التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية

لم تؤثر الحرب المستمرة في سوريا على استمرارية التعليم في مناطق سيطرة النظام، إلا أن العملية التعليمية شهدت تدهوراً كبيراً في جميع مراحلها، سواء من ناحية المناهج، وتوفير متطلباتها، أو استمرار الأساليب التقليدية في التعليم، إضافة لارتفاع معدلات التسرب من المدارس، بسبب انعدام الأمن والنزوح واللجوء والفقر، عدا عن انتشار الفوضى في المدارس والجامعات. وضمن أجواء الحرب والعقوبات الثقافية والاقتصادية والدبلوماسية، وجد حليفا النظام السوري -إيران وروسيا- الفرصة سانحة لنشر لغتيهما وثقافتهما في مناطق نفوذهم في سورية.

عن الأساليب التقليدية في التعليم والتي لم تتغير، يقول أحد الموجهين التربويين، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه لـ”صالون سوريا”: “منذ سيطرة حزب البعث على سوريا، يخصص جزء كبير من العملية التعليمية لتكريس أفكاره، عبر أكثر من مقرر منها القومية والتاريخ في مرحلة التعليم الثانوي، وفي دروس القراءة والتعبير بالنسبة لمرحلتي التعليم الأساسي الأولى والثانية”، ويلفت إلى أن ما ساعد على ذلك هو أن الغالبية العظمى من الكادر التدريسي هم من أعضاء الحزب، عدا عن “اجبار الطلاب على الانتساب للحزب في السنة الأولى من مرحلة التعليم الثانوي” بحسب قوله.

ويوضح الموجه، أن الجزء البسيط من العملية التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي يخصص لما تبقى من العملية التعليمية، ويعتمد الكادر التدريسي فيه على الأسلوب النظري وليس العملي “أي التلقين من قبل المدرس والحفظ البصم من قبل الطلاب، الأمر الذي حول الطلاب إلى ببغائات تحفظ ما يقوله المدرس ومن ثم تردده”، لدرجة أن الكثير من المدرسين “تعاقب الطلاب الذين يشذون عن هذه القاعدة، كأن يلجأ الطالب إلى تحليل المعلومات والاستنتاج.”

وتم استغلال إلزامية ومجانية التعليم بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا -عام ١٩٦٣ ووصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى سدة الحكم عام -١٩٧١ لتكريس السيطرة الإيديولوجية على مؤسسات الدولة ومنها التعليمية، حيث تم العمل على تأطير العملية التربوية ضمن منظمة طلائع البعث، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، وحصر جوهرها في غرس أفكار البعث في عقول الطلاب، وتمجيد الحاكم.

تغيير اعتباطي للمناهج        

مع الانتفاضة السورية عام ٢٠١١، ازدادت نمطية وجمود العملية التعليمية في سورية، في كثير من جوانبها وأساليبها (المناهج، الكوادر، أساليب التعليم، طرائق التدريس)، لتزيد الفجوة بينها وبين دول العالم المتقدم التي تعيش ثورة في نظم المعارف والمعلومات وفي أساليب التربية والتعليم، ومناهج البحث العلمي.

وأعلنت الحكومة السورية أنها بصدد إجراء عملية مراجعة وتقييم شاملة للعملية التعليمية، وبدأت العام الماضي بإحداث تغيير في مناهج مرحلتي التعليم الأساسي بشقيها الأولى والثانية ومرحلة التعليم الثانوني، وشملت ٥٢ كتابا. وأحدثت التعديلات الجديدة جدلاً واسعاً برز في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية المحلية، بسبب ما تضمنته المناهج الجديدة من أخطاء واشكاليات والطريقة والزمن القياسي الذي جرى خلاله إعدادها.

ومن الإشكاليات الناتجة عن التعديلات مثلاً، اعتراض مؤيدي النظام على نشر قصيدة للشاعر ياسر الأطرش في كتاب القراءة للصف الأول، لا بسبب مضمون القصيدة، وانما لأن الشاعر محسوب على المعارضة، فتمّ إلغاء القصيدة بقرار وزاريٍ واستبدالها بأخرى. اعتراضات أخرى طالت عدم تضمين خريطة سوريا لمنطقتي هضبة الجولان ولواء إسكندرون في رسم توضيحي بكتاب مادة “علم الأحياء والبيئة” للصف الأول الثانوي، الأمر الذي دفع  وزارة التربية إلى إصدار قرار قضى بإعادة المنطقتين إلى الخريطة السورية (جدل التعليم في زمن الحرب السورية).

لاقت أيضاً قصائد تضمنتها كتب القراءة في مرحلة التعليمي الأساسي اعتراضات وسخرية من قبل الأهالي والمدرسين بسبب كتابتها باللغة العامية، حتى أن الانتقادات طالت تصاميم أغلفة الكتب كصورة نشرت على غلاف كتاب التاريخ لتمثال، فسّره علمانيون بأنه مفزع وذو مضامين دينية واضحة من ذقنٍ طويلة وشاربين حليقين، في حين فسرّه إسلاميون متشددون بأنه استعادة للوثنية، ليتضح  بعدها بأنّ التمثال لحاكم مملكة ماري إيكو شاماغان (2453 قبل الميلاد). (جدل التعليم في زمن الحرب السورية).

ويرى موجهون تربويون تحدثوا لـ”صالون سوريا”، أن مسألة وضع مناهج جديدة في أي دولة ليس بالأمر السهل، فهي تحتاج إلى اخصائيين ودراسات كثيرة ومعمقة تمتد لزمن طويل، بحيث يتم تحديد الأهداف، والأخذ بعين الاعتبار القيم الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، ووضع خطط زمنية متسلسة لعملية الانتقال من المناهج القديمة إلى الجديدة.

إلا أن ما حصل بسوريا برأيهم هو “أن عملية التغيير حصلت في وقت حساس للغاية وهو حالة الحرب، وبزمن قياسي، ناهيك عن أن من قام بالعملية أغلبهم لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، فمقياس اختيارهم هو الولاء المطلق للنظام، وبالتالي الأمر تم بشكل اعتباطي، وكانت النتيجة الجدل الكبير الذي حدث ووصله إلى حد – وإن بصورة شكلية- استجواب الوزير تحت قبة مجلس الشعب.”

هذا وعممت الحكومة المناهج الدراسية الجديدة على المراحل الدراسية دون أن تقيم أية دورات تدريبية للكوادر التدريسية عليها، مما وضع هذا الكادر بوضع حرج أمام الطلاب -خصوصا في مرحلة التعليم الثانوي- الذين يطرحون الكثير من الاستفسارات بالنسبة للمواد العلمية.

غياب للمستلزمات  

لا يمكن للعملية التعليمية أن تسير دون تأمين مستلزماتها الأساسية، من مدارس تحتوي على بنى تحتية كاملة من أبواب ونوافذ ومقاعد ووسائل تدفئة في فصل الشتاء وغيرها، إضافة إلى توفير الكادر التدريسي والإداري الكافي، ونسخ الكتب، ومناهج صحيحة.

إلا أن قوات النظام وحلفائه تسببوا بخروج آلاف المدارس عن الخدمة إثر قصفها، وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن نحو ٤ آلاف مدرسة في سوريا تحتاج إلى إعادة إعمار بعد تدميرها، وأشار إلى أن الدراسة بدأت في حوالي ١٤ ألف مدرسة، وذلك مع بدء العام الدراسي الجديد في ١ أيلول الماضي، وتوجه نحو اربعة ملايين طالب وطالبة الى المدارس، بحسب ما اعلنت وكالة “سانا” الرسمية.

ويؤكد كثير من المدرسين لـ”صالون سوريا” غياب الكثير من مستلزمات العملية التعليمية في مدارس النظام، خصوصا تلك الواقعة في المناطق التي سيطر عليها حديثا مثل غوطة دمشق الشرقية، ويقول أحد المدرسين: “يطلبون من المدرسين التعليم في الغوطة، ووسائل النقل للذهاب إليها غير متوفرة، يفتتحون مدرسة وأبسط المستلزمات مثل المقاعد غير متوفرة، أين يجلس الطلاب؟ قاعات بلا أبواب ولا نوافذ والضجة تعم الممرات، كيف يفهم الطلاب؟”

بدورها قالت مدرسة في إحدى مدارس ريف دمشق الشمالي وهي من أبناء المنطقة، “أغلب الأحيان عند غياب أحد المدرسين أو المدرسات وبسبب عدم وجود مدرسين احتياط يجري دمج طلاب شعبتين في شعبة واحدة، ليصبح عدد التلاميذ ما بين ٧٠ إلى ٨٠ طالبا، وفي هذه الحالة المدرس لا يتمكن من اعطاء الدروس وإذا اعطاها، فإن الطلاب لا يستوعبون بسبب الاكتظاظ الكبير والفوضى التي تنتج عنه”، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة أغلب المدرسين “لا يعطون دروس ويقضي الطلاب فترة الدوام باللعب واللهو والعراك على حين تتحول غرفة المدرسين إلى أشبه بمقهى لتناول المشروبات والأطعمة.”

ويعزى السبب الرئيسي لنقص الكوادر التدريسية لحالة النزوح واللجوء الكبيرة التي شهدتها سوريا خلال الحرب، إذ تشير المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في موقعها الرسمي إلى أن أكثر من ٥.٦ ملايين شخص اضطروا للفرار من سوريا منذ عام ٢٠١١ بحثاً عن الأمان في لبنان والأردن والعراق، وبلدان أخرى، فيما نزح ملايين الأشخاص الآخرين داخل سوريا.

معاون وزير التربية سعيد خرساني قال في تصريح نقلته وكالة “سانا” الرسمية في أيلول/سبتمبر: “إن العدد الكلي للمعلمين والاداريين في وزارة التربية يبلغ حاليا ٣٠٠ ألف معلم ومعلمة وتم تعيين ٣٠ ألف معلم ومعلمة خلال العام ٢٠١٨.”

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في تقرير أصدرته في نيسان الماضي أن تحديات أخرى تواجه التعليم في سوريا تكمن في تسرب ٢.٨مليون طفل سوري من التعليم في البلاد وبلدان اللجوء، وبحسب المنظمة فإن بعض هؤلاء الأطفال لم يذهبوا إلى المدرسة مطلقًا، بينما فات بعضهم الآخر ما يصل إلى سبع سنوات من التعليم ما صعب عليهم اللحاق بالركب.

أداة فرزٍ طبقي

رغم أن الهدف من اللباس المدرسي الموحد في مدارس النظام كان إلغاء الفوارق بين الطلاب، إلا أنه بات حاليا “أداة فرزٍ وتمايزٍ طبقي” تستهدف أبناء الفقراء، الذين باتوا يشكلون السواد الأعظم في البلاد، وذلك بعد توجيه للمدارس في بداية العام الدراسي الجديد  بـ”التقيد” بهذا اللباس.

حيث دفع تراجع الوضع المعيشي للسوريين، المسؤولين في المدارس لغض النظر عن الزي الذي يرتديه الطلاب، وبات الطلاب يذهبون إلى المدرسة بأي لباس يتوفر لديهم، إلا أن النظام، وبعد سيطرته على مزيد من الأراضي خلال العام الجاري، أصدر قراراً توجيهياً للمدارس للتقيد باللباس المدرسي الموحد.

وقال معاون وزير التربية في الحكومة السورية عبد الحكيم حماد “إن الوزارة سوف تراعي إذا ما كان هناك حالات استثنائية لطلاب لم يتمكنوا من التقيد باللباس المدرسي، لكن هذا ليس عذراً لأولياء الأمور بعدم تأمين الأزياء المدرسية لأبنائهم، والتي لا يتجاوز ثمنها فاتورة الهاتف المحمول لأحد الوالدين.”

ومنذ بدء الحرب في البلاد، تضاعفت أسعار الملابس والمواد الغذائية ومختلف الحاجات المنزلية ارتفاعاً تدريجيا، بسبب تراجع مستوى سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وانعكس ذلك سلباً على الحالة المعيشية للمواطنين، مع بقاء سقف المعاشات الشهرية للموظفين على ما هو عليه، فالموظف الذي كان مرتبه ٤٠ ألف ليرة قبل الحرب، أي ما يعادل نحو ٨٠٠ دولار أمريكي، أصبح مرتبه اليوم يساوي أقل من ١٠٠ دولاراً، في حين يقدر اقتصاديون تحدثوا لـ”صالون سوريا أنّ حاجة الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تصل إلى ٨٠٠ دولار شهريا ً حتى تتمكن مواصلة حياتها بشكل وسطي، بينما تصل تكلفة لباس ومستلزمات الطالب إلى نحو ١٠٠ دولار بحسب الاسعار المعلنة للملابس والمستلزمات المدرسية في الاسواق.

ويرجع العديد من الباحثين الاجتماعيين، ارتفاع اعداد الأطفال المتسربين من المدارس إلى حالة الفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر، حيث باتت تدفع بأطفالها إلى العمل لتأمين رغيف الخبز.        

ونشرت صحيفة “قاسيون”، التي يصدرها حزب “الإرادة الشعبية” في سوريا، مقالاً اعتبرت فيه أن اللباس الموحد في المدارس ينحو ليصبح دليلاً فاقعاً على التباين والتمايز الطبقي، فسعره لم يعد يتوافق مع إمكانات الفقراء لتأمينه.

وتقول الصحيفة في المقال: “نظرة واحدة على طابور إحدى المدارس، أو خلال ساعات الدخول والانصراف منها، تكفي لمشاهدة التمايز الطبقي بين الطلاب من خلال لباسهم وحقائبهم وأحذيتهم، ما يعني: أن الغاية المتوخاة منه شكلاً لم تعد متوفرة كما لم تلغ عوامل التباهي بين الطلاب، مع ما تتركه من أثر معنوي في نفوس فقراء الحال من هؤلاء، وهم الغالبية.”

“منصات تشبيح”

بعد انتشار ظاهرة تشكيل المليشيات المسلحة الموالية للنظام، وصلت العسكرة والقمع لداخل المدارس، فلم يعد مستغرباً مشاهدة مدرس يرتدي الزي العسكري أثناء دوامه في المدرسة، وممارسة “التشبيح” بحق الطلاب وزملائه المدرسين أيضا.

كما انسحبت ظاهرة “التشبيح” على الأطفال أنفسهم، بحيث يقوم طالب بتقليد والده بعملية “التشبيح”، وتهديد الطلاب، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى تهديد مدرسة أو مدرس الصف إذا لم يتم تنفيذ ما يرغب به من قبيل إجلاسه في المقعد الأول.

كما يقوم البعض بتوجيه كلمات فاحشة لزملائه وسلبهم ما بحوزتهم من “خرجية” أو مأكولات ومستلزمات دراسية، كما يحدث مع الطالب أحمد الذي تتحدث والدته لـ”صالون سوريا” عن أنها لم تعد تعطيه الخرجية قبل ذاهبه الى المدرسة وإنما بعد عودته لحمايتها من السرقة من قبل زملائه، وتقول “وجدت حلاً للخرجية لكني عاجزة عن حل مسألة سلبه الأقلام وعلب التلوين والأدوات الهندسية.”

كما يقوم “الشبيحة” من الأهالي بزيارات للمدارس للإطلاع على أوضاع أبنائهم، والطلب علنا من المدرسين أن يتم تصنيف أبنائهم من المتفوقين رغم أنهم لا يستحقون ذلك، وتقول إحدى المدرسات لـ “صالون سوريا”: “لا مجال للرفض، فقد يتم الإنتقام منا.”

وأسوأ عمليات “التشبيح” في المدارس، تمارس خلال فترة تقديم الطلاب لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة، حيث شهد “صالون سوريا” عدة مرات خلال فترة الامتحانات تجمع العديد من “الشبيحة” أمام المراكز الامتحانية، بينما يتحدث طلاب لـ”صالون سوريا”: ان هؤلاء يقومون “بإدخال حلول الأسئلة إلى طلاب معينين إلى قاعات الامتحان، دون أن يجروء رؤوساء المراكز أو المراقبين على التكلم ولو بكلمة واحدة، قد تكلف المراقب حياته” على حد قول أحد المراقبين.

ومع استفحال حالة الفلتان الأخلاقي وتراجع العملية التعليمية في مدارس النظام، يلجأ ميسور الحال الى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، لكن هؤلاء باتوا قلة قليلة، ويقول رب أسرة لــ”صالون سوريا”: “الوضع في مدارس الحكومة يرثى له، نخسر مال أفضل من أن نخسر أبنائنا.”    

جامعات بلا تصنيف

وانسحبت حالة التدهور الذي تعاني منه العملية التعليمية في مرحلتي التعليم الأساسي ومرحلة التعليم الثانوي على التعليم الجامعي، واختفت الجامعات السورية من معظم التصنيفات الأكاديمية  العالمية.

فمع اندلاع الحراك السلمي، كرس النظام جهده لتجنيد طلاب الجامعات الموالين له بهدف كبح هذا الحراك على حساب دراستهم، كما أوكل إليهم بمهمة الخروج بمسيرات موالية له.

وبلغ عدد الجامعات الحكومية ٨ جامعات في العام الدراسي ٢٠١٤-٢٠١٥، وعدد كلياتها ١٥٠ كلية والمعاهد العليا ٣ والمتوسطة التابعة لوزارة التعليم العالي ٥٨ معهداً، بينما تم إحداث العشرات من المعاهد التي تتبع الوزارات الأخرى، ووصل عدد طلاب الجامعات الحكومية لنحو (٤٦٢.٣٩٣) طالباً وطالبة عام ٢٠١٥، وذلك بحسب دراسة للباحث مدين علي نشرها “مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد،” ومقره في دمشق.

أما الجامعات الخاصة المرخص لها والتي تزاول عملها حتى نهاية عام ٢٠١٧ فبلغ عددها وفق الدراسة لـ ٢٢ جامعة، وعدد طلابها نحو ٣٥٠٠٠ طالب وطالبة، بينما بلغ نصيب التعليم الموازي في الجامعات الحكومية (٣٥%) من إجمالي المقاعد الجامعية. وتشير البيانات إلى أن عدد برامج التعليم المفتوح الذي أحدثته وزارة التعليم العالي وصل في نهاية العام الدراسي ٢٠١٥ إلى (١٩) برنامجاً.

وبحسب دراسة  نشرها المركز ذاته للباحث خليل عجمي بعنوان “تصنيف الجامعات السورية: الفجوة بين الحل الإسعافي والتغيير الاستراتيجي“، فإنّ الجامعات السوريّة الخاصة والعامة كمؤسسات “تفتقد لأي وجود حقيقي على الساحة الدولية، في حين أنَّ خريجيها ينتشرون في الكثير من الجامعات الغربية والشرقية، ويحققون إنجازات فردية مميزة عندما يخرجون منها إلى مؤسسات أكاديمية خارجية، وهو ما يؤكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في الواقع الإداريّ والأكاديميّ لجامعاتنا.”

وبحسب عجمي فإن التصنيفات المعتمدة في العالم للجامعات هي “شنغهاي والتايمز وكيو-إس، ويبوميتريكس”، والتصنيف الأخير هو الوحيد الذي تظهر به الجامعات السورية في مراتب تتراوح بين ٥٠٠٠ إلى ١٢٠٠٠. وأعربت الدراسة عن الأسف لأن الجامعات السوريّة حالياً “لا تمتلك أي قدرة على المنافسة في التصنيفات الأكثر أهميّة في العالم، بسبب ضعف الانفتاح على العالم الخارجيّ، وتراجع الظهور على شبكة الإنترنت، وضعف البحث العلمي فيها، وندرة تعاونها مع الجامعات الكبرى، وانحسار عملية النشر باللغة الإنكليزية خاصةً، وعدم وجود باحثين أصحاب جوائز عالمية مرموقة، ناهيك عن ارتفاع أعداد طلاب الجامعات السورية، تحديداً في مدّة الحرب، مقابل انخفاض عدد الأساتذة بسبب النزيف المستمر في كوادر هذه الجامعات على نحو يمنع الحصول على أي نسبة أستاذ/طالب مقبولة.”

ويضيف عجمي أنّ “وجود كليات هندسية بأعداد طلاب تتجاوز ٦٠٠٠ طالب وبكادر تدريسي لا يتجاوز ٢٠ عضو هيئة تعليمية، أو وجود أكثر من ٥٠ ألف طالب في كلية واحدة ضمن جامعة هو أمر يتجاوز كل معايير الاعتمادية المقبولة.”

وعمدت بعض الجامعات الخاصة إلى مضاعفة أقساطها السنوية ما بين ٥-٦ أضعاف عما كانت عليه في بداية افتتاحها، فبعد أن كان قسط السنة الدراسة للكليات الطبية يتراوح ما بين ٥٠٠ – ٨٠٠ ألف ليرة سورية، يصل حاليا ما بين مليونين ونصف وثلاثة ملايين ونصف ليرة، بحسب مصادر طلابية واعضاء هيئة تدريسية تحدثوا لـ”صالون سوريا”.

وأحدثت مشكلة نقص الكادر التدريسي الأكاديمي حرباً باردة بين الجامعات الحكومية والخاصة، حيث منعت الحكومية كادرها من التدريس في الثانية خلال أيام الدوام الرسمية، وسمحت لهم بالتدريس في تلك الجامعات خلال أيام العطل الرسمية فقط، فيما عمدت الخاصة إلى اغرائهم براتب ضخمة تقدر بثلاث إلى أربع أضعاف ما يتقاضونه في الحكومة.

تغلغل للفارسية والروسية

بدأت المراكز الثقافية الإيرانية بالانتشار في سوريا منذ عام ٢٠٠٦ بهدف الترويج للغة والثقافة الفارسية، وأنشأت مدارس ثانوية شرعية انتشرت في قرى الساحل منذ عام ٢٠٠٨ وريفي إدلب وحلب. وبحسب تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط شهدت المدارس الإيرانية إقبالاً متزايدًا في القرى الفقيرة كون تلك المدارس تمنح رواتب شهرية للطلاب، كما تقدم لهم كافة التسهيلات لمتابعة الدراسة بإيران وإيجاد فرص عمل، في مساعٍ لمدّ نفوذها من خلال تشييد مؤسسات مثل “مجمع الرسول الأعظم” الذي افتتح في اللاذقية عام ٢٠١٤ والذي تولى مهمة الترويج والدعاية للثقافة الفارسية كما أشرف على المدارس والمعاهد الخاصة لتعليم اللغة وأقسام اللغة الفارسية في الجامعات الحكومية دمشق وحلب وتشرين في اللاذقية والبعث في حمص.

وكانت الحكومة السورية قد أمرت بإغلاق المدارس الشرعية الإيرانية في قرى الساحل مع بداية العام الدراسي الماضي، كمدرسة عين شقاق، ومدرسة رأس العين، ومدرسة القرداحة، ومدرسة كرسانا، ومدرسة سطامو، والثانوية المركزية ومدرسة البهلولية وغيرها، بزعم أنها لا تلتزم بتدريس المناهج المعتمدة من وزارتي الأوقاف والتربية.

أما الجانب الإيراني فاتجه نحو زيادة نشاطه في دعم تعليم اللغة في الملحقية الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية بدورات على أربع مراحل و٨ مستويات، في مراكز تعليم الفارسية في اللاذقية، ومركز تعليم اللغات الأجنبية التابع لجامعة دمشق، ومركز جامعة المصطفى لتعليم اللغة الفارسية، وحوزة الإمام الخميني والمدرسة المحسنية في دمشق، وحسينية الإمام المهدي في منطقة زين العابدين في دمشق، والكلية العسكرية السورية، وجامعة السيدة رقية ومركز الحجة في محافظة طرطوس والعديد من المراكز الأخرى.

كما تم توقيع اتفاقيات تتضمن منحاً دراسية متبادلة للمراحل الجامعية، والدراسات العليا، وكذلك مراحل الدكتوراه والماجستير بين الحكومتين، حيث تقدم إيران ٢٠٠ منحة دراسية سنوياً للطلاب السوريين، مقابل ٦٠ منحة يقدمها الجانب السوري للطلاب الإيرانيين، بحسب صحيفة الشرق الأوسط.

وذكرت الصحيفة ان “هيئة إعادة الإعمار الإيرانية” نشطت في حلب بإعادة تأهيل نحو خمسين مدرسة، منها ٣٥ مدرسة في ريف حلب، وأعيد تشغيل عشرين مدرسة ويجري العمل على المدارس الثلاثين الباقية.

ووجدت إيران نفسها في تنافس محموم مع روسيا التي تمكنت فور دخولها سوريا من فرض تعليم لغتها بالمناهج الدراسية لمراحل التعليم الأساسي إلى جانب اللغتين الإنكليزية والفرنسية، حيث تتولى وزارة الدفاع الروسية مهمة الإشراف على تدريس اللغة الروسية عبر كادر روسي خاص بوزارة التربية التابعة لحكومة النظام.

وأعلنت وزارة التعليم العالي التابعة للنظام العام الماضي عن ١٨ بعثة علمية في روسيا للحصول على درجة الإجازة في اللغة الروسية وآدابها لصالح وزارة التربية.

كما تعمل على تقديم منح لدراسة الأدب الروسي في موسكو ضمن خطط تأهيل كوادر سورية لتدريسه، إلا أن أربع سنوات من إدخال اللغة الروسية على المناهج السورية، لم تحل مشكلة بعد مشكلة نقص الكوادر التدريسية، فهي ماتزال العقبة الأهم في وجه نجاح هذه التجربة، إذ يتم الاعتماد على نساء روسيات متزوجات من سوريين.

واقع التعليم في الجزيرة

واقع التعليم في الجزيرة

تعرضت كناز، ٢٩ عاماً، للاستجواب والمضايقات الأمنية التي استمرت لثلاثة أشهر من قبل المخابرات السورية في دمشق، إثر تقرير أمني بامتلاكها كتب كردية لتعليم اللغة، وكادت هذه التهمة أن تؤدي لفصلها من الجامعة وحرمانها من إكمال تعليمها العالي. كانت كناز آنذاك طالبة جامعية في سنتها الأولى تدرس الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق، ولأن لغتها الأم محظورة كانت مضطرة لدراستها سراً.

تروي كناز: “اكتفت المخابرات بفصلي من المدينة الجامعية، وهددوني إذا ورد تقرير ثاني بنفس السياق سيتم فصلي نهائياً”، اليوم بعد عشرة أعوام من هذه الحادثة تعمل كناز مدرّسة للغة الكردية في مدرسة صقر قريش بمدينة القامشلي، فهي تدرس طلاب المرحلة الأساسية بلغتهم الكردية الأم. ويمتد دوام كناز من الساعة ٨ صباحاً حتى ١ ظهراً، عدا أيام الجمعة والسبت والتي حددتها الإدارة الذاتية الكردية عطلة رسمية في جميع المدارس والدوائر التابعة لها.

تقول عن هذا “شعوري لا يوصف! أن أدرس الكردية للتلاميذ وأعلمهم لغتنا الأم، التي كنا محرومين منها طوال حياتنا وكان حلماً صعباً، لكنه اليوم قد تحقق أخيراً”. مشيرة لقلة الكوادر والمختصين نتيجة عقود “القهر والكبت الثقافي، التي مارستها الأنظمة المتعاقبة وحزب البعث الحاكم” بحسب تعبيرها.

حُرم أكراد سوريا على مدى عقود طويلة من القراءة والكتابة بلغتهم الأم وبلغت سياساته العنصرية ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ عندما منع قرار أصدره وزير الإدارة المحلية في النظام السوري الأكراد السوريين من التحدث باللغة الكردية في المدارس والدوائر الحكومية.

ومنح انسحاب قوات النظام من أنحاء كثيرة من سوريا بداية العام ٢٠١٤، الأكراد فرصة لتشكيل إدارات ذاتية في ثلاث مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية، وهي إقليم الجزيرة في محافظة الحسكة وإقليم كوباني (عين العرب) التابعة لريف حلب الشرقي، وإقليم عفرين ويقع في ريف حلب الشمالي، هذا قبل أن يسيطر عليها الجيش التركي بالتعاون مع فصائل سورية موالية له، وذلك منتصف مارس/آذار من العام الجاري.

وفرضت الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة -وتضم مدينتي الحسكة والقامشلي وبلداتها وريفها- تدريس المنهاج الكردي إلى جانب المناهج العربية والسريانية في جميع المدارس والمجمعات التربوية في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

ومنعت الإدارة الذاتية أيضاً تدريس المنهاج الحكومي وتوزيع الكتاب الرسمي في المدارس الخاضعة لنفوذها، ومنذ ربيع ٢٠١٤ تقوم لجنة تتبع لها بتأليف منهاج دراسي جديد لمكونات الإقليم يشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى جانب العاشر الثانوي، وطبعت لهذا الغرض نحو ٢٢٥ طناً من الكتب المدرسية، تم توزيعها على التلاميذ هذا العام.

افتتحت هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة خلال العام الدراسي الجديد ٢٠١٨/ ٢٠١٩ قرابة ٢٤٠٠ مدرسة لاستقبال الطلاب، وتقول رئيسة اللجنة سميرة الحاج علي  لصالون سورية إن المدارس “تبدأ من مرحلة رياض الأطفال، والتعليم الأساسي من الصف الأول للسادس الابتدائي،إلى جانب مرحلة التعليم الإعدادي من السابع للصف التاسع، وهذا العام قمنا بضم الصف العاشر الثانوي لمنهاجنا.”

وأشارت إلى أن “الصف العاشر سيدرسون بذات المدارس الحكومية، وما تبقى صفوف الحادي والثاني عشر الثانوي، سيكملون تعليمهم وفق المنهاج الحكومي، كونهم درسوه منذ البداية، وحرصاً منا لإكمال تعليمهم العالي.”

وتم فصل العملية التربوية في مناطق الإدارة الذاتية عن وزارة التربية والتعليم في حكومة النظام، بحسب الحاج علي، وبالتالي فإن الشهادة الصادرة من الإدارة غير معترف بها من قبل دائرة الامتحانات السورية. عن الحل لهذه المشكلة تقول الحاج علي: “نعمل على ربط حلقات التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية بالمرحلة الجامعية والمعاهد المتوسطة ضمن مناطقنا، حالياً لدينا جامعتان في الجزيرة، وجامعة ثالثة في كوباني، إضافةً لمعاهد متوسطة تشمل معظم التخصصات.”

وعن التعاون المحتمل مع الحكومة السورية بالمجال التعليمي كشفت رئيسة لجنة التربية والتربية والتعليم بأن الاجتماع الذي عقده ممثلون من مجلس سورية الديمقراطية مع النظام السوري في شهر يوليو/تموز الماضي لم يتطرق الى عملية التربية والتعليم أو المنهاج المدرس في شرق الفرات، وشددت قائلة: “أي اتفاق مستقبلي يجب أن يعترف بالمناهج والخطة الدراسية التي نعمل عليها، وعلى الحكومة أن تصادق على الجامعات التي افتتحت في مدينتي القامشلي وكوباني والمعاهد المتوسطة التابعة للإدارة.”

وعن أبرز التحديات والمصاعب التي تواجه العملية التربوية خلال الأعوام الماضية، لفتت الحاج علي: “كان هناك نقص في المقاعد الدراسية العام الماضي وهذا العام، حتى أن قسماً من الطلاب أجبروا على الجلوس على الأرض، كما واجهتنا مشكلة طباعة الكتاب المدرسي، لكن هذه السنة تجاوزنا أغلب المشاكل.”

ويرتاد نحو ربع مليون طالب وطالبة مدارس الإدارة الذاتية، وبلغ عدد الكادر التدريسي للعام الدراسي الجاري قرابة ٢٥ ألف مدرس ومدرسة، خضعوا لدروس ودورات تعليمية في أكاديمية تأهيل الكوادر الدراسية التابعة للإدارة وتشمل جميع المراحل التعليمية. وبلغ عدد طلاب مدرسة صقر قريش لهذا العام نحو ألف تلميذ، يدرس نصفهم في الفوج الصباحي، والنصف الآخر في المسائي.

لورين (١١ سنة) تدرس في الصف الخامس الابتدائي، وقد باشرت دوامها بشكل رسمي منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بابتسامة عريضة تقول “أنا سعيدة لأنني أدرس لغتي الأم، في البيت أبي وأمي يتحدثون الكردية، ونحن هنا نتعلم الدروس بالكردية، أنا سعيدة للغاية.”

إلا أن معلمة لورين وتدعى هولير (٢٧ سنة) لم تخفِ تدني مستوى اللغة عند الأهالي؛ الأمر الذي دفع الكادر التدريسي والهيئة الإدارية إلى استخدام أدوات ووسائل حديثة لتعليمها للطلاب، وتشرح: “يأتي التلميذ للمدرسة ونعلمه كل شيء، كون والديه لا يجيدان الكتابة والقراءة بالكردية بشكل سليم، نضطر إلى إعادة ومراجعة اللغة بشكل دوري حتى يتعلموا كل شيء لخلق جيل جديد.”

وأثارت خطوة الإدارة الذاتية في تطبيق المنهاج الكردي انتقادات وجدلاً واسعاً، وقد رفض ريزان (٤٢ سنة) وينحدر من مدينة القامشلي إرسال ابنه الناجح للصف التاسع الإعدادي إلى مدارس الإدارة، ويعزو السبب الى: “لا أريد أن يكون مستقبل ابني مجهولا، فالشهادة غير معترف بها، والكادر التدريسي غير مؤهل.” بدلاً من ذلك يرسل ريزان أبناءه الى مدرسة حكومية داخل سيطرة القوات الحكومية، إذ يحتفظ النظام السوري بمربع أمني في مدينتي الحسكة والقامشلي تدرس المنهاج الحكومي.

فهو يرى أن تعلم  الكردية دون اعتراف دولي بها ليس له قيمة، ويقول : “لكردية غير معترف بها بالجامعات السورية، ولا في أي دولة ثانية، أخشى أن هذا الجيل الذي أجبر على ارتياد المدارس الكردية قد دمر مستقبله وحُرم من إكمال تعليمه العالي.”

و يستخدم أكراد سوريا الأحرف اللاتينية في الكتابة والقراءة، إذ تندرج اللغة الكردية ضمن مجموعة اللغات الهندو- أوروبية، ووضع قواعدها الأمير الكردي جلادت بدرخان المنحدر من جنوب تركيا، ونشر كتابه “الأبجدية الكُردية وأسس القواعد الكُردمانجية” الذي صدر سنة ١٩٣٢ بدمشق، ولا يزال يعد من أمهات الكتب والمراجع الكردية.

انتقادات وتحذير من الأدلجة

تتبع “مؤسسة تأليف المناهج” لهيئة التربية والتعليم لدى الإدارة الذاتية، وهي مركزية على مستوى المدن والبلدات الخاضعة لـقوات سورية الديمقراطية، ويتم تدريس المنهاج المقرر بثلاث لغات وهي اللغات الرسمية لدى الإدارة: “الكردية والعربية والسريانية”، فالطالب يدرس لغته الأم، وطالب العربية يدرس مادة لغة كردية ومادة ثانية سريانية، ومثله الطالب الكردي والسرياني يتعلم لغة المكون الآخر.

والكتاب المدرسي موحد في جميع المدارس الخاضعة لنفوذها، و قالت إدارة مؤسسة المناهج في رد خطي لموقع صالون سورية: “تضم المؤسسة ثلاث لجان كردية وعربية وسريانية وهي المكونات الرئيسية لشعوب الإدارة، يتم تأليف الكتب وفق مفهوم التعايش وتقبل الآخر وترسيخ القيم.”

وذكرت المؤسسة بأنهم ألفوا مناهج خاصة للمرحلة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي، “لكن الخطة لتدريس هذا المنهاج اقتصرت على الصف العاشر الثانوي، وهي في طور تصحيح الأخطاء للمكونين العربي والكردي، أما المكون السرياني فقد شرع هذا العام بتأليف المرحلة الثانوية.”

من جهة أخرى نشر الكاتب واللغوي إبراهيم خليل كراساً نقدياً عرض فيه جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية التي وردت في الكتب المدرسية لدورة العام ٢٠١٥-٢٠١٦، وعن هذا الكراس قال لصالون سورية: “ركزت فيه على ضرورة إزالة الإشارات الإيديولوجية الحزبية التي لا تتناسب مع التعليم المدرسي العام، وأعتقد أنه كان حرياً بالقائمين على العملية التربوية الحفاظ على تدريس مادة واحدة باللغة الكردية في جميع الصفوف والمراحل، ومحاولة انتزاع اعتراف رسمي من وزارة التربية السورية، ومنح المادة علامة مخصصة في الجلاء المدرسي.”

وقدم العديد من الأهالي شكاوى لوجود أخطاء لغوية ونحوية في المناهج الدراسية، اعترفت بها إدارة مؤسسة المناهج وردت: “نحترم ملاحظات الأهالي ونأخذها على محمل الجد، نعم نعترف بوجود أخطاء في المنهاج ونجتهد لتلافيها، ولكن علينا ألا ننسى بأن الظروف التي يتم التأليف فيها صعبة والفترة الزمنية قصيرة.”

كما انتقد أكاديميون ومختصون تربويون “أدلجة” مناهج الإدارة الذاتية وانحيازها لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” ،وهو أحد أبرز الأحزاب المهيمنة على الإدارة الكردية، وبخاصة فيما يتعلق بنشر صور زعيمه الروحي عبد الله أوجلان، ومقاتلين يظهرون باللباس العسكري الموالي للحزب.

ويرى الدكتور فريد سعدون أنّ هذه الإدارة تغامر بمستقبل الطلاب، وقال “إن مسؤولي الإدارة لم يقدموا أية ضمانات لتحصيل الطلاب تعليمهم العالي أو ضمانات قانونية للاعتراف بشهادتهم، وبذلك تخلق مشكلة تهدد المجتمع بأكمله، كما أننا لا نعلم من هي الجهة التي تضع هذه المناهج، ولا الجهة التي تشرف عليها.”

وفي ردها على وجود الاشارات الأيديولوجية وصور مقاتلين عسكريين، تضيف المؤسسة في ردها: “نعم هناك صور ذات مدلول فكري معين لم تأت بشكل متعمد أو ترويج لفكر بعينه، سنعيد ترتيب المنهاج وتصويبه وحذف كل دلالة تشير لهذا الفكر أو ذاك، غايتنا العلم والعلم فقط.”

لكن الدكتور فريد سعدون وفي ختام حديثه شدد بأن: “سلطة الإدارة الذاتية هي سلطة أمر واقع مؤقتة وغير معترف بها سورياً أو دولياً”، منوهاً: “إذا تغيرت موازين القوى على الأرض فإن جميع هؤلاء الطلاب الذين التحقوا بمدارس الإدارة سيفقدون مستقبلهم التعليمي.”

التعليم في “غيبوبة” الجنوب

التعليم في “غيبوبة” الجنوب

بدأ العام الدراسي الجديد في جنوب سوريا، بعد سيطرة النظام السوري عليه، ووعوده بتقديم الخدمات الأساسية للأهالي وعودة مؤسسات الدولة إليه بما فيها التعليمية، كما وعد النظام بتحسين الخدمات المقدمة في قطاع التعليم، الذي يعاني نقصاً حاداً في المستلزمات والوسائل التعليمية، وخاصة إثر تعرض العديد من المدارس للتدمير الكامل أو الجزئي.

يقول أحد الموجهين التربويين الذي فضّل عدم ذكر اسمه “تحول الواقع التعليمي هنا إلى مسألة ثانوية خلال الصراع، و لم يتم التعاطي معه كقطاع جوهري، فلم يتم ترميم أية مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن، ولم يشهد القطاع التعليمي أي تحسن ملحوظ رغم بدء العام الدراسي الجديد”، ويعدد بعضاً من التحديات التي تواجه القطاع التعليمي “كغياب اللوازم اللوجستية في المؤسسات التربوية، ونقص المدارس والمراكز التعليمية، مما يولّد ضغطاً كبيراً في أعداد الطلاب بالمدرسة الواحدة، ويؤدي لاكتظاظ الأقسام الدراسية وعدم استيعاب الشعبة الدراسية (الصف الواحد) لأعداد التلاميذ فيها، حيث يتواجد في الصف الواحد ما يقارب ٥٠ طالباً، هذا عدا عن نقص الكوادر المختصة.”

وتشهد الكوادر التعليمية نقصاً حاداً نتيجة النزوح والأوضاع الاقتصادية والأمنية إضافة نتيجة لفصل عدد كبير من الموظفين الأساتذة، بسبب تخلفهم عن “الخدمة الاحتياطية” في الجيش السوري.

وإضافة للتحديات التي ذكرها الموجه التربوي، يعتبر التسرب التعليمي من أبرز المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي في الجنوب، فقد أدت الأعمال العسكرية إلى نزوح  مستمر للأهالي متسببة بانقطاع التلاميذ عن مدارسهم، ولم تنجح محاولة بعض المنظمات الدولية لإنشاء مراكز تعليمية في استيعاب كافة الطلاب المتخلفين عن مدارسهم، والحد من ظاهرة التسرب. كما ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية بتفاقم المشكلة، إذ تعاني العديد من العائلات لتأمين اللباس المدرسيّ الموحّد، أو القرطاسيّة والكتب.

ويقول أحد سكان ريف درعا إن الأهالي توقعوا هبوط أسعار اللباس المدرسي ولوازم القرطاسية وغيرها من أدوات المدرسة بعد تطبيق اتفاق تسليم المحافظة للنظام، إلا أن “الوضع بقي على حاله ولم تتم محاسبة المخالفين للأسعار والتجار الذين يبيعونها بضعف سعرها الحقيقي عن أسواق العاصمة دمشق.” واضطر العديد من الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدرسة  باللوازم المدرسية القديمة المتوفرة سابقاً كاللباس أو القرطاسية.

وكانت الحكومة السورية قد طرحت قروضاً بقيمة ٥٠ ألف ليرة سورية، لمساعدة العائلات لشراء اللوازم المدرسية كافة من صالات “السوق السورية للتجارة”، إلا أن أعداد المستفيدين منه في مناطق جنوب سوريا كان قليلاً بسبب اقبال الناس الكبير، والخوف من عدم قدرتهم على دفع القسط الشهري نتيجة استمرار الركود الاقتصادي وندرة فرص العمل في المنطقة.

عن التحديات أيضاً يشرح أحد المدرسين المفصولين من عمله في القنيطرة “اضطرت كثير من العائلات لنقل أولادها بشكل يومي إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المدارس و التدريس حرصاً على مستقبل أبنائهم، أما البعض الآخر فقد اضطر إلى التعلم في مدارس لا تتوفر فيها أدنى الاحتياجات والمقومات التعليمية، نتيجة لضعف الحالة المادية” مضيفاً أن “رغم استمرار الطلاب بالحضور للمدرسة فإن العملية التعليمية ما تزال سيئة، وهذا يؤدي إلى تراجع مستوى التعليم والإقبال عليه، ويزيد من انتشار الجهل، وتسرب طلاب مرحلة التعليم الأساسي هو الأخطر.”

قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المناطق الجنوبية كانت المراكز التعليمية والروضات تعمل مع مراكز للدعم النفسي في المدارس التي رممتها ونظفتها بنفسها. وبعد سيطرته بقيت حال المدارس المدمرة على حالها، وحظيت بعضها بدعم  لوجستي بسيط كترميم الواجهات التعليمية في الصف، وتوفير لوازم القرطاسية الخاصة بالمدرسة لا الطلاب، وطلاء الجدران.

وماتزال الحكومة تعد بتزويد المدارس بمقاعد جديدة، وبمادة الديزل في فصل الشتاء للتدفئة، كما تم رفع كتاب إلى الوزارة المختصة بعدد المدارس المدمَّرة والتي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل.

الجامعيون في الجنوب أيضاً دفعوا الثمن

نال طلاب الجامعة أيضاً نصيبهم من آثار الحرب، يقول ضرار- أحد طلاب جامعة دمشق المفصولين- “أنا مع أعداد كبيرة من الطلاب هنا توقفنا عن الذهاب إلى الجامعات فأغلبنا كان يتعرض لمضايقات أثناء السفر لدمشق لأننا من درعا حيث انطلقت الاحتجاجات، وكان طلاب درعا أول المستهدفين  في أي تحرك في الجامعات يناصر الاحتجاجات، مما أرغم العديد منا على الانصراف عن الدراسة والالتحاق بأعمال تساعدهم في تدبير تكاليف المعيشة.”

كما عمد بعض الطلاب لتحويل دراستهم إلى جامعات أقرب كفرع جامعة دمشق في درعا أو القنيطرة، والتحويل من فروع عملية إلى نظرية، باعتبار الأفرع العلمية تحتاج إلى لوازم لوجستية أسعارها مرتفعة، كما أنها تتطلب الحضور اليومي في الكلية وبالتالي توفير السكن والقدرة المادية على المعيشة و التنقل اليومي.

ويصل متوسط حاجة الطالب الشهرية لتكلفة الدراسة بالجامعات إلى ٥٠  ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يكفي لتغطية الاحتياجات الضرورية فقط كالتنقل وشراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، في حين لا يصل متوسط دخل الموظف السوري لهذا المبلغ.

كما تعرض عدد كبير من طلاب الجامعة في الجنوب للفصل بعد انتهاء المدة المحددة من الرسوب وفق قانون التعليم العالي للجامعات ، حيث يحدد القانون سنتين رسوب للطالب في السنة الدراسية الواحدة، وإذا تجاوزها الطالب يعتبر في حكم المفصول. وقد اضطر الكثير من الطلاب للانقطاع وفُصلوا نتيجة  خوفهم من الذهاب إلى مناطق النظام، لأنه أو أحد ذويه في المعارضة. ويتسبب الفصل من الجامعة بإلغاء إذن الحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية للطلاب الشباب مما يحول الطلاب المفصولين جميعاً لمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.

وأصدر مجلس التعليم في الشهر السادس من هذا العام قراراً يقضي بتسوية أوضاع طلاب الجامعات والمعاهد المقيمين في المناطق التي سيطر عليها النظام السوري حديثاً، واعتبر المجلس في قراره فترة انقطاع الطالب المسجل في الجامعات والمعاهد منذ العام ٢٠١٠-٢٠١١ وحتى العام الدراسي ٢٠١٦-٢٠١٧، كما عد العام الدراسي الحالي إيقاف تسجيل لمن يرغب.

ويعني هذا القرار أن السنوات السابقة لا تعتبر سنوات رسوب للطالب، فقد اعتبرها القرار بحكم إيقاف التسجيل في الجامعة، ودفع هذا القرار عدداً  كبيراً من الطلاب المفصولين في جنوب سوريا للعودة إلى جامعاتهم واستكمال عملية إعادة التسجيل، والحصول على إثبات تسجيل في الجامعة للحصول على تأجيل دراسي عن الخدمة الإلزامية مدته عام كامل.

إلا أن العديد منهم فوجئوا برفض شعبة التجنيد إعطاءهم التأجيل الدراسي لأن “معظم الطلاب الذين تم تسوية وضعهم في الجامعات قد تجاوزوا السن المحدد في قانون خدمة العلم السورية للحصول على تأجيل دراسي” بحسب قولهم وبهذا وجد الطلاب أنفسهم مجدداً أمام مشكلة جديدة تمنع استمرار تحصيلهم العلمي.

الحياة تعود لمدارس “درع الفرات” بعد جمود سنوات

الحياة تعود لمدارس “درع الفرات” بعد جمود سنوات

يواجه المعلم رجب الملاح (٢٧عاما) صعوبة بالغة في تلقين طلابه المعلومات، فهو يرى “أطفالا فقدوا طفولتهم، وتركز تفكيرهم على الحياة العسكرية متناسين الفكر والعلم بعد سنوات، فالحرب في مناطقنا انتهت لكنها مازالت حاضرة في نفوس طلبتنا” كما يقول إلا أنه مع ذلك مازال عازماً على تغيير سلوكهم وغرس حب التعلم والمعرفة داخل كل واحد منهم صغيرا كان أم كبيرا.

بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي تمكنت وحدات من الجيش السوري الحر مدعومة من القوات التركية من السيطرة عليها بعمليات أطلق عليها اسم “درع الفرات” بتاريخ ٢٩ مارس/ آذار ٢٠١٧.

خرج التنظيم الإسلامي المتطرف من تلك المناطق إلا أن آثاره السلبية ماتزال راسخة فيها، وخاصة على صعيد إضعاف العملية التعليمية، إذ  حارب التنظيم المعلمين والمثقفين الذين رفضوا الإنضمام لصفوفه مادفعهم للنزوح خارج مناطق سيطرته، مما ساعده على فرض وجوده فكرياً لا عسكرياً فقط. فالعديد من الأطفال في هذه المناطق لا يعرفون اللباس المدرسي، ولم يرتدوا بحياتهم إلا  لباس التنظيم الأسود.

ومع انتهاء عملية “درع الفرات” وطرد التنظيمات الإرهابية، أخذت الحكومة التركية على عاتقها إعادة تأهيل المؤسسات الاجتماعية والأمنية والعسكرية وعلى الأخص التعليمية المتعثرة أو المتوقفة تماماً منذ سبع سنوات.

وشكل بدء العملية التربوية التعليمية هذا العام انطلاقة للتعليم “نحو الأفضل” بحسب العديد من المدرسين في المنطقة وذلك بسبب الدعم التركي الذي تبنى دفع رواتب المعلمين وتلقينهم دورات مكثفة في التأهيل التربوي سيما وأن معظم المعلمين كانوا من المنقطعين عن التدريس لمدة طويلة، ولذا قامت السلطات المحلية بإعادة تأهيلهم ورفع مستواهم التعليمي.

عن التدريبات يقول المعلم الملاح لصالون سوريا “تركزت على طرائق التدريس وأهم مبادئ العملية التربوية، وامتدت لعشرة أيام متتالية، دربنا فيها محاضرين سوريين مقيمين في تركيا.”

وقد خضع أكثر من  ٦٠٠٠ معلم ومعلمة لتلك الدورات في مناطق درع الفرات كافة، وبإشراف التربية التركية، حيث تم وضع منهاج مخصص للدورة، وأقيم اختبار للمعلمين في نهايتها ليتم منحهم على إثره شهادة تمكنهم من ممارسة عملهم التربوي في مدارس منطقة درع الفرات، كما تم تسجيل المعلمين في سجلات التربية التركية.

وتولت وزارة التربية التركية مسؤولية ترميم المدارس المهدمة وإنشاء أخرى جديدة في كل من جرابلس والباب ومارع وإعزاز وقباسين، لتلبي احتياجات الطلاب الذين ازدادت أعدادهم، واعتمدت على معايير التعليم في تركيا، ليبلغ عددها ١٨٠ من أصل ٥٠٠ مدرسة، وتركز الدعم على تقديم المستلزمات والتجهيزات الدراسية من كتب و قرطاسية ومقاعد، إضافة لتجهيز البناء الخارجي والداخلي للمدارس.

لغة وتعديلات تركية على المناهج السورية

فرضت التربية التركية على المكاتب التعليمية في مجلس “محافظة حلب الحرة “ومختلف المجالس المحلية الأخرى إدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداء من المرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الثانوية وذلك اعتباراً من العام الدراسي الحالي ٢٠١٧/٢٠١٨.

وتم الإبلاغ عن هذا القرار  خلال اجتماع عقده ممثلون عن الحكومة التركية في كل من مجمع إخترين، إعزاز، مجمع الباب، جرابلس، بزاغة، الراعي، وكافة المدارس بالقرى التابعة لهذه المجمعات بريفي حلب الشمالي والشرقي والممتدة من مدينة إعزاز شمال حلب إلى مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب بالإضافة إلى مدينة عفرين.

يوضح المعلم مصطفى النابلسي (٣٥عاما) بأن لتلاميذ المرحلة الابتدائية حصتين لغة تركية أسبوعيا، بينما يحضر طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية ثلاث حصص دراسية للغة التركية.

ويقول النابلسي “يقوم معلمون سوريون بتدريس اللغة التركية وهم من المعينين ضمن الكادر التعليمي من حملة الشهادة الثانوية الذين خضعوا لامتحان اللغة، ومن حملة الشهادة التركية التي تخولهم تعليم المادة في المنطقة”، كذلك أدخلت التربية تعديلات على المناهج كافة تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل مثل الفيزياء، الرياضيات، العلوم ،الكيمياء ، واللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وتركزت التعديلات على مواد التاريخ والجغرافية والقومية، إذا ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتم تنقيح منهاج التاريخ “بما يبلور الصورة التركية” فقد تمت  إزالة كل الكلمات التي تشير إلى معنى الاحتلال العثماني واستبدالها بالحكم العثماني.

إضافة إلى ذلك يؤكد النابلسي بأن خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة لم تعد تحتوي على لواء اسكندرون الذي ضمته تركيا في ثلاثينات القرن الماضي، ويعزو النابلسي هذا التوجه لكون تركيا هي المقر الأساسي للحكومة المؤقتة ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج الحكومة المؤقته في بعض المدارس السورية ضمن تركيا.

يقول أحد الطلاب في المرحلة الإعدادية ويدعى سليم الرشيد (١٤عاما) بأنه يرغب بتعلم اللغة التركية منذ زمن وبأن إدخالها للمنهاج من شأنه أن يساعده على تحقيق ذلك، ويضيف “ربما أستطيع في المستقبل إكمال دراستي في الجامعات التركية كما يفعل الكثيرون من الطلاب السوريين، وتعلم اللغة التركية هنا من الآن سيسهل علي الأمر.”

يوافق الطالب بهاء البيطار (١٦عاما) على رأي زميله سليم ويقول “اكتساب لغة إضافية مع اللغات العربية، الإنجليزية والفرنسية سيمنحنا مزيدا من المعارف والخبرات، فتعلم لغات جديدة يمكن الفرد من التحدث بأكثر من لغة في وقت واحد، لتصبح اللغات عنوان ثقافة وتنور للشخص وانفتاحه على العالم.”

ويتابع  بهاء ممتدحا اللغة التركية “اللغة التركية بحروفها اللاتينية الـ٢٩ لغة تحمل في طياتها معانٍ لم نألفها في بلدنا، لغة لم يسبق أن درسناها في مدارسنا ولم يخطر ببالنا يوما أن تكون اللغة التركية قدرنا القادم.”

من جهتها تشجع معلمة اللغة التركية هبا العدنان (٢٨عاما) على تعلم اللغة الجديدة قائلة “ما المانع من تعلم لغة جديدة، سيكون بالإمكان التعرف على ثقافة أخرى، وعادات ممتعة وغريبة لم تسمع عنها، اللغة ليست مجرد حروف مصفوفة بل هي تاريخ بذاته، وجغرافية منوعة.”

العام الدراسي في عفرين

عاد أطفال مدينة عفرين شمال سوريا أيضا إلى مقاعدهم الدراسية بدعم تركي،  وذلك بعد أن سيطرت عليها قوات المعارضة بدعم تركي بعملية “غصن الزيتون” في ١٨ مارس/ آذار ٢٠١٨، وقد أوكلت منطقة عفرين إداريا إلى ولاية هاتاي التركية، بينما تعود مرجعية مدن وبلدات ريف حلب “درع الفرات” إلى ولاية غازي عينتاب التركية.

وبدأت المجالس المحلية التابعة لتركيا، استعدادتها لإستقبال العام الدراسي الجديد في مدارس عفرين الشهر الماضي، حيث تم تطبيق مناهج تعليمية أقرتها حكومة الإئتلاف في غازي عنتاب على طلاب المدارس، وهي مواد دراسية تطبع تحت إشراف وزارة التربية والتعليم التركية ،وتبرز فيها دور تركيا وثقافتها كدولة عظمى وتمجد فترة الحكم العثماني للمنطقة. وكما مدارس “درع الفرات” يتم تخصيص دروس باللغة التركية ضمن هذه المدارس مع وجود مادة واحدة للغة الكردية.

نائب رئيس المجلس المحلي في منطقة شيا أحمد خليل قال “إن اللجان التابعة للمجالس تجري جولات على مدارس المنطقة لتفقدها، وتقدير الأضرار التي لحقت بها تمهيدا لإصلاحها، علما أن الكثير منها تم تحويلها إلى مقرات عسكرية أو مراكز إعتقال سابقاً.”

وأضاف خليل بأن بقية المدارس غير المستولى عليها من قبل الفصائل السورية والقوات التركية باتت جاهزة لاستقبال الطلاب وتم تأمين كافة متطلبات التعليم واللوازم الدراسية التي تحتاجها.  وقد بدأت أربع مدارس جديدة بالعام الدراسي الحالي إلى جانب ١١ مدرسة أخرى، بتطبيق ما درج على تسميته “بالتعليم العاجل” لغرض إعداد الطلاب.

مدير التربية والتعليم في مدينة بزاغة صالح عقيل يقول “إن الكوادر التعليمية تنقسم إلى مدرسين ومجازين وطلاب معاهد، وتقوم مديرية التربية بإجراء دورات متتالية لهم بهدف رفع السوية التعليمية من الناحيتين التعليمية والتربوية وصقل مهاراتهم بشكل عام تحت إشراف أساتذة مختصين.”

من جهته أوضح فوزي السايح مسؤول التعليم في مدينة الباب أنهم يقومون باستقبال الطلاب المنقطعين عن المدارس بعد إخضاعهم لفحص من أجل تحديد مستواهم التعليمي، ليتم وضع الطالب بالصف المناسب بحسب النتائج ليكمل تعليمه. كما تم في الباب أيضاً افتتاح مراكز لمحو الأمية لكل مدرسة تحوي صفوفاً فارغة.

وقامت بلدية كتشي أوزان التابعة لبلدية العاصمة التركية أنقرة بترميم مدارس قرية شوارغة الجوز التي تقع على بعد ٥ كيلومترات عن مركز ناحية عفرين، حيث عادت تلك المدارس لاستقبال التلاميذ ووفر فريق بلدية كتشي أوزان القرطاسية واللباس للطلاب.

أحمد القاوقجي (٤٠عاما ) وهو والد أحد الطلاب يروي لصالون سوريا “لم يتمكن أبنائي من الدراسة سابقاً إذ عمد تنظيم البي كي كي لفرض تعليم اللغة الكردية بدلا من العربية، علماً بأن معظم أهالي المنطقة هم من العرب، ولذا أنا ممتن للحكومة التركية التي كانت سببا بعودتهم للدراسة.”

ولحل أزمة البطالة في المنطقة افتتحت التربية التركية مراكز للتعليم الشعبي في مناطق درع الفرات والتي قدمت تعليما خاصا وجديدا من نوعه في المنطقة، يهتم بالمهن الشعبية المتنوعة كالخياطة وصناعة المعجنات والحلويات وعدد من المهن الأخرى التي من شأنها فتح المجال للشباب لإيجاد فرص عمل جديدة.

وفيما استحسن العديد من أهالي المنطقة الإجراءات التركية لكونها أعادت لهم الأمن والاستقرار ونشطت الحياة العامة إلا أن البعض الآخر رأى في الإجراءات التي تتخذها فرضاً للهيمنة والاحتلال التركي لمناطق سورية عديدة.

فقد انتقد الحقوقي علي الرشيد (٣٩عاما) الممارسات التركية قائلاً “إنها تسعى لتتريك المنطقة في محاولة لفصلها عن سوريا الأم وضمها للأراضي التركية على غرار لواء اسكندرون، فهي تتحكم بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، وعلى الرغم من تدريس مناهج الحكومة المؤقته ذاتها في مدارس هذه المناطق إلا أنها تغيرت فيها بعض المضامين والإشارات السياسية.”

ويرد المدرس علاء المحسن (٣٠عاما ) أحد المدرسين في ثانوية جرابلس، على ذلك قائلاً “إن العملية التعليمية في المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية شهدت افتتاح العديد من المدارس لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطلاب، إضافة إلى محاولات لإعادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة، و افتتاح مراكز لمحو الأمية، فتركيا ساهمت بإنعاش المنطقة وبعثت الحياة فيها، على الأقل على صعيد عودة أبنائها للدراسة.”

التعليم في  الرقة بعد طرد “داعش” منها

التعليم في الرقة بعد طرد “داعش” منها

في مدرسة عمر بن عبد العزيز بشارع النور غربي مدينة الرقة، يجلس تلاميذ تتراوح أعمارهم بين ٧ سنوات و١٥ سنة في الفصل الدراسي نفسه، بعد أن فتحت مدرستهم أبوابها أخيراً الشهر الجاري بجهود محلية من قبل متطوعي منظمة شباب أوكسجين. وأطلقت المنظمة مبادرة “التعليم لا يؤجل” بالمشاركة مع منظمات مدنية محلية، وبتنسيق مع لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المدني لتحول بناءً مهجوراً تتكدس داخله أكوام من الأنقاض والركام خلال شهرين لمدرسة تستقبل طلاب المرحلة الأساسية.

وبعد تنظيفها وإصلاحها بمساعدة أهالي الحي، عاد التلاميذ إليها مجدداً يجلسون على مقاعد قديمة وصف دراسي لا باب فيه أو شباك إلا أن بناء المدرسة كان بحالة جيدة.  والتحق ٥٠٠ طالب بدوامهم المدرسي في السادس عشر من الشهر الجاري، عند إعلان لجنة التربية والتعليم بداية العام الدراسي الجديد، وذلك بعد أن حُرم أطفال الرقة من إكمال تحصيلهم العلمي أثناء سيطرة مقاتلي تنظيم داعش على مدينتهم بين يناير/كانون الأول ٢٠١٤ وأكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧حيث تم طردهم من قبل قوات سورية الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.  

تلاميذ يتحدون ظروف الحرب

يدخل الطفل سليمان – ١٠ أعوام- لأول مرة في حياته للفصل المدرسي ويجلس على المقعد الدراسي مبتسماً، ويقول سليمان المتحدر من مدينة الرقة “كنت أحلم بأن أجلس قرب تلميذ على مقعد، وأحمل كتبي المدرسية وأكتب اسمي عليها.”

أما الطفلة سعاد- ١٢ عاماً-  والتي حُرمت من التعليم طوال السنوات الماضية، فجلست في المقعد الأمامي قرب طالبتين، ورغم ضيق المكان بدت علامات السعادة على وجهها لتقول: “هذا بيتي الثاني، فالحرب حرمتنا منه، وأنا أرغب بأن أصبح طبيبة في المستقبل لمعالجة المرضى.”

ولم يخفِ والد سليمان، محمود (٤٢ سنة)، خشيته على مستقبل ابنه بعدما دخلت الحرب عامها الثامن، ووصف حماسه للعودة للمدرسة قائلاً: “عادةً كان ابني يسهر معنا لوقت متأخر، لكن ما إن عرف بافتتاح المدرسة حتى نام الساعة ٩ مساء، واستيقظ مع بزوغ الفجر بنشاط وحماس.”

بينما أعربت والدة الطفلة سعاد وتدعى جواهر (٣٨ سنة) عن فرحتها بعودة ابنتها لإكمال تحصيلها العليمي قائلة: “أشعر بفرحة كبيرة كنت محرومة منها لسنوات، مشاهدة ابنتي تلبس زي المدرسة وتذهب برفقة صديقاتها إلى المدرسة لا تقدر بثمن.”

وحول داعش -خلال سيطرته على المدينة- المدارس والمجمعات التربوية الى مقرات عسكرية أو سجون سرية، من بينها مدرسة عمر بن عبد العزيز والتي تعرضت لشظايا غارة جوية أدت الى تدمير جزئي في بناء المدرسة بحسب ما يروي سكان الرقة.

ولإعادة المدارس لسابق عهدها قامت منظمة شباب أوكسجين بترميم المدرسة وتنظيفها بدعم مادي من برنامج “إنجاز” الممول من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن المدارس ليست جاهزة تماماً فهي مازالت تعاني من نقص في اللوازم التعليمية، وغياب دورات المياه ونقص في المقاعد الدراسية، إلا أن الطلاب يتحدون هذه الصعوبات ويلتزمون بالذهاب للمدرسة يومياً.

وعن تعويض سنوات الدراسة الفائتة للطلاب المتأخرين عن المدرسة يقول مدير المدرسة عيد المحمد (٥٤ سنة) “إن لجنة التربية والتعليم المؤلفة من أخصائيين تربويين، تقوم بإجراء سبر معلومات للطالب، ويتم تحديد المستوى بحسب هذه الاختبارات، ليوضع في الصف المناسب لعمره، نظراً لتوقف العملية التربوية لأربع دورات متتالية”، منوهاً الى توافد الأهالي لتسجيل أبنائهم وسط فرحة وسعادة. ويضيف: “المدرسة افتتحت بعد انقطاع طويل، ولم يتمكن بعد عدد من الأهالي العائدين حديثاً من تسجيل أبنائهم.”

وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو ٢٧ ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها قبل ٢٠١١ نحو ١٠٠ ألف نسمة، ومنذ بداية الشهر الجاري وبعد عودة ثلث سكان المدينة هناك ١٢٥ ألف طالب مسجلون في قيود لجنة التربية والتعليم في الرقة؛ ارتاد نحو ١٠٠ ألف طالب منهم الصفوف الدراسية وجلسوا على مقاعدهم في ثاني أسبوع من العام الدراسي الجديد.

وأعربت جواهر (٤٣ سنة) من سكان حي الرميلة، عن سعادتها لرؤية ابنها أحمد البالغ من العمر (١٣ سنة) وهو يحمل حقيبته الدراسية مرة ثانية، ويذهب مع أصدقائه الى مدرسة عمر البحتري كل صباح، وتقول: “أحمد وأصدقاؤه كانوا يمضون معظم الوقت في ألعاب الحرب وتشكيل مجموعات مسلحة ويصنعون الحواجز العسكرية من أعواد الخشب”، مضيفةً: “كانت هذه الألعاب شغلهم الشاغل سابقاً، أما اليوم فيواظب أحمد على المدرسة وعند المساء يقوم بمراجعة وظائفه وينام مبكراً.”

الدمار، أبرز التحديات

“وافتتحت اللجنة ٢٨١ مدرسة في الرقة وبلداتها، منها ١٨ داخل المدينة يداوم فيها اليوم حوالي ٣٠ ألف طالب في ثاني أسبوع من العام الدراسي” كما يقول التربوي علي الشنان رئيس لجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني. ومجلس الرقة المدني هو المجلس المحلي المعني بإدارة شؤون المدينة بالتنسيق مع قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي.

وكانت مديرية التربية والتعليم في الحكومة السورية قد رفضت الاعتراف بالمدارس في الرقة بعد سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مدينة الرقة في أكتوبر/تشرين الثاني العام الفائت، كما ترفض الاعتراف بالمدارس الخارجة عن سيطرة القوات النظامية الموالية للأسد وبذلك لم ترسل إليها أية لوازم تعليمية،

كما امتنعت عن إرسال الكتب والمناهج المقررة، إلا أن منظمة “اليونيسيف” التابعة للأمم المتحدة، ساعدت في فتح عدد من المدارس وقدمت الكتب والمقررات المدرسية، كما دعمت بعض المنظمات المدنية مالياً لتقوم بأعمال الصيانة والتنظيف.

وعن المنهاج المعتمد في مدارس الرقة، ذكر الشنان إنه المنهاج الحكومي الصادر عن مديرية التربية في دمشق، مشدداً: “قمنا بحذف كل الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، والتي تدعو إلى التطرف الديني”، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد وحزب البعث الحاكم.

وأكد الشنان عدم حصول لجنة التربية والتعليم ومجلس الرقة المدني على أي دعم من الحكومة السورية لإعادة افتتاح المدارس وعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، قائلاً: “لا يوجد أي تنسيق بيننا وبين وزارة التربية في حكومة النظام، مجلس الرقة وبالتنسيق مع مجلس سورية الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي تولى مهمة إعادة طلاب الرقة لمقاعدهم الدراسية.”

وبحسب رئيس لجنة التربية والتعليم، تم تفعيل جميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الأول للصف الخامس، إلى جانب تفعيل مرحلة التعليم الإعدادية والتي ستبدأ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني . وانتهت اللجنة من ترميم وتنظيف ست مدارس ثانوية بالتعاون مع منظمات مدنية، لكن العمل مايزال جارياً لاستقبال الطلاب وتسجيلهم في المرحلة الثانوية.

وعن أبرز التحديات التي تواجه العملية التربوية في الرقة، ذكر الشنان بأنها تنحصر في حجم الدمار الذي تعرضت له المدارس جراء العمليات القتالية الدائرة في محيطها، وقال: “يضاف لها نقص تجهيزات المدارس وغياب دورات المياه، ونقص الأبواب والنوافذ كل هذه الأمور تشكل معوقات وتحديات نحاول جاهدين إصلاحها وتجاوزها.”

“التعليم لا يؤجل”

أطلقت منظمة “شباب أوكسجين” بالتعاون مع منظمات مدنية محلية، مبادرة “التعليم لا يؤجل”، للمساهمة في عمليات ترميم وتنظيف مدارس الرقة وريفها، وقال بشار الكراف مدير المنظمة: “بعد الإعلان عن العام الدراسي الجديد، وجدنا إقبالاً كبيراً من الأهالي لتسجيل أبنائهم، وبما أننا نعلم أن معظم المدارس نالها الخراب والدمار، قررنا المبادرة للمساهمة في عمليات التنظيف.” وقد تضررت معظم مدراس الرقة إما جزئياً أو تدمرت تدميراً كاملاً  لتخرج من الخدمة نهائياً، كما انتشرت فيها الألغام ومخلفات الحرب التي لم تنفجر.

وأشار الكراف إلى تعاون إدارة المدرسة والكادر التدريسي والأهالي الذين شكلوا فرق تنظيف للمساعدة في أعمال النظافة والترميم، وقد بلغ عدد الطلاب المستفيدين من مبادرة “التعليم لا يؤجل” سبعة آلاف طالب بحسب الكراف، وتضع المنظمات المدنية العاملة في المبادرة خطة ليصل العدد إلى عشرة آلاف طالب.

وإلى جانب منظمة “شباب أوكسجين”؛ تلقت منظمة “وفاق” الدعم من برنامج “إنجاز”، وافتتحت مدرسة في مخيم عين عيسى للنازحين، و مدرسة مزرعة حطين والأسدية بريف الرقة، كما تولت منظمة “نما لتشجيع ودعم التطور الديمقراطي” مهمة تنظيف مدرستي السلام والكواكبي للتعليم الأساسي داخل الرقة بجهود فردية من قبل متطوعي المنظمة. وكذلك شاركت منظمة “رؤية” وجمعية “نساء للسلام،” ومنظمة “نداء”، ومنظمة “وقاية”، وجهات مدينة محلية أخرى من الرقة في المبادرة، في تنظيف ١٢ مدرسة موزعة في داخل أحياء الرقة وإزالة الأنقاض والركام منها.

وفي المناطق التي دُمّرت مدارسها بالكامل تم تحويل بعض المنازل لمدارس كما يروي سعدون (٤٥ سنة) الذي يسكن في حي الدرعية غربي مدينة الرقة، “لم يبق من مدرسة المنطقة سوى الأطلال، لذا قام مجلس الرقة ولجنة التربية باستئجار ثلاثة منازل، وحولوها لمدرسة أخذت تستقبل الطلاب في ثلاثة أفواج، دوام صباحي وثاني عند فترة الظهر وآخر مسائي نظراً لكثرة الأعداد.”

وتقول هند محمد مديرة جمعية نساء للسلام في حديث لـصالون سورية أن عدد المستفيدين “بلغ ١٢٠٠ تلميذ والحملة تتم بالتعاون والتنسيق مع منظمات مدنية من جهة، ولجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني من جهة ثانية.”

وبدأت حملة “التعليم لا يؤجل” مع بداية العام الدراسي الجديد، وأطلقت المنظمات المدنية هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم #بمشاركتنا-مدارسنا- أجمل .

مدارس بألوان الفرات

بدورها، أكدت ميادة الشيخ إبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المحلي، أن اللجنة نجحت في افتتاح ١٨ مدرسة من أصل ٣٢ داخل أحياء الرقة، وقالت في حديثها لـ”صالون سورية” بأن: “أعمال النظافة تمت بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام، نجحنا بافتتاح المدارس بعد تأمينها وترميمها وتنظيفها، وعادت للخدمة وتستقبل الطلاب من جديد.”

ولفتت الشيخ إبراهيم إلى أن لجنة التربية قامت بافتتاح ١٢ مركزاً تدريبياً لتأهيل الكادر التدريسي، “الكادر خضع لدورات تأهيل للتعرف على كيفية تدريس الوسائل والطرائق الحديثة في العملية التربوية، ومواجهة التحديات والعقبات بعد ٣ سنوات من حكم تنظيم داعش” كما تقول.

وتروي المدرسة وفاء (٣٧ سنة) كيف قام عناصر داعش بتغيير ألوان المدارس وكسوها بالسواد، وقالت: “أول خطوة يجب إعادة طلاء المدارس بألوان فاتحة وزاهية تعكس روح أهالي الرقّة الحقيقيّة.” و بقيت المعلمة وفاء المتحدرة من الرقة، تدرّس في مدارس المدينة قرابة ١٠ سنوات، قبل نزوحها صيف العام الماضي وعودتها بعد انتهاء العمليات القتالية.

واليوم بدأت وفاء دوامها في مدرسة البحتري في حي الرميلة، كما تعمل إلى جانب الكادر التدريسي على تهيئة نفسها لكيفية التعامل مع الطلاّب الذين عاشوا في ظلّ حكم (داعش)، وتقول “التوحّش والإجرام كانا سمتي حكم داعش وأثرا على جيل الأطفال، سأعمل بكلّ طاقاتي لاستيعاب هذا الجيل، وتغيير سلوكه نحو الأفضل، لأن أفكارهم هدامة.”

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

واقع التعليم في سوريا مُزْرٍ ومأساوي، فقد دُمرت البنية التحتية للتعليم وشُرِّد الطلاب أو تسربوا، وهاجر من هاجر وبقيت آلاف المدارس المدمرة والتي لم تُرمَّم بعد شاهداً على حجم المأساة التي حلت بالتعليم.

فرض تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نصوصه المدرسية وأخضع المدرسين لدورات تدريبية حين كان يحتل الرقة، وفرضت تركيا لغتها في مناطق درع الفرات، في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً للتتريك والضم فيما اعتبرها البعض الآخر حلاً أنعش التعليم.

كما أُدخلت اللغة الروسية في التعليم في المناطق الحكومية وصارت الكردية لغة المناهج في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. ورأى البعض في هذا رسائل سياسية واضحة تعكس الواقع القائم في سوريا. وفي جنوب سوريا، توصل الأهالي إلى حلول تتماشى مع الواقع المرير فيما انتقل الميسورون إلى مناطق أخرى من أجل أولادهم.

وكي نلقي الضوء على التعليم وما حدث له نتيجة للحرب المدمرة التي دارت رحاها في سوريا، قمنا في صالون سوريا بإعداد طاولة مستديرة حول واقع التعليم في جميع المناطق السورية، كي نقدم صورة عن واقع التعليم والحلول التي لجأ إليها السوريون والسياسات التي تتحكم بالعملية التعليمية وكل ما يتعلق بهذا الموضوع.

كما يدعو صالون سوريا الكتاب والباحثين والصحفيين السوريين إلى المساهمة في مناقشة هذا الموضوع وطرح التصورات والآراء حول كيفية النهوض بالتعليم في ظل الواقع المتردي الناجم عن الحرب، وأن يدلوا برأيهم في ما يجب فعله في هذا المفصل التاريخي الخطير في تاريخ سوريا الحديث من أجل إنقاذ التعليم والذي يعني إنقاذ المجتمع السوري من السقوط في هاوية التخلف والجهل.

سينشر صالون سوريا المساهمات التي تصله تباعاً ويقوم بتفعيل الروابط.

التعليم في مدينة الرقة السورية بعد طرد داعش منها
كمال شيخو

الحياة تعود لمدارس درع الفرات بعد جمودها لسنوات
هادية المنصور

واقع التعليم في الجزيرة السورية
كمال شيخو

التعليم مازال في غيبوبة في الجنوب السوري
رياض الزين

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية
حمد المحاميد

تدهور قطاع التعليم في مخيمات الشمال السوري
سونيا العلي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي
عامر فياض