بواسطة Salon Syria Reports | فبراير 23, 2018 | Cost of War, News, غير مصنف
منذ أيام، لم يذق سكان الغوطة الشرقية وأطفالهم المذعورون طعم الأمان، يلازمون الطوابق السفلية والملاجئ خشية قصف الطائرات التي لا تفارق أجواء منطقتهم، فيما خفّت الحركة في بعض أحياء دمشق جراء القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من دوما شرق دمشق.
في الغوطة الشرقية القريبة من دمشق والمحاصرة منذ سنوات، قُتل نحو ٤٠٠ مدني منذ الأحد الماضي، ولم تخفف ردّات الفعل المستهجنة من الدول والمنظمات غير الحكومية من حدة هذا القصف الذي دمر ١٣ مستشفى ومركزا طبياً.
وانتقل الخوف أيضاً إلى سكان أحياء دمشق القديمة القريبة من الغوطة، بعد تكرار سقوط قذائف عشوائية تطلقها الفصائل في الغوطة وتسببت في وقوع عشرات القتلى والجرحى.
ويقول أبو محمد العفا (٣٩ عاماً) من أحد الأقبية التي يتخذها ملجأ له في مدينة دوما لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك تخوف كبير من دخول النظام، لم يبقَ أمامنا مخرج ولا بلد نلجأ إليه، لم يبق لدينا سوى الأقبية». ويضيف: «الخوف كله يتجسد هنا في الملجأ أو القبو» حيث يتجمع عشرات الأشخاص بين ٤ جدران، مضيفاً: «الخوف عظيم والعالم كله يتفرج علينا».
ومع أن الغوطة الشرقية تتعرض منذ سيطرة الفصائل المعارضة عليها في عام ٢٠١٢ لقصف عنيف من قوات النظام، ولاحقاً من حليفته روسيا، فإن الوضع أكثر تعقيداً، بعدما استكملت قوات النظام السوري تعزيزاتها العسكرية في محيط المنطقة، ما يُنذر بهجوم بري وشيك عليها.
وتلخص أمل الوهيبي (35 عاماً) من دوما، معاناة السكان، بالقول: «ننزل إلى هذا القبر (في إشارة إلى الملجأ الذي تختبئ فيه) نقبر أنفسنا قبل أن نموت». وتضيف: «ما نذوقه اليوم أصعب من أن يدخلوا (قوات النظام). قد يكون من الأفضل إذا دخلوا (…) فنحن نتساءل: متى سنموت؟».
بعد سنوات من المعاناة، بات أهالي الغوطة الشرقية تواقين إلى الأمان فحسب، وفق ما تقول أم محمد، المدرّسة في دوما. وتوضح الشابة النحيلة التي ترتدي معطفاً أسود اللون وتضع حجاباً فوق رأسها: «يقول بعض الأهالي إنه ليست هناك من مشكلة في دخول النظام، المهم أن يبقى ابني وزوجي بأمان، المهم أن أعيش بأمان».
وتضيف: «يقول آخرون العكس، أيْ حاربنا ٧ سنوات لنسلم الآن الأرض؟ ونسلم الصغير والكبير والشيخ للذبح؟ لا». وتقول: «الناس محتارون»، بعد ورود أنباء عن تعزيزات تُمهد لهجوم بري: «اليوم، من أول طلقة، يهرع الناس إلى الملاجئ، أو المقابر الجماعية أي الملاجئ غير المهيأة».
وتقصف قوات النظام منذ ليل الأحد الماضي، بالطائرات والمدفعية والصواريخ، الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ ٢٠١٣ ما تسبب بمقتل أكثر من نحو ٤٠٠ مدني بينهم أكثر من عشرات الاطفال.
وتبدو شوارع مدن وبلدات الغوطة الشرقية خالية إلا من الأبنية المدمرة والركام المتناثر في الشوارع، والدخان المتصاعد من القصف والحيوانات المشردة. وبادر سكان لا ملجأ لديهم يؤويهم إلى حفر غرف تحت منازلهم للاحتماء من القصف الذي طال أيضاً مستشفيات عدة، وفق ما شاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
في ملجأ تحت الأرض في دوما، تقول خديجة (٥٣ عاماً) بتوتر شديد: «لا نتجرأ على الخروج، لا نتجرأ على الصعود من هذا الملجأ، الوضع مأساوي جداً». وتضيف المرأة بصوت يرتجف وقد تجمع حولها عدد من الأطفال في غرفة مظلمة: «الطيران من فوقنا والقذائف من حولنا (…) أين نذهب بأطفالنا؟».
وعلى غرار خديجة، انتقل الكثيرون من سكان الغوطة الشرقية إلى الملاجئ والأقبية تحت الأرض لتفادي غارات ومدافع قوات النظام التي تستهدف أحيائهم وأسواقهم ومنازلهم.
وأدان العديد من المنظمات الإنسانية الدولية التصعيد على الغوطة الشرقية، وحذرت الأمم المتحدة من أثره «المدمر»، فيما يبدو المجتمع الدولي عاجزاً عن تبني موقف موحد يضع حداً للقصف، وسط محاولات لتمرير قرار في مجلس الأمن لهدنة انسانية لثلاثين يوماً.
ورغم التصعيد الشديد، يقول صالح أبو دقة (٤٧ عاماً)، أحد سكان دوما: «الناس اعتادوا. والقصف لم يهدأ على الغوطة منذ 6 سنوات، يأتينا موجات خلف موجات».
والى جانب الخسائر البشرية، أدى القصف المكثّف من النظام إلى دمار كبير في الأبنية وممتلكات مواطنين والبنى التحتية، وإلى تفاقم المأساة الإنسانية وتردّي الوضع الصحي والطبي والغذائي الذي بلغ أسوأ حالاته منذ بداية الحصار على الغوطة قبل ٥ سنوات. وأعلن الناشط في الغوطة الشرقية عبد الملك عبود لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع الإنساني مأساوي للغاية». ولفت إلى أن «أغلب المشافي والنقاط الطبية استُهدفت وخرجت من الخدمة نهائياً»، مشيراً إلى أن «الأطباء انتقلوا إلى المنازل والأقبية لإجراء العمليات الجراحية للمصابين، وهم يعانون من نقص حاد في المستلزمات الطبية»، لافتاً إلى أن «المجالس المحلية شكّلت لجان طوارئ في كل المدن والبلدات المنكوبة، لتجهيز الأقبية ونقل المدنيين إليها، في ظل استحالة السكن فوق الأرض».
على بُعد بضعة كيلومترات فقط، يعتري الخوف أيضاً سكان دمشق مع اشتداد وتيرة سقوط القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة المنتشرة في الغوطة الشرقية، وتستهدف بشكل أساسي المدينة القديمة.
وغداة مقتل ١٣ مدنياً أول من أمس (الثلاثاء)، في دمشق، وفق الإعلام السوري الرسمي، فضّل كثيرون التزام منازلهم ومتابعة آخر التطورات على نشرات الأخبار، بينما تُسمع أصوات الطائرات المحلقة فوق الغوطة الشرقية وضرباتها الجوية. وامتنع الكثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس، وأعلنت مدارس في الأحياء التي تستهدفها القذائف إقفال أبوابها.
يقول إبراهيم (٥١ عاماً) في أثناء تفقده الأضرار التي خلّفتها إحدى القذائف في منطقة باب شرقي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «نريد من الجيش أن يخلّصنا من هذا الوضع بأي حل يراه مناسباً، لقد مللنا القذائف التي تسقط ليلاً ونهاراً». ويضيف: «لم نعد نتجرأ على إرسال أبنائنا إلى المدارس. بات الخوف هو المسيطر»، موضحاً: «سنتحمّل قليلاً لنرتاح لاحقاً».
وبعد بدء التصعيد، ووسط أنباء عن هجوم وشيك على الغوطة، قال سكان في دمشق إنهم بدأوا التفكير في حلول تبعدهم عن القذائف على غرار «كريم» الذي قرر الانتقال مع عائلته إلى مسقط رأسه على الساحل السوري «حتى عودة الهدوء».
وبدا حي باب توما في دمشق القديمة، حيث تنتشر المقاهي والحانات، شبه خالٍ إلا من بضعة «مُغامرين بحياتهم»، كما وصفهم أحد المارة.
ولم تمنع القذائف فهد بركيل (٥٤ عاماً) من التوجه إلى عمله في ورشة تصليح السيارات في شرق دمشق، ويقول: «سكني وعملي في منطقة مستهدفة بالقذائف، لكن إمكاناتي المادية لا تسمح لي بالذهاب إلى مكان آخر». ويضيف: «ليس لديّ خيار آخر، سأبقى وليساعدنا الله».
نقلا عن “الشرق الآوسط” و فرانس برس ونشطاء
بواسطة Rana Haj Ibrahim | فبراير 19, 2018 | News, Reports, غير مصنف
برلين
عندما تتجول في العاصمة الألمانية برلين، وخاصة بمنطقة كأوسلور، قد يصدمك العدد الكبير من الأتراك الذين جاؤوا منذ زمن بعيد إلى ألمانيا، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. لكنك قد تتفاجأ أكثر لدى سماعك حديث الألمان عن مجيء عدد كبير من الأتراك مؤخراً إلى ألمانيا هرباً من تركيا، ومن الإجراءات التي اتخذها الرئيس التركي أردوغان ضد من ساهموا في التخطيط لانقلاب ضده.
وتشير مصادر ألمانية ل”صالون سوريا” إلى أن أعداداً كبيرة من الأتراك جاؤوا إلى المدن الألمانية وخاصة برلين، عن طريق فيزا سياحية لثلاثة أشهر، وعليهم بعد هذه الفترة أن يتقدموا بطلب لجوء، بعد أن تم تسريحهم ومضايقتهم من قبل السلطات التركية. وأضافت المصادر:” أن الكثير ممن جاؤوا مؤخرا هم من الأكاديميين والصحافيين، الذين يمكن أن يجدوا فرصة عمل في ألمانيا بسهولة، في حين أن الجالية التركية السابقة عملت سابقاً في البناء وفي قطاع المطاعم.” وعبرت المصادر عن استيائها مما تفعله السلطات التركية بمواطنيها من جهة، ومن تدخل تركيا بمدينة عفرين السورية.
وأكدت المصادر أن:” منصة (الحقوق والعدالة) التركية التي تأسست عام ٢٠١٦ من قبل مدافعين عن حقوق الإنسان، وثقت إغلاق الحكومة التركية لحوالي ألف منظمة مدنية، وحوالي مائتي وسيلة إعلام، تماشياً مع قانون الطوارئ الذي أعلنته السلطات التركية منذ تموز عام ٢٠١٦ كما أعلنت المنصة أن حوالي ١٥٠ ألف تركي قد سرحوا من عملهم من قبل الحكومة، ومنهم من اعتقل بعد اتهامهم بعلاقتهم مع العسكريين مخططي الانقلاب.”
صحافية من صحيفة “سود دوتشه زيتونغ” الألمانية أوضحت ل”صالون سوريا” أن:” الصحافيين الألمان أصبحوا يخشون زيارة تركيا بعد الاعتقالات التي نفذتها السلطات ضد صحافيين أجانب”، مشيرة إلى أن “تركيا أصبحت تعتبر الآن بلداً خطراً بالنسبة للصحافيين، وبدأ فيه الصدام بين القوميات.” وأضافت أن:” ألمانيا استقبلت الكثير من الأتراك، ولا يمكنها أن تردهم خائبين، خاصة وأن الأتراك على علاقة وثيقة مع الألمان، فهناك تزاوج وعلاقات اجتماعية بين سكان البلدين منذ قديم الزمان.”
وقللت الصحافية من أهمية تزايد أعداد الأتراك الجدد في البلاد، وعدم تأثيره على صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، مؤكدة أنه “يختلف عن عدد اللاجئين السوريين واللاجئين الأفغان وغيرهم ممن تسببوا بمشاكل داخل ألمانيا.” ورأت أن، “اليمين المتطرف لن يصل بسهولة إلى السلطة.”
ولم تتردد الحكومة الألمانية بدعم من قدموا مؤخراً إليها من تركيا، حيث بادرت الحكومة الألمانية بتشغيل عدد من الأكاديميين، كما قامت بمنح الصحافي التركي الذي يقيم حالياً في ألمانيا ياوز بيدر جائزة “التميز في الصحافة” الألمانية التي تقدمها “مؤسسة جنوب شرق أوروبا” ومقرها ألمانيا.
ويعتبر بيدر أول صحفي أجنبي يفوز بهذه الجائزة، حيث تسلمها في حفل أقيم في جامعة هومبولت في برلين يوم السبت الفائت. وحضر الحفل العديد من الصحفيين من مؤسسات إعلامية ألمانية، وممثلون من بعض دول البلقان، كما حضر ممثلون عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، وأكاديميون أتراك، وممثلون عن وزارة الخارجية الألمانية.
هذا وقد شهدت العلاقات التركية الألمانية تصعيدا مؤخراً، ووصف الرئيس التركي الاتحاد الأوروبي بأنه من بقايا النازية والفاشية، وبأنه يدعم الإرهاب. فيما هددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال انتخابات منصب المستشارية في أيلول سبتمبر الماضي بعدم انضمام تركيا كعضو بالاتحاد الأوروبي، وقالت ميركل إنه “من الواضح أن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد”، مضيفة أنها ستتحدث “إلى قادته الآخرين حول إنهاء عملية انضمام تركيا المتعثرة.”
بواسطة Rana Haj Ibrahim | فبراير 19, 2018 | News, غير مصنف
في شوارع برلين الواسعة وفي وسائل نقلها المتعددة، كثيراً ما تسمع لهجة السوريين وأصواتهم العالية، حين تنظر من دون تردد إلى الوجوه، تجد بعضها سعيداً مبتسماً، وأخرى حزينة كئيبة… ما يجعلك تتساءل عن سبب الاختلاف وما يجعل البعض متفائلاً والآخر متشائماً.
عائلة أبو مجد الدمشقية التي جاءت إلى ألمانيا منذ عامين، ترى أن سبب كآبتها يعود إلى عدم حصولها حتى الآن على بطاقة الإقامة التي وعدت بها مراراً وتكراراً. وتوضح أم مجد لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ الشهر التاسع عام 2016 وهم ينتظرون قدوم قرار الإقامة ما جعلهم يوكلون محامياً لم يستفيدوا منه شيئاً «بل قام بتأخير تنفيذ الإجراءات والأوراق، خصوصاً ورقة الموافقة على تبادل المعلومات بين ألمانيا وباقي الدول الأوروبية، التي وصلتهم منذ يومين لتوقيعها، وكان يجب أن تصل إليهم قبل أشهر». وتضيف: «إدارة الهجرة الألمانية لديها حجة بأن لديها أعداداً كبيرة من اللاجئين، ولديها ضغط كبير في العمل، ما جعل كثيراً من الإضبارات تضيع ويعاد إنجازها، لكن المشكلة الأساسية كانت بالنسبة للإدارة هي مرور عائلات سورية عبر بلدان أوروبية أخرى، وإيجاد بصمتها في هذه البلدان، الأمر الذي تغاضت عنه ألمانيا في البداية، ولكنها لم تعد تستطع فعل ذلك حالياً مع دخول اتفاقية دبلن حيز التنفيذ».
أما المسؤول عن العائلة حسام فيجد أن «السوريين الذين جاءوا منذ بدء استقبال اللاجئين، أي قبل عام 2015، حصلوا على ميزات أفضل، وتلقوا بطاقات الإقامة بسهولة وسرعة. في حين بدأت التعقيدات بعد أن استغلَّ حزب اليمين المشكلات التي تسبب بها اللاجئون للصعود سياسياً». ويضيف: «سياسة (أهلاً وسهلاً) باللاجئين في ألمانيا قد انتهت في الوقت الحالي، وأصبح اللجوء صعباً خصوصاً مع السياسة التي وضعها الاتحاد المسيحي الألماني أي ائتلاف الحزبين المعارضين للحزب اليميني. بعض العائلات السورية طلبت اللجوء من نحو سنتين حتى ثلاث سنوات، وحتى الآن لم تحصل على بطاقة الإقامة».
ويوضح حسام: «معظم طالبي اللجوء السوريين أصبحوا يفتشون عن أي عمل، كي يكون عقد العمل الذي يحصلون عليه ضامناً لهم ولحصولهم على إقامة، وبقائهم على الأراضي الألمانية. فأصبحنا نرى كثيراً من الشبان السوريين حتى ممن لديهم شهادات جامعية، يعملون في مطاعم تركية مستفيدين من اللغة التي أتقنوها في تركيا قبل مجيئهم لأوروبا. لكن الشبان السوريين الذين يسعون للحصول على أي عمل، أصبحوا يتعرضون لاستغلال ومحاربة باقي الجاليات التي ثبتت أقدامها منذ زمن بعيد في ألمانيا، فأصبح صاحب مطعم قديم يشتكي من مطعم سوري جديد، وهكذا الأمر في باقي القطاعات».
الأكاديمي السوري عمران علوني أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في قلب ألمانيا هناك دولتان، دولة القطاع الخاص المنظمة والمدارة بشكل جيد، ودولة القطاع الحكومي، التي أصبحنا نعتبرها من أسوأ الحكومات، نظراً لكثرة الروتين. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على معاملات اللاجئين، ففي حال أراد ألماني أن يصدر شهادة قيادة سيارة، لن يجد موعداً قبل شهرين، وكذلك لو أراد الحصول على جواز سفر ألماني. البيروقراطية قاتلة، وتدفع الناس للمطالبة بالخصخصة أكثر».
الصحافية الألمانية كريستينا شولزر تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الشعب الألماني عانى مسبقاً من ويلات الحرب خلال الحرب العالمية الثانية، ومن مقتل كثيرين ممن حاولوا اجتياز جدار برلين قبل سقوطه عام 1989. لذا رأى الألمان ضرورة استقبال الكثير من اللاجئين الهاربين من الحرب السورية، لكن بدء جذب حزب (بديل لألمانيا) اليميني لكثير من المريدين الذين يرون في مشكلات اللاجئين تحدياً لهدوء المجتمع الألماني، جعل الحكومة تحد من استقبال اللاجئين، وتتأنى في دراسة ملفات طلبات اللجوء. ومع بدء تطبيق اتفاقية دبلن، لم تعد ألمانيا تقبل باللاجئين القادمين من دول أوروبية أخرى، بل تعيدهم فوراً إلى البلد الذي مروا وبصموا به».
ويتعاطى معظم اللاجئين مع ما يتردد في الإعلام الألماني عن إمكانية إعادة اللاجئين السوريين من ألمانيا بالحذر والخوف، ويترقب معظمهم ما ستفعله الحكومة تجاه من لم يحصل بعد على بطاقة إقامة، ومن حصل على بطاقة لعام واحد، ولم يتمكن من لَمّ شمل عائلته. ويبحثون عن حلول قد يكون بعضها غير شرعي، كالعودة مجدداً إلى تركيا مجتازين طريق التهريب المعاكس.
الجدير بالذكر أن الإحصاءات الرسمية الألمانية تفيد بوجود 650 ألف لاجئ سوري في ألمانيا، بينما تؤكد بعض الجهات والجمعيات أن العدد أكبر بكثير من ذلك.
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Michel Duclos | فبراير 17, 2018 | News, غير مصنف
من شأن وجود نوع من الاتفاق بين القوى العالمية والإقليمية أن يكون حاسماً بصورة كبيرة، للتوصل لأي حل سلمي في سوريا. وكان ينبغي لذلك أن يكون واضحاً منذ بداية الصراع.
وسواء كان العالم مروعاً، أو متعاطفاً، أو غير عابئ، شهدنا جميعاً انتفاضة الشعب المسالم ضد الديكتاتورية الشرسة. وكان عصيان السخط والغضب فوق كل اعتبار. وأيضاً، كان يجب على المجتمع الدولي ولا يزال يتوجب عليه، التعامل مع التهديدات الإرهابية الفظيعة. لكن، من الصحيح كذلك أن الصراع في سوريا كان يدور دوماً حول مخاوف القوى السنية الإقليمية في المنطقة، وصعود النفوذ الإيراني فيها، والمصالح التركية الخاصة، ومخاوف دولة إسرائيل، واستعداد روسيا لتسجيل النقاط على حساب العالم الغربي، وتردد الولايات المتحدة المزري.
ومن الغريب بدرجة كبيرة تقويض هذا البعد الإقليمي والدولي على أيدي الأمم المتحدة. إذ ركزت الوساطة الأممية بالأساس على السعي اليائس نحو الحوار، وربما بعض أشكال التفاهم بين نظام دمشق وممثلي قوى المعارضة. وفي الأثناء ذاتها، لعب الروس دوراً كبيراً ورائداً في صياغة خريطة الطريق للأمم المتحدة، وكان ذلك في مقامه الأول لأجل استخدامهم المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. وفي المقام الثاني، بسبب الاستثمارات العسكرية الخاصة بهم على الأرض. وساد وهم كبير بشأن أن الروس كانوا في موقف يسمح لهم بقيادة الحوار السوري – السوري على مسار الحل النهائي الذي يتفق مع «السلام الروسي» المنشود. وتأييد هذا الوهم بعدد من النتائج الإيجابية النسبية لعملية آستانة، مع مساعدة من تركيا وإيران، والتي بلغت ذروتها في الطريق إلى مؤتمر سوتشي.
تبخر هذا الوهم بصورة أو بأخرى مع مرور الوقت. ويظن أحدنا أن الوقت قد حان لصياغة نهج بديل، يستند إلى ضرورة العمل على النظر في إمكانات الاتساق مع مصالح القوى الإقليمية والدولية. وما من شك أن هذا المقترح يبدو أكثر صعوبة من حيث التنفيذ – وقد يقول البعض إنه أقرب إلى المحال – من أي وقت مضى. وهو لا يزال غير صالح للتنفيذ من النهج الحالي بين الأمم المتحدة وروسيا.
دَعُونا في هذا المقام، نؤكد سببين أو ثلاثة تستحق الاعتبار من الزاوية «الإقليمية – الدولية». أولاً، لن يصدق أحد بعد الآن أنه بعد 7 سنوات من الكراهية والفظائع والموت والدمار، أن إجراء حوار بين النظام والمعارضة في سوريا، من دون إطار دولي مناسب، سيسفر عن شيء مثمر. ثانياً، كانت النتيجة الصافية لكل ما حدث حتى الآن هو التقسيم الحقيقي للبلاد إلى مناطق نفوذ متعددة. ولن يمكن لأحد الادعاء بأن هذه الوصفة موثوقة ومؤكدة لإعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد. بل على العكس من ذلك، وهذه هي النقطة الثالثة، أننا الآن على مشارف مرحلة خطرة للغاية تكون فيها القوى الإقليمية والعالمية على حافة المواجهات العسكرية المباشرة، كما شهدنا في عفرين، ودير الزور، ويوم السبت الماضي بعد اختراق طائرة إيرانية مسيَّرة (من دون طيار) الأجواء الإسرائيلية.
وإيجازاً للقول، صار الأمر أكثر وضوحاً يوماً عن يوم أن التواصل والتنسيق، ونمط من أنماط التفاهم، هي من الأمور الحاسمة للغاية إن كان الهدف هو تفادي اندلاع حرب إقليمية في المنطقة. إذ إن نزع الصراع أو خفض التصعيد أو المساعي الروسية الحميدة لم تعد كافية بعد الآن.
ولقد أشار أحدهم بالفعل إلى أن الحوار الوثيق بين القوى العالمية والإقليمية قد يكون من المناسب إجراؤه الآن. كما صنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تماماً. إذ طرح اقتراح «مجموعة الاتصال» حول هذه «الصيغة» الجديدة. ولم يلق هذا المقترح الترحيب المنتظر، وربما ذلك بسبب أن موعده قد تأخر كثيراً؛ فلقد ترسخت بالفعل جملة من الأمور في أرض الواقع، وأصبح من المحال على فرنسا أن تتمكن من تغيير مسار العمليات الدولية الجارية (عملية جنيف، وعملية آستانة، وما سواهما). أو ربما بسبب أن المقترح لم يبلغ حد النضج السياسي بعد.
لكن، والآن، وبعد سقوط المقاتلات الروسية والإسرائيلية، والمروحيات التركية أيضاً، ومع مقتل المرتزقة أو الجنود الروس على ضفاف الفرات وفي غير ذلك من الأماكن، ومع تحطم الطائرة الإيرانية المسيّرة بالنيابة عن الدفاعات الجوية السورية، ينبغي على صناع القرار إدراك أن الوقت قد حان لالتقاط النفس العميق، ومحاولة التفكير في الأمر مرة أخرى. قد تكون هناك خطوة على المسار الصحيح من خلال إنشاء «مجموعة مصغرة» تحت قيادة الولايات المتحدة وتتألف من فرنسا، والمملكة المتحدة، ودول إقليمية أخرى.
فلقد اجتمعت هذه الدول في باريس على المستوى الوزاري يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي. ولم تكن الغاية من هذه المجموعة المصغرة تشكيل مصدر بديل عن القيادة، ولكن مجرد المساهمة في أي عملية دولية مرتقبة. وإن تُمكّن من العثور على جسر التواصل، تحت ضغط الظروف الراهنة، بين هذه المجموعة وبين روسيا، يمكن التوصل إلى نقطة المنعطف المنشودة في الأحداث الجارية.
وإنْ تم التوصل إلى نقطة المنعطف تلك، فهناك أمران على قدر كبير من الأهمية. أولاً، غير مسموح بارتكاب أي نوع من الأخطاء على جدول الأعمال. والسؤال الأساسي المطروح حالياً يتعلق بمعرفة كيفية تجنب تحول حالة التقسيم الواقعية في سوريا إلى نزاع إقليمي أو على أقل تقدير تحولها إلى خطر إقليمي متصاعد ومستمر. ولا يعني ذلك أنه ينبغي لنظام دمشق أن يظل ثابتاً إلى الأبد من أجل الاستقرار، وأن يتم تجاهل الوصول إلى وقف ثابت للنار، بل يعني أنه يتعين معالجة الجوانب الإقليمية والجوانب المحلية للمأساة السورية معاً.
ثانياً، ينبغي للتقارب بين روسيا والولايات المتحدة والمجموعة المصغرة المذكورة، عند مرحلة من المراحل، أن يسفر عن عقد مؤتمر على غرار «دايتون» بشأن سوريا. وكان اتفاق دايتون قد وضع حد النهاية في عام 1995، للحروب المندلعة في الاتحاد اليوغوسلافي السابق، لكن هذا المؤتمر المقترح، ولجملة من الأسباب، ليس النموذج المثالي لإنهاء حالة الحرب اللانهائية في سوريا. ولكن ما يمكن الاحتفاظ به من عملية دايتون، في الوقت المناسب بالطبع، أي بعد التحضير الدقيق للأمر، هو الأسلوب: أي الاجتماع الذي يجمع كل أصحاب المصالح على مائدة واحدة والمكوث في نفس الغرفة لأطول فترة ممكنة، ما دامت الحاجة دعت إلى إبرام اتفاق. أي اتفاق سلام لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط بأسرها.
– السفير الفرنسي السابق في سوريا
-خاص بـ«الشرق الأوسط»
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Ibrahim Hamidi | فبراير 17, 2018 | News, غير مصنف
بدأت ملامح تفاهمات دولية – إقليمية لتوزيع شمال سوريا، بحيث تنتشر قوات أميركية – تركية في مدينة منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات مقابل «وجود رمزي» لقوات النظام السوري في مدينة عفرين برعاية روسية.
وكشف قيادي كردي لـ«الشرق الأوسط» أمس أنه منذ بدء العمليات العسكرية التركية مع فصائل معارضة ضمن حملة «غصن الزيتون» أجرى قياديون في «وحدات حماية الشعب» الكردية اتصالات مع دمشق كي ترسل «حرس الحدود» للدفاع على الحدود السورية شمال البلاد، غير أن «الجواب من دمشق، كان أن موسكو تمنع حصول ذلك» على خلفية وجود تفاهم تركي – روسي سمح ببدء «غصن الزيتون» بمشاركة القوات البرية والطيران التركيين بعدما حصلت أنقرة من موسكو على «ضوء أخضر بالدفاع عن الأمن القومي شمال سوريا». كما سحب الجيش الروسي قواته من عفرين إلى مناطق أخرى.
ومع مرور الوقت و«التقدم البطيء» لعملية «غصن الزيتون» باتجاه عفرين وتعقد العلاقات الأميركية – التركية – الروسية، استمر التواصل بين قياديي «الوحدات» ودمشق. وقال مسؤول غربي: «اقترحت دمشق أن ترسل قواتها إلى عفرين وتسيطر عليها في شكل كامل كما حصل في أي منطقة معارضة أخرى وأن تتم السيطرة على الأسلحة الثقيلة للوحدات الكردية».
لكن قادة «الوحدات» رفضوا هذا الاقتراح لأن في عفرين «الكثير من المطلوبين للنظام ولا نأمن عدم تعرضهم للأذى». وحافظ قياديون في «الوحدات» على التواصل مع دمشق إلى أن أبلغوا رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك بقبول «دخول قوات سورية رمزية للجيش ومؤسسات أمنية إلى وسط عفرين، كما هو الحال في مناطق أخرى» في إشارة إلى القامشلي والحسكة شرق نهر الفرات، حيث توجد فروع لأجهزة الأمن وحواجز لقوات النظام والعلم الرسمي السوري. وقال مسؤول كردي أمس: «يبدو أن موسكو التي رفضت التعاون قبل أسبوعين، وافقت على صيغة جديدة تسمح بوجود الدولة في عفرين. ويتوقع أن تتوجه عناصر من قوات النظام من حلب إلى عفرين في الساعات المقبلة».
«عودة» أوجلان إلى دمشق
تزامن ذلك مع سماح دمشق لأكراد بالتظاهر في أحد أحياء العاصمة السورية حاملين صور قائد «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان وانتقاد «غصن الزيتون»، علما بأن أوجلان اعتقل قبل 19 سنة بعدما طردته دمشق بموجب تفاهم مع أنقرة، حيث اعتبر منذاك «العمال الكردستاني» تنظيماً إرهابياً وتعرض عناصره للملاحقة والاعتقال.
وكانت «وحدات حماية الشعب» الكردية سلمت مناطق في ريف حلب إلى قوات النظام في ريف حلب لقطع الطريق على قوات «درع الفرات» التي أطلقت عملية عسكرية تركي نهاية 2016 للسيطرة على مناطق شمال سوريا، للتوغل باتجاه منبج وشرق حلب. كما عقد تفاهم بين «الوحدات» الكردية وقوات النظام برعاية روسية للانتشار في حي الشيخ مقصود في حلب. وقال قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هناك اعتداء من تركيا على الدولة السورية والأولوية الآن للحفاظ على السيادة السورية. ورغم الخلافات مع النظام على أمور أخرى، فإن المفهوم الوطني اقتضى التعاون في عفرين والسماح بوجود الدولة وتأجيل الخلافات الأخرى». وأضاف: «بعد ذلك، فإن أي اعتداء على عفرين من تركيا أو أي قصف عليها، سيتحول إلى موضوع إقليمي – دولي».
وكانت دمشق أعلنت نشر بطاريات صواريخ شمال البلاد. كما قال مسؤولون في دمشق إنهم سيستهدفون أي طائرة غير سورية بعد إسقاط طائرة «إف – 16» إسرائيلية السبت الماضي، مع العلم أن منظومة الدفاع الجوي السوري تحت سيطرة الروس في قاعدة حميميم.
وأبلغ قياديون أكراد «الشرق الأوسط» بأن الجيش الأميركي أبلغهم أكثر من مرة بأنه لا علاقة له بعفرين وهي خارج النفوذ الأميركي وتابعة لنفوذ روسيا، مشيرين إلى أنهم أطلعوا قادة في الجيش الأميركي شرق نهر الفرات بالاتصالات مع دمشق حول عفرين وأن «الأميركيين لم يكن لديهم مانع من حصول ذلك للحفاظ على وحدة سوريا وفق القرار 2254».
في حال أنجز هذا التفاهم حول عفرين، فإنه يتزامن مع تقدم لإنجاز تفاهم آخر حول منبج. إذ قالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة اقترحت على واشنطن نشر قوات تركية – أميركية في منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات.
ويعتقد أن روسيا جزء من هذا الحوار، ذلك أن قواتها تنتشر في منطقة عريما في ريف منبج مقابل القوات الأميركية المنتشرة في المدينة دعما لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «الوحدات» الكردية.
وكان مسؤول تركي أبلغ وكالة «رويترز» أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تلرسون وعد الجانب التركي أمس بدرس اقتراح نشر قوات مشتركة في منبج التي تقع على بعد 100 كيلومتر شرق عفرين، وكان الرئيس رجب طيب إردوغان قال إن قواته ستتوغل باتجاهها. لكن الجيش الأميركي بعث كبار ضباطه إليها لطمأنة حلفائه الأكراد.
وأوضحت المصادر التركية أمس أنه في حال نفذ الاتفاق التركي – الأميركي في منبج سيكون خطوة لاستعادة الثقة والقيام بخطوات أخرى بين الجانبين، تشمل «التنسيق الكامل» في العمليات العسكرية شمال حلب بين القوات الأميركية و«درع الفرات» بين منبج واعزاز وجرابلس، إضافة إلى الانتقال إلى البند اللاحق المتعلق في بحث إقامة شريط أمني شمال سوريا على طول حدود تركيا. وذكرت أن موافقة الجانب الأميركي على ذكر رفض «التغيير الديموغرافي» سيكون أساسيا في التعاون بين الجانبين في منطقة شرق نهر الفرات الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بدعم التحالف الدولي بقيادة أميركا. ونص البيان على تأكيد الطرفين «التزام الحفاظ على وحدة أراضي والوحدة الوطنية لسوريا ورفض إيجاد تغييرات ميدانية وتغيرات ديمغرافية» مقابل «التنسيق لإنجاز التحول السياسي والاستقرار في سوريا وفق القرار 2254 ومؤتمر جنيف».
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة Shyiar Khaleal | فبراير 13, 2018 | Cost of War, News, غير مصنف
رغم القصف والدمار الذي خلفه الهجوم التركي على قرى مدينة عفرين، وبعد ستة عشر يوماً خرج الآلاف من أهالي المدينة بالغناء والموسيقا يتحدون المدفعية والطيران التركي منددين بهذا العدوان الهمجي على الأهالي.
تكاتف عرب المدينة وكردها يداً بيد لمواجهة هذه الهجمة البربرية التي استهدفت منازل المدنيين ومحلاتهم. هناك يقين أنّ هذا الهجوم بتعاون فصائل تدعمها تركيا ليس فقط ضد حزبٍ بعينه كما تزعم أجهزة اعلام تركية وأنصارها؛ وإنما هو امتداد لمشروعٍ عثماني جديد بالتحالف مع جماعات كالإخوان المسلمين في سوريا لاستهداف مواطني عفرين وكردها. اذ ان تاريخ هذه الهجمة لم يكن مفاجئاً لأهل عفرين الذين كانوا شهود عيان على هجوم فصائل معارضة (كجبهة النصرة وغرباء الشام) في بداية الثورة السورية بقيادة نواف البشير “العائد لحضن نظام الأسد مؤخراً” على مدينة رأس العين في محافظة الحسكة. رسخت تلك الهجمة بالنسبة لأهالي المنطقة أنّ تركيا صاحبة مشروع توسعي يستهدف الكيان الكردي بغض النظر عن تواجد ميليشيات كردية في المنطقة.
ربما كان أغلب السياسيين والمثقفين الكرد على دراية كاملة بأن روسيا ستعقد الصفقة الملائمة لها آجلاً أم عاجلاً مع أي طرف للاستغناء عن عفرين التي كانت من حصتها مقابل انتشار القوات الأمريكية في كوباني (عين العرب) والقامشلي، وبذلك لم يكن انسحاب النقطة العسكرية الروسية من كفرجنة/عفرين أمراً غريباً، وخاصة أن الروس لم يكونوا يوماً ما حلفاءً جديين للأكراد في الشرق الأوسط، وبذلك كان الضوء الأخضر الروسي والرمادي الأمريكي للتركي كافياً بتوريطه بمقتلة محتومة في عفرين، تلك الخاصرة الرخوة دولياً جغرافيا التي لجأت تركيا لضربها بتحالف مع مقاتلين سوريين. من هنا كانت المعادلة واضحة بالنسبة لأهالي عفرين ونظرتهم وموقفهم من الهجمة التركية بالبقاء والمقاومة، حيث أن جنديرس، الناحية التي تقع على بعد ما يقارب ١٥ كلم من مركز المدينة، كانت لها “حصة الأسد” من هذا الاستهداف العشوائي التركي، حيث دمر الطيران والمدفعية التركية أجزاء كبيرة من الناحية، وكان الاستهداف بشكل عشوائي ينطلق من المركز أو النقطة التي خصصت بين روسيا وتركيا لخفض التصعيد في مناطق التوتر، وهي النقطة المطلة على جنديرس من طرف جبل الزاوية، حيث استخدمت لقصف الأهالي بالمدفعية وتدمير ما يقارب ٤٠ في المئة من ناحية جنديرس الخالية من المقرات العسكرية.
رغم ذلك أصرّ بعض أهالي المنطقة على الصمود والبقاء في أقبية منازلهم هرباً من القصف العشوائي، هنا يقول أحد سكان جنديرس من المكون العربي: “كنا نعيش بسلام مع أهالي المنطقة من السكان الأصليين والنازحين إليها من ريف حلب، لكن المدفعية التركية ولا أدري لماذا كل هذا الحقد استهدفتنا بشكل قبيح فدمرت كل منازلنا ومحلاتنا، رغم ذلك لم نغادر بيوتنا لأننا سكانها وأهلها، ولن تستطيع المدفعية التركية أن تنزع منا حق الحياة فيها، سندافع عنها بأشجارنا وزيتوناتنا، ونقول لكل العالم أننا طلاب حرية وسلام، ولسنا طلاب القتل والإجرام.”
تزامنت الهجمة التركية الشنيعة مع حصارٍ كامل على المدينة، فبالإضافة إلى حصار فصائل معارضة والجيش التركي للمدينة، لم يسمح النظام لأهالي عفرين بالعبور باتجاه محافظة حلب عبر الممر الوحيد الذي يربط عفرين بحلب، فكان شريكاً للتركي بذلك في قمع الأهالي ودفعهم إلى الهلاك والموت. إلا أن إرادة الحياة كانت أقوى لدى هؤلاء، ففتحت المنازل وأقبية المحلات في مركز عفرين لتستقبل النازحين من القرى التي تتعرض للقصف، وقامت المشافي والعيادات الطبية باستقبال الجرحى والضحايا من المدنيين بإمكاناتهم المتواضعة، وليصل عدد الجرحى في مشافي عفرين حتى تاريخ ٥ شباط\فبراير إلى ما يُقارب ١٧٠ جريحاً و٧٠ قتيلاً، هذا كله وسط كادر طبي قليل كان يداوم ٢٤ ساعة. ورغم عدم توفر المعدات الطبية اللازمة بسبب الحصار المفروض عليها وتخاذل منظمات الإغاثة الدولية، يقول الدكتور خليل صبري، مدير مشفى عفرين: “اكتظ مشفى آفرين بالجرحى والمصابين، ووصل بنا الحال أن نستخدم كل مرافق المشفى لمداواة الجرحى وتأمين العلاج اللازم لهم، ولكن رغم مناشداتنا منذ أول عدة أيام من الهجمة للمنظمات الطبية الدولية بالتدخل وتقديم المعونة لم يتعاون أحد معنا، واستطعنا بقدراتنا البسيطة علاج ما يزيد عن ١٥٠ جريحاً ماعدا الذين قتلوا في هذه الهجمة على المدينة.”
بعد مرور ستة عشر يوما على الهجوم خرج أهالي المدينة إلى شوارع عفرين المركز حاملين آلة البزق والطبول يغنون منددين بالهجوم التركي، ورافعين شعار الزيتون سلاماً لكل أهالي المنطقة، يقول أحمد أحد المشاركين المستقلين في مظاهرة عفرين: “نحن خرجنا اليوم لنرفع صوتنا عالياً بأن أصوات قذائف الدبابات التركية وشعارات الإسلاميين المهاجمين على منازلنا لن تخيفنا، لقد دخلوا القرى الآمنة الخالية من المواقع العسكرية ونهبوا منازلها واحتجزوا أهلها، وكل ذلك يمدنا بالكثير من المقاومة والعزيمة للدفاع عن كرامتنا وأرضنا كرداً وعرباً، نحن أهالي عفرين ولن نسمح لبعض المرتزقة بدعم جوي تركي هدم منازلنا وهدر المزيد من الدماء.”
في الواقع مستوى التكافل الاجتماعي الموجود حالياً في عفرين ليس له علاقة بطبيعة الكرد أو سكان المنطقة، بل هي قناعة راسخة بأن المحتل التركي والمرتزقة من الكتائب السورية المتحالفة معهم لن يجلبوا سوى الدم والقتل لأهل عفرين بكافة طوائفهم ومشاربهم الدينية والحزبية، وخاصة مع تزامن ذلك مع تصرفات المهاجمين في القرى التي احتلوها في الأيام الأولى من الهجمة، باحتجاز الشباب وتكسير محلات الكحول ونهب معاصر الزيتون، كان كافياً لتشكيل صورة بأن القادم ليس لديه نية سوى القضاء على المنطقة بمن فيها، فكانت المقاومة من العسكر والمدنيين.
الأيام القادمة ستكون كفيلة بتوضيح الصورة بشكل أكبر، ولا سيما أن الضغط الروسي – التركي يركز على تسليم المنطقة لقوات النظام لو بشكل جزئي من خلال الدوائر الرسمية ورفع علم النظام في المنطقة، لكن من المؤكد أن أهالي عفرين لن يسمحوا باحتلال التركي لأراضيهم التي زرعت منذ مئات الأعوام بأشجار الزيتون رمزاً للحب والسلام فيها.