوري فقط، فبئس أيام صارت فيها سوريا داخلاً وخارجاً، قاتلاً ومقتولاً، كارهاً ومكروهاً.

الناس لبعضها

ليس من السهل الحديث عما جرى، هي أيام عصيبة على السوريين، أيام قاهرة مسكونة بآلام كبيرة، 300 ألف شخص خرجوا من منازلهم في حلب واللاذقية وجبلة وحماه، 300 ألف شخص فتحت لهم الشوارع صدرها رحباً تحت سماء معاندة شاءت أن ترسل غيومها أمطاراً وثلوجاً لتزيد معاناتهم.

ولكن السوريين رفضوا مبيت إخوانهم في العراء، فهبّوا على قلب رجل واحد يتداعون لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لإطعام المنكوبين، لتدفئتهم، لإيوائهم، من درعا إلى الحسكة، مروراً بكل محافظات البلاد.

ليس على سبيل المبالغة القول إنّ عشرات الحملات الأهلية تم تنظيمها بجهود ومبادرات فردية وجماعية من المجتمع المدني الذي أثبت نفسه كفاعل حقيقي قادر على القيام بمهامه وإن كانت تطوعية.

حملات من كل المدن جمعت ما تيسر من أدوية وطعام وأغطية وخيم وخلافه وتوجهت بها إلى المناطق المنكوبة، وفرق أخرى قوامها ممرضون وأطباء وصحيون، وفرق ساهمت ولا زالت برفع الأنقاض، كل ذلك إلى جانب عمل الهلال الأحمر السوري وبقية المنظمات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية والتي يدعمها جميعها استنفار واسع للقوات العسكرية.

إلى جانب كل ذلك استمر سيل الدعم الذي وصل ويصل تباعاً من دول عربية وغير عربية للمرة الأولى منذ بدء الحرب في سوريا، في خطوات وصفها ناشطون بـ”كسر الحصار”، ليتزامن هذا الـ “كسر” مع وسم تداوله الناشطون بكثرة يدعو لرفع العقوبات الغربية عن سوريا لتسهيل وصول المواد الأولية اللازمة للإغاثة. وعلى حد وصفهم تركيا حصلت على أضعاف ما حصلت عليه سوريا من مساعدات، رغم أنّ سوريا بطبيعة الحال تعيش حالة نكبة مستمرة منذ أكثر من عقد، حالة أدت لتخلخل ودمار البنية التحتية.

وكان قد نشر هيثم مناع الناشط والحقوقي، الرئيس السابق لهيئة التنسيق المعارضة في الخارج، بياناً من جمعيات ومنظمات مدنية وحقوقية عددها 47 طالبت جميعها برفع الحصار والعقوبات عن سوريا، وجاء في البيان: “نطالب برفع العقوبات فوراً عن سوريا والسماح بإمدادها بجميع المواد وبالوصول إليها من أجل أن لا تتحول هذه العقوبات إلى جريمة ضد الإنسانية، وتسهيل عبور قوافل المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة عبر المعابر الحدودية مع سورية، إضافة إلى السماح بجمع التبرعات المادية والعينية وإيصالها للمناطق المتضررة.”

أين المساعدات؟

اعتباراً من اليوم الثالث لما بعد الكارثة بدأت ترتفع أصوات كثيرة تسأل عن المساعدات، وهل هي فعلاً وصلت لمستحقيها؟، وإن كانت وصلت فعلام أُسر كثيرة لا زالت في الطرقات بلا مأوى أو بدون غذاء وأغطية.

وفي هذا السياق فقد انتشرت قصة “مختار قرية اسطامو” المنكوبة في ريف اللاذقية، والذي اتهم من قبل عشرات الأشخاص بسطوه على المعونات التي وصلت إلى القرية، مطالبين بمحاسبته على الفور بذريعة استغلال النكبة.

ورد المختار على الاتهامات بالقول: “استلمت من رئيس بلدية قمين ٥٠ حصة غذائية مؤلفة من معلبات اضافة الى ٥٠ بطانية و١٠ وسائد، و٣٠ حصة تفاح مغلفة، و٨ كراتين إندومي، و١٠ كراتين أقراص عجوة، و١٣ شرحة خيار وبندورة”. 

وأضاف “بحسب التعليمات فإن المساعدات مخصصة للمتضررين الذين خرجوا من منازلهم، وذوي الضحايا، لكن ما حدث هو أن الجميع كان يريد المساعدات وهذا أمر خارج عن إرادتي ولا أملك سوى تنفيذ التعليمات”.

تدخل عمرو سالم (وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك) على خط هذه القضية سريعاً مبيناً وجود مختارين في المنطقة، وكلاهما وزع تلك المعونات لأقاربهما فعلاً (غير متضررين)، مؤكداً أنّه تم حل المشكلة وإيصال المساعدات إلى مستحقيها.

قد تبدو قضية المختار ثانوية في حدث كهذا، ولكن فعلاً بدأ القلق يساور السوريين عن مصير المساعدات، خاصة أنّ الكميات التي جمعت داخلياً وخارجياً، تكفي على حد تعبيرهم- لإيواء كل متضرر بشكل تام، وقد يبدو هذا حقيقياً من حجم القوافل الداخلية والطائرات التي وصلت من الخارج.

وفي هذا الإطار يقول الصحفي بلال سليطين: “أنا أثق بـ ٩٩ بالمئة من العاملين على الأرض من جمعيات ومتطوعين في سوريا لمواجهة أضرار الزلزال ومساعدة الناس، ومن ليس له ثقة بهؤلاء هذا حقه لكن إذا كان حقاً يريد المساعدة يمكنه أن يثق بعائلته ويقدم المساعدات عن طريق أهله لكي يسلموها مباشرة للمحتاجين”.

ويشير سليطين لوجود أخطاء إلا أنّ معظمها ناتجة عن سوء التنظيم وقلة الخبرة: “لكن حجم العمل الإنساني والتعاضد واندفاع الجمعيات والمتطوعين بكبرو القلب”.

وتصف المهندسة لمياء أحمد من اللاذقية الوضع بالمأساوي والحزين وغير المقبول، وفي ذات الوقت تتهم معظم الجهات بالتقاعس.

وتشرح: “اسمحوا لي عبركم أن أوصل هذه الرسالة، ليس فقط حول إيصال المساعدات، ولكن عن الذين يلهثون لأخذها، نعم أفهم ظروف الناس الصعبة ولكن هذا ليس وقتاً مناسباً لنقاسم المنكوبين رغيف خبزهم، أقسم أنّه ثمة العشرات يصطفون على الدور ليأخذوا معونة وهم أصلاً غير متضررين أو منكوبين”.

تتابع أحمد حول مشاهداتها مؤكدةً أنّه ثمة أسر لغاية نهاية اليوم الثالث ما بعد الكارثة تنام على الأرض دون مأوى أو اهتمام، منوهةً في الوقت ذاته لضرورة الانتباه من الأفراد أو الجمعيات التي ستستغل هذا الحدث لتسوق لنفسها.

بدوره يرفض المحامي مفيد نصرة من جبلة ما ساقته المهندسة أحمد، معتبراً أنّ مدناً بأكملها منكوبة ولا يمكن استثناء أحد من حالة الجوع القائمة، وخاصةً أنّ الزلزال عززها إذ عطل الحياة والمهن واليوميات بشكل شبه تام، يقول: “المنازل التي لم تسقط على الأقل تصدعت وحال الكثير منها خطر ولجان الهندسة في حالة شبه عدم استجابة”.

ويبين نصرة أنّ لديه أخاً يعمل مياوماً وبسبب هذا الظرف هو لا يملك مالاً لإطعام أطفاله: “هذه نكبة شاملة أصابت كل العوائل رغم نسبية الأمر أحياناً”.

وفي الأثناء تداول سوريون على نطاق واسع قائمة تضم أسماء شيوخ خمسة جوامع معنية باستضافة المنكوبين متهمين إياهم بسرقة المعونات وإساءة معاملة الناس وعدم تأمين شروط تليق باستضافتهم. لم يتسن لكاتب التقرير التحقق من هذه المعلومة، التي انتشرت متزامنة مع عشرات المعلومات والبيانات والتنويهات والمنشورات التي تتهم أشخاصاً بعينهم أو بما يمثلونه من سلطة بالتقصير وسرقة المعونات.

وبحسب المحامي أحمد معروف من حلب فإنّ سرقة المعونات تندرج تحت مسمى سرقة خلال النوائب، فهي سرقة عقوبتها مشددة، حسب المادة 627 من قانون العقوبات. وقد تصل العقوبة حتى 15 سنة حبس. 

وفي هذا الإطار يتضح اتجاهان: الأول هو الدور “الجبّار” وغير المسبوق للمجتمع المدني، والثاني هو بعض ضعاف النفوس الذين استغلوا الكارثة، وعموماً هذا ليس غريباً في بلد أفرز من أمراء الحرب ما أفرزه خلال السنوات العجاف الماضية.

في الأسباب

قلّة الخبرة وضعف التنسيق أفضيا لحالة من الفوضى الشاملة في التعامل مع الحدث، وبافتراض النيّة الحسنة لجميع العاملين، إلّا أنّ هذين العاملين أديا لتشتيت الجهود باتجاهات عدة، جعلت عائلات بأسرها حتى الساعة تنتظر معونةً أو إيواءً.

وعلى الرغم من أن المئات أعلنوا فتح بيوتهم لاستقبال المنكوبين، إلّا أنّ الفوضى عينها هي ما حكمت الأمر، فقلّة أفادت قلّة، على اعتبار أنّ المعونة لم تصل بالضرورة إلى الأكثر حاجةً.

يبقى أنّ سوريا المدمّرة، المهدمة، كبُرت اليوم بأولادها، أولادها الغلابة الذين قدموا كل ما يستطيعون من تبرعات نجدةً لإخوتهم، وقد تكون الحالة الأكثر لفتاً هي تلك التي تبرعت لـ “مشروع أحمد الإنساني،” وهو مشروع طبي ناشط خلال الأزمة السورية وتطوع في عمليات الطبابة إثر الزلزال، فبحسب منشور لهم على صفحتهم الرسمية في فيس بوك، جاء إليهم رجل وتبرع بـ “جاكيت” وحيد يملكه وكان يرتديه.