من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ولعله كان شبيهاً بحكماء الهند أو الصين الذين عاشوا أفكارهم والتزموها في حياتهم.

ولد تيزيني في حمص السورية في (10/ 8/ 1934) وتلقى تعليمه الثانوي فيها ثم انتقل إلى ألمانيا، ليتابع دراسته الجامعية، فحصل على اللسانس ثم الدكتوراه في الفلسفة سنة 1973. ليعود بعدها إلى سورية، ويعمل في جامعة دمشق كأستاذ في قسم الفلسفة.

كانت أطروحته في الدكتوراه حول الفلسفة العربية في العصر الوسيط، وقد عمل على هذا المحور بعد ذلك، فقدَّم رؤية جديدة لهذا الفكر، عبر مشروع فكري يتألف من قسمين اثنين الأول خاص بقراءة التراث العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى وقتنا هذا. وقد اتسمت هذه القراءة بالطابع المادي الماركسي، معتمداً في تفسيره للحياة الاجتماعية والسياسية على عوامل مادية اقتصادية بالدرجة الأولى. وبرغم ذلك فقد تجاوز تيزيني فكرة الصراع الطبقي التي تمثِّل – في الفلسفة الماركسية – عماد أي تغيير اجتماعي، تجاوزها ليقر بإمكانية توافق الطبقات ضمن ما يسمى بالطيف المجتمعي الواسع.  

أما القسم الثاني من تلك القراءة، فقد انصب على تركيزه على عوامل النهضة وشروطها وأركانها، فشرع في كتابة مؤلفه “من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي” وكتابه “من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني”، وانخرط بشكل فعلي في التنظير لقضايا الإصلاح النهضوي العربي ابتداءً من سورية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ثمة انعطافاً آخرَ أو نقلة نوعية في فكر تيزيني خاصة بمسألة النهضة العربية، وهي مرتبطة بانفتاحه على العامل الديني، وتمثل ذلك في إشراكه بعملية الاصلاح والنهضة، وهذا التجاوز تم في المراحل الأخيرة من تجربة تيزيني الفكرية والسياسية.            

ويعبِّر كتاب تيزيني “من التراث إلى الثورة” عن قناعات تيزيني الأولى حول مسألة الانتقال الحضاري للمجتمعات، وكان العنوان ترجماناً لتلك القناعات، وبتعبير تيزيني نفسه فقد كان يؤمن بأن مسألة الانتقال من التراث إلى المعاصرة أو الحداثة ما كان له أن يتم إلا عبر فعل ثوري، يكشف عنه الصراع الطبقي، تماشياً كما قلنا مع الوعي الماركسي في حتمية الصراع القائم على تناقض الطبقات وصراعها.

 لكن ونتيجة لتطورات عظمى حدثت في العالم، كسقوط الاتحاد السوفياتي، وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أحادي مسيطر على العالم، ونتيجة لموجات ما يسمى بالربيع العربي، وأخيراً نتيجة لفشل المشاريع القومية، كان لا بد من مراجعة جوهرية في المنظومة الفكرية لدى تيزيني، والتي كانت تقيم نوعاً من التعارض بين العوامل المادية التاريخية، وبين العوامل الذاتية، وتقوم على نوع من الإقصاء للعامل الديني ولحوامله الاجتماعية، لذلك كان لا بد من إعادة النظر في هذين العاملين.

ومن هنا كان تيزيني ينتقد كل القراءات الثقافية للتراث العربي والإسلامي لأنها جميعها لم تكن إلا قراءات أحادية، تركز على عامل واحد غالباً ما يكون ذاتياً لا تاريخياً. من هنا جاءت قراءة تيزيني كرؤية تاريخية وذاتية للفكر والتراث العربي الإسلامي. وخلال ذلك انصب نقده للمركزية الأوربية، لأن الفكر العربي ـ من منظور تلك المركزية الأوربية – عاجز عن إتيان الفلسفة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، فحسب تلك المركزية وعلى لسان رينان (1823- 1892م) وهو أحد أهم ممثليها “لم تكن الفلسفة لدى الساميين غير استعارة خارجية صرفة خالية من كبير خصب، غير اقتداء بالفلسفة اليونانية” ( تيزيني، 2002، من اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسيطة، ص 11).  وقد انصبت جهود التيزيني في نقض هذه المركزية من منظار تاريخي، مثبتاً أن الفكر الإنساني جهد متصل بحلقات متصلة من أوله إلى آخره، بما في ذلك الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام وما بعده. بما ينسجم تماماً مع الفكر التاريخي الجدلي.

  وأذكر أنني كنت على موعد مع مناظرة أو مناظرات، جرت أو كانت ستجري بين تيزيني وبين محمد سعيد رمضان البوطي (1920- 2013)، وكان تيزيني وقتها يناقش قضايا التراث وبالذات النص القرآني من خارج النص، لكنه سرعان من اتخذ تكتيكاً جديداً وهو إجراء مناقشاته اللاحقة من داخل النص الديني، ولذا عمد إلى تأليف كتابه الهام جداً النص القرآني أمام إشكالية البنية و القراءة “كتعبير عن هذا التحول في الوعي التاريخي لدى تيزيني، فهو قد قرأ النص قراءة جدلية مركبة، وإن شئت فقل قراءة تاريخية. ومن شأن هذه القراءة “الإمعان في الروائز (العلاقات) التالية… بين الواقع والفكر، وبين الدال والمدلول، وبين الخفي والمعلن، وبين البنية والسياق…” (تيزيني، 1997، النص القرآني، ص 43).    

فمن جهة تم الانعطاف من الثورة إلى النهضة، لأن الوعي الثوري القائم على أساس الصراع الطبقي، لم يعد منتجاً؛ بسبب أن العلاقة  بين الطبقات في مجتمعاتنا العربية، ليست علاقة تصارع على نحو يقتضي الثورة والانقلاب، ومن جهة أخرى وبالنظر إلى الطبقة الوسطى وهي الطبقة الأوسع والأكثر انتشاراً، نجد أنها هي طبقة المؤمنين، فيكف يمكن تجاوز فعل وتأثير هذه الطبقة في أي فعل نهضوي ؟ يقول تيزيني: لا يمكن تجاوز هذا التأثير، وبالتالي فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار العامل الديني بأي مشروع نهضوي، وبنفس الوقت دون إغفال أهمية العامل المادي والتاريخي. ومن هنا فلا بد من تجاوز مسألة الثورة إلى مسألة النهضة، الأمر الذي يقتضي هذا التغيير الجوهري في المشروع النهضوي لدى تيزيني.

إذاً لم تعد الثورة القائمة على أساس الصراع الطبقي هي المبتغى، بل حلت النهضة محلها، وهذا لا يعني أن تيزيني لم يعد مفكراً ثورياً، لا أبداً، بل أصبحت الثورة لا تعني لديه فعلاً انقلابياً يحدث في ليلة وضحاها، بل هي لديه لقاء بين الجميع، وحوار بين الجميع من دون استثناء، من أقصى اليمين القومي والديني المتشدد، إلى أقصى اليسار الاشتراكي والليبرالي المتشدد هو الآخر. لقاء يجمع الكل من أجل إحداث تغيير نهضوي شامل.      

لم يكن تيزيني مفكراً تنظيرياً وحسب، بل كانت حياته تمثيلاً لأفكاره، فكان ينتمي للطبقة المتوسطة، وحسبي أنه عاش فقيراً، لم يكن يجد دوماً ما يلبي احتياجاته اليومية، كم كان شبيهاً بسقراط (469- 399 ق.م) وديوجين (412- 323 ق.م)، اللذين عاشا على هامش الحياة الفارهة. ومن جانب آخر نجده قد انخرط بالعمل السياسي تنظيراً وتنظيماً، وقد برز دوره السياسي في أوجه بعد بدء الاحتجاجات في سورية منذ 2011. فلم يتمترس خلف هذا الفريق أو ذاك، لكنه لم يكن محايداً حياداً سلبياً، ولا معارضاً معارضة تقليدية، ولا موالياً لنظام سياسي أو لحزب سياسي، بل كان ولاؤه وطنياً بامتياز، فاشتغل على مسألة معارضة استخدام العنف والعنف المضاد، ومارس تحريماً إنسانياً مقدساً، وهو تحريم الدم السوري، ورفض مغادرة البلاد، ورفض كل الإغراءات التي قُدمت له في الداخل والخارج؛ ليقدِّم تنازلاً في مواقفه لصالح هذا الفريق أو ذاك، واشترك في المؤتمر الوطني للحوار، كان بمقدوره بكلمة منه أن يركب السيارات الفارهة وينزل بأفخم الفنادق، ويملك القصور والوكالات كما فعل كثيرون غيره،  لكنه لم يفعل، وكان همه ينصب على إيقاف سيل الدماء، ووحدة الصف الوطني، وإعلاء شأن الإنسان وكرامته دونما أي تمييز أو عنصرية، لكن مرضه منعه من متابعة نشاطه الفلسفي والسياسي المنوط به، فانتهى به الأمر إلى أن فارقت روحه جسده في مسقط رأسه بحمص في (18/5/ 2019).

لقد مثَّل تيزيني فعلاً انعطافاً في المشهد السوري، من حيث الفكر ومن حيث الواقع، ففلسفياً استطاع أن يكشف عن الآليات التي تحكم الفكر والمجتمعات منطلقاً في تشخيصه من الوضعيات الاجتماعية المشخصة، ضمن ضوابط جدلية، تجمع بين المادي والمثالي، وبين الإيماني والإلحادي، بين التاريخي والذاتي، وبين الداخلي والخارجي… أما من حيث الواقع فقد كان فيلسوفاً واقعياً وعملياً بدأ بتشخيص الواقع تشخيصاً علمياً، وعمل على معالجة مشاكله أو الإسهام في ذلك، دون أن يتمترس خلف نظريات دوغمائية، أو أحزاب سياسية تليدة، تعوق الفكر وتقف حجر عثرة في طريق الثورة والنهضة.        

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة الصوت بشكلٍ يبرز جماليته وبريقه وقدراته التعبيرية، فهو الذي لحن مختلف الأنواع والقوالب الغنائية كالموشح والقصيدة الكلاسيكية والطقطوقة، إلى جانب الأغنية الشعبية المعاصرة أو المستوحاة من الفلكلور، مساهماً، بموهبته واسعة الأفق، في تطوير وعصرنة القوالب الغنائية التقليدية، دون أن يتأثر بحالة التغريب التي تأثر بها كثير من الملحينين العرب، الذين أدخلوا الأنماط والإيقاعات الغربية إلى الموسيقى العربية، فطوال مسيرته الفنية حافظت ألحانه على طابعها الأصيل الذي يحمل صبغة طربية وروحانية متفردة، تنهل من كنوز المقامات والإيقاعات العربية، كما تميزت ألحانه برشاقتها وبلغتها التعبيرية الرصينة، وجُملها اللحنية المكثفة والمبتكرة، والتي منحتها قدرة فريدة على التأثير في نفوس المستمعين مهما تعاقبت عليها السنين.

ولد المُلحن محمد محسن (اسمه الحقيقي: محمد الناشف) في حي قصر حجاج في دمشق عام  1922. درس الابتدائية في مدرسة صلاح الدين الأيوبي، والإعدادية في مدرسة التجهيز الثانية. بدأ عشقه وشغفه بالموسيقى منذ طفولته، فكان يحفظ الكثير من الأغاني التي ساهمت في تطوير موهبته في الغناء. وخلال دراسته الإعدادية بدأ تعلم الموسيقى وعزف العود على يد الفنان صبحي سعيد الذي كان يمتلك مكتباً لتعليم الموسيقى في سوق الخجا القديم. ولأن عائلته كانت ترفض أن يمتهن أبناؤها العمل الفني، اضطر لترك بيته عدة مراتٍ والإقامة في الفنادق والعمل في أعمالٍ مختلفة ليتمكن من تأمين مصروفه الشخصي ودفع أجور دروس الموسيقى، وللسبب ذاته غيّر اسمه من محمد الناشف إلى محمد محسن عندما بدأ الغناء في الإذاعة كي لا تتعرف عائلته عليه.

بدأ مسيرته الفنية كمغني، حيث لحن له أستاذه صبحي سعيد أولى أغنياته وهي : “أحلى يوم” ، ومع افتتاح إذاعة دمشق بداية الأربعينيات إنضم  إليها ليعمل فيها، بدايةً، كمغني ضمن كورس الإذاعة، ثم كمطرب يقدم الغناء الإفرادي في حفلاتٍ إذاعية تُبثُّ على الهواء مباشرة، حيث غنى حينها الكثير من الأغاني الطربية القديمة، وعدداً من الأغاني التي لحَّنها له الملحن مصطفى هلال ومن بينها: أغنية “لقاء” و “أين كأسي” . وقد لحَّن محسن لنفسه في تلك المرحلة عدداً من الأغاني ومنها : “يم العيون كحيلة”، ” الليلة سهرتنا حلوة الليلة”، والتي غناها من بعده بعض المطربين مثل نجاح سلام. 

في عام 1945 سافر محسن إلى القدس وعمل في إذاعتها مطرباً وملحناً، وقد خصصت له الإذاعة أربع حفلاتٍ غنائية شهرياً. وخلال إقامته في القدس، التي استمرت لثلاث سنوات، تعرف على الموسيقي الفلسطيني الكبير حنا الخل وتعلم منه بعض دروس العلوم الموسيقية والتدوين الموسيقي، التي أَغنت قدراته وثقافته في مجال التلحين، وقد لحَّن في تلك الفترة للمطرب الأردني سعيد العاص ولعدد من المطربين الفلسطينيين مثل: ماري عكاوي، محمد غازي وفهد نجار. وفي عام 1948، ومع وقوع نكبة فلسطين وتوقف إذاعة القدس عن البث، عاد محسن إلى دمشق ليعمل في إذاعتها مجدداً ويبدأ مرحلة جديدة في مسيرته الفنية، حيث لحَّن حينها لعدد كبير من المطربين، مثل: ماري جبران، سعاد محمد، وناديا وغيرهم. انتقل بعد ذلك في بداية الخمسينيات إلى إذاعة الشرق الأدنى في قبرص وعمل فيها لمدة عامين، مراقباً للموسيقى والأغاني، إلى جانب تلحين الكثير من الأعمال لعدد من المغنيين والمطربين العرب، ثم تنقل بعدها بين لبنان ومصر وسوريا وعدد من بلدان الوطن العربي، ليتعامل مع كبار المغنين وعمالقة الطرب. 

غنى محمد محسن من ألحانه أكثر من عشرين أغنية، قبل أن يترك الغناء في بداية الخمسينيات ليتفرغ للتلحين بشكل كامل، حيث لحَّن لأهم وأشهر المطربين السوريين خلال مراحل مختلفة ليساهم في صناعة شهرتهم، من جهة، وفي تطوير الأغنية السورية، من جهة أخرى، ومن أبرز ما لحَّنه: قصيدة بالله يا دار، عيون المها بين الرصافة والجسر و ألا أيها البيت الذي لا أزوره للمطربة الحلبية الكبيرة مها الجابري، وموشح قد بارك الكون أسباب الهوى، وقصيدة في خاطري في القلب في خلدي  للفنان صباح فخري. و اسكتش الوفاء / هيا يا ربعي هيا (بالتعاون مع إذاعة الرياض) وأغنية سرى الليل يا ساري  و إنتي وبس  للمطرب فهد بلان، وأغنية هيفا يا هيفا و  هن.. هن للمطرب موفق بهجت، هذا إلى جانب ما لحَّنه للمطربة الكبيرة فايزة أحمد وماري جبران والمطرب رفيق شكري وياسين محمود وفتى دمشق.

بصمة فنية عربية  

يُعد المُلحنان محمد محسن ومحمد عبد الوهاب، الوحيدان اللذان لحنا للسيدة فيروز من خارج لبنان. ففي مطلع السبعينيات التقى محسن بالأخوين رحباني فعرضا عليه تلحين قصيدة سيد الهوى قمري  من كلمات الشاعر الأخطل الصغير، وقد لحَّنها محسن وفق قالب الموشح وبطريقة طربية ساحرة وشاعرية، جعلتها من روائع أغاني فيروز الخالدة. وفي نهاية التسعينيات أرادت فيروز أن تجدد تعاونها مع محسن فاتصلت به ليسافر إليها من دمشق إلى بيروت، وقد أثمر اللقاء عن تلحين  أربع قصائد  من روائع الشعر العربي، صدرت ضمن ألبوم “مش كاين هيك تكون” ، وهي: جاءت معذبتي للشاعر لسان الدين بن الخطيب، لو تعلمين بما أجن من الهوى للشاعر جميل بثينة،   أُحب من الأسماء  للشاعر قيس بن الملوَّح، وقصيدة ولي فؤادٌ إذا طال العذاب به للشاعر البحتري. وقد شكلت تلك الألحان نمطاً غنائياً طربياً ذو طابعٍ حداثوي، يختلف عن الأُطر التقليدية في تلحين القصيدة الكلاسيكية، مع حفاظه على روح المقامات والإيقاعات الشرقية.  

وإلى جانب السيدة فيروز لَحَّن محسن للمطربة اللبنانية الكبيرة نور الهدى عدداً من الأعمال الغنائية المميزة ومنها : موشح  أطرَب على نغمة المثاني وقصيدة  يا من لديك الجمال ، أنحلتني بالهجر ما أظلمك ، حبيبي في الهوى ، وأغنية حليوة حليوة . كما لَحَّن للفنان وديع الصافي: أغنية النجمات صاروا يسألوا ،  أنت القلب ،  ما أطولك يا ليل ، إنت الحبيب ، عندي جارة يا لطيف ، قطيعة يا رفيقنا، عيونها الكحلى  وغيرها.  ومن أبرز ما لحَّنه  للفنان نصري شمس الدين: أغنية ما أصعبك عالقلب يا يوم السفر ، وللفنانة  صباح : أغنية  سلم سلم ع الحبايب، رجَّال أحلى من المال، ما حبيتك لا لا ، طق ودوب ،  يما في شب بهالحي ، وأغنية لله يا عاشقين من فيلم شارع الضباب.

ومن بين ما لَحَّنه لبعض المطربين اللبنانيين أيضاً: أغنية الليلة سهرتنا حلوة الليلة و قصيدة هذه دنانير للفنانة نجاح سلام. أغنية يا حلو تحت التوتة  و ولو يا أسمر ولو للمطربة نازك. أغنية حل عنا حل  للمطربة شيراز، وأغنية شوي شوي للمطربة نورهان، هذا إلى جانب الألحان التي قدمها للمطربة سميرة توفيق وطروب و فدوى عبيد والمطرب عبدو ياغي وغيرهم.

وخلال زياراته المتكررة لمصر في مرحلة  الستينيات والسبعينيات، تعاون محسن مع إذاعة القاهرة ، وقدم عشرات  الألحان لكثير من المطربين المصريين، مثل: نجاة الصغيرة، شادية، عفاف راضي، محمد عبد المطلب، محمد قنديل، محرم فؤاد، محمد رشدي، شريفة فاضل، عبد الغني السيد، إسماعيل شبانه وغيرهم. ومن أشهر تلك الألحان: أغنية أبحث عن سمراء للمطرب محرم فؤاد، التي حققت له شهرة واسعة في الوطن العربي، وأغنية يا ماشي على درب الحلوين للثلاثي المرح.

ويعتبر محسن من الملحنين العرب القلائل الذين لحنوا اللون الخليجي من خارج منطقة الخليج، حيث لحَّن الكثير من الأعمال الغنائية لصالح إذاعة الرياض خلال زياراته المتكررة للملكة العربية السعودية نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وتعاون مع أهم وأشهر مطربي المملكة. ومن أبرز ما لحَّنه للفنان محمد عبدو في  بداياته الفنية  : الأغنية الشهيرة والمميزة خاصمت عيني من سنين  التي حققت له شهرة واسعة وشكلت منعطفاً فنياً هاماً في مسيرته الفنية، وأغنية حبيبي مرني بجدة التي تعتبر أيضاً واحدة من أجمل وأشهر أغانيه. وما زال عبدو يشدو بتلك الأغنيتين في حفلاته حتى يومنا هذا.  كما لحَّن له أيضاً قصيدة أعطني قلبي  وأغنية وضحى الحزينة . وإلى جانب محمد عبدو لحَّن محسن للفنان طلال مداح أغنيتين من ألبوم “يا مسافر”، وأغنية بيني وبينكم إيه من فيلم شارع الضباب.

مكتشف المواهب وصانع النجوم

لم ينحصر دور محمد محسن في التلحين لكبار الفنانين العرب، بل ساهم في اكتشاف موهبة بعضهم وتقديمهم للجمهور وصناعة شهرتهم التي جعلتهم نجوماً فيما بعد، ومن بينهم المطربة فايزة أحمد ووردة الجزائرية وسعاد محمد.

في نهاية الأربعينيات التقى محسن بالمطربة سعاد محمد في بداياتها الفنية، فكانت أولى ألحانه لها: أغنية دمعة على خد الزمن ، ثم تبعها عدد من الأغاني، ومنها:  وين يا زمان الوفا ، غريبة والزمن قاسي ، يلي كلامك زي السكر ، يسعد صباحك يا روحي ، والقصيدة الوطنية الشهيرة جلونا الفاتحين  التي قدمتها خلال احتفال رسمي بمناسبة عيد الجلاء، وهي من شعر بدوي الجبل. وتُعد بداية الشهرة الحقيقية للفنانة سعاد محمد بعد غنائها للأغنية الخالدة  مظلومة يا ناس مظلومة  التي لحَّنها محسن بعبقرية فنية فريدة وبتنوع مقامي غني وساحر، عَبَّرَ بشكلٍ تصويريٍ بليغ عن كلمات الأغنية الوجدانية، التي كانت لسان حال الكثير من النساء العربيات، وأظهر جماليات وسحر صوت الفنانة محمد، لتحقق لها  تلك الأغنية نقلة فنية نوعية ونقطة تحول بارزة في مسيرتها الفنية، حيث بيعت الملايين من أسطواناتها وكَتب عنها الكثير من الباحثين الموسيقيين والنقاد والمهتميين بالشأن الموسيقي، وأصبحت حينها تذاع في معظم الإذاعات العربية.

وفي بداية الخمسينيات وعندما قدمت المطربة فايزة أحمد من حلب للغناء في دمشق كان محسن من أوائل الملحنين الذين التقوا بها، وعندما استمع إليها وهي تغني لأم كلثوم وأسمهان وليلى مراد، أُعجب بجمال وعذوبة صوتها، ولحَّن لها عدداً من الأغاني، التي أظهرت قدراتها الصوتية وأبرزت شخصيتها الغنائية الخاصة وقدمتها للجمهور بطريقة فنية مميزة، ومنها: أغنية درب الهوى، ليش دخلك ما إجا منك خبر ، ما في حدا يا ليل ، يا بيت الأحباب  والأغنية الدينية يا رب صلي على النبي ، وقد ساهمت تلك الأغاني في صناعة شهرة الفنانة أحمد وكانت بمثابة بوابة عبورها إلى القاهرة التي أصبحت مقر إقامتها شبه الدائمة، لتصبح من عمالقة الفن والغناء العربي فيما بعد. وبعد انتقالها إلى مصر لَحَّن لها محسن الأغنية الشهيرة شفتك حبيتك يا سمارة .

وقبل أن يُلحن لها الموسيقار بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من عمالقة الفن، التقت المطربة وردة الجزائرية عند قدومها من باريس إلى بيروت منتصف الخمسينيات بالملحن محمد محسن الذي اكتشف موهبتها الغنائية الفريدة وكان أول من لحَّن لها أولى أغنياتها الخاصة، وهي أغنية دق الحبيب دقة ، ثم لحَّن لها عدداً من الأغاني التي وضعتها في بداية طريق الشهرة، ومنها: أغنية  يا أغلى الحبايب ، على بعدك فاتت ليلة ، وفر مراسيلك ، على باب الهوى ،  قالولي ظالم، تلتها الأغنية الوطنية الشهيرة أنا من الجزائر أنا عربية  التي غنتها خلال ثورة الجزائر عام 1960، والتي شكلت الإنطلاقة الأبرز والأهم في مشوارها الفني في تلك المرحلة وأكسبتها مزيداً من الشهرة والنجاح، بعد أن بثتها معظم الإذاعات العربية ليصل صوتها إلى شريحة واسعة من الجمهور العربي. وكان آخر ما لحنه محسن لوردة في السبعينيات : أغنية ولو .. لا طلة ولا زيارة  ، مش قادرة على قلبي ، والأغنية الأكثر شهرة  روَّح يا هوى.

في الدراما والسينما

يُعد محمد محسن من أوائل الموسيقيين السوريين الذين عملوا في مجال الدراما والسينما من خلال تأليف الموسيقى التصويرية وتلحين الأغاني لكثير من المسلسلات والأفلام، ومن أشهر ما قدمه :

– تلحين عدد من أغاني مسلسل الحلاق والكنز ، عام 1973 ، والتي غنتها المطربة اللبنانية طروب، بطلة المسلسل، ومن بينها : أغنية  يا فرحة لاقينا ، طبيب الهوى نصحني ، على شط الهوى يا حبيبي ، هدية حلوة كتير

– تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسسل فارس ونجود  عام 1974 وتلحين أغنياته، التي كتبها الشاعر موفق شيخ الأرض وغنتها المطربة سميرة توفيق، بطلة الفيلم، ونذكر منها : أغنية  يما أنا ما أدري ، ما أحلا صباح البادية ، ولد العم يا ولد العم ، شاردة أنا وقلبي ، لولا الأمل و يا عين خبي الدمع .

– في العام 1974 لحَّن محسن (إلى جانب الموسيقار بليغ حمدي وعدنان أبو الشامات وعزيز غنام وغيرهم) عدداً من قصائد وموشحات مسلسل الوادي الكبير، ومن بين ما لحَّنه : خيالكِ في الفؤاد وفي العيون ، كم مُغرمٍ ، أليس من البلية أن أراني ، جلَّ الرحمن وما صَوَّر ، أٌقلِّبُ طَرّفي في السماء ، في خاطري في القلب في خلدي ، تُساؤل  ، طاف الهوى بعباد الله . وقد غناها المطرب صباح فخري. هذا إلى جانب موشح هلموا خلف شادينا ، وقصيدة حيي الوجوه الملاح وهما من غناء المطرب اللبناني عبدو ياغي.

– تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل سمرا عام 1977وتلحين معظم أغاني المسلسل ( بعض الأغاني كانت من تلحين الملحن إلياس الرحباني ورفيق حبيقة) التي كتب كلماتها الشاعر حسين حمزة  وغنتها المطربة سميرة توفيق التي لعبت دور البطولة في المسلسل، ومن بين الأغاني  التي لحَّنها محسن : أغنية  ديرة هلي ، أداري والزمن داري ،  توبة يا ليل ، يا هوى العشاق ، سهرانة  و غربة وغربوني

– تأليف الموسيقى التصويرية لمسلسل عليا وعصام وتلحين أغاني المسلسل التي غنتها الممثلة فدوى عبيد.

– تلحين الكثير من أغاني الأفلام مثل: أغنية عيد الميلاد من فيلم فندق السعادة، وقد غنتها الفنانة شمس البارودي، وعدد من أغاني فيلم حبيبة الكل ،  شارع الضباب ، أين حبي ، وفيلم عتاب، وغيرها من الأفلام.  

توفي محمد محسن في عام 2007 عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاماً، تاركاً لنا مئات الألحان الخالدة التي أَثرَت وأغنت مكتبة الموسيقى العربية، ونقشت اسمه بحروفٍ من ذهب إلى جانب عمالقة الفن في سجل الخالدين. تلك الألحان كانت، طوال فترة إعداد هذه المادة، تشاركني معظم تفاصيلي اليومية، أسمعها طوال الوقت، وأبحث عنها بلهفة وشغف، ومع كل اكتشافٍ للحنٍ جديد كنت أشعر وكأنني عثرت على كنز فأتوقف عن البحث والكتابة لأسمعه مرة ومرتين أو أكثر، وأنا في حالة من المتعة والسعادة البالغة، المصحوبة بالكثير من الشكر والامتنان للملحن العظيم محمد محسن الذي كان وسيبقى يُذكرنا بالوجه الجميل والمبدع لسوريا.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ”ألواح أوغاريت”، يرمز إلى “بلاد كنعان” أو “فينيقيا” تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من خراب لا بدّ من أن تُعيد خلق نفسها من جديد، وكأنَّ صيرورتها لن تكتمل إلا إذا انبثقت من ظلام العدم لتتجلّى في ضوء الوجود، إذ ليس مُستبعداً أن تظهر حضارة وتتدهور، ولا أن يظهر إنسان للوجود ثُمَّ يَفنى؛ لكن المُستبَعدَ أو على الأقلّ غيرَ المرجَّح أن ترجعَ حضارةٌ عظيمةٌ بائدةٌ أو أن يعود إنسانٌ إلى الحياة بعد زواله؛ لكنَّ هذا الرجوعَ أو العَوْدَ قارٌّ في أعماق الذّهنيّة الكنعانيّةِ أو الفينيقيّة القديمة. ولقد عبّرَ زينون الرواقيّ (335-264 ق.م)-المعروف عند اليونانيين في عصره بالفينيقيّ نسبةً إلى بلاده الأصليّة فينيقيا-عن دورة البَعْل تعبيراً فلسفيّاً صادماً حينما تكلّم على ما أسماه “السَّنة الكُبرى للصيرورة” حين تقوم النَّار المركزيّة التي هي علّة العالم بالحكم على موجوداته وتدميرها بعد أن تكون هذه الموجودات قد استغرقت أزمنتها؛ لكنّ هذه النّار سَرْعان ما تُعيد تكوين العالم من جديد، وتستمرُّ هذه الجدليّةُ الوجوديّةُ العظمى من التدميرِ والتَّكوين إلى ما لا نهاية له!

  وها هو أنطون سعادة حينما واجه بصدره العاري أول رصاصةٍ من رشقات بنادق قاتليه كانَ دَمُهُ يكتبُ “تحيا سوريا” مثلما كانَ دمُ الحلّاج النَّازف–وهو معلّقٌ على صليبه يرتسِمُ ليكتُبَ كلمة: “الله”. ولئن كان الفرق بين دم الحلّاج ودم سعادة أنَّ دمَ الأوَّلِ يصَّاعدُ نحو السَّماء ودمَ الثاني يغورُ في الأرض، فإنَّ الدّمَ من أجل السَّماء ينزعُ من الإنسانِ الجسدَ-الأرضَ، أمّا الدّم من أجل الأرض فهو بذرة لإعادة بعثِ مجدها الضَّائع-التَّلِيد.

لقد كانَ دمُ سعادة هذه البذرة نفسَها، وتكاد تكون من عجائب اللغات أنَّ كلمة “دَمٍ” العربيّة موجودة في اللغة الكنعانيّة-الفينيقيّة، وتُنطق وفق رسمها بالإنكليزيّة DM؛ لكنها لا تعني-كما هو الحال في العربيّة- السَّائل الأحمر الذي يجري في العُروق والشرايين، بل تعني في الفينيقيّة الموجود الإنسانيّ HUMAN BEING؛ وليس هذا فحسب بل تعني كلمة “دمت DMT ” الفينيقية المشتقة من كلمة دم DM نفسِها الأرض LAND [1].

لقد نزف سعادة دمه ليستحيل إلى إنسانٍ وأرض، أو بالأحرى ليُصبح إنساناً يحيا في أرضه التي تحيا به؛ لكنَّ هذا الإنسان الذي هو بالكنعانيّة-الفينيقيّة “دم DM” سرقه العبرانيون وحوّلوه إلى آدَم אדם =Adam، وسلبوا هذه الأرض “دمت DMT” وحوّلوها إلى “أَدَمَا אדמה =Adamah. هذا، ونجد في اللغة العربيّة كلمة آدم بمعنى الإنسان والأدَمة بمعنى الأرض، لكنَّ الفرق بين العبريّة والعربيّة هنا أنَّ الأولى قامت على انتحال اللغة الكنعانيّة –الفينيقيّة وسرقتها، أما الثانية فهي التطور الطبيعيّ-التاريخيّ لها.

جاء موقف سعادة حاسماً ونهائيّاً، فهو حينما نادى بإحياء سوريا الطبيعيّة أراد إحياء حضارة عظيمة مغمورة أو بالأحرى مطموسة تآمر عليها أعداؤها، وهذه الحضارة وفقاً لرأيه لا بدّ أن تكونُ نواتها بلاد كنعان، وهو يُعنى بمن يُسمِّيهم “السوريين الكنعانيين” الذين هم–في رأيه-أول أُناس في العالم اعتنقوا “ديناً اجتماعيّاً خصوصيّاً” أفضى إلى تحقيق “الوجدان القوميّ” الذي يقف تاريخيّاً وراء “الرابطة القوميّة المؤسَّسة على فكرة الوطن”.

قال: “إنَّ الكنعانيين من بين جميع شعوب التّاريخ القديم، كانوا أول شعب تمشّى على قاعدة محبة الوطن والارتباط الاجتماعيّ وفاقاً للوجدان القوميّ، للشُّعور بوحدة الحياة ووحدة المصير(…)[2]

والحقيقة أنه يجب الانتباه في هذا المقام إلى قضيّة جوهريّة لا بدّ من إيضاحها على نحو دقيق وهي أنَّ سعادة لم يكن مفكِّراً محدود الآفاق ليُحيي الكنعانيين من أجل أن ينكص بالتعويلِ عليهم إلى نزعة عرقيّة مغلقة تتسبب في عزل سوريا الطبيعيّة عن امتداها في العالم العربيّ؛ بل على العكس من ذلك تماماً.

قال: “إنَّ المحافظة على الرباط الوطنيّ القوميّ عند الفينيقيين ظلَّ ملازماً لهم في انتشارهم في طول البحر السوريّ وعرضه وفي المستعمرات والإمبراطوريّات التي أنشأوها (…) ومع أنَّ الفينيقيين (الكنعانيين) أنشأوا الإمبراطوريّة البحريّة، فإنَّ انتشارهم كان انتشاراً قوميّاً بإنشاء جاليات استعمارية تظلّ مرتبطة بالأرض الأم وتتضامن معها في السَّراء والضَّراء. كان انتشارهم انتشار قوم أكثر منه اتّساع دولة. وإنَّ هذا الانتشار مع بقاء الاشتراك في الحياة بالروابط الوطنيّة والدّمويّة والاجتماعيّة كان الظَّاهرة القوميّة الأولى في العالم التي إليها يعودُ الفضل في نشر المدنيّة في البحر السوريّ والتي خبَتْ نارُها من قبل أن تكتمل بما هَبَّ عليها من حملات البرابرة الإغريق والرومان.[3]

يحتاج كلام سعادة هنا إلى استقصاء معمّق لإزالة أيّ التباس في الفهم، ويمكن لنا هنا أن نؤكّد من دون مواربة أنَّ الكنعانيين عرب أقحاح وهذا أمر غير قابل للمساومة ولا المزاودة؛ لأنَّ محكّ أصل الشعوب تكشفه اللغة، والعلاقة بين أبجديّة أوغاريت واللغة العربيّة أظهر وأشهر من إقامة الدليل عليها، دعْ أنَّ تحدّر العربيّة من الأوغاريتيّة معروف ومشهور لعلماء اللغة ولا يحتاج إلى زيادة بيان. أضفْ إلى ذلك أنَّ انتشار الكنعانيين كان ابتِدَاؤه من المملكة-الأم أوغاريت التي توجد أطلالها الآن في كلّ من رأس شمرا ورأس ابن هاني في منطقٍة على ساحل البحر شمال مدينة اللاذقية تبعد عنها 12 كم. وتؤكد الدراسات الأركيولوجيّة أنَّ الإنسان السوريّ استوطن منطقة أوغاريت منذ الألف السابع قبل الميلاد واستمرت هذه المدينة بصفتها حاضرة زاهرة إلى أن دمرتها شعوب البحر نحو عام 1177 ق.م. لكن لم ينته الوجود الكنعانيّ-الفينيقيّ بل بقي موجوداً وممتداً جغرافيّاً من منطقة لواء إسكندرون في الشمال إلى غزَّة في الجنوب. زدْ على ذلك انتشار الكنعانيين في قبرص والخليج العربيّ وسواحل المغرب العربي وصولاً إلى قرطاج وقادش في إسبانيا وغير ذلك كثير. وهذا الكلام تؤيده الأدلة الآثاريّة على نحو لا يترك مجالاً للشك، فإذا كانت لغة الكنعانيين وجغرافيتهم تتساوقان مع لغة العرب وجغرافيتهم، فألا يُعدُّ هذا الأمر دليلاً قاطعاً على أنَّ إحياء سعادة لسوريا الطبيعيّة يقصد به عُمقيّاً إحياء حضارة عربيّة قديمة مطموسة. ولا يقصد به أيّ نزعة عرقيّة فينيقيّة مغلقة تقتطع أجزاءً من ساحل سوريا الطبيعيّة بدعوى أنّه فينيقيّ وتفصله عن امتداده الطبيعيّ. لم يكن سعادة من دعاة نزعة فينيقيّة مغلقة ولم يكن يفكِّر بها على الإطلاق، وهذا كلام يجب أن يُقال للإنصاف التأريخيّ. غير أنَّ الإنصاف أيضاً يقتضي القول: إنَّ سعادة كان في أعماقه عاشقاً لسوريا بالدرجة الأولى لأنه يجد فيها المخرج من أزمة سياسيّة كبرى كانت تعصف بالأمة العربيّة فهو يعطي الأولويّة للقوميّة السوريّة دون أن ينكر أبعادها الحضاريّة؛ لكن الشعور القوميّ–في رأيه-يتصل بحنين عميق إلى الأرض التي نشأ فيها الإنسان، فمهما كان المرء ذا رغبة عارمة في تكوين قوميّة مترامية الأطراف، فإنه بوصفه كائناً عاطفيّاً مكوّناً من لحم وعظم لن يشعر بالحنين إلى أي مكان أكثر من المكان الذي ولد وعاش به ودُفِن فيه أسلافه وسيظهر عليه أبناؤه.

قال: “إنَّ الوطنَ وبرّيته، حيثُ فتحَ المرءُ عينيه للنّور وورث مِزَاجَ الطبيعةِ وتعلّقت حياته بأسبابها، هما أقوى عناصر هذه الظَّاهرة النفسيّة الاجتماعيّة التي هي القوميّة.[4]”   

    لكنَّ هذه البريّة الكنعانيّة التي سُلبت من أهلها الأصليين خرجَ منها “صوتُ صارخٍ في البريّة”؛ لكنَّ هذا الصوت لم يصدح لهداية “الخراف الضَّالة من بني إسرائيل”؛ بل لطردهم من برّيّة بلاد كنعان.

قال: “اليهود قبائل متعدِّدة هاجمت سورية الجنوبية، واحتلت بعضها بعد حروب طويلة مع سكانها الكنعانيين، وقد بقي اليهود لانكماشهم على ذاتهم، خارج التفاعل الاجتماعي المولِّد للأمة السورية، شأنهم في كل مجتمع نزلوه، وقد قهرهم السوريون وطردوهم من البلاد فلذلك لا يمكن اعتبارهم أحد أصول الأمة السورية.[5]

  غير أنّه لا بدّ من الذهاب إلى أبعد في تحليل حقيقة الوجود اليهودي في بلاد كنعان، فهذا الوجود هو في حقيقته وجود روائيّ، أي وجود قائم على روايات تاريخيّة اختلقها اليهود أنفسهم، فهم شعب من دون جذور وحتى أسفار التوراة التي يُعوِّلون عليها في إثبات وجودهم التاريخي أدّى اكتشاف ألواح أوغاريت إلى إلغائها بصفتها وثيقة تاريخيّة، ولم يعد الباحثون الغربيون الموضوعيون في الدراسات الكتابيّة يُعوِّلون عليها، فكأنَّ أرض كنعان أخرجت من أعماقها ما يَكْلِمُ الكينونة اليهوديّة لينجلي زيفُها.

لقد بدأ الباحثون الغربيون يتّجهون الآن اتّجاهاً عظيماً قد يؤدي إلى تقويض أساطير اليهود على نحوٍ نهائيّ، فها هو–المأسوف على شبابه-مايكل س. هيرز Michael S. Heiser (1963-2023 م) وكان في بداياته باحثاً أمريكيّاً في العهد القديم ومؤلِّفاً مسيحيّاً خبيراً في التاريخ القديم واللغات السامية والكتاب المقدس العبري من جامعة بنسلفانيا وجامعة ويسكونسن ماديسون، قبل أن يتّجه نحو الدراسات الأوغاريتيّة التي غيّرت مسار حياته، يؤكد أنَّ اكتشاف ألواح أوغاريت كشف خفايا ديانة اليهود، ويُنبِّه إلى أنَّ اللغة العبريّة مأخوذة من اللغة الأوغاريتيّة، ويشير إلى أنَّ عبادة البعل عند بني إسرائيل-في مرحلة من مراحل تاريخهم-تعني الكثير من الدلالات، ويرفض هيزر أن يكون مصدر عقائد اليهود هو بلاد ما بين النهرين؛ بل مصدرها هو أوغاريت نفسها، ويذهب في التحليل إلى حدّ توكيده أنَّ معاهدة يهوه مع شعبه المختار–كما هي واردة في التوراة-مأخوذة من أدبيات المعاهدات الأوغاريتيّة الجارية في الحياة العاديّة! ويورد على نحو مثير للدهشة مقارنة بين نصوص معيّنة من ألواح أوغاريت ونصوص محدّدة من أسفار التوراة على النحو الآتي:

    “سِفْر دانيال 7: قديم الأيام، إله إسرائيل جالس على العرش الناري ذي العجلات [مثل إيل الأوغاريتي، فهو ذو شعر أبيض وكبير في السِنّ (“قديم”)]

 ألواح أوغاريت/دورة البعل: إيل، الإله العَليِّ المُسِنّ، هو صاحب السيادة المطلق في المجلس.

سِفْر دانيال 7: يهوه (=في ألواح أوغاريت: إيل)، القديم الأيام، يمنح المُلك لابن الإنسان الذي يركب السحاب بعد تدمير الوحش من البحر (في ألواح أوغاريت الوحش هو: يمّ).

ألواح أوغاريت/دورة البعل: يمنح إيل الملكية للإله بعل، راكب السحاب، بعد أن هزم بعل الإله يمّ في المعركة.

سِفْر دانيال 7: يعطي ابنَ الإنسان السُّلطانَ الأبديَّ على الأمم. وهو يحكم عن يمين يهوه.

ألواح أوغاريت/دورة البعل: بعل هو ملك الآلهة ووزير إيل، وحُكْمُهُ أبديّ.[6]

تكشف هذه المقارنة المدهشة التي أجراها هيرز بين التوراة وألواح أوغاريت أنَّ البعل الأوغاريتيّ قام من موته وهو حامل بيده زوبعته ليضرب بها يهوه؛ ولقد استشرف سعادة لقيام البعل وعرفَ أنَّ البعل لن يقوم إلا من سوريا؛ لذلك تلقّف سعادة هذه الزوبعة، فلم يقدر على حملها وحيداً، وواجهته وحوش واقعه التاريخيّ فكتب للسوريين من أبناء جلدته بدمه النَّازف: “إنّكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبرٍ في التَّاريخ.[7]

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ

    الحواشي


[1] -PHOENICIAN-PUNIC DICTIONARY BY CHARLES R. KRAHMALKOV, UITGEVERIJ

PEETERS en DEPARTEMENT OOSTERSE STUDIES LEU VEN 2000, P.P, 33-34.

[2] أنطون سعادة، نشوء الأمم، دمشق، ط2، 1951، ص:179.

[3] -المصدر نفسه، ص: 180.

[4] -المصدر نفسه، ص: 181.

[5] -أنطون سعادة، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، دار سعادة للنشر، ص: 177.

[6] – Michael S. Heiser, What’s Ugaritic Got to Do with Anything? https://www-logos-com.translate.goog/ugaritic?ssi=0&_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[7] -صدى النهضة، بيروت، العدد 132، 2/9/1946.

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي الآمال الضائعة للإيديولوجيات الدّاعية إلى قيام وحدة قوميّة بين العرب، وطُمِسَ بذلك فكر إنسان ممتاز، وأُهملت رؤيته التي تؤلِّف نظرة إبداعيّة عميقة في ماهيّة اللغة، تحديداً اللغة العربيّة، علاوة على ما عاناه في حياته من تجارب وجوديّة عنيفة واضطراب وجدانيّ وفقر وحرمان وعُزلة بسبب مواقفه السياسيّة، فضاعت شخصيّة الأرسوزيّ الحقيقيّة بين صراع السياسيين البعثيين على السُّلطة، وخضعَ لاستقطاباتهم وتنافراتهم ثم غُيِّبَت على نحوٍ نهائيّ جهود الأرسوزي لمواجهة الاحتلال العثمانيّ-التركيّ والاستعمار الأوروبيّ.

لكنَّ المهمَّ هنا ليس قراءة الأرسوزي قراءة إيديولوجيّة أو سياسيّة مُسْتَهلكة؛ بل الكشف عن العناصر الأصيلة في رؤيته الفلسفيّة للعالم، أو بالأحرى إظهار شخصيّة الأرسوزيّ الحقيقيّة التي احتجبت وراء غبار لعنة شهوة السيطرة على الحُكم.

لقد انصّبت عناية الأرسوزيّ على كشف ماهيّة اللغة العربيّة، ويمكن تصنيفه بصفته مؤسِّس تيار فلسفة اللغة في الثقافة العربيّة المعاصرة، غير أنَّ حقل الدراسات اللغويّة الذي أسّس له الأرسوزيّ بقي مجهولاً، علماً أنَّ الدراسات التي قدّمها فلاسفة اللغة الغربيّون، أصبحت مركز اهتمام الثقافة الغربيّة، بل العربيّة أيضاً، بدءاً من أواخر القرن الماضي، وصولاً إلى يوم النّاس هذا. إذ نجد حضوراً كبيراً بين أوساط المثقفين، ترجمةً وتأليفاً، لنصوص منقولة أو مستوحاة من جورج إدوارد مور (1873-1958م) أو برتراند رسل (1872-1970 م) أو لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951 م) وغيرهم. علاوة على ظهور دراسات عربيّة كثيرة محكومة بالنزعة البنيويّة التي أسس لها فرديناد دي سوسير (1857-1913)؛ وفي المقابل لا نكاد نجد للأرسوزي ذِكْرَاً بصفته فيلسوفاً عربيّاً معاصراً عُني عناية حقيقيّة بقضيّة اللغة.

تعمّق الأرسوزي في ماهيّة اللغة العربيّة في “مؤلَّفه العبقريّة العربيّة في لسانها”، ووجد أنَّ اللسان العربيّ مكوَّن على نحوٍ اشتقاقيّ، فالألفاظ التي ينطق بها الإنسان العربيّ ترجع إمَّا إلى ظواهر إدراكيّة حسيّة، تحديداً صوتيّة-بصريّة مُستَمدّة من الطبيعة، أو إلى أُصول شعوريّة مُستَمدّة من النَّفْس الإنسانيّة.

ويوضِّح الأرسوزي حقيقة الألفاظ التي ترجع إلى ظواهر طبيعيّة صوتيّة بصريّة، فتمثيلاً لا حصراً: نجد أنَّ الكلمة “خَشَّ” هي صورة صوتيّة-مرئيّة، ناجمة عن “حركة في عُشب يابس”. وهذه “الصُّورة” أصبحت على المستوى اللغويّ نواةً لتوليد أفعال ومشتقات جديدة مثل: خَشُنَ، خشَبَ (=جَفَّ)، خَشَعَ، إلخ؛ ومِنْ خَشَّ بتحويل الخاء إلى حاء يمكن اشتقاق حَشَّ والحَشيش؛ وبتحويلها إلى عين نحصل على عشَّ والعِشّ، وإلى ما هنالك. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يُبيِّن الأرسوزي أنَّ الإنسان العربيّ لم يقف بالنسبة إلى بناء الألفاظ التي ينطق بها عند حدود الصُّور الطبيعيّة الصَّوتيّة-البصريّة فقط، بل اعتمد على التّصويت الطبيعي عند الإنسان، أي الأصوات التي تُعبِّر عن حالات شعوريّة معيّنة مثل “أَنَّ” التي تدلّ على التوجُّع أو التألُّم، فظهرت أفعال ومُشتقّات وفق الآتي: فبإلحاق الهمزة جاءت “أنا”، وبإلحاق التّاء “أنتَ”، أنتما، وبقيّة الضمائر. ومن “أَنَّ” اشتُقَ الفعل أَنَّبَ (=عنَّفَ)، والاسم الأنين، وإلى ما هنالك.

وركّز الأرسوزيّ على أنَّ الذهن العربيّ لم يقتصر -في عمليّة تكوين اللسان العربيّ-على الصُّور الصوتيّة المرئيّة أو الأصوات المُعبِّرة عن حالات نفسانيّة، بل نهج نهجاً اصطلاحيّاً أيضاً، يقوم على إظهار الحروف عن طريق التداعي، فالحروف الأسهل من حيث تسلسل الظهور تتوالد لتكوِّن صورة تصبح موضوعاً للفكر، ومدلولاً عليها في الوقت نفسه بألفاظ، فمثلاً من حرف الباء (ب) صنع التداعي أسماء من قبيل الـ:”أَبّ”، و”الأُبّهة”، وأفعال من قبيل أَبِهَ، أَبى….

وعُني الأرسوزيّ بكشف مناهج تكوين الألفاظ في اللسان العربيّ، فاكتشف أنَّ هناك صوراً صوتيّة ذوات أصول فيزيولوجيّة، فمثلاً هناك صور صوتيّة ترافق حركة عضلات الفمّ من قبيل: عَضَّ، وهنا يشتق الذهن مع المحافظة على الإيقاع بإضافة حرف أو بتحويل آخر، فبالإضافة نحصل على عَضَبَ (=قطَعَ)، وبالتحويل، أي بتحويل العين إلى قاف، نحصل على “قَضَّ (=ثَقَبَ)”. هذا، وبالطريقة نفسها اشتُقَ فعل “قَدَّ (=قَطَعَ)” ثم “قَدَرَ(=قَسَمَ) ومنها: القَدَر؛ وقَدَسَ (قَطَعَ)، ومنها: “القُدْس (=الحجر المقطوع)” وتوالت المشتقات مثل القُدُّوس، والمُقَدَّس، والقداسة، والتّقديس، وحُمِّلت بمعان مختلفة، إلخ.

ولقد فهم الأرسوزيّ اللغة فهماً يدلّ على عمق نظرته، فهو يُرجعها إلى غريزة متأصِّلة في الإنسان أسماها “غريزة الكلام”، ووجد أنَّ غريزة الكلام موجودة على نحوٍ متفوِّق عند العرب، منذ فجر التّاريخ، بدلالة أنَّ علم اللغات المقارن يكشف وجود قواعد مشتركة بين اللسان العربيّ واللغات الهندو-أوروبيّة من ناحية، إضافةً إلى كشفه وجود اشتراك في المفردات وأساسيات النحو بين اللسان العربيّ واللغات الساميّة من ناحية أخرى، وهذا يثبت أنَّ الإنسان العربيّ خاض تجربة كونيّة نادرة في تكوين لغته، كان لها تأثير عالميّ لا يمكن نكرانه. والحقيقة أنّنا إذا أرجعنا اللغة العربيّة إلى أُصولها الكنعانيّة (=الفينيقيّة)، لوجدنا كلام الأرسوزي صحيحاً، إذ قام اليونانيون بتعديل الأبجديّة الكنعانيّة (الأوغاريتيّة)، بما يتناسب مع لسانهم الهندو-أوروبيّ. ولا شك في أنَّ استخدام اليونانيين للأبجديّة الألفبائية-الصوّتيّة الكنعانيّة أسهم في تطوير طُرق التّفكير النّظريّ عند اليونانيين لما في اللغة الكنعانيّة من إمكانيّة تؤهِّل الناطقين بها للقيام بعمليات التّفكير المجرّد. هذا، وحينما وصل التجار والمستعمرون اليونانيون إلى أتروريا (=منطقة وسط إيطاليا الحالية)، ونشروا الثقافة الهيلينية في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد. أدخلوا الحروف اليونانية-الكنعانيّة لتشكيل الأبجدية الإتروسكانية (=الإيطاليّة القديمة). التي عُدِّلت من قبل الرومان، وأصبحت أبجدية أساسيّة لأوروبا الغربيّة.

لقد امتاز الأرسوزي من بين مختلف المُنَظِّرين القوميين العرب بأنّه دخلَ إلى السياسة من بوابة الفلسفة، وهذا ما جعل طريقة تفكيره أكثر عُمقاً وأبعد غوراً؛ إلا أنَّ لهذه الطريقة في التفكير مخاطرها، فقد جعلته مُفكِّراً يوتوبيّاً، إذ بنى آماله على حُلم ضائع بتكوين دولة مثاليّة تكتنف أبناء أمّة عربيّة واحدة أسماها “الجمهوريّة المُثلى”، ويقدّم الأرسوزي في كتاب له يحمل الاسم نفسه (=الجمهوريّة المثلى) تحليلات لمعنى هذا الاسم عينه، مستخدماً بصيرته اللغويّة الفذّة في تفسير معنى كلمة جمهوريّة، فيوضِّح أنّها منحوتة مِن “جم” وتدلّ على (الجمّ الغفير)و(جهر) وتعني إفصاح كلّ فرد من النّاس عن رأيه في ما يتعلّق بتنظيم الشؤون العامة. وحدّد الأرسوزي معنى كلمة “المُثلى” على أساس أنّها مأخوذة من “المَثَل الأعلى”، أي من الكمال، تبعاً لتكوين كلمة الكمال نفسها. وشرحَ تكوين كلمة كمال شرحاً لغويّاً رائعاً: كمُلَ من كُم الزَّهرة، وحرف “ل” المُلحق بـ”كم” يُفيد هنا معنى النموّ، فالكمال-وفق قوله-مُستوحى من برعم يستكمل شروط كِيانه بالزهرة.

 وينفر الأرسوزيّ نفوراً كبيراً من واقعه العربيّ الذي كشف فيه خطر تحوّل الإنسان العربيّ إلى عبد، ويُفْهم معنى العبوديّة، وفق منظار الأرسوزيّ، على أساس أنَّ الإنسان العبد هو الذي يكون آلة أو أداة بيد نفسه أو بيد غيره من النّاس: يكون عبداً لنفسه إذا حوّلَ طاقاته الخلّاقة إلى أداة للحصول على شهواته، ويكون عبداً لغيره إذا استهلك مواهبه في خدمة الأقوى. ويطالب الأرسوزي باستبدال الإنسان الحرّ-النبيل بالإنسان العبد-الأداة. وهنا يفجِرّ الأرسوزي بعبقرّيته اللغويّة السَّاحرة ينابيع مأساة الإنسان العربيّ، فكلمة “حريّة” في رأيه اشتُقت من كلمة “حرب”، ونبيل اشتُقت من “النِبَال”، أي السِّهام التي يُرمى بها الأعداء؛ لذلك يصعب على الإنسان أن يحتفظ بإنسانيته أو بالأحرى بحرّيته إلا إذا كان مُحارباً رامياً لأعداء إنسانيته بالويلات!

جمع الأرسوزي في شخصيته بين عالم اللسانيات والمفكر السياسيّ؛ فعاش حياةً تنوس بين الهدوء والاضطراب، ولا نجد شبيهاً للأرسوزي الآن أقرب من المفكِّر الأمريكي نعوم تشومسكي الذي جمع في شخصيته هو أيضاً بين عالم اللسانيات والمفكّر السياسيّ؛ إلا أنَّ الفرق بين الأرسوزي وتشومسكيّ فرق كبير جدّاً، فالأرسوزيّ عاش حياة قهر مستمر وفي أعمق لحظات معاناته كان هدفه بناء أمجاد أمّة عظيمة فقدت القدرة على النّهوض؛ بينما تشومسكي عاش حياة حافلة بالأمجاد في على أرض جمعت شعوباً من مختلف أنحاء العالم، وكوّنت أمّة عالميّة. لقد نجحت أُمّة تشومسكي الطارفة ولم تنجح بعد أُمّة الأرسوزيّ التليدة.

المراجع:

زكي الأرسوزي، المؤلفات الكاملة، دمشق، 1972.   

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ

قُسْطنطين زريق وحلمه باتحاد قوى التحرر والتقدم المسيحية-الإسلامية

قُسْطنطين زريق وحلمه باتحاد قوى التحرر والتقدم المسيحية-الإسلامية

أعتقد أنَّ أزقة حي القيمرية في دمشق ما تزال تردّد وقع خطوات قسطنطين زريق (1909-2000) إلى يوم النّاس هذا، وهو يسير في هذا الحيّ الذي ولد فيه؛ لكنَّ ضِيْقَ هذه الأزقة لم يمنعه من التفكير أو التنظير لحضارة عربيّة شامخة يُجَلِّيها شعور قوميّ عميق يسري في دخيلة كلّ واحدٍ من أبنائها. إذ كان هاجسه الوحيد هو تكوين دولة عربية مترامية الأطراف تتلاشى فيها الحدود المصطنعة، لتسري فيها روح شعب واحد توحِّده عوامل مشتركة أكثر أولويّة مما يزرع الفرقة والتناحر والبغضاء من عرقيّة وطائفيّة وقبليّة.

  امتاز قسطنطين زريق بفهمه العميق لدور المسيحيين الجوهريّ في تكوين الدولة العربيّة المنشودة؛ وهو بصفته مسيحيّاً اكتشف أنَّ مهمة تشييد صرح الحضارة العربيّة في المرحلة المعاصرة لن تكون ممكنة على الإطلاق ما لم يشارك المسيحيون فيها مشاركةً أصيلةً، فهو يريد كشف حقيقة باقية، حقيقة أنَّه يجب على المسيحيين العرب ألا يدخلوا في متاهة الذوبان في الدول الأجنبية، شرقاً أو غرباً، لاعتقادهم أنَّ العامل الدينيّ يوحّدهم مع الآخر الأجنبيّ-المسيحيّ، ويفصلهم في الوقت نفسه عن أبناء جلدتهم من المسلمين العرب. ويقتضي هذا الوعي أنَّ مشروع الوحدة القوميّة العربيّة فاشل مسبقاً من دون إسهام كياني للمسيحيين العرب فيه، ولن يرتد هذا الفشل على المسلمين وحدَهم؛ بل سيكون ارتداده أكثر خطراً على المسيحيين أنفسهم؛ لأنَّ مفهوم العروبة هو مفهوم كينونيّ لا يقبل أيّ مجال للمساومة، والتخلّي عنه يعني التخلّي عن الهُويّة الوجوديّة الأعمق للإنسان.

ولقد برع قسطنطين زريق في فهم الواقع العربيّ، وكان سبّاقاً من بين المفكرين العرب كافةً إلى التفكير، استناداً إلى استشراف علوم المستقبل، لرسم رؤى لمصير الشعب العربيّ.

رجَّحَ أنَّ هناك احتمالاً مستقبليّاً لاستمرار قوى الطغيان والرجعيّة والتخلف في الأنظمة الديكتاتوريّة-الاستبداديّة ليس في الوطن العربي وحده، بل في العالم كلّه، وسيكون ذلك على حساب قوى التحرّر والتقدّم، وستزداد القوى الأولى شراسة ووحشيّة لما تمتلكه من أدوات قمع على نحو يؤدي إلى القضاء على الحريات رغم الكثرة الكاثرة من الشعارات التي تطلقها هذه الأنظمة باسم حرية الشعوب. ولن يكون هناك أيّ مجال لديمومة قوى التحرر والتقدّم، وستتجه نحو الزوال، وحينها سيفقد الإنسان الشعور بمعنى وجوده، ونبَّهَ إلى أنَّ الأنظمة الديكتاتوريّة ستتحالف على نحوٍ حتميّ مع دول أجنبيّة تبعاً لمصالحها، وهنا ستخضع الشعوب لتمزيق مزدوج: داخليّاً بسبب سلب الحريّات الذي يقوم به الطُّغاة، وخارجيّاً بسبب الهيمنة السياسيّة الغربيّة. وهنا سيتجه مصير الحضارة العربيّة نحو السقوط في هاوية سحيقة لا قرار لها.

ويضع قسطنطين حلاً احتماليّاً لاجتناب هذا السقوط الحضاريّ العربيّ، ولن يكون هذا الحلّ ممكناً إلا بتعاون المتحرّرين العرب من مسيحيين ومسلمين، وإن لم يحصل هذا التعاون فلا يوجد أمامنا إلا الخراب، لذلك لا بدّ من نضال عربي مسيحيّ-إسلاميّ مشترك.

 يقول: “إنَّ هذا يعني المزيد من التلاقي بين المتحرّرين في الجبهتين الإسلاميّة والمسيحيّة ومن التفاعل الخيّر في سبيل تخليص المجتمع من رواسب الماضي، والانفتاح على القوى التقدّميّة في العالم، والتعاون وإياها في شق طرق المستقبل.”[1]

وحذّر من إمكانيّة ظهور قوى تقدّمية وتحرريّة، لكن قد تنمو مؤسساتيّاً على نحو يؤول بها إلى أن تتحوّل إلى شكل جديد للديكتاتوريّة، فالنمو أو التطور حتى للقوى الثوريّة الأصيلة يكتنف مخاطر قد تنعطف بهذه القوى أنفسها كي تتحوّل إلى قوى قامعة للناس بذريعة المحافظة على الثورة أو حماية الثورة.

والحقيقة أنَّ تركيز قسطنطين على أنَّ إمكانية النهوض الحقيقيّ بالأمة العربية مشروطة بالتعاون الثوري المسيحيّ-الإسلاميّ، لا يعني أنّه يصدر في تفكيره عن مطالبة بنوع من الوحدة الساذجة بين أتباع دينين رئيسين في العالم العربيّ، من أجل بلوغ ضرب من علاقة تركيبيّة مفتعلة أثبت استقراء وقائع التاريخ أنّها لم تتحقّق على نحو مثاليّ.

إنَّ دعوته للتعاون المسيحيّ-الإسلاميّ يجب أن تُفهم في أفق فلسفته لمعنى الحضارة الإنسانيّة، لأنّه يؤكد أنّه لا يمكن على الإطلاق فهم أيّ حضارة من الحضارات ما لم يتم فهم الأديان المنتشرة فيها. وهنا يجب الانتباه إلى أنَّ قسطنطين امتلك رؤية عميقة جداً بخصوص معنى الدين ففي رأيه أنَّ فهم حضارة من الحضارات لا يعني فقط فهم الأديان السماوية أو التوحيدية الموجودة فيها؛ بل لا بدّ من معاملة مختلف أنواع الدّيانات حتى الوثنيّة منها بطريقة الفهم نفسها، وإلا سيكون فهم الحضارة منقوصاً، فكلّ شكل من أشكال الدّين يجب التعمّق فيه حتى لو كان مرفوضاً من قبل الأكثريّة، فروح الحضارة تتجلّى في الأديان المنبوذة والمرفوضة كما تتجلّى في أكثر الأديان أتباعاً؛ بل يذهب قسطنطين إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقد أنّه حتى في الحضارات التي تغلب على ثقافاتها التيارات الإلحادية في مختلف أشكالها يمكن أن نكتشف في مجتمعات هذه الحضارات نفسه نوعاً من التديّن. إذ يقول: “…إنَّ لهذه المجتمعات، وإن ضعف اهتمامها بالدين بهذا المعنى الذي نتحدث به أو أنكرته وحاربته-إنَّ لها أديانها الخاصة بها بمعنى أعم لهذه الكلمة، فالماركسية مثلاً بهذا المعنى دين، مهما اشتدّ استبعاد أبنائها لهذا الوصف ورفضهم إياه. إنّها عقيدة لها أنبياؤها وأتباعها، وأركان إيمانها وقواعد سلوكها، ونظمها وطقوسها وأوصاف أخرى كثيرة شبيهة بأوصاف الأديان المعروفة…وكذلك قد تتخذ القوميّة-كما اتخذت في الفاشية والنازية-صفة الدِّين وتقوم مقامه. وهكذا إنَّ كلَّ دين –بمعنى ما يدين به المجتمع وما يعتقد أنه الحقيقة هو عنوان بارز لحضارة ذلك المجتمع ودليل من أوفى الأدلة عليها.”[2]

ويمكن أن نستنبط من أفكاره في هذا المقام انّه أراد تحقيق وحدة دينيّة أعلى بين المسلمين والمسيحيين، من أجل بلوغ ما يمكن أن نسمّيه مجازاً دين الحضارة القوميّة العربيّة، ولا شك في أنَّ هذا الإخلاص الكبير من قِبَلِه لمعنى الوحدة الحضاريّة العربيّة يعني أنّه في أعماقه كان شغوفاً إلى أقصى حدّ للارتقاء بالعرب على مستوى يجعل منهم قوّة حضاريّة عظمى على المستوى العالميّ.

لكن يبدو أنَّ التنظير مهما كان عميقاً لا يمكن أن يكون قادراً على تغيير الواقع، وهذه إشكاليّة كبرى في تاريخ الثقافة البشريّة، فالفكر شيء والواقع شيء مختلف تماماً، ولئن حاول الفكر تقديم طُرق لإنقاذ العالم –وهذا حقّ متاح للمفكِّرين-إلا أنَّ الوضع مرتهن في هذه الحالة بعبقريّة المفكِّر وقدرته على استقراء المشكلات والحلول، وليس هذا ممكناً للجميع، لأنّنا نجد كثرة كاثِرة من الحلول الفكريّة الساذجة التي لا تدلّ على أيّ قراءة موضوعيّة للواقع، ولا تعدو أن تكون أضغاث أحلام أو أوهام.

والحقيقة أنَّ آمال قسطنطين زريق بتكوين حضارة عربيّة عظيمة كانت مبنيّة على فهمه الموضوعي لإمكانيات النجاح والإخفاق في هذا العمليّة، لكن يظهر أنَّ قراءة الفيلسوف الألماني هيغل لمسار تطور الحضارات البشريّة تبقى القراءة الأكثر ألماً بالنسبة لنا نحن العرب، ففي رأي هيغل أنَّ الحضارات الشرقيّة على وجه التحديد ومنها الحضارة العربيّة لن تتجه على الإطلاق نحو التطور. ذلك لسبب رئيس وهو أنَّ الشرقيين لم يعرفوا على الإطلاق معنى الحريّة الذاتيّة، وإن عرفوا أيّ معنى لحرية الإنسان، فستكون هذه المعرفة متصلة بحرية شخص واحد هو الإمبراطور أو الملك أو الديكتاتور، فهو وحدَه الحرّ!

  يقول هيغل: “لم يحرزْ الشرقيون أي معرفة بأنَّ الرُّوحَ-الإنسانَ، بما هو عليه، حرّ؛ وبسبب أنّهم لا يعرفون ذلك، فهم أنفسهم ليسوا أحراراً. إنّهم يعرفون أنَّ هناك شخصاً واحداً يمكن أن يكون حُرّاً؛ لكن انطلاقاً من هذا الحسبان بالذَّات، فإنَّ حريّة هذا الشخص الواحد ليست سوى نزوة (…) كانت الشعوب الألمانيّة German nations تحت تأثير المسيحيّة أوّل مَنْ بلغ وعي، أنَّ الإنسان، بوصفه إنساناً، حُرٌّ، أي إنَّ حريّة الرّوح هي التي تكوِّن ماهيته the freedom of Spirit which constitutes its essence”.[3]

لكن هل تستطيع الشعوب العربية تحت تأثير اتحاد قوى التحرر والتقدم المسيحية-الإسلامية فيها أن تعرف معنى الحريّة –كما أراد قسطنطين زريق؟

ننتظر الجواب الواقعيّ أو العينيّ عن هذا السؤال، ونأمل أن تبطل نظريّة هيغل في فلسفة الحضارة لتحلّ محلّها نظرية هذا السوريّ الكبير.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

الحواشي:


[1] -قسطنطين زريق، المسيحيون العرب والمستقبل، في: المسيحيون العرب: دراسات ومناقشات، المحرر: الياس خوري، مؤسسة الأبحاث العربية، 1981، بيروت، ص: 119.

[2]-قسطنطين زريق، في معركة الحضارة: دراسة في ماهيّة الحضارة وأحوالها وفي الواقع الإنساني، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1981، ص: 96.

[3] – HEGEL, G. W. F., LECTURES ON THE PHILOSOPHY OF HISTORY. TRANSLATED FROM THE THIRD GERMAN EDITION BY J. SIBREE, M. A., LONDON: GEORGE BELL & SONS, YORK ST., COVENT GARDEN, AND NEW YORK. 1894. P.19.

فاتح المدرس: آخر ما يموت في غابة الدهشة هو اللون

فاتح المدرس: آخر ما يموت في غابة الدهشة هو اللون

لُقِّبَ برائد الحداثة التشكيلية في سوريا، شاعر اللون، رسام الأرض، سفير الفن التشكيلي السوري إلى العالمية، وأيقونة الفن السوري المعاصر. هو الفنان التشكيلي فاتح المُدرس، أحد أبرز الفنانين التشكيليين العرب في القرن العشرين، والذي حقق شهرة عالمية، وأسهم في تطوير أدوات الفن التشكيلي السوري، عَبر نقله من الواقعية التقليدية والحالة التسجيلية المباشرة إلى فضاءات الحداثة وتياراتها المتمثلة في التعبيرية والانطباعية والرمزية، كما تميز بكونه كان الأكثر جرأة بين الفنانين العرب في طرح المفاهيم الفنية الجديدة والمؤثرة، والأكثر فهماً واستيعاباً لمعطيات ثقافات وفنون العصر.

وُلِّد المُدرس في قرية حريتان/ حلب عام 1922 وتعلم في مدارس المدينة. برزت موهبته في الرسم في سنٍ مبكرة، فلفت انتباه مدرّسي الرسم منذ مرحلة الدراسة الابتدائية. وفي بداية الأربعينيات سافر إلى لبنان ليدرس الأدب الإنجليزي في الجامعة الأمريكية، وعاد بعد ذلك إلى حلب ليعمل مدرساً للغة الإنكليزية والتربية الفنية في بعض المدارس. أقام معرضه الأول عام 1950 في نادي اللواء في حلب، وأثبت من خلال لوحاته، التي سرقت الأضواء ولفتت انتباه الجمهور، أنه فنان واعد يمتلك ذهنية متفردة تبحث عن كل جديد. ثم جاء عام 1952 ليكرسه كفنانٍ مبدع صاحب قدراتٍ فنية مدهشة ومؤثرة، وذلك بعد مشاركته في معرض المتحف الوطني في دمشق، إلى جانب أبرز الفنانين التشكيليين السوريين، حيث نال الجائزة الأولى عن لوحته “كفر جنة” التي اقتناها المتحف الوطني، وشكلت الملامح الأولى لرؤية المُدرس الحداثوية، ولاتجاهات الحداثة في الفن التشكيلي السوري، وقد اعتبرها النقاد من أبرز الأعمال التصويرية في الفن السوري المعاصر آنذاك. وفي عام 1957 أُرسل إلى روما في بعثة دراسية، ونال في العام 1960 إجازة في فن الرسم من أكاديمية الفنون الجميلة العليا، وبعد عشرة أعوام سافر إلى فرنسا ليدرس في المعهد الوطني العالي للفنون الجميلة في باريس، حيث نال شهادة الدكتوراه عام 1972.

وبينما اقتصرت أعمال معظم فناني الخمسينيات والستينيات في سوريا على رسم الزخارف وتصوير الطبيعة الصامتة وبعض مناظر العمارة التراثية، تفردت أعمال المدرس بعبقريتها وحداثتها وتنوع أساليبها، التي جمعت بين مختلف المدارس الفنية (الواقعية، التعبيرية، الرمزية، السريالية والتجريدية) لتنير عقول كثير من الفنانين التشكيليين العرب، وتفتح أمامهم آفاق الخيال ليخرجوا من قيود الفن النمطي، كما تركت بصماتٍ واضحة على تجارب من تأثروا بمدرسته ونهلوا من أفكاره الفنية الخلَّاقة، فقد شكل المُدرس من خلال أعماله مرجعية أسلوبية، كونه أول من أدخل المدرسة التجريدية والسريالية إلى الفن السوري عبر لوحاته، وكونه مزج في أعماله بين الواقعية والرمزية والأسطورية، ليبتكر بذلك كله رؤية ونهجاً جديداً في مسيرة الفن التشكيلي السوري والعربي، هذا إلى جانب امتلاكه فلسفة خاصة في فهم علم الجمال، تمثلت  بعبقريته وذكائه في استخدام الألوان والخطوط والمؤثرات البصرية، حيث أبدع خيالاً فنياً يشحَن روح المتلقي بطاقة كبيرة من الألوان والضوء والصور والمعاني. إذ كانت الألوان بالنسبة له مثل شخوصٍ، يفهم لغتها، يحاورها ويصغي إليها ويتفاعل معها. وقد منحته تلك العلاقة معها قدرات تعبيرية خاصة، جعلت الخطوط في لوحاته تظهر بشكل رشيق متناغم وكأنها تتحاور في ما بينها، فيما تتكاثف الأفكار لتشكل فضاءات واسعة من الأطياف والمَشاهد والتكوينات، التي تقدم دراما انفعالية حسَّية، تفيض بعشرات الانطباعات والمشاعر الجمالية، إذ يمكن لأي لوحة من لوحاته أن تقدم عَرضاً فنياً متكاملاً، فهي عالم غني، يتداخل فيه التاريخ مع الجغرافيا والميثيولوجيا والأحلام الإنسانية والتأملات والحكايات، وتمتزج فيه الوجوه مع الطبيعة في هندسةٍ لونيةٍ شاعرية، شكلت ثورة حقيقية على المفاهيم التشكيلية السائدة.

ونستشهد هنا بما قاله المُدرس عن الحالة التي يعيشها خلال عملية الرسم : “عندما أرسم أشعر بأن هناك ظلمة شديدة أطبقت على كل شيء، وأنني أخرج من نفقٍ، وأنني أرى نوراً في داخل رأسي، وكأن ريحاً باردة تَهبُّ على وجهي، فابتسم وأعرف أنني وصلت إلى قمة الانفعال في اللوحة، وأعرف أنها انتهت. هذا هو الإحساس في كل عملٍ أقوم به، وكل لوحةٍ لا أمرُّ بها في هذه الحالة أعتبرها عملاً كاذباً وغير ناضج”.

ابتكر المدرس، بذكائه التعبيري المدهش، أسلوباً فنياً غنياً بالرموز والأشكال المستوحاة من التراث السوري الغني بقصصه الشعبية، ومن البيئة المحلية الريفية التي أوغل في أعماقها، ومن تاريخ الحضارة السورية ومدلولاتها وأساطيرها الفريدة، وقد قدم ذلك كله بلغة تصويرية، سريالية أو تجريدية أو تعبيرية أو رمزية، مزاوجاً بين روحانية الشرق ومادية الغرب بتقنياته الفنية المتنوعة، فيما استلهم ألوانه من حقول الشمال والبراري السورية، ليشكل بذلك كله هوية تشكيلية سورية متفردة وأصيلة، ظهرت  جلياً في العديد من لوحاته ومنها : “صلاة البادية السورية”، “قصص الجبال الشامخة”، “زفاف في جبال القلمون”، “نساء من بقين”، ” بدوية من الجزيرة”، “التدمريون”، “مرتفعات بلودان”. وهو الذي يقول في هذا الشأن: ” قد خلصت من تجاربي كلها أن على الرسام المُحب لوطنه أن يعمل على بلورة الفن في بلاده، في طابع أصيل يمت للتاريخ والتقاليد، فليس هنالك فنٌ بلا واقع أو تقاليد عميقة الجذور، وكل هذا يجب أن يتماشى مع أحدث المفاهيم العالمية”.

المُدرس الذي كان يؤنسن جميع الأشكال والعناصر، عَبَّر من خلال لوحاته عن معاناة الإنسان وهمومه وصراعه الوجودي مع الحياة، وحضرت المرأة بقوة في معظم أعماله التي تناولت أيضاً أهم القضايا العربية الوطنية والسياسية، فظهرت القضية الفلسطينية في العديد من لوحاته، كلوحة “المسيح يعود إلى الناصرة” التي كان يحاكي من خلالها عودة الفلسطيني إلى وطنه المسلوب. وبعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان رسم المدرس بعض الأعمال  التي تناولت  عمليات النزوح ومعاناة الشعب اللبناني وبطولات المقاومة التي تصدت للاجتياح الإسرائيلي، ومن أبرز تلك الأعمال: لوحة “لبنان المقاومة”، “بيروت في ليل الحرب الأهلية”، و”أطفال حرب لبنان”، وغيرها.   

الرسم من خلال الكلمات

المدرس الذي لقُّب بشاعر اللون، كان يُعلق على جدران مرسمه، إلى جانب لوحاته، قصاصات من الورق، كَتب عليها بعض تجلياته وومضاته الشعرية، التي عكست عالمه الفلسفي الفني، وكشفت عن موهبةٍ شعريةٍ فريدة، إذ كانت الكتابة بالنسبة له نوعاً من الرسم، فمن خلال الحروف كان يرسم صوراً إلى جانب بعضها البعض، ليُخرج لوحةً من الكلمات.

كَتب المدرس القصيدة السريالية متأثراً بصديقه الشاعر الحلبي  أورخان ميسر، رائد الشعر السريالي في سوريا، وشكل شعره خروجاً عن التيارات الشعرية السائدة، في تلك الفترة، وقَدم خيالاً بصرياً حسياً، كَثَّفَ الصورة الشعرية ومنحها بعداً جمالياً وبلاغياً مختلفاً. وقد ساعدته موهبته الشعرية على الدمج بين الشعر والرسم، فأسس بذلك لمدرسة اللوحة التي تتضمن شعراً، وقد اعتمدها من بعده بعض الفنانين الكبار مثل عمر حمدي ويوسف عبدلكي.  

نشر المدرس عام 1962 أول قصيدة له بعنوان “الأميرة” في مجلة القيثارة، الصادرة عن مدينة اللاذقية. وفي العام ذاته نشر ديوانه الشعري الأول: “القمر الشرقي على شاطئ الغرب”، بمشاركة الشاعر شريف خزندار. ثم نشر في العام 1985 ديواناً آخراً بعنوان “الزمن الشيء” بمشاركة حسين راجي.

ونقتبس هنا بعضاً من شذراته الشعرية :

“إن آخر ما يموت في غابة الدهشة هو اللون”.

“الليلة كتبتُ اسمك على أرض غرفتي، ومضيت أتسلق الجدار ماشياً، كما لو أنَّ هذا الكوكب بلا أحذية”.

” بلا حبٍ تنام أشجاري.. انظروا :  أورقت مساميرَ وحروفاً”.

” صوت العاصفة المدمِّرة، أجمل أنواع الموسيقى”.

” هذا المغني قاطع طريق.. يرسم الجبال بصوته”.

” يقف العقل بعدالته الجميلة حزيناً أمام صندوق الرشاوى في الذاكرة”.

” اصنع شمساً .. جميل أن تكون لك شمسك، تتمتع بها مع من تحب دون أن يراها الآخرون”.

” إننا نعاني من فيروس الغضب الجماعي الصامت، الذي لا يسمح بتحريك عضلة واحدة من هذا الوجه الذي بحجم التابوت الإنساني الضخم”.

” في وسخ الأرض أكتشف مغزى ارتفاع السماء”.

 ” الضياء خيوط نسيجٍ، منديل من الشمس سقط على الأخضر.. أرفعُ المنديل، أنظرُ :  زهرة”.

وإلى جانب إبداعه في الشعر برز المُدرس كواحدٍ من أهم كتاب القصة في سورية، وقد نشر عام 1981 مجموعة قصصية بعنوان “عود النعنع” ، فيما أنتجت السينما السورية عام 1974 ثلاث قصصٍ من أعماله ضمن فيلم روائي بعنوان “العار”  تناول معاناة أبناء الريف في زمن الإقطاع، وهو من إخراج بلال صابوني، بشير صافية، ووديع يوسف. وبحسب كثير من المثقفين والنقاد شكلت أعمال المدرس القصصية نمطاً جديداً في مسيرة القصة السورية، حيث دمجت بين التصويري والقصصي، وأضاءت على عوالم وفضاءات حكائية وجغرافية رحبة وغنية، وقُدمت بلغةٍ مشهديةٍ تعبيرية، تحمل طابعاً سينمائياً، كرسته كواحدٍ من الرواد المجددين في عالم القصة السورية. ونستشهد هنا ببعض ما كتبه الأديب سعيد حورانية  في المقدمة التي وضعها لمجموعة “عود النعنع” : “قصص فاتح كأفضل لوحاته، وبعضها من أفضل ما كتبه أدباء اللغة العربية على الاطلاق.. تلعبُ الصورة بوجهٍ عام والصورة الطبيعية بوجهٍ خاص دوراً مهماً في فن فاتح القصصي، فالفنان التشكيلي الكبير لا تخطئه العين في قصصه أيضاً، ولكن الصور هنا ليست إطاراً تزينياً أو استطراداً شكلياً، بل هي كالنهر المُهدد تماماً، تدخل في نسيج الحدث فاعلة ومنفعلة.. ولغة فاتح لغة طازجة ندية متقشفة، فوراء هذه العفوية والبراءة الظاهرية تكمن معلميّة وصنعة في اختيار الكلمة المناسبة، وأحياناً الغريبة، وأحيانا المخترعة. المهم أن تلعب الكلمات دور الألوان في اللوحة، من حيث التوازن والشفافية والإيحاء، فلا تستوقفك ولا تشعر بانفرادها وإنما باندغامها المدهش في مجموع العمل”.

وفي مقالٍ له بعنوان”فاتح المدرس: الفنان السوري الذي حارب من أجل العدالة” يقول الروائي عبد الرحمن منيف عن تجربة المدرس القصصية: “فاتح المُدرس في القصة القصيرة، كما في الفن التشكيلي، أحد الرواد والمعلمين.. كيف تتحول القصة القصيرة إلى ملحمة، إلى نشيد؟ وكيف تستطيع، باقتصادها المتناهي، أن تتحول إلى عالمٍ بهذا الاتساع؟. هذا هو جوهر الفن، وهذا ما يقوله فاتح المدرس بأكثر من شكلٍ وبأكثر من وسيلة”.  

مساهمات وإنجازات

عمل المُدرس أستاذاً في كلية الفنون الجميلة منذ تأسيسها عام 1961، وكان له الأثر الكبير على طلابه، الذين فتح أعينهم وخيالهم على فضاءات جديدة في الفن، وحرر أذهانهم من المفاهيم الفنية التقليدية، وقد تتلمذ على يده أفضل الفنانين التشكيليين السوريين، الذين أصبحوا فيما بعد من رواد الفن التشكيلي الحديث في سوريا، ومنهم: زهير حسيب، عصام درويش، ادوار شهدا، نذير نبعة، وغيرهم. وبين عامي 1981و1991 شَغًل المدرس منصب رئيس نقابة الفنون الجميلة التي كان من أبرز أعضائها المؤسسين، كما كان من الأعضاء البارزين المؤسسين لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب، وانتخب عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية.

ولم يكتفِ المُدرس بما قدمه من أعمالٍ فنية وأدبية، بل كانت له إسهامات ثقافية أغنت مكتبة الفن التشكيلي في سوريا، حيث نشر عام 1954 مؤلفاً من ثلاثة أجزاء: “موجز تاريخ الفنون الجميلة”، أصبح مرجعاً لأساتذة الفن التشكيلي في المدارس والجامعات. كما شارك المدرس عام 1962 مع محمود دعدوش وعبد العزيز علوان بنشر أول بيان فني عن الفلسفة الجمالية للفن العربي، هذا إلى جانب نشره لبعض الدراسات في النقد الفني المعاصر، ونشر دراسة عن تاريخ الفنون في اليمن قبل الميلاد، ومجموعة محاضرات عن فلسفة الفن ونظرياته منذ عام600 قبل الميلاد، بالإضافة لدراسة عن الكلمة/ الصورة، بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس.

ورغم أن مرسم المدرس كان قبواً رطباً، ضعيف الإنارة ويعاني من مشاكل في التمديدات الصحية إلا أنه كان أشبه بملتقى ثقافي ومحطة إلهام لكثير من الفنانين التشكيلين والموسيقيين والمثقفين، الذين كانوا يقصدونه  ليخوضوا نقاشات بنَّاءة وعميقة عن الفن والأدب والمسرح والسينما، ولينهلوا من تجارب المُدرس وفضاءاته الفنية الواسعة التي تحفزهم على تنشيط طاقاتهم الفنية والابداعية.

وخلال مسيرته الفنية عَرَض المدرس لوحاته إلى جانب  أشهر فناني العالم من أمثال بيكاسو، وكان من الفنانين العرب القلائل الذين بيعت لوحاتهم في مزادات الفن العالمية، كما حصد الكثير من الجوائز والأوسمة، ومنها: جائزة معرض المتحف الوطني في دمشق 1952، جائزة استحقاق من المعرض الدولي في جامعة كليفلاند/ فلوريدا في أمريكا 1952، الجائزة الأولى لأكاديمية الفنون الجميلة في روما 1960، الميدالية الذهبية لمجلس الشيوخ الإيطالي 1962، جائزة شرف بينالي سان باولو/ البرازيل 1963، الشراع الذهبي للفنانين العرب في الكويت 1977، جائزة الدولة للفنون الجميلة في دمشق 1986، جائزة الدولة للفنون الجميلة في الأردن 1992، ووسام الاستحقاق السوري عام 2005. 

 خُلدت أعمال المدرس في معظم متاحف الفن الحديث وفي أبرز المؤسسات الثقافية العربية والعالمية، ومن بينها: المتحف البريطاني، معهد العالم العربي في باريس، المتحف العربي للفن الحديث في الدوحة، المتحف الوطني في دمشق، ومتحف دمر. وقد اقتُنيَت أعماله من قبل أبرز الشخصيات السياسية والثقافية العالمية، مثل: رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فالتر شيل، والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الذي كان صديقاً مقرباً للمدرس، وترجم له بعض قصائده من الإيطالية إلى الفرنسية.

 ويُعد المدرس من أكثر الفنانين العرب إقامة للمعارض عربياً وعالمياً. ونذكر هنا أبرز معارضه ، وفق تسلسلها الزمني :

– عام 1950 أقام المعرض الأول لأعماله الأولى في نادي اللوء بحلب.

– عام 1952 شارك في معرض مركز الصداقة في نيويورك، وأقام معرضاً لأعماله في مركز “لوند” في السويد.

– عام 1955 أقام معرض شخصي في نيويورك.

– عام 1957 شارك في معرض الفنانين العرب في روما.

– عام 1959 أقام معرضاً شخصياً في غاليري “شيكي” في روما (اقتنى الفيلسوف سارتر ثلاثة أعمال للمدرس)

– عام 1960 أقام معرضاً في صالة هسلر في ميونخ/ ألمانيا ، ومثَّل القطر العربي السوري مع الفنان لؤي كيالي في بينالي البندقية.

– عام 1961 شارك في معرض البندقية، ضمن جناح الجمهورية العربية المتحدة (خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر) وأقام معرضاً في صالة الفن العالمي الحديث في دمشق.

– عام 1962 أقام معرضاً في صالة “غاليري ون” في بيروت.

– عام 1963 أقام معرضاً في صالة “غاليري ون” في بيروت، وشارك في بينالي سان باولو في البرازيل، وفي المعرض المتجول لفناني الدول العربية في أمريكا اللاتينية. إلى جانب مشاركته في معرض شتوتغارت في ألمانيا الاتحادية.

– عام 1964 شارك في الجناح السوري في معرض نيويورك.

– عام 1965 شارك في المعرض السوري في بيروت (سوق سرقس)، وفي المعرض العربي السوري في موسكو وواشطن.

– عام 1967 شارك في المعرض العربي السوري في لندن، والمعرض العربي السوري في تونس، وأقام معرضاً في غاليري “كونتاكت” في بيروت.

– عام 1968 شارك في بينالي الإسكندرية لفناني دول البحر المتوسط.

– عام 1970 أقام معرضاً في دمشق بعنوان : تحية إلى مالزو (أديب فرنسي)

– عام 1973 أقام معرضاً شخصياً في مونتريال/ كندا

-عام 1976 أقام معرضاً مشتركاً في حلب مع زميله الفنان لؤي كيالي.

– عام 1977 شارك في معرض الفن التشكيلي العربي السوري في عمان، الكويت، المغرب. وأقام معرضاً خاصاً في باريس.

– عام 1978 أقام معرضاً شخصياً في بون/ ألمانيا.  

– عام 1980 شارك في معرض الدول العربية في بون وفرانكفوت. وفي معرضٍ عن الفن السوري في القصر الكبير في باريس.

– عام 1982 شارك في المعرض العربي السوري في صوفيا، والمعرض العربي السوري في تونس والجزائر.

– عام 1983 شارك في معرض الفن التشكيلي السوري في باريس و برلين الشرقية، وفي معرض “كان سورمير” في فرنسا.

– عام 1984 أقام معرضاً خاصاً في المركز الثقافي البلغاري في دمشق، وشارك في المعرض المتجول في دول أمريكيا اللاتينية.

– بين عامي 1986 و1991 شارك في أغلب المعارض الرسمية السورية.  

– عام 1993 أقام معرضاً شخصياً لأعماله في واشنطن.

– عام 1994 أقام معرضاً شخصياً في واشنطن، ومعرضاً استعادياً لأعماله في معهد العالم العربي في باريس.

– عام 1996 أقام معرضاً استعادياً في بيروت.

– عام 1997 أقام معرضاً استعادياً في دبي.

-عام 1998 أقام معرضاً شخصياً في صالة عشتار في دمشق.

توفي المدرس في حزيران/ يونيو عام 1999، بعد معاناة مع مرض السكري والسرطان، وقد تحولت لوحاته، بعد وفاته، إلى تحفٍ وأيقوناتٍ فنية، أشبه باللقى الأثرية النادرة، لتتسابق صالات العرض والمتاحف والمؤسسات الثقافية ودور المزادات الفنية العربية والعالمية على الفوز باقتنائها أو تسويقها، ويُعد المدرس من الفنانين القلائل الذين لم تتوقف عمليات تزوير لوحاتهم حتى بعد وفاتهم، كونها من أغلى اللوحات العالمية وأكثرها مبيعاً.   

المراجع

– جمر تحت الرماد / فاتح المدرس رحلة الحياة والفن، للمؤلف محمد جمعة حمادة. منشورات دار بعل / دمشق 2008 .

– إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية/ مختارات من مجموعة المتحف الوطني في دمشق. صادرة عن الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.

 – “فاتح وأدونيس” ، كتاب صارد عام 2009 بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل المدرس. الناشر: غاليري أتاسي. يتضمن الكتاب مجموعة حوارات ونقاشات جرت بين المدرس و الشاعرأدونيس عام 1998.

عود النعنع/ قصص قصيرة لفاتح المدرس. المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ الطبعة الثانية 1986

– فيلم “فاتح المدرس” وثائقي من إخراج عمر أميرلاي، أسامة محمد ومحمد ملص.

– موقع أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية والثقافية  العربية.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”