بواسطة طارق علي | أكتوبر 9, 2024 | Cost of War, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث “وفا تيليكوم” المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود.
من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل الشركة ووزارة الاتصالات والهيئة الناظمة للاتصالات، فقد علمنا اقتراب الأمر بصيغته النهائية التنفيذية، والذي سيتيح لأول مرة خدمة 5G في سوريا. ويأتي ذلك التأخير بعد سنين من وعود إطلاقه، على أن تنطلق الخدمة في دمشق أولاً بشكل تجريبي.
الحلم في مواجهة الواقع
إلا أنّ ذلك الوعد القطعي قد يصطدم بجملة عوامل قسرية أبرزها تدهور البنى التحتية وأزمة موارد الطاقة وغياب الكتلة البشرية المؤهلة للعمل كخبرة في التشغيل والصيانة، خصوصاً مع نية الشركة الجديدة الاستناد على موارد ودعائم الشركتين الوحيدتين المتدهورتين في سوريا أساساً (سيرياتيل وام تي ان) من أبراج ومحولات وبطاريات وأطقم تنفيذية لديها خبرة لوجستية في المرحلة الأولى.
تجدر الإشارة إلى أن المصادر الرسمية السورية تتحدث اليوم عن خطة تحول رقمي مدروسة على كافة الأصعدة وتشمل البلاد بأكملها، وهي ببطاقة ذكية تمكنت من إحداث فجوة خيالية بين الفكرة والتنفيذ ورمت البلاد وساكنيها في متاهة فرضيات لا حصر لها. فمثلاً هناك مشهد الجموع تفتح حسابات بنكية لتتلقى فرق قيمة الخبز المدعوم دون أن تدري تلك الشريحة ماذا يحصل حولها بالضبط ولا من أي باب ستخرج من متاهتها منتصرةً على التجارب الحكومية التي انقضى عهد وزرائها بدخول حكومتهم حقبة تصريف الأعمال وعلى جدولها لا زالت مئات الملفات العالقة.
الجشع القادم
ينتظر السوريون بفارغ الصبر المشغل الثالث لا لأنّهم تخلصوا من همومهم وصاروا يبحثون عن لون جديد لشرائح هواتفهم الخلوية، بل لينقضي عهد شركتين “ذبحتا” الناس بالأسعار والجودة في تنافسية حثيثة عالية خلاصتها أي شركة منهما ستتمكن من سحب راتب الموظف أسرع من الأخرى لقاء ثمن باقة انترنت صارت خيالية للناس، وتلك الباقة بطبيعة الحال تسرق الشركة أكثر من نصفها، وأحياناً كلّها حتى دون أن يستخدمها المشترك.
في رحلة الانتظار تلك يغفل السوريون\ات أنّ قطاع الاتصالات هو “بترول” البلاد بعدما فقدت سوريا مواردها النفطية المادية الحقيقية، وبأنّ تلك الشركة ليست المنقذ والبطل الخيّر في الرواية الذي سينقذهم من تغوّل الشركتين إياهما، وهي بالنهاية ليست إلّا شركة إيرانية بغطاء سوري، وهذا صار معروفاً ويمكن شرحه. الموضوع أن لإيران ديوناً مليارية على سوريا، ديوناً فاقت الـ 50 مليار دولار، وستحصلها باللين أو القوة، بالهدوء أو الضغط، كذلك يقول صقور السياسة الإيرانية ومعهم يقول شارع بلادهم، وقد تم تسريب جزء من تلك الديون والاستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا عبر ما سربته مجلة “المجلة” السعودية استناداً لما اسمته مجموعة “قراصنة” معارضين، لتتولى المجلة ترجمة الوثائق ونشرها كاملة على عدّة أجزاء.
سوريّةٌ خالصة
تقول الشركة معرفةً عن نفسها في موقعها الالكتروني الذي أبصر النور قبل عامين: “في وفا استلهمنا اسمنا من التزامنا العميق وولاءنا ومحبتنا لبلدنا وشعبنا وقيادتنا. إن هذا الوفاء هو الذي يشكل أساس رؤيتنا، ومهمتنا، ورحلتنا نحو سورية المزدهرة، فكان التأسيس في عام 2022 وحصولنا على الترخيص الحصري لتقديم تقنية الجيل الخامس في سورية.”
ويبدو التعريف الذي تقدّمه الشركة عن نفسها منطقياً كشركة “سوريّة” خالصة، وخاصةً أنّ مصادر خاصة أفادت أنّ واجهتها التنفيذية هي من الموظفين السوريين وعلى رأسهم محمد أسدي رئيس مجلس الإدارة، ونائبته كارولين زلقط، وغسان سابا مديراً للمدراء التنفيذيين. المصادر ذاتها أوضحت تفاصيل عن تاريخ تأسيس الشركة ليتبين أنّها حصلت على موافقتها الأولية في عام 2020 من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ضمن القرار /2590/ كشركة مساهمة مغفلة، وفي العام التالي عادت ذات الوزارة لتعادل على نظامها الداخلي بموجب القرار /4751/، ذلك بالتزامن مع التراخيص اللازمة من الهيئة الناظمة للاتصالات، وهو ما يوضح تأخراً ظلّ طوال تلك السنين غير مفهوم لشركة قدمت أوراقها واستكملتها وجرى اعتمادها بل وأجرت مقابلات كثيرة في سياق التوظيف.
الكذبة التي لم تكتمل
رغم أنّ حكومة دمشق روّجت ولا زالت تروّج أنّ المشروع وطني بالكامل وبأيدٍ سوريّة إلا أنّ الأمر قد تم فضحه عبر تحقيق أعدّه مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية مع مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، وخلص التحقيق إلى أنّ ملكية المشغل الثالث تعود بقسم كبير منها لشركة ماليزية مملوكة لإيراني بالشراكة مع الحرس الثوري الإيراني في محاولة مبكّرة للتهرب من العقوبات.
وما زاد الطين بلّة وأحرج نظام دمشق هو تصريح وزير الطرق والتنمية العمرانية الإيراني -رئيس اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي الإيراني – السوري “مهرداد بازار باش” عبر وكالة “إسنا” الإيرانية، إذ قال نصّاً خلال اجتماع مع المدراء في اللجنة ذاتها: “إن مشغل الهاتف المحمول الذي أطلقه الجانب الإيراني سينشط قريباً في سوريا، وسيمكن السياح والحجاج الإيرانيين من الاستفادة من هذه الخدمات.”
وأكمل: “أحد مستويات التعاون هو إنشاء مشغل للهاتف المحمول، والذي تم إنجازه بالتعاون الجيد بين وزارة الاتصالات الإيرانية ووزارة الاتصالات السورية، ويتم تنفيذ هذا المشروع. وفي هذا الصدد، سيتم قريباً إطلاق بطاقات SIM للمشغل الثالث من قبل الجانب الإيراني في سوريا، ويمكن للسياح والزوار الاستفادة منها”.
الإمبراطور الكسيح
رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، وجد التاج فجأة منزوعاً عن رأسه دون سابق إنذار، وصودرت أملاكه ووضع تحت الإقامة الجبرية، وتحول من إمبراطور يؤثر في اقتصاد دول ناميةٍ حليفة إلى رجل لا أحد يعرف إن كانت الدولة سمحت له باستبقاء حارسٍ شخصي له أم لا.
قابل مخلوف الانقلاب عليه بشنّ حربٍ واسعةٍ لا يراعي فيها أبناء عمومة ولا خؤولة، وبدأ ينشر فيديوهات متواترة على صفحته الخاصة في موقع فيس بوك ويشرح فيها بقدر ما يستطيع من صراحة وإيلام واقع ما حصل، ومن جملة ما رواه في فيديو بثّه بتاريخ 30 يونيو/ حزيران 2021 كان حول قضية استبعاده ومحاصرة سيرياتيل لصالح المشغل الثالث الذي قال علانيةً إنّه إيراني.
آنذاك كان الشارع المؤيد يترنح في موقفه بين التعاطف معه والوقوف ضده امتثالاً لأوامر السلطات فلم يحصل ذاك الفيديو على كثير من الاهتمام، خاصةً أنّ ما يعرف بـ “الذباب الالكتروني” ميّع مضمونه وتفهه إلى أبعد الحدود، وقد يكون إفشاء ذاك السر في ذاك الوقت واحداً من أسباب تأخر وضع المشغل في الخدمة، إلى أن جاءت الضربة الإيرانية الفجّة عبر التصريح المباشر، علماً أنّ مخلوف ذكر أنّ إيران تريد استرداد ديونها مستفيدةً من هذا المشغل كذراع في الجباية.
هل تصبح سوريا محافظة؟
قد تبدو تفاصيل الشركة الجديدة في سوريا وتأخيراتها ملفاً تقنياً بحتاً، ولكن بالتأكيد فإنّ الأمر أبعد بكثير من أن يكون تقنياً ليتخطاه نحو عوالم السياسة المظلمة والمحكومة بالحوكمة الاقتصادية لبلد يدير بلداً ممسكاً إياه من ذراعه التي تؤلمه مستحوذاً على أهم ما فيه وهو قطاع الاتصالات.
ومن يملك الاتصالات يملك الأرض، والفضاء، والتنصت والجاسوسية وقاعدة الأرقام والتعداد، ومن بين كل ذلك تبرز الأرقام كمسألة إحصائية خطيرة تندرج ضمن إطار الأمن القومي الذي لا يجب أن يطلع عليه أقرب الحلفاء العسكريين والسياسيين، بل هم تحديداً من يجب إبعادهم عنه لئلا تتوسع دائرة نفوذهم وتهيمن من ثم تطغى؛ فبالتأكيد “الشقيق” الإيراني لا ينام جائعاً لأجل ملياراته تلك، ولكنّه يريد عوضاً عنها بلداً بحاله، أو ما بقي منه على الأقل. والأمر بسيط هنا إذ يكفي الاطلاع على محضر توقيع اتفاقيات رئيسي والأسد ببنودها الـ 16، وكيف بعد ذلك تسللت إيران من شقوق أبواب المدن إلى شركات القطاع العام وصارت شريكاً، وستظلّ تشارك إلى أن يسأم طرفٌ ويقول: كفى.
وتلك الـ “كفى” بعيدةٌ للغاية في ظلّ تراكبية المشهد السوري وتعقيده واستحالة وضع جدول زمني يحمل حلاً من الداخل السوري، ليبقى المصير مرتبطاً بالخارج، وقد يكون ذلك المصير فكّ ارتباط وتغيّر تموضعٍ وقبول واقع إقليمي جديد بداعمين جدد وقرارات أممية جديدة.
بواسطة قصي زهر الدين | سبتمبر 30, 2024 | Cost of War, News, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
للعمل الحرفي في سوريا – سيما العاصمة دمشق – مكانة خاصة وتاريخ قديم يذهب بنا عميقاً في ردهات الزمن، حِرف أصبحت مع الوقت وجهاً من وجوهِ دمشق، وسوراً من أسوارها، وعطراً لاذعاً تفوحُ مقتنياته من زوايا بيوتها الدافئة كما تفوح روائحُ التوابل من أسواق ساروجة ومدحت باشا، شأن هذه المهن اليدوية الحميمة، شأن الهوية والانتماء.
وأبعد من ذلك تكنّت أنسابُ أصحاب هذه المهن بأنسابها، فلاصقت أسماءهم وأسماءَ أحفادهم من بعدهم، فعُرفوا بها كما عرفت بهم، كالنجار، والعطّار، والصوّاف، والخيّاط.
لكنّ حرفاً أخرى سوريّة انتشرت على نطاقٍ واسعٍ سيما في الخمسينات من القرن العشرين؛ لتلبية متطلباتِ ذلك العصرومتطلبات مجايليه كصناعة القناديل الصغيرة والتي عُرفت حتى يومنا هذا باسم “قناديل الكاز”، إضافةً لمهنِ تلميعِ النحاس والمقتنيات المعدنية بعد أن ينالها الصدأ وحِرف أخرى كثيرة كاشتغالِ السلال والصدور القش المعدة للطعام.
كل ذلكَ كانَ آنفًا كما أسلفنا، ملبياً في عصرٍ ما، متطلبات جيلٍ بأكمله. لكن، من كان يظن أن تُبعثْ هذه الحِرف من موتها إلى حياتنا الصاخبة اليوم. نحن الذين نعيش في القرن الواحد والعشرين.. قرن التكنولوجيا الرقمية، الإنترنت والذكاء الاصطناعي وتقنيات الهولوغرام!
هذا السؤال المؤلم والملح في آن، وضعنا أمام احتمالاته الكثيرة، في بلد أطفأت فيه الحرب كل مقدراته وحرمت شعبها أقل مقومات الحياة، أبسطها الكهرباء والماء. وكأن السوريين اليوم خارج تصنيف الكوكب وحضارته الضوئية! وكأن السوريين – عن غير قصدٍ – يعودونَ إلى الخلف كي يلبوا أقل احتياجاتهم بأرخص التكاليف لتصبح المقتنيات -التي كنا نزين بها مكتباتنا وبيوتنا ونفخر بها كتراثٍ يشير إلى سوريتنا – أدوات لا غنى عنها نستخدمها – تماماً – كما استخدمها أجدادنا منذ زمنٍ ظنناهُ لن يعود.
إثرَ زيارتي الأخيرة لسوق المناخلية في دمشق القديمة، تفاجأت بكثرة الورش التي تعمل في هذه المهن التراثية في ظل ضائقة اقتصادية ومعيشية يرزح تحتها السوريون بكافة مكوناتهم منذ أكثر من عقد من الزمن.
ورشٌ عدة تقوم بترميم عظام حرفٍ قد طواها الموتُ والنسيان، كالاشتغال بصناعة قناديل الكاز – آنفة الذكر – كبديل للكهرباء و”ببور الكاز كبديل للغاز؛ وجميع السوريين يعرفون جيدًا كيف كانت جداتهم تستخدم ببور الكاز هذا من أجل إشعال نارٍ خفيفة لغسيل الملابس الصغيرة أو طهي وجبة متواضعة في أيامٍ قد خلت.
ومن المهن التي بعثت بعد موتها أيضًا، تلميع الصحون والطناجر والأباريق وأدوات المطبخ، وكل ما لا يخطر في بال مواطن يعيش في هذا الكوكب وفي هذا الكون!
كان جواب – صاحب ورشة صناعة بوابير الكاز “أبو لمى” ثابتًا وصريحًا عندما سألته عن أسباب عودة هذه المهن إلى حياتنا السورية؟: “عم نلبي حاجات الناس”، وكان يقصد حاجتها للغاز الطبيعي الذي أصبح توفره في البيوت من النادر حدوثه.
وأضاف أبو لمى: منذ أربع سنوات عدت للعمل في هذه الورشة التي ورثتها عن أبي وجدي.. بعد ما يشبه بالمطالبة الشعبية لإيجاد بديل عن الغاز، فعدنا بهم مئة عام إلى الوراء “بين ما الله يفرجها” قال ذلك ساخرًا وهو يعلم تمامًا أنه ليس هو من عاد بالسوريين مئة عام إلى الوراء!!
بينما حدثني أبو عمر “المبيّض” والذي يعيد للأباريق والطناجر والأدوات المعدنية شيئًا من فاعليتها بعد تلميعها: “لم يعد بمقدور المواطن السوري شراء الجديد من هذه الأشياء.. فلجأ إلى إعادة ترميم القديم منها لستر ماء وجهه” مشيراً إلى الحبل الذي علق عليه الدلاء والأباريق: “إن ثمن قطعة واحدة جديدة مما ترى سيكلف الموظف السوري نصف راتبه”.
أما عن الرجل السبعيني الملقب “بأبي ياسين” وعمله في بيع قناديل الكاز فضحك من سؤالي عن السبب وأجاب كسابقيْه ساخراً “ليش عندكن عم تجي الكهربا” وبعد أخذٍ ورد أوصلني إلى نتيجةٍ مفادها: حتى بطاريات الشحن الخاصة “بالليدات” أصبح سعرها يفوق خيال ذوي الدخل المحدود.. فإن حالفهم الحظ وحصلوا عليها سيعاندهم الحظ ذاته لأن دقائق الكهرباء التي تمن علينا الحكومة بها، لن تكفي لشحن تلك البطاريات.
ثم اكتفى بالقول: “نحن نكتفي بهامش ربح بسيط.. ونقوم بتيسير أمور الناس .. وهنا تكمن المصلحة المشتركة بيننا وبين الزبون.. لقد اكتفينا بهامش الربح كما جعلونا نكتفي بأن نكون على هامش الحياة”. وعندما سألته عن العبوات الزرقاء المنضدة على الطاولة، أجاب: “هذا كحول يضعه الزبون في القنديل عوضاً عن الكاز.. فالكاز أيضاً مفقود فاستعضنا عنه بكحول رخيص غير مخصص للاستخدامات الشخصية”.
هكذا عادت المهن “الشعبية” إلى التكاثر بعد أن وجد السوري نفسه هو الوحيد الذي يقل مُغيّباً مرةً ومفقوداً أو مشرداً لا مكان يؤويه بعد أن نالت الحرب حتى الأمتار الأخيرة التي كان يجب أن يدفن بها.
أجل هو الأمر كما قال أبو ياسين، مصلحة متبادلة بين الصانع والزبون، إلا أنها – وعلى خلاف كل المصالح – مصلحة حميمة ونبيلة كتلك التي تنشأ بين الجار وجاره والأخ وأخيه إذا ما تمادت الأيام في الخذلان، كي يدرؤوا ما يمكن من مشاهد العوز التي تملأ الأحياء والأرصفة والبيوت، العوز الذي لن تبذل أي جهد لتلمسه بعينيك في كل وجهٍ من أجسادنا المستباحة.
لكن الخطير في الأمر أنه حتى هذه البدائل ثمة من لا تسمح له الظروف المعيشية بشرائها، والأخطر من ذلك كله أن نعتاد تلك البدائل.. عوضاً عن المطالبة بأبسط حقوقنا بعيشٍ كريم.. في بلد لو قُدرَ لثرواته أن توزع بشكلٍ عادل.. لما بقي فقيرٌ على الأرض السورية.
أما الآن فأتابع رحلتي (إلى الوراء) الوراء الذي أرادوه لنا عندما خرجنا مطالبين بحقوقنا السياسية والاجتماعية فجاء الرد بأن صرنا نطالب بحقنا في الحياة.
بواسطة عامر فياض | سبتمبر 2, 2024 | Cost of War, News, Reports, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
ظروف الحرب وتبعاتها، العمليات العسكرية التي أدت لإحراق واقتطاع وتجريف مساحاتٍ كبيرة من الأشجار في مختلف أنحاء البلاد، عمليات التحطيب الجائر، ازدياد أعداد المفاحم التي تعتمد على الأشجار، واندلاع الحرائق الكثيرة التي التهمت مساحاتٍ واسعة من الغابات والأحراج، كل ذلك أدى إلى تراجع حجم الغطاء النباتي، الذي مازال يتآكل يوماً بعد يوم، وبات يُنذر بأخطار بيئية كارثية على المدى القريب، قد تترك آثارها السلبية على الأجيال القادمة، مع ازدياد حجم التلوّث البيئي وتغير طبيعة المناخ وخسارة التنوع الحيوي وانتشار الأمراض التي يمكن أن يخلّفها غياب المساحات الخضراء، التي سيحتاج تعويضها إلى سنواتٍ طويلة.
في ظل تفاقم أزمتي الوقود والكهرباء اللتين تشهدهما البلاد منذ سنوات الحرب وحتى اليوم، لجأ كثير من الناس لاستخدام الحطب في التدفئة وطهو الطعام، فاضطروا لاقتطاع الأشجار وشراء الحطب من الأسواق التي انتعشت خلال السنوات الماضية، بعد تحول عمليات التحطيب الجائر إلى تجارة رائجة، ولجوء الكثيرين ممن جعلتهم ظروف الحرب فقراء وعاطلين عن العمل لمهنة بيع الحطب، كونها سهلة ومتاحة وتحقق أرباحاً جيدة. ولم يقتصر استخدام الحطب على البيوت فقط، وإنما انتشر استخدامه بشكلٍ كبير في كثير من المطاعم والأفران ومحلات الفطائر كبديل عن مادتي الغاز والمازوت اللتين بات من الصعب توفيرهما.
ولم تقتصر عمليات التحطيب الجائر، التي انتشرت في أغلب المحافظات السورية، على الأحراج والغابات ومختلف أنواع الأشجار البرية، بل طالت الكثير من أشجار الحدائق العامة والشوارع. ففي دمشق مثلاً، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية سانا، نظمت مديرية الحدائق نحو 100 ضبط مخالفة لقطع أشجار مختلفة الأحجام خلال شتاء العام الماضي، هذا بالإضافة لضبط مستودعات أخشاب مُخالفة وغير نظامية، فيما تحدَّث مدير الحدائق في محافظة دمشق سومر فرفور عن ضبط أكثر من 25 حالة قطع للأشجار ضمن المسطحات الخضراء، وعن تعرض نحو 40 شجرة صنوبر، عمرها أكثر من 20 سنة، للتحطيب في منطقة عقدة القابون، وعن توقيف 15 شخصاً كانوا يقومون بقطع الأشجار والأغصان في الشوارع والأماكن العامة.
الغوطة التي كانت رئة العاصمة وسلة غذائها، وكغيرها من معظم مناطق ريف دمشق، تراجعت مساحات غطائها النباتي خلال سنوات الحرب وما بعدها، لتتحول إلى منطقةٍ شبه جرداء، فإلى جانب ما خسرته خلال العمليات العسكرية، التهمت عمليات التحطيب ما نجا من أشجارها، لتطال معظم بساتينها التي كانت تمدُّ أسواق دمشق بالفاكهة، وهو ما أدى لفقدان كثيرٍ من أنواع الأشجار التي كانت الغوطة تتميز بها، كالجوز البلدي والمشمش. وبعد أن كانت من أخصب الأراضي السورية، ساهم غياب الغطاء النباتي بتراجع خصوبة تربتها التي كانت تستمد المواد العضوية من مخلفات الأشجار، كبقايا الثمار والأوراق وغيرها، كما ساهم أيضاً في تغيير مناخ المنطقة، إذ كانت أشجارها تساهم في الحفاظ على الرطوبة الجوية وتنقية الهواء.
وفي محافظة السويداء لم تعد عمليات التحطيب، المستمرة منذ سنوات، تقتصر على العمل الفردي بل أصبح هناك مجموعات وعصابات مسلحة تعمل ليل نهار، مستعينةً بالمناشير الآلية، لتلتهم مساحات واسعة من الأحراج التي تضم أشجاراً معمِّرة، كأشجار السنديان، يصل عمر معظمها إلى مئات السنين، وخاصة في منطقة ظهر الجبل، التي لطالما كانت، بما تمتلكه من مناظر طبيعية ساحرة وهواء نقي، متنفساً لسكان المدينة ومقصداً للتنزه والاستجمام. وفي كثير من الحالات طالت عمليات التحطيب بعض البساتين والكروم لتفني أشجارها المثمرة التي يعتاش أصحابها من محاصيل ثمارها. ولم تعد عمليات التحطيب في المحافظة تقتصر على فصل الشتاء، بل باتت تنشط حتى خلال فصل الصيف، حيث تقوم بعض عصابات التحطيب بتخزين ما تقطعه من أشجارٍ في المستودعات، لتباع كأخشاب لبعض الورش الصناعية، أو كحطب خلال فصل الشتاء.
وطوال السنوات الماضية لم تتوقف الاعتداءات المتواصلة على الغابات السورية، سواء من قبل تجار الحطب، الذين يبيعونه لبعض المحافظات، أو من قبل بعض الفقراء الذين وجدوا في مهنة التحطيب مصدر رزقٍ أفضل من المهن الأخرى، التي تراجع حجم مردودها المادي بشكل كبير، وخاصة مهنة الزراعة التي تأثرت بارتفاع أسعار الأسمدة وأجور النقل وصعوبة توفير المياه والوقود. هذا بالإضافة للجوء كثير من أبناء المناطق الجبلية الباردة لتحطيب الأشجار المحيطة بهم، بما فيها أشجارهم، خلال فصل الشتاء لينعموا ببعض الدفء في ظل شح كميات المازوت المدعوم وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، ووصول سعر طن الحطب لنحو ثلاثة ملايين ليرة.
نشاط عمل المفاحم
خلال سنوات الحرب وما بعدها ازدادت أعداد المفاحم في الساحل السوري بشكل كبير، وارتفعت وتيرة نشاطها على نحوٍ غير مسبوق، بعد أن تحولت إلى مصدر رزقٍ للعديد من المُعدمين والعاطلين عن العمل، وإلى تجارة رابحة لكثير من المتنفذين، خاصةً بعد تراجع استيراد مختلف أنواع الفحم، واعتماد معظم المطاعم والمقاهي وأسواق بيع فحم الأراكيل والشواء على الإنتاج المحلي.
وقد ساهم نشاط عمل المفاحم، التي تعتمد على تحويل الأشجار إلى فحم، في اقتطاع الكثير من أشجار الغابات والأحراج، وفي نشوب كثير من الحرائق، التي قد تندلع نتيجة تطاير شرر بعض الأخشاب والعيدان والقشور المشتعلة، لتلتهم مساحات واسعة من الأشجار، خاصة أن مواقع المفاحم تتواجد عادةً ضمن الغابات والأحراش وفي أماكن بعيدة يصعب الوصول إليها، وهو ما يشكل الكثير من المخاطر البيئية في ظل انعدام أبسط الشروط الفنية ومقومات الأمان والسلامة.
ويرى كثيرون أن بعض أصحاب المفاحم قد يكون لهم دور مباشر في افتعال الحرائق، لكي يقوموا باستثمار المساحات التي تعرضت للحرائق وتحويل أشجارها المحروقة إلى فحم، فيما قد يلجؤون لافتعالها، في بعض الأحيان، لكي يغطوا على عمليات قطع الأشجار التي تستخدمها المفاحم.
وإلى جانب التهامها لمساحاتٍ واسعة من الأشجار تَتسبَّب المفاحم في العديد من الأضرار البيئية، كونها تنتج كميات كبيرة من غاز أول وثاني أوكسيد الكربون وغيرها من الغازات والأبخرة التي تؤثِّر على الغطاء النباتي وحياة بعض الحيوانات، كما أنها تنتج كميات كبيرة من مركبات الهيدروكربونات، التي تساهم بشكل مباشر بالإصابة بأمراض السرطان.
سوريا تفقد أكثر من ثلث غاباتها
تشير بعض التقارير إلى فقدان سوريا نحو ثلث غاباتها خلال سنوات الحرب وما بعدها، وذلك نتيجة الحرائق الكثيرة، التي باتت تتكرر كل عام، ونشاط عمل المفاحم وعمليات التحطيب الجائر التي ساهمت أيضاً في اندلاع كثير من الحرائق، نتيجة تساقط بقايا الأغصان والأوراق اليابسة بين الأشجار الخضراء لتكون بمثابة وقود أولي لأي شرارة قد تتحول إلى حريقٍ كبير.
وتشير إحصاءات وزارة الزراعة إلى أن أعداد الحرائق، التي اندلعت في سوريا بين عامي 2011 و2018، قد تجاوزت الـ 3400 حريق، وأن المساحات التي تم إخماد الحرائق فيها قد تجاوزت 220 ألف دونم. وبحسب بعض المصادر المحلية فقد تم تسجيل نحو 400 حريق في عام 2014، التهمت نحو 1925 هكتاراً من الغابات والأحراج، وتسجيل ما يزيد عن 500 حريق في عام 2015، التهمت نحو 2867 هكتاراً، فيما سُجل نحو 819 حريقاً في عام 2016، التهمت نحو 2000 هكتار.
وقد شهد العام 2020 سلسلة حرائق كبيرة ، لم تعرف البلاد لها مثيلاً من قبل، من حيث الضخامة والكثافة وحجم الأضرار، التهمت مئات الدونمات والهكتارات، وتوزعت بين محافظات اللاذقية وأريافها، وطرطوس وريفي حمص وحماه، هذا بالإضافة لأرياف جبلة وصافيتا ومنطقة حميميم وأحراش القرداحة ومحيط جبل الأربعين وغيرها، وقد اقتربت النيران في بعض المناطق من منازل المدنيين، ووصلت إلى مستودعات التبغ وأدت لانهيار جزء من المباني، كما أدت إلى مقتل عددٍ من الأشخاص وإصابة العشرات بجروح وحالات اختناق. وقد تدخل الطيران الروسي حينها لإخماد الحرائق التي استمرت لعدة أيام، وتصدر هاشتاغ “سوريا تحترق” مواقع التواصل الاجتماعي.
أضرار بيئية كارثية
يلعب الغطاء النباتي دوراً بيئياً وحيوياً هاماً، إذ يقوم بتنقية الهواء، وتخزين الكربون والحفاظ على الرطوبة، لذا يؤدي فقدانه إلى حدوث تغيرات مناخية كبيرة وإلى تراجع كميات الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وانعدام إمكانية امتصاص غازات الاحتباس الحراري، كما يؤدي فقدانه أيضاً إلى إبقاء التربة معرضة لأشعة الشمس بشكل دائم، وهو ما يفقدها رطوبتها وخصوبتها، ويؤثر على حياة بعض النباتات الصغيرة والأشنات والطحالب التي تعيش في ظلال الأشجار. وإلى جانب ذلك، تلعب جذور الأشجار دوراً هاما في تماسك التربة وحمايتها من الانجراف، وخاصة في المناطق الجبلية، وتساهم في نشر الرطوبة تحت الأرض، وبالتالي في إحياء الكثير من الأعشاب والنباتات البرية المفيدة للطبيعة، لذا غالباً ما تصاب المناطق غير المُشجَّرة بالجفاف وانجراف التربة.
من جهة أخرى، أدى تراجع الغطاء النباتي في سوريا إلى إحداث خللٍ في التنوع الحيوي، وإلى تراجع أعداد الحيوانات البرّية، التي تشكل جزءاً من الهوية البرية للغابات السورية، فالحيوانات الكبيرة والمتوسطة الحجم والتي تحتاج للاختباء بين الأشجار الكثيفة والمتقاربة، لم يبقَ لها مكان مناسب للعيش في كثير من الأحراج والغابات التي تآكلت بشكل كبير، فيما حُرم الكثير من الحيوانات الصغيرة من أي مصدر غذائي بعد غياب الأشجار التي كانت تتغذى على ثمارها، وقد ساهم هذا كله في تهجير بعض أنواع الحيوانات التي باتت مهددة بالانقراض، ومنها غزال اليحمور والضبع السوري والذئب العربي والنيص، هذا بالإضافة لاختفاء الكثير من أنواع الطيور من أماكن عدة، كطائر الحسون والحجل وبعض طيور البوم، وهو ما سيشكل خسارة وطنية كبيرة في التنوّع الحيوي الذي لطالما اشتهرت به سوريا لسنوات طويلة.
بواسطة سلوى زكزك | أغسطس 17, 2024 | Cost of War, News, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
في فجر الثالث عشر من آب الجاري حدثت هزة أرضية بقوة 4.8 درجة على مقياس ريختر في كل من سوريا ولبنان والأردن. وتركزت الهزة في سوريا بمدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة والتي تبعد عنها ثلاثين كيلومتراً إلى الشرق منها. وفي يوم الجمعة السادس عشر من آب أصاب نفس المنطقة زلزال ثاني تباينت التقديرات بشأن قوته من 4.8 إلى 5.2 درجات.
يقول المثل العامي: “إن الناس تجهل ما لا تعرفه!”، ولكن في مشاعر ذاكرة الناس في سوريا ما يزال زلزال السادس من شباط العام الماضي 2023 حاضراً، ما أدى إلى تضاعف خوف الناس لأنهم يعرفون ماذا يعني الزلزال وماهي تبعاته وآثاره المدمرة.
ولحسن الحظ، جاءت النتائج سليمة ودون ضحايا، لكن مع وجود عشرات الإصابات بجروح طفيفة أو بكسور بسيطة نتيجة التدافع أثناء الهرب أو نتيجة لانهيار بعض الجدران المتصدعة من الزلزال الماضي، أو بسبب تداعي البيوت وعدم ترميمها وإصلاحها لأسباب مادية بحتة تعكس حجم التراجع الاقتصادي وضعف القوة المالية وانصراف الناس للإنفاق وبالحد الأدنى على الضروريات المباشرة والآنية.
إن المتابع للمشهد السياسي والاقتصادي والعسكري العام في المنطقة يعتقد أن حدثاً مثل هزة أرضية سيمر خفيفاً وسريعاً وكأنه شأن شخصي ذو نطاق ضيق ولا ينعكس إلا على أهل المنطقة التي ضربتها الهزة، فالموت المحدق من كل حدب وصوب يقتل يومياً عشرات الأشخاص في غزة وفي لبنان وفي سوريا أيضاً. نظن أنه وفي سطوة الموت بالمدافع وبالقنابل وفي زحمة التدمير العنيف وحروب الإبادة الدائرة، أن موتاً طبيعياً ينتج عن تمرد بسيط أو جراء تحرك عنيف للطبيعة لا قيمة له أبداً ولا ينبغي أن نحرك ساكنا حياله.
لكن المشهد كان مختلف تماماً وتحديداً في مدينة سلمية المعروفة بمدينة الفكر والشعر والثقافة نسبة إلى الشاعر والكاتب المسرحي محمد الماغوط والشعراء فايز خضور وعلي الجندي، والمفكرين عاصم وسامي الجندي وحسين الحلاق وسواهم الكثيرون و الكثيرات.
يمكن القول وبكل وضوح وثقة، إن انعكاس الهزة الأرضية على ردود الأفعال وما رافقها من تعليقات وكتابات وحوارات مجتمعية في بقعة صغيرة من الجغرافية السورية كان مرتبطاً بشدة بالواقع العام في المنطقة العربية وخاصة ما تشهده من حروب ومن اضطرابات عسكرية وارتدادات شعبية على واقع زاخر بالعسكرة وبالرصاص جراء وجود احتلالات متعددة، ما يفرض حالة عامة من القلق الشعبي العارم وكأن البلاد على فوهة بركان قاتل، ويخلق جواً من الترقب لحل ما يجب التوصل إليه، أو على الأقل ضرورة وجود رد حاسم أو مانع لما يعوقه من تردد سياسي عالي المستوى وحالة من الغموض الجيوسياسي، وبخاصة في ظل حالة الصمت السائدة ما بين الحكام وشعوبهم في دوامة عارمة من إنكار كل طرف للطرف الآخر.
عبر أحدهم على صفحة الفيس البوك بعد حدوث الهزة قائلاً: “نعيش في موقع جغرافي تحفة، مفتوح على جميع جبهات الحروب والكوارث الطبيعية والعسكرية”. يتداخل الخاص بالعام هنا، لم تعد تعني الجغرافيا سوى الانتماء إلى منطقة مشتعلة، والأسماء ليست بذات قيمة، نعيش على وقع الرصاص، نصحو على معركة وننام وصخب المعارك يرافقنا حتى في نومنا.
اللافت أيضا هو درجة السخرية العالية التي رافقت الحدث، سخرية مرة لكنها لاذعة، كأن تكتب إحداهن: “بعد كل هزات البدن اليومية جاءت الهزة الأرضية ليتلاشى البدن، لكن على من؟ بتنا شعبا ضد كافة أنواع الهز”. وقال أحدهم في شكل مباشر يربط بين الضربات المتوقعة ما بين إيران وإسرائيل هازئاً: “بينما ننتظر الرد من فوق ويقصد السماء يأتينا الرد من تحت ويقصد باطن الأرض” إنها السخرية التي تشي بحجم الخراب الراسخ وبحجم العجز المستقر.
في محيطنا القلق والمشتعل ينتظر الناس النيزك علّه يحمل خلاصاً نهائياً لجميع المشاكل العالقة، يعتقد غالبية اليائسين أن أحلامهم في التغيير والاستقرار وإرساء الأمن والسلام كلها أفعال إعجازية غير قابلة للتحقق، هم متأكدون أنه لا خلاص في ظل مواجهة غير عادلة ومحسومة سلفاً لصالح الأقوى والأكثر شراً وتجاهلاً للحقوق وللعدالة.
لكن للمصائب وجه آخر، وجه تعاضدي رغم قلة الحيلة وسطوة الخراب، كتب أحدهم على صفحته: “سيارتي في تصرف كل من يحتاج التنقل أو الإسعاف.” كما وضع شخص آخر عنواناً لمركز مبني على أسس الحماية من الزلازل والهزات داعياً الناس لكي يقصدوه ويقضوا ليلتهم هناك مع الإشارة إلى توفر الكهرباء وهذا شأن عظيم في ظل أزمة انقطاع تام للكهرباء، أزمة خانقة وطويلة تعوق الحياة برمتها، فكيف إذا ما زادت الهزات الأرضية واقع الحياة سوءاً وخوفاً. وهنا تجدر الإشارة إلى ما كتبته سيدة تحتفي بالهزة بسخرية فائقة قائلة: “الحمدلله على نعمة الهزات! بفضل الهزة حضرت الهانم الكهرباء لمدة ثلاث ساعات متتالية، هزة محرزة وضاوية!”
على صفحته على الفيس بوك كتب أحد الأطباء: “بينما كنا نقطب جرحاً غائراً في كف شاب ونساعد امرأة على الصحو من إغمائها بسبب الخوف، سمعنا صراخ طفل وصل حتى غزة!” يربط الطبيب هنا بين واقعين داخلي وخارجي، خاص ومحدد وعام غير محدد.
بات ما يجمع الشعوب المنكوبة هو صراخ الأطفال وعجز الأطباء والمشافي وإغماء الناس من شدة الصدمة. يبدو الحال واحداً لكنه يتوسع ويتعمم.
خرج أحدهم إلى الشارع وهو يحمل بيده طاولة الزهر التقليدية، لقد اختبر هذا الشعب معنى الوقت الطويل خارج البيت بانتظار الفرج أو النجاة، وبدلاً من قضائه بالخوف والترقب، سيلعب الرجال أشواطاً بطاولة الزهر ساخرين من الزلزال وسواه من الشدّات القهرية المتسلسلة.
أما عن ربط الهزة بالوضع الحربي المتأزم وصراع الوجود المحتدم في الجغرافيا القريبة انتماء والبعيدة جغرافيا، فليس المقصود بتاتاً المقارنة ما بين الحدثين لأن حجمهما وآثارهما وتجلياتهما مختلفة فعلياً، لكن قوة الوجود في خضم هذه الأحداث الجسام في ذات البقعة من الأرض حتى لو بلغت المسافات مئات الكيلومترات هي الرابط الأقوى والأكثر تجذراً، وهي خيط الربط الفعلي لأن ثمة شراكة حقيقية مبنية بين كل من يموت وبين كل من يقتل أيضاً، بين الضحايا جميعهم وبين مصائرهم المجهولة والمتروكة للعبث.
في لوحة دراماتيكية ساخرة لشخص يخرج إلى سطح بيته ليجد أن خزانات المياه التي سدد ثمن مائها مئات آلاف الليرات قد سالت على السطح بعد انفجار السطح السفلي للخزانات نتيجة الاهتزاز القوي وضغط الهزة. تأمل ملياً في الماء المسفوح كالدم المجاني، وقال ساخراً، ممتلئاً بالقهر: “غداً سأقضي نهاري هنا وأنا أشرب المتة على وقع تدفق المياه المشتراة بمئات آلاف الليرات أيضاً.” صمت وتحسس السطح المعدني لأسفل الخزانات، كاد أن يختنق لأن الخراب بدا أكبر مما كان يتوقعه وقال: “سأوجل شرب المتة على السطح لما بعد الغد، بعد أن أشتري خزانات جديدة.”
هكذا نحن، مجرد خزانات مهترئة تطرد كل عوامل الحياة من جوفها نحو احتضار طويل ونازف.
بواسطة محمود عبد اللطيف | أغسطس 14, 2024 | Cost of War, News, العربية, بالعربية, تقارير, غير مصنف, مقالات
يرتبط رعي المواشي في ذاكرتي، بالحليب الطازج الذي كنا نحصل عليه من رعاة القطعان الذين كانوا يعتبرون الطرف الجنوبي من مدينة الحسكة مكاناً ممتازاً للرعي حينما كان يسمى هذا الجزء من المدينة بـ “الچول”، وهو برية كان يتخللها بعض من المساحات المشجرة بالصنوبر الحراجي، ثم إن هذه القطعان باتت أبعد بعد أن تحول “الچول”، إلى كتل من المباني الحكومية والسكنية بُعيد بناء المدينة الرياضية في العام ١٩٩٨، وصار الوصول إلى أماكن الرعي محظورا علينا من قبل ذوينا بفعل أن المسافة باتت طويلة، وبالتالي هي خطرة، لكن هذه المسافة لم تكن خطرة بالمطلق في حسابات الرعاة، وفهمت منذ ذاك الوقت أن خطورة الابتعاد عن الكتل العمرانية والمدن تختلف من منظور إنسان لآخر، فما كان يخيف ذوينا غير موجود في حسابات ذوي رعاة المواشي، لكن الأمر اختلف جذريا منذ العام ٢٠١١ وبعد أن أخذت الحرب خطاً تصاعدياً تحول رعي المواشي من مهنة مفرداتها الاسترخاء في الهواء الطلق والنوم بأمان مطلق بين القطيع، إلى مهنة معقدة الظروف.
الألغام.. خطر ممتد
يجتاز سعيد بقطيعه مسافات طويلة جنوب مدينة الشدادي بريف الحسكة ويحاول قدر المستطاع ألا يخرج عن الخارطة التي اعتادها خلال الرعي وتجنب أماكن التي لم يدخلها سابقاً، وبقايا المواسم في الأراضي الزراعية أو الأعشاب التي تنمو على أطراف نهر الخابور تبدو مساحات آمنة بالنسبة له، ويقول لـنا:”ما سمعته عن انفجار ألغام أو عبوات ناسفة تركت في الأراضي المفتوحة بعد انسحاب داعش ومن قبله الفصائل المسلحة بمختلف تمسياتها، أو حتى الألغام التي تنشرها “قوات سورية الديمقراطية”، حول بعض المناطق لمنع السكان من الاقتراب من القواعد الامريكية أو سواها من النقاط الحساسة، يجعلني دائما أفكر في ضرورة ألا أقترب من مكان لا أعرفه، أو غير مجرب من رعاة مواشي آخرين، فالألغام خطرٌ غير متوقع أو محسوب النتائج، والموت قد يبدو خياراً رحيما إذا ما تمت مقارنته بخسارة الأطراف، وبالتالي فقدان القدرة على العمل”.
ويتفق معه “أبو إبراهيم”، الرجل الذي يقترب من إنهاء عقده الرابع من العمر، ويعمل برعي قطيع الماشية الذي يملكه بالقرب من مدينة تدمر، الـذي يقول: أعمل برعي الأغنام منذ كنت طفلاً، كنا نجتاز البادية دون أي خوف من شيء، ربما كانت الذئاب والضباع ما يثير في أنفسنا بعضا من المخاوف لكنها تتبدد في ظل مرافقة “الكلاب للقطيع”، حالياً يجب على الراعي أن يعرف أين يضع قدميه، فالأرض التي يسير عليها بقطيعه قد تحتوي مخلفات حربية كالألغام أو العبوات أو حتى القذائف غير المتفجرة التي تعد من المخلفات الطبيعية للمعارك التي شهدتها البادية قبل أن يتحول داعش من جهة مسيطرة على المنطقة إلى عصابات موزعة على البادية، وهناك ألغام جديدة يزرعها التنظيم على بعض الطرقات أو في بعض المساحات المفتوحة لأغراض تخدم مصالحه، وهذا ما يجعل من الرعي مهمة صعبة فإن انفجر لغم بمجموعة من الأغنام ستكون الخسارة المادية كبيرة، وإن تفجر اللغم بالراعي فسيكون ثمة مصيبة كبرى قد حلت به وبعائلته، ولا يبدو أن نهاية الحرب في سورية ستكون نهاية لهذا الخطر، وربما سنظل نسمع بانفجار المخلفات الحربية حتى زمن طويل ما بعد الحرب.
داعش والعصابات
خلال عدة أشهر شهدت المناطق الواقعة إلى الجنوب من ريف الرقة الواقع إلى الغرب من نهر الفرات عدة حوادث استهداف من قبل خلايا تابعة لتنظيم داعش لـ رعاة مواشي، ويقول أبو جاسم الذي يقترب من الخمسين من العمر إن 11 شخصاً قضوا خلال إحدى الهجمات التي نفذها تنظيم داعش، ويروي تفاصيل الحادثة التي وقعت في الأسبوع الأول من شهر تموز الحالي، أن مجموعة من التنظيم اختطفت راعياً في الخامسة عشرة من عمره، وحين وصل الخبر لسكان القرية هبت مجموعة من شبانها لنجدة الفتى وقطيعه، ليتبين أن الخلية التابعة لـ داعش أعدت كميناً محكماً بانتظارهم ليقضي 9 أشخاص على الفور فيما توفي اثنان في وقت لاحق متأثرين بإصابتهم، ويصف “أبو جاسم”، أن الدافع في مثل هذه العمليات يتعدى السرقة والحصول على التمويل الذاتي ليصل إلى حد الثأر والانتقام من السكان الذين رحبوا وفرحوا بخروج داعش من المناطق التي يعيشون فيها.
بدوره يروي أبو مصطفى القاطن في مدينة تدمر التي كانت إحدى أبرز النقاط التي ينتشر فيها التنظيم وسط سوريا، أن رعي المواشي في مناطق بعيدة عن المدن الكبرى بات أمراً خطراً، ولم يعد أي راع يغامر بالبقاء ليلاً في المناطق البعيدة عن المدن على خلاف ما كان يحدث قبل العام 2011، ويقول الرجل الذي يبلغ من العمر حوالي 60 عاماً في حديثه معنا: الهجمات التي يتعرض لها رعاة المواشي تجعل من عملهم من أخطر المهن التي يمكن ممارستها في ظل انتشار عصابات داعش، وعصابات أخرى تعمل على سرقة المواشي وبيعها في الأسواق أو تهريبها إلى العراق أو الأردن، وهذه المهنة لم تعد كما كانت قبلاً حيث كان الرعاة يقضون عدة أيام في البادية قبل أن يعودوا إلى المناطق التي انطلقوا منها، كما إن بعض الرعاة كانوا يقيمون مخيمات في عمق البادية أو ضمن الأراض الزراعية البعيدة عن التجمعات السكانية ليكسبوا أكبر قدر ممكن من المراعي المجانية، الأمر اليوم بالنسبة لهم مغامرة بأرواحهم وبالقطيع، فإن لم يتمكن عناصر داعش من سرقة القطيع أبادوه بإطلاق الرصاص قبل فرارهم من المنطقة، فهم لا يتركون أي شيء حي خلفهم.
تحول غالبية مربي المواشي إلى الرعي في المناطق الأكثر أمناً بالقرب من المدن الكبرى في الداخل السوري أو في محيط العاصمة السورية من خلال استثمار الأراضي المحصودة بدفع بدل نقدي لأصحاب هذه الأراضي مقابل الحصول على حق رعي مواشيهم لمخلفات زراعات مثل القمح والشعير، كما إن البعض من رعاة المواشي تحول إلى التخييم في مناطق قريبة من المدن وآمنة ليعتمدوا على شراء الأعلاف لمواشيهم ما زاد من تكاليف المهنة وبالتالي قلة الأرباح التي يتوقعونها من العمل، وعلى هذا تبدو مهنة رعي المواشي في سورية واحدة من أخطر ما يمكن أن يعتمد عليه السوريون من مهن لتأمين احتياجاتهم المعاشية.
بواسطة الحسناء عدرا | أغسطس 12, 2024 | Cost of War, News, Reports, العربية, بالعربية, تقارير, مقالات
في ظل الظروف الصعبة والمتدهورة، يلجأ الكثير من الناس في سوريا إلى السحر لحل مشكلاتهم الشخصية المأزومة. تغّص دكاكين الشعوذة بالمريدين على نحو يفوق الوصف، تبيع الوهم لناس يركضون وراء بصيص صغير من الأمل ويدفعون الملايين لشراء ما يعتقدون أنه حلول.
أنفقت سمر (37عاماً) عشرات الملايين ثمناً لهوسها المجنون بزيارة رجال السحر والتبصير وجميع أعمال التنجيم دون أي شعور بالذنب في حالة تصل إلى درجة الإدمان، تقول: “منذ قرابة عشر سنوات وأنا مهووسة بقراءة الفنجان والطالع والكف والحسابات الرقمية. بدأ الأمر كتسلية ثم سرعان ما تحول إلى هوس مرضي، عندما أسمع عن أحد ما ماهر في هذه الأمور أقصده حتى لو كان في مكان بعيد جدا”.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل بلغت درجة الهوس بالشابة التي تعمل صيدلانية لأن تتواصل مع دجال في المغرب كانت قد سمعت عن مهارته في ربط الزوج عن كل النساء باستثنائها، وتتابع حديثها: “لدي مخاوف من أن يهجرني زوجي، أو يتزوج بأخرى، يخفي عني دوماً تفاصيل عمله ولا يسمح لي بإمساك هاتفه. لدي شكوكي حول خيانته، لذلك ألجأ إلى أهل التنجيم لمعرفة أخباره وعما إذا يوجد امرأة غيري في حياته، في إحدى المرات دلوني على منجم معروف في المغرب، وتواصلت معه عبر الواتساب، طلبت منه حجاب لربط زوجي عن النساء وعدم زيارة أهله”.
بالرغم من أن أحد الأسباب التي تدفع لأعمال السحر هو الثراء، غير أنها تبذر مالاً كثيراً لقاء هذه الرغبة، ما يجعل المعادلة غير منطقية، تقول: “لا أستطيع ذكر الرقم على وجه الدقة، لكنه يتجاوز 100 مليون على مدار السنوات، كنت وما زالت أقصد أي أحد أسمع بوجوده سواء في دمشق أو في أي محافظة سورية”.
“معملك عمل” بهذه الكلمات تلقت الشابة سارة تعليقات لا متناهية على منشورها في إحدى مجموعات “الفيسبوك” حول شعورها المتواصل بالتعب والإرهاق والبكاء الهستيري والهلوسات وعدم القدرة على النوم ليلاً. بعد أن أجرت تحاليل طبية اتضحت أنها سليمة، تقول: “جافاني النوم منذ شهرين، تجتاحني نوبات هلع وبكاء هستيري غير مبرر، كما كنت أرى ملامح أشخاص غير واضحة، سمعت كثيراً عن أعمال السحر لكن لم يخطر ببالي أن الأمر سيحدث معي بالفعل”.
امتثلت الشابة لنصائح الفتيات واحتمالية إصابتها بالسحر وأن عليها البحث جيداً في منزلها عن قطعة مشبوهة مرمية في زاوية ما، وبالفعل عثرت الفتاة على قطعة قماش مهترئة أسفل عامود سريرها بعد أن قلبت بيتها رأساً على عقب بالبحث، وتضيف: “بحثت والدتي وأختي في كل شبر بالمنزل وفي جميع الأماكن غير المتوقعة، وبعد التنقيب الدقيق لمدة ست ساعات وجدنا خرقة قماش ممزقة ملتفة على بعضها بعضاً بإحكام، قمنا بفكها بصعوبة لنجد ورقة صغيرة مكتوب عليه طلاسم غير مفهومة. تكمل الشابة حديثها: “اتصلت أمي على الفور بجدتي لترشدها ما العمل، فنصحتها بإحراقها على الفور ورش ملح مقروء عليه آيات قرآنية في أرجاء المنزل، وبالفعل تحسنت بعد ذلك بكثير وعدت إلى حالتي الطبيعية”.
صور عارية بحجة فك السحر
يستغل المنجمون حوائج الناس وتعلقهم بقشة الأمل للخلاص من مشاكلهم ووضع حد نهائي لمعاناتهم، فيمتثل الكثيرون والكثيرات لرغبات المنجمين وطلباتهم الغريبة دون وعي. وفي الوقت نفسه، هناك بعض الناس ممن لا يذعن لها، كحال فادية الذي دفعها تدهور حالتها الصحية بسبب عمل مكتوب لها من قبل طليقها أن تلجأ إلى أحد الدجالين للخلاص، إلى جانب العراقيل التي تواجهها طوال عامين، تقول لنا عن تجربتها: “عشت جحيماً لا يطاق مع زوجي السابق، لجأت إلى أحد المنجمين الذي بدأ يطلب مني صوراً عارية للقسم الأيسر من جسمي بحجة تطهيري من السحر الذي يتسبب لي بكل هذا الألم، وأنه سيستدعي الجن لخدمته في طرد العمل ورده إلى صاحبه.” تُضيف قائلة: “يتذاكى البعض ولا يطلب صورة لكامل الجسد، بل جزءاً منه للتمويه كي يبرهن أن قصده شريف ولمتطلبات العلاج، باعتبار أن الشخص الذي قد يبيت نوايا سيئة سيطلب حتما صورة طولية لأغراض جنسية بحتة، لكني لم أصدقه وقطعت التواصل معه”.
لم تكن أناهيد بمنأى عن الطلبات الغريبة لمزاج رجال التنجيم تحت مسمى الاتصال بالجن السابع ونيل مبتغاها، تقول السيدة: “لم أنجب لزوجي طفلاً ذكراً ويهددني منذ سنوات بالزواج من امرأة أخرى كي تنجب له ذكراً يحمل اسمه، ذهبت إلى أحد الشيوخ لصنع عمل له كي يمنع ذلك.” تتابع حديثها: “ينجح الأمر لكن يكلفني مبالغ كبيرة مع صور لأجزاء من جسدي، أحياناً يطلب صورا لقدمي أو أصابع يدي وهي مطلية باللون الأسود، أو ارتداء ملابس داخلية باللون الأحمر، لا أمانع في الأمر طالما أن زوجي لن يكون مع امرأة غيري”.
ضغوط الحياة تدفع الأشخاص للالتحاق بقوى غيبية لتحقيق أهدافهم
تؤكد أريج الرز المتخصصة في علم الاجتماع أن “السحر أمر متداول منذ القدم، وتشتهر فيه المجتمعات الشرقية على مر التاريخ، ما يفسر لجوء العديد من الأفراد إليه وممارسته على نحو مستمر، فهو أمر شائع وأصيل ضمن هذه المجتمعات نتيجة القصص المروية عن النتائج المحققة والتي قد تكون محض خرافات وليست حقيقية.” وتضيف أن إيمان البعض بأنها قصص حقيقية عزز لديهم الرغبة باللجوء إلى هذه الأعمال لتحقيق رغبات معينة لديهم يعجزون عن تحقيقها.
اللجوء إلى أعمال التنجيم لا يقتصر فقط على الشريحة البسيطة غير المتعلمة، بل يطال أيضاً فئة المثقفين، والسبب كما توضحه الأستاذة أريج المتخصصة في علم الاجتماع هو: “بعض المثقفين ونتيجة حالة العجز التي قد يمرون فيها لتحقيق أهدافهم، وكثرة القصص المحكية عن أعمال السحر ونتائجه أثيرت لديهم الرغبة في التجربة وتحقيق ما عجزوا عنه..” وتتابع حديثها: “لكن إغفال العقل واللحاق بهذه الأفعال بصورة مطلقة يعتبر أمراً منافياً للعلم، ما يجعل لحاق المثقفين بالسحر أمراً مستغرباً، لكن في ظل الضغوطات التي يعاني منها معظم السوريين\ات ستظهر ميول للالتحاق بقوى غيبية لتحقيق الأهداف المأمولة”.
لا تنكر الرز أن عوامل التربية والعادات الشعبية التي تعمل على ترسيخ مفهوم قوى السحر بتحقيق المستحيل تعمل على تعزيز هذا المفهوم لدى الفرد وتجعله إحدى الطرق التي قد يسلكها عند الحاجة، لا سيما أننا في مجتمعات مارست و تناقلت وترسخت لديها هذه الأعمال على مدار السنين.