التحرش الالكتروني بادلب…كابوس الفتيات

التحرش الالكتروني بادلب…كابوس الفتيات

رسائل تهديد على الإنترنت، كانت كفيلة بجعل حياة الشابة مرام (26 عاماً) أشبه بجحيم لا يطاق، ذلك بعد اختراق هاتفها الجوال بما فيه من صور شخصية، لتمر بعد ذلك بأصعب مرحلة في حياتها على الإطلاق. تقول مرام لـ” صالون سوريا” : “بشهر آغسطس من عام 2021 وصلني تهديد عبر تطبيق “واتساب” من رقم شخص مجهول، حيث قام بتصميم صورة فوتوشوب لجسدي لأبدو بملابس غير لائقة، وتم تهديدي بدفع مبلغ مالي مقابل حذف الصورة، وعدم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي”. وتتابع بحزن: “مررت بفترة صعبة وقاسية، لكني التزمت الصمت خوفاً من اتهام أسرتي والمجتمع”.
وتشير مرام أنها اضطرت لحذف جميع مواقع التواصل من هاتفها لتتخلص من التهديد والابتزاز والهاجس النفسي، لكنها لاتزال خائفة من إمكانية نشر الصورة، وخاصة أن المجتمع “مجحف وغير منصف، ويعتبر المرأة مذنبة حتى لو كانت ضحية”، مؤكدة أنها لم تتمكن من البوح لأمها أو أختها لأن الجميع سيعتبرها مذنبة، ويتهمها بإرسال صورتها بمحض إرادتها .
ولم يعد العنف ضد النساء يأتي من الوسط المحيط بهن، بل تعداه للإساءة لهن عبر الإنترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتتنوع الجرائم الإلكترونية التي تتعرّض لها الفتيات والنساء بين التحرش الجنسي، والمطاردة، والابتزاز المادي، وصولًا إلى التهديد بالقتل أو الاغتصاب.
سامية(21 عاماً) من مدينة سرمدا، رفضت الكشف عن اسمها الكامل، عانت سابقاً من مكالمات هاتفية ورسائل مزعجة من حسابات وهمية، كما وقعت ضحية في فخ روابط التصيّد على الأنترنت وأصبحت عرضة للابتزاز. وتقول: “بعد الضغط على رابط وصلني من حساب وهمي على فيسبوك، استولى المهاجم على معلوماتي الشخصية، وبدأ يفاوضني بنشر صوري ومعلوماتي الشخصية أو دفع المال”. وتؤكد أنها حين رفضت طلبه أرسل صورتها إلى والدها الذي قام بضربها وتعنيفها، كما حرمها من الذهاب إلى الجامعة واستخدام الهاتف .
كما تقع قاصرات ضحية الجرائم الإلكترونية الخطيرة، يتم استغلال براءتهن وجهلهنَّ في التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي. سلمى الأحمد (16 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة من مدينة معرة النعمان إلى بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، تعرضت للتحرش الالكتروني من قبل شاب حاول اصطيادها عاطفياً وتهيئتها نفسياً لتلبية طلباته الجنسية. وعن ذلك تقول: “تعرفت على شاب عبر الأنترنت، وبدأ يرسل لي رسائل غرامية، فغرتني الكلمات والعبارات المنمّقة، كما وعدني بالزواج، وبعد فترة وجيزة بدأ يرسل لي مقاطع إباحية وعبارات خادشة للحياء، ويطلب مني إرسال صوري وأنا عارية أو إرسال المحادثات إلى أهلي، وعندما قمت بحظره بدأ يتواصل من أرقام وحسابات أخرى”.
وتؤكد سلمى أن الخوف والرعب سيطرا على حياتها، حتى فكرت بالانتحار، ولكن أختها التي تكبرها بتسع سنوات تدخلت بالأمر، حيث قامت بالتواصل مع المتحرش وتهديده بتقديم شكوى ضده إن استمر في تصرفاته، كما قامت بحظره وحذف جميع المحادثات.

من جانبها، سلمى الأحمد (29 عاماً) من مدينة إدلب، مختصة بصيانة الهواتف الخلوية للنساء لتلبية حاجات المجتمع وحماية خصوصية النساء، وعن عملها تقول لـ “صالون سوريا”: “في ظل تفشي ظاهرة الابتزاز الإلكتروني وقيام بعض أصحاب محلات الصيانة بنسخ صور ومقاطع فيديو وأرقام من هواتف معطلة لنساء وتهديدهن بنشرها، تفضل الكثير من النساء ترك الجهاز دون صيانة أو حذف البيانات قبل إرساله خوفاً من استباحة الخصوصية”. وتشير أن وجود امرأة مختصة بالصيانة تساعد النساء في الحفاظ على السرية والأمان أثناء صيانة أعطال هواتفهن، دون أن يضطررن لإتلاف الجهاز خوفاً من تسريب الصور والمعلومات الشخصية في مراكز الصيانة التي تديرها الرجال .
المرشدة الاجتماعية براءة السلوم (35عاماً) من مدينة إدلب تُعنى بدعم النساء في مواجهة العنف الممارس عليهن، تقول لـ “صالون سوريا”: “الأنترنت الذي دخل كل بيت تحول إلى وسيلة تهديد لحريات البشر، وبخاصة الفتيات والنساء، ليكن ضحايا جرائم الاستهداف الالكتروني، متنوعة الأشكال والمضامين.” وتشير السلوم إلى “تنوع الاستخدامات غير الأخلاقية للإنترنت، والتحرش الإلكتروني والابتزاز، حيث يكون تحرشاً جنسياً، أو ابتزازاً مالياً، يحدث بين مجهولين، أو أقارب أو حتى أزواج”
وتضيف أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدر قلق وإزعاج لبعض النساء في ظل غياب القوانين الرادعة وقلة التدريبات المتعلقة بالأمان الإلكتروني، الأمر الذي تسبّب في الكثير من حالات الطلاق والمشكلات الأسريّة، ووصل بالنساء حد الاكتئاب والعزلة عن المجتمع ومحاولات الانتحار. وتشير أن الكثير من النساء يفضلن كبت العنف والانتهاكات وعدم الإفصاح بما تعرضن له، لأن المجتمع يتعمَّدُ إلقاء اللوم على المرأةِ، وتعنيفها، وتقييد حُرِّيتها، حتى إنْ كان لديها كل الأدلة والبراهين التي تُـثْبتُ براءتها، فضلاً عن صعوبة الكشف عن هوية المتحرش الذي يستخدم أسماء وهمية، لذا تنصح النساء بحماية الخصوصية والتعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي بحذر، للحد من أي إنتهاك مفترض قد يقع عليهن، إضافة إلى عدم الضغط على الروابط المشبوهة والمجهولة، مع ضرورة بوح الضحية لمن حولها من أصدقاء وأهل، لأن الصمت يعني تمادي المتحرش في أفعاله، ويسمح له بالانتقال من الفضاء الإفتراضي إلى الواقع، فضلاً عن توعية المجتمع أن التعرّض للاعتداء هو ذنب المتحرّشين وليس ذنب النساء، مع التأكيدعلى حقهن في الوصول إلى الإنترنت واستخدامه بحرية وأمان، من دون التعرّض للعنف الإلكتروني .
لا تقتصر التحديات التي تواجه النساء في إدلب على البحث عن السكن والأمان وسبل العيش، بل تحول الفضاء الإلكتروني بما يعنيه من هاتف ذكي، أو كمبيوتر من مصدر فائدة وتسلية ومعرفة للأخبار إلى عنف من نوع آخر وواقع مؤلم، وكابوس يدمر حياة الكثيرات ويزرع الرعب في قلوبهن .

رمضان دمشق… أكثر قسوة

رمضان دمشق… أكثر قسوة

قبل عام هجري بتمامه وكماله، أعد “صالون سوريا” تقريراً عن المواد والسلع التي غابت عن سُفَر السوريين/ات عند الإفطار والسحور في رمضان. منذ عام أيضاً أتى “شهر الخير” صعباً معيشياً على الناس في بلاد كل أنواع الحروب، وارتفعت الدعوات إلى السماء أملاً أن يكون رمضان العام المقبل أكثر خيراً، لكن الظروف الاقتصادية العالمية عموماً والسورية خصوصاً غلبت على كل الدعوات، حيث يطل رمضان هذا العام أكثر قسوة معيشية ويلقن السوريين/ات دراساً جديداً في الصبر وفي الاقتصاد أو “الحرص” أو ربما الإجبار على أن تكونَ سُفرهم/ن متواضعة، فيها من السلع ما ملكت رواتبهم/هن!
تواصلَ “صالون سوريا” هذا العام مع نفس ربات وأرباب الأسر والأشخاص العازبين، ممن تواصلَ معهم/ن رمضان الفائت. تصر دانا (صيدلانية 26 عاماً) أن الحل هو بالامتناع عن الصيام بأكمله، حيث تعيش الأسر السورية بغالبيتها صياماً قهرياً، وتسأل: “شرعاً هل يتوجب الصيام على الأسر التي يصعب عليها تأمين رغيف خبز؟”. يختلف كثيرون وكثيرات مع الصيدلانية في رأيها، ومنهن نور (صحفية 36عاماً) وأم وليد (ربة المنزل) اللتان تختلفان مع “دانا” وتتفقان كما العام الفائت في السلع التي سوف يستغنين عنها (التمور، اللحوم بأنواعها، الحلويات، وبعض أنواع الفواكه، والكثير من طبخات الأرز، الدجاج)، وتجهد كلاً منهما الكلام والشتائم.

الحاضر الغائب!
لم يكن الطعام والشراب وحده يزداد غياباً عن موائد السوريين/ات هذا العام، إنما أهل البيت أيضاً يزيد عدد غيابهم كل رمضان، ويسقط كرسياً جديداً كل عام عن المائدة، ليحضر على مائدة أخرى في بلاد الغربة، ليكونوا الغياب في رمضان حاضرين/ات عبر مكالمة فيديو مع أم قلت طبخاتها حجماً ونوعية، حيث ودعت أم علي (ربة منزل55 عاماً) اثنين من أولادها هذا العام قبل 3 أشهر من حلول الشهر الفضيل. هي ذاتها سوف تستغني عن “زيت القلي واللحوم الحمراء”، حيث وصل سعر الصنف الأول 14000 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 3.5$، كما وصل سعر اللحوم الحمراء إلى ما يقارب ال10 $ للكيلو أي 40ألف ليرة سورية، في زيادة ما يقارب 15 ألف ليرة عن العام الفائت.
أما عمر (36 عاماً)، الصحافي الذي التقى معه “صالون سوريا” العام الفائت، يضيف إلى قائمته التي استغنى فيها العام الفائت عن كل أنواع الطعام المقلي واللحوم أصنافاً جديدة، كالتمور التي سوف يستبدلها بحلويات خفيفة من صنع زوجته، ويؤكد استمرار استغنائه عن أي أنواع من العزائم التي كانت عنوان حياة رمضان في سوريا، ويعقب ” أفقدنا الغلاء أعز عاداتنا الرمضانية”.

المواطن المقروض!
تتأثر البلاد التي تعاني الحرب منذ 11 عاماً، بكل أزمات العالم، هي البلاد ذاتها التي تُدرس الطلاب في كتب الجغرافية أهمية مناخها وموقعها الجغرافي، للزراعة وإنتاج الخضار والفواكه، يصل فيها سعر كيلو البندورة إلى ما يقارب اربعة الاف ليرة سورية، والخسة الف ليرة، والفليفلة الخضراء تنطح خمسة الاف ليرة، فبات صحن السلطة السوري اليوم لأسرة مكونة من 4 أشخاص، يجب أن يدخلَ غينس للأرقام القياسة ” كأغلى صحن في العالم”، حيث وصل ارتفاع الأسعار لدرجة أن مؤسسات السورية للتجارة ستمنح المواطنين/ات الموظفين/ات الحكوميين/ات، قروضاً لشراء السلع الأساسية في رمضان، تصل قيمة القرض 500 ألف ليرة سورية.
وعن قيم ارتفاع الأسعار هذا العام، تحدث الدكتور في الاقتصاد علي محمد لـ “صالون سوريا”، أن بعض الأسعار ارتفعت 50% وبعضها الآخر ارتفعت 100%، حيث وصل ارتفاع بعض السلع لـ 1000 ليرة سورية. وهذا “وضع كارثي” حسب تعبير الخبير. ويتابع حديثه عن جملة من المؤشرات التي تتحكم بوضع الأسعار في سوريا عموماً اليوم -رغم عدم توقعاته بأي انخفاضات في الأسعار- (سعر الصرف، أسعار حوامل الطاقة “النفط والغاز، الحالة الجوية التي يعتبر أثرها قليل مقارنة بغيرها من الأسباب، ومسار الحرب الأوكرانية- الروسية أيضاً. ويقول أن ملف رفع الدعم ساهم أيضاً بارتفاع الأسعار بشكل كبير، حيث رفع الدعم عما يقارب 600 ألف عائلة. ورد خبير اقتصادي آخر” رفض ذكر اسمه في سؤال عن أهمية زيادة الرواتب اليوم، قائلاً: “هي حاجة اجتماعية ملحة، رغم أنها ستساهم بحصول تضخم في السوق، لكن العملة اليوم تفقد قيمتها”.

وين رايحين!
يرش محمد مهنا (50 عاماً) بياع الخضار قرب ساحة الهدى في منطقة المزة خُضرته يومياً. ويصيح: “حمرة وريانة يا بندورة يا ورد مين يشتريك”!، يغنج الخضار والفواكه لقيمتها العالية اليوم على حد تعبيره، ويضحك قائلاً لـ “صالون سوريا”: “سألتك يابلد لوين رايحين”. ويتحدث أنه يعتبر هذا العام وخصوصاً على أبواب رمضان هو الأضعف قدرة شرائية عند الناس، و”لو نستطيع أن نبيع نصف حبة بندورة مثلاً، لاشترى الناس منها”.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي ان المواطن “يبحث عن الأولويات فقط، فلن نلحظ أسواقا مكتظة مثل السابق. لكن مميزات شهر رمضان، زيادة الحوالات الخارجية التي تصل يومياً 10 ملايين تقريباً، فتساهم في مساعدة الناس نوعاً ما، ومساعدتهم على شراء الأولويات”. وعن دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ضبط الأسعار، يشير أنه محدود وذلك “لعدم قدرتها على ذلك، و لضعف الكادر بشكل اساسي، واتساع رقعة السوق السوداء.
هل سيكون هذا العام آخر عام؟ يسأل المواطن/ة السوري/ة عن المواد التي سوف يستغني عنها في رمضان؟ أم سيكون هناك عام آخر أثقل من السابق؟، هي أسئلة تحكمها السياسة والقدر فقط…وما على السوريين/ات إلا الانتظار المبين.

شوارع دمشق تفيض بدموع أطفالها

شوارع دمشق تفيض بدموع أطفالها

“الله يحميك بدي حق أكل لولادي. الله يخليلك شبابك بدي ثمن دوا لإمي. أبي بحاجة عملية ساعدني. الله يخليك بدي حق خبز. منشان الله اشتري مني. عمو اشتريلي سندويشة. عمو بس بدي ميتين ليرة. الله يخليك بدي ثمن حليب لإبني. اجبور عني الله يجبر بخاطرك”. تلك بعض عبارات “الاستجداء” التي سمعتها من نحو عشرين متسولا ومتسولة (نصفهم من الأطفال) صادفتهم خلال جولةٍ قصيرة في بعض شوارع دمشق، وهم ليسوا سوى قلة من المتسولين الكثر الذين يظهرون في وجهك أينما اتجهت، بل ويتبعونك في كثيرٍ من الأحيان وهم يستعطفونك دون ملل. ولو أردت تلبية طلباتهم فستحتاج لميزانيةٍ ماليةٍ خاصة.
ولا يكتفي المتسولون باستجداء المارة في الشوارع بل كثيراً ما يدخلون إلى المطاعم والمقاهي ليستجدوا الزبائن أو ليعرضوا بضاعتهم البائسة التي يخفون تسولهم خلفها. فخلال جلوسي مع صديقي في أحد مقاهي الرصيف اقتحم جلستنا، التي استمرت لساعة، أكثر من عشرة متسولين، قاطعوا حديثنا بعبارات تسولهم، من بينهم: عجوز تجمع إيجار منزلها، طفلٌ يبيع العلكة، رجلٌ مُسنٌّ يردد بعض الأدعية، سيدة تتسول ثمن دوائها، أُخرى تجرُّ عربة شابٍ مُقعد، طفلٌ يريد ثمن وجبة طعام، طفلة تبيع الورد، أُخرى تبيع البسكويت.. الخ. وطوال الوقت كان النادل يحاول طرد المتسولين الذين كانوا “يتطفلون على زبائن المقهى” بحسب تعبيره، لكن جميع محاولاته كانت تبوء بالفشل، فما أن يذهب أحدهم حتى يعود الآخر في مشهدٍ يُدمي القلب ويستجلب الحزن إلى جلستك التي تحاول من خلالها أن تُرفِّه عن نفسك.
وعند أبواب بعض المطاعم الفاخرة، ستجد من يمسحون السيارات وينتظرون من أصحابها أن يدفعوا لهم أي مقابلٍ لقاء عملهم، الذي قد لا ينالهم منه حتى كلمة شكر، بل كثيراً ما يتعرضوا للطرد والتوبيخ.
وإلى جانب شكله المعتاد بات التسول يتخذ أشكالاً جديدة، إذ كثيراً ما يستوقفك بعض المارة العادين، الذين لا تبدو عليهم مظاهر التسول، ليطلبوا منك، بكل لباقة واحترام ودون أي توسل أو استجداء، ثمن علبة دواء أو وجبة طعام أو أجرة وسيلة مواصلات أو حتى سيجارة. وقد يقترب منك أحدهم، وأنت تقف أمام محلٍ لبيع الفطائر أو الحلويات، ليطلب منك أن تُطعمه شيئاً مما اشتريته.

جزء من الشوارع
منذ نحو أربع سنوات وبشكل شبه يومي يُشاهد أبو محمد (60عاما) جالساً على ذات الرصيف في ساعات المساء، واضعاً أمامه بضعة علب أدويةٍ فارغةٍ ليتسول من المارة ثمن الأدوية التي يُعالج بها مرضه المزمن. وعلى بعد مئات الأمتار منه يجلس رجلٌ خمسيني لساعاتٍ في مكانه، الذي اعتاد الجلوس فيه منذ نحو خمس سنوات، كاشفاً عن ساقه المقطوعة التي خسرها نتيجة الحرب ليستجدي استعطاف المارة.
وبين حين وآخر، تظهر في أماكن مختلفة إمرأة مُسنّة ذات ظهرٍ مُقوَّس، تسير بخطى متثاقلة مستعينةً بعكاز يسند جسدها المتهالك، وقد تجدها أحياناً جاثية على ركبتيها أو جالسة على قارعة الرصيف مسندة ظهرها إلى جدار ما, فيما يصدح صوتها الشجي والقوي ببعض الأدعية والابتهالات الدينية التي تستعطف قلوب المارة الذين اعتادوا وجودها خلال السنوات الماضية.
وبشكلٍ شبه دائم اعتاد ثلاثة مراهقين أن يظهروا في عدة مناطق، بهيئات ومظاهر مختلفة، فأحياناً تراهم يتسولون وهم حفاة، أو تراهم يبيعون العلكة والورد، أو يقفون على أبواب المطاعم والمقاهي، وقد تراكمت على ثيابهم أوساخ الشوارع التي ينشطون فيها، مذ كانوا أطفالاً، وكأنها منزلهم الوحيد، فيما ترى ملامحهم تتبدل يوماً بعد يوم، وهم يتحولون من الطفولة إلى المراهقة.
هؤلاء الأشخاص هم بعض من آلاف المتسولين الذين حفظهم الناس مذ أصبح حضورهم مشهداً مألوفاً واعتيادياً في الشوارع التي باتوا جزءاً من تفاصيلها، حتى يمكن ملاحظة غيابهم عنها في بعض الأحيان.

مع ساعات الصباح الأولى، تنشط حركة النساء الفقيرات القادمات من الأرياف واللواتي أصبحن جزءاً من المشهد اليومي للأرصفة التي يفترشن عليها بضاعتهن المرتجلة ليكابدن عناء العمل الشاق، فيجلسن لساعات طويلة في ظروف البرد ويتحملن مجادلة الزبائن ليتدبرن لقمة عيشهن المريرة بعد أن أصبحن المعيل الأساسي لعوائلهن. ذلك المشهد لم يكن مألوفاً لدى الشارع فيما مضى، وتعتبر هذه الأعمال غريبة على نساء المجتمع الريفي، بل كانت سابقاً حكراً على الرجال.
وتتنوع أنواع البضاعة المباعة وفقاً للإمكانيات الاقتصادية المتاحة، حيث تبيع أم محمود، القادمة من إحدى قرى غوطة دمشق، الأجبان والألبان ومشتقاتها، التي تُحضِّرها من الحليب الذي تشتريه يومياً من بعض المزارعين، فيما تبيع البيض البلدي الذي تجمعه مما تنتجه دجاجاتها ودجاجات جيرانها. وعلى رصيف آخر تبيع أم خالد، التي تجلس وسط أجواء الإزدحام الخانق، بعض منتجاتها المنزلية كالزيتون والمخللات والمربيات والخل، بالإضافة للزبيب والتين المجفف وورق العنب. فيما تبيع سيدةٌ مسنّة تجلس على مقربة منها بعض أنواع الحشائش والخضار الورقية، التي تزرعها في أرضها الملاصقة لمنزلها.
وإلى جانب البسطات المعتادة، ظهرت في الآونة الأخيرة بسطات بائسة وغريبة تفضح حجم معاناة من يقف خلفها ليبيع أي شيء يمكن بيعه، من بينها بسطات تبيع المعونات الغذائية (بقوليات، حبوب، معلبات، زيوت، منظفات، شاي، أرز وغيرها) التي تقدمها بعض الجمعيات الإغاثية والخيرية. فيما تنشط عربات صغيرة تبيع بعض أنواع الخضار والفاكهة بكمياتٍ قليلةٍ ومحدودةٍ تكشف حجم رأس المال البسيط لدى البائعين. وإلى جانب ذلك ستجد من يفرد على الرصيف مجموعة ثياب وأحذية مستعملة يبدو أنه جمعها من بعض المتبرعين أو من أناس تخلوا عنها، أو تجد أيضاً من يفرد بعض الأواني المنزلية المستعملة بما فيها الصحون والكاسات والفناجين والملاعق، بالإضافة لبعض التحف القديمة، والتي يبدو أنها جُمعت من بيوتٍ عدة.

في ساعات الليل، بات من المألوف أن ترى من ينام على الأرصفة وداخل الحدائق في معظم أحياء دمشق والمناطق المحيطة بها. وفي كثير من الأحيان قد تعبر أقدام المارة محاذاة جسدٍ ما حتى تكاد تتعثر به. وسنكتفي هنا بذكر بعض المشاهدات التي رُصدت ليلاً في مدينة جرمانا.
على أحد الأرصفة ومع ساعات الليل الأولى يفرش رجلٌ ستيني تحت جسده بعض الكراتين وأكياس الخيش، يتغطى ببطانيتين ويضع حقيبته كوسادة تحت رأسه ويَغطُّ في نوم عميق، غير عابئ بما حوله. أخبرنا بعض المارة أنه لا يمتلك منزلاً ويعمل في أعمال متفرقة ليتدبر قوت يومه.
على بعد نحو مئتي متر منه، أوقفني صوت فتى خلال سيري في الشارع: “عمو قديش الساعة”. اتجهت لمصدر الصوت، فوجدت الفتى ممدداً على الرصيف قرب فتىً آخر، في جو من العتمة الدامسة التي تحجبهما عن أعين المارة، وقد كانا يستعدان للنوم.
مشهد آخر لثلاثة أطفال يفترشون رصيفاً آخراً ملتحفين بعض البطانيات المهترئة. يتسامرون ويضحكون قبل أن يخلدوا إلى النوم وكأنهم جالسين في غرفة نومهم. وحين مررت بجوارهم أوقفني أحدهم ليطلب بعض السجائر.
وفي الشارع ذاته، كان طفلان يداعبان بعض الكلاب الشاردة، يطعمانها بقايا الفطائر التي اشتراها لهما بعض العابرين. وعلى الجهة المقابلة للطفلين، يجلس شابان قرب حاوية قمامة ويشعلان داخل تنكة فارغة بعض الأخشاب والكراتين ليحظيان ببعض الدفء، فيما يأكلان بعض حبات البطاطا والبصل التي يقومان بشوائها داخل التنكة.
وليس ببعيد عنهما صادفت طفلاً يبكي بحرقة ومراراة. لقد سرق بعض الأطفال المتسولين منه ما جناه طيلة اليوم ولا يمكنه العودة إلى بيته خالي الوفاض. ذلك حدثٌ كثيراً ما يتكرر مع أطفال الشواع. بعض المارة الذين تعاطفوا مع الطفل جمعوا له مبلغاً من المال حتى توقف عن البكاء وعاد إلى بيته.
مشاهد درامية تَحفَل بمئات التفاصيل المؤلمة والمؤثرة، تجرح بصرك وتُمزِّق قلبك وأنت تعاينها كل يوم. شوارع وأرصفة وحدائق باتت مسرحاً لحكايات الفقراء والمتسولين والهائمين على وجوههم، تعكس سيناريو الواقع المرير الذي خلفته آثار الحرب وما تبعها من ظروف اقتصادية مزرية جعلت أغلبية السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

قطط دمشق جائعة…ومعارك شرسة على البقايا

قطط دمشق جائعة…ومعارك شرسة على البقايا

وصل الجوع الذي تعاني منه غالبية المواطنين في دمشق ومناطق سيطرة الحكومة السورية، الى الحيوانات الأليفة خاصة منها «القطط» التي باتت تبحث بشكل نهم وشرس عن بقايا طعام في الشوارع…من دون جدوى.وفي ظل موجات البرد التي تجتاح عموم المناطق السورية، تختفي معظم «القطط» تقريباً كل ليلة من شوارع أحياء دمشق، خاصة في ساعات الفجر الشديدة البرودة، ملتجئة إلى مكان ما يحميها.
ومع شروق الشمس وارتفاع حرارتها، تعود «القطط» للانتشار في الشوارع بحثا عن بقايا طعام في أكياس للقمامة يضعها الأهالي بشكل يومي في ساعات منتصف الليل على جانبي بوابات منازلهم الخارجية، التي يتم يرفعها في ساعات ما بعد الظهيرة من قبل عمال النظافة الذين يجمعونها بسيارات خاصة لذلك.
ومنذ اشتداد الجوع في مناطق سيطرة الحكومة، إذ أن أكثر من 90 في المئة من الأهالي يعيشون تحت خط الفقر، حسب تقارير أممية ودراسات، رصد «صالون سوريا» في ساعات الصباح الباكر من كل يوم قبل انطلاق الموظفين إلى دوائرهم والعمال إلى أماكن أعمالهم، قيام كثير من النساء والرجال والأطفال بنش أكياس القمامة الموضوعة على جانبي بوابات المنازل الخارجية، وأخذ ما فيها من بقايا طعام (قطع خبز، بقايا خضار، بقايا طبخ، بقايا عظام فروج ولحم إن وجد) يسدون فيها جوعهم، ذلك على الرغم من أن حجم أكياس القمامة ومنذ تزايد انتشار ظاهرة الجوع بات يصغر يوما بعد يوم مع تراجع مشتريات الأهالي من المواد الغذائية والخضار.
في ظل هذه الحال، نادرا ما تجد «القطط» في أكياس القمامة “المنبوشة” مسبقا، بقايا طعام تسد فيه جوعها، وإن وجد تتجمع عشرات منها حول «الغنيمة»، وتحصل معارك شرسة بين بعضها البعض تترافق مع مواء صارخ من أجل الظفر بها، لتنتهي المعركة باستحواذ إحداها عليها أو تقاسم اثنتين لـ«الغنيمة»، على حين تتراجع «القطط» الأخرى ذاهبة للبحث عن «غنيمة» أخرى وهي تتضور جوعا وتطلق مواء يائسا.
سيدة دمشقية في الأربعين من العمر توضح لـ«صالون سوريا»، أن أكياس القمامة في سنوات ما قبل الحرب التي دخلت عامها الثاني عشر منتصف مارس (آذار) الجاري، كانت «مليئة ببقايا الطعام» (خبز، بقايا طعام وخضار وفاكهة، عظام فروج ولحمة..)، لأن «الناس كانت بخير أما اليوم فأحوال الناس بالويل». وتلفت إلى أن ذهاب الناس إلى الأسواق بات نادرا من شدة الفقر، “فماذا ستضع في أكياس الزبالة (القمامة)»؟، وتضيف «الناس لا يوجد عندها بقايا طعاما تكبها (ترميها) لأنها لا تطبخ. الناس ما عندها عظام تكبها لأنها من زمان نسيت اللحمة. الناس حتى كسرة (قطعة) الخبز صارت تخبّيها». وتتابع «مو بس الناس جوعانه. البسس (القطط) جوعانة، والكلاب جوعانة، والغنم جوعانة، والبقر جوعانة، والجّاج (الدجاج) جوعان».
ومع تقطع السبل بها للحصول على بقايا طعام، تلجأ قطط إلى الدخول للأبنية والمكوث أمام أبواب الشقق السكنية مع إطلاقها أصوات مواء خافت بسبب تضورها من الجوع، على أمل أن يفتح سكان الشقة الباب ويقدموا لها شيئا من الطعام، ويقول صاحب أحد المنازل لـ«صالون سوريا»: «صوت المواء الحزين يدل على أنها تستجدي الطعام. والله شي بيحرق القلب. الله يرحم أيام زمان (سنوات ما قبل الحرب) كانت البسس (القطط) تعيش معنا داخل المنازل ونطعمها في كثير من الأحيان مو (ليس) بقايا الطعام . نطعمها مما نأكل، ولكن حاليا الناس جوعانة شلون (كيف) بدها تطعم البسس؟».
ومنذ عقود طويلة سبقت الحرب، اعتادت أغلبية العائلات في دمشق وعموم المحافظات السورية على تربية «قطة» أو أكثر في منزلها وتدليلها من خلال إطلاق أسماء عليها (هارون، فلة، نونو…) والمواظبة على تنظيفها وإطعامها.
أمام محال الجزّارين وبائعي لحم الفروج، لايزال يُرى وبشكل يومي مشهد عشرات «القطط» وهي متجمعة في مقابل تلك المحال، ولكن اختفت إلى حد كبير عادة إلقاء عاملي المحالات قطع من بقايا اللحم (سواء الغنم أو العجل أو الفروج) التي لا تستخدم للبيع أو العظام لـ«القطط» كما كان يحصل في سنوات ما قبل الحرب.
ويقول صاحب محل لبيع لحم الغنم لـ«صالون سوريا»: «حتى الشحوم والعظام صار من بقي من متوسطي الدخل يطلبون شرائها لتذكية الطبخة، والطلب عليها أصبح أكثر من اللحمة» التي يصل سعر الكيلوغرام منها للغنم حاليا ما بين 40 – 45 ألفا، وللعجل ما بين 30 – 35 ألفا، في حين يوضح لـ«صالون سوريا» صاحب محل يعمل في مهنة فصل لحم الفروج عن عظمه لبيع الأول لأصحاب محال شندويش «الشاورما»، أن «أيام زمان نادرا ما كان أحدا يطلب شراء عظام الفروج التي يبقى فيها قليلا من اللحم يصعب استخراجه، وكنا إن طلب أحدا العظام نعطيه إياها دون ثمن، والكميات الكبيرة المتبقية منها معظم من يعملون في المهنة كانوا يقومون برميها لـ«القطط»، ولكن في هذا الزمن الأغبر صار أصحاب المهنة يبيعون العظام والعائلات تقبل على شرائها، ومن كثافة الطلب عليها لتدني ثمنها كثير من العائلات صارت توصي أصحاب المحال عليها قبل يوم أو يومين وحتى ثلاثة».

رضيع قرب قمامة… وآخر في بئر

رضيع قرب قمامة… وآخر في بئر

مع تقادم سنوات الحرب السورية ومع بداية العام الحالي 2022، تزايدت حالات رمي الأطفال الرضع في شوارع دمشق وغيرها من المدن السورية، الأمر الذي يُنذر بتحول الحالة إلى ظاهرة في مختلف المناطق دون القدرة على إيجاد حلول لها.
رمي رضيع بجانب حاوية قمامة، ورمي رضيعة في بئر وتخلي أب عن أطفاله، كل هذه الأفعال جمعتها الجغرافيا السورية خلال الشهرين الماضين بغض النظرعن توزع مناطق السيطرة بين نظام ومعارضة. وكذلك لأسباب عديدة، منها تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي وارتفاع تكاليف العناية بالأطفال ومستلزمات ذلك.
لكن بالمقابل، باتت ظاهرة رمي الأطفال الرضع وفي -حالات أخرى أطفال بعمر السنتين وما فوق -تؤرق المجتمع المحلي، كما حدث في حي القنوات الدمشقي عندما رمى رجلاً أطفاله الثلاثة بحجة خلافات عائلية مع زوجته التي غادرت المنزل.
تقول نور الهدى، وهي ناشطة مدنية تقيم في دمشق: “ظاهرة رمي الأطفال سابقاً كانت نتيجة ولادة أطفال من علاقات غير شرعية، أما اليوم فهي نتيجة علاقات شرعية”، مضيفةً، أن الأم “مستحيل أن تفعل ذلك كونها غير قادرة على التخلي عن أبنائها لكنها تجبر على فعل ذلك”.

“أسباب متعددة”
وحيال ما يحدث اليوم من رمي أطفال رضع، تُرجع الهدى في حديثها لــ “صالون سوريا” الظاهرة إلى الوضع الاقتصادي وإلى عدم القدرة على إطعام الطفل والاهتمام به. لكنها بالمقابل تلقي اللوم على الجمعيات والمنظمات الأهلية المحلية التي توزع موانع حمل منتهية الصلاحية، وذلك في ردها على سؤال لماذا تحبل النساء إن كنَ غير قادرات على تربية ورعاية أطفالهنَ؟
وتقول الهدى: “للحمل أيضاً وجه أخر يتجلى في عدم قدرة النساء على زيارة الطبيب النسائي وللجهل وعدم المعرفة وغياب التوعية المجتمعية سواء من مؤسسات مدنية وحكومية على حد سواء”. وتضرب مثلاً على ذلك بأن أغلب جلسات التوعية النسوية التي تقوم بها بعض الجمعيات المدنية جلسات جافة وغير فعالة وتأخذ الموضوع بحياء.
كما أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي عززت ظاهرة رمي الأطفال الرضع عبر العناية بهم، إذ في أسوء الحالات يؤخذ الطفل إلى دار الأيتام أو إلى عائلة ميسورة للعناية به، بحسب الهدى، وتقول “أصبح من يرمي طفله يتوقع مباشرة الاهتمام به كون الضحية طفل يجلب التعاطف معه كظاهرة تلامس الإنسان رغم قساوتها”.

“تكاليف عالية”
ويعتبر خبير اقتصادي مقيم في دمشق أنَّ الفقر وتردي الحالة المعيشية وغياب الخدمات بحدها الأدنى جعلت البعض يتخلى عن طفله الرضيع، وهذا مؤشر خطير ينذر بواقع اجتماعي واقتصادي ميؤس منه. ويقول في تصريح لموقع “صالون سوريا” شرط عدم ذكر اسمه “إنَّ مصروف الطفل الرضيع اليوم بين حليب وحفاضات وأدوية ومراجعة طبية يتجاوز الــ 300 ألف ليرة شهرياً، حوالي (85 دولارا أميركيا).
ورغم وقوع أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، إلا أنَّ ذلك لا يبرر للبعض رمي طفله الرضيع في الشارع أو الجامع أو بجانب حاويات القمامة. وفقاً للخبير الذي يضيف بأنَّ هناك أهالٍ تُطعم أطفالها “مي وسكر”، “مي ورز” ولا تتخلى عنهم.

“10 حالات”
يبلغ عدد الأطفال الذين تخلى أهلهم عنهم منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم على الأكثر 10 حالات، في حين بلغ عددهم في العام الماضي 50 حالة تقريباً، بحسب هنادي الخيمي مديرة مجمع “لحن الحياة” لإيواء ورعاية الأطفال مجهولي النسب في دمشق.
وقالت الخيمي في تصريح لوسائل إعلام محلية “إنَّ مصير هؤلاء الأطفال هو إلحاقهم بأسر تقوم برعايتهم بكل أمورهم ومتابعة هذه الحالات والإشراف عليها من المجمَّع”.
وبيَّنت الخيمي أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ليس لها سلطة رادعة وإنما يتوقف دورها على الدور الرعائي الذي تقوم به من خلال الدور المخصصة لهؤلاء الأطفال ومتابعتهم بكل نواحي الحياة التعليمية والاجتماعية والصحية والترفيهية.

“قانونياً”
بحسب القانون السوري يعتبر هؤلاء الأطفال “مجهولي النسب”. وفي العام 2018، طُرح مشروع قانون جديد لمجهولي النسب للمناقشة في البرلمان السوري. لكنه لم يُقر بعد، كما لم يصدر أي قانون يجرم العنف المنزلي حتى الآن.
ويُحرَّم القانون السوري التبني للأطفال بما ينسجم مع الشرع الإسلامي تجنباً لتغيير الأنساب، لكنه يجيز ما يُعرف بالإلحاق أو الأسرة البديلة، إذ تستطيع الأسرة الراغبة برعاية طفل من المجمَّع أخذه بموجب عقد يسمى “عقد الإلحاق” وبشروط وبنود محددة منها أن يكون وضع الأسرة المادي جيداً، وتكون قادرة على تربيته، وأن يكون أحد الزوجين لا ينجب، ومضى على زواجهم خمس سنوات.

نساء دمشق يقبلن على عمليات التجميل…من أين المال؟

نساء دمشق يقبلن على عمليات التجميل…من أين المال؟

“زميلاتي في العمل يشبهن بعضهن لدرجة يصعب التفريق بينهن، لذلك أنادي الجميع باسم سندريلا”… هكذا يقول سعيد الذي يعمل في شركة خاصة. يضيف: “أصبحن نسخة واحدة، شكل الأنف والشفاه نفسه”. ثم يسال: “من أين يحصلن على المال اللازم لإجراء عمليات التجميل في ظل الوضع الاقتصادي الصعب؟”.
أما نزار، وهو طالب جامعي، فيرى أن التقليد الأعمى ومحاولة لفت نظر الطرف الأخر هو السبب الرئيسي الذي يدفع الفتاة لهذه الإجراءات، مع أن الرجل “يحب وينجذب للمرأة الطبيعية بدون تجميل وبأقل قدر من مساحيق التجميل، لكن لايستوعبن ذلك ويبالغن بالأمر”.
حقاً، فالتهافت الكبير من قبل نساء دمشق لارتياد مراكز وعيادات التجميل أصبحت ظاهرة مثيرة للاستغراب، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية للغالبية. ونظراً لوجود أولويات حياتية أكثر أهمية، فهذه الإجراءات تحتاج إلى إنفاق الكثير من الأموال، وإذا كان من المفهوم أن الحرب أفرزت طبقة من الأثرياء الجدد ومحدثي النعمة يمكنهم الإنفاق على مظاهرهم وكمالياتهم، لكن السؤال: “من أين تأتي نساء الطبقة الوسطى وما دون بالمال لدفع تكاليف هذه الإجراءات ؟ وبأي دافع تتحمل المرأة ألم الإبر التجميلية وغرف العمليات؟”.

جواز سفر
تقول ربى( 35 عاما) وتعمل في مجال التعليم: “أصبح اقتطاع جزء من دخلي الشهري وجمعه أو سحب “سلفة ” من العمل أو الاشتراك بجمعيات مالية أمرا اعتياديا لإجراء حقن (فيلر- بوتوكس) كل فترة. كل ذلك حتى اعزز ثقتي بنفسي أمام المجتمع وأبقى جميلة في عيونهم، فاليوم يحكم علينا الآخرون من خلال مظهرنا، والجمال هو جواز سفر يفتح كل الأبواب بوجه المرأة وأهم هذه الأبواب هي فرصة العمل والفوز بزوج المستقبل”.
أما دارين (22 عاما)، وهي طالبة جامعية، فباعت قطعة ذهب الشهر الماضي لتستطيع تسديد تكاليف عملية تجميل الأنف فصورها على مواقع التواصل الاجتماعي ستبدو أفضل بأنف جميل، في حين تطالب داليا (39 عاما) وهي ربة منزل من أختها الموجودة في الخارج بتحويل مبلغ من المال كل فترة لتتمكن من الإنفاق على الإجراءات التجميلة التي تقوم بها من حقن(فيلر وبوتوكس) وغيرها لتحافظ على زوجها. تقول: “مابدي عينه تطلع لبرا ويتزوج عليي. أنا مقتنعة بشكلي كما هو ولكن الرجال عيونهم فارغة”.

تجارة رابحة
يوجد في دمشق وحدها حوالي 50 مركزاً للتجميل، وتعد عمليات شد الوجه والأجفان وتجميل الأنف من أكثر العمليات التجميلية رواجا، إضافة إلى حقن المواد المالئة (بوتوكس،فيلر) يدير هذه المراكز في بعض الأحيان أشخاص غير متخصصون بالجراحة التجميلية، إذ وجدوا في مثل هذه المراكز استثماراً يدر الكثير من الأرباح، ويتم الترويج لهذه المراكز عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي، وتم تسجيل حالات كبيرة من التشوهات بدلا من الإصلاح المرغوب، ويتحكم سعر الصرف بدرجة كبيرة بسعر الإجراءات التجميلية .
اللافت هو عدم وجود تسعيرة موحدة للإجراءات التجميلية بين المراكز والعيادات التجميلية، فتعتمد بشكل كبير على خبرة الطبيب وشهرته والمنطقة. هناك تباين كبير بالأسعار بين المناطق الشعبية والراقية، إذ تتراوح سعر عملية تجميل الأنف بين 500 ألف ليرة إلى 2 مليون ليرة بينما عملية شد الأجفان العلوية والسفلية بين 400 ألف إلى مليون ونصف ليرة
أما عمليات شد الوجه الجراحي فتتراوح بين مليون ومليوني ليرة، فيما تصل تكلفة عمليات شد الوجه بالخيوط لحوالي بين 600 و 900 ألف ليرة. أما بالنسبة للإجراءات الأخرى من حقن المواد المالئة، فتتراوح أسعار البوتوكس مابين 150 و200 ألف ليرة وتختلف أسعار الفيلر بحسب نوعيته، إذ يصل سعر “الفيلر” الكوري إلى 220 ألف ليرة للسانتي الواحد. أما الكوري نخب أول ممتاز، فهو 300 ألف بينما النمساوي 400 ألف ليرة.
احد أهم الموزعين للحقن المالئة (بوتوكس، فيلر)، يقول لـ “صالون سوريا” أن كل المواد الموجودة في العيادات ومراكز التجميل منشأها صيني ولكن بامتياز أوربي، ولايوجد مواد منشأها الاتحاد الأوروبي أو أميركا لان أسعارها مرتفعة جداً ربما تصل إلى 500 دولار وما فوق.

واقع مؤلم
يصل عدد الأطباء المتخصصين بالجراحة التجميلية لما يقارب 190 طبيباً، يشكو غالبيتهم من حالات “التخبيص ” التي طالت مهنة الجراحة التجميلية والتعدي عليها من قبل أشخاص غير مؤهلين. يقول الدكتور وائل البرازي رئيس رابطة الطب التجميلي لـ “صالون سوريا” : “واقع عمليات التجميل في سورية مؤلم إذ تجرى هذه العمليات في معظمها من قبل أطباء غير اختصاصين بجراحة التجميل وأحيانا من قبل ممرضين (ذوي خبرة في مساعدة أطباء التجميل سابقا)، مضيفا: “كثرت التشوهات التالية لعمليات التجميل بسبب هذه الظاهرة من عدم ضبط هذه المهنة النبيلة ،هناك إقبال شديد جداً على افتتاح مراكز تجميل من قبل تجار همهم الوحيد الربح فقط مستغلين وسائل الدعاية والتواصل الاجتماعي دون ضابط أو رقيب ،ليس للرابطة أي دور في ضبط ممارسة المهنة فدورها علمي فقط وتقع مسؤولية ضبط المهنة على عاتق وزارة الصحة”.
بدوره، نشر الدكتور بيهس رقية وهو طبيب اختصاصي جراحة تجميلية عبر صفحته على “فيسبوك”، قائلا: “المبالغة بالتجميل وإجراء عمليات قبل وقتها والاجتهاد غير العلمي “كعين القطة وغيرها ” والتعدي الرهيب على هذا الاختصاص واستعراض عضلات” الفيسبوك” وأبواقه أساء لسمعة هذه المهنة داخلياً وخارجياً في الوقت الذي يجب أن يكون التجميل حقيقياً ومبينياً على أسس العلم والطب”.

حالة مرضية
الدكتورة رشا شعبان الأستاذة في علم الجمال بجامعة دمشق (قسم علم الاجتماع ) بينت في تصريح لصحيفة محلية أن من ابرز الأسباب التي تجعل المرأة تتجه إلى عيادات ومراكز التجميل هو “الغزو الثقافي الذي يروج لقيم جمالية تديرها سوق رأسمالية عبر الإعلان وتسويق منتجات جمالية ما نتج عن ذلك تسليع لجسدها وفق ما تروجه الشركات التجارية عبر إجراء عملية تجميلية لنموذج معين يقارب بعض الممثلات الشهيرات”.
وترى أنه خلال ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد ازداد الإقبال من قبل البعض منهن لإجراء عمليات التجميل لأن المرأة أصبحت بحاجة أكثر للرجل الذي اتجه للحرب أو الهجرة ، وأن نسبة النساء طغت على الرجال وتكاد تصبح العلاقة وفق قاعدة العرض والطلب ما يعني أن العلاقة وصلت إلى أدنى مستوياتها وأصبحت المرأة تعرض أحسن ما عندها في عرض مفاتنها وأعضاء جسدها بالطريقة التي يريدها الرجل .
وأشارت إلى أن المبالغة في ارتياد المرأة العيادات وإجراء العمليات المتكررة يعني أن الحالة “مرضية”، بل أصبحت كلعبة «الدومينو» تبدأ بعملية وتضطر لتتم العملية الأولى لكون المواد لها فعالية لفترة محددة وفي كل مرة تكون غير راضية عن شكلها، وتالياً تصبح حالة مرضية أكثر حتى لو كانت جميلة لأنها أساساً بداخلها غير راضية عن أنوثتها أو شكلها لضعف ثقتها بنفسها، وتؤيد د. شعبان إجراء التجميل في الحالات التي تتطلب ذلك مثل حالة تشوه ما أو حروق تستدعي إجراء عمليات كهذه.
وتؤكد على دور التربية منذ الصغر للمرأة على أساس أنها ستصبح طبيبة ناجحة في المستقبل بدلاً من الغرس في عقلها أنها ستصبح عروساً جميلة وتكريس ثقافة الجسد، إضافة إلى عامل البيئة والمدرسة والمناهج، والنقطة الأهم الإعلام وإعادة النظر بالإعلام الذي يروج على أنها جسد لتصريف منتجات “البوتكس” والتركيز على دوره باتجاه التوعية ومخاطبة العقل والارتقاء به والاهتمام بغرس القيم الأخلاقية.