سوريا في أسبوع  9-16 آذار /مارس 2020

سوريا في أسبوع 9-16 آذار /مارس 2020

قتلى ودمار ونزوح

14  آذار/مارس

تسبّبت تسع سنوات من الحرب الدامية والمدمرة في سوريا بمقتل 384 ألف شخص على الأقل، بينهم أكثر من 116 ألف مدني، وبين القتلى المدنيين أكثر من 22 ألف طفل و13 ألف امرأة وفق حصيلة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، عشية دخول النزاع عامه العاشر.

وتسببت الحرب بأكبر مأساة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وفق الأمم المتحدة، مع نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. كما استنزفت الاقتصاد وموارده والبنى التحتية وتسببت بانهيار قياسي في قيمة الليرة السورية.

وفي ما يتعلق بالقتلى غير المدنيين، أحصى المرصد مصرع أكثر من 129 ألف عنصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، أكثر من نصفهم من الجنود السوريين، وبينهم 1697 عنصراً من حزب الله اللبناني الذي يقاتل بشكل علني إلى جانب دمشق منذ العام 2013.

وتشمل هذه الإحصاءات وفق المرصد، من تمكن من توثيق وفاتهم جراء القصف خلال المعارك، ولا تضم من توفوا جراء التعذيب في المعتقلات الحكومية أو المفقودين والمخطوفين لدى مختلف الجهات. ويقدر عدد هؤلاء بأكثر من 97 ألف شخص.

عدا عن الخسائر البشرية، أحدث النزاع منذ اندلاعه دماراً هائلاً، قدرت الأمم المتحدة في وقت سابق كلفته بنحو 400 مليار دولار.

إجراءات “كورونا

13  آذار/مارس

أعلنت السلطات السورية الجمعة سلسلة إجراءات للوقاية من احتمال تفشي فيروس كورونا المستجد في البلد الذي يعيش حرباً ولم تعلن فيه رسمياً أي إصابة بعد، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية سانا.

وإذ جرى تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في 13 الشهر المقبل، أعلنت الحكومة في ختام اجتماع وزاري برئاسة رئيس الوزراء عماد خميس،  “تعليق الدوام في الجامعات والمدارس والمعاهد التقنية العامة والخاصة…ابتداء من يوم الغد 14 آذار/مارس ولغاية الخميس 2 نيسان/ابريل”.

وتقرر كذلك “إيقاف كل النشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية” في البلاد، وفرضت السلطات أيضاً منع “تقديم النراجيل في المقاهي والمطاعم”.

وذكرت الوكالة أن عدد العاملين في القطاع العام سيخفض بنسبة 40%، وسيجري خفض ساعات العمل إلى ما بين الساعة 9,00 و14,00.

وقالت الحكومة السورية إنه سيجري تجهيز مراكز حجر صحي “بمعدل مركزين في كل محافظة”، بحسب سانا، في حين لم تعلن سوريا حتى الآن تسجيل أي حالة وفاة أو إصابة بالفيروس.

وأكد وزير الصحة السوري الجمعة عدم وجود أي إصابة بكوفيد-19 في بلاده، وفق سانا.

سير روسي – تركي

13  آذار/مارس

اتفق مسؤولون أتراك وروس الجمعة على البدء بتسيير دوريات مشتركة في محافظة إدلب السورية في عطلة نهاية الأسبوع، بحسب ما أفاد وزير الدفاع التركي خلوصي اكار، عقب وقف هش لإطلاق النار في آخر معقل للمقاتلين السوريين.

ويزور وفد عسكري روسي أنقرة منذ الثلاثاء لتحديد تفاصيل وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في الخامس من آذار/مارس في موسكو بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

وجاء في الاتفاق أنه سيقام ممر أمني عبر تسيير دوريات تركية روسية على طول الطريق السريع الرئيسي ام4 في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.

وتتعرض إدلب لقصف شديد من القوات السورية والطائرات الروسية منذ كانون الأول/ديسمبر أدى الى مقتل مئات المدنيين وأجبر نحو مليون على الفرار باتجاه الحدود التركية.

طفلان كل يوم

 12آذار/مارس

 قبيل الذكرى السنوية العاشرة لبدء الحرب في سورية، ناشدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) الحكومات والرأي العام عدم التخلي عن الأطفال السوريين. وذكرت المنظمة اليوم الجمعة في بيان: “كل عشر ساعات يموت طفل جراء الحرب”.

وتُقدر المنظمة عدد الأطفال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة جراء الحرب بنحو 8،2 مليون طفل، مشيرة إلى أن كثيرا منهم لم يذهب إلى المدرسة على الإطلاق.

وخلال الأسابيع الماضية، نزح أكثر من 900 ألف شخص في محافظة إدلب السورية إلى الحدود مع تركيا. وتعتبر إدلب المعقل الأخير لمقاتلين إسلاميين انسحبوا من محافظات أخرى في سورية.

وذكرت اليونسيف في بيانها أن نحو 60% من النازحين أطفال، مضيفة أنهم يعانون على الجبهات القتالية من العنف والتشريد والعوز الشديد.

قتل غامض

 12آذار/مارس

قتل 26  عنصراً من الحشد الشعبي العراقي في ضربة جوية في شرق سوريا ليل الأربعاء، وفق حصيلة جديدة للمرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس، في أعقاب هجوم استهدف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق موقعاً قتلى.

ونفى التحالف الدولي أن يكون شنّ غارات في سوريا ليل الأربعاء، بعدما رجّح المرصد السوري أن تكون طائراته استهدفت المقاتلين العراقيين قرب مدينة البوكمال الحدودية في ريف دير الزور الشرقي.

وأتت الغارة بعد ساعات على مقتل جنديين، أميركي وبريطاني، ومتعاقد أميركي في هجوم بصواريخ كاتيوشا استهدف مساء الأربعاء قاعدة التاجي العسكرية العراقية التي تؤوي جنوداً أميركيين شمال بغداد.

ويعد هذا الهجوم الأكثر دموية على الإطلاق ضد مصالح أميركية في العراق منذ سنوات عدة.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي على القاعدة العسكرية>

قيصر” في الكونغرس

11  آذار/مارس

حضّ عسكري سوري منشقّ عن النظام وثّق بالصور انتهاكات مارستها أجهزة الرئيس السوري بشّار الأسد، الكونغرس الأميركي الأربعاء على ضمان محاسبة مرتكبي هذه الممارسات وذلك خلال إدلائه بشهادة أمام مجلس الشيوخ.

والعسكري السابق الذي كان يعمل مصوّراً في الجيش السوري وبات لقبه “قيصر”، انشقّ في العام 2014 وبحوزته 55 ألف صورة توثّق وحشية الممارسات في سجون النظام السوري إبّان فترة قمع الانتفاضة في سوريا.

وفي مشهد غير مألوف في الكونغرس الأميركي، أدلى “قيصر” بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مخفياً وجهه ومرتدياً سترة رياضية بغطاء للرأس تفوق قياسه، وقد طُلب من الحضور ووسائل الإعلام إطفاء الهواتف وآلات التصوير.

وقال “قيصر” إنّه وعلى الرّغم من المجازفات التي قام بها، لم يحقّق هدفه بوضع حدّ للانتهاكات.”

وإثر شهادة سابقة أدلى بها “قيصر” في العام 2014 أعدّ أعضاء الكونغرس مشروع قانون يحمل اسمه فرض قيوداً مالية على سوريا، بما في ذلك وقف مساعدات إعادة الإعمار إلى حين سوق مرتكبي الأعمال الوحشية إلى العدالة.

ومشروع القانون الذي يفرض عقوبات على شركات تتعامل مع الأسد وبينها شركات روسية، وقّعه أخيراً الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول/ديسمبر بعد سجال في الكونغرس استمر لسنوات.

وأشاد “قيصر” بالقانون لكنّه دعا الكونغرس الأميركي للسهر على تطبيقه.

مدرب جديد للمنتخب

11  آذار/مارس

عيّن الاتحاد السوري لكرة القدم التونسي نبيل معلول مديرا فنيا للمنتخب الأول، بحسب ما أعلن المدرب السابق لمنتخب بلاده ليل الثلاثاء الأربعاء.

وأورد معلول عبر حسابه على “تويتر”، “سعيد بتعييني مدربًا للمنتخب الوطني السوري ولثقة الاتحاد السوري لكرة القدم في شخصي وسيكون هدفنا الأول التأهل إلى مونديال قطر 2022 إن شاء الله”.

وكان معلول (57 عاما) قد وصل دمشق الأحد للاجتماع بالاتحاد تمهيداً لتوقيع اتفاق يخلف بموجبه المدرب السابق فجر إبراهيم الذي انتهى عقده نهاية العام الماضي بعدما قاد منتخب سوريا إلى صدارة المجموعة الآسيوية الأولى للتصفيات المزدوجة لكأس العالم 2022 وكأس أسيا 2023.

ويتصدر المنتخب السوري الذي لم يسبق له التأهل الى نهائيات كأس العالم، مجموعته بعد خمس جولات بالعلامة الكاملة برصيد 15 نقطة، مقابل 7 نقاط للصين والفليبين و3 لجزر المالديف ولا شيء لغوام.

وأعلن الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) إرجاء المباريات المقبلة من التصفيات التي كانت مقررة في آذار/مارس وحزيران/يونيو الى موعد يحدد لاحقا، على خلفية المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد.

وتولى معلول بداية تدريب تونس عام 2013 وفشل في قيادة المنتخب لنهائيات كأس العالم 2014، قبل ان ينتقل الى الجيش القطري ومنه الى المنتخب الكويتي، ويعود لتدريب المنتخب التونسي في نيسان/أبريل 2017 خلفا للبولندي-الفرنسي المقال هنري كاسبرجاك.

جرائم تعذيب

10  آذار/مارس

 أعلنت محكمة ألمانية الثلاثاء أنه سيتم للمرة الأولى في ألمانيا محاكمة سوريين اثنين اعتباراً من نيسان/أبريل القادم بتهمة ارتكاب جرائم تعذيب في سجون الرئيس السوري بشار الأسد.

ووافقت المحكمة الإقليمية العليا بمدينة كوبلنتس على الدعوى المقدمة من الادعاء العام الاتحادي ضد موظفين اثنين سابقين بالاستخبارات السورية، وفقاً لبيانات المحكمة.

وبحسب بيانات المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ستكون هذه المحاكمة أول محاكمة جنائية من نوعها على مستوى العالم ضد أعمال التعذيب للحكومة في سورية.

ومن المقرر أن تبدأ المحاكمة يوم 23 نيسان/أبريل القادم. يذكر أنه تم إلقاء القبض على المدعى عليهما  السوريين أنور أر. 57/ عاما/ وإياد إيه. 43/ عاما/ في شباط/فبراير عام 2019 بالعاصمة الألمانية وفي ولاية راينلاند-بفالتس. ويقبعان في الحبس الاحتياطي منذ ذلك الحين.

وبحسب صحيفة الادعاء، فإن أنور أر. متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويتم اتهامه بالقتل والاغتصاب وارتكاب انتهاكات جنسية شديدة. ويشتبه أن أنور أر. كان يتولى مهمة قيادية في سجن بدمشق وكان مسؤولا عن أعمال تعذيب وحشية لما لا  يقل عن أربعة آلاف شخص.ويتم إتهام إياد إيه. الذي تم إلقاء القبض عليه في ولاية

راينلاند-بفالتس بالمساعدة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويشتبه أنه جلب 30 متظاهرا إلى سجن التعذيب.

تقسيم إدلب

10  آذار/مارس

 قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الثلاثاء إن الجيش التركي سيتكفل “بالرقابة” على الجزء الواقع شمالي ممر أمني أقيم حول طريق سريع في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا بينما سيخضع الجزء الجنوبي لرقابة القوات الروسية.

ويعد الاتفاق على هذا الممر جزءاً من اتفاق لوقف إطلاق النار توصلت إليه تركيا وروسيا الأسبوع الماضي لوقف القتال الدائر في إدلب الذي أدى إلى نزوح قرابة مليون شخص خلال ثلاثة أشهر وأثار احتمال وقوع اشتباك عسكري بين تركيا وروسيا.

وعزز هذا الاتفاق ما حققته القوات السورية المدعومة من روسيا من مكاسب أمام المعارضة التي تدعمها تركيا لكنه أوقف زحف القوات السورية وخفف من أعظم مخاوف أنقرة وهو تدفق المزيد من المهاجرين السوريين للانضمام إلى 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا حاليا.

حفتر في دمشق

09  آذار/مارس

 أفادت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، نقلاً عن مصادر متطابقة، بأن زيارة سرية لقائد ما يسمى بـ”الجيش الوطني الليبي” خليفة حفتر إلى دمشق مهدت الأرضية أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية بين ما توصف بـ”الحكومة الموازية” في بنغازي والحكومة السورية في دمشق.

وذكرت الصحيفة على موقعها الإلكتروني أنها علمت أن زيارة حفتر لدمشق “باركتها زيارة سرية أخرى قام بها رئيس المخابرات العامة المصرية عباس  كامل لمدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك منتصف الأسبوع الماضي”.

وأشارت إلى أن “الهدف المعلن من التحركات السرية، هو إعادة الحرارة إلى  طريق دمشق. بينما الهدف المضمر، هو تنسيق الجهود لمواجهة الدور التركي

في ساحات عدة أهمها سورية وليبيا”.

ولفتت الصحيفة إلى أن “العلاقة بين الحكومة السورية وحفتر تعود إلى سنوات طويلة، بل إن بعض أبناء أسرته يعيشون في العاصمة السورية كما هو الحال مع أقرباء وأحفاد العقيد معمر القذافي. ومع مرور الوقت، بدأت تتراكم الظروف إلى أن انتقلت العلاقة من بعدها الشخصي إلى التنسيق العسكري والاستخباراتي والتعاون السياسي”.

كورونا في سوريا، ومسرح اللامعقول

كورونا في سوريا، ومسرح اللامعقول

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات

أغلقت الحكومة السورية المدارس والجامعات في سوريا إبتداء من يوم 14 آذار وحتى 2 نيسان لتعقيم الصفوف، وأصدرت قراراً بمنع الأركيلة في المقاهي. وجاء هذا القرار بغتةً إذ أن الإعلام الرسمي السوري أكد مراراً أن سوريا خالية من فيروس كورونا وبأن الحالة الوحيدة التي اشتبهوا أنها مصابة بفيروس كورونا ثبت بعد التحاليل أنها ليست كورونا ! لذا جاءت هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية مفاجئة، لكن ماذا تعني هذه الإجراءات بالفعل؟

حالة صفوف المدارس: بداية أحب أن أشير إلى أهم مدرسة في اللاذقية وهي ثانوية البعث للطالبات في المرحلتين الإعدادية والثانوية. وتقع هذه المدرسة في حي العوينة المكتظ سكانياً، وأهم ما يميزها هضاب الزبالة عند باب المدرسة، ولا أبالغ بكلمة هضاب أبداً، لدرجة أصبحت هضاب الزبالة من جغرافية المشهد، حتى أنني عندما طلبتُ تاكسي قلتُ للسائق أنني أريد الذهاب إلى جانب مدرسة البعث للبنات في حي العوينة فرد للتو: يعني عند حاويات الزبالة ؟ قلتُ تماماً. أصبحت حاويات الزبالة دليلاً للعنوان، ولأنني على احتكاك مباشر مع العديد من المدرسين والطلاب في مدارس اللاذقية فقد أخبروني ما يلي ومن يرغب بالتأكد يستطيع زيارة تلك المدارس:

أولاً: معظم الطلاب يحضرون إلى المدرسة خاصة في الأحياء الشعبية بحالة دوار من الجوع، لدرجة تضطر المُدرسة بالتعاون مع إدارة المدرسة أن يشتروا خبزاً وزيتاً وزعتراً أو لبنة لهؤلاء الأطفال الجياع، ومعظم هؤلاء الأطفال يتناوبون هم وأخوتهم الطلاب أيضاً الدفاتر نفسها والقلم نفسه، لأن لا إمكانية للأهل أن يشتروا لكل ابن دفتراً وقلماً.

ثانياً: معظم الصفوف في مدارس اللاذقية غير مدفأة ولا مُضاءة، وفي الشتاء يبدأ الظلام حوالي الساعة الرابعة والنصف وينتهي دوام الطلاب عند الساعة الخامسة والنصف أي أنهم يقبعون ساعة وأكثر في الظلام وقالت لي إحدى الطالبات: ننزل الدرج خائفين أن نسقط لكن إن كانت الأستاذة لطيفة تنير لنا الدرج بضوء موبايلها.

ثالثاً: الحمامات في المدارس أي المغاسل والمراحيض مروعة في قذارتها وإهمالها لدرجة يمكن إعتبارها مزارع لأخطر أنواع الجراثيم وثمة طلاب يمتنعون عن شرب الماء كي لا يضطرون للتبول في المراحيض، والكثير منهم يُصابون بإلتهاب المجاري البولية بسبب القذارة المقرفة للمراحيض والمغاسل. وهذه القذارة نجدها في معظم المقاهي والمطاعم في اللاذقية ولو بدرجات متفاوته.

لا أعرف معنى تعقيم الصفوف فيما هضاب القمامة على أبواب المدرسة! وحين سألت الطلاب إن كان بعض الأساتذة أو المسؤولين في المدرسة قد نبهوهم للإصابة بفيروس كورونا وكيفية الوقاية منه أجمع كل الطلاب على جواب: أبداً لم يتكلم معنا أحد عن فيروس كورونا لكنهم (بعض المدرسين وإدارة المدرسة) وعظوا الطلاب عن أهمية الليرة السورية وإحترامها والليرة عزتنا الخ ونبهوا الأطفال (الدائخين من الجوع) إلى خطورة التعامل بالدولار (الشو اسمو). وبأن عقوبة من يتعامل بالدولار كبيرة جداً! هل نبالغ إذا وصفنا سوريا بمسرح اللامعقول أو وطن اللامعقول! من أين سيحصل طالب فقير على الدولار! وهو الذي يلهث وراء رغيف الخبز ليسد جوع معدته! ما هذه المواعظ الخُلبية التافهة؟ من يقرر هكذا مواعظ لطلاب فقراء يدرسون على ضوء الشموع في منازلهم ومحرومين من الأكل الصحي الضروري لنمو أجسامهم وعقولهم، يحدثونهم عن عقوبة التعامل بالدولار! يا للعار، يا لاحتقار الطفولة والمراهقة.

جاء قرار إغلاق المدارس والجامعات ومنع الأركيلة مُضحكاً والكل يرى الحشود التي تزيد عن مئتي أو ثلاث مئة سوري محتشدين متلاصقي الأجساد عند باب الأفران أو بانتظار جرة الغاز أو عند أبواب المؤسسات الإستهلاكية حين توزع السكر والرز والزيت النباتي على المواطنين ولكل مادة غذائية بطاقة ذكية! كل شيء مجبول بالذكاء في سوريا ولا يمكنك الحصول على أي شيء إلا بواسطة ذكاء البطاقة الذكية! هؤلاء الحشود كيف ستتعامل معها وزارة الصحة السورية وكيف ستقيها من الكورونا! إذ يكفي أن يكون أحد الأشخاص الواقف في طابور الخبز أو الغاز أو الرز مصاباً بفيروس كورونا حتى يعدي الـ300 مواطن سوري الذي يهدر وجوده بانتظار الخبز والرز والغاز وغيرها من المواد الأساسية.

الأمر المهم أن سوق البالة المركزي وسط اللاذقية يعج بآلاف محلات البالة، وهو عبارة عن زقاق ضيق جداً تتراص دكاكين البالة على جانبيه ولا يمكنك المرور به بسبب الازدحام الشديد للناس والذي ينافس الازدحام على الأفران، ولا أظن أن الدولة السورية قادرة على اتخاذ قرار بإغلاق محلات البالة، وإلا لمشى 80 بالمئة من الشعب السوري عارياً. وثمة إجراءات هامة اتخذتها الدول المتقدمة وحتى لبنان بأن تعوض الراتب كاملاً للعمال الذين يضطرون للعمل كل يوم محتكين بالناس. في سوريا لم تلتفت الحكومة لوضع هؤلاء العمال ولم تطالب أي من العاملين في كل مؤسسات الدولة بتخفيض عمل العاملين فيها أو أن يعملوا من بيوتهم، بقي وضع المصارف ومعظم مؤسسات الدولة كما هو. وبقيت هضاب القمامة في الطرقات والأزقة وعند مداخل المدارس، واستمرت آلاف محلات البالة تشرع أبوابها كي يلبس الفقراء أجمل الماركات العالمية وبأسعار معقولة. الحشود على الأفران والمؤسسات الإستهلاكية التي توزع المعونات للمواطن السوري والحشود في محلات البالة لا يُمكن تعقيمها، بل هي بيئة ممتازة لإنتشار فيروس الكورونا وتحوله إلى وباء. وماذا بعد 2 نيسان! هل ستتعقم المدارس والجامعات فعلاً، في حين تتراكم الزبالة عند مدخلها وينغل الذباب والجرذان، ومراحيضها ومغاسلها قمة في القذارة وغالباً المياه مقطوعة.

 التعقيم في سوريا مجرد ديكور، شيء منفصل عن الواقع الحقيقي لشعب يعاني من الإهمال والفقر والجوع والخوف. حياة السوري مع التعقيم الذي أوهمتنا به وزارة الصحة تشبه حكاية الإمبراطور العاري. على الشعب كله أن يمتدح ملابسه ووحده طفل سوري فقير لا يعرف طعم السمك ولا اللحم ولا الفاكهة ويحضر إلى المدرسة بحالة دوار من خواء معدته ليجد نفسه يتلقى وعظاً عن خطورة التعامل بالدولار! وحده الطفل سوري الطالب في صفوف معتمة باردة مخلوعة النوافذ والأبواب يمكن أن يقول: التعقيم كذبة ويكشف عري وزارة الصحة والإجراءات المزعومة للوقاية من الكورونا.

عقارات السويداء في مهب الريح: آلاف الشقق الفارغة

عقارات السويداء في مهب الريح: آلاف الشقق الفارغة

بعد الطفرة الكبيرة في حركة البناء والعقارات التي شهدتها مدينة السويداء خلال سنوات الحرب الماضية، تعاني المدينة اليوم من انكماش وكساد حاد في سوق العقارات والذي انعكس بدوره على مجمل الحياة الاقتصادية للمدينة، فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؟ وما مدى تأثيره على المدينة وعلى حركة الأسواق فيها؟

لماذا العقار؟

قبل الحرب السورية شهد سوق العقارات ازدهاراً ملحوظاً في السويداء وذلك لأسباب عديدة أهمها إهمال القطاع الزراعي بشكل كبير دون معالجة المشكلات التي تواجهه، ما أدى إلى تدهور الزراعة وضعف إنتاجيتها ومردودها على الفلاح؛ فازدادت حركة الهجرة من الريف إلى المدينة، وهجر الكثيرون أراضيهم وتوجهوا إلى العمل والاستثمار في سوق العقارات وفي أعمال البناء. طالت الإشكالات ذاتها  باقي القطاعات الإنتاجية سواء أكانت في السياحة أو في الصناعة أو حتى في التجارة؛ فالقيود المفروضة على هكذا أعمال وضعف الاستثمار والاهتمام بها من ناحية، والسهولة في الاستثمار بالعقارات من ناحية ثانية جعل سوق العقارات يستحوذ على مجمل حركة الاقتصاد الموجودة في السويداء. وساعد أيضاً على هذا الازدهار تدفق الأموال القادمة من المغتربين في الخارج والذين وجدوا في العقار استثماراً مضمونا.

 وقد عبر (إيهاب، 48 سنة، صاحب مكتب عقاري) عن أهمية العقار التي لا تتقادم مع الزمن بقوله: “أثبتت التجارب السابقة جدوى الاستثمار في العقارات على المدى البعيد، فهو الأكثر ثباتاً من غيره في التعامل مع متغيرات الاقتصاد وفي الحفاظ على قيمة رأس المال، العقار كالابن البار الذي ستجده في خدمتك وبجانبك في المستقبل عندما تحتاج إليه.”

فائض في المعروض

لم يكن حجم الطلب في سوق العقارات كبيراً بالمقارنة مع حجم العرض وحركة البناء الضخمة والسريعة التي شهدتها السويداء المدينة والقرى القريبة منها بالإضافة لمدينتي صلخد وشهبا، لكن ما جعل أعمال البناء تستمر بهذا النشاط غيرالمسبوق هو حركة رأس المال الكبيرة في الشراء والتي يعتبرها (عامر،37 سنة، صحفي) غير منطقية ويشكك بمصدرها وغاياتها، فيقول: “ارتفعت الأسعار فجأة بشكل جنوني حتى وصلت في بعض الأحياء لأرقام قياسية وبخاصة في الشوارع التجارية الرئيسية، وبات من يمتلك بضع أمتار في شارع قنوات مثلاً أو الشعراني مليونيراً في طرفة عين. لا أحد يعرف بالضبط مصدر هذه الأموال الضخمة التي ظهرت فجأة في السوق عن طريق وسطاء غير معروفين سابقاً، ما يجعل الشكوك كبيرة في كونها أموال مشبوهة تبحث عن تبييض يشرعن وجودها بحيث وجدت في سوق العقارات الناشئ في السويداء فرصة مناسبة لذلك”.

ونتيجة لذلك ازدهرت جميع الأعمال ذات الصلة بالعقارات، ونشطت حركة العمالة والحرفيين بشكل ملحوظ، وبات الطلب على اليد العاملة والخبيرة أكبر من ذي قبل، بالإضافة للنشاط في حركة النقل والتصنيع والمقالع، سواء المحلية منها أو القادمة من دمشق وباقي المناطق. وانتشرت المكاتب العقارية في كل مكان وأعمال السمسرة والوساطة العقارية التي شهدت بدورها أرباحاً لم تكن لتحلم بها يوما. و زاد بشكل كبير حجم أعمال المهندسين بكافة اختصاصاتهم، كذلك المحامون أيضاً ازدهرت أعمالهم في العقود والمعاملات القانونية، بالإضافة للدعوات القضائية والخلافات الكثيرة التي كانت تحصل مابين المتعهدين من جهة وأصحاب العقارات من جهة ثانية.

بدت مدينة السويداء وكأنها ورشة كبيرة لا يمكن أن يتوقف العمل فيها، كان السباق على من يبني أسرع، وحتى لو لم ينته البناء بشكل كامل كان يكفي أن يتم الانتهاء من الأعمال الأساسية على الهيكل حتى يصبح العقار في سوق البيع والشراء، بل لقد تفاقم الموضوع لحد أن الكثير من عمليات الشراء كانت تتم بمجرد أن يكون هناك مخططات للبناء وترخيص فقط دون أن يكون قد بني حجر واحد فيها. هذا التسارع الكبير أدى إلى الكثير من التجاوزات في رخص البناء ومواصفاتها دون مراعاة المعايير الفنية والجمالية والتخطيط الصحيح للمدينة، وبحسب رأي (عامر): “فإن حمى العقارات قد اجتاحت كل شيء، معظم البيوت الجميلة والقديمة في المدينة تعرضت للهدم، وبني مكانها أبراج وبنايات، بدأت المدينة تفقد هويتها العمرانية والثقافية بسرعة كبيرة، فلم يعد للمكان ذاكرة تجمع الناس، بات المهم ما يحققه من أرباح وأموال، حتى أن الكثير من المواقع الأثرية تعرض للتخريب نتيجة لذلك وبخاصة الموجودة في وسط المدينة القديمة وعلى الشارع المحوري.”

السويداء خارج الدمار والحرب

كان المشهد في السويداء خلال السنوات الماضية مثيراً للدهشة والاستغراب، فبقدر ما كانت باقي المدن والبلدات السورية تعيش حالة دمار، كانت السويداء تعيش النقيض تماماً وكأنها خارج الحرب بالمطلق، النشاط والازدهار في حركة البناء الذي كان قبل الحرب ازداد أضعافاً بعد 2011، وذلك لأسباب كثيرة أهمها حسب رأي (سليم، 44 سنة، محامي): “يعود إلى حالة الأمان التي عاشتها المدينة وبقائها خارج نطاق العمليات العسكرية، بالإضافة لموجات النزوح الكبيرة التي أتت إليها من المدن الأخرى وبخاصة درعا وريف دمشق ودير الزور، بحيث وصلت أعدادهم إلى قرابة (200 ألف) شخص حسب تقديرات بعض الناشطين”.

أدى تواجد تلك الأعداد الكبيرة من الوافدين من خارج المدينة إلى زيادة الطلب بشكل كبير على استئجار الشقق السكنية، وبدرجة أقل لاستملاكها، عدا عن الأيدي العاملة التي توفرت بكثرة والتي وجدت في مجال البناء والعقارات ميداناً مناسباً للعمل، بالإضافة لاستفادة السوق من حجم الطلب المتزايد على السلع وكذلك الاستفادة من المعونات والأموال المحولة من الخارج ما زاد السيولة النقدية والقوة الشرائية بشكل ملحوظ وانعكس بشكل واضح على حجم التداول في سوق العقارات.

 إلا أن لدى (سامي، 39 سنة، مهندس مدني) رأي آخر، فبالرغم من أهمية الأسباب التي ذكرناها سابقاً إلا أنه يعزو طفرة النشاط في سوق العقارات لتذبذب سعر صرف الليرة والانهيارات المتلاحقة التي أصابتها، يقول سامي: “فقدَ الجميع الثقة بالعملة المحلية وأصبحت المخاوف من انهيار كامل في الاقتصاد تؤرق الجميع، وبات الاستثمار في العقارات أو تحويل الأموال لعقارات أشبه بوصفة وحيدة لضمان قيمتها ولو بالحد الأدنى، إضافة لعائدات الآجارات التي شكلت دخلاً جيداً أيضاً”.

ارتداد عنيف

شكل سوق العقارات مؤشراً ومقياساً أساسياً لأي حركة في الحياة الاقتصادية للسويداء، والتي نراها اليوم في أسوأ أحوالها.

 يوجد اليوم أكثر من 10 آلاف شقة سكنية فارغة في المدينة وحدها، عدا عن باقي المدن والبلدات، حسب تقديرات بعض المتعهدين.

وبتسارع كبير انهار سوق العقارات بالكامل تاركاً انعكاساته الكارثية على كل شيء، ومشكلاً حالة من الارتداد العنيف أصاب المدينة بشلل كامل بعدما كانت أشبه بخلية نحل نشطة، ويرجح بعض الخبراء ذلك لأسباب تتعلق بتطورات المعارك على الأرض والتغيرات الكبيرة التي رافقتها، فبعد سيطرة قوات النظام على أغلب مناطق المعارضة وبخاصة ريف دمشق ودرعا، عاد قسم كبير من النازحين الموجودين في السويداء إلى بيوتهم مما أدى إلى إخلاء الكثير من الشقق السكنية وتوقف شبه تام لحركة الأجارات. هذا عدا عن تأثر الأسواق أيضاً بشكل مباشر في قلة الطلب على كافة السلع وحتى الأساسية منها. لقد شكل القادمون إلى السويداء قوة شرائية كبيرة لا يستهان بها وزاد الطلب على السلع بحدود الضعف تقريباً وأحياناً أكثر، ولكن مع عودة أغلبهم إلى مدنهم فقد انخفضت الحركة للحد الأدنى، وأغلقت الكثير من المحلات نتيجة الخسائر التي أصابتها.

غير أن هناك أسباباً أخرى مهمة وذات صلة أيضاً بتغير خارطة السيطرة في الصراع السوري، حيث شكلت السويداء معبراً مهماً للتهريب في الفترة التي كانت المناطق المحيطة بها خارج السيطرة الحكومية، فكان يتم عبرها تهريب كل شيء تقريباً من البادية إلى درعا عبر عصابات وأفراد امتهنوا ذلك وبالأخص تهريب المحروقات التي كانت تأتي من مناطق سيطرة تنظيم داعش في البادية لتعبر السويداء باتجاه درعا ومنها إلى الخارج. هذا الازدهار والنشاط في حركة التهريب أدى إلى نشوء أسواق على هامش التهريب لعرض البضائع عدا عن الأموال الكبيرة التي ضخت في السوق نتيجة لذلك والتي شكلت وفرة واضحة في النقد انعكست بشكل مباشر في حركة الأسواق، ولكن كل تلك الأموال والأعمال تبخرت وتوقفت بالكامل مع تغير الأوضاع على الأرض.

وهناك أسباب مهمة أيضاً أدت إلى تفاقم الكساد، وهي انهيار اقتصاد الدول التي يعتمد غالبية سكان السويداء على الهجرة إليها وبالأخص فنزويلا، عدا عن تراجع المواسم الزراعية بشكل كبير وانتشار البطالة وقلة فرص العمل وطلبات التجنيد التي لاحقت الشباب ومنعتهم من الحركة والعمل، بالإضافة إلى الانهيار السريع لليرة والتذبذب الحاد بسعر الصرف بين فترة وأخرى وما خلفه من أثار سلبية على اقتصاد الأسر محدودة الدخل، بحيث أصبحت كل مدخرات وإنتاج العائلة تذهب لسد الحاجات الأساسية اليومية.

الانجرار وراء هوس الربح السريع وانعدام التخطيط الصحيح لحاجة مدينة السويداء الفعلية من الأبنية أوقع الناس في أزمات مالية لا يعرف لها حل، وحول أموالهم إلى كتل من الحجارة التي لا نفع منها أقلها في ظل بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم، ما دفع إلى مزيد من التخبط في الأسعار وأجبر الكثيرين على البيع بأقل من سعر التكلفة بكثير لحاجتهم إلى السيولة النقدية.

مئات من نازحي إدلب في ضيافة قسد

مئات من نازحي إدلب في ضيافة قسد

بعد رحلة فرار محفوفة بالمخاطر وتحت هدير الرصاص والطائرات تمكنت عائلة رستم أحمد من النجاة بأرواحها وسلك طرق وعرة مع آلاف الفارين من مناطق إدلب وجبل الزاوية والعبور إلى مدينة منبج.

ومع اشتداد المعارك والقصف الجوي على مدن وبلدات ريف إدلب وفقدان المدنيين لحياتهم، أطلق قائد قوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” مبادرة إنسانية دعا فيها إلى فتح أبواب الإدارة الذاتية الديمقراطية أمام المدنيين الهاربين من الحرب. ووصلت 1500 عائلة على عدة دفعات من إدلب إلى مدينة منبج نقلهم لواء الشمال الديمقراطي المنضوي تحت لواء قسد إلى مخيم “أبو قبيع” غربي مدينة الرقة.

الإدارة تجدد دعوتها

جددت الإدارة الذاتية استعدادها لاستقبال النازحين الفارين من المعارك الدائرة في إدلب مع تفاقم الوضع الإنساني فيها نتيجة المعارك الدائرة هناك وتداعياتها على المدنيين؛ رغم تواجد مئات الآلاف من النازحين الذين قدموا إلى مناطق الإدارة الذاتية هرباً من الحملة العسكرية التركية والحصار الذي تتعرض له المنطقة إثر إغلاق معبر اليعربية الحدودي بقرار أممي. وناشدت الإدارة الذاتية الأمم المتحدة بضرورة إعادة النظر بقرارها حول إغلاق المعبر، والعمل على ايصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال وشرق سوريا بصورة مباشرة، وذلك حتى تتمكن من القيام بواجبها الإنساني تجاه موجة النزوح الجديدة من إدلب.

وتمكنت مئات العوائل الفارة من مدينة إدلب من الوصول إلى مدينة منبج شرق مدينة حلب بعد الهرب من المعارك الدائرة في مدينتهم وريفها بين قوات النظام السوري من جهة وفصائل المعارضة السورية والجماعات الجهادية من جهة أخرى.

أبو الجلود والدادات

وكان قد نشر مجلس منبح العسكري في بيان له على موقعه الالكتروني الخاص استقباله لعدة دفعات من الواصلين في معبر (أبو الجلود) في مدينة منبج، فيما استقبلوا الدفعات السابقة عبر معبر الدادات الواقع على خطّ نهر السّاجور الفاصل بين قوّات مجلس منبج العسكريّ المنضوي تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية من جهة، والفصائل السورية المعارضة الموالية لأنقرة من الجهة المقابلة (شمال غرب مدينة منبج).

ونشر المكتب الإعلامي للواء ثوار إدلب المسمى بـ(لواء الشمال الديمقراطي) المنضوي في صفوف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الواحد والثلاثين من كانون الثاني الحالي، تسجيلاً مصوراً على صفحته على الفيس بوك يظهر وصول الدفعة الثالثة المؤلفة من أكثر من 80 عائلة نازحة من إدلب إلى منبج.

لواء الشمال الأدلبي

وحول حماية وتأمين حياة نازحي إدلب وعدد العائلات الوافدة، تحدث قائد لواء الشمال الديمقراطي (أبو عمر الإدلبي) عن تكفل لواء الشمال الديمقراطي بضمان وصول النازحين\ات إلى منبج ونقلهم إلى مخيم “أبو قبيع” غربي مدينة الرقة. وأضاف الإدلبي: “خلال الأيام الماضية وصل 800 نازح، ونقلوا بحماية لواء الشمال إلى مخيم أبو قبيع الواقع على خط الاوتوستراد الرئيسي للرقة. وحالياً يتم نقل العائلات النازحة إليه ريثما يتم تجهيز مخيم مخصص لنازحي إدلب قبالة مخيم “أبو قبيع” وتجهز الإدارة الذاتية في منبج مخيمين جديدين لاستيعاب عدد أكبر من النازحين”.

تخاذل المنظمات الإغاثية

وندد الإدلبي بتخاذل المنظمات الإغاثية في أداء دورها في تأمين احتياجات النازحين وقال: ” لم تبادر أي منظمة إنسانية بإغاثة ومساعدة هؤلاء المدنيين النازحين، باستثناء الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والمجالس المدنية التابعة لها”.

ونشر (أبو عمر الأدلبي) المتحدر من ريف مدينة إدلب على صفحته الخاصة على الفيس بوك عن استشهاد شخصين من عائلته يوم الأثنين 3 شباط خلال عمليات القصف الجوي التي نفذتها الطائرات الروسية على تلك المناطق.

أوضاع مزرية

وعن الأوضاع الإنسانية في مدينة إدلب وريفها التقيتُ بعائلة حمدون المؤلفة من ستة أشخاص والنازحة من جبل الزاوية. شاركت العائلة تفاصيل الأوضاع الكارثية التي يعيشها المدنيون وعمليات القتل اليومية التي تطال مدن وبلدات ريف إدلب. وندد حمدون حسن بتخاذل عدة فصائل من الجيش الوطني السوري المعارض في حماية المدنيين وقال: “تحولت بعض الفصائل لعصابات مرتزقة مؤتمرة بأمر أنقرة وتنفذ أجنداتها التوسعية في سوريا آخرها احتلالهم لمدينتي (رأس العين) و(تل أبيض) وتهجير سكانها الأصليين بدل حمايتنا من القصف الذي دمر إدلب”.

100 ألف نازح و تجهيز مخيمات

ومع اشتداد المعارك في إدلب يعتقد مسؤول مكتب العلاقات العامة في لواء الشمال الديمقراطي (خالد زينو) بزيادة عدد النازحين وقال في تصريحات صحفية أن عدد النازحين خلال الأشهر القادمة قد يتجاوز الستين ألف نازح مبيناً أن الإدارة الذاتية تجهز مخيماً ضخماً في مدينة منبج سيستوعب ١٠٠ ألف مدني.

وقال إداري في مخيم أبو قبيع  فضل عدم الكشف عن اسمه أن قسماً من العائلات النازحة توزع بعضها في مخيم أبو قبيع، وقسم آخر منهم يُنقل لمركز الإيواء داخل مدينة الرقة.

وعن استعدادات الإدارة لتجهيز مخيم لنازحي إدلب جنوب منبج تابع  الإداري قوله: ” الإدارة المدنية في منبج وبالتنسيق مع تنسقية إعمار كوباني، تجهز مخيماً بمساحة 100000 م٢ مقسماً لأربعة أقسام بهدف استيعاب آلاف العوائل النازحة التي من المتوقع أن تزداد مع اشتداد وتيرة المعارك في إدلب”.

مبادرة عبدي

واعتبر قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في تغريدة أطلقها في السابع والعشرين من كانون الأول عبر حسابه الخاص على تويتر أن ما تشهده إدلب من حرب هو جزء من مشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التوسعي في المنطقة، ودعا القيادي الكردي إلى استقبال نازحي إدلب في مناطق قوات سوريا الديمقراطية وقال: “أبوابنا مفتوحة لأهلنا في إدلب، يمكنهم التنسيق مع (القوى العسكرية الإدلبية) المنضوية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية للتوجه إلى مناطقنا”.

وحول مبادرة عبدي لاستقبال نازحي إدلب قال قائد لواء الشمال الإدلبي (أبو عمر الادلبي) أن  مبادرة القائد مظلوم عبدي ليست الأولى لأهالي إدلب، حيث أُنشئت في وقت سابق مخيمات لأهالي إدلب في تل رفعت وعفرين قبل احتلالها من قبل الأتراك و مخيم آخر في مدينة الرقة منذ أكثر من عام ونصف”.

تُعد مبادرة قوات سوريا الديمقراطية باستقبال نازحي إدلب مثالاً إيجابياً على التضامن الوطني بين المكونات المتنوعة للمجتمع السوري. إلا أن نجاح واستمرار هذه المبادرة عرضة للكثير من التحديات والضغوطات والهجمات المستقبلية من قبل النظامين التركي والسوري.

يوم لبست وجه خالتي الغريبة: حكايات النساء في زمن الحرب

يوم لبست وجه خالتي الغريبة: حكايات النساء في زمن الحرب

في مجموعتها القصصية الجديدة (يوم لبست وجه خالتي الغريبة)، تبتعد سلوى زكزك عن التمويه والخداع وتزييف الوعي أو تصوير البلاد بلوحات رومانسية، فاتنة، والمرأة في صورة متخيلة أكثر منها حقيقية ومن لحم ودم. إن قصصها واقعية وغير مباشرة بذات الوقت، والمرأة بنموذجها الواقعي الحقيقي تظهر بلا مكياج رومانسي أو أيديولوجي، امرأة حقيقية في طاحونة الحياة اليومية. ولا تنادي الكاتبة بتحرر المرأة الاقتصادي عبر الشعارات البراقة، بل ترصد متغيرات تمكن النساء الاقتصادي والاجتماعي وقدراتهن الشخصية في غياب الرجل، الشريك في بلاد الحرب المديدة.

 في قصص سلوى تغيب اللغة البلاغية والمجاز وتهيمن اللغة الواقعية في تجانس بين بناء القصة ورؤية الكاتبة الراصدة للحرب وآثارها من القذائف والحواجز والفقدان وغياب الحاجات اليومية وانعكاس ذلك على حضور المرأة وأحلامها.

لا تتحدث الكاتبة عن الحرب مباشرة ولا عن بطولات المتحاربين، بل اختارت التحدث عما تلتقطه عيناها، النساء فقط! بلا رموز وبلا رتوش، وهي بذلك تريد مخاطبة ما هو جدير بانتباهنا، نحن الذين ننجذب إلى شعارات الحرب والبطولات، مستحضرة شخصيات حقيقية لطالما نراها ولا ننتبه لها، شخصيات إيجابية رغم حزنها، وقوية رغم شح ما تقدمه الحياة لها.

في قصتها الأولى، التابوت المصدف، تأخذنا إلى امرأة تعيش في مستودع للصناديق، حتى صارت ظلاً للصناديق، تستمد الدفء من الصندوق الأسود، وتتأكد من سلامة ممتلكاتها حين تتفقدها في الصندوق البني حيث ورقة طابو البيت وصور الأولاد الذين هاجروا، وهوية الأب الذي خرج ولم يعد، هي لا تعيش في مخيم وربما يحسدها الناس على عيشتها في هذا المستودع الذي تفتقد بسكنها فيه إلى عقد إيجار أو استضافة، لكنه آمن ونظيف ومجاني. إنها قصة الحياة المؤجلة في بلد يشبه الصندوق المغلق، لكن المرأة تعيش حياتها كتحد وتنتظر الغد رغم الخوف والعفن والوحدة.

في قصة الثامنة صباحاً بتوقيت المدينة، يحضر الله في تفاصيل الحياة اليومية للناس، بالكلمات والأدعية وبالمواعيد، تكشف الكاتبة بعدستها الأدبية وبعين سينمائية أخاذة أماكن التسوق (البسطات)، ترصد كل حركة وكل كلمة وإعلان للبيع، يبدو الله قريباً من كل تفصيل، يغض النظر عن السرقات الصغيرة ويتعاطف مع المحتاجين والمتعبين، في مواجهة لا ترحم يقوم بها رجال البلدية فارضين خواتهم ورعبهم على البسطات وأصحابها. إنها القصة التي تسرد ما لا تذيعه نشرات الأخبار، قصة حيوات الذين لا صوت لهم، يهدرون أصواتهم للإعلان عن بضائعهم، ويرعبهم الصوت المنادي (اهربوا بلدية).

في قصة ع المكسر يا بطيخ، استجابت الصدفة للضرورة، ولأن بياع البطيخ في ليلة العيد كان مضطراً لبيع البطيخ كله ليسلم السيارة لصاحبها، اتجه إلى منطقة جبلية تسببت بتساقط البطيخ من صندوق السيارة، فتحولت إلى بطيخ مكسور بفعل الصدفة، إلا أيهم الفتى جامع القمامة فقد حصل وبالصدفة ومجاناً على بطيخة سليمة سكرية اللب وشهية، صدفة لبت ضرورة الاحتفال بالعيد ولو ببطيخة مكسورة بالصدفة.

في قصة، فاصل من الموسيقا، تعود المرأة لتحط كأم تلتقي بابنها المسافر ولا تلتقيه، لأن الموسيقا كانت عنواناً للوداع بدل اللقاء، وما بينهما حفل موسيقي وتبادل لأماكن الوداع، قصة الأم في لحظات انخطافها نحو الابن الذي كان مضطراً للعزف وقت وصول والدته وسفرها فامتدت الموسيقا كسنوات الغياب.

في زمن التحولات تسرد الكاتبة حكاية ليست كحكايات الأدوار العليا السائدة، بل حكاية تكسر التراتبية وتخترق السائد في محاولة لفرض التحول الخاص وكأنه جزء طبيعي من التحول العام.

 في قصة فائض عن الحاجة لا تتزوج المرأة بطلة القصة مرغمة لتغطي على حملها من حبيبها، وتضحي بجنينها الذي تعتبره فائضاً عن الحاجة في زمن الحرب وتبقي على قرارها بأن تعيش علاقة مع من تحب دونما زواج، إنها قصة تمرد وتحول وحاجة إنسانية في زمن جديد.

وفي قصة مجرد اشتياق، تكتب عن العمران الجديد وتوسع المدن الذي يأخذ من الناس ذكرياتها وأماكن الحب والتسوق وتسود الوحدة بعد تقدم العمر، وربما تكون مآلات ذلك دار المسنين، بطلة القصة رمزية تستعيد علاقتها بحارتها القديمة عبر سائق من حارتها كاد أن يدهسها، إنها قصة المشاعر المتناقضة وفيض الحاجة للآخر وإن غابت فدار المسنين هي الحل في عالم الوحدة والتصحر والاستهلاك.

وإذا كانت أسماء الأمكنة غائبة في كثير من القصص فإنها تحضر بقوة في قصة هدوء نسبي، التي تحدث في جرمانا، ودمشق تحديداً والزمن هو زمن سقوط القذائف، إنها الحرب مرة أخرى، بين الخوف واللاخوف من القذائف العابرة للسماء، إنها الحرب المحمومة لتأمين الاحتياجات في لحظة تظنها سميرة بطلة القصة لحظة أمان.

ولأن جنازات أبناء البلد صارت الفسحة الأكثر إدراراً للكلام وللتعارف، تتحول الجنازات إلى تصوير حي ومباشر لحياة النسوة العادية والتي تمنحها الجنازات حماساً وتشويقاً وتسرد قصص الموت بطرافة موازية لطرافة الموت في زمن الحرب وتصير الجنازات للفرجة كما هو عنوان القصة بدلاً من الحزن والتأسف.

في قصة ليفة للاستحمام تخرج النساء للتسوق وتعتمد الفقيرات منهن على البالة لشراء الملابس، ومن بين المتسوقات ثمة امرأة لا تشتري! لكنها تطلب ما تحتاجه وما يفيض عن رغبة سواها، لذلك تطلب المرأة الكتافيات من السيدة التي اشترت السترة، لماذا؟ لتجعل منها ليفة للاستحمام! قمة الطرافة والذكاء وحين تعجز السيدة عن تأمين أزرار لمعطفها تطلب من الله مطراً من الأزرار!! يا لها من مطالب؟

في بلاد لا يحمي القانون أهلها، تلجأ بطلة قصة (جنين) والمتزوجة إلى الحيلة، لتحافظ على عملها وجنينها في نفس الوقت، لأن صاحب العمل يشترط عمل العاملات العازبات فقط وعندما حملت بطلة القصة: (أزهرت وتكونت في أحشائها بذرة حية تنفث غلال المواسم في حياتها اليابسة) اختارت نداء قلبها (امرأة تختار ما تعرفه بقلبها)، ولكنها حين نوت الاستقالة من العمل لتعذر استمرار حيلتها أجهضت.

في قصة دغدغة مرهمية، رغم اللغة النثرية العذبة، إلا أن بطلة القصة، بائعة الخبيزة وعندما قدمت لها سيدة مترفة مطرياً ليديها تعاملت معه بأسلوب تراجيدي وكوميدي في نفس الوقت، لنكتشف المفارقة بين المطري ليدين من تعب وشقاء وبين الفقر عنوان المرأة والبلاد.

في قصة حالة طوارئ تتحول الكاتبة إلى مخرجة تلتقط اللقطات السينمائية في بلاد الحرب حيث (تتشتت الحرب على حدود العيش وتغمر بخرابها كل تفاصيله)، في لحظة محددة ينصرف الجميع تلبية لنداء الماء التي أتت فجأة وكأن قدومها بيان عسكري وجب التقيد به.

ولأن الغياب هو سيد الحاضرين في الحرب فإن المرأة هي التي تستلم كافة الأدوار في غياب الرجال، وخاصة ما تلجأ إليه الأمهات لبيع كل شيء من أجل تسفير الأبناء نحو ضفة آمنة، بطلة القصة وإن بدت فرحة بوصول أبنائها الثلاثة إلى النمسا، لكنها تقول وهي توزع الحلوى: (من قال إن قلوب الأمهات تسعد برحيل الأبناء).

في قصة إعلان عائلي، تصر الأم على خطبة شابتين لولديها الغائبين، لا تصدق غيابهما بل وتصبح حارسة الغياب، والحرب لا تنتصر بهول ما تجرفه معها وبهول خسارات البشر إنما تنتصر للباقيات، وكما قالت الأم (غداً ستنتهي الحرب، سترحل بعيداً، معترفة بأنها لم تهزم امرأة قط).

في قصة أليس وشهوة الموت، تعمل أليس خياطة وهي المرأة الأولى التي لبست بنطلون الشارلستون في مدينة دمشق، فانتصرت بعملها وبقرارها، ولكنها وفي نهاية عمرها لا تريد إلا أن تسرد حكايتها مع نجاحها، خاصة أنها تمثل الجرأة مما دفع الخياطين للقدوم لمنزلها لتعلم قصة البنطلون الشارلستون النسائي.

في قصة معايدة، تطلب أم صادق من مذيعة التلفزيون ساعة حائط وروزنامة كمعايدة في ليلة رأس السنة، مع أنها تعيش في الحديقة منذ ثلاث سنين، في خيمة قماشية على أرضيات خشبية مرتفعة عن الأرض كقبر. وعندما خرجت من بيتها لم تأخذ منه إلا كفنها الذي تجدد كيسه دورياً كي تموت بكرامة كما تقول.

في القصة الأخيرة والتي حملت المجموعة اسمها، تستعرض القاصة يومها الطويل العامر بالغربة، لدرجة أنها تتقمص وجه وشخصية الخالة الغريبة وعندما تعود إلى منزلها في الحافلة الصغيرة الخانقة تقص على الركاب قصة الخالة وكأنها هي، لتغرق في الغربة ويغرق الركاب أيضاً في عتمة الغربة الطويلة ورائحة الفجيعة فيها.
في تسعين صفحة روت القاصة سلوى زكزك حكايات النساء في زمن الحرب. إن فرادة قصص المجموعة تقوم على اللقطة السينمائية وبذات الوقت البانورامية، لقد منحت سلوى زكزك حكايات السوريات مذاقاً محلياً خاصاً، مهتمة بالبعد الإنساني الموجع لكن الذي يفور بالمواجهة والتحدي، ومن هنا يليق بها الإهداء إلى السوريات البهيات.

تداعيات انهيار الليرة السورية –السويداء نموذجاً

تداعيات انهيار الليرة السورية –السويداء نموذجاً

بقيتُ في سوريا ولم أغادرها خلال السنوات الحرب، وكان عليّ أن أتحمل نتائج خياري هذا على كافة الصعد. غادرتُ دمشق بعد سنوات من الحياة والاستقرار فيها وعدتُ إلى قريتي في ريف السويداء عندما أصبح البقاء في دمشق مستحيلاً.

بُعد السويداء عن العمليات العسكرية المباشرة أكسبني ميزة جيدة لأعيد ترتيب حياتي من جديد وخاصة أنني ابن هذا المكان. غير أن انعكاسات الحرب كانت حاضرة وبقوة في مدينة محدودة الإنتاج والخيارات. الأعداد الكبيرة  للوافدين إليها من باقي مناطق سوريا والأوضاع الاقتصادية السيئة بالإضافة لأزمات المحروقات والكهرباء والانهيارات المتلاحقة لليرة السورية زاد من معاناة الناس وبات توفير الحد الأدنى للمعيشة همّاً يسيطر على الجميع.

وسط هذه الأجواء لم يكن لدي إلا خيار العمل في الأعمال البسيطة والمتاحة في البناء أو الأعمال الزراعية، حالي حال أغلبية الناس هنا على أمل أن تكون الحلول قريبة رغم كل المؤشرات المحبطة.

 تحايلنا على كل شيء محاولين إيجاد حلول مناسبة كل حسب عمله وظروفه، حيث أصبح من الضروري على كثيرين إيجاد عمل إضافي وتقليص نفقاتهم ليستطيعوا الصمود، فتجد الموظف مثلاً سائقاً لتكسي أجرة بعد دوامه أو عاملاً في أحد المحال التجارية في السوق. و بات الفلاح ينجز أغلب أعماله بيده ليوفر أجرة العمالة والآلات عائداً إلى نمط الزراعة البدائي والبسيط. أيضا كانت المشاريع المنزلية الصغيرة حلولاً ناجحة لفئات كثيرة في تأمين بعض الدخل والحاجات الأساسية كمشاريع الحياكة والتطريز وتجفيف الفواكه والزراعات المنزلية الصغيرة وغيرها الكثير.

بدوري نجحتُ في إنشاء مشروع صغير بالشراكة مع أحد أقاربي لتصنيع طوب البناء (البلوك) مستفيداً من قرض صغير استطعتُ الحصول عليه بالإضافة لبيعي قطعة أرض واستثمار ثمنها في المشروع. بدا المشروع ناجحاً في البداية نتيجة الحركة العمرانية التي كانت جيدة في السويداء والتي مرت في مرحلة ازدهار سريعة في بداية الحرب كانت لها أسبابها الكثيرة التي يعتبر خوف الناس من انهيار العملة والاستثمار المضمون بالعقارات أهمها، بالإضافة للأعداد الكبيرة من الوافدين وحاجتهم إلى السكن والخدمات.

واجهتُ الكثير من المشاكل في أثناء عملي كقلة العمالة وتذبذب الأسعار إضافة إلى انقطاع المواد الأولية (التي كانت تأتي من دمشق) نتيجة العمليات الحربية وإغلاق الطرقات والانقطاع المتكرر والطويل للكهرباء وغيرها من المشاكل الصغيرة المتعلقة بطبيعة المهنة والعمل. إلا أني كنتُ دائماً أجد الحلول لها، فعندما أجد نقصاً في اليد العاملة مثلاً كنتُ أنجز أغلب الأعمال بيدي أو أقدم عروضاً مغرية للعمال مقلصاً أرباحي للحد الأدنى، وكذلك الأمر بالنسبة للمواد الأولية كنتُ أستعيض بالمواد المحلية حتى لو كانت أقل جودة. كانت مشكلة انقطاع الكهرباء الأقسى فقد كنا نعمل حسب برنامج التقنين سواء في الليل أو النهار، ولكن عندما ساءت الأمور أكثر اضطررتُ لشراء مولدة كهربائية وإضافة تكاليف جديدة على الإنتاج قلصت هامش الربح أكثر فأكثر، إلا أن استمرارية العمل كانت الهاجس الأكبر، ورغم كل المعوقات كان المعمل الصغير يؤمن لي دخلاً حماني خلال كل تلك السنوات من الجوع والحاجة.

ما يحدث اليوم في عموم سوريا شيء مختلف كلياً عن كل السنوات التي مرت. وما يحدث هنا في السويداء يمكن تعميمه على باقي المناطق بكل تأكيد، فالانهيار الأخير للعملة كان كارثياً بكل المقاييس، فقد تضاعف سعر صرف الدولار في فترة قياسية ليصل اليوم إلى حدود 1000 ليرة. وربما لن يقف عند هذا الحد في ظل كل الأزمات الموجودة لبلد أنهكتها الحرب ودمرت كل مفاصل اقتصادها. ما يخيف اليوم أن قدرة الناس على تحمل ما يجري أو التحايل عليه باتت معدومة بالمطلق ما يهدد بكوارث قادمة ستطال الجميع.

في استعراض سريع لما يحدث اليوم سأبدأ من وضعي الشخصي، فشل معملي الصغير في تحمل الأوضاع الجديدة، كانت البداية منذ شهور مضت حيث توقف الطلب تقريباً على مواد البناء وأصاب سوقَ العقارات كسادٌ كبيرٌ انعكس بشدة على كامل الحركة الاقتصادية في السويداء. هذا أدى إلى توقف المعمل بالكامل واضطررتُ بدايةً لبيع ما كان موجوداً من بضاعة قليلة وبعض المواد الأولية والتي يفترض أنها رأس مال متحرك لأستطيع تأمين حاجاتي اليومية الضرورية، وما تبقى من أدوات وعدة بعتها لقريبي بالتقسيط وفضضت الشراكة معه لأجد نفسي اليوم وقد خسرت كل شيء؛ فقيمة العدة لا تساوي شيئاً في ظل الارتفاع الكبير للدولار (فبحسبة بسيطة كانت تساوي في بداية الحرب مليون ليرة أي ما يعادل 10 آلاف دولار أما اليوم تعادل ألف دولار لا أكثر).

خلال جولة صغيرة في أسواق المدينة نستطيع أن نلمس حجم المشكلة بسهولة، فالكثير من المحلات قد أغلقت وامتنع غيرها عن البيع بحجة عدم ثبات الأسعار، عدا عن أن الكثيرين يبيعون بأسعار عشوائية حسب مزاجهم، ما أدى إلى ارتفاع جنوني لأسعار السلع والبضائع.

 أعرف عادل (55 عاماً، صاحب متجر للمواد الغذائية) منذ سنوات، وقد أخبرني أنه أقفل محله في السوق ريثما تستقر الأسعار ويقول: “هامش الربح في المواد الغذائية والسمانة قليل جداً، حيث نعتمد على حجم المبيعات وحاجة الناس اليومية لها، لكن تفاوت الأسعار بين يوم وآخر سبب لنا خسارات كبيرة، فمثلاً: علبة المحارم الورقية اشتريتها بـ550 ليرة بالجملة وبعتها بـ575 ليرة وعندما عاودت شرائها من جديد كانت بـ600 ليرة واليوم سعرها 700 ليرة، أقفلتُ محلي لأحافظ على رأس مالي فقط فلم أعد أريد شيئاً من الربح، هذا عدا عن فقدان بعض المواد من المصدر الرئيسي لها أو امتناع بعض التجار الكبار عن البيع واحتكار البضاعة”.

معاناة أصحاب المحلات في السوق لم تتوقف عند هذا الحد، فرغم خسائرهم الكبيرة تلاحقهم دوريات التموين وضبط الأسعار بالمخالفات المرهقة طالبةً منهم البيع بأسعار لا تمت لواقع السوق بصلة، في ظل صمت الحكومة وعجزها عن تقديم أي حلول حقيقية لضبط المشكلة. ويبدو هذه المرة بأن محاولات الحكومة تختلف كلياً عن محاولات الإنعاش التي كانت تقوم بها في السنوات السابقة، واقتصرت على تصريحات خجولة لتبرير الانهيار الحاصل لليرة معللة الأسباب بقلة القطع الأجنبي الوارد للبلاد جراء الأزمة الموجودة في لبنان، بالإضافة لجشع التجار والمتحكمين بمفاصل السوق. هذه التبريرات لا صحة لها على حد تعبير(محمود 47 عاماً، وهو محاسب مالي في شركة تجارية) حيث يقول: “لم تعد تنطلي حجج الحكومة على أحد، وعامة الناس باتت تدرك بوضوح ما هو حال اقتصاد البلد وما هي الأسباب الحقيقية للأزمات الحالية، من تدمير للبنى التحتية وفقدان عائدات النفط من حقول الجزيرة والعقوبات الاقتصادية وغيرها الكثير من الأسباب، لكن ما يثير حفيظة الناس هو الفساد المنتشر بكل شيء وسيطرة قلة قليلة على ما تبقى من ثروات البلاد بالإضافة لنكران الواقع بشكل كامل وبقاء سعر الصرف في البنك المركزي على حاله (434 ليرة)، و مطالبة الناس باحتمال ما لا طاقة لهم على احتماله، بحيث أصبح الفرق بين الدخل الشهري للأسر والأسعار الحالية كبيراً جداً”.

وبالتزامن مع واقع الحال السيء وكمحاولة لتهدئة الأوضاع، قامت الحكومة بزيادة على رواتب الموظفين تتراوح مابين 16 إلى 20 ألف ليرة ليصبح متوسط دخل الموظف بعد حسم الضرائب بحدود 50 إلى 70 ألف ليرة حسب المرتبة والقدم الوظيفي (ما يعادل على سعر الصرف الحالي بين 50 إلى 70 دولار فقط بينما كان قبل بضعة أشهر ما بين 60 إلى 100 دولار بسعر صرف 500 للدولار الواحد)، بمعنى أن الزيادة في الرواتب كانت وهمية وأصبحت القوة الشرائية أقل من السابق.

باتت انعكاسات الأزمة الحالية واضحة على الجميع بمختلف شرائحهم، إلا أنها كانت شديدة الوضوح على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، ما أثار حالة من الاحتقان والاستياء غير مسبوقة وسط دعوات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطعة الأسواق والإضراب العام بل وحتى الخروج في مظاهرات ضد الحكومة التي تصم آذانها عن ما يجري متجاهلة أوجاع الناس وهمومهم.

في تعقيدات الوضع السوري بات واضحاً للجميع أن الحل للأزمة الاقتصادية لا يمكن أن يكون مجتزئاً وبعيداً عن الحل السياسي الشامل. وهذا بالضبط ما يثير مخاوف الجميع ويشعرهم بالإحباط وعدم الجدوى، فمن دون حل شامل للأزمة السورية ستسير الأوضاع الاقتصادية نحو المزيد من الانهيار والتدهور ولن تكون الحلول التي إن قامت الدولة بإيجادها حالياً سوى مخدر بسيط لبعض الوقت. لذا أصبح لزاماً على الجميع محاولة إيجاد حلول فردية بسيطة للتأقلم مع الأوضاع الحالية علها تساهم في تخفيف حدة الأزمة في انتظار حل شامل قد لا يكون قريباً في ظل ارتباطه بتوازنات وتعقيدات تجاوزت الجغرافية السورية. ومن هنا بدأت الدعوات من نشطاء وجمعيات خيرية ومدنية في السويداء لتشجيع الناس على إيجاد اقتصاد بديل يعتمد على الزراعات المنزلية الصغيرة لتأمين الخضار حتى لو كانت بصناديق على شرفات وأسطح البيوت، وعدم بيع المحاصيل خارج السويداء واعتماد مبدأ المقايضة، والتخفيف ما أمكن من استهلاك الوقود والاعتماد على المشي أو الدراجات الهوائية، وإنشاء مشاريع الطاقة البديلة على المستوى الشخصي أو التعاوني ضمن الأحياء أو القرى لتوفير الكهرباء والتدفئة، عدا عن إنشاء صناديق خيرية لجمع التبرعات ومساعدة المحتاجين وتشجيع الصناعات المنزلية الصغيرة. هذه الدعوات وعلى بساطتها قد تلعب دوراً هاماً في تخفيف الأعباء عن الناس ومساعدتهم، لكن تطبيقها بشكل جماعي ومنظم مرهون بشروط كثيرة قد لا تتوفر في مجتمع السويداء القلق أصلاً والذي تزداد فيه أعمال العنف بشكل كبير من قتل وسرقة وخطف، وهنا بالضبط ما يثير مخاوف الجميع بأن يؤدي الوضع الاقتصادي السيء إلى مزيد من موجات العنف والإجرام في الأيام القادمة.