بواسطة Mohammad Wawi | فبراير 22, 2019 | Reports, غير مصنف
“في بلادنا، يخسر الشباب حيواتهم دفاعاً عن حدود رسمها الغرباء عبر قرن من الزمن بعد أن رحلوا، فلم لا ندافع عن الحب الذي نصنع مملكته وقوانينه بأيدينا؟” تسأل سمر أثناء جلستنا في مطعم الربيع في منطقة ساروجة بدمشق، تحتسي قهوتها مع ابتسامة على خدين ورديين وغمازتين عميقتين قبل أن تتابع “زوجي من درعا وأنا من مصياف، هو بحبني وأنا بحبه، فما أهمية الطائفة والمذهب إذا كنا شركاء في القلب والحياة”.
العديد من الشبان والشابات تجاوزوا العقبات الاجتماعية والتقليدية والدينية وحتى القانونية ليسيروا معاً في درب الحب، غير آبهين بالوصمة والعزلة الاجتماعية من قبل أبناء ملتهم وطائفتهم، نحو ارتباط رسمي بمن يحبون.
فيما لايزال آخرون أسرى للعادات والمعتقدات، مستسلمين لما يرسم لهم دون رضاهم. ورغم ذلك تدفع مجموعات شبابية ومنظمات مدنية نحو مناقشة قضايا حساسة كالزواج المدني والزواج بين الطوائف كتجربة (نادي القراء).
تدافع لين، وهي مهندسة مدنية عازبة من صافتيا، عن فكرة الزواج بين الطوائف، وتقول “طالما أن الشخصين يحبان بعضهما حتى لو كانا من طائفتين مختلفتين، يفترض أن الزواج سيمر بسلاسة، فشعارات الحب والأخوة التي تدرس في المدارس يجب أن تطبق عن طريق تشجيع الزواج بين الطوائف، فلماذا نضع عقبة غير موجودة أصلاً؟”.
وتضيف لين “أنا أؤمن بالله فقط و الله شجع على الحب، ولذلك سأقبل بالزواج من رجل من أية طائفة”، مستدركة بأنها رغم ذلك لن تسمح للزوج بفرض معتقداته عليها.
أما هيا، وهي خريجة علوم سياسية من الرقة وعازبة، فتروي أن عمها من الطائفة السنية ومتزوج من امرأة من الطائفة العلوية “لكن للأسف أهل زوجة عمي لم يكلموها منذ تزوجت منذ أربعين عاماً، رغم أنها أنجبت ولدين وأصبحت جدة الآن، كل ذلك فقط لأنها اختارت زوجاً من غير طائفتها” تقول هيا مشيرة إلى أن عمها وزوجته ورغم هذا حظيا بحياة زوجية ناجحة لم يؤثر عليها اختلاف طوائفهما.
أما عن نفسها فتقول هيا ” من حيث الفكرة، أؤيد الزواج من طائفة أخرى ولا أمانعها، وفي ذات الوقت إذا فكرت بها من حيث المستقبل وتأثيره على أطفالي، فأنا أتردد قليلاً وربما أعارض الفكرة مع ذاتي”.
وتشرح هيا السبب بقولها “مهما ادعينا أننا مدنيون ولا نعترف بالبعد الطائفي في حياتنا وعلاقاتنا العاطفية، إلا أنه سيؤثر على أرض الواقع، هو خوف من التجربة أكثر منه معارضة للفكرة، إذ أن التفاهم بين شريكين يفترض أن يزيل كل العقبات أياً كان نوعها”.
سامر عانى شخصياً من الحب العابر للطوائف، وهو خريج كلية اقتصاد وعازب من دمشق، حيث اضطر إلى فسخ خطوبته أخيراً. وعما جرى يروي سامر بأنه خطب عام ٢٠١٥ صبية من الطائفة العلوية من دوير المشايخ في وادي العيون التابعة لمحافظة حماة، وكان والد الفتاة منفتح الفكر لكن والدتها عارضت الخطوبة، وأخبرته بأنها “لا تريد أن يكون أحفادها سنة”، أما خطيبته فكانت متقبلة للفكرة رغم وجود “عرق طائفي” في شخصيتها كان يظهر إلى العلن قليلاً كما يصف سامر. إلا أن أهل الضيعة قاطعوا والد الفتاة وخاصة عندما كان سامر يزور أهل خطيبته، فأبلغه والدها بأن الأمر سينجح لو كنا نعيش في المدينة إلا أن جو الريف لا يتقبل الفكرة بسهولة، ولم تكمل قصتهما السنة والنصف حتى انفصلا. “الكل يدعي بأن لا مشكلة في الزواج بين الطوائف، ولكن على المحك قد يتبدل الرأي فعلياً” يختم سامر قصته بتشاؤم.
سلمى من جهتها وهي أرملة من إدلب تقول بأنها لم تعلم عندما تزوجت بأن زوجها من الطائفة الشيعية “ولم يختلف الحال بعد معرفتي بذلك، كنت أمارس طقوسي الدينية كما يفعل هو، يحترم آرائي وأحترم آرائه، أحببته بحيث كان كالأب والأخ بالنسبة لي، و خلف رحيله مأساة مؤلمة في حياتي” تقول سلمى.
تركت الحرب السورية شروخاً على المجتمع بكافة طوائفه وأديانه وأعراقه وقومياته، خاصة مع حصول اقتتال طائفي في بعض المناطق والمدن السورية، إلا أن استمرار انتشار الزواج العابر للطوائف والقوميات خلال سنوات الأزمة، وإن كان على نطاق ضيق، يبرهن أن المكونات السورية لم تصل إلى مرحلة القطيعة رغم حدة الألم ومرارة التجربة.
بواسطة Sawsan Zakzak | فبراير 18, 2019 | Cost of War, غير مصنف
تؤكد السنة الثامنة للصراع في سوريا مع نهايتها أن لا حلاً عسكرياً لهذا الصراع، فرغم التحولات الميدانية الكبيرة بين المساحات التي تسيطر عليها قوات النظام والقوى المناهضة له، إلا أن الواقع الفعلي ما زال حافلاً بالكثير من القنابل الموقوتة، التي لا يستطيع أي طرف التحكم بها فهي مرهونة فقط بالتطورات السياسية والعسكرية.
فعلى سبيل المثال، راهنت تركيا والدول الضامنة على إمكانية قضاء القوى العسكرية غير المصنفة إرهابية على “النصرة” وحلفائها، وذلك من خلال الاقتتال الداخلي في إدلب ومحيطها، لكن تطورات المعارك الأخيرة فاجأتهم بأن الغلبة كانت للنصرة، واستناداً لتجارب التعامل السابقة مع “القاعدة” ومن يشبهها يبدو واضحاً أن من يخلق الغول أو يرعاه غير قادر على التحكم به.
أما “داعش” فما تزال تحتفظ بالكثير من “الخلايا النائمة” مع بقاء مقومات وجودها، وما تزال المعركة مع “بقاياها” تخلط الأوراق السياسية وتقلب التحالفات الدولية، فها هي تركيا تبحث عن تنسيق روسي-تركي-إيراني أكبر على حساب تحالفاتها السابقة مع أمريكا.
ومن جهة أخرى لا يستطيع النظام (كمنظومة حوكمية متكاملة) الآن، لأسباب ذاتية وموضوعية، استعادة جميع الأراضي السورية، وفي الوقت نفسه ينتظر مؤيدوه منه أن يقوم باستحقاقات كبيرة بأسرع وقت، وذلك بعد أن انتشر “وهم الانتصار” الذي روج له النظام نفسه. فمن تلبية الاحتياجات الأساسية للمعيشة (كالكهرباء، والغاز، والصحة، والتعليم ..) إلى محاربة الفساد وصولا إلى إعادة الإعمار، كلها قضايا لا تحتمل التأجيل، خاصة مع حالة الاحتقان الموجودة في الشارع السوري بسبب التجاذبات السياسية والاجتماعية المتداخلة، والتي دللت عليها المواقف المتشنجة التي ظهرت خلال مناقشات قضية مرسوم وزارة الأوقاف، وقضية الأطفال فاقدي الآباء.
إذا، ماتزال الأزمة السورية قائمة وإن بأشكال مختلفة عن السابق، وبميزان قوى جديد غير قادر على الحسم، ولكنه من المحتمل أن يسمح بانطلاق عملية تفاوضية جديدة، تقوم على اقتناع وطني وإقليمي ودولي بأن استمرار الحال على ما هو عليه أمر مستحيل، خاصة أن الواقع الجيوسياسي لسوريا يفرض تحركا دائما للمرجل السوري، وغالبا ما يكون بأيد غير سورية. فماذا لو تابع الإسرائيليون الحديث عن مصير الجولان السوري المحتل، مستفيدين من الضعف السوري، ومن وجود إدارة أمريكية بعيدة عن المنطق السياسي وقادرة على أن تلحق ملف الجولان بما تسميه بـ”صفقة القرن”؟!
وربما يبدو للبعض أن هذا المستوى من الاقتناع الوطني والإقليمي غير موجود حتى الآن، إلا أن هندسة العملية التفاوضية يمكن أن تقوم على فرضية أن الجميع سيكونون رابحين فيما لو بدأت هذه العملية الآن، وأن هذه العملية لن تكون زلزالا على أحد، بل يمكن البدء بها بإجراءات بسيطة من كل طرف، ستشكل تراكماً نوعياً يمكنه أن يحدث فرقاً في الصورة الكلية لهذا النزاع القاتل، مع مراعاة تنوع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا.
على سبيل المثال، هل يمكن استغلال هذه اللحظات التراجيدية من حياة عشرات آلاف اللاجئات واللاجئين السوريين الرازحين تحت رحمة العواصف الثلجية للتوجه إلى كل المعنيين بمجموعة طلبات؟
من النظام السوري:
- إصدار مرسوم عفو عام عن جميع من هم خارج البلد، مع البدء باللاجئين/ات في لبنان.
- إصدار مرسوم بتأجيل إداري لمدة عام واحد لجميع الشباب المطلوبين للخدمة الإجبارية.
- افتتاح مراكز إيواء داخل سوريا بأقصى سرعة حتى يعود اللاجئون واللاجئات الذين يعيشون في ظروف قاسية وهم مطمئنون/ات.
- تهيئة المراكز الحدودية باللوجستيات المطلوبة لتسهيل عودة اللاجئين واللاجئات.
- منح أبناء السوريات المتزوجات من غير سوريين إقامة دائمة ريثما يصدر تعديل لقانون الجنسية السوري بما يمنح المرأة السورية الحق في منح جنسيتها لأطفالها.
- البدء بطرح قوانين جديدة لحرية التجمع وفقا للشروط الحداثية.
من جامعة الدول العربية:
- تحويل أجندة اجتماع القمة الاقتصادية الاجتماعية إلى أجندة عملية لإعادة إعمار سوريا.
- الدعوة إلى مؤتمر وطني سوري في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة يشارك فيه ممثلون/ات عن جميع السوريات والسوريين، بمن فيهم ممثلون/ات عن مجلس سوريا الديمقراطي، وممثلون/ات عن الدول المعنية بالقضية السورية، والمبعوث الخاص إلى سوريا وبعثته وممثلون/ات عن الاتحاد الأوروبي؛
- الإعلان في هذا المؤتمر عن تشكيل اللجنة الدستورية وفق تصور الأمم المتحدة (50 نظام و50 معارضة و50 مستقلون وممثلو وممثلات المجتمع المدني).
- إنشاء صندوق مالي لإعادة إعمار سوريا تتشارك في إدارته جامعة الدول العربية والحكومة السورية وممثلون/ات عن المعارضة وممثلون/ات عن المجتمع المدني.
من الاتحاد الأوروبي:
- الإعلان بشكل واضح عن ان أهداف الاتحاد الأوروبي تتمثل بدعم الشعب السوري حيثما كان بدلا من دعم المعارضة أو دعم النظام.
- البدء بحوار، كاتحاد أوروبي وليس كدول مختلفة، مع النظام السوري من أجل “انفراج ديمقراطي” في سوريا، بحيث يتضمن البرنامج خطوات مطلوبة من النظام السوري (مثلا الكشف عن مصير المعتقلات والمعتقلين والمختفين/ات قسرا) مقابل خطوات تشجيعية من الاتحاد الأوروبي.
- الربط بين مجتمعات اللجوء في أوروبا، خاصة من ذوي وذوات الكفاءات، وبين عملية إعادة الإعمار في سوريا
من الدول صاحبة العلاقة:
- عقد مؤتمر برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة وبدور فاعل للمبعوث الخاص إلى سورية لكل الدول التي لها قوى عسكرية على الأرض السورية.
- رسم خريطة لتقاطع المصالح بين هذه الدول من جهة ومصالح الشعب السوري من جهة ثانية.
- الاتفاق على جدول زمني لوقف النزاع المسلح وتحقيق الانتقال الديمقراطي في سوريا.
قد يعتقد الكثيرون أن الوقت ما زال مبكراً على مثل هذه الأفكار، إلا أن الوقت سيبقى مناسباً دائما لطرح أفكار ترمي إلى الوقوف بوجه موت ما يزال يهدد حيوات الكثير من السوريات والسوريين، خاصة أن المستقبل ما زال مفتوحا على الكثير من المفاجآت، العديد منها قد يخيب ظن الكثيرين.
بواسطة Ibrahim Hamidi | فبراير 16, 2019 | Reports
علقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن روسيا تظهر اهتماماً بالشرق الأوسط بطريقة غير مسبوقة، وإن الرئيس بشار الأسد «موجود في الحكم بسبب التدخل الروسي».
وأضاف أن الأسد «سيبقى في المدى القصير والأبعد منه»، وأنه «على روسيا أن ترينا كيف ستقدم حلا صالحا للسوريين وكيف ستجلب السلام والاستقرار إلى سوريا». وأكد عدم وجود خطة لدى لندن بفتح سفارتها في دمشق.
وقال هنت إن الاتصالات بين واشنطن ولندن مستمرة بشأن الانسحاب من شرق سوريا، مؤكدا ضرورة ألا يحصل الانسحاب «بطريقة تؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى داعش وحلفائنا في قوات سوريا الديمقراطية، الذين قاتلوا بشجاعة معنا في التحالف لسنوات عدة ضد داعش». وأضاف: «ليس هناك أفق كي تذهب قوات بريطانية لتحل محل الأميركيين».
وعن موضوع اليمن، أكد وزير الخارجية البريطانية أهمية تحقيق «حل شامل» يتضمن «ألا تستعمل إيران اليمن كقاعدة لزعزعة استقرار الدول المجاورة لليمن». وأكد ضرورة أن تحول طهران وعودها إلى أفعال. وقال: «الآن نريد ترجمة (التزامات طهران) بأن يقوم الحوثيون بمغادرة ميناء الحديدة. كلنا يعرف إذا لم يحصل هذا عاجلا، فإن العمليات القتالية ستستأنف».
ولاحظ هنت أن المرحلة الحالية تشهد إعادة صوغ التحالف في الشرق الأوسط وأن العام 2019 سيكون حاسما بالنسبة إلى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وقال إن بريطانيا «لن تدير ظهرها إلى الشرق الأوسط» بعد «بريكسيت» والخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث ستبقى العلاقات مع العالم العربي «أكثر من أي وقت».
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» في مكتب هنت في البرلمان الخميس، فور عودته من مؤتمر وارسو للمشاركة في نقاش برلماني حول «بريكسيت»:
عدت للتو من مؤتمر وارسو وكنت ونظيرك الإيطالي الوحيدين من الدول الأوروبية الكبرى اللذين شاركا في المؤتمر. كيف وجدت المؤتمر؟ هل سيؤدي بالفعل إلى احتواء إيران؟
– نعم كنت مع نظيري الإيطالي. المؤتمر تناول أمورا أكثر من إيران وفي الواقع شارك في المؤتمر رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ووزراء عرب والعالم. وكان ذا مغزى جدا بهذا المعنى ولم يحصل سابقا. ما نراه اليوم، هو إعادة صياغة التحالفات في الشرق الأوسط. الكثير يحصل في هذا المجال.
وأجريت اجتماعا بناء جدا حول اليمن بحضور الوزير الأميركي مايك بومبيو ووزير الدولة السعودي عادل الجبير ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد. أمضينا وقتا كثيرا للحديث حول تحقيق السلام في اليمن. اللقاء كان مهما جدا.
وما يستحق الملاحظة، أنه يجب أن ننظر إلى العام الحالي، حيث ستتغير الأمور إزاء حل الأمور بالنسبة لإسرائيل وفلسطين. هناك أقنية تواصل لم تحصل سابقاً أبدا.
ترأست مع الوزير بومبيو الاجتماع حول اليمن. كيف يمكن تحقيق سلام شامل باليمن؟
– تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث للحوثيين دور في توفير الأمن لجميع المكونات في اليمن. وألا تستعمل إيران اليمن كقاعدة لزعزعة استقرار الدول المجاورة لليمن، إضافة إلى إنهاء الأزمة الإنسانية التي هي أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً.
المشكلة ليست الحل النهائي لأن جميع الأطراف تتفق على ذلك، بل حول كيف نصل إلى هذا وكيف نبني الثقة، خصوصاً ما يتعلق بالأهمية القصوى لتنفيذ اتفاق استوكهولم والانسحاب من مدينة الحديدة وميناء البحر الأحمر والوصول إلى مطاحن الحبوب (التي تتضمن مخازن تابعة للأمم المتحدة) والطريق لصنعاء وإيصال المساعدات الإنسانية عبر برنامج الغذاء العالمي لإنهاء المجاعة التي تؤثر على ربع مليون شخص.
الحكومة تلوم الحوثيين وتقول إنها ملتزمة الاتفاق؟
– لا أريد لوم أي طرف. حقيقة الأمر، أن الطرفين احترما وقف النار. قبل شهرين، قليل من الناس اعتقد أن هذا ممكن. إذن، حققنا تقدما، لكن الأمر الجوهري هو فتح ميناء الحديدة لإيصال المساعدات إلى شمال البلاد. هذا لم يحصل بعد. وصلنا إلى النقطة حيث إن الفرصة الأخيرة للتأكد من أن اتفاق استوكهولوم يكون أساساً للنجاح في المستقبل. الطرفان عليهما أن يعرفا أن الوضع الراهن كما هو عليه لن يستمر إلى الأبد. لدينا وقف النار أساس كي تكون الحديدة خالية وأن يفتح الميناء. هذا ما يجب أن يحصل.
أنتم الدولة الوحيدة في المجموعة الرباعية لديكم أقنية من طهران، هل نقلت ذلك إلى إيران؟
– تحدثت مطولا مع الوزير محمد جواد ظريف حول اليمن. ناقشنا الوضع الإنساني في اليمن. ما قاله لي إن إيران لعبت دورا في تحقيق حل في اليمن. وأخذنا هذه الالتزامات والآن نريد ترجمة ذلك (إلى أفعال) بأن يقوم الحوثيون بمغادرة ميناء الحديدة. كلنا يعرف إذا لم يحصل هذا عاجلا، فإن العمليات القتالية ستستأنف. هذا سيكون سيئا لشعب اليمن.
يجب القيام بالعمل والأفعال وأن نظهر للعالم أن كل من شارك في اجتماعات استوكهولم جدي وملتزم بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه لأن التنفيذ أخذ أكثر من التوقعات وبدأ الناس يسألون ما إذا كان ذلك فقط كلاما أم عنوا ما قالوا. لذلك يجب عدم التساهل أبدا بمسألة تنفيذ اتفاق استوكهولم.
الخميس كانت هناك صورتان: الأولى، مؤتمر وارسو بمشاركة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ودول كثيرة. الثانية، القمة الروسية – التركية – الإيرانية في سوتشي. كيف تقرأ بصفتك وزير خارجية بريطانياً هاتين الصورتين؟
– حسنا، هذا يعني أن روسيا تظهر اهتماما بالشرق الأوسط بطريقة لم تظهرها لوقت طويل. يعني أيضا، أن هناك إمكانية لإعادة التموضع في التحالفات لمعسكرات مختلفة. ليس هذا بالضرورة سلبيا. عملية آستانة نجحت في تجنب حمام دم في إدلب. هذا أمر إيجابي ونريد ذلك أن يستمر. علينا أن نجد حالياً اتفاقاً بين جميع الدول المعنية لضمان أمن سوريا وحدودها وأن نتأكد أن الصراع في سوريا ينتهي بطريقة لا تؤدي إلى كارثة إنسانية. لا أرى أن هناك معسكرين متخاصمين (وارسو وسوتشي). أريد كل طرف أن يلعب دوره للوصول إلى الاستقرار وإنهاء الصراعات.
هل تتحدث لندن مع موسكو حول سوريا لتحقيق ذلك؟
– دعنا نكن صريحين. لأن الروس قرروا التدخل في سوريا فإن الأسد موجود. روسيا اتخذت هذا الخيار. لذلك، فإن لروسيا مسؤولية للتأكد من نهاية القصة التي غيرت مسارها. أي الوصول إلى حل صالح للسوريين، لذلك يجب أن ترينا روسيا كيف ستقوم بذلك، لأنه لسنوات طويلة اعتقدنا أنه من المستحيل لسوريا أن تحصل على مستقبل زاهر تحت حكم الأسد. إنه رجل استعمل الغاز ضد شعبه بطريقة تعارض المعايير الدولية. والروس اختاروا دعمه، على روسيا أن ترينا كيف ستجلب السلام والاستقرار إلى سوريا.
قلت قبل أسابيع إن الرئيس بشار الأسد باق في الحكم لفترة، ماذا تقصد؟ سنوات أم عقودا؟
– هل أعتقد أن الاستقرار سيتحقق بالمدى الطويل تحت حكم الأسد؟ أكيد، لا. إنه شخص فظيع، لم يتردد في قتل شعبه للبقاء في الحكم. أي مستقبل أمام دولة مع رجل كهذا. لكن، الواقع أنه بسبب الدعم الروسي، موجود. ومن المحتمل أنه سيبقى في المدى القصير أو أكثر. وعلى روسيا أن تجلب الحل لأنها قررت التدخل بهذه الطريقة.
بعض الدول العربية فتحت سفاراتها في دمشق، هل تنوي لندن فتح سفارتها في دمشق؟
– لكل دولة الخيار في اتخاذ قرار كهذا. نفهم هذا، لكن ليس لدينا خطط لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
هل طلبتم من دول عربية وقف التطبيع مع دمشق؟
– الدول تتخذ خياراتها وقراراتها بهذه المسألة.
أميركا قررت الانسحاب من سوريا وأعلنت أن «داعش» هزم، هل توافق على ذلك؟
– حسنا، أولا، بالنسبة إلى «داعش»، الهزيمة الجغرافية ليست هزيمة كاملة. إن عمل التحالف الدولي الذي قلص حجم الخلافة إلى جيب صغير في بضعة كيلومترات، هو إنجاز كبير، لكن لم نتخلص بعد من مسببات تنظيم داعش الشيطانية والمدمرة. ولايزال هناك كثير من العمل الذي يجب القيام عليه. إنه أمر مهم جدا، إلا أن يعلن التحالف الدولي ويقول علنا إننا أنجزنا المهمة، لأنه لو قمنا بذلك فهناك فرصة كبيرة أن يعود «داعش». هناك أدلة أنه في بعض أجزاء العراق يجمع «داعش» نفسه ويستجمع قواه.
نفهم التفكير الاستراتيجي الأميركي بالنسبة للانسحاب من سوريا. انظر إلى ما حصل في العراق وليبيا وأفغانستان وسوريا، يمكن ملاحظة أن الجنود الغربيين على الأرض نادرا ما يكونون حلا طويل الأمد لمشكلات الشرق الأوسط. ويجب علينا ألا نقوم (الانسحاب الأميركي من سوريا) بطريقة تؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى «داعش» وحلفائنا في «قوات سوريا الديمقراطية» الذين قاتلوا بشجاعة معنا في التحالف لسنوات عدة ضد «داعش».
كيف سيكون دور بريطانيا بعد الانسحاب الأميركي؟
– ليس هناك أفق كي تذهب قوات بريطانية لتحل محل الأميركيين. بالطبع لدينا محادثات مستمرة مع الأميركيين، كما أنني كنت في واشنطن قبل أسابيع وبحثنا كيفية تحقيق الاستقرار في سوريا.
هل ستلعب بريطانيا دورا في «المنطقة الأمنية» التي تعمل أميركا وتركيا على إقامتها؟
– دائما ننظر إلى الخطط الأميركية بكل التفاصيل باعتبارهم حلفائنا. وسندعمهم بأقصى حد ممكن.
كيف ترى العلاقة بين بريطانيا والعالم العربي بعد «بريكست» وخروج لندن من الاتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا؟
– بريطانيا كانت لديها روابط تاريخية مع الشرق الأوسط ومع كل دول الشرق الأوسط. إنها أكبر منطقة فيها مشكلات في العالم. لا تستطيع إدارة الظهر للشرق الأوسط، لأن الشرق الأوسط لا يدير ظهره لك. بريطانيا لديها مسؤولية كي تكون عامل استقرار في الشرق الأوسط وسنواصل لاستخدام كل الأقنية لحل القضايا الكبرى سواء الاستقرار والأمن في أفغانستان وليبيا وشرق سوريا والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي ومحاربة التأثير المزعزع للاستقرار لإيران.
سيبقى الدور البريطاني بعد «بريكست»؟
– لن ندير ظهرنا إلى الشرق الأوسط. بالطبع، أكثر من أي وقت.
تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»
بواسطة كمال شيخو | فبراير 15, 2019 | Reports, غير مصنف
على أرض بلدة العريمة المزروعة بأشجار الزيتون ذات المساحة الخضراء، تلتقي قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والقوات الروسية المنتشرة في سوريا. وتعد البلدة السورية الوحيدة التي تمثل نفوذاً لثلاث دول كبرى فاعلة بالحرب السورية، وهي (أمريكا وروسيا وتركيا).
في طريق البلدة الرئيسي، كانت الحاجة عنود (62 سنة) تمشي برفقة ابنتها وتدعى فاطمة ذات الثلاثين عاماً، قطعتا حاجزاً يتبع «مجلس الباب العسكري»، بعد عدة أمتار؛ اعترضهما حاجز آخر يتبع القوات النظامية ويرفع العلم السوري، وعند سؤالها عن الجهة التي تدير بلدتها، ارتسمت علامات الحيرة والاستفهام على تجاعيد وجهها، لتقول: «لا أعلم والله، لأنّ الروس والنظام وقسد كل جهة لديها حواجز وعناصر»، أما ابنتها والتي كانت تلبس زياً محلياً وتتشح بالسواد قالت مبتسمة: «كل هذه القوى تحكم بلدة صغيرة بحجم العريمة».
ففي مدخل العريمة الواقعة على بعد 50 كيلو متراً شرقي مدينة حلب شمال سوريا، هناك نقطة مراقبة ترفرف فوقها ثلاث رايات عسكرية، روسية وسورية وراية ثالثة لـ«مجلس الباب العسكري» المنضوي في صفوف «قوات سورية الديمقراطية». وتنتشر في البلدة منذ بداية 2018، الجهات العسكرية الثلاث التي كانت على نقيض خلال سنوات الحرب؛ لكن التهديدات التركية غيرت خريطة الأعداء والحلفاء المتحركة، حيث تراقب الشرطة العسكرية الروسية مهمة قوات حرس الحدود أو ما تسمى محلياً بــ«الهجانة» الموالية للأسد، وتسيّر الدوريات المشتركة مع «مجلس الباب العسكري» الذي يدير البلدة عسكرياً.
تفاهمات عسكرية
غيّر تاريخ 25 ديسمبر (كانون الأول) 2018، معادلة توازنات القوى العسكرية المتوزعة على الأرض في البلدة التي تبعد 20 كيلومتراً شرق مدينة الباب الخاضعة لفصائل «درع الفرات» المدعومة من تركيا، كما تبعد 20 كيلومتراً غرب مدينة منبج والتي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية»، وبطلب من الأخيرة عاد مركز التنسيق الروسي مع وحدة من الجيش السوري إلى مواقعها في العريمة، وانتشرت 13 نقطة عسكرية بمحيط البلدة بالتنسيق مع «مجلس الباب العسكري».
يقود مجلس الباب (أبو جمعة) المتحدر من المدينة، وقد ضع نصب عينه تحرير مسقط رأسه من «الاحتلال التركي» ومن الفصائل الموالية لها المنضوية في «درع الفرات»، على حد تعبيره. شارك أبو جمعة في المفاوضات المباشرة مع الروس لعودة مركز التنسيق والقوات النظامية الى مواقعها، وعن الهدف من هذا يقول: «هدفنا حماية البلدة من التهديدات التركية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة»، وهددت تركيا بشن عملية عسكرية ودخول منبج ومناطق شرق الفرات للقضاء على «وحدات حماية الشعب الكردية»، وتزايدت وتيرة التهديدات بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية العام الماضي سحب قوات بلاده -وقوامها ألفي جندي- من سوريا.
من مقره العسكري في بلدة العريمة، يشرح أبو جمعة أهمية الخطوة قائلاً: «كانت بمثابة المخرج المناسب لسد الفراغ الأمني بعد سحب القوات الأمريكية، اتصلنا بالروس الذين انسحبوا قبل 6 أشهر، فطلبوا منا رفع العلم السوري، وكانت عودتهم بتفاهم عسكري مع (مجلس سورية الديمقراطية)، ونحن ندير المدينة مدنياً وعسكرياً».
وتشكل «مجلس الباب العسكري» صيف 2016 من أبناء المدينة على غرار تجربة «مجلس منبج العسكري»، وتلقى استشارات وتدريبات عسكرية من قوات التحالف الدولي، وبحسب قائده أبو جمعة فإن تعداده يبلغ نحو 3 آلاف مقاتل، ويتألف من تشكيلات أبرزها: «جبهة ثوار الباب»، «لواء شهداء ريف الباب»، «لواء شهداء الكعيبي»، «لواء شهداء القباسين»، «كتائب أحرار العريمة»، و «كتيبة سلو الراعي»، بحسب أبو جمعة.
ونشرت القوات النظامية نقاطاً عسكرية منفصلة عن حواجز «مجلس الباب»، أما الشرطة الروسية فتراقب التنسيق بين الجانبين المنتشرين داخل البلدة وفي محطيها، «النظام منتشر على طول الخط الفاصل غربي الساجور بين مناطق سيطرتنا، والمناطق التابعة لنفوذ درع الفرات المدعومة من تركيا، والروس يراقبون مهمة كل طرف» يشير أبو جمعة.
خريطة متشابكة
تتبع ناحية العريمة إدارياً لمدينة الباب بريف حلب الشرقي، بلغ تعداد سكانها حسب إحصاء عام 2004 قرابة 33 ألف نسمة، ونزح إليها حوالي 12 ألف شخص لاحقاً ليتجاوز عدد سكانها الـ 45 ألفاً، ينحدرون من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل درع الفرات في شمال وشمال غرب مدينة حلب.
وعلى مر السنوات الثماني الماضية، تغيرت الجهات المسيطرة على البلدة أكثر من مرة، فبعدما انتزعتها فصائل المعارضة المسلحة منتصف 2012 من القوات الحكومية، سيطر عليها تنظيم داعش نهاية 2014، لكن «قوات سورية الديمقراطية» وبدعم من التحالف الدولي، تمكنت من طرد عناصر التنظيم منتصف 2016 وبسطت سيطرتها عليها.
يروي المدرس سعد الدين (29 سنة) كيف توارى عن الأنظار عدة أيّام عندما دخلت القوات النظامية نهاية العام الفائت إلى مسقط رأسه، ونقل إنّ سكان البلدة انتابتهم حالة من الخوف والقلق خشيةً من الاعتقالات والملاحقة، وقال: «بقيت كم يوم ما طلعت من منزلي، بعدها عرفت من الجيران والأصدقاء أن النظام يقتصر تواجده لحماية الحدود مع مناطق التماس التابعة لفصائل (درع الفرات)».
وعن المنهاج الدراسي المقرر في العريمة يضيف سعد الدين: «هو المنهاج الحكومي نفسه دون أي تغير، يدرس من الصف الأول الابتدائي حتى الثامن الإعدادي، أما التاسع الأساسي والمرحلة الثانوية لا تدرسان لغياب مراكز امتحانات وكوادر تدريسية».
في مدرسة البلدة للتعليم الأساسي، كان التلاميذ يلهون في ساحتها وتتعالى صيحاتهم وضحكاتهم، كما تبدو شوارع البلدة شبه طبيعية، فالمحال التجارية عرضت أصنافاً من المواد الأساسية والغذائية وفي زاوية كل صنف كتب سعرها بالليرة السورية، فيما يتبضع الأهالي من سوق المدينة المركزي لشراء الخضار والفاكهة ومتطلباتهم اليومية.
مالك إحدى بقاليات السمانة يرتدى عمامة بيضاء ويدعى حميد (55 سنة) أشار إلى أنّ أسعار المواد في البلدة منافسة مقارنة مع باقي المحافظات كمدن حلب ودمشق والساحل السوري. مضيفاً «كيلو السكر يباع بـ 275 ليرة سوري (ما يعادل نصف دولار أمريكي)، وجرة الغاز متوفرة وسعر الأسطوانة 3 آلاف ليرة (6 دولار)، فكل شيء متوفر والحمد لله والأسعار مقبولة».
ويضيف تسيير الدوريات (الروسية – السورية – الديمقراطية) بعداً جديداً للخريطة المتشابكة في محيط العريمة، التي تختلط فيها قوات متحالفة مع «وحدات حماية الشعب» الكردية، شاركت مع التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش، بينما تحيط بشمال وغرب المدينة فصائل سورية مدعومة من تركيا، وفي الغرب والجنوب تتمركز قوات تابعة للنظام الحاكم.
خريطة جغرافية ساخنة
أصبحت خريطة العريمة السورية أكثر سخونة، مع حالة استنفار عسكري لكل القوى المتوزعة على الأرض، استعداداً لعمل عسكري تركي متوقع بمشاركة فصائل معارضة ضد «الوحدات الكردية» وهي العماد العسكري لـ«قوات سورية الديمقراطية»، والأخيرة منتشرة في البلدة ومحيط مدينة منبج المجاورة ومناطق شرقي الفرات.
ونقل الصيدلي سالم (32 سنة) المتحدر من العريمة وكان مقيماً حتى ربيع 2016 في مدينة حلب، إنه كان يعمل في مستشفى ابن رشد الحكومي، وعلى إثر المعارك المحتدمة بين «قوات سورية الديمقراطية» وتنظيم داعش صيف 2016، أغلقت جميع الطرق والمنافذ البرية الأمر الذي أجبره على البقاء في بلدته وافتتاح صيدلية هناك، وقال: «أنا بحكم المستقيل، منذ 3 سنوات لم أذهب للدوام، لا أعلم ما هو وضعي القانوني، هل أقالوني من العمل أم فصلوني؟ حقيقةً لا علم لي».
بينما يقول سعدون (42 سنة) والذي يمتلك محلاً لإصلاح وبيع الإطارات، إن التهديدات التركية المتصاعدة و المتزامنة مع الانسحاب الأمريكي جعلت “الكثير من سكان المدينة يخشون كثيراً من نيران الحرب، نشاهد ماذا يحدث في باقي المناطق وكيف يعيش النازحون تحت خيم النزوح واللجوء، فالحروب لا ترحم المدنيين» بحسب قوله.
ويواجه سكان العريمة إجراءات معقدة عند السفر خارج الحدود الإدارية للبلدة، إلا أن «معظم الأهالي يفضلون هذا الوضع مقارنة بحكم الدواعش سابقاً أو دخول فصائل درع الفرت» بحسب سعاد وهي سيدة في بداية عقدها الرابع، إلا أن سعاد ترى في الوقت نفسه أنّ بقاء الوضع على هذا الشكل غير مريح بالنسبة لسكانها، وتقول : «نخضع لحكم ثلاث جهات عسكرية وهذا أمر غير مقبول، فالسفر لمناطق درع الفرات شبه مستحيل، أما الى مناطق النظام ففيه خطورة ومجازفة».
نقطة التقاء ثلاث دول كبرى
تحتل العريمة المضطربة موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري، إذ تقع قرب نقطة التقاء ثلاث مناطق منفصلة، تمثل مجالاً للنفوذ التركي والأميركي والروسي، وما يتبعها من قوى محلية، فيما تتأهب البلدة الساخنة حالياً لتغيير جديد في موازين القوى قد تحدده معركة يجري الاستعداد لها من قبل الجيش التركي.
يقول محمد سعيد (42 سنة) إن العريمة جزء من سوريا، وعودة القوات النظامية ليس بأمر غريب عليه، «حتى اليوم لا يتدخلون بشؤون المدنيين، لكنني أخشى كثيراً من دخول فصائل درع الفرات بمساندة تركية، لأنّ الفوضى والخراب سيعم المنطقة».
وأرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية مدعومة بعشرات المدرعات والآليات إلى ريف حلب الشمالي، لمساندة فصائل المعارضة المسلحة التي اتخذت مواقعها في القرى المتاخمة للعريمة، وتتمركز هذه القوات على تخوم نهر الساجور غرباً وعلى طول شريط يبلغ 70 كيلومتراً، يمتد من غرب البلدة إلى شرق جرابلس ووصولاً لضفة نهر الفرات الغربية.
وتقول آمنة (40 سنة) والتي كانت تتجول في سوق البلدة، إنها تخشى كثيراً من تجدد القتال في مسقط رأسها، «أخاف على أولادي وأهلي… ماذا سيكون مصيرنا، إذا نزحنا في هذا الشتاء البارد أين سنذهب بروحنا، خلال السنوات الماضية لم ننعم بالاستقرار والأمان»
وطالبت تركيا مراراً بإنشاء منطقة آمنة على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، ويقول طبيب البلدة الدكتور مسعود (53 سنة): «نحن مع المنطقة الآمنة إذا كانت برعاية دولية وأممية، لكن أرفض أنْ تكون تحت إشراف تركيا».
وتقع المنطقة الآمنة التي تطالب بها أنقرة على طول الحدود مع سوريا وتمتد على مسافة 460 كيلومتراً وبعمق 30 كيلومتراً، وهي تضم مدناً وبلدات كردية تتبع ثلاث محافظات سورية وهي الحسكة والرقة وحلب، وتنظر تركيا بريبة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية وتتهمها بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها والذي يقود تمرداً عسكرياً منذ 41 سنة.
وتترقب البلدة التطورات الجديدة بقلق، ويخلص عماد الدين وهو رجل يبلغ من العمر ستين عاماً، حال أهلها قائلا «الحرب أنهكت البشر والحجر وشجر الزيتون، 8 سنوات عجاف لم ننعم بالاستقرار، مرت علينا مثل 80 دهراً»، يتوقف عن الكلام بعض الوقت ثم يضيف: «أملي أنْ تنتهي هذه الحرب وأنْ تعود الحياة الطبيعية، ننتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر».
بواسطة Ward Maamar | فبراير 13, 2019 | Cost of War, غير مصنف
لم يوفر المسؤولون في الحكومة السورية جهداً لتمرير مشاريع وقوانين تساعدهم بالاتجار بقوت المواطنين، رغم ما يعيشونه من آثار الحرب ودمار للبنى التحتية ووضعاً اقتصادياً متردياً.
أما أحدث تلك المشاريع المبتكرة فهو “البطاقة الذكية”، التي تنفذها شركة “تكامل” الخاصة، وعبرها تستطيع الأسرة السورية الحصول على حاجاتها من المشتقات النفطية “مازوت- بنزين وقريبا الغاز”، إلا أن هذه البطاقة تحتاج لإثبات بطاقة شخصية للإصدار في الوقت الذي فقد فيه آلاف السوريين أوراقهم الثبوتية بسبب الحرب والنزوح، الأمر الذي جعلهم يواجهون صعوبة كبيرة في إصدار هذه “البطاقة الذكية”.
ومنذ الأيام الأولى لتطبيق هذا المشروع بدا أنه يسير نحو الفشل، البعض وصف المشروع على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه “ميت قبل ولادته”، خاصة في ظل افتقار سوريا للتجهيزات التي تسهل عمليات إطلاق مشروع البطاقة الذكية.
في الأيام الأولى لاستصدار البطاقة الذكية في دمشق توجه أهالي المدينة إلى مراكز شركة “تكامل” للتسجيل على البطاقة ليتمكنوا من الحصول على الخدمات بالسعر المدعوم حكومياً وعليه شهدت المراكز المستحدثة لأجل هذا الغرض ازدحاماً كبيراً.
يقول وسيم الذي حاول التقديم عليها “قطعت مسافة طويلة من جرمانا إلى مركز المدينة لإصدار بطاقة ذكية، لكن اكتشفت حجم الغباء حينما وجهتني المسؤولة هناك لانتظار ساعات طويلة حتى تأخذ بياناتي، لكنني لم أتمكن من الانتظار لارتباطي بعمل خاص، وعندما توجهت لإحدى محطات الوقود لتعبئة سيارتي بالبنزين، أخبرني العامل بالمحطة بأن عدم امتلاكي للبطاقة سيضطرني لشراء البنزين بسعر أعلى من السعر المحدد من قبل الدولة”، ويتابع وسيم قائلاً “هنا أيقنت أن مخصصات البطاقة الذكية لن تكون كافية لحجم استهلاكي الشهري من البنزين، وبالتالي فإن هذه الآلية هي تشريع لرفع سعر لتر البنزين بمعرفة الحكومة، بحجة أن البطاقة الذكية محددة بسقف مخصصات يتناسب مع نوع الآلية التي يستخدمها كل فرد”.
وفي أحد مراكز الانتظار كان أسامة ينتظر دوره ليسجل على البطاقة بعد أن فشل سابقاً بالحصول عليها نتيجة الازدحام الكبير من المتقدمين، إلا أن لم يستطع أن ينتظر أكثر لتقل أعدادهم فالبحث عن المازوت والبنزين والغاز بالسوق السوداء أصبح هماً إضافياً، يقول أسامة: “في ظل وجود تجار الأزمات لن تنفع البطاقة الذكية في تأمين مستلزمات المواطن، لأن من صممها لم يضع في حسبانه آلية الحصول عليها بطريقة تحفظ كرامة المواطن وحقه بالحصول على أدنى متطلبات العيش”.
ولا يختلف حال أهالي العاصمة ومعاناتهم في الحصول على البطاقة الذكية عن حال أهالي بقية المدن، تقول ميادة المقيمة في مدينة حمص “من غير المنطقي تطبيق هذا المشروع في ظل عدم توفر المواد من بنزين ومازوت وغاز، فموارد البلد أصبحت شحيحة جداً” متسائلة “ما الفائدة من امتلاك بطاقة، رصيدها صفر؟!”.
وترى ميادة بأنه من الصعب الوثوق بمشاريع الحكومة وخططها المستقبلية، مازال العديد من السوريين ينتظرون حافلة تقلهم إلى أعمالهم أو تعيدهم إلى منازلهم، ويقف آخرون أمام الأفران بانتظار الحصول على ربطة خبز، وأمام مستودعات الغاز للحصول على جرة غاز وصل سعرها إلى حوالي 8000 ليرة سورية بالسوق السوداء.
المشهد ذاته يتكرر الآن أمام محطات الوقود، حيث يتجمع المئات لتعبئة خزاناتهم بالمازوت، وبلغ سعر لتر المازوت الحر 350 ليرة سورية.
من جهته يقول فداء “اعتدنا خلال سنوات الحرب على أزمات الغاز والبنزين والمازوت، وكنا على يقين أننا نعيش حرباً قاسية، لكننا تفاءلنا في مطلع العام الماضي 2018 بتصريحات المسؤولين الذين منحونا وعوداً كاذبة ووهمية بأن الوضع المعيشي سيتحسن، وكان مشروع البطاقة الذكية بارقة أمل على هذا التحسن، لكن اكتشفت من خلال تجربتي بأن هذه البطاقة تساعد على السرقة أكثر وبطريقة علنية”، ويروي فداء تجربته الشخصية عندما ذهب لملئ خزان سيارته بالوقود قائلاً “أكتشف تلاعب الكازية بالكمية التي حصلت عليها دون رقيب أو حسيب وبطريقة ذكية، حيث طلبت تعبئة (8)ليتر بنزين من محطة وقود بطرطوس بموجب البطاقة الذكية فوصلت رسالة بأن الكمية المعبأة هي (50)ليتراً”.
التكنلوجيا السورية
تأخر دخول الإنترنت إلى سوريا قياساً بغيرها من الدول، وحتى عام 1999 لم يكن يسمح للسوريين بالاشتراك بالإنترنت، غير أن بعض مؤسسات الدولة كان لها اتصال بالإنترنت منذ عام 1997، وكان من أهم أعمالها على الإنترنت تدريب الكوادر التقنية على مراقبة واكتشاف وحجب المواقع غير المرغوبة والتي تتعارض مع سياسة الحكومة، واستمر استخدام الإنترنت لغاية مطلع عام 2000 مقتصراً على بعض المؤسسات.
ورغم تأخر سوريا عالمياً عن دخول عصر التقنية والتكنولوجيا، إلا أن ذلك لم يمنعها من السعي لإدخال وسائل تقنية تواكب تطورات العصر الراهن، لكن التوجه الأخير للدولة لإنشاء حكومة الكترونية واستخدام التقنيات الحديثة، جعل السوريين يتذمرون من سوء تنفيذ كل ما أدخلته من تقنيات عصرية هدفها خدمة السوريين.
البداية كانت عبر إدخال فكرة الصرافات الآلية لتسليم الرواتب للمواطنين عوضاً عما كان يعرف بالمحاسب أو ” المعتمد المالي”، ومنذ ذلك الحين والمواطن السوري يعيش معاناة دائمة نهاية كل شهر لاستلام راتبه الذي لا يتجاوز الـ 60 دولاراً، والسبب لايتعلق بقيمة الراتب، وإنما بالأعطال الدائمة والمتكررة للصرافات الآلية، ورغم الانتقادات الدائمة لعمل هذه الصرافات، إلا أن معضلة إصلاح أعطالها لم تحل ـوالحجة “العقوبات الاقتصادية تمنع استيراد قطع لإعادة تأهيل وصيانة الصرافات”.
إلا أن فشل الحكومة في حل هذه المعضلة، لم يمنعها من ابتكار وسائل رفاهية لخدمة المواطن، حيث بدأت الحكومة خلال السنوات الماضية فكرة “مركز خدمة المواطن” وهدفه توفير الجهد والوقت على المواطن في حال رغب بإصدار أوراق ثبوتية للالتحاق بعمل أو خدمة عسكرية أو سفر وغير ذلك، ورغم أهمية هذا المركز إلا أن انقطاع الشبكة العنكبوتية الدائم جعل الانتظار “سيد الموقف” في غالبية الأحيان، عدا عن مظاهر الفساد التي وجدت طريقها في الشبكة العنكبوتية من خلال إصدار أوراق ثبوتية بشكل مخالف للقانون أو تبعاً للمحسوبيات والواسطة، وتلقي الرشاوى لتعجيل إصدار الأوراق.
ورغم هذا الفشل، ما تزال الحكومة مصرة على الاستمرار بتجربة التقنيات الحديثة والمعاصرة متجاهلة جميع الشكاوى والانتقادات التي تواجهها عقب كل اختراع تدخله إلى حياة المواطنين.
بواسطة Jamal Saeed | فبراير 12, 2019 | Roundtables, غير مصنف
*ينشر هذا المقال ضمن الطاولة المستديرة ما الذي تبقى من اليسار السوري؟
تشكلت حركات اليسار الجديد ومن بينها رابطة العمل الشيوعي، في سياق -أعتقد- أن من بين أهم ملامحه العربية هزيمة حزيران/يونيو 1967 المدوية، التي تركت أثراً موجعاً للغاية في المجتمعات العربية، وعلى نحو خاص في مصر وبلدان المشرق العربي، حيث أوقدت وعود الإعلام القومي (الناصري والبعثي) حماس وآمال وإيمان الجماهير بالتحرير.
بعد الهزيمة، أعادت النخب التي لم يشلها اليأس، طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بتحرير الأراضي العربية المحتلة، وإقامة نظام يضمن العدالة الاجتماعية، وطرحت مشكلات المجتمعات العربية التي تفتقر إلى الديمقراطية والحداثة والعقلانية، محاولة الإجابة عن أسئلة ترتبط بكيفية الالتحاق بركب الحضارة العالمية لتتحرر المجتمعات العربية من الفقر والجهل والتخلف، وكيفية إقامة نظام يضمن حرية التعبير وتشكيل الأحزاب وإشراك الشعوب فعلياً في اجتراح الحلول لتجاوز أزمات تلك المجتمعات.
ازداد عدد الفصائل اليسارية في منظمة التحرير الفلسطينية، ومثلت تلك الفصائل أحد الأطر المهمة للنضال والحوار ولملمة الأحلام الوطنية والقومية ضمن لبوس ماركسي هذه المرة، كما شهدت حقبة نهاية الستينيات أحداثاً ألهبت العواطف وخصوصاً لدى الشباب: من بينها مقتل غيفارا وتحوله إلى أيقونة عالمية، وثورة 1968 في فرنسا، ومواقف النخب الأوربية منها، وفي الوقت نفسه برزت تيارات مختلفة ومتباينة في الحركة الشيوعية العالمية، وبدأ الخروج على النهج الستاليني، والسوفييتي عموماً، يعبر عن نفسه في أطروحات بعض الأحزاب الشيوعية في أماكن متعددة من العالم. العديد من الدلالات تشير لتعدد وصراع المفاهيم ضمن الميدان النظري والسياسي للحركة الشيوعية العالمية، من بينها أن الكثيرين كانوا يرون في الشيوعية (بصفتها نظرية ثورية) منطلقاً للخلاص العالمي، وأن كل تيار كان يرى أنه هو الممثل الأصيل للفكر الشيوعي، ومن بينها أيضاً أن الشيوعية تحولت في مواطن كثيرة من أداة نظرية إلى ضرب من ضروب الإيمان والتدين.
في هذا السياق ولدت ظاهرة اليسار الجديد العالمية، والعربية. وقد تباينت قوى اليسار في العديد من المواقف، ومن بينها “صناعة الثورات الاشتراكية”، ففي حين استلهمت بعض القوى حرب العصابات وقدست “العنف الثوري” مثل “الألوية الحمراء” في إيطاليا، و”التوبوماروس” في الأورغواي، و”بادر ماينهوف” أو جماعة “الجيش الأحمر” في ألمانيا الغربية آنذاك الساحة الفلسطينية شهدت تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقادها جورج حبش الذي اعتبر ضمير الثورة الفلسطينية أو/و رمز النقاء الثوري فيها، وعرف عنها اختطاف الطائرات، وبرزت فيها أسماء تم تطويبها كأبطال مثل وديع حداد وليلى خالد. وفي سورية حاول أعضاء المنظمة الشيوعية العربية البدء بحرب عصابات لضرب المصالح الأميركية، إلا أن المنظمة طوقت في مهدها إثر إعدام خمسة من قادتها، والحكم على أعضائها الآخرين بالسجن المؤبد.
كانت ظاهرة الحلقات الماركسية جزءاً من موجة اليسار الجديد، وقد تحدر أغلب أعضائها من أحزاب التيار القومي، الذين صبوا بعض لومهم على الأدوات المعرفية القديمة، وتابعوا بحثهم الجاد عن أخرى جديدة، ورأوا في الماركسية ضالتهم، فعكفوا على قراءة التراث الماركسي، وعلى استخدامه بصفته أداة أحياناً وبصفته عقيدة وإيماناً في أحيان كثيرة، بهدف تقديم “تحليل ملموس لواقع الملموس” للوصول إلى كيفيات وسبل التحريروالتغيير. تطورت ظاهرة الحلقات الماركسية وتزامن تطورها مع انقسام الحزب الشيوعي السوري، لحزبين يدعي كل لنفسه الشرعية التنظيمية والسياسية، وعُرف كل منهما باسم أمينه العام (جماعة بكداش وجماعة الترك).
وكانت الحلقات الماركسية في سورية تفكر بالحوار مع الشيوعيين الآخرين، ولكن قيادات الحزبين رغبت في أن ينضم أعضاء الظاهرة الجديدة إلى الحزب (سواء الترك أو بكداش) فرادى، وادعت قيادة كل من الحزبين أن حزبها هو الإطار “الحقيقي” -بحسب وصفها- للنضال الشيوعي في سورية، وحصل بكداش على صك الشرعية السوفييتي، واعتبر الترك أنه يمثل الشرعية الثورية.
في مطلع عام 1976 دخل الجيش السوري إلى لبنان بطلب من بيير الجميل وحلفائه، وموافقة جامعة الدول العربية، مع معارضة الفلسطينيين وقوى اليسار اللبناني أو ما يعرف باسم “الحركة الوطنية اللبنانية” التي كان يتزعمها كمال جنبلاط، وترك ما ارتكبه الجيش في تل الزعتر وجسر الباشا بحق المقاتلين الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين، تأثيراً كبيراً في تسريع تشكيل رابطة العمل الشيوعي في سورية، وهي المنظمة التي انبثقت عن اللقاء الثالث الموسع للحلقات الماركسية الذي انعقد في 28 آب 1976 في مدينة حلب.
تبنت الرابطة أغلب الموضوعات الاستراتيجية التي انبثقت عن الحلقات الماركسية، وتمت العناية بإصدارها لاحقاً في كراسات طُبعت في لبنان ليتم تهريبها إلى سوريا لاحقاً. وتدل عناوين تلك الكراسات على الموضوعات التي اهتمت بها الحلقات وهي: ملامح الصراع الطبقي العالمي، الأممية والحركة الشیوعیة العالمیة، العنف الثوري وأشكال الانتقال إلى الاشتراكیة، الثورة العربیة والحزب الشیوعي العربي، القضیة القومیة، القضیة الفلسطینیة، البرجوازیة الصغیرة والسلطة السوریة، الجبھة والتحالفات، الطبقة العاملة السوریة، الحركة الشیوعیة المحلیة، كما ألحق بهذه المجموعة كراس بعنوان: الجولان، عشر سنوات على الاحتلال.
وقد نوقشت في إطار الحلقات وفي إطار الرابطة (وهذه هي التسمية المختصرة الشائعة) موضوعات عدة من بينها: البيروقراطية في الأحزاب الشيوعية، الفرق بين التنظيم اللينيني والتنظيم الماركسي، نمط الإنتاج الآسيوي أو أنماط الإنتاج في الشرق، بالإضافة إلى تحرر المرأة وطبيعة الأسرة البطريركية إلخ ..إلخ.
لم تخل الأعوام التي امتدت منذ آذار/مارس عام 1977 حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2005 من وجود معتقلين لرابطة-حزب العمل الشيوعي في السجن، فالقمع كان سبباً جوهرياً لشل فاعلية التنظيم، ولعل حملة اعتقالات شباط/آذار فبراير/مارس 1992 التي اعتقل فيها القياديان الطبيبان: عبد العزيز الخير وبهجت شعبو وآخرين، قد شلت التنظيم، إلى أن تم إحياؤه من جديد على يد مجموعة ممن خرجوا من السجن أو عادوا من المنافي. ويفتقر التنظيم بطبيعة الحال إلى الروح الشابة النشطة التي لعبت دوراً مشهوداً في الحياة السياسية في الفترة بين 1976 و1992، وعلى نحو خاص في فترة الثمانينيات.
يطول الحديث عن علاقة الرابطة بباقي الأحزاب القومية اليسارية مثل حزب العمال الثوري وحزب البعث الديمقراطي “23 شباط” وتيار جمال الأتاسي، والاشتراكيين العرب (التيار المعارض الذي قاده عبد الغني عياش)، والتي لم تسفر عن اتفاقات قيّمة طوال فترة حكم الرئيس حافظ الأسد. ولذا سيقتصر تناول المقال لعلاقة الرابطة بالشيوعيين السوريين الآخرين.
في بداية تشكل الرابطة اتخذ الحزبان الشيوعان السوريان (بكداش والترك) موقفاً سلبياً من التنظيم الجديد الذي كرس إلغاء منصب الأمين العام، وكان لكل من الحزبين أسبابه. فبكداش متحالف مع النظام تحالفاً يباركه الرفاق السوفييت، ويرى في من يعارض النظام خادماً للإمبريالية العالمية، ومن جهة أخرى كانت النسخة البكداشية من الحزب تعاني حالاً من الترهل النضالي، لا يقبل بموجبه الروح الكفاحية العالية لشيوعيين آخرين إلا بصفتها مرضاً يسارياً طفولياً يخدم العدو الإمبريالي في المحصلة. أما العلاقة بين الرابطة والمكتب السياسي (الاسم الذي يميز جماعة رياض الترك) فكانت تناحراً وتنافساً، وأعتقد أن التنظيمين ادعيا الشرعية الثورية. ومع ذلك رفض الترك عرضاً للرابطة بالاندماج مع حزبه شريطة أن يقدم الحزب لأعضائه منبراً داخلياً يمكنّهم من طرح وجهات نظرهم السياسية والتنظيمية.
و نشأ التنظيمان بطريقتين مختلفتين فالمكتب السياسي (حزب الشعب لاحقاً) تربى سياسياً وتنظيمياً في المدرسة الشيوعية الرسمية، وخرج عليها حاملاً بعض سماتها، في حين كان من بين أسباب نشوء الرابطة- (حزب العمل لاحقاً) التصدي للبيروقراطية وعبادة الفرد والانغلاق الأيديولوجي الحاد، وهي من الأمور التي أدت إلى فشل الحركة الشيوعية الرسمية من وجهة نظر الرابطة. جرى حوار مع تيار مراد يوسف الذي انشق عن بكداش، وحمل اسم منظمات القاعدة، ومع تيار حنين نمر الذي غادر المكتب السياسي (الترك) ومع تيار بدر الدين السباعي الذي يسعى لوحدة الحزب الشيوعي السوري المبدئية، ومع كل التيارات التي انشقت عن الحزب الشيوعي لاحقاً، إلا أنها لم تسفر عن أية اتفاقات لها قيمة في الحقل السياسي، وكان أغلب الذين حاورتهم الرابطة يرون “أنها تحمل السلم بالعرض” وأنها أكثر راديكالية مما يحتمل الواقع.
في ثمانينيات القرن الماضي، وبعد تطور الصراع بين النظام والحركة الدينية (الطليعة المقاتلة والأخوان المسلمون)، كان الخلاف قد أخذ بعداً سياسياً أعمق بين الرابطة والمكتب السياسي، ففي حين رأى المكتب فيما يجري “حركة شعبية”، رأت الرابطة أن الأخوان “جزء من حلف رجعي أسود يحارب دكتاتورية عسكرية تمثل البرجوازية بيروقراطية”، ورأت أن الشعب السوري أضحى بين مطرقة النظام وسندان الأخوان، داعيةً إلى تكوين قطب شعبي ثالث، بعيداً عن الدكتاتورية العسكرية ممثلة بالنظام والحركة الفاشية ممثلة بالأخوان. رغم هذا، فإن نقطة تقاطع مهمة بقيت بين شعارات الحزبين، ففي حين كان يدعو المكتب لـ”التغيير الديمقراطي” كانت الرابطة تدعو إلى “دحر الدكتاتورية والظفر بالحريات السياسية” إلا أن الخلاف حول الصراع الذي يجري على الأرض، كان أقوى من الاتفاق النظري هنا أو هناك.
وتميز أعضاء الرابطة بروح كفاحية عالية، وخاض أغلبهم تجربة سجن مريرة أو تجربة تخفي مديدة، وتوفي بعضهم تحت التعذيب، ويعد محمد عبود الذي توفي في أواخر عام 1980 أول شهداء رابطة العمل الشيوعي، كما تميزت الرابطة بمشاركة ملحوظة من مناضلات سوريات، خضن تجربة الاعتقال المديد بدورهن. وتمتع التنظيم منذ تشكله بروح تطهرية، إذ تقرر عدم قبول أية مساعدات مادية من أي جهة، حتى من اليسار الفلسطيني، لكي لا يخضع لأحد، وكانت قيادة الرابطة تفتقر إلى عمق التجربة السياسية، حيث كانت تحل في أوقات كثيرة المطالب الاستراتيجية محل الخطوات التكتيكية. وأرى أن هناك وجه حق في وصف أغلب أعضاء الرابطة بأنهم حالمون وفرسان وشعراء أكثر مما هم سياسيون، فقد كان التنظيم عموماً أبعد القوى السياسية عن البراغماتية.
واستطاع التنظيم أن ينتشر في كل المحافظات السورية وفي أغلب البلدات والمدن، ولكن القمع الشديد والمديد شل فعاليته، كما شل فعالية باقي القوى والتنظيمات اليسارية وغيرها.
وكان يمكن للرابطة أن تطور الرؤية اليسارية المختلفة عن الرؤية اليسارية الرسمية، فقد اجتهد أعضاؤها وطرحوا أسئلة خارجة على الترسيمة السوفييتية، وعاشت الرابطة وضعاً تنظيمياً مختلفاً عن الحال الذي عرفته أحزاب اليسار، بإحلال القيادة الجماعية محل الأمين العام والقبول بتيارات مختلفة ومتباينة داخل التنظيم، على أن يضبط الفعل السياسي بالخضوع للأغلبية من جهة، وعلى أن يتاح لتيارات الأقلية وأهمها التيار التروتسكي، منبراً داخليا (جريدة داخلية) تعبر فيها عن رأيها، وتسعى لاستقطاب أعضاء الحزب والتحول إلى أكثرية إن استطاعت.
أما الآن، فيبدو أن الناشطين في الحقل السياسي من الشخصيات التي لعبت دوراً في تأسيس الرابطة، أصبحوا يمثلون تيارات وتوجهات متناقضة فكرياً وسياسياً: فالبعض غادر الماركسية إلى غير رجعة، لاجئاً إلى الفكر الليبرالي، في حين يرى آخرون أن الماركسية لم تنهر بانهيار جدار برلين بل البيروقراطيات الاشتراكية هي التي انهارت. وفي السياسة يصبح التمايز أشد وأقسى ، حيث تتناقض المواقف من مسائل عديدة : الموقف من التدخل الغربي في سورية، الموقف من الحوار مع النظام، الموقف من الحوار مع فصائل المعارضة الفاعلة وخصوصاً المسلحة منها. والحقيقة هي أن الذين حاوروا النظام أو اقتربوا من المعارضة المسلحة أو طالبوا بالتدخل الغربي (الأميركي خصوصاً) لا يمثلون ولا يدعون تمثيل حزب العمل الشيوعي، حيث أسس بعضهم أو انضم إلى منظمات جديدة مثل فاتح جاموس الذي تم فصله من الحزب وأسس (أو انضم إلى) طريق التغيير السلمي. وآخرون ممن يخالفون الحزب -الذي لا يزال له كيان رسمي في موقفه الرافض للتدخل الخارجي ولتسلح الثورة وتطييف الصراع- ويمكن معرفة مواقف حزب العمل الشيوعي (الرابطة سابقاً) من افتتاحيات النشرة التي يصدرها تحت عنوان “الآن” عبر صفحة الحزب على ” فيسبوك “.
تركت الرابطة ومن ثم حزب العمل الشيوعي بصمة مهمة في سياق الصراع السياسي في سورية، فهي مثال على تجمع ضم مناضلين من مختلف الطوائف والأقوام في سورية ممن توافقوا على رؤية سياسية، وفي الوقت الراهن يعد عبد العزيز الخير من أبرز معتقلي الحزب، وكان قبل اعتقاله من أبرز ناشطيه.
أرى حالياً أن حزب العمل، شأنه شأن كل القوى السورية التي تمثل العقلانية والحداثة والديمقراطية في سورية، غير قادر على لعب دور فاعل في المدى المنظور، ولا أعتقد أن هذه القوى مجتمعة، قادرة على لعب دور سياسي فاعل في ظل القمع والعنف والتطييف وتدويل الصراع الذي تشهده سورية، مع أن خلاص سورية مرتبط برأيي بالعقلانية والحداثة والديمقراطية التي تفضي إلى دولة القانون المدنية، والتي تحتاج إلى إعادة تفعيل تلك القوى.