بواسطة Sonya Al Ali | يونيو 27, 2019 | Cost of War, غير مصنف
خلال سنوات الحرب تبدلت الأدوار الجندرية في مجال العمل بالتعليم والصحة والإعلام نتيجة غياب الرجل لأسباب متعددة مرتبطة بالنزاع المسلح؛ فبرز دور المرأة السورية في مجالات شتى، فقد كانت المراسلة الحربية والمعلمة والطبيبة والمقاتلة الصامدة في وجه الظلم. كان للمرأة أيضاً مشاركةً ملحوظةً في بناء المجتمع المدني وصنع القرار على أسس علمية وديمقراطية عبر مشاركتها وانتسابها لمنظماته النسوية، إضافة إلى دورها في تأسيس بعض المنظمات بهدف حماية المرأة من آثار الحرب والصراع الحاصل وتوعيتها بحقوقها ودورها في المجتمع، والعمل على تنمية قدراتها بشتى المجالات كي يكون لها دور فاعل ومؤثر في صناعة السلام بالمستقبل. وفي الشمال السوري، حيث تعمل معظم المنظمات المدنية المحلية في مجال التنمية، مارست النساء دوراً ريادياً في هذا المجال ووجدت المنظمات المدنية بيئة مناسبة لتنمية قدراتهن.
وعن دور النساء السوريات بعد الثورة، تقول الصيدلانية سوسن السعيد من إدلب (وهي إحدى المشاركات في تأسيس منظمة “بارقة أمل” النسائية): “لم يكن للمرأة السورية دور حقيقي يُذكر قبل الثورة، أما بعدها فنرى حركة جادة لتفعيل ودعم دورها في سبيل تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع، في ظل توفر مناخ مقبول من إتاحة الفرص، حيث نجحت بعض منظمات المجتمع المدني في تأهيل وتمكين النساء السوريات اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً.”
وعن دورها في إدارة منظمة “بارقة أمل” تضيف سوسن: “غيرت الثورة السورية مجرى حياتي، ونقلتني من العمل كصيدلانية إلى مساعدة النساء اللاتي خرجن من معتقلات النظام السوري للعمل على لملمة جراحهن وتقديم الدعم النفسي لهن، حيث عملت مع مجموعة من زوجات المعتقلين على تأسيس المنظمة لتخفيف المعاناة التي تعيشها مئات النساء السوريات.”
وأثبتت النساء السوريات جدارتهن في دول الجوار أيضاً، حيث تولين مناصب قيادية في منظمات المجتمع المدني من أجل بناء نواة لمساعدة الأهل في الداخل السوري. وعن ذلك، تقول
فاطمة غزال مديرة الموارد البشرية وحملة المناصرة في منظمة “بلسم”: “شاركت المرأة السورية في المجتمع المدني، حيث أسست الفرق التطوعية وقادتها وكانت جزءاً منها، وكانت لها اليد الطولى في تطور عمل المنظمات وباقي مؤسسات المجتمع المدني، ومشاركتها هذه أكسبتها الخبرة والاختصاص والجودة.” كما تشير غزال أنها بعد خروجها من سورية إلى تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي، بل تغلبت على كافة الصعوبات، حيث توضح ذلك قائلة: “رغم أنني أم لثلاثة أطفال، لكنني أيضاً مسؤولة أمام مجتمعي ووطني، لذلك عملت جاهدة على تطوير مهاراتي واكتساب قدرات جديدة للحصول على فرصة عمل تساعدني على الحياة، وأستطيع من خلالها خدمة أبناء بلدي في الاهتمام بالمعاقين ومصابي الحرب.”
ودخلت النساء السوريات أيضاً مجالات عمل شاقة كانت فيما مضى حكراً على الرجال، ليثبتن جدارتهن فيها، حيث دفعت ظروف الحرب وتصاعد العمليات العسكرية بالعديد من النساء إلى تكثيف عملهن بالعمل الإنساني والإغاثي، وتقديم أي جهد يساعد على تخفيف ويلات الحرب، ومنها مشاركة النساء في مجال الدفاع المدني وأخذ أدوار قيادية فيه. ومن جهة أخرى، تشارك منى البكري مديرة “المركز النسائي للدفاع المدني في خان شيخون” تجربتها قائلة: “مع زيادة العمليات العسكرية في إدلب بدأت المراكز النسائية بالتشكل لتكون رديفة لمراكز الرجال في العمل على إنقاذ الأرواح وإسعاف النساء والأطفال في حالات القصف والمخاطر، إضافة إلى نشر التوعية والإرشاد من خلال الحملات والندوات في المنازل والمدارس ومراكز التأهيل حول مخاطر مخلفات الحرب ومبادئ السلامة العامة.” كما تبين البكري بأن جميع العاملات في المركز يمتلكن خبرة واسعة في مجال التمريض والإسعاف، كما تلقين تدريبات على أعمال البحث والإنقاذ. وعن الصعوبات التي تعرضت لها في بداية عملها تضيف: “واجهنا في البداية الكثير من الصعوبات من المجتمع المحلي الذي استهجن عملنا في قطاع هو برأيهم مخصص للرجال، ولكن جدارتنا في العمل ومساعدة المرضى ساعد في تقبل عملنا والثقة بقدراتنا.”
بالإضافة إلى الأدوار المدنية، أصبحت النساء في إدلب حاضرات أيضاً في الجانب الأمني من خلال الانضمام إلى مراكز الشرطة الحرة للمساهمة في نشر الأمن والأمان وحماية المواطنين، إضافة إلى كشف الجرائم الخاصة بالنساء والأطفال والمخدرات وتفتيش النساء عند الضرورة، والإشراف على النساء في دور التوقيف والرعاية. تتحدث أم جميل المسؤولة عن “الشرطة النسائية الحرة” في معرة النعمان عن عملها قائلة: “يُقاس تطور ورقي أي مجتمع بدرجة التطور الثقافي والاجتماعي للمرأة، والتعامل معها كإنسان له كامل الحقوق الإنسانية، وتحريرها من العادات والتقاليد البالية التي تسحق كرامتها، وتضعها في مكانة أقل من مكانتها الحقيقية، لذلك قررت مع زميلاتي الدخول في قطاع الشرطة الحرة لنكون مع الرجال في مواقف البطولة وتوفير الأمن واسترداد الحقوق.” وعن بداية نشأة مراكز الشرطة النسائية في إدلب تُضيف: “تم تأسيس أول مركز نسائي في إدلب في منتصف عام ٢٠١٧، وانتشرت المراكز على نطاق واسع ولاقت اهتماماً منذ بدايات ٢٠١٨، حيث وصل عدد الشرطيات في إدلب إلى ٨٠ شرطية توزعن على المراكز، ولكل منهن وظيفتها ومهامها التي تقوم بها على أكمل وجه.” وتُشير أم جميل بأنها قررت الانضمام إلى الشرطة كخطوة نحو تغيير حياتها، والدخول في تحد كبير لإثبات وجودها في معترك الحياة، ليكون للمرأة دور فعال وإيجابي في حل القضايا التي تخص المرأة والطفل.
تعكس تجارب النساء المعروضة في هذا المقال كفاح المرأة السورية خلال سنوات الحرب لكسر الصور النمطية والقيود التي كرستها تقاليد المجتمع على عملها ودورها في المجتمع المدني. ونتيجة نجاح النساء السوريات في أدوارهن الجديدة، غدون أكثر قدرة على الاستقلالية والاعتماد على الذات وصنع القرار.
* يعاد نشر هذا المقال في صالون سوريا ضمن تعاون مع شبكة الصحفيات السوريات
بواسطة Mohammad Saleh | يونيو 14, 2019 | Cost of War, غير مصنف
*ينشر هذا الحوار ضمن الطاولة المستديرة ما الذي تبقى من اليسار السوري؟
هذا الجزء الثاني من حوار من جزئين أجراه عمر عباس، يمكن الإطلاع على الجزء الأول هنا.
يعد محمد صالح، المعروف بأبو علي صالح، أحد أهم شخصيات الحراك السلمي الأهلي والمصالحة في مدينة حمص، ومن الشاهدين على أحداثها من ثورة وحرب، وفي هذا اللقاء، يتابع أبو علي حوارهمع عمر عباس لصالح صالون سورية حول تطور الأحداث التي خبرها هناك، وتحديداً الوضع في حمص في أعقاب الحراك الشعبي الذي بدأ في درعا.
كيف كان الوضع في حمص عند بداية الحراك؟
لم أكن موجوداً عند بداية المظاهرات، إذ كنت في مدينة السلمية بسبب وفاة والدتي، لكن كما كل معتقل سابق، تولدّ لدي الأمل بكلمة الـ ”لا” التي لم نتوقع سماعها ونحن على قيد الحياة. كنت آمل أن يتحسن الوضع وأحذر من حمل السلاح، كان مطلبنا ديمقراطياً حقيقياً، لا لحلول ديكتاتور محل آخر. لم نكن نريد حدوث اقتتال، لأنّ الانقسام والدم يجلبان الكراهية وهي بدورها تسفك المزيد منه، لذا حاولنا أن نبعد فكرة التسلح قدر الإمكان. لم أقرأ قبلاً عن ديمقراطية أتت بالسلاح، نحن نريد ديمقراطية وليس مجرد استبدال سلطة مستبدة بأخرى، ولهذا كنت أختلف مع شعار إسقاط النظام الذي كنت أدعو لاستبداله.
بدأت ألتقي بمن تربطني معهم علاقة سابقة من اليساريين بشكل أساسي، وبعض الإسلاميين غير المتطرفين، التقيت بالشيوعيين والإسلاميين والقوميين ولم يكن لدي أية مشكلة مع الشخص الذي ألتقي به طالما أنه صادق، فهذا البلد أو الوطن أو سمه ما شئت لنا جميعاً وعلينا أن نعيش معاً سواءٌ أعجبنا ذلك أم لا، ويجب أن يقرر من يسكن على هذه الأرض كيف يحكمها. لا أقبل أن أميّز بسبب انتمائي، وكذلك لا يمكن أن أميز أحداً بسبب انتمائه. حاولنا في بعض المناطق أن ننسق بعض الشعارات، وكنا نوصل ما هي رؤيتنا لمن يمسك بالأمور، بعد الشهر السابع من العام ٢٠١١ لم يعد يحصل ما تمنياه. بدأت آنذاك تنتشر الجرائم من خطف متبادل، وتبادل أسرى، وقتل رهائن، إضافة لعمليات القتل على الهوية الطائفية. يوم العار كان في ١٦ من شهر تموز حيث قتل ٣٠ شخصاً مقابل ٢٤ شخصاً من الطرفين، وَجهتُ آنذاك مناشدات لأهلنا بالخالدية، “ماذا يعني لكم خطف الناس الذاهبين للكراجات أو إلى عملهم؟” فهي كانت طريق ممر للوصول لأعمالهم، وكانت تشهد العديد من عمليات الخطف، الأهالي رحبوا بالرسالة لكن لم يتغير شيء. هناك مناطق أخرى، لكن هذه المنطقة لا يمكن تفاديها وخاصة كراج الانطلاق. وبدأت تزداد حالات القتل على الهوية، فأحياناً تُكتشف ثلاثين جثة، وكان القتل لحسابات شخصية، كأن ينتقم شخصاً قُتل فرد من عائلته بقتل أعداد كبيرة من عائلة أخرى من الطرف الآخر. ساهم بزيادة انتشار هذا الجرائم معرفة القتلة بأنهم سيفلتون من العقاب ولو مرحلياً، كما كان الشحن الطائفي غير مسبوق. المجزرة الكبيرة التي شهدتها المدينة حصلت إثر قبول مبادرة الجامعة العربية في شهر نوفمبر ٢٠١١، حيث نزل بعض الحثالات ممن أسميتهم “شبيحة الثورة” إلى الشوارع، وقتلوا بضعة أشخاص يستقلّون سيارات عامة، وخطفوا أباً وابنه وقتلوهما، فكان الانتقام رهيباً وخارج القانون والأخلاق في ساحة الزهراء حيث تم قتل ٣٤ شخصاً من قبل عناصر من الشبيحة التابعين للأمن الجوي، بما بات يُعرف محلياً بمجزرة “الفندي”، نسبة للعقيد هيثم فندي، وكان القتل قد حدث على أساسٍ مذهبي، وأنا أروي هذه القصة تحديداً لأني أعرفها عن قرب وأعلم كيف حصلت.
تعرّض العديد للخطف لساعات تعرضوا أثناءها للتعذيب والنعت بألقاب بذيئة، وسمعت هذا كله من أصحاب العلاقة وعائلاتهم. وفي بعض الأحيان كان الشخص الغريب عن الحارة يُقتل عند دخوله إليها لرعونة المسلحين من اللجان الشعبية وبسبب الخوف، وليس قتلاً طائفياً، قُتل مثلاً أشخاص من نفس الطائفة لكنهم غرباء عن الحي، كما ولو أنك في غابة تطلق النار على أي حركة غريبة من الخوف، وقد كان غياب الأمن في تلك الفترة مقصودا لدب الرعب. بعد الشهر السابع تصاعد القتل الطائفي كثيراً، ليشهد الشيعة تهجيراً ممنهجاً في حي البياضة، وأصبحت الأحياء أكثر تماثلاً طائفياً، إما سنية أو من بقية الطوائف بسبب الخوف المسبق والتهديد المباشر. قليلة فقط الأحياء التي حافظ على تنوعها المختلط طائفياً، منها الوعر وطريق الشام وعكرمة والجامعة وحي الادخار.
جاء مسلحون لمنازلنا وهددونا مباشرة، وقالوا لنا: “لا نريد إلا سُنة بين بابا عمرو وطريق الشام”، ونقل رفاقي لنا رسالة: “أنتم جيدون لكن لديكم عشرة أيام لتخلوا المنزل لأننا لا نريد غير السنة”. لاحقا جاءني شخص لا أعرفه وسألني: “من يزعجك؟” أبلغته عن اسم المجموعة التي هدّدتني، فحّل الإشكال وزال عنّا التهديد. بقي في حينا بيتان أو ثلاث من غير السنة، بعد أن كان موزعاً بالمناصفة تقريباً. في الحي نفسه قتلت مجموعة مسلحة معارضة مهندساً لأنه علوي ومن ثم مهندس آخر لأنه شيعي، كنت أعرفهم شخصياً، لكني لم أكن أعرف انتماءهم المذهبي قبل ذلك. ثم خطف مسلحو المعارضة شخصاً آخر مسيحياً، استطعنا إخراجه قبل أن يقتل، كما قتل جاري وصديقي الدكتور مصطفى سفر أمام مدخل عمارته في حي الشماس في ٣٠ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٢، بالرغم من أنه سني. أعتقد أنّ عمليات الاستهداف الطائفي هذه لم تكن مجرّد مصادفة. أذكر في شباط ٢٠١٢ أني قد ذهبت لزيارة أقربائي في منطقة الساحل بعد مقتل جاري، وسمعت بعد وصولي أنه قد عُثر على جثتين بالقرب من المركز الثقافي، وعندما عدت لأتفقد بيتي وأخذ بعض الأغراض، استفسرت عن هوية الجثتين؟ فعرفت أنهما قتلة الدكتور مصطفى سفر، وهما أخوان من عشيرة تابعة لطراد الملحم التي تتبع لقبيلة عنزة وهذا كل ما أعرفه. لم يكن واضحاً ما هدفهم من القتل، سمعت العديد من الروايات المتناقضة حول هوية القتلة، شباب الجيش الحر في الخالدية قالوا إنهما تابعان لهم، وتمت تصفيتهما من قبل مجموعات مسلحة أخرى. في يوم ٣ شباط/فبراير حدثت مجزرة كبيرة في حي الخالدية عندما سقطت قذيفة هاون ليلاً، وعندما تجمع الناس لإسعاف الجرحى سقطت أخرى ليصل عدد الضحايا إلى المئة، كان قد سبق المجزرة هجوم من أبناء الحي على حاجز المستوصف. بعد ثلاثة أيام بدأ القصف على حي بابا عمرو، وكانت الحملة العسكرية الكبيرة التي استمرت لنحو عشرين يوم وانتهت بتهجير الأهالي والمقاتلين بشكل شبه كامل.
عندما رأينا الدمار الذي حصل في المناطق الأخرى، أصبحنا نقول أنّ حيّنا لم يتدّمر كثيراً رغم ما فيه من دمار، لكن بالمقارنة مع غيره كان بسيطاً. عدت لحيي إلا أن نسبة السكان الذي عادوا إليه لم تتجاوز خمسة بالمئة، سكان حي الجندلي أيضا خرجوا ولم يبق فيه أي أحد، وطبعاً تمت سرقة كل شيء يمكن حمله.
تم تطويق المسلحين في حمص القديمة، وفي حي الخالدية مع عائلاتهم، وشهد حركات نزوح إليه من حي النازحين ومن كرم الزيتون، وكان آخر يوم استطعت الدخول إليه في ٢٣/١/٢٠١٢، حيث حصلت مناوشات والشباب محاصرون بالداخل. سافرت من حمص الى دمشق مرتين كل يوم، سعياً مني لتأمين هدنة لحماية حمص من التهدّم على رؤوسنا، وبجهود كبيرة تم انقاذ مدنيي الوعر، وبقي الأهالي والمقاتلين في الداخل وحواجز الجيش، وأخبرني من بقي من الأهالي أن الجوع كان شديداً ولم يبق شيء في الشارع لم يتم أكله، بينما يأتي الطعام الساخن للمسلحين يومياً من الخارج بشكل منتظم، وأميل لتصديق ذلك لأن شخصاً محاصراً من عسكر المعارضة طلب مني دخان، فقلت له كيف سأوصلها لك، وليس لدي أية علاقات؟ فأجابني: ضعه عند حاجز الجيش السوري عند القلعة وقل لهم “أنه للشباب”. ليس بالضرورة أن تكون هذه العلاقة عمالة، فهناك عدّة احتمالات أخرى للعلاقات المشتركة منها القرب والمال والمصالح. التقيت بأكثر من عائلة وروت لي ذات القصص رغم أنهم لا يعرفون بعضهم، ومقاطعة هذه القصص جعلتني أصدق ما قيل لي.عندما خرج جميع المسلحين من المدينة القديمة، دخلنا ورأينا الدمار ومن بقي لآخر لحظة بالمدينة القديمة، وفي تلك الأثناء جرت محاولات كثيرة ممن يهمه وقف المذابح من كل الأحياء بغض النظر عن التوجه السياسي والانتماء الطائفي، دخلت أنا بتشكيل ما سمي “بلجنة التضامن الأهلي” وكان مؤلفاً من حوالي ثلاثين شخصية من حمص من مختلف التوجهات الموجودة لكن الأغلب يساريين. لم تكن للجنة فاعلية كبيرة وكان أغلب رموزها مؤيدين للحراك الشعبي، لم يكن معنا أحداً موالياً للنظام بالحقيقة، فحتى غير المؤيد للحراك الشعبي كان أقرب للحياد، وهذه نقطة ليست جيدة برأيي، فالمجموعة الأهلية يجب أن تتضمن مؤيدين لتحقيق سلم أهلي بين أطراف متعددة. لم نستطع أن نجلب مواليا ً لصفّنا وفي الوقت نفسه لم نكن نستطيع أن نقول لمن يطلق الرصاص من المعارضة أن يفعل شيئاً، فكيف كنا سننجح في تحقيقٍ سلمٍ أهليٍ في الوقت الذي يرفض فيه من يحمل السلاح الاستماع إليك؟
إن دعيتَ لحوارٍ وحلٍ عبر محاكم الجمهورية العربية السورية طالباً وقف القتال، في الوقت الذي يواصل فيه خصومك عمليات القتل فإن تأثيرك سيكون شبه معدوم، ورغم ذلك استطعنا إطلاق سراح العديد من المخطوفين وحققنا إنجازاً في هذا المجال، وإن كان محدوداً. لكن توفير نقطة دم واحدة كانت بمثابة إنجاز، وقد تمكّنا من الإفراج عن بعض المخطوفين دون مقابل كبير، معتمدين على جهودنا وإمكانياتنا المالية المحدودة، فاعتمادنا كان ذاتياً، وولم يكن بمقدور أحدٍ منا دفع مبالغ كبيرة. كانت تأتي مطالبات بفدية تصل إلى ملايين الليرات سورية (قبل انهيار الليرة) لإطلاق سراح مختطفين، لكن سقف قدرتنا كان بحدود العشرة والعشرين ألف ليرة، وفي إحدى المرات عبئت برميل مازوت لشخص مقابل الإفراج عن مخطوف، وقد كلفني ذلك خمسة عشر ألف ليرة. كل أعضاء اللجنة وضعهم المادي مثل وضعي أو أقل قليلاً، وهذا كان في البدايات عندما كانت لدينا المقدرة المادية، لكن الآن أصبحنا ننتظر العشرة ليرات لنشتري رغيف الخبز، فالوضع أصبح أكثر سوءاً، ولم يعد هناك إنتاج أو عمل، والتقصير كبير.
لست قادراً على تجاوز النقص بالمعلومات التي أرويها، لأننا لم نصل للمرحلة التي أستطيع فيها أن أتكلم بحرية بعد، وهذه إحدى المشاكل الهائلة، ألا تكون قادراً على إيصال ما تحب أن توصله. في عام الـ٢٠١١ حضرت بالصدفة اشتباكاً بين الجيش والمسلحين فتكلمت عن هذا بمداخلة شاركت بها في قناة البي بي سي البريطانية، فضُربت سيارتي برصاصة واحدة بعد ذلك. احتجوا جماعة التسليح من المعارضة، وسألوني لم أتكلم عن المسلحين وهم لم يقرروا الإعلان عن تسلحهم بعد؟ أجبت أنني لست ملزماً بهم، فنحن لم نتفق ولا يوجد بيننا توافق ولا أنتمي لجماعتهم، وأنا لن أقول إلا ما رأيت، فأنا لست بالسياسي الذي يخفي أو يكذب أو ينكر القتل الحاصل، دوري توصيل ما يحدث من كل الحقائق. في البدايات كان من حمل السلاح وقتل وخطف من حثالات المجتمع السوري، ومن قاموا بالاغتيالات بحينها هم من مروجي المخدرات والقوادين، ممن لهم تاريخ طويل في السجون وهم من حمل السلاح. هناك من هو مستعد أن يفعل أي شيء من أجل المال وضمن ذلك القتل. هذا ليس من طرف واحد بل طرفي الصراع، وعندما قلت للمحافظ، لماذا تسمحون لهم أن يحملوا السلاح؟ قال لي “كلب يعوي معك أفضل من أن يعوي عليك”، وعندما سألتهم نفس السؤال بحي بابا عمرو، أجابوني بالجواب ذاته، نفس الثقافة والنهج من الطرفين. وهذا يدل على الافتقار لأي هدف سام بمعنى دولة ديمقراطية أو عدالة، بل البحث عن سلطة وأنا لست معنياً بذلك، أنا أنشد إدارة تدير هذه الدولة ببعض العدالة، لا يهمني الأسماء لكن يهمني ألا يكون لديه سوابق إجرامية.
في كرم الزيتون، حدثت مجازر مرعبة خلال ٤٨ ساعة أثناء طرد المقاتلين منها، وكل نقطة دم كانت تفرقنا عن بعضنا أكثر فأكثر، لم تحدث الأمور بسرعة فكان من الواضح أن المطلوب هو سفك الدماء، وإلا لماذا يحدث الحسم السريع عندما يريدون حسم الأمور؟ فيما بأماكن أخرى يبقى القنص والقتل والقصف مستمراً؟ هناك أسئلة يجب أن يسألوها أحفادنا كي لا يتكرر ما حدث، إعلاميا كان يتم غرس الكراهية بطريقة غير مسبوقة، ولا نعلم إلى متى ستبقى آثارها، على الرغم من تعالي الكثيرين عن الكراهية والمحافظة على تعاملهم الإيجابي، إلا أن الأشياء السيئة تبرز عن الجيدة. في السنوات الأخيرة، أثناء مفاوضات خروج مقاتلي المعارضة من حمص القديمة(٢٠١٤) حصلت دعوات من قبل أهالي المخطوفين لعرقلة الاتفاق حتى يتم الإعلان عن مصير أولادهم لكن لم يتم ذلك، وقد أخبرني أحد المقاتلين أنه قد تمت تصفية جميع المخطوفين قبل الاتفاق، لكن لا أعرف إن كان الكلام صحيحاً، كما تمت تصفية الكثيرين من الطرف الآخر، للأسف التنافس بين الأطراف المتنازعة بات حول من يقتل أكثر ومن لديه الإمكانيات ليثبت أنه الأسوأ.
شهدت مناطق وأحياء الوعر والريف الشمالي والقرى التي كانت متعايشة تهديداتٍ لا طائفية فحسب وإنما عرقية أيضاً إذ تم استهداف الشركس المتواجدين من قبل البدو، الذين قالو لهم “سنعيدكم إلى القوقاز حفاة كما أتيتم، فهذه أرضنا وسنسترجعها”، ولم يكن هذا الموضوع سياسياً بل عبارة عن أخذ غنائم وسرقات وهذا مجرد جزء مما حصل. حتى بين من يريدون إسقاط النظام، كان لكل طرفٍ هدف مختلف عن الآخر، وهذه إشكالية في فهم السلطة والحق، فالسلطة تبدو وكأنها أداة لنهب المنطقة المسيطر عليها وليست معنية بإدارتها أو تحقيق رفاهية السكان، وهنا لا أستثني أحداً، فالجميع نهب ولدينا تجارب مباشرة مع كافة الأطراف. أعتقد أنه ليس لدينا وعي حقيقي للدولة، وقد سعت النخب السياسية للحافظ على مصالحها ومنع المنافسة.
هل كنت موجوداً باعتصام ساحة الساعة؟
وضعي الصحي لم يكن يسمح لي بالمشاركة، لكنّ أعداداً كبيرة من أصدقائي وأقربائي شاركوا في اعتصام ساحة الساعة. جاء العديد من المعتصمين من الدفن بعد مقتل العديد من الشباب الناشطين في وقتٍ سابق، وأقاموا الخيم والاعتصامات، يومها زحفت حمص للساحة لتعيش ساعات جميلة، وكان هناك إرباك حقيقي وغير مسبوق للسلطة في حمص.
كان في الاعتصام مشاركين من جميع الطوائف وجميع الاتجاهات السياسية، ولكن حدثت بعض الإشكاليات التي أزعجتني، فمثلاً تمّ تقديم أحد الشبان الذين أعرفهم ليخاطب المعتصمين بصفته ” ضيفنا العلوي بساحة الساعة.” وهذا برأيي من أسوء التعبيرات، لا أعلم لم غير السني هو “الضيف”؟ علماً أنّ المقدم علماني له تاريخ سياسي طويل وممن أعتبرهم جيدين فتخيل ما يدور برأس غير الجيدين، كان سلوكه جيداً ومحترماً، لكن هذه العبارة تخفي وراءها الكثير. بقي الكثير من الناشطين يعتبرون الناشطين العلويين ضيوفاً على الثورة، ومنهم من غادر وانتقل لمواقع أخرى من السلوكيات الطائفية.
لم يحسن منظمو الاعتصام إدارة المكان ولم يُقدّروا حجم الخطر أو يُعدوا أي خطة للطوارئ، إذ بدأوا بإخلاء المكان حوالي الساعة ١٢ ليلاً، وعندما انخفض عدد المعتصمين بدأ هجوم قوات النظام، وتسبب صوت الرصاص بهروب بقية المعتصمين. لو بقي الجميع لما استطاع النظام اقتحام المكان بسبب كثافة أعداد المعتصمين. للأسف، لا توجد أخبار مؤكدة عن أعداد الضحايا، لدي تأكيدات بمقتل سبعة أشخاص تلك الليلة، إلا أنه مازال هناك ١٩٠ مفقوداً من الاعتصام، لا نعرف مصيرهم حتى اللحظة. حوالي الساحة السادسة صباحاً، مررتُ بالساحة ورأيت الدم على الأرض وهو يغسل وشاهدت أعمال التنظيف وإزالة البقايا والخيم، وحوالي الثامنة والنصف صباحاً مررت مجدداً وكانت أعمال التنظيف مستمرة. لم أتجرأ على التصوير رغم عدم وجود أية عناصر أمنية أو شرطة في كل المدينة أثناء ذلك اليوم، كان يوماً خاصاً جداً. لم يكن هناك حتى شرطة مرور في الطرقات، فاستغل بعض المراهقين (١٥-١٦ عاماً) الوضع لنصب حواجز وبدأوا يطلبون هويات المارّة.
بعد الاعتصام خرج قانون التظاهر، وقدمت طلباً من أجل السماح بتظاهرة تخرج من حي باب السباع وتصل لحمص القديمة، رفض طلبي مدعيّن أن المظاهرة تخرج من المسجد، وذلك غير مسموح، رغم أننا لم نقل أنها ستخرج من المسجد أبداً، أيضاً تحججوا بأننا لم نستطع حماية الأماكن العامة، رغم أن ذلك ليس من مسؤوليتنا. بحثنا عن ممثلين من طوائف متعددة ليشاركوا معنا، لكن أنا من تقدمت بها وأنا من تلقيت الرفض، وقد عرفت أصلاً أن الجواب سيأتي بعدم الموافقة.
كان الخوف كبيراً، وجاءتنا تهديدات مباشرة وتهديدات للناشطين، أنا تلقيت تهديدات من السلطة ومن المسلحين، وجاءني تهديد مرتين يطلب مني أن أترك حارتي، كي تخلو المنطقة من غير السنة، لكني ما زلت في بيتي و لم أتركه أبداً، ورغم رحيل المسلحين لكن الحي أصبح سنياً بعد أن كان فيه من جميع الطوائف، بقيت أنا وأحد أقربائي فقط، حتى ابني خرج مع عائلته من الحي خوفاً من أرعن، وقد شكل هذا عبئاً اقتصادياً هائلاً، فأجار بيت ابني خمسين ألف ليرة سورية وراتبه خمسة وثلاثين ألف، وكان لدي العديد من الرفاق الذين قضوا معي سنوات السجن، إلا أنهم خرجوا جميعاً، ولم يبق منهم أحد، بقيت وحدي.
لماذا اعتقلت عدّة مرات بعد الحراك؟
اعتقلت للمرة الأولى يوم ٢١/٩/٢٠١١، وقبل هذا التاريخ بأربعة أيام كنا نتحضر لعقد مؤتمر لهيئة التنسيق، حضرت المؤتمر وغادرت لأن الجو لم يناسبني، ولم يكن الحاضرين قادرين على أخذ قرارات صحيحة، وأنا في طريق عودتي للمنزل اتصل بي من تبين أنهم أعضاء الوفد الروسي الذي زار محافظة حمص، كانوا يريدون لقاء أحد المعارضين في بيت المحافظ، وعندما نقلت للوفد ما تطالب به المعارضة أمام وسائل الإعلام، اعتقلت. كان الزائر نائب رئيس مجلس الدوما الروسي وسألني ما هو برأيك الحل؟ قلت له: إن الحل هو حسب الدستور السوري المادة ١٣، الرئيس السوري يدعو لتأسيس جمعية عمومية من ٢٠٠ شخص على الأقل، ويوقف العمل بالدستور للعمل على صياغة دستور جديد مع قوانين انتخابية جديدة وانتخابات رئاسية تحت إشراف أممي، وانتهى اللقاء هنا، وبعد يومين تم الاعتقال لكنه دام يوماً واحداً، حيث أفرج عني بسبب تدخلات روسية، بعدما عرفوا أنني اعتقلت بسبب لقائي معهم.
في عام الـ٢٠١٥ اعتقلت بحجة تمويل الإرهاب، لأنني أعطيت مئة ألف ليرة لشخص بالوعر، حولها لليورو ليوصلها لشخص من العائلة يعيش في باريس، المنطقة كانت محاصرة، فقالوا إن الأموال قد تصل للإرهابيين، وتقديري أنها حجة كي يحققوا معي بموضوع النشاط الإعلامي، فليس هناك حكم قانوني يجرم إجراء لقاء مع الإعلام، ولذا اضطروا لإيجاد ذريعة أخرى، وتمويل الإرهاب عقوبتها كبيرة.
اعتقلت أيضاً في الشهر العاشر عام الـ٢٠١٧ لستة عشر يوماً من جهتين أمنيتين لإغلاق ملف من ٢٠١٢، وكانت المذكرة صادرة من قبل، لكنها كانت حجة، وما أزال قيد المحاكمة حتى هذه اللحظة.أما الاعتقال الأول فكان من ١٢ شباط/فبراير ١٩٨٨ حتى ١ آذار/مارس ٢٠٠٠.
أثناء اعتقالي كنت أتعرض للتحقيق حول عن المكالمات العديدة التي تأتيني من خارج سوريا، وقد كنت أتواصل مع قنوات من اليابان حتى السي إن إنباسمي الشخصي وليس باسم حركي، وموقفي واضح، أنا ضد استخدام أي سلاح سواء من قبل السلطة أو المعارضة، وضد سفك أي دم سوري، وعندما أحمل طرفاً المسؤولية هذا لا يعني أنني موافق على الطرف الآخر.
فإن أدنت المعارضة كُنتُ أسأل “وهل يعجبك الجيش؟” فأجيب “لا، فأنا أدين جميع الجرائم وأتكلم عن الجميع”. وقد قلت من البداية لا أتمنى أن يحرز أحداً نصراً عسكريا على الإطلاق، لا أرغب بالحسم العسكري، فالمصلحة ألا ينتصر أحد وتكون التسوية والدستور، إذ أنّ انتصار أحد يعني أن الكارثة آتية، والنصر العسكري ضمن حرب أهلية هو الكارثة.
بالنسبة للمعتقلين، كان نشاطي تأمين المحامين وأشياء بسيطة فلم يكن لدي تأثير أكبر من ذلك، الأمن لا يقبل بي أن أمثل الثورة على خلفية طائفية، وكوني لا أقبل أن أعمل ببعض الأشياء، ركزت على السلم الأهلي والعلاقات الأهلية، سواء معنوية أو مادية، ليس لي أية علاقة بالائتلاف ولا بهيئة التنسيق، إلا أنني أتواصل معهم دون أن يكون لي أي دور فيهما.
هل تستطيع التكلم عن دورك بالأعمال الخيرية؟
عندما بدأ الخطف على الهوية تدخلت من خلال علاقاتي الاجتماعية والسياسية، نجحت في بعض المرات بتنسيق عمليات لتبادل المختطفين وفشلت في مناسبات أخرى، وكنت أنجح بالتبادل بدون أي مقابل مادي، فما عملت عليه لم يدفع مقابله أي شيء من الأهالي، أنا دفعت، لكن ليس عندي قدرة كبيرة.
كنت أشحن رصيد الموبايل أو أملأ خزان مازوت أو أقدم خدمات طاقة شمسية، وكل ما دفعته لم يتجاوز الأربعة آلاف دولار، ولم يعرف أهل المخطوفين بهذا، كنت أداوم عند الخاطفين لأيام. في إحدى المرات في العام ٢٠١١ مشيت ٢٠٠ متر وأنا مغطى العينين لأوصل دواء لشخص مخطوف، تواصلت مع المخطوفين وتمكنت من خلالهم إيصال الدواء للشخص المريض، كنت أحاول التواصل دوماً وفي جميع أوقات الصبح والليل حتى أحصل على مطالب الخاطفين. كانت أصعب اللحظات عندما يقولون أنهم قتلوا المخطوف، وكان علي إخبار الأهل، هذه لحظة قاسية ومؤلمة، والأفرع الأمنية لا تتخذ أي إجراء، وهناك أشياء لا تحكى كي لا تستغل لتأجيج المشاكل.
الحدث الطائفي في حمص دفع أشخاصاً للتحول إلى مؤيدين كي لا يذبحوا، هناك أمور تحتاج لوعي غير متاح للأمور السياسية. النظام بالتأكيد لن يسمح بتواجد بديل ككل أنظمة الطغيان، لكن كان على المعارضة أن تبتكر شكلاً للقاء، والوعي والقيادات تبقى فاشلة حتى الآن، لا لسوئهم بالضرورة لكن لعجزهم.
أنا أدخلت أول شحنة مساعدات على مدينة تلبيسة يوم ٤/٦/٢٠١١ أثناء أول حصار، نقلت حمولة سيارتين أرجعوني على الحواجز ولم يدخلوها، فوزعت الشحنة على المفرج عنهم في العفو الصادر آنذاك، كانت مجموعة كبيرة من الأساسيات كلفتني فقط ثلاثين دولار. قدمت أكثر من مئة مقعد للمعقدين بالإضافة لفرشات طبية للمقعدين وعكازات وأدوية حليب حتى هذه اللحظة، لست أنا من يشتري الأدوية لكني أوصلها من خلال أصدقاء وصديقات، وهناك من تبرع بثمن الكراسي، أنا اشتريت اثنين فقط، لكني أوزعهم على مدنيين تأثروا من القصف العشوائي بغض النظر عن المصدر. أحاول تأسيس جمعية لتركيب الأطراف الصناعية الذكية، يجب أن تكون مرخصة والعمل شفافاً، لكنها تتعرقل حتى الآن بسبب اعتقالي أولاً ثم للمشاكل المالية الكبيرة التي أعاني منها، فدخلي لا يكفيني، العمل لا يكفيني أكثر من عشرة إلى خمسة عشر يوم، ولا تستطيع أن تؤسس لشيء دون موارد، ولا أستطيع استلام مساعدات دون أن يكون لي ترخيص، هناك العديد ممن عرض علي المال لأوصل المساعدات لكنني أرفض إن لم أعرف الشخص، إلا إن كانت تبرعات عينية.
بواسطة Safi Khattar | يونيو 11, 2019 | Cost of War, Culture, غير مصنف
“الست بتلة” هو اللقب الذي اختارته “سلطانة عامر” لنفسها منذ عشرات السنين لتشتهر به السيدة التي تحظى باحترام وتقدير واسع في أوساط المتدينين، وتشير بعض الشائعات المحلية إلى أن للست نفوذاً كبيراً لدرجة أنها باتت الآمرة الناهية في مجتمع السويداء.
ومُحرّك هذه الإشاعات الأساسي هو قلة المعلومات الموثّقة حول سلطانة، إضافة للغموض والسرية التي يتسّم بها المجتمع الديني عموماً لدى الدروز، إضافة إلى غرابة وندرة وصول امرأة لهذه المكانة الدينية المرموقة.
يروي أحد الشيوخ المقربين من الست والمقيم في مدينة السويداء، أن قصة “الست بتلة” بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت طالبة جامعية في قسم الفلسفة، إلا أنها تركت دراستها وحياتها المدنية وتوجهت نحو الدين. وحفظت سلطانة “كتب الحكمة” كاملة، وهي الكتب المقدسة عند الدروز وعددها ستّة، وهي الحالة التي تعد قليلة عموماً وخاصة لدى النساء، وقامت بتغيير اسمها إلى “بتلة” كنوع من الزهد معتبرة اسم “سلطانة” لا يناسبها، ونتيجة لذلك ولكونها من أسرة عامر المعروفة والتي تتمع بمكانة كبيرة في السويداء، حظيت “بتلة “بدعم واهتمام شيوخ الدين المعروفين وقتها، وهم من أطلقوا عليها لقب “الست”، وعمدت لتحويل منزلها في أحد أحياء المدينة لمدرسة دينية تعلم أصول الدين وطقوسه للنساء، بحسب الشيخ.
وازداد خلال سنوات الحرب الماضية انتشار الظواهر الدينية في السويداء بشكلٍ ملحوظ، لأسباب عديدة منها تشكيل الميليشيات المسلحة والتي أخذت غالباً الطابع الديني سواء الموالية منها أو المعارضة، كما شكل الدين رابطاً قوياً للحفاظ على وحدة المجتمع بعد أن غدت المؤسسة الدينية المرجعية الوحيدة في ظل غياب أية حركة مدنية أو سياسية.
وأثارت الست إشكاليات عديدة في المجتمع المحلي في السويداء أبرزها يتعلق بانتشار تأثيرها الواسع والتعصّب والتشدّد في التعاليم والطقوس الدينية التي تدعو إليها، وهو أمرٌ مستهجن وغريب عن مدينة تتسم بمدنيتها وعدم تطرّفها، وقد أدت هذه التعاليم إلى خلق مشكلاتٍ كبيرة بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين بعض العائلات، حتى أن فئة كبيرة من الأهالي أصبحت تسميها بـ “خرّابة البيوت”؛ إذ ظهرت العديد من حالات الطلاق بين المريدات والأزواج غير المتدنين أو ممن يرفضون التشدد في الدين، بالإضافة لرفض التعليم للفتيات والنتائج الخطيرة من جرّاء منعهن من إكمال دراستهن الجامعية ورفض الاختلاط في المدارس، وفي بعض الأحيان يتم إخراجهن من المدارس بسن مبكرة والاكتفاء بتعليمهن أصول الدين.
لا تنشر “بتلة” تعاليم خاصة بها ولا بدعاً هي اخترعتها، فكل ما تقوم به هو تطبيق التعاليم الدينية في المذهب الدرزي بحذافيرها، وفق قاعدة التصوف في الدين والشروط المعاشة اليوم، رغم أنها قد تجتهد ببعض المسائل بالقياس أو الإفتاء حسب ما تراه مناسباً، ولعل المغالاة الشديدة والتطرف الذي أثار نقمة وانتقاد البعض في مجتمع السويداء مرده إلى مريديها أنفسهم، حيث تصبح المغالاة هنا طريقة لإبراز الولاء والتقرّب من الست أكثر، بالإضافة إلى تحوله لنوع من التعويض النفسي والاجتماعي عن حالة الفشل والإحباط العامة التي خلفتها الحرب.
ولا تكتفي مدرسة “الست بتلة” بتعليم أصول الدين وتلقينه لمريداتها فقط، بل تفرض عليهنّ مجموعة من السلوكيات والطقوس الأخرى المتعلقة بكل جوانب الحياة تقريباً، من مبدأ أنّ الدين هو محور الحياة، لذا كان على المنتسبات أن يصدقن النية في التقرب لله، وأن يلتزمن بتطبيق التعاليم الدينية، والتي لا تختلف في أغلب جوانبها عن أي عقيدة أو مذهب ديني مختلف، وإن كانت أقرب إلى الطريقة الصوفية، والأساس فيها تطبيق مبدأ الحلال والحرام في كل شيء. وعند هذه القاعدة تحديداً يبدأ الاختلاف في تفسير الأشياء، فتعريف الحلال والحرام في العقيدة الدرزية ينطلق من قاعدة البحث عن أفضل الخيارات والطرق، أي الأكثر حلالاً من غيرها، وكنتيجة طبيعية لتطور المجتمع وتغيّر عاداته وثقافته، انحسر تطبيق التعاليم الدينية ليقتصر على الضرورات فقط، بما يحفظ النزاهة والكرامة والأخلاق، أو كشكل فقط وكنوع من إثبات المكانة الاجتماعية.
وبهذا ركزت الحركات الدينية المتشددة على محاولة العودة إلى تطبيق الجزئيات الصغيرة وأحكام الدين في كل جوانب الحياة، كرد فعل على ظاهرة انحسار الدين في المجتمع. ولذا يُلاحظ أن المتشددين ومنهم أتباع “بتلة” يرفضون العمل ضمن وظائف الدولة، كما يرفضون أي تعامل معها، معتبرين أموالها محرمة لاعتمادها على الضريبة والفساد، وبلغ الأمر بهم للاكتفاء بالضرورات القصوى المقدمة منها كالكهرباء مثلاً، وإن أمكن الاستغناء عنها يعتبر أفضل. كذلك الأمر بالنسبة لمياه الشرب، فهم لا يشربون مياهاً من الشبكة العامة وإنما من مياه الأمطار المُجًمعة أو من آبار خاصة موثوقة المصدر؛ وحتى لباسهن يحاولن حياكته بأنفسهن، وإن تعذّر الأمر، يشترون قماشاً من محلات خاصة أيضاً؛ و بالنسبة للمحروقات، يعتمدون على الحطب بشكل أساسي في الطبخ والتدفئة، ويمنع عنهم كافة أشكال التكنولوجيا الحديثة من تلفاز وموبايل وانترنت وغيرها لاعتبارها مفسدة بالمطلق ولا نفع منها. نتج عن هذا، تشكيل المتدينين بما فيهم “الست بتلة” لنظامهم الاقتصادي الخاص، الأشبه بالأخوية المتكاملة والمعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة وتربية الحيوانات والأعمال اليدوية والمنزلية، إضافة لبعض المحلات التجارية التي تعود ملكيتها لرجال دين، حيث يفضلون شراء حاجاتهم الأساسية منها.
وبما يخص نفوذها الداخلي، فقد حظيت “بتلة” باهتمام وتقدير كبيرين في الأوساط الدينية المحلية، وعُوملت من قبل أتباعها بشيء من التقديس والتبجيل، إذ تعتبر سلطتها الدينية مطلقة بحكم منزلتها وتأثيرها في وسطها، فالدين في المذهب الدرزي يمر عبر وسطاء حصريين لهم الحق عندما يصلون إلى مرتبة معينة من التقوى بإدخال أو إخراج الأشخاص من الدين حسب أعمالهم ومواقفهم، ويعتبر البعد أو الحُرم الديني من أهم أدوات العقاب والثواب في المذهب، ويعتبر المُبعد من الدين كافراً حتى يعود إليه دينه من جديد، فكثيراً ما تتردد عبارة (بتبعدك الست) كنوع من الدلالة على سلطتها المطلقة.
ولا يُفرض “التديّن” في العقيدة الدرزية على الأفراد أبداً، فعلى العكس توضع شروط قاسية لمن يراد الانتساب إلى مجتمع المتدينين، وسعى العديد لإيجاد طرق لتوسيع دائرة الدين وزيادة الملتزمين به، ومن هنا لعبت حركة “الست بتلة” الأثر الأكبر بنشره، من خلال ضمان وصوله للنساء وبالتالي انتقاله لأسرهن.
لو أن التعاليم الدينية التي تنتهجها “الست بتلة ” بقيت ضمن إطار الخيار الفردي أو كحالة من التصوف والروحانية، لكانت أشبه بثورة على نمط الحياة اللاإنساني الموجود اليوم؛ كما أن تبني أي جهة مدنية لتعاليمها ورفضها العلني لبعض مؤسسات الدولة، كاد أن يؤدي بها للقمع الفوري من قبل السلطة، ولكن تغطية المسألة بالصبغة الدينية فقط سمح لها بأن تمارس نشاطها وبغطاء ودعم من الأجهزة الأمنية، ما جعل البعض يظن بأن “حركة الست” ليست إلا حركة أمنية بالمطلق، ويعتقد البعض أنها استنساج لتجربة “قبيسيات دمشق”.
لكن للحقيقة وجهين متناقضين، فمن ناحية، إنّ أي تيار ديني هو صديق السلطة بالضرورة ويمكن للسلطة أن تستثمر فيه في أي وقتٍ ضمن تحالفات معلنة أو سرية لتثبيت وجودها كما حصل مراراً في المشهد السوري؛ ولكن من ناحيةٍ أخرى، فإنّ هذا الاستثمار في الحركات الدينية قد لا يتحقق في مجتمع الدروز وضمن عقيدتهم، بل قد يرتدّ عكساً على السلطة إذا ما اعتبرت حركة ما بأنها تُشكل خطراً يُهدد الدروز كمجتمع أو كطائفة.
يُدرك المتدينون معادلة محاباة السلطة التي تساوي النفوذ والتمدد، ويستثمرونها سراً، والأخطر في الموضوع هو اعتقادهم بأنهم يستغلون السلطة لزيادة نفوذهم، وبالتالي توسيع مشروعهم الديني، والذي سيحقق للطائفة مزيداً من التماسك والقوة برأيهم، إضافة لعودة دور الدين في صياغة وقيادة المجتمع وحفظ وجوده.
من ناحيتها ترحب السلطة بأية حركة من هذا النوع، فتمدّد وانتشار الدين هو حتماً على حساب الحركات المدنية والفكرية في المجتمع، وهي الغاية الأهم لبقاء معادلة السلطة والدين كوجهين لعملة واحدة.
ومن هنا نجد أن حركة “الست بتلة “لم تعد وحيدة في مجتمع السويداء، فهناك اليوم أسماء جديدة ظهرت على الساحة “كالست شامية” و”الست سميّة” وغيرها، هذا عدا عن المعلمات في حلقات تدريس صغيرة في بعض القرى أو ضمن جلسات خاصة، وإن كان أغلبهم قد خرج من مدرسة “بتلة” إلا أن التنافس بينهن موجود وإن كان غير معلن.
بواسطة Hadia Al Mansour | مايو 30, 2019 | Cost of War, غير مصنف
Wael, twenty-two, was taking a picture of his friend as he held up a Russian rifle. While taking the picture, the weapon suddenly fell from the friend’s hands and went off, firing a bullet into Wael’s chest and claiming his life.
“It was a painful incident which has not left my mind,” says Omar, who did not expect that he would one day kill his close friend, who was due to be married just days later. Since that day, Omar has suffered from severe depression. His family also had to pay three million Syrian pounds to Wael’s family in compensation.
Many households in Idlib city have obtained light and medium weapons for security and protection, due to the deteriorating security situation over the past few years and have kept them in a state of permanent readiness. However, buying guns for personal protection has caused a number of painful incidents.
Fatima al-Qassem, twenty-three, had her life destroyed as a result of being hit by a bullet shot by her husband during a dispute with his relatives. The bullet from his rifle, which he fired by accident, hit Fatima in the chest and completely paralyzed her.
Recounting the story of what happened to her, Fatima says: “My husband often brandished his weapon in any confrontation he faced. I had long warned him that one day he would kill someone accidentally with this behavior, but I did not expect that I would be the first victim.” After paralyzing Fatima, he went on to divorce her to avoid paying for her treatment and care.
Stores that sell and repair various personal weapons have proliferated in opposition-controlled areas in the north. These establishments stock everything their customers could want in terms of weapons, equipment, or military clothes, operating with great ease and under no controls.
Ahmed al-Abd, forty, a weapons dealer and owner of a store, explains this phenomenon by saying: “We are in a state of war. Weapons are necessary—if not to fight the repressive regime, then for personal defense against kidnapping and theft.” He adds: “I opened this store given people’s demand for weapons at the current time. At the same time, it is a trade that creates a good profit.” With regard to the deaths and injuries caused by the proliferation of weapons, he believes that this happens accidentally and is not his responsibility. He sees it as the responsibility of those who own the weapons but are unaware of how to use them or how dangerous they are for their children and people around them.
Bilal, eighteen, is one of the young people who carries a weapon on the pretext of being in a rebel group, but also as a show of strength to his friends and the people around him. Bilal was recently arrested by security agencies after shooting at one of them, seriously wounding one member of security forces.
Abou Mohamed, thirty-eight, a resident of the region, says this is very dangerous as, “these young foolish people do not hesitate to show off their weapons, even for unknown reasons.” Abou Mohamed blamed rebel commanders and security agencies in the area for not being able to control the spread of weapons or prevent violations and the terrifying behaviors that are occurring.
Abou Mohamed asks, “Is it not enough that Syrian citizens could be killed at any moment by regime warplanes? Now they also could be killed intentionally or by accident by the many unscrupulous people carrying weapons in the area.”
Abou al-Abbas, thirty-one, a commander of a rebel group, said that they were not able to prevent citizens from carrying arms to protect themselves, and said: “We often find the bodies of victims of thefts and assassinations here and there, and therefore normal citizens are concerned with protecting themselves against any possible danger they face.” Abbas says that there are security personnel to control this type of crime, but that killings and revenge attacks take place in secret in unpopulated areas, and so everyone needs to carry arms as long as “we are in a state of war and chaos,” he says.
Many residents of the Idlib countryside have demanded an end to the proliferation of weapons among civilians out of fear of intentional or accidental injury during the many fights that break out in public places.
With rebel groups failing to act against this phenomenon, activists have launched the campaign “No to Weapons Among Civilians,” to stress the danger of arms proliferation among residents. The campaign has included posters and awareness pamphlets distributed in schools, medical centers, mosques, public parks, markets, and residential areas.
*The Arabic version of this article can be found here.
بواسطة لامار اركندي | مايو 28, 2019 | Cost of War, Reports, غير مصنف
عبر سواتر ترابية متعرجة بناها الجيش العراقي، عبرت قوافل الإيزيديين الناجين من تنظيم داعش من نقطة الخاتونية على الحدود السورية إلى “منفذ الفاو” غير الرسمي على الجانب العراقي، بعد أسابيع من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على بلدة الباغوز وطرد التنظيم المتطرف من شرقي دير الزور. تستغرق رحلة الهاربين ساعات عدّة يسيرون فيها تحت هدير طائرات التحالف الجوي، محاولين تفادي الإصابة بالطلقات النارية والشظايا والألغام في مغامرة الهروب من جحيم المعارك الدائرة في آخر جيب للتنظيم في منطقة وادي الفرات.
يتحمل كثيرون في اليوم الواحد مشقة هذا الطريق الذي تزداد صعوبته على الجرحى والمصابين، ففي السابع من شهر آذار فقط اضطرت 27 امرأة وطفل للوصول للفاو سالكين الطريق الوعر المؤدي إلى الجانب العراقي مشياً على الاقدام، وذلك بعد رفض الحكومة العراقية إدخالهم في سيارات خصصها البيت الإيزيدي في مدينة عامودا، أما بقية الرحلة فتتضمن وصولهم إلى أقرب نقطة للمعبر، حيث ينتظرهم من تبقى لهم من عوائلهم ليتوجهوا بعدها إلى ” خانصور” شرق شنكال ومنها الى مخيمات النزوح في مدينة دهوك بكردستان العراق.
وتغلق الحكومة العراقية المنفذ الحدودي الوحيد لعبور الناجين الإيزديين بين وقت وآخر، مانعة الضحايا الهاربين من العودة لبلادهم، وهوماوصفه زياد رستم المتحدث باسم البيت الإيزيدي ”بالموقف المخيب للآمال والمخزي“ مشيراً إلى أن الجانب العراقي رفض استقبال مواطنيه الإيزديين وأجبرهم على العودة للبيت الإيزدي، إلى أن تسمح إدارة الساتر بمرورهم كما حصل أواخر آذار/مارس الماضي.
وكشف رستم عن تسليمهم 129 مختطفاً إيزيدياً لمجلس شنكال، ليصبح عدد المختطفين الإيزيدين المحررين 327 منذ إطلاق سوريا الديمقراطية حملتها العسكرية ”عاصفة الجزيرة“ في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بدعم جوي ولوجستي من التحالف الدولي بهدف طرد تنظيم الدولة من مناطق سيطرته بريف مدينة البوكمال الواقعة علي الحدود السورية العراقية.
وكان التنظيم الإرهابي اجتاح منطقة شنكال الجبلية الواقعة شمال غرب العراق وهي الموطن الأصلي للإيزديين، وارتكب بحقهم مجزرة راح ضحيتها الآلاف حيث أعلن “المجلس الإيزيدي الأعلى” في آب/أغسطس عام 2016، عن مقتل 10 آلاف شخص واغتصاب 6 آلاف امرأة وفتاة في سوريا والعراق على يد التنظيم، فيما تم تجنيد الصبيان الذين تجاوزوا سن السابعة للقتال كجزء من داعش تحت اسم “أشبال الخلافة“.
وكشف مكتب إنقاذ المخطوفين عن تحرير ٣٤٥١ إيزيديا فيما يزال مصير 2966 آخرين مجهولاً حتى الآن.
المختطفون الإيزديون في مناطق المعارضة
وتحدث الناشط الإيزيدي علي الخانصوري عن نقل مسلحين منشقين عن داعش لعشرات النساء والأطفال الإيزديين الى مناطق المعارضة السورية، لبيعهم في أسواق النخاسة في الشمال وحتى إلى تركيا بمبالغ طائلة.
و غالبية المنشقين من التنظيم هم عراقيون وتركمان من مناطق الموصل والفلوجة ممن انضموا للتنظيمات المتشددة، وفي مقدمتها جبهة النصرة وأحرار الشرقية وأحرار الشام بحسب الخنصوري.
وقال الناشط الإيزيدي المنحدر من شنكال “تم تحرير عدد من النساء والأطفال الإيزديين من إدلب وجرابلس والباب، إذ يتخذ التنظيم من المختطفين دروعاً بشرية كما حصل في معارك الباغوز وقتله لخمسين إيزدية، كما جند داعش الأطفال الذكور في معسكرات أشبال الخلافة وأجبرهم على القتال إلى جانبه في الجبهات فقتل العديد منهم، كما أجبر الباقين على تنفيذ عمليات انتحارية ضد من اعتبرهم التنظيم من أعداء الدولة“.
وعن الأطفال الإيزيدين العائدين، يشير الخانصوري إلى أن غالبيتهم نسوا لغتهم الأم ” الكرمانجية ” وأصبحوا يتقنون لغة من استعبدهم من الدواعش، فبعضهم يتحدث الإنكليزية أو الفرنسية والتركية إضافة الى اللهجات العربية المختلفة كالتونسية والسورية والمصرية.
السعوديون هم الأنشط في سوق النخاسة
تصدر السعوديون قائمة الرجال المشترين للإيزديات في ”دولة الخلافة“، إذ ”لا يكتفي المجاهد السعودي بشراء إيزدية واحدة او اثنتين، فغالبا كان يبيعهن، حين يمل منهن ليعود ليشتري أخريات“، بحسب أبو شجاع دنايي، وهو من المناضلين المعروفين في المنطقة بإنقاذ الإيزديين فيما يحل الليبيون والتونسيون في الدرجة الثانية، ليأتي بعدهم المصريون والمهاجرون القادمون من أوربا الشرقية وأمريكا وفرنسا وروسيا والصين.
ويشير أبو شجاع إلى أن أرقام الشراء تجاوزت آلاف الدولارات لا سيما للعذراوات والصغيرات في السن، وكانت صورهن تعرض وهن شبه عاريات في أسواق النخاسة التي غالبا ما كانت إلكترونية وعبر تطبيقات الواتس اب والتليغرام وغيرها، وأضاف :” الجميلات كن يهدين للأمراء في التنظيم، ومن خلال دخولنا لتلك الأسواق كنا نشتري بمبالغ طائلة بناتنا ونساءنا وأطفالنا لتحريرهم من نير الاستعباد الذي تعرضن له“.
ويشير جاسم محمد الباحث في قضايا الإرهاب إلى أن النساء احتليّن جزءاً بارزاً من اهتمام الجماعات الجهادية كداعش والقاعدة، إذ تم استغلالهن بصورة سلبية وبشعة، ”فهن مادة أساسية في خطابه الإعلامي، وفي كل مرة يضع داعش تحرير النساء شرطا في تبادل الرهائن لاستقطاب مزيد من الأنصار والمقاتلين، وهذا يمثل استراتيجية التنظيم بهدف إحداث تغيير ديموغرافي وخرق النسيج الاجتماعي وتهجين المنطقة وتصنيفها على أساس الدين والمذهب، كما حدث في شنكال عقب اجتياحه لمدينة الموصل في يوينو 2014″.
ندوب نفسية
أدت هذه الأهوال التي عاشتها الإيزيديات الناجيات لإصابتهن بمشاكل جسدية ونفسية حادّة كالصدمة والاكتئاب الحاد إلى درجة الشروع بالانتحار، بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية الذي نشر في 23 ديسمبر 2014 حتى إن بعضهن حاولن الانتحار خلال وجودهن في مركز طبي بمدينة دهوك بإقليم كردستان العراق المخصص لرعاية الناجيات من داعش.
مديرة المركز نغم نوزت وصفت لمصادر إعلامية حالة الناجيات بالـ“صعبة” بسبب ظروفهن المعيشية في مخيمات النازحين والتي لا تساعد على تحسنهن وتجاوز الأزمة النفسية التي لحقت بهن جراء ما تعرضن له من قبل مقاتلي داعش.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريراً في حزيران/ يونيو 2017 أشارت فيه إلى أن تنظيم داعش “يسعى إلى محو الإيزيدين من خلال عمليات القتل والاستعباد والعبودية الجنسية والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة“.
وفي منتصف آذار/مارس الماضي تم الكشف عن 71 مقبرة جماعية في قضاء شنكال تعود لضحايا إيزيديين قتلهم تنظيم داعش إبان سيطرته على المدينة عام 2014.
وحضر مراسيم كشف هذه المقابر مسؤولون من الأمم المتحدة وممثلون عن الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كوردستان، فضلاً عن حضور المئات من ذوي الضحايا، وانتشل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد) رفات الضحايا في قرية كوجو التابعة لمدينة شنكال (سنجار).
وقالت بعثة الأمم المتحدة في العراق ‹يونامي› في بيانها “:تشير الدلائل إلى أن المئات من سكان كوجو – رجال وفتيان بسن المراهقة ونساء ينظر إليهن ممن فاتهن سن الإنجاب – قُتلوا على يد مقاتلي داعش في شهر أب/أغسطس عام 2014، بينما تم اختطاف أكثر من 700 امرأة وطفل“.
ديانة توحيدية
ويقدر عدد الإيزيديين في العالم بأكثر من مليون إيزيدي يعيش حوالي 550 ألف منهم في العراق، حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيما يتوزع الباقون في سوريا وإيران وتركيا وأرمينيا وجورجيا وأذربيجان وأوربا، ويعتبر معبد لالش نوراني في كردستان العراق من أقدس الأماكن لديهم.
ويرجع الباحث في الشؤون الإيزيدية سالم الرشيداني تاريخ الديانة الإيزيدية، إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، ”فهي واحدة من أقدم ديانات الشرق القديمة مشيراً إلى أن الإيزديين أول من عبدوا الله. ” بحسب قوله
وأتباع الديانة الإيزيدية– موحدون يواجهون الشمس في صلواتهم، ويؤمنون بأنه لا صلة بين المخلوق والخالق، لذلك لا يؤمنون بالأنبياء، وليس لهم نبيّ مُتّبع مثلما في الديانات الإبراهيمية، لكنهم يؤمنون في تناسخ الأرواح وأن الروح أزلية لا تموت ولا تتلاشى وإنما تنتقل بين الأجيال المتعاقبة، كما أنهم يُقدّسون المتصوفة، وتعتبر عين زمزم في لالش نوراني من الأماكن المقدسة لديهم، ويصوم الإيزيديون أربعين يوما في السنة بدايةً من شهر يناير/كانون الثاني .
بواسطة Hadia Al Mansour | مايو 25, 2019 | Cost of War, غير مصنف
طلب صديق وائل (٢٢عاماً) منه أن يصوره وهو يحمل السلاح (بارودة روسية)، وأثناء التقاطه للصورة سقط السلاح من يد الصديق فجأة وانطلقت منه طلقة لتستقر في صدر وائل مودية بحياته.
“كان حادثا مؤلماً، لا يغيب عن مخيلتي” يقول عُمر الذي لم يكن ليتوقع يوماً أن يقتل صديقه المقرب والذي كان على موعد من زفافه بعد أيام، ومنذ ذلك اليوم الذي صادف ٨ نيسان/ابريل ٢٠١٦ وعُمر مصاب باكتئاب شديد، كما اضطر أهله لدفع مبلغ وقدره ثلاثة ملايين ليرة سورية دية لأهل وائل الذي قضى على يد ابنهم.
واتجه العديد من مدنيي إدلب نحو اقتناء الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في منازلهم، ضمن سياق أمني واحترازي، إذ تسبب الوضع الأمني المتردي منذ عدة سنوات في مناطقهم لبقائهم في حالة من التأهب الدائم، إلا أن شراء السلاح لغرض الدفاع عن النفس تحول لأغراض أخرى وتسبب بالعديد من الحوادث المؤلمة بعد أن أصبح بإمكان أي كان شراء أي نوع منه.
حياة فاطمة القاسم (٢٣عاماً) دُمرّت أيضاً إثر إصابتها بطلق ناري أطلقه زوجها أثناء شجاره مع أقربائه، إلا أن طلقة مسدسه التي انطلقت بالخطأ استقرّت في ظهر فاطمة متسببة لها بشلل تام.
تروي فاطمة ما حدث معها قائلة “اعتاد زوجي على إشهار سلاحه عند أي مشاجرة باتت تواجهه، ولطالما حذرته من أن يقتل أحدهم خطأً بتصرفاته تلك، ولكن مالم أكن أتوقعه أنني سأكون أولى ضحاياه”، وبعد أن تسبب الزوج بشلل فاطمة عمد إلى تطلقيها ليتخلص من الإنفاق على علاجها والعناية بها.
وتنتشر المحلات التجارية التي تبيع وتصلّح مختلف أنواع الأسلحة الفردية في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، وهي تؤمن لزبائنها كل ما يطلبونه من أسلحة أو عتاد أو لباس عسكري بسهولة بالغة ودون رقابة.
أحمد العبد (٤٠عاماً) تاجر سلاح ومالك لإحدى هذه المحلات، وهو يبرر انتشار هذه الظاهرة بالقول “نحن في وضع حرب، والأسلحة ضرورية إن لم تكن للمشاركة في دحض النظام الظالم، فمن أجل الحماية الشخصية ضد الخطف والسرقة”؛ مضيفاً “لقد فتحت محلي هذا نظراً لإلحاح الناس بطلب السلاح في وقتنا الراهن، وبالوقت ذاته فهي تجارة تعود عليّ بربحٍ جيد”. أما عن حوادث القتل والإصابات التي تسبب فيها انتشار السلاح، فهو يرى أن هذا يحدث عن طريق الخطأ و ليس من مسؤوليته، وإنما من مسؤولية من يقوم بحيازة السلاح دون دراية باستخدامه ومعرفة مدى خطورته على أولاده والناس من حوله.
في معرة النعمان وحدها يوجد أربع محلات لبيع االأسلحة، امتهن أغلب أصحابها هذه المهنة لكسب رزقهم ولخبرتهم في مجال الأسلحة، وتختلف أسعار السلاح بحسب نوعه، فمثلاً البندقية الروسية “الكلاشنكوف” تترواح أسعارها ما بين 250 دولاراً أمريكياً وحتى 1000 دولار أمريكي، وتختلف أسعار رصاص هذه البندقية بحسب سعر الدولار، ويبلغ سعره حالياً حوالي 75 ليرة سورية للرصاصة الواحدة. ويتراوح سعر رصاص المسدس ما بين 200 ليرة سورية وحتى 1200 ليرة سورية، فيما تترواح أسعار المسدسات ما بين 500 دولار وحتى 2000 دولار.
الشاب بلال (18 عاماً) من اليافعين الذين يتباهون بحملهم السلاح بحجة أنهم منتمون لإحدى الفصائل، في حين أنهم يحملونه فقط بقصد إظهار قوتهم أمام أصدقائهم والعامة، وقد تعرض بلال مؤخراً للاعتقال من قبل الجهات الأمنية نتيجة إطلاقه النار على أحدهم متسبباً له بإصابة بالغة.
يقول أبو محمد (38 عاماً) وهو من أهالي المنطقة بأن هذا الأمر “خطير جداً، فهؤلاء الشباب الطائشون لا يتوانون عن إشهار السلاح بوجوه بعضهم حتى عند أتفه الأسباب”، ويوجه أبو محمد باللوم على قادة الفصائل والجهات الأمنية في المنطقة لعدم قدرتهم على ضبط السلاح ومنع الخروقات والتصرفات الرعناء التي تحدث.
ويتساءل أبو محمد “ألا يكفي بأن المواطن السوري أصبح عرضة للموت بأي لحظة بفعل طائرات النظام، ليأتي احتمال الموت أيضاًقصداً أو عن طريق الخطأ على يد حاملي السلاح المستهترين والكثر في المنطقة”.
من جهته يوضح أبو العباس (31 عاماً) وهو قيادي في فصيل معارض بأنهم غير قادرين على منع المدنيين من اقتناء السلاح لحماية أنفسهم، ويقول “كثيراً ما نجد جثثاً لضحايا السرقة والاغتيالات هنا وهناك، ولهذا فإن المواطن العادي هو المعني بحماية نفسه ضد أي خطرٍ ممكن أن يواجهه”. ويشير أبو العباس إلى وجود عناصر أمنية لضبط مثل هذه الجرائم،غير أن جرائم القتل والانتقامات تتم في الخفاء والمناطق الخالية من السكان، لذا فإن كل شخص بحاجة لحمل السلاح طالما “أننا في وضع حرب وفوضى” بحسب تعبيره.
وفي الوقت نفسه فهو يحذر من عواقب الاستخدام العشوائي وغير المسؤول والذي يؤذي مقتني السلاح ومن حوله.
وقد أنقذ اقتناء السلاح حياة العديد من المدنيين ممن تعرضوا لمحاولات سرقة واغتيال، كمحمد البيوش (40عاماً) أحد أهم تجار العقارات في المنطقة، الذي باغت اللصوص بإطلاق النار عليهم مما أدى لهربهم واصابة أحدهم، وهو ما مكن الجهات الأمنية من إلقاء القبض على بقية أعضاء العصابة.
ويروي البيوش ما جرى معه قائلاً “لقد تعرضت لمحاولة اغتيال وسرقة من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة، ولولا اقتنائي للسلاح في ذلك الوقت والدفاع عن نفسي، يعلم الله ماكان سيحل بي”.
ويطالب العديد من أهالي ريف إدلب بوضع حد لانتشار السلاح بين المدنيين بعد أن بات الخوف من إصابة طائشة أو مقصودة ملازماً لهم في المشاجرات العديدة التي تنشب في الأماكن العامة.
ومن أجل مواجهة الظاهرة وأمام عدم تدخل الفصائل للحد منها أطلق ناشطون حملة “لا للسلاح بين المدنيين” للتأكيد على خطورة انتشار السلاح بين السكان، وشملت الحملة ملصقات وكتيبات توعوية تم توزيعها في المدارس والمراكز الطبية والجوامع والحدائق العامة والأسواق وأماكن التجمعات السكنية.
وتضمنت البوسترات التوعوية عبارات مثل: “مجرد رؤية السلاح في الشارع هو خطر!”، “لا تدخل بسلاحك الى المساجد فهي للعبادة وليست للقتال”، “المشافي والصيدليات والمراكز الطبية هي من أجل خدمة الأهالي، وزيارتها ممن يحمل السلاح ولو بنية طيبة تسبب خطراً شديداً على المدنيين”، “الحدائق العامة وملاعب الأطفال هي أماكن للراحة والشعور بالأمان، سلاحك يدعو للقلق أبعده عن الأطفال”، “المناطق السكنية يجب أن تكون خالية من السلاح” وغيرها.
ورغم الجهود المدنية للحد من انتشار السلاح، إلا أن اقتناءه مازال في ازدياد، متجاوزاً “الحاجة للدفاع عن النفس”، ليصبح أداة رئيسية للاستعراض خلال الأعراس والاحتفالات العامة وأثناء تشييع القتلى، إضافة للاغتيالات وتصفية الحسابات الشخصية.