الحب يخترق الحواجز الطائفية في سوريا

الحب يخترق الحواجز الطائفية في سوريا

“في بلادنا، يخسر الشباب حيواتهم دفاعاً عن حدود رسمها الغرباء عبر قرن من الزمن بعد أن رحلوا، فلم لا ندافع عن الحب الذي نصنع مملكته وقوانينه بأيدينا؟” تسأل سمر أثناء جلستنا في مطعم الربيع في منطقة ساروجة بدمشق، تحتسي قهوتها مع ابتسامة على خدين ورديين وغمازتين عميقتين قبل أن تتابع “زوجي من درعا وأنا من مصياف، هو بحبني وأنا بحبه، فما أهمية الطائفة والمذهب إذا كنا شركاء في القلب والحياة”.

العديد من الشبان والشابات تجاوزوا العقبات الاجتماعية والتقليدية والدينية وحتى القانونية ليسيروا معاً في درب الحب، غير آبهين بالوصمة والعزلة الاجتماعية من قبل أبناء ملتهم وطائفتهم، نحو ارتباط رسمي بمن يحبون.

فيما لايزال آخرون أسرى للعادات والمعتقدات، مستسلمين لما يرسم لهم دون رضاهم. ورغم ذلك تدفع مجموعات شبابية ومنظمات مدنية نحو مناقشة قضايا حساسة كالزواج المدني والزواج بين الطوائف كتجربة (نادي القراء).

تدافع لين، وهي مهندسة مدنية عازبة من صافتيا، عن فكرة الزواج بين الطوائف، وتقول “طالما أن الشخصين يحبان بعضهما حتى لو كانا من طائفتين مختلفتين، يفترض أن الزواج سيمر بسلاسة، فشعارات الحب والأخوة التي تدرس في المدارس يجب أن تطبق عن طريق تشجيع الزواج بين الطوائف، فلماذا نضع عقبة غير موجودة أصلاً؟”.

وتضيف لين “أنا أؤمن بالله فقط و الله شجع على الحب، ولذلك سأقبل بالزواج من رجل من أية طائفة”، مستدركة بأنها رغم ذلك لن تسمح للزوج بفرض معتقداته عليها.

أما هيا، وهي خريجة علوم سياسية من الرقة وعازبة، فتروي أن عمها من الطائفة السنية ومتزوج من امرأة من الطائفة العلوية “لكن للأسف أهل زوجة عمي لم يكلموها منذ تزوجت منذ أربعين عاماً، رغم أنها أنجبت ولدين وأصبحت جدة الآن، كل ذلك فقط لأنها اختارت زوجاً من غير طائفتها” تقول هيا مشيرة إلى أن عمها وزوجته ورغم هذا حظيا بحياة زوجية ناجحة لم يؤثر عليها اختلاف طوائفهما.

 أما عن نفسها فتقول هيا ” من حيث الفكرة، أؤيد الزواج من طائفة أخرى ولا أمانعها، وفي ذات الوقت إذا فكرت بها من حيث المستقبل وتأثيره على أطفالي، فأنا أتردد قليلاً وربما أعارض الفكرة مع ذاتي”.

وتشرح هيا السبب بقولها “مهما ادعينا أننا مدنيون ولا نعترف بالبعد الطائفي في حياتنا وعلاقاتنا العاطفية، إلا أنه سيؤثر على أرض الواقع، هو خوف من التجربة أكثر منه معارضة للفكرة، إذ أن التفاهم بين شريكين يفترض أن يزيل كل العقبات أياً كان نوعها”.

سامر عانى شخصياً من الحب العابر للطوائف، وهو خريج كلية اقتصاد وعازب من دمشق، حيث اضطر إلى فسخ خطوبته أخيراً. وعما جرى يروي سامر بأنه خطب عام ٢٠١٥ صبية من الطائفة العلوية من دوير المشايخ في وادي العيون التابعة لمحافظة حماة، وكان والد الفتاة منفتح الفكر لكن والدتها عارضت الخطوبة، وأخبرته بأنها “لا تريد أن يكون أحفادها سنة”، أما خطيبته فكانت متقبلة للفكرة رغم وجود “عرق طائفي” في شخصيتها كان يظهر إلى العلن قليلاً كما يصف سامر. إلا أن أهل الضيعة قاطعوا والد الفتاة وخاصة عندما كان سامر يزور أهل خطيبته، فأبلغه والدها بأن الأمر سينجح لو كنا نعيش في المدينة إلا أن جو الريف لا يتقبل الفكرة بسهولة، ولم تكمل قصتهما السنة والنصف حتى انفصلا. “الكل يدعي بأن لا مشكلة في الزواج بين الطوائف، ولكن على المحك قد يتبدل الرأي فعلياً” يختم سامر قصته بتشاؤم.

سلمى من جهتها وهي أرملة من إدلب تقول بأنها لم تعلم عندما تزوجت بأن زوجها من الطائفة الشيعية “ولم يختلف الحال بعد معرفتي بذلك، كنت أمارس طقوسي الدينية كما يفعل هو، يحترم آرائي وأحترم آرائه، أحببته بحيث كان كالأب والأخ بالنسبة لي، و خلف رحيله مأساة مؤلمة في حياتي” تقول سلمى.

تركت الحرب السورية شروخاً على المجتمع بكافة طوائفه وأديانه وأعراقه وقومياته، خاصة مع حصول اقتتال طائفي في بعض المناطق والمدن السورية، إلا أن استمرار انتشار الزواج العابر للطوائف والقوميات خلال سنوات الأزمة، وإن كان على نطاق ضيق، يبرهن أن المكونات السورية لم تصل إلى مرحلة القطيعة رغم حدة الألم ومرارة التجربة.

جيرمي هنت: الأسد باق حالياً… وعلى روسيا تقديم حل للسوريين

جيرمي هنت: الأسد باق حالياً… وعلى روسيا تقديم حل للسوريين

علقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن روسيا تظهر اهتماماً بالشرق الأوسط بطريقة غير مسبوقة، وإن الرئيس بشار الأسد «موجود في الحكم بسبب التدخل الروسي».

وأضاف أن الأسد «سيبقى في المدى القصير والأبعد منه»، وأنه «على روسيا أن ترينا كيف ستقدم حلا صالحا للسوريين وكيف ستجلب السلام والاستقرار إلى سوريا». وأكد عدم وجود خطة لدى لندن بفتح سفارتها في دمشق.

وقال هنت إن الاتصالات بين واشنطن ولندن مستمرة بشأن الانسحاب من شرق سوريا، مؤكدا ضرورة ألا يحصل الانسحاب «بطريقة تؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى داعش وحلفائنا في قوات سوريا الديمقراطية، الذين قاتلوا بشجاعة معنا في التحالف لسنوات عدة ضد داعش». وأضاف: «ليس هناك أفق كي تذهب قوات بريطانية لتحل محل الأميركيين».

وعن موضوع اليمن، أكد وزير الخارجية البريطانية أهمية تحقيق «حل شامل» يتضمن «ألا تستعمل إيران اليمن كقاعدة لزعزعة استقرار الدول المجاورة لليمن». وأكد ضرورة أن تحول طهران وعودها إلى أفعال. وقال: «الآن نريد ترجمة (التزامات طهران) بأن يقوم الحوثيون بمغادرة ميناء الحديدة. كلنا يعرف إذا لم يحصل هذا عاجلا، فإن العمليات القتالية ستستأنف».

ولاحظ هنت أن المرحلة الحالية تشهد إعادة صوغ التحالف في الشرق الأوسط وأن العام 2019 سيكون حاسما بالنسبة إلى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. وقال إن بريطانيا «لن تدير ظهرها إلى الشرق الأوسط» بعد «بريكسيت» والخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث ستبقى العلاقات مع العالم العربي «أكثر من أي وقت».

وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» في مكتب هنت في البرلمان الخميس، فور عودته من مؤتمر وارسو للمشاركة في نقاش برلماني حول «بريكسيت»:

 عدت للتو من مؤتمر وارسو وكنت ونظيرك الإيطالي الوحيدين من الدول الأوروبية الكبرى اللذين شاركا في المؤتمر. كيف وجدت المؤتمر؟ هل سيؤدي بالفعل إلى احتواء إيران؟

– نعم كنت مع نظيري الإيطالي. المؤتمر تناول أمورا أكثر من إيران وفي الواقع شارك في المؤتمر رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ووزراء عرب والعالم. وكان ذا مغزى جدا بهذا المعنى ولم يحصل سابقا. ما نراه اليوم، هو إعادة صياغة التحالفات في الشرق الأوسط. الكثير يحصل في هذا المجال.

وأجريت اجتماعا بناء جدا حول اليمن بحضور الوزير الأميركي مايك بومبيو ووزير الدولة السعودي عادل الجبير ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد. أمضينا وقتا كثيرا للحديث حول تحقيق السلام في اليمن. اللقاء كان مهما جدا.

وما يستحق الملاحظة، أنه يجب أن ننظر إلى العام الحالي، حيث ستتغير الأمور إزاء حل الأمور بالنسبة لإسرائيل وفلسطين. هناك أقنية تواصل لم تحصل سابقاً أبدا.

 ترأست مع الوزير بومبيو الاجتماع حول اليمن. كيف يمكن تحقيق سلام شامل باليمن؟

– تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث للحوثيين دور في توفير الأمن لجميع المكونات في اليمن. وألا تستعمل إيران اليمن كقاعدة لزعزعة استقرار الدول المجاورة لليمن، إضافة إلى إنهاء الأزمة الإنسانية التي هي أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً.

المشكلة ليست الحل النهائي لأن جميع الأطراف تتفق على ذلك، بل حول كيف نصل إلى هذا وكيف نبني الثقة، خصوصاً ما يتعلق بالأهمية القصوى لتنفيذ اتفاق استوكهولم والانسحاب من مدينة الحديدة وميناء البحر الأحمر والوصول إلى مطاحن الحبوب (التي تتضمن مخازن تابعة للأمم المتحدة) والطريق لصنعاء وإيصال المساعدات الإنسانية عبر برنامج الغذاء العالمي لإنهاء المجاعة التي تؤثر على ربع مليون شخص.

 الحكومة تلوم الحوثيين وتقول إنها ملتزمة الاتفاق؟

– لا أريد لوم أي طرف. حقيقة الأمر، أن الطرفين احترما وقف النار. قبل شهرين، قليل من الناس اعتقد أن هذا ممكن. إذن، حققنا تقدما، لكن الأمر الجوهري هو فتح ميناء الحديدة لإيصال المساعدات إلى شمال البلاد. هذا لم يحصل بعد. وصلنا إلى النقطة حيث إن الفرصة الأخيرة للتأكد من أن اتفاق استوكهولوم يكون أساساً للنجاح في المستقبل. الطرفان عليهما أن يعرفا أن الوضع الراهن كما هو عليه لن يستمر إلى الأبد. لدينا وقف النار أساس كي تكون الحديدة خالية وأن يفتح الميناء. هذا ما يجب أن يحصل.

 أنتم الدولة الوحيدة في المجموعة الرباعية لديكم أقنية من طهران، هل نقلت ذلك إلى إيران؟

– تحدثت مطولا مع الوزير محمد جواد ظريف حول اليمن. ناقشنا الوضع الإنساني في اليمن. ما قاله لي إن إيران لعبت دورا في تحقيق حل في اليمن. وأخذنا هذه الالتزامات والآن نريد ترجمة ذلك (إلى أفعال) بأن يقوم الحوثيون بمغادرة ميناء الحديدة. كلنا يعرف إذا لم يحصل هذا عاجلا، فإن العمليات القتالية ستستأنف. هذا سيكون سيئا لشعب اليمن.

يجب القيام بالعمل والأفعال وأن نظهر للعالم أن كل من شارك في اجتماعات استوكهولم جدي وملتزم بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه لأن التنفيذ أخذ أكثر من التوقعات وبدأ الناس يسألون ما إذا كان ذلك فقط كلاما أم عنوا ما قالوا. لذلك يجب عدم التساهل أبدا بمسألة تنفيذ اتفاق استوكهولم.

 الخميس كانت هناك صورتان: الأولى، مؤتمر وارسو بمشاركة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ودول كثيرة. الثانية، القمة الروسية – التركية – الإيرانية في سوتشي. كيف تقرأ بصفتك وزير خارجية بريطانياً هاتين الصورتين؟

– حسنا، هذا يعني أن روسيا تظهر اهتماما بالشرق الأوسط بطريقة لم تظهرها لوقت طويل. يعني أيضا، أن هناك إمكانية لإعادة التموضع في التحالفات لمعسكرات مختلفة. ليس هذا بالضرورة سلبيا. عملية آستانة نجحت في تجنب حمام دم في إدلب. هذا أمر إيجابي ونريد ذلك أن يستمر. علينا أن نجد حالياً اتفاقاً بين جميع الدول المعنية لضمان أمن سوريا وحدودها وأن نتأكد أن الصراع في سوريا ينتهي بطريقة لا تؤدي إلى كارثة إنسانية. لا أرى أن هناك معسكرين متخاصمين (وارسو وسوتشي). أريد كل طرف أن يلعب دوره للوصول إلى الاستقرار وإنهاء الصراعات.

 هل تتحدث لندن مع موسكو حول سوريا لتحقيق ذلك؟

– دعنا نكن صريحين. لأن الروس قرروا التدخل في سوريا فإن الأسد موجود. روسيا اتخذت هذا الخيار. لذلك، فإن لروسيا مسؤولية للتأكد من نهاية القصة التي غيرت مسارها. أي الوصول إلى حل صالح للسوريين، لذلك يجب أن ترينا روسيا كيف ستقوم بذلك، لأنه لسنوات طويلة اعتقدنا أنه من المستحيل لسوريا أن تحصل على مستقبل زاهر تحت حكم الأسد. إنه رجل استعمل الغاز ضد شعبه بطريقة تعارض المعايير الدولية. والروس اختاروا دعمه، على روسيا أن ترينا كيف ستجلب السلام والاستقرار إلى سوريا.

 قلت قبل أسابيع إن الرئيس بشار الأسد باق في الحكم لفترة، ماذا تقصد؟ سنوات أم عقودا؟

– هل أعتقد أن الاستقرار سيتحقق بالمدى الطويل تحت حكم الأسد؟ أكيد، لا. إنه شخص فظيع، لم يتردد في قتل شعبه للبقاء في الحكم. أي مستقبل أمام دولة مع رجل كهذا. لكن، الواقع أنه بسبب الدعم الروسي، موجود. ومن المحتمل أنه سيبقى في المدى القصير أو أكثر. وعلى روسيا أن تجلب الحل لأنها قررت التدخل بهذه الطريقة.

 بعض الدول العربية فتحت سفاراتها في دمشق، هل تنوي لندن فتح سفارتها في دمشق؟

– لكل دولة الخيار في اتخاذ قرار كهذا. نفهم هذا، لكن ليس لدينا خطط لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.

 هل طلبتم من دول عربية وقف التطبيع مع دمشق؟

– الدول تتخذ خياراتها وقراراتها بهذه المسألة.

 أميركا قررت الانسحاب من سوريا وأعلنت أن «داعش» هزم، هل توافق على ذلك؟

– حسنا، أولا، بالنسبة إلى «داعش»، الهزيمة الجغرافية ليست هزيمة كاملة. إن عمل التحالف الدولي الذي قلص حجم الخلافة إلى جيب صغير في بضعة كيلومترات، هو إنجاز كبير، لكن لم نتخلص بعد من مسببات تنظيم داعش الشيطانية والمدمرة. ولايزال هناك كثير من العمل الذي يجب القيام عليه. إنه أمر مهم جدا، إلا أن يعلن التحالف الدولي ويقول علنا إننا أنجزنا المهمة، لأنه لو قمنا بذلك فهناك فرصة كبيرة أن يعود «داعش». هناك أدلة أنه في بعض أجزاء العراق يجمع «داعش» نفسه ويستجمع قواه.

نفهم التفكير الاستراتيجي الأميركي بالنسبة للانسحاب من سوريا. انظر إلى ما حصل في العراق وليبيا وأفغانستان وسوريا، يمكن ملاحظة أن الجنود الغربيين على الأرض نادرا ما يكونون حلا طويل الأمد لمشكلات الشرق الأوسط. ويجب علينا ألا نقوم (الانسحاب الأميركي من سوريا) بطريقة تؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى «داعش» وحلفائنا في «قوات سوريا الديمقراطية» الذين قاتلوا بشجاعة معنا في التحالف لسنوات عدة ضد «داعش».

 كيف سيكون دور بريطانيا بعد الانسحاب الأميركي؟

– ليس هناك أفق كي تذهب قوات بريطانية لتحل محل الأميركيين. بالطبع لدينا محادثات مستمرة مع الأميركيين، كما أنني كنت في واشنطن قبل أسابيع وبحثنا كيفية تحقيق الاستقرار في سوريا.

هل ستلعب بريطانيا دورا في «المنطقة الأمنية» التي تعمل أميركا وتركيا على إقامتها؟

– دائما ننظر إلى الخطط الأميركية بكل التفاصيل باعتبارهم حلفائنا. وسندعمهم بأقصى حد ممكن.

 كيف ترى العلاقة بين بريطانيا والعالم العربي بعد «بريكست» وخروج لندن من الاتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا؟

– بريطانيا كانت لديها روابط تاريخية مع الشرق الأوسط ومع كل دول الشرق الأوسط. إنها أكبر منطقة فيها مشكلات في العالم. لا تستطيع إدارة الظهر للشرق الأوسط، لأن الشرق الأوسط لا يدير ظهره لك. بريطانيا لديها مسؤولية كي تكون عامل استقرار في الشرق الأوسط وسنواصل لاستخدام كل الأقنية لحل القضايا الكبرى سواء الاستقرار والأمن في أفغانستان وليبيا وشرق سوريا والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي ومحاربة التأثير المزعزع للاستقرار لإيران.

 سيبقى الدور البريطاني بعد «بريكست»؟

– لن ندير ظهرنا إلى الشرق الأوسط. بالطبع، أكثر من أي وقت.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

بلدة العريمة السورية نقطة التقاء للنفوذ الأميركي والروسي والتركي

بلدة العريمة السورية نقطة التقاء للنفوذ الأميركي والروسي والتركي

على أرض بلدة العريمة المزروعة بأشجار الزيتون ذات المساحة الخضراء، تلتقي قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والقوات الروسية المنتشرة في سوريا. وتعد البلدة السورية الوحيدة التي تمثل نفوذاً لثلاث دول كبرى فاعلة بالحرب السورية، وهي (أمريكا وروسيا وتركيا).

في طريق البلدة الرئيسي، كانت الحاجة عنود (62 سنة) تمشي برفقة ابنتها وتدعى فاطمة ذات الثلاثين عاماً، قطعتا حاجزاً يتبع «مجلس الباب العسكري»، بعد عدة أمتار؛ اعترضهما حاجز آخر يتبع القوات النظامية ويرفع العلم السوري، وعند سؤالها عن الجهة التي تدير بلدتها، ارتسمت علامات الحيرة والاستفهام على تجاعيد وجهها، لتقول: «لا أعلم والله، لأنّ الروس والنظام وقسد كل جهة لديها حواجز وعناصر»، أما ابنتها والتي كانت تلبس زياً محلياً وتتشح بالسواد قالت مبتسمة: «كل هذه القوى تحكم بلدة صغيرة بحجم العريمة».

ففي مدخل العريمة الواقعة على بعد 50 كيلو متراً شرقي مدينة حلب شمال سوريا، هناك نقطة مراقبة ترفرف فوقها ثلاث رايات عسكرية، روسية وسورية وراية ثالثة لـ«مجلس الباب العسكري» المنضوي في صفوف «قوات سورية الديمقراطية». وتنتشر في البلدة منذ بداية 2018، الجهات العسكرية الثلاث التي كانت على نقيض خلال سنوات الحرب؛ لكن التهديدات التركية غيرت خريطة الأعداء والحلفاء المتحركة، حيث تراقب الشرطة العسكرية الروسية مهمة قوات حرس الحدود أو ما تسمى محلياً بــ«الهجانة» الموالية للأسد، وتسيّر الدوريات المشتركة مع «مجلس الباب العسكري» الذي يدير البلدة عسكرياً.

تفاهمات عسكرية

غيّر تاريخ 25 ديسمبر (كانون الأول) 2018، معادلة توازنات القوى العسكرية المتوزعة على الأرض في البلدة التي تبعد 20 كيلومتراً شرق مدينة الباب الخاضعة لفصائل «درع الفرات» المدعومة من تركيا، كما تبعد 20 كيلومتراً غرب مدينة منبج والتي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية»، وبطلب من الأخيرة عاد مركز التنسيق الروسي مع وحدة من الجيش السوري إلى مواقعها في العريمة، وانتشرت 13 نقطة عسكرية بمحيط البلدة بالتنسيق مع «مجلس الباب العسكري».

يقود مجلس الباب (أبو جمعة) المتحدر من المدينة، وقد ضع نصب عينه تحرير مسقط رأسه من «الاحتلال التركي» ومن الفصائل الموالية لها المنضوية في «درع الفرات»، على حد تعبيره. شارك أبو جمعة في المفاوضات المباشرة مع الروس لعودة مركز التنسيق والقوات النظامية الى مواقعها، وعن الهدف من هذا يقول: «هدفنا حماية البلدة من التهديدات التركية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة»، وهددت تركيا بشن عملية عسكرية ودخول منبج ومناطق شرق الفرات للقضاء على «وحدات حماية الشعب الكردية»، وتزايدت وتيرة التهديدات بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهاية العام الماضي سحب قوات بلاده -وقوامها ألفي جندي- من سوريا.

من مقره العسكري في بلدة العريمة، يشرح أبو جمعة أهمية الخطوة قائلاً: «كانت بمثابة المخرج المناسب لسد الفراغ الأمني بعد سحب القوات الأمريكية، اتصلنا بالروس الذين انسحبوا قبل 6 أشهر، فطلبوا منا رفع العلم السوري، وكانت عودتهم بتفاهم عسكري مع (مجلس سورية الديمقراطية)، ونحن ندير المدينة مدنياً وعسكرياً».

وتشكل «مجلس الباب العسكري» صيف 2016 من أبناء المدينة على غرار تجربة «مجلس منبج العسكري»، وتلقى استشارات وتدريبات عسكرية من قوات التحالف الدولي، وبحسب قائده أبو جمعة فإن تعداده يبلغ نحو 3 آلاف مقاتل، ويتألف من تشكيلات أبرزها: «جبهة ثوار الباب»، «لواء شهداء ريف الباب»، «لواء شهداء الكعيبي»، «لواء شهداء القباسين»، «كتائب أحرار العريمة»، و «كتيبة سلو الراعي»، بحسب أبو جمعة.

ونشرت القوات النظامية نقاطاً عسكرية منفصلة عن حواجز «مجلس الباب»، أما الشرطة الروسية فتراقب التنسيق بين الجانبين المنتشرين داخل البلدة وفي محطيها، «النظام منتشر على طول الخط الفاصل غربي الساجور بين مناطق سيطرتنا، والمناطق التابعة لنفوذ درع الفرات المدعومة من تركيا، والروس يراقبون مهمة كل طرف» يشير أبو جمعة.

خريطة متشابكة

تتبع ناحية العريمة إدارياً لمدينة الباب بريف حلب الشرقي، بلغ تعداد سكانها حسب إحصاء عام 2004 قرابة 33 ألف نسمة، ونزح إليها حوالي 12 ألف شخص لاحقاً ليتجاوز عدد سكانها الـ 45 ألفاً، ينحدرون من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل درع الفرات في شمال وشمال غرب مدينة حلب.

وعلى مر السنوات الثماني الماضية، تغيرت الجهات المسيطرة على البلدة أكثر من مرة، فبعدما انتزعتها فصائل المعارضة المسلحة منتصف 2012 من القوات الحكومية، سيطر عليها تنظيم داعش نهاية 2014، لكن «قوات سورية الديمقراطية» وبدعم من التحالف الدولي، تمكنت من طرد عناصر التنظيم منتصف 2016 وبسطت سيطرتها عليها.

يروي المدرس سعد الدين (29 سنة) كيف توارى عن الأنظار عدة أيّام عندما دخلت القوات النظامية نهاية العام الفائت إلى مسقط رأسه، ونقل إنّ سكان البلدة انتابتهم حالة من الخوف والقلق خشيةً من الاعتقالات والملاحقة، وقال: «بقيت كم يوم ما طلعت من منزلي، بعدها عرفت من الجيران والأصدقاء أن النظام يقتصر تواجده لحماية الحدود مع مناطق التماس التابعة لفصائل (درع الفرات)».

وعن المنهاج الدراسي المقرر في العريمة يضيف سعد الدين: «هو المنهاج الحكومي نفسه دون أي تغير، يدرس من الصف الأول الابتدائي حتى الثامن الإعدادي، أما التاسع الأساسي والمرحلة الثانوية لا تدرسان لغياب مراكز امتحانات وكوادر تدريسية».

في مدرسة البلدة للتعليم الأساسي، كان التلاميذ يلهون في ساحتها وتتعالى صيحاتهم وضحكاتهم، كما تبدو شوارع البلدة شبه طبيعية، فالمحال التجارية عرضت أصنافاً من المواد الأساسية والغذائية وفي زاوية كل صنف كتب سعرها بالليرة السورية، فيما يتبضع الأهالي من سوق المدينة المركزي لشراء الخضار والفاكهة ومتطلباتهم اليومية.

مالك إحدى بقاليات السمانة يرتدى عمامة بيضاء ويدعى حميد (55 سنة) أشار إلى أنّ أسعار المواد في البلدة منافسة مقارنة مع باقي المحافظات كمدن حلب ودمشق والساحل السوري. مضيفاً «كيلو السكر يباع بـ 275 ليرة سوري (ما يعادل نصف دولار أمريكي)، وجرة الغاز متوفرة وسعر الأسطوانة 3 آلاف ليرة (6 دولار)، فكل شيء متوفر والحمد لله والأسعار مقبولة».

ويضيف تسيير الدوريات (الروسية – السورية – الديمقراطية) بعداً جديداً للخريطة المتشابكة في محيط العريمة، التي تختلط فيها قوات متحالفة مع «وحدات حماية الشعب» الكردية، شاركت مع التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش، بينما تحيط بشمال وغرب المدينة فصائل سورية مدعومة من تركيا، وفي الغرب والجنوب تتمركز قوات تابعة للنظام الحاكم.

خريطة جغرافية ساخنة

أصبحت خريطة العريمة السورية أكثر سخونة، مع حالة استنفار عسكري لكل القوى المتوزعة على الأرض، استعداداً لعمل عسكري تركي متوقع بمشاركة فصائل معارضة ضد «الوحدات الكردية» وهي العماد العسكري لـ«قوات سورية الديمقراطية»، والأخيرة منتشرة في البلدة ومحيط مدينة منبج المجاورة ومناطق شرقي الفرات.

ونقل الصيدلي سالم (32 سنة) المتحدر من العريمة وكان مقيماً حتى ربيع 2016 في مدينة حلب، إنه كان يعمل في مستشفى ابن رشد الحكومي، وعلى إثر المعارك المحتدمة بين «قوات سورية الديمقراطية» وتنظيم داعش صيف 2016، أغلقت جميع الطرق والمنافذ البرية الأمر الذي أجبره على البقاء في بلدته وافتتاح صيدلية هناك، وقال: «أنا بحكم المستقيل، منذ 3 سنوات لم أذهب للدوام، لا أعلم ما هو وضعي القانوني، هل أقالوني من العمل أم فصلوني؟ حقيقةً لا علم لي».

بينما يقول سعدون (42 سنة) والذي يمتلك محلاً لإصلاح وبيع الإطارات، إن التهديدات التركية المتصاعدة و المتزامنة مع الانسحاب الأمريكي جعلت “الكثير من سكان المدينة يخشون كثيراً من نيران الحرب، نشاهد ماذا يحدث في باقي المناطق وكيف يعيش النازحون تحت خيم النزوح واللجوء، فالحروب لا ترحم المدنيين» بحسب قوله.

ويواجه سكان العريمة إجراءات معقدة عند السفر خارج الحدود الإدارية للبلدة، إلا أن «معظم الأهالي يفضلون هذا الوضع مقارنة بحكم الدواعش سابقاً أو دخول فصائل درع الفرت» بحسب سعاد وهي سيدة في بداية عقدها الرابع، إلا أن سعاد ترى في الوقت نفسه أنّ بقاء الوضع على هذا الشكل غير مريح بالنسبة لسكانها، وتقول : «نخضع لحكم ثلاث جهات عسكرية وهذا أمر غير مقبول، فالسفر لمناطق درع الفرات شبه مستحيل، أما الى مناطق النظام ففيه خطورة ومجازفة».

نقطة التقاء ثلاث دول كبرى

تحتل العريمة المضطربة موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري، إذ تقع قرب نقطة التقاء ثلاث مناطق منفصلة، تمثل مجالاً للنفوذ التركي والأميركي والروسي، وما يتبعها من قوى محلية، فيما تتأهب البلدة الساخنة حالياً لتغيير جديد في موازين القوى قد تحدده معركة يجري الاستعداد لها من قبل الجيش التركي.

يقول محمد سعيد (42 سنة) إن العريمة جزء من سوريا، وعودة القوات النظامية ليس بأمر غريب عليه، «حتى اليوم لا يتدخلون بشؤون المدنيين، لكنني أخشى كثيراً من دخول فصائل درع الفرات بمساندة تركية، لأنّ الفوضى والخراب سيعم المنطقة».

وأرسل الجيش التركي تعزيزات عسكرية مدعومة بعشرات المدرعات والآليات إلى ريف حلب الشمالي، لمساندة فصائل المعارضة المسلحة التي اتخذت مواقعها في القرى المتاخمة للعريمة، وتتمركز هذه القوات على تخوم نهر الساجور غرباً وعلى طول شريط يبلغ 70 كيلومتراً، يمتد من غرب البلدة إلى شرق جرابلس ووصولاً لضفة نهر الفرات الغربية.

وتقول آمنة (40 سنة) والتي كانت تتجول في سوق البلدة، إنها تخشى كثيراً من تجدد القتال في مسقط رأسها، «أخاف على أولادي وأهلي… ماذا سيكون مصيرنا، إذا نزحنا في هذا الشتاء البارد أين سنذهب بروحنا، خلال السنوات الماضية لم ننعم بالاستقرار والأمان»

وطالبت تركيا مراراً بإنشاء منطقة آمنة على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، ويقول طبيب البلدة الدكتور مسعود (53 سنة): «نحن مع المنطقة الآمنة إذا كانت برعاية دولية وأممية، لكن أرفض أنْ تكون تحت إشراف تركيا».

وتقع المنطقة الآمنة التي تطالب بها أنقرة على طول الحدود مع سوريا وتمتد على مسافة 460 كيلومتراً وبعمق 30 كيلومتراً، وهي تضم مدناً وبلدات كردية تتبع ثلاث محافظات سورية وهي الحسكة والرقة وحلب، وتنظر تركيا بريبة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية وتتهمها بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها والذي يقود تمرداً عسكرياً منذ 41 سنة.

وتترقب البلدة التطورات الجديدة بقلق، ويخلص عماد الدين وهو رجل يبلغ من العمر ستين عاماً، حال أهلها قائلا «الحرب أنهكت البشر والحجر وشجر الزيتون، 8 سنوات عجاف لم ننعم بالاستقرار، مرت علينا مثل 80 دهراً»، يتوقف عن الكلام بعض الوقت ثم يضيف: «أملي أنْ تنتهي هذه الحرب وأنْ تعود الحياة الطبيعية، ننتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر».

أرامل ريف إدلب.. تتحدى الحرب والمجتمع

أرامل ريف إدلب.. تتحدى الحرب والمجتمع

تمضي أم وائل معظم وقتها في بيع الألبسة المستعملة، فهي عازمة على النهوض بأعباء جديدة فُرضت عليها إثر وفاة زوجها، حيث أصبحت المعيلة الوحيدة لخمسة أبناء. تقول أم وائل “كوني لا أملك شهادة أو مهنة، لا يعني أن أموت جوعاً مع أولادي، فأبواب الرزق عديدة، فقط علينا ألا نيأس”.

وقتل أبو وائل في القصف الذي طال مدينته أريحا أواخر عام ٢٠١٥، اضطرت عندئذ للانتقال لبيت أهلها وتسليم منزل الزوجية المستأجر لصاحبه. “لكنني شعرت بأنني بت عبئاً على أهلي ولا ألومهم في ذلك” تقول أم وائل مبررةً موقف أهلها “بات كل شخص في وقتنا الصعب يعيش محتاراً في لقمة عيشه، لذا قررت الإعتماد على نفسي، وبدأت رحلة شقاء في البحث عن مورد رزق يجنبنا الحاجة، وعندما عجزت عن ذلك ابتكرت عملاً لنفسي، وقمت باستئجار أحد المحلات وملأته بالبضائع التي كنت أشتريها بالدين والسداد عند المبيع ومردود عملي هذا أصبح يؤمن نفقاتي أنا وأولادي”.

وأم وائل واحدة من آلاف النساء التي فقدن أزواجهن في السنوات الثمانية الماضية إثر الحرب التي شهدتها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إذ قتل الرجال في المعارك وجراء القصف مُحمّلين زوجاتهم عبئاً ثقيلاً لإعالة أبنائهن، وسط ظروف صعبة يسودها انعدام الأمن وقلة فرص العمل، يضاف إلى ذلك أيضاً مجتمع يرصد تحركاتهن في كل لحظة.

عن واقع الأرامل في مجتمعها تقول أم وائل “تواجه الأرملة هنا في ريف إدلب تحديات جمة، قد لا تستطيع تحملها، وهو ما يدفعها في بعض الأحيان للتخلي عن أولادها واللجوء للزواج ثانية، هرباً من حياة البؤس والفقر والشقاء، في حين ترفض أخريات فكرة أن يدفع أولادهن ضريبة حرب حرمتهم الأب، ليعمدن لحرمهم الأم ايضاً”.

أما أسماء الحسين وهي أرملة في الثلاثين من عمرها، و أم لثلاثة أطفال أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تعيش في مخيمات جسر الشغور بعد تهدم منزلها الكائن في الريف الشرقي، وعن عملها تقول أسماء “أنا حالياً المعيل الوحيد لأبنائي، أعمل في الصباح بمجال الخياطة وفي المساء بمجال نسج الصوف والحياكة، أحاول أن أوصل ليلي بنهاري كي أتمكن من تأمين مستلزمات أبنائي”، وتؤكد الحسين بأنها تعتمد بشكل كامل على بيع ما تصنعه من القطع وبأسعار منافسة، فهي تعلمت الكثير من الطرق الجديدة في مهنة الخياطة والحبكة لتطوير عملها وتحسين دخلها.

قصة أم حسام الخمسينية أيضاً لا تختلف عن قصص كثيرات من نساء جيلها اللواتي دمرت الحرب أحلامهن البسيطة بالاستقرار والعيش إلى جانب أولادهن وأحفادهن، حيث فقدت زوجها وابنها لتجد نفسها بعد ذلك مسؤولة عن ستة أحفاد أصغرهم في الخامسة من عمره.

تعمل أم حسام بتربية الأبقار للاستفادة من منتجاتها في الإنفاق على عائلتها، ورغم مشقة عملها الذي تقضيه بين إطعام الأبقار وتنظيف الحظيرة وجمع الحليب، فهي تشعر بالرضا والقناعة. وقد باعت أم حسام أرضها التي لا تملك غيرها لتؤسس هذا المشروع التجاري الصغير.

وبينما تستعد أم حسام لحليب الأبقار تخبرنا بابتسامة بأنها معتادة على هذا العمل منذ زمن بعيد، حين كانت لا تزال عزباء وتعتني بأبقار أهلها.

عائشة أيضاً اختارت العمل على مشروع لصناعة الألبان والأجبان، فبعد طلاقها من زوجها الذي حرمها حتى من رؤية أبنائها، عمدت عائشة لتقديم شكوى للحصول على حضانة أطفالها رغم ممانعة أهلها الذين رفضوا إعالتهم، غير أنها لم تتراجع واستطاعت كسب الدعوة، عازمة على تربيتهم وتولي مهمة الإنفاق عليهم دون الحاجة لأحد.

مع مجموعة مع الأرامل الأخريات، تعمل عائشة اليوم بمشروع صناعة الألبان و الأجبان، وتحصل لقاء عملها على راتب شهري لا تجده كافياً للانفاق على أولادها، فتقول”الراتب لا يتناسب مع الغلاء الكبير في منطقتنا، ومع ذلك فأنا أحاول تدبير أموري به، إضافة لعملي المتقطع في المجال الزراعي والمعونة الشهرية التي أحصل عليها من المجلس المحلي بين الحين والآخر”.

وبالإضافة للصعوبات الاقتصادية والأمنية الصعبة والحرب، تواجه المرأة ضغوطاً اجتماعية تؤطر عملها وتفرض عليها قيوداً عديدة.

المرشدة النفسية فاتن السويد تقول عن ذلك “تواجه الأرملة ضغوطات نفسية متعددة، ويرجع ذلك إلى حداثة عمل المرأة خارج المنزل، وإلى المعوقات الإجتماعية المختلفة، إضافة لتركيبة المرأة الخاصة التي لم تعتد سوى أن تكون ربة منزل فقط ” داعية لدعم الأرامل اجتماعياً و نفسياً مما قد يتطلب إعداداً وتأهيلاً ووقتاً كافياً كي تستطيع المرأة تلبية متطلبات الحياة الكثيرة، فالأرملة بحاجة لدعم مادي ومعنوي لتتمكن من الثبات أكثر والوثوق بنفسها، بحسب السويد التي تضيف “تركت الحرب أولئك النساء في مهب الريح مع أطفال أيتام يحتاجون لرعاية، وفي الوقت الذي تعاني فيه الأم من صعوبة الحصول على متطلبات أولادها  فهنالك مجتمع يرصد تحركاتها وفقاً لعادات وتقاليد بالية لا ترحم”، وتبدي السويد إعجابها الشديد بالنساء اللواتي تحملن الصعاب وتأقلمن مع كل المتغيرات التي طرأت على حياتهن من أجل الاستمرار.

الانتحار السوري أكبر من إشاعة

الانتحار السوري أكبر من إشاعة

يسهب السوريون في وصف حالات الانتحار لا في ذكرها فحسب، شنق نفسه،  تناولت علبة حبوب كاملة ، توقف قلبها بعدما شربت سم الفئران، قطع أوردة يده، أطلق رصاصة على حبيبته ثم أطلق الطلقة الثانية على رأسه في توصيف لحالة قتل متبوعة بعملية انتحار لحبيب تركته حبيبته فقتلها وانتحر!

وأثارت حادثة انتحار امرأة سورية في مخيم الركبان على الحدود الأردنية، ضجة كبيرة في الأوساط السورية الشعبية وفي الإعلام وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكانت الأم ذات الثمانية والعشرين عاما أضرمت النار في خيمتها بسبب الجوع، وعجزها عن تأمين لقمة طعام لأبنائها الثلاثة لثلاثة أيام متتالية، حيث احترقت خيمتها بالكامل وتم نقلها إلى المشفى مع ابنها الرضيع وهما بحالة حرجة، كما أصيب  ولداها الآخران بحروق أيضا لكن وضعهما الصحي مستقر.

العديد من الحوادث الأخرى عرفت طريقها لأحاديث السوريين اليومية، مصورة وغير معلنة،  كفيديو من حماة يظهر فيه رجل في  حوالي العقد السادس من عمره وقد تناول  عددا غير معروف من الحبوب الدوائية، وهو يحاول رمي نفسه في نهر العاصي، وفيديو لشابين من السويداء يودعان رفاقهما وأصدقاءهما قبل أن يتوجها إلى حديقة “الفيحاء” ليفجرا نفسيهما بقنبلة يدوية.

وفي فيديو آخر تظهر امرأة متزوجة تهرب من تهديد زوجا بقتلها، وتعمد لرمي نفسها من نافذة الطابق الثالث في أحد أحياء مدينة حلب، لتقضي على الفور فيما بقي زوجها طليقا، أما ما يقال في حق الزوجة فهما روايتان: هي تستحق القتل فعلا وإلا لما قامت بالهرب منه أصلا أو لما تجرأ زوجها على تهديدها بالقتل علنا، أو سيقولون إنها غبية، هدرت حياتها مجانا بسقطتها تلك و بالتالي خسارة حياتها مسؤوليتها وحدها.

وعادة يرافق محاولات الانتحار حالة من التكتم الشديد تصل للإنكار من قبل ذوي المنتحر، لكن الآن تغير الأمر، فلم يعد العدد الكبير هو وجه التميز الوحيد، بل الاستعداد الطوعي -وأحيانا دون تردد- بعرض تجربة الانتحار من قبل الشخص نفسه،  تقول س وهي طبيبة مشهورة، بأنها  فكرت بالانتحار بصورة جدية لأربع مرات متتالية، لكنها لم تقدم عليه حفاظاً على مشاعر عائلتها وخاصة أبنائها، لكن لماذا؟ خاصة كطبيبة ناجحة ومعروفة.

يُرجع عدد من الأطباء النفسانيين والأخصائيين الاجتماعين انتشار حالات الانتحار إلى تردي الثقة بالنفس وبالغد، وإلى نتائج الصدمات المتتالية على البنية النفسية للسوريين الذين عانوا من أهوال النزاع المسلح ومن الفقر والتشرد والتهجير من بيوتهم ومناطقهم وفقدان الممتلكات و العمل، إضافة لإنفاق كافة المدخرات -إن توفرت- وتضاؤل القيمة الشرائية لليرة في مواجهة ارتفاع حاد في سعر الدولار، وبالتالي في سعر المواد الأساسية واللازمة لتأمين الحد الأدنى من البقاء وخاصة الأدوية والمواد الغذائية وبدل إيجارات المساكن البديلة. هذا عدا عن الصدمات المتتالية  الناجمة عن فقد الأحبة  وخاصة أفراد العائلة وخسارة المعيلين اقتصاديا أو تغييبهم، وجهل حقيقة أوضاع المفقودين وإن كانوا أحياء أو ميتين.

كما يربط العديد من الاختصاصيين في الطب النفسي والعلاج السلوكي بين ارتفاع حالات الانتحار وتناول الأدوية المهدئة والأدوية المضادة للاكتئاب وحبوب المنومات، والتي يشهد استعمالها تزايدا غير مسبوق وغير منضبط.

وتشهد العديد من المناطق السورية حالات بيع لهذه الأدوية  دونما وصفة طبية مبنية على تشخيص طبي مختص، وبهذا يعاني متعاطوها من آثارها الجانبية بالغة الخطورة أهمها التعود والتسبب بهشاشة الجهاز العصبي وبالتالي عدم القدرة على ضبط النفس والسيطرة على ردود الفعل والانفعالات العصبية والنفسية التي تتأزم جراء ضغط ما، أو لغياب المادة الدوائية  تلك لأسباب عديدة قد يكون الفقر أهمها، هذا عدا عن الأعراض الجانبية التي تنشأ كرد فعل كيميائي في الجسم جراء استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب، خاصة ما قد تتسبب بتعزيز الميل للانتحار الذي يكاد أن يكون بنيويا في حالات بعض المرضى. وجراء تزايد تعاطي كل هذه الأنواع من الأدوية، بات من الطبيعي أن تجد شابا مرميا على طرف الطريق وهو شبه مشلول الحركة، ساكن وخامد ، لا يتفاعل مع المحيط الخارجي، يحدق في المارة بحدقة جامدة في محجر العين أو متوسعة بشدة ، أو  أن تجد مريضا يكلم نفسه أو يثور غضبا ولا يهدأ إلا بعد ضرب أحدهم أو كسر شيء ما، لينخرط بعدها في نوبة بكاء مريرة تحرق القلوب وتضاعف حجم الخسارات.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن عدد الأطباء النفسانيين الباقين في سوريا قليل جدا، ويقدر البعض أن النسبة قد تصل لتكون طبيباً واحداً لكل مائة ألف شخص، وهو ما يصعب التحقق منه.

ويمكن ملاحظة أن السمة العامة لحالات الانتحار هو تأكيدها من قبل الكثيرين، وإن لم تذكر رسميا، أو تسجل في إحصائيات منهجية لزوم الدراسة التحليلية والكمية للوصول للعدد الحقيقي والأسباب المباشرة وغير المباشرة.

ولا يتردد السوريون في  رواية سرديات الانتحار السوري، الأخطر أنهم يعتبرونها نتاجاً طبيعياً للحرب، وماذا لو كانت فعلا كذلك؟ أين الرقم الحقيقي ؟ وأين وسائل الحماية ؟ ومن ينصف الضحايا؟ من ينصف ذويهم من تهمة الجنون أو العقوق أو الخروج عن الأعراف، أو الضعف البشري أو العجز؟ ويمنع توسع قوائم السرد بأسماء جديدة تتحول لمجرد أرقام وقصص  مكررة بشفهية غير مجدية، تُتبع أحيانا بعبارة “يا حرام” ! أو “عجهنم فورا” ، كونه خالف أمر الله وهدر حياة لا يملكها هو أساسا.

سباق “المنطقة الأمنية” و”اتفاق أضنة” على شرق سوريا

سباق “المنطقة الأمنية” و”اتفاق أضنة” على شرق سوريا

هناك سباق على ترتيبات منطقة شمال شرقي سوريا بعد الانسحاب الأميركي بين تفاهم أميركي – تركي على “منطقة أمنية” وبين عرض روسي لتركيا بتفعيل “اتفاق اضنة” بين انقرة ودمشق.

في الأسابيع الأخيرة، تطورت ملامح التفاهم الأميركي – التركي حول «المنطقة الأمنية»، وستكون الأيام المقبلة حاسمة للوصول إلى اتفاق نهائي بين واشنطن وأنقرة من جهة وتحديد دور «المراقبين» الأوروبيين في المنطقة وحماية الأكراد من جهة أخرى.
وتعقد في واشنطن الثلاثاء المقبل، اجتماعات اللجنة الأميركية – التركية على مستوى كبار الموظفين قبل لقاء وزير الخارجية مايك بومبيو ومولود جاويش أوغلو على هامش المؤتمر الوزاري للتحالف الدولي ضد «داعش» في اليوم اللاحق، لحل «العقد» أمام «خريطة الطريق» الجديدة بين الطرفين.
وسيكون المؤتمر أساسيا باعتبار أن ممثلي 79 دولة سيشاركون في أول اجتماع موسع ورفيع منذ قرار الرئيس دونالد ترمب في 14 ديسمبر (كانون الأول) الانسحاب من سوريا وقرب القضاء على «داعش»، واتفاقه مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان على تشكيل «منطقة آمنة» وتفاهمه (ترمب) مع نظيره الفرنسي مانويل ماكرون على «حماية الأكراد» ثم عودته للاتصال بإردوغان في 23 ديسمبر (كانون الأول) (كانون الأول) وطلب «حماية الأكراد».

“خريطة” جديدة
على ماذا اتفقت واشنطن وأنقرة؟ بعد اتصال ترمب – إردوغان وإعلان «مفاجأة الانسحاب»، زار مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومسؤول الملف السوري جيمس جيفري وقائد الأركان جون دونفورد أنقرة قبل لقاء الأخير مع نظيره التركي على هامش مؤتمر «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) في بروكسل واتصالات بومبيو – جاويش أوغلو.
الخلاف الأول، كان على اسم المنطقة إلى أن حسم لصالح أنقرة بأن تسمى «منطقة أمنية» حماية للأمن القومي التركي وليس «منطقة عازلة» أو «آمنة» بينها وبين الأكراد.

هناك اتفاق واضح أيضا على نقطتين: أن يكون عمق المنطقة 20 ميلاً، أي بين 30 و32 كيلومترا وأن تكون خالية من السلاح الثقيل والقواعد العسكرية في أيدي «وحدات حماية الشعب» الكردية.
أنقرة تريد إخراج نحو سبعة آلاف «مقاتل نواة صلبة» من «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى خارج «المنطقة الأمنية»، على أن يحل محلهم مقاتلون من «البيشمركة» من المقاتلين والمنشقين الأكراد السوريين الموجودين في كردستان العراق بدعم من رئيس الإقليم مسعود بارزاني، إضافة إلى مقاتلين عرب سيوفرهم رئيس «تيار الغد» أحمد الجربا الذي كرر زياراته إلى أنقرة وأربيل. أنقرة تريد حرية التحرك في هذه المنطقة لـ«ملاحقة الإرهابيين». كما ترفض حالياً أي وجود لقوات الحكومة السورية وتقترح مجالس محلية منتخبة من السكان الأصليين، إضافة إلى إعادة لاجئين إلى الشمال السوري.
هناك رغبة أميركية – تركية بنسخ تجربة «خريطة الطريق» الخاصة بمنبج (إخراج مقاتلي الوحدات من المدينة، دوريات مشتركة، تنسيق أمني، مجالس محلية منتخبة خالية من أنصار الوحدات الكردية) في شرق الفرات بدءا من «المنطقة الامنية». لكن هناك «عقدا» موضع نقاش، إذ أن واشنطن تقترح أن يشمل الإبعاد فقط المقاتلين الأكراد غير السوريين والمحسوبين على «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان ذلك ضمن تصور أوسع تربطه بالعملية السياسية بين أنقرة و«حزب العمال».

-حذر أوروبي
لا تزال هناك سجالات مفتوحة إزاء الدور الأميركي في هذه «المنطقة الأمنية». وهنا يأتي الحديث عن الحوار القائم بين واشنطن وعواصم أوروبية. هل تقيم واشنطن وباريس ولندن في الصفحة نفسها؟
قرار ترمب الانسحاب فاجأ أيضا حلفاءه في أوروبا الذين سبق وأن استجابوا لدعوته في ربيع العام الماضي وزادوا مستوى الانخراط العسكري و«المشاركة في تحمل العبء» بإرسال قوات خاصة لتقاتل مع ألفي جندي أميركي تنظيم داعش. كما أن عددا من الدول بينها فرنسا، أرسلت دبلوماسيين وأقاموا إلى جانب الدبلوماسيين الأميركيين شرق الفرات.

فور وقوع «هول المفاجأة»، تواصل بولتون وبومبيو مع لندن وباريس. كما أن جيمس جيفري، الذي أصبح المبعوث الأميركي في التحالف الدولي ضد «داعش» خلفا لبريت ماكغورك، زار العاصمة الفرنسية قبل يومين. الرسالة الفرنسية، أن «موضوع حماية الأكراد أهم موضوع لدى الرأي العام الفرنسي لأنهم حلفاء وقاتلوا «داعش» نيابة عن الفرنسيين». ماكرون أبلغ الرسالة إلى ترمب. الرسالة الأميركية إلى الحلفاء الأوروبيين، هي: أميركا ستسحب القوات البرية في نهاية أبريل (نيسان) أو مايو (أيار) كحد أقصى، يجب القضاء على «داعش» قبل ذلك، قاعدة التنف الأميركية ستبقى بعد الانسحاب لأنها مرتبطة بالضغط على موسكو ودمشق ومراقبة نفوذ إيران وقطع الطريق البري بين إيران وسوريا، ستوفر أميركا إمكانات عسكرية لحماية القاعدة، أميركا تريد بقاء قوات خاصة واستخبارات من الدول الحليفة شرق الفرات وأن تساهم في «المنطقة الأمنية»، في المقابل ستقدم أميركا الدعم الاستخباراتي وستستخدم قواتها في العراق للتدخل السريع ضد «داعش» أو أي تهديد، إضافة إلى احتمال كبير بالإبقاء على الحظر الجوي.
ظهرت معضلة هنا: أميركا تريد من حلفائها تعهد الالتزام العسكري كي تتمكن من المضي قدما بالحظر الجوي والدعم الاستخباراتي لـ«الأمنية» وجوارها والإبقاء على التنف. الدول الأوروبية تريد تعهدا أميركيا بالبقاء جوا واستخباراتيا وفي التنف، كي تستطيع المضي في بحث بقاء القوات الخاصة والاستخبارات. في الوقت نفسه، هناك حذر فرنسي – بريطاني إزاء إمكانية تنفيذ «الوعود» القادمة من مسـؤولين أميركيين لثلاثة أسباب: الأول، صعوبة الرهان على استقرار قرارات الإدارة الأميركية في ظل حكم ترمب. الثاني، روسيا (وطهران ودمشق) ستختبر أميركا مرات عدة كما أن موسكو ستعرقل ذلك عسكرياً. الثالث، عدم وجود تفويض من الكونغرس الأميركي للبقاء شرق سوريا بعد هزيمة «داعش».
هناك من يستند إلى إمكانية تبرير البقاء بـ«دعم القوات الأميركية في العراق»، غير أن أغلب الظن أن بعض الدول الأوروبية ستنسحب من شرق سوريا قبل الأميركيين.

إغراء روسي
ضمن هذه السجالات، التي ستحتدم بين وزراء التحالف الدولي في واشنطن الأربعاء، ومحاولات إبرام اتفاق بين واشنطن وأنقرة من جهة والمفاوضات الحذرة بين أميركا وحلفائها من جهة ثانية، قامت موسكو ودمشق بهجوم مضاد. أوفدت دمشق مبعوثا إلى بارزاني لـ«فرملة» خيار إرسال «بيشمركة» من كردستان إلى شرق الفرات. ولوحظ امس قيام رئيس «هيئة التفاوض» المعارضة نصر الحريري بزيارة اربيل ولقاء بارزاني لدعم موقف انقرة.
كما مارست موسكو ضغوطا إعلامية على أنقرة في إدلب مع حشد دمشق قواتها شمال حماة بالتزامن مع اتهام تركيا بعدم تنفيذ اتفاق سوتشي في «مثلث الشمال».
تضمن الهجوم الروسي أيضا تشكيكا بجدية الانسحاب الأميركي وتقديم طلب خطي الى واشنطن بتسلم قائمة بأمكنة وكمية السلاح الثقيل والقواعد الأميركية شرق سوريا وجدول زمني لخروجها أو تفكيكها أو تدميرها.
لكن الورقة الروسية الرئيسية، كانت أن موسكو على الطاولة التركية «اتفاق أضنة» بين أنقرة ودمشق الذي يعود إلى العام 1998. بدلاً من خطة أميركية – تركية لـ«المنطقة الأمنية».
“اتفاق أضنة” يعطي أنقرة الحق بملاحقة «حزب العمال الكردستاني» لعمق 5 كيلومترات شمال سوريا، وتتخلى بموجبه دمشق عن أي مطالبة بحقوقها في لواء إسكندرون (إقليم هاتاي) الذي ضمّته تركيا في 1939.

ويعني الاتفاق اعتراف أنقرة بشرعية الحكومة السورية؛ لأن تنفيذه يتطلب كثيراً من الإجراءات، بينها تشكيل لجنة مشتركة وتشغيل خط ساخن بين أجهزة الأمن، إضافة إلى اتصالات سياسية مباشرة، بدلاً من «اتصالات غير مباشرة» وإعادة تشغيل السفارة التركية في دمشق، والسفارة السورية في أنقرة باعتبار أن الاتفاق يتطلب تعيين ضابط ارتباط أمني في كل سفارة. كما يعني انتشار القوات الحكومية السورية على الحدود، والاعتراف بالحدود القائمة من البحر المتوسط إلى العراق.
أنقرة توازن بين عرضين: أميركي وروسي. لديها نافذة مفاضلة تستمر إلى حين إجراء الانتخابات المحلية في مارس المقبل وقرب الانتهاء من الانسحاب الأميركي في مايو والقضاء علـى «داعش». تحاول أنقرة الحصول على «الأفضل» من العرضين. لكن أغلب الظن، بحسب دبلوماسيين غربيين، فإن إردوغان لن يغضب قبل الانتخابات المحلية، ترمب الذي كان لوح بـ«تدمير الاقتصاد التركي» وهو (اردوغان) سيلجأ الى «قضم» قرى عربية شمال سوريا مثل تل ابيض.

 في نهاية المطاف، سيحط اردوغان في  «الحضن الروسي» بعد الانسحاب الأميركي للحصول على نسخة معدلة من «اتفاق أضنة».

 يعني ذلك: انتشار الشرطة الروسية شمال سوريا وقيامها برعاية تنفيذ الاتفاق كما فعلت في الجولان بضمان تنفيذ «اتفاق فك الاشتباك» بين دمشق وتل أبيب. أي، ان يتم إرجاء انتشار القوات الحكومية السورية مع الفصل في الشريط الحدودي مع ترتيبات لا مركزية بين «قلب شرق الفرات» الكردي في القامشلي و«قلب العروبة النابض» في دمشق. أي، أن تكون هذه ترتيبات مؤقتة إلى حين نضوج ظروف حصول خطوات عسكرية وترتيبات مباشرة بين أنقرة ودمشق تحت غطاء حل سياسي منطلقه الإصلاح الدستوري.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»