حقول الساحل رماد بعد “نكبة” الحرائق

حقول الساحل رماد بعد “نكبة” الحرائق

يطغى لون الرماد على كامل الجرود الجبلية المحيطة بالقرداحة جنوب اللاذقية بعد أسبوع من سيطرة فرق الإطفاء على أسوأ موجة حرائق تطال الساحل السوري منذ عقود. يقف عدد من القرويين أمام منازلهم المتواضعة على جرف صغير في بلدة بسوت التابعة لمدينة القرداحة. ينظرون بحسرة إلى رماد بساتين الزيتون ومئات الدونمات من أشجار الصنوبر والسرو وقد أتت النيران عليها. يُملي الموجودون، في وجود مختار القرية، على موظفين حكوميين خسائرهم بالتفاصيل: هنا بستان زيتون مساحته 6 دونمات وإلى جواره بستان أصغر. لا يدقق الموظفون كثيراً في تلك التفاصيل لتعذر معرفة ما كان فيها أصلاً وقد تحولت رماداً. يكتبون ما يسمعونه. وحدهم المزارعون يأملون بأن تجلب هذه المعلومات أي دعم مالي أو إغاثي، بعدما تحولت «نكبة الحرائق» إلى أول اهتمامات السوريين.

لا يُخفي القرويون فجيعتهم من خسارة مصدر رزقهم الوحيد. يقول غدير، وقد عاد من دمشق إلى قريته للمشاركة في إطفاء النيران إنها «فاجعة حقيقية. أنا موظف استدنت ثمن نقلي إلى ضيعتي للمشاركة في إطفاء النيران. خسرنا بستاناً كاملاً للزيتون. كل الناس في هذه الضيعة نُكبوا بالحريق».

وقدرت حصيلة شبه نهائية لمديرية زراعة اللاذقية حجم الأضرار بنحو 7190 هكتاراً ضمّت 1.3 مليون شجرة مثمرة احترقت بالكامل ومنها 1.1 مليون شجرة زيتون و200 ألف شجرة حمضيات و3 آلاف شجرة تفاح و44 ألف شجرة متنوعة…

وبدأت المعونات الأهلية بالوصول إلى قرى القرداحة. جمعيات أهلية نظمت بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية شاحنات لنقل مواد غذائية مثل السكر والأرز، وتخصيص مبالغ مالية لأهالي المناطق المتضررة مباشرة من النيران، فيما تعهدت الحكومة بتقديم 1.53 مليار ليرة لنحو 150 قرية وبلدة متضررة من الحرائق في اللاذقية، أي ما يعادل 10 ملايين ليرة (4 آلاف دولار أميركي) لكل قرية. عليه، بدت تلك المعونات معنوية أكثر منها تعويضاً عن الخسائر. في قريتي بلوران وأم الطيور، شمال اللاذقية، أتت النيران على مساحات واسعة من الأراضي. يعيش كثير من الفلاحين صدمة خسارة كل شيء يمتلكونه. ولا شك أن وجهة مصايف السوريين التقليدية في تلك المناطق تحولت سواداً جراء النيران. يقول محمود، العامل في أحد المطاعم الشعبية: «كل الناس خسرت في هذه المنطقة. عشرات آلاف الأشجار احترقت خلال يومين فقط. بذلنا جهداً كبيراً بما نملك من إمكانيات من جرارات ومعاول وفؤوس دون جدوى». ويضيف: «قضت النيران على أشجار عمرها 20 و30 سنة خصوصاً من الزيتون والحمضيات». ولا يعوّل الشاب، ككثيرين غيره، على الوعود بالتعويض. يقول: «هذه مبالغ لا تعمل شيئاً. خسارة موسم واحد تتجاوز ما ستحصل عليه كل عائلة من الدعم المنتظر. المهم أن تعود هذه الحقول إلى الاخضرار وأشك أن يتم ذلك قبل سنوات». وشاركت أكثر من مائة سيارة إطفاء وآلية ثقيلة ومروحيات للجيش السوري في محاولة السيطرة على الحرائق التي اندلعت يوم الجمعة 9 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في 65 موقعاً تضاف إلى 30 موقعاً آخر، ما شتَّت جهود فرق الإطفاء وأخّر من السيطرة على النيران.

يضاف إلى الأجواء المتشائمة في شوارع القرى المقفرة، راكبو الدراجات النارية في ظل أزمة خانقة بالمشتقات النفطية. طوابير تكاد لا تنتهي تنتظر دورها للحصول على 40 لتر بنزين. هذا قد يفسر غياب حركة السيارات على تلك الطرق.

مئات الأعمدة وكيلومترات من أسلاك الكهرباء احترقت وقطعت معها التيار الكهربائي قليل الحضور أساساً خلال سنوات الحرب، وكذلك مياه الشرب. معظم القرويين يشكون العطش في منطقة يصل معدل هطول الأمطار سنوياً فيها إلى 1.2 ألف ملم. نقص المياه صعّب عمليات الإطفاء. يقول محمود: «كنا نقوم بالإطفاء عبر أغصان الشجر لأنه ببساطة لا توجد مياه لدينا للاستخدام الشخصي فكيف لإطفاء النيران!».

*نشرت نسخة من هذا التقرير في الشرق الأوسط هنا.

مبادرة “بطريقك”: حل مؤقت لمواجهة أزمة المواصلات

مبادرة “بطريقك”: حل مؤقت لمواجهة أزمة المواصلات

“بما أنو أزمة البنزين رجعت، فلازم بطريقك ترجع”، بهذا المنشور المختصر أعاد مجموعة من الشباب السوريين إحياء مبادرة “بطريقك” كحل متواضع لعله يقف في وجه أزمة البنزين العالقة في ظل انعدام أفق حلها حتى إشعار آخر، مع الإشارة إلى أن المبادرة ليست بجديدة، بل انطلقت في العام الماضي للتخفيف من تداعيات فقدان مادة البنزين التي تكررت مجدداً.

تقوم فكرة المبادرة على مبدأ المساعدة والمنفعة المشتركة، بعيداً عن الأنانية وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة السوريين. يتحدث مؤسس الحملة جميل قزلو قائلاً: “يقوم كل فرد ممن يمتلكون سيارة خاصة بنشر إعلان على المجموعة التي تحمل اسم المبادرة، يذكر فيه وجهته وخط السير مع ذكر توقيت ومكان الانطلاق، بالإضافة إلى رقم الهاتف للتواصل معه وملصق مكتوب عليه بطريقك للتعريف بالخدمة”.

تهدف المبادرة المجانية إلى ردم الهوة السحيقة بين أطياف المجتمع السوري، وترميم الضرر والتشوهات التي أحدثتها الحرب السورية، وعن ذلك يقول قزلو: “ترمي الحملة إلى كسر حاجز الخوف بين السوريين الذي سببته سنوات الحرب الطويلة، وما خلفته وراءها من أزمة ثقة فيما بينهم، تهدف المبادرة بالدرجة الأولى إلى إزالة حواجز الشك والخوف من الآخر الناجم من موقفه السياسي أو مذهبه الديني، والعودة إلى المبادئ  الأصيلة الني نشأ عليها السوري قبل نشوب الحرب التي نهشت كيانه”. ويضيف: “المبادرة تهدف إلى جعل هذه الخدمة عادة اجتماعية، وجزءاً من ثقافة المجتمع السوري، واستمرارية عملها إلى ما بعد انتهاء أزمة البنزين”.

وبالرغم من البعد الإنساني والحضاري الذي تنشده المبادرة، غير أنها تواجه  العديد من العقبات لناحية الترخيص والحصول على التسهيلات، حيث يذكر قزلو: “واجهنا العديد من العراقيل، فمنذ العام الماضي نحاول جاهدين الحصول على موافقة شرطة السير لترخيص الخدمة وجعلها متاحة للجميع، لكن دون جدوى”. هذا بالإضافة إلى مشاكل التمويل، فالمشروع مايزال شخصياً، يتكبد الشاب تكاليفه مع شريكة له، ويوضح بالقول: “أتبنى المشروع مع صديقتي زهراء روماني على عاتقنا الشخصي، ندفع من جيبتنا ثمن المكالمات الهاتفية وتصميم البوسترات ونقوم بإجراءات التنسيق بين أصحاب السيارات والزبائن”.

ولبث شعور الطمأنينة والثقة بين المشاركين في المبادرة، يطلب قزلو من كل شخص لديه سيارة خاصة رقم هاتفه الشخصي وأوراق الميكانيك وصورة عن الهوية ونوع السيارة ورقمها، بالإضافة إلى رقم هاتف الزبون، وذلك تفادياً لحصول أي مشاكل لا تحمد عقباها.

علا ديوب، ترى أن المبادرة تنطوي على أهميتها المعنوية في إعادة غرس مشاعر التآخي بين السوريين والشعور بآلام الآخر، خوفاً من انقراض هذه المفاهيم وحلول مكانها مفاهيم مشوهة، تقول الشابة التي أعربت عن استعدادها لتوصيل 3 فتيات يومياً في الصباح الباكر: “الدافع الإنساني هو ما جعلني أشارك في هذه الحملة، لطالما فكرت بالآخرين، وبأوضاعهم السيئة، فهناك العديد من الفتيات اللواتي ينتظرن أكثر من نصف ساعة ليستقلين  سيارة أو سرفيس في سبيل الوصول إلى عملهن أو جامعتهن، أضع نفسي مكانهن، فأزمة المواصلات مستمرة وتزداد سوءاً”.

تعقب الشابة أن المبادرة جاءت لإنعاش العديد من المفردات التي أهلكتها الحرب والعمل على إعادتها إلى الذاكرة السورية كالجمل التالية التي اعتاد السوريون ترديدها على ألسنتهم كـ “الناس لبعض” و”إذا خليت خربت” و”نحنا لبعض”، إذ تجد علا أن الحملة تنمي حس الإنسانية لدى جيل الحرب، وأنه بالرغم من بشاعة الأخيرة، غير أنها أفرزت شريحة شبابية قادرة على تجاوز الأزمات بأفكار خلاقة وبإمكانيات متواضعة، لكن هناك دوماً من يحاول منعهم وهدر الطاقات الإيجابية والنوايا الإصلاحية، وذلك حسب كلام الشابة.

اعتاد طارق شميط توصيل كل عابر سبيل يطلب المساعدة، لذلك لم تضف إليه المبادرة أي جديد، سوى الانضمام إلى المجموعة و \نشر المنشورات التي يعلن فيها عن وجهته القادمة، وعن ذلك يقول: “أتعاطف مع أبناء شعبي  المنهك، فأجور المواصلات أصبحت مرتفعة، كما أن حالة الازدحام خانقة  لاتحتمل، أحب تقديم المساعدة لغيري، فأنا معتاد على توصيل الناس، فلم يتغير شيء”.

لا يرى طارق (مخرج سينمائي) في المبادرة أنها حل جذري لنقص مادة المحروقات وأزمة المواصلات، لكنها محاولة إيجابية خجولة وسط الأجواء السلبية المشحونة في البلاد، مضيفاً: “أجد أن لها فائدة اجتماعية، حيث تعمل على تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية وزيادة الثقة بين الشعب السوري التي خسرها خلال سنوات الحرب” .

من جهتها، تقول رشا وهي إحدى المستفيدات من خدمة “بطريقك”: “جاءت هذه المبادرة في التوقيت المناسب وسط حالة الشلل في تأمين المواصلات، وتعزيز العلاقات بين السوريين بعد أن تحولت إلى علاقة قائمة على الخوف والتوجس من الآخر بفعل سنوات الحرب الطويلة”. أما ماهر فيجد في المبادرة بالرغم من بساطتها تعبيراً صادقاً عن نوايا السوريين في إحداث التغيير والرغبة الحقيقية في الإصلاح في بنية المجتمع السوري.

هذا ولم تقتصر الخدمة فقط على التوصيل بالسيارات، بل ذهب العديد من المشاركين بوضع دراجاتهم النارية في خدمة الآخرين، كما امتدت خدمات التوصيل إلى خارج حدود العاصمة دمشق، كعلاء الذي أعلن عن رغبته بنقل 3 ركاب من محافظة طرطوس إلى الشام.

قراءة في قرارات الحكومة السورية المخالفة للقانون والدستور

قراءة في قرارات الحكومة السورية المخالفة للقانون والدستور

إن الحريات السياسية والمدنية هي حقوق قانونية، تضعها الدول بقوانين وتكفل تنفيذ هذه القوانين،  وتضمن حق الأفراد في حماية الدولة، من تدخل الحكومة، أو من تدخل الأفراد الآخرين عن طريق القضاء.  أغلب دساتير الدول الحديثة تشير في نصوص عامة إلى هذه الحقوق. جاء في الدستور السوري لعام 2012 في الباب الثاني تحت عنوان “الحقوق والحريات وسيادة القانون” التأكيد على حقوق: المواطنة وسيادة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص وحق التقاضي وعدم رجعية القوانين، وعدم إبعاد المواطن عن وطنه، وحرية التنقل، وحرية الاعتقاد، وحق العمل، وحق التعلم وحرية الرأي والاجتماع والتظاهر والدفاع عن الوطن ودفع الضرائب والرعاية الصحية والرقابة الشعبية على السلطة. في المقابل على السلطة أن تمارس دورها وفقاً لقواعد الحق التي يتضمنها الدستور، وفي حال مخالفة السلطة للقوانين والدستور، هناك حق للمواطن بالمقاومة والرفض والاحتجاج.

لكن عندما تكون السلطة محصورة في يد فئة خاصة وراثية أو مالية أو طائفية، فإن هذه الفئة سوف تفرض على غيرها واجب الطاعة العمياء، وتعطل الدستور وتسخره لخدمة بقائها الدائم في السلطة، وتعمل على سن القوانين التي تعارض الدستور، وتقيد الحريات اللازمة للمجتمع التي تمكنه من الدفاع عن حقوقه. هكذا ممارسات تعبر عن إن السلطة المطلقة ضارة ضرراً مطلقاً، سواء على من يمارسها أو على من يخضع لها، حيث السلطة تعتبر نفسها غاية بحد ذاتها، بدلاً من أن تكون وسيلة.

 الوضع السوري في انحدار مستمر نحو الهاوية، ومازال النظام يدافع عن وجوده واستمرار سياساته المعادية لشعبه والمتحدية للقرارات الدولية الداعية إلى ضرورة الإسراع في الحل للخروج من المستنقع الذي وصلت إليه الأزمة السورية، خاصة بعد العقوبات الاقتصادية بموجب قانون قيصر، والذي تزامن مع دعم مشروط من حليفه روسيا، وتراجع الحليف الإيراني عن دعم النظام بسبب عقوبات عليه وأزمة اقتصادية يعاني منها. كل ذلك أدى الى انهيار العملة السورية، وارتفاع الأسعار الجنوني، حيث اتخذت الحكومة السورية مجموعة من القرارات الارتجالية غير القانونية التي تضمن رفد خزينتها بالأموال. وإن كانت غاية الحصار والعقوبات هي دفع النظام لتغيير سياسته، والقبول بالحل السياسي، وحماية المدنيين، فإن النظام وطوال سنين الأزمة عمل على نقل عبء الأزمة وتبعاتها وتحميلها الى المدنيين بشكل كامل.

مثال على ذلك ظاهرة التعفيش، التي تم تعميمها في أرجاء سوريا، وفق قرار سلطوي، حتى لو لم يكتب؛ فكان يتم الاستيلاء علانية على كل ما تحتويه الأحياء من بضاعة في المخازن وتجهيزات المنازل، و الحديد والألمنيوم ومن ثم يتم فرزها ونقلها بشاحنات منها ما يذهب إلى معامل يديرها ضباط أو تجار لإعادة تدويرها، ومنها ما يذهب إلى مخازن ويعاد توزيعها الى الباعة على أنها جديدة. أما الأجهزة المستعملة والقديمة، فتذهب إلى أسواق سُميت أسواق التعفيش، تباع عبر وسطاء إلى عاملين على بسطات وهكذا أمن التعفيش عملاً لكثير من المواطنين أغلبهم مهجرين، وأمن دخلاً إضافيا للعساكر الذين ساهموا بالتعفيش، ودر أرباحاً على الضباط وشركائهم من التجار الذين يسوقون ويديرون معامل، ساهمت بتغطية نفقات ورواتب وعلاوات للدفاع الوطني، خاصة الفرقة الرابعة التي تدير معامل خردة الحديد المستولى عليها. لكن بالمقابل تركت شرخاً وولدت قهراً في المجتمع عند أصحاب الممتلكات، وحولت المعفشين إلى مجموعات وعصابات  تمتهن جرائم سرقة المواطنين، على أنها من حقهم.

إن قصة الغلاء الفاحش، الذي بدأ قبل تطبيق عقوبات قانون قيصر نتيجة تدهور العملة السورية أمام الدولار، بسبب الفساد المستشري، وبسبب الأزمة في لبنان، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بعد تقنينها وتوزيعها عبر البطاقة الذكية، التي  وضعت المواطن السوري أمام خيارات صعبة لا تحتمل بأن يقضي يومه في انتظار دوره أمام الأفران والمؤسسات ومحطات الوقود، لتأمين جزء من حاجاته وشراء الباقي بالأسعار الحرة، التي تدر أرباحاً طائلة على النظام والتجار، والتحكم بالسلع حسب الطلب، حيث ارتفع سعر الدخان الوطني أضعافاً حتى تجاوز أسعار الدخان الأجنبي، بعد أن زاد الطلب عليه لرخص سعره، وتحول الدخان الوطني إلى مصدر دخل هام، يتم تسليمه للموالين من التجار والباعة، وتذهب حصص قليلة لمراكز بيع الدخان.

جرى كل ذلك مع بقاء دخل المواطن ثابتاً، بل على العكس هناك فئات واسعة خسرت أعمالها نتيجة إغلاق الكثير من المصالح لفقدان المواد وأسواق التصريف وضعف الاستهلاك. إن النظام يتعامل مع الشعب السوري على أن كل عائلة لديها مغتربين في الخارج عليهم دعم أهاليهم في سوريا. الحقيقة أن أغلب العائلات في الداخل السوري يعتمدون على عائدات مالية تأتي من الخارج والنظام يستفيد من هذه العائدات لرفد الخزينة بالعملة الصعبة خاصة بعد منع التداول بغير الليرة السورية.  لكن النظام لا يعنيه، حال العائلات التي لا يوجد من يدعمها في الخارج وهم نسبة كبيرة من الشعب السوري، تركها النظام لمصيرها، عرضة للتشرد والتسول والموت جوعاً ولممارسة أعمال غير قانونية مثل ترويج المخدرات، بيع الأعضاء، والدعارة.

 ولعل القرار الأكثر جدلاً والذي تم نقده والمطالبة بإلغائه آو تعديله، قرار رئيس الحكومة حسين عرنوس الذي يفرض على كل سوري ومن في حكمه، تصريف 100 دولار أمريكي عند دخولهم إلى سوريا.   قرار أثار العديد من الأسئلة أهمها تتعلق بالمواطن الذي يعيش في سوريا ويسافر لزيارة الأقارب أو رحلة او طلباً للدراسة أو العلاج، ويعود إلى بلده ولا يملك عملة صعبة، وعليه سوف يجبر على شراء مائة دولار من السوق السوداء، وصرفها بالسعر الذي حدده المصرف المركزي أي خسارة نصف قيمتها.

 هذا القرار أثار تساؤلاً آخر عن مخالفته للقانون والمرسوم رقم 3 لعام 2020 الذي ينص على منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات. وظهرت آثار القرار عندما تقطعت السبل بمئات السورين، على الحدود السورية اللبنانية، الذين ليس بمقدورهم دفع المبلغ، و لا هم قادرون على العودة من حيث أتوا، وتم تسميتهم العالقين، على لسان مدير الهجرة والجوازات النمير ناجي الذي قال: “السوري الذي لا يسمح له بالدخول، اسمه عالق، أي يبقى على الحدود يمارس حياته كالمعتاد، ويتناول طعامه وشرابه، أمامه خيار واحد هو الاتصال بأحد ذويه أو أصدقائه ليحضر له الـ100 دولار، فيقوم بتصريفها ومن ثم الدخول إلى بلده”. إن هذا التصريح يحمل رسائل عديدة عن تدني قيمة المواطن السوري الفقير، والاستخفاف به وبحياته وتركه عرضة للابتزاز والتشرد ودفعه للموت جوعاً أو قهراً، أمام أعين العالم، في صورة يندى لها جبين البشرية دون خجل.  وهذا ما يشكل درساً قاسياً للمواطن الفقير يدعوه لأن يفضل الموت حيث هو على العودة الى وطنه. هذا القرار يمنع اللاجئين الفقراء في دول الجوار من العودة؛ وقد تستغل الدول التي تستقبلهم هذا القرار بإعطائهم المبلغ وتسفيرهم.  كما سيمنع هذا القرار السوريين من المغادرة وبالتالي عائدات الدخول لن يكون لها قيمة كبيرة على خزينة النظام. وهو قرار يخالف الدستور وفق ما جاء في المادة الثامنة والثلاثون:

1 ـ لا يحوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه.

2 ـ لا يجوز تسليم المواطن الى أي جهة أجنبية.

3ـ لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا منع بقرار من القضاء المختص.

 وظهرت أصوات داعية الى رفع دعوى إلغاء ضد هذا القرار الإداري الظالم: لمخالفته الدستور والقانون. ما هو التكييف القانوني لقرارات الحكومة التي تخالف القانون؟

 المبدأ العام أن أعمال الحكومة تخضع لرقابة القضاء، على أساس وجود قواعد صارمة تلتزم الإدارة في تطبيقها، لكن حتى لا يتم غلّ يد الإدارة، قرر الفقه والمشرع منحها امتيازات وقدراً من الحرية يتسع حسب الظروف تحت تسمية: السلطة التقديرية، الظروف الاستثنائية، والحرب، تسمى أعمال السيادة تطبقها سوريا التي أخذت بالنظام القضائي الفرنسي، على الرغم من عدم وجود معيار قاطع لتعريف أعمال السيادة. إذن لاعتبارات خاصة بعض تصرفات الحكومة لا تخضع للقضاء لأن سلامة الدولة فوق القانون. القوانين المعمول فيها في سوريا نصت عليها وترك أمر تحديدها للقضاء والاجتهاد القضائي. لذلك درج القضاء رفض اختصاصه للنظر في موضوع يتعلق بأعمال السيادة باعتبارها خارجة عن ولاية القضاء إطلاقاً وهذا ما نص عليه مجلس الدولة ونص عليه قانون السلطة القضائية في المادة 26: “ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة او غير مباشرة بأعمال السيادة.”

إذن لو نظرنا إلى قرار الحكومة النابع من المصالح الخاصة للنظام، والذي يعارض الدستور والقانون، في حال تم طلب إلغائه قد يوصف أمام القضاء بأنه من أعمال السيادة وقد صدر لأسباب سياسية، في ظروف استثنائية لمواجهة العدوان والحصار. مهما كانت الأسباب والذرائع فإن أمر تعديله ضرورة لجهة حصره على الأقل بالمغتربين الحاصلين على إقامة في دول الاغتراب أو إلغاءه.

إن الظلم الذي يمارس على الشعب السوري من قبل النظام، بنقل عبء الأزمة وأعباءها وتحميلها للشعب، في اتجاهين الأول: تأمين سبل معيشته من دون دعم وحماية الدولة، الذي يدفعه لطلب المساعدة والارتزاق والأعمال غير المشروعة، والتفكير ليل نهار بتأمين لقمة عيشه للبقاء على قيد الحياة. والاتجاه الثاني دعم النظام للبقاء والاستمرار في السلطة من خلال الطاعة نتيجة الخوف، ورفد وتمويل خزينته.

المؤونة في سوريا أصبحت ترفاً

المؤونة في سوريا أصبحت ترفاً

تنهمك في شهر أيلول أيادي ربات البيوت السوريات في إعداد المؤونة، ويسبق هذه العملية أسابيع طويلة من التحضير وخطوات كثيرة، تبدأ بشراء أطنان من أكياس الطماطم والخيار وأوراق الملوخية والبازلاء والفول الأخضر وسواها، مروراً بنزع القشور عنها ثم جمعها وتجميدها. ولمن لا يعرف بيت المؤونة، فهو عبارة عن ركن، يشترط أن يبنى في منطقة أخفض من باقي أرجاء المنزل، على أن يكون بارداً وغير مشمس، يُتخذ كمستودع لتخزين الطعام، تحفظ فيه شتى أنواع المأكولات الشتوية. ويتصدر المكدوس، طليعة هذه الأطعمة التي تُوضع على موائد العائلات السورية ولصنعه، يتوجب على النساء سلق كميات هائلة من الباذنجان بما يتناسب مع أعداد أفراد الأسرة، وتلطيخ أيديهن في خليط ممزوج من الفليفلة الحمراء الحارة وقطع الجوز المفروم، إلى أن تستشعر أصابعهن الناعمة طعم الخريف.

اعتاد السوريون في مطلع شهر أيلول من كل عام على ممارسة هذا الطقس الجماعي كعادة شعبية منذ عقود عديدة، فيبدأون باقتناء بعض البقوليات والخضار والفواكه وتخزينها في الثلاجة حديثاً، وبيت المؤونة سابقاً، لتناولها في فصل الشتاء. غير أن موجة الغلاء الأخيرة حالت دون قدرة البعض على تموين الطعام، لاسيما أنه جاء بالتزامن مع افتتاح المدارس وشراء الحاجيات الضرورية، ما شكل عبئاً إضافياً على كاهل الأسرة السورية.

ما أن تطأ قدمك أسواق الخضار في العاصمة دمشق، حتى تلمس الفرق الشاسع في الأسعار للصنف الواحد، بحجج الجودة والمصدر.  تساوم أم إبراهيم بحدة على سعر كيلو الفليفلة الحمراء المفرومة الذي وصل سعره إلى 6000 ليرة، متفاجئة بفارق الأسعار بين سوق وآخر لا يفصل بينهما سوى شارع واحد. تقول للبائع بصوت مرتفع: ”لسا من شوي شفتو أرخص من هيك، 3500 ليرة وأنظف من هاد،  كتير غالية هيك”. وما أن تتقدم بضعة أمتار حتى يتناهى إلى سمعك صوت بائع آخر يضيف ألف ليرة أخرى على صنف الفليفلة، وعند السؤال عن سبب الزيادة يجيب بثقة: “نخب أول، لا مثيل له في السوق، أتحداكِ أن تشتري مثله”، والأمر ينسحب على الجوز والباذنجان والبقوليات وغيرها.

تصف أم إبراهيم الأعباء المادية والمصاريف الإضافية  التي سببها إعداد المكدوس في شهر المونة (أيلول) قائلة: “أنفقت قرابة 100 ألف على تحضير 40 كغ من المكدوس، هذا المبلغ يعد باهظاً بالنسبة  لصنف واحد من أصناف المؤونة، أي يعادل قرابة راتب شهرين، هذا ما لم نتحدث عن الأنواع الأخرى، لكن لا يمكن الاستغناء عن هذا الطبق اللذيذ  في فصل الشتاء، فهو أساسي على مائدتنا.”

سياسة الاستبدال

تتجه صفاء إلى خيار أقل كلفة في محاولة منها لتقليص نفقات المونة واستثمار مواهبها التي اكتشفتها مؤخراً في الترشيد الاقتصادي التي أصبحت مجبرة على استخدامها في ظل ارتفاع مكونات طبق المكدوس، خاصة الجوز، إذ تلجأ إلى استبدال حشوة فستق العبيد عوضاً عن الجوز المفروم، وعن ذلك تقول: ”وصل سعر كغ الجوز إلى 16 ألف ليرة، وفي أماكن أخرى بلغ 25 ألف، لذلك استغنيت عنه نهائياً، واستبدلته بفستق العبيد، كبديل اقتصادي، طعمه لذيذ لكنه لا يعادل طعم الجوز، أفضل من لا شيء“. بينما ذهبت ولاء لخيار أكثر كلفة بقليل وهو استخدام  ثمرة اللوز، عوضاً عن الجوز: “فثمنه مقبول مقارنة بالأخير، فالكيلو الواحد يبلغ 4000“. بينما تضيف سيدة أخرى: “الحمد الله، ولادي مابحبو المكدوس، وفروا علي كتير مصاري”. فيما اتبعت العديد من الأسر السورية سياسة “النصف” عبر تقليص الكميات المعتادة والاكتفاء بكميات محدودة.

من جهتها، لم تصرف رجاء (معلمة في الصف الابتدائي) ليرة واحدة على تحضير المكدوس والسبب حسب قولها: “تملك عائلة زوجي شجرة جوز وأرض زراعية يزرعون فيها جميع أنواع الخضار ومنها الباذنجان ،أخذنا حصتنا، ما كنت سأعد المكدوس لو أنني سأصرف عليه مالاً.” وتضيف مازحة: “لو بقدر بيع الجوز، كنت بعتو، حقو هلق تقريباً 25 ألف”.

كورونا ترفع الأسعار

فعلت كورونا ما لم تفعله سنوات الحرب التسع في سورية، فلم تشهد البلاد مسبقاً غلاءً فاحشاً بالأسعار كالتي تعيشه الآن والذي يطال كل نواحي الحياة دون أن يقتصر على جانب واحد. يعقب شاب (رفض مشاركة اسمه) على هذا المشهد الغارق في الواقعية: “كلفة مؤونة هذا العام مضاعفة عن العام السابق، دوبلت الأسعار على خلفية كورونا بمبررات واهية كضعف الإنتاج مقابل زيادة الطلب، لاسيما مادتي الجوز والزيت إلى جانب الحصار الاقتصادي على البلاد”. بينما حذفت أم جبير فكرة مؤونة الشتاء هذا العام من قائمتها لصالح تأمين المستلزمات  الدراسية لأطفالها الأربعة، تقول السيدة: “كان علي الاختيار بين شراء القرطاسية وملابس المدرسة وتخزين الطعام لفصل الشتاء، تعليم أولادي أهم، سنعتمد هذه السنة على المحاصيل الشتوية في غذائنا”.

الكهرباء تفسد مؤونة السوريين

مع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لساعات متواصلة في كافة المحافظات السورية، تسبب هذا الوضع بإفساد المؤونة وتكبد السوريين لخسائر مالية لم تكن في حسبانهم، كأم خالد التي أفرغت حمولة ثلاجتها من فول وبازلياء وبامية وملوخية والتي تقدر بحوالي 200 ألف ورمتها في القمامة بعد أن تُلفت بسبب غياب الكهرباء لفترات طويلة، بينما اضطرت لينا إلى استخدام المؤونة المخزنة من لحوم وخضار وطبخها كي لا تفسد.

واقع الزواج بين الشباب السوري: أفراح برسم التأجيل

واقع الزواج بين الشباب السوري: أفراح برسم التأجيل

لطالما صادرت الحرب أحلام آلاف الشبان والفتيات في سوريا بدءاً من أحلامهم الصغيرة المقتصرة على استكمال مراحل دراستهم الجامعية وتأدية الخدمة الإلزامية بالنسبة للشبان وتأمين عمل محترم يضمن لهم حياة كريمة وصولاً إلى بناء العائلة والخوض في مرحلة الاستقرار الأسري الذي انتقل من كونه مرحلة أساسية من حياة المواطن السوري ليصبح حلماً صعب المنال أو طموحاً بعيد المدى ضمن طموحات الشباب بالدراسة والعمل و تحقيق الذات خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة اليوم في البلاد. ونظراً لارتفاع تكاليف الزواج ذهب البعض إلى التأجيل والبعض الآخر بحث عن بدائل للمستلزمات الخاصة بتقاليد حفلة الزفاف ومهر العروس والتجهيزات الخاصة بها، فوسط جنون أسعار الذهب الذي بلغ حد ١١٠٠٠٠ للغرام الواحد عيار ٢١ استعان كثيرون بالذهب البرازيلي والفضة كمنقذ من أزمة لا يبدو حلها قريباً مع وجود عدة أشكال وألوان من الذهب البرازيلي بأسعار مناسبة نوعاً ما، وهناك ممن قدمن تنازلات واتبعن سياسة ترتيب الأولويات، كسارة التي وجدت نفسها أمام عتبة الاختيار بين حفلة الزفاف وشراء الذهب، لتنهي معركة الحسم لصالح الأولى، إذ  تمهلت الشابة بشراء الذهب في فترة الخطوبة على أمل انخفاض سعره عند اقتراب الزفاف إلا أن توقعاتها باءت بالفشل فجاء الواقع عكس الآمال المعقودة عليه، فأصابها الندم لعدم شرائه قبل انتقاله من مرحلة الغلاء إلى الغلاء الفاحش ففضلت إقامة حفل زفاف صغير بتكاليف متوسطة مستبدلة المصوغات الذهبية بالبرازيلية منها التي تبدو على حد قولها مشابهة للذهب الحقيقي.

 أما علي فليس بأفضل حال، فقد  أجل تجهيز منزله عدة مرات متتالية آملاً أن تتحسن الأسعار، وها هو الآن يؤجل ذلك إلى أجل أجل غير مسمى ومعه يؤجل موعد ارتباطه الرسمي مقترناً بخطيبته التي انتظرته طويلاً مع عقد ذهبي ناعم قد ابتاعه لها بشق الأنفس منذ شهر شباط حين كانت الأمور على تدهورها أفضل حالاً بكثير مما هو الأمر عليه اليوم. أما موعد زفاف علي فأصبح في طي المجهول فإن كان قد عقد نيته على الزواج في أواخر العام الحالي فها هو الآن يصرح لنا بأن كل آماله وأحلامه قد طارت من أول نافذة كاد أن يركبها في منزله الذي ابتاعه على الهيكل حيث يقول: “في أيام الرخص.. فالمنزل سيبقى على الهيكل حالياً لأن كلفة الإكساء ارتفعت بشكل كبير”.

خطوة استباقية وسياسة التقنين

عمدت لمى إلى اقتناء ما تراه مناسباً كحاجات للعروس من متجر لألبسة البالة نظراً لانخفاض سعرها مقارنة بتلك الجديدة فهي تدرك تماماً أن شراءها من الأسواق الجاهزة قد يكلفها أضعافاً مضاعفة بالرغم من أنها ليست مخطوبة ولكن أغلب من حولها من الفتيات المقبلات على الزواج  قد اقتصرن على شراء قطعة أو اثنتين بسبب ارتفاع الأسعار.

فيما استغنت علا عن كل ما يتعلق بالملابس الخاصة بالعروس فقد كان لديها مخزون كاف منها كانت قد ابتاعتها منذ سنوات كلما سمحت لها الفرصة بأسعار “لقطة” على حد تعبيرها، وبذلك عندما تمت خطوبتها اقتصرت تجهيزاتها الخاصة على بدل واحد من الملابس. أما بالنسبة للذهب فقد روت لنا: “قمنا بشراء الذهب والخواتم حين كان سعر الغرام ٣٢٠٠٠ وأحمد الله على ذلك لأننا لو قمنا بتأجيله لما استطعنا شراءه بعد الارتفاع الكبير الذي شهده.” و استأجرت علا وزوجها منزلاً في عشوائيات مدينة دمشق بعد أن ألغت حفلة الزفاف كي تتمكن من تأمين العفش والأدوات الكهربائية الضرورية للمنزل.

وبالرغم من أن الوضع المادي لخطيب آلاء يُعد ميسوراً لاسيما أنه يعمل مهندساً في السعودية إلا أنها اشترت بعض حاجياتها من ألبسة البالة بغرض التقنين، حيث تقول: “يرسل لي شهرياً ما يقارب 500 ألف ليرة سورية لتجهيز حاجياتي الخاصة ريثما يحين موعد الزفاف، غير أنني وجدت الأسعار مرتفعة جداً فلجأت إلى البالة فهي جديدة وجودة عالية والذي أقوم بتوفيره أصرفه على شراء مستحضرات التجميل.”

أزمة تأخر الزواج

في تصريح  حديث للقاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي يذكر فيه أن نسبة تأخر سن الزواج في سورية خلال عامي 2019 و2020 وصلت إلى حوالي 70  % عازباً، ويعود السبب إلى قلة أعداد الذكور إثر وفاة عدد كبير منهم في الحرب وهجرة قسم آخر ما أدى الي ارتفاع أعداد الإناث مقارنة بأعداد الذكور. تبدو هذه الإحصائية منطقية، لاسيما في ظل  الصعوبات الكبيرة التي تواجه الشباب السوريين في تأمين مستقبلهم وارتفاع تكاليف الزواج، كما ساهمت ظروف الحرب السورية خلال الأعوام الفائتة في تأخر زواج الشباب من كلا الجنسين إذ إن التحاق الشباب بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية قد أسهم في عزوف الشباب عن فكرة الزواج حالياً، بالإضافة إلى النزوح الداخلي والخارجي لعدد كبير منهم مما أدى إلى قلة “العرسان”. بالإضافة للمعدلات العالية من البطالة والأزمات النفسية المتعددة وعدم الاستقرار الاقتصادي والنفسي والاجتماعي و الصحي مؤخراً مع استمرار انتشار و تفشي وباء كورونا بين السوريين، كل هذه الأسباب مجتمعة تشكل عوائق صعبة الاجتياز في وجه كل من يحلم ببيت الزوجية المنتظر، فاليوم أصبح تعدد الزوجات أمراً مرحباً به عند فئة كبيرة من العائلات السورية وسط قلة المتقدمين لطلب أيدي الفتيات اللواتي كنّ قابعات في المنازل على أمل عريس “لقطة”،  أما الآن هناك من ينظر لأي شاب يمتلك منزلاً وعملاً بغض النظر عما إذا كان متزوجاً أو عازباً على أنه هو ذلك العريس” اللقطة”.

صاروخ «ذكي» أميركي في سوريا يحمل رسالة الى روسيا

صاروخ «ذكي» أميركي في سوريا يحمل رسالة الى روسيا

الصاروخ «الذكي» الذي وجهته طائرة «درون» أميركية إلى «أبو القسام الأردني» أحد قياديي تنظيم «حراس الدين» المحسوب على «القاعدة» في شمال غربي سوريا، تزامن مع خلاف أميركي – روسي في مجلس الأمن إزاء تصنيف «حراس الدين» في قوائم مجلس الأمن الدولي للتنظيمات الإرهابية، كما هو الحال مع «جبهة النصرة» وتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، ما اعتبر أنه بمثابة «رسالة» من واشنطن إلى موسكو حول كيفية اغتيال الإرهابيين.

وأبلغ مسؤول غربي «الشرق الأوسط» أن مداولات أولية في مجلس الأمن، أظهرت خلافاً في رأي بين دبلوماسيي البلدين، إذ إن الجانب الروسي يريد استعجال إدراج «حراس الدين» في قوائم مجلس الأمن، مقابل حذر دبلوماسيين أميركيين من أن يكون ذلك «ذريعة لشن عمل عسكري من قوات الحكومة السورية بدعم روسي ضد بعض الجيوب في ريف إدلب لقتال فصائل المعارضة بدل الإرهابيين». وأضاف أن المقاربة الأميركية تقوم على ضرورة التوصل إلى «تصور شامل لمحاربة الإرهاب والإجراءات المسموحة ذلك، وأن يكون التصنيف الدولي أحدها وليس الوحيد».

 «حراس الدين»

تأسس تنظيم «حراس الدين» في فبراير (شباط) 2018 من القياديين المهاجرين الذين اختلفوا مع زعيم تنظيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني بعد فك ارتباطه بـ«القاعدة» في 2016، وكان بين القياديين في التنظيم الجديد خالد العاروري (أبو القاسم الأردني) وأعضاء مجلس الشورى سمير حجازي (أبو همام الشامي أو فاروق السوري) وسامي العريدي (أبو محمود الشامي) وبلال خريسات (أبو خديجة الأردني). وتلبية لدعوتهم (الفصائل المتناحرة في الشام لوقف القتال بين بعضها البعض)، انضمّ 16 فصيلاً على الأقل إلى «حراس الدين».

وفي أبريل (نيسان) 2018 شكّل «حراس الدين» مع «أنصار التوحيد» تكتل «نصرة الإسلام» اتسع إلى غرفة «عمليات وحرض المؤمنين» في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، في سياق سعيها لمقارعة اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا حول إدلب.

وفي نهاية العام الماضي، صنفت الخارجية الأميركية «حراس الدين» كمنظمة إرهابية أجنبية وأدرجت «أبو همام الشامي» القائد العسكري السابق لـ«جبهة النصرة» ضمن القوائم السوداء. وعرض برنامج «المكافآت من أجل العدالة» التابع لوزارة الخارجية، 5 ملايين دولار لقاء معلومات تقود لثلاثة من قادة التنظيم، وهم: «سامي العريدي، وسمير حجازي، وأبو محمد المصري».

 منع الصدام

قبل أسابيع، بادر دبلوماسيون روس في نيويورك إلى طرح إدراج «حراس الدين» في قوائم مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية. الموقف الأميركي كان مفاجئاً لدى رفض ذلك قبل التوافق على آلية محاربة. لكن اللافت، أن واشنطن أرادت إعطاء «درس» حول كيفية اغتيال المطلوبين من «القاعدة». هي تصنف «حراس الدين» في قوائها، واعتبرت «هيئة تحرير الشام» ذاتها «جبهة النصرة».

معروف أن هناك اتفاقا بين روسيا وأميركا لـ«منع الصدام» منذ منتصف 2017 بين الجيشين: شرق الفرات لحلفاء واشنطن وغرب النهر لحلفاء موسكو. وحاولت أميركا في بداية 2018، ملاحقة إرهابيين في شمال غربي سوريا واستهدفت عشرات من قادة «تنظيم خراسان» وقياديين آخرين. لكن ذلك قوبل برفض روسي. وكانت هناك استثناءات قليلة بينها لدى اغتيال «أبو بكر البغدادي» في أكتوبر الماضي في باريشا بريف إدلب، بعد إبلاغ الجانب الروسي بوجود عملية عسكرية خاصة في «منطقة النفوذ الروسية» من دون مزيد من التفاصيل.

 شفرات قاتلة

حسب المعلومات، فإن هذا تكرر في 14 يونيو (حزيران)، لدى قيام «درون» أميركية متطورة باستهداف خالد العاروري المعروف بـ«أبو القسام الأردني»، للتخلص منه وأيضاً «رسالة» إلى روسيا عبر استعمال صاروخ «هيل فاير» المتطور المخصص لعمليات الاغتيال المستهدف بعيداً من أي خسائر بين المدنيين. و«أبو القسام» هو رفيق وصهر «أبو مصعب الزرقاوي» الذي كان متزعماً «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» قبل اغتياله في 2006. وفي عام 2015، كان خالد العاروري واحداً من 5 شخصيات بارزة من «القاعدة» الذين أفرجت السلطات الإيرانية عنهم في صفقة.

وأفادت وسائل إعلام أميركية، بأن الصاروخ «الذكي» تضمن رأسا حربيا خاملا من 100 رطل من المواد المعدنية أحدث فجوة كبيرة في سيارة كان فيها «أبو القسام» قبل قذف ست شفرات حادة (بمثابة سيوف) من داخل المقذوف لتقطيع أي شيء يعترض طريقها. وهذا ما يفسر أن «حراس الدين» أعلن عن مقتل «أبو القسام» أول من أمس بعد حوالي عشرة أيام من إصابته.

جرى تطوير صاروخ «هيل فاير»، المعروف عسكريا بـ«آر 9 إكس»، قبل عقد إثر ضغوط الرئيس السابق باراك أوباما بهدف الإقلال قدر الإمكان من الخسائر التي تقع في صفوف المدنيين والحد من تدمير الممتلكات المدنية في الحرب ضد الإرهاب. والسلاح، الذي جرى توصيفه بالكامل للمرة الأولى خلال العام الماضي، تم استخدامه أكثر من ست مرات في السنوات الأخيرة. ونقلت صحف أميركية عن مسؤولين أميركيين استخدام «آر 9 إكس» في حالتين محددتين، إحداهما كانت من وكالة الاستخبارات المركزية، والحالة الأخرى من قيادة العمليات الخاصة المشتركة السرية في الجيش. إذ نجحت غارة جوية في اليمن في يناير (كانون الثاني) العام 2019 في اغتيال جمال البدوي، وهو أحد الرجال المشتبه في ضلوعهم في التخطيط لعملية تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» حال رسوها في اليمن عام 2000. وقتل «أبو الخير المصري»، وهو الرجل الثاني في «القاعدة» وكان صهرا لزعيم التنظيم أسامة بن لادن، من الاستخبارات المركزية، في غارة في إدلب في فبراير عام 2017. وكان التشابه واضحا بين عمليتي اغتيال «أبو الخير» و«أبو القسام».

و«الرسالة الأميركية لروسيا، هي أنه هكذا يتم اغتيال قادة إرهابيين وليس على طريقة الأرض المحروقة التي تتضمن دمارا كبيرا بالممتلكات المدنية والبنية التحتية»، حسب مسؤول غربي. وأضاف: «كان لافتا تزامن هذا مع اتهامات تقرير أممي لروسيا بأنها لم تساهم بحماية مستشفيات ومنشآت طبية في إدلب رغم أنه جرى تقديم معطيات وجودها للجانب الروسي». وأعلنت روسيا انسحابها من ترتيب طوعي تقوده الأمم المتحدة لحماية المستشفيات وشحنات المساعدات الإنسانية في سوريا من استهداف الأطراف المتحاربة لها. وجاء هذا بعد أن خلص تحقيق داخلي أجرته الأمم المتحدة في أبريل إلى أن من «المحتمل للغاية» أن تكون الحكومة السورية أو حلفاؤها قد نفذوا هجمات على ثلاث منشآت للرعاية الصحية ومدرسة وملجأ للأطفال في شمال غربي البلاد العام الماضي.

 تفاهم روسي – تركي

ينتشر «حراس الدين»، الذي يعتقد أنه يضم حوالي 1800 عنصر معظمهم غير سوريين، في شمال غربي سوريا الخاضعة لتفاهمات روسية – تركية. وفي 5 مارس (آذار) الماضي، توصل الرئيسيان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان لبروتوكول إضافي لاتفاق سوتشي بينهما، تضمن «عزمهما مكافحة جميع أشكال الإرهاب والقضاء على كل التنظيمات الإرهابية التي اعترف بتصنيفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومتفقتين مع ذلك على أن تهديد المدنيين والبنية التحتية المدنية لا يمكن تبريره بأي ذرائع». وإلى وقف النار، اتفقا على تسيير دوريات مشتركة على طريق رئيسي بين حلب واللاذقية.

قابل «حراس الدين» ذلك بأنه أعلن في 12 الشهر الحالي، تشكيل «تنسيقية مشتركة» غرفة عمليات عسكرية باسم «فاثبتوا»، من 5 فصائل، هي: «تنسيقية الجهاد»، و«لواء المقاتلين الأنصار»، و«جماعة أنصار الدين»، و«أنصار الإسلام». وكان هذا التكتل توسيعاً لحلف سابق، أعلنته تنظيمات «أنصار الدين» و«أنصار الإسلام» و«حراس الدين» في 2018، بتشكيل غرفة «وحرض المؤمنين». وكما رفض الحلف السابق اتفاق سوتشي، فإن التكتل الجديد رفض اتفاق موسكو، وشن هجمات على قوات النظام في سهل الغاب غرب حماة، كما أنه استهدف جنودا أتراكا ودوريات روسية – تركية على طريق حلب – اللاذقية.

 ابتلاع الإخوة

حسب المعلومات، تعهدت تركيا بـ«تفكيك» التنظيمات المتشددة من الداخل، بل إن مسؤوليها بدأوا لأول مرة يتحدثون عن «تنظيمات إرهابية» في إدلب. لكن اللافت، أن «هيئة تحرير الشام» هي التي تقود المواجهة الميدانية ضد المتشددين الآخرين. إذ إنها اعتقلت، القيادي السابق فيها، جمال زينية المعروف بـ«أبو مالك التلي» في ريف إدلب بتهمة «التحريض على شق الصف والتمرد وإثارة البلبلة» بعد أيام من اعتقال سراج الدين مختاروف، المعروف بـ«أبو صلاح الأوزبكي»، المنضوي في صفوف تنظيم «جبهة أنصار الدين» والمطلوب للإنتربول الدولي.

تطور ذلك إلى اشتباكات ومواجهات بين الطرفين خصوصاً في سهل الروج غرب إدلب وقرب سهل الغاب مناطق انتشار قوات النظام. واستطاعت «هيئة تحرير الشام» فرض اتفاق هدنة أول من أمس على «حراس الدين»، لكن سرعان ما انهارت وتبادل الطرفان التهديدات.

وأعلن الجناح العسكري في «هيئة تحرير الشام» مساء الجمعة «منع إنشاء أي غرفة عمليات أخرى أو تشكيل أي فصيل جديد تحت طائلة المحاسبة» في إشارة إلى غرفة «فاثبتوا». وحصرت «الهيئة» في بيانها «جميع النشاطات العسكرية بإدارة غرفة عمليات الفتح المبين»، وذلك بعد إعلان التكتل الآخر أنه «بعد الاتفاق الذي وقع في بلدة عرب سعيد غرب إدلب بيننا وبين هيئة تحرير الشام، قامت الأخيرة بمداهمة مقرات فاثبتوا في بلدة سرمدا بريف إدلب الشمالي شمال إدلب ومواقع في ريف اللاذقية». واعتبرت هذا «الغدر المُبيت يعود على الاتفاق القائم في عرب سعيد بالنقض في حال استمراره، وعدم التزام الطرف الآخر بما وعد به».

وإذ يقول قيادي ميداني إن «هيئة تحرير الشام اتخذت قرارها بالقضاء على حراس الدين بموافقة تركية لتقديم نفسها كتنظيم يجب التحاور معه»، أشار آخر إلى أن «ابتلاع الإخوة سيصل إلى أن الدور سيأتي على هيئة تحرير الشام لاحقا».

**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».