بواسطة Motaz al-Hinawy | أكتوبر 16, 2018 | News, غير مصنف
يشغل هاجس الخدمة الإلزامية الشباب السوري ويأخذ حيزاً كبيراً من همومهم وحياتهم منذ سنوات، إلا أن القصة اتخذت بعد الحرب أبعاداً أخرى كثيرة، لتتحول لمشكلة حقيقية يعاني منها الآلاف في عموم سوريا وفي السويداء بشكل خاص.
تشير أرقام تقديرية غير رسمية إلى أن عدد المتخلفين عن الخدمة العسكرية في السويداء تجاوز ٣٠ ألفاً بين فار من الخدمة و متخلف عنها، بنسبة قد تصل الى ٥٠ بالمئة من عدد شبان المحافظة الذين تتراوح أعمارهم بين ١٩ و٤٢ عاماً وهو سن التكليف والخدمة.
يقول نايف الذي يعمل شرطياً في إحدى القرى وهو على أبواب التقاعد: “باتوا يلقبونني بالقرية بالبومة أو وجه النحس، فمنذ خمس سنوات، اقتصر عملي على تبليغ المطلوبين للخدمة العسكرية، وبت ألحظ توجس الناس مني ونفورهم عند رؤيتي، لكن هذا عملي وعليّ القيام به.”
لم يتوقف الشبان عن الالتحاق بالخدمة أو البقاء فيها في الأشهر الأولى من الاحتجاجات، لكن الوضع تغير مع تصاعد العنف والتحول نحو المواجهات المسلحة، إضافة لإيقاف الحكومة لقرارات التسريح وطلب جنود للاحتياط، وبهذا أصبحت الخدمة العسكرية أشبه بالدخول إلى نفق مجهول النهاية.
وخلافاً لباقي المناطق السورية، لم يؤثر الموقف الشعبي من الحرب في هذه المسألة (معارضة وموالاة)، حتى أنه يمكن القول أن التخلف عن الخدمة في السويداء جعل موقفها مما يجري محايداً وبدت خارج الاصطفافات التي فرضتها جغرافية الحرب وطوائفها.
رفض عدد من الشبان الالتحاق بالجيش نتيجة لموقفهم السياسي أو الفكري، لكن للنسبة الأكبر من الرافضين أسباباً أخرى مختلفة شخصية أو عامة، مادية أو نفسية.
عن أسبابه الخاصة يقول عبد السلام وهو جندي فار من الخدمة “لم أستطع تحمل مشاهد الحرب اليومية، فما عانيناه لا يوصف أبداً، كنت على حافة الانتحار، وقررت الفرار من الحرب.” يضاف إلى الأسباب النفسية أيضاً التمييز والفساد داخل الجيش بالإضافة إلى المعاملة السيئة والإهانات المتكررة التي يتلقاها المجندون، وعن هذا يروي رواد، وهو أحد الجنود الذين شاركوا في جبهات الغوطة، “حتى في أشد اللحظات قسوة وأكثرها خطراً كان التمييز على الأساس الطائفي أو المناطقي موجوداً في طريقة التعامل وفي طبيعة المهمات الموكلة إلينا.”
كذلك لم تعد للخدمة العسكرية في زمن الحرب فترة محدودة يقضيها الشاب ويمضي في حياته بعدها، بل أصبحت حياة كاملة لا يُعرف متى تبدأ ولا متى تنتهي، فقرار التسريح بيد السلطات العليا فقط.
الموت على الجبهات أو الموت جوعاً
جاءت طلبات الجيش لتجنيد قوات احتياطية من الشبان، كارثية مع تردي الوضع المعيشي والأزمات الاقتصادية الحادة التي مرت في السنوات الماضية، فمعظم من طُلبوا معيلون لأسرهم، والذهاب للخدمة يعني موت باقي أفراد أسرتهم جوعاً، فراتب العسكري لا يكفيه شيئاَ في ظل الظروف الحالية، وإن حدث ومات في الحرب فلا تعويضات لأسرته تحميها من العوز وتأمن حياتها بعده.
يشرح أكرم الذي رفض الذهاب للخدمة ظروفه قائلاً: “ما هذه السخرية والاستخفاف بحياة الناس، يعوضون قتلى الحرب بساعة حائط أو درع شرف وبأحسن الحالات برأس من الماعز! أبي وأمي عاجزون تقريباً وأنا لدي ثلاثة أطفال وزوجة، ومسؤول عن إعالتهم جميعاً، فإن مت في الحرب هل ستكفيهم العنزة؟”
أما عن نتائج التخلف عن الخدمة العسكرية، فهي تعميم الاسم على الحواجز والحدود وكافة الدوائر الرسمية والأمنية، ليصبح الشاب مطلوباً لها، وتتجمد حياته بالكامل فلا يستطيع استصدار أي ورقة رسمية مهما كانت، من جواز السفر وصكوك الملكية وعمليات البيع أو الشراء، حتى تسجيل الزواج أو المواليد الجدد وتجديد أوراق ثبوته. إضافة إلى ذلك يصبح التنقل بين المدن مستحيلاً أيضاً نتيجة انتشار الحواجز في كل مكان.
من تداعيات المشكلة أيضاً الملاحقة القضائية والقانونية وبالأخص لموظفي القطاع العام أو المشترك؛ فبمجرد التخلف عن الخدمة، يُفصل الموظف من عمله، ويحرم من تعويضاته كاملة، ويصدر بحقه حكم قضائي أيضاً وغرامات مالية، وأدى هذا إلى حدوث أزمة في أعداد الموظفين بالمنطقة إذ بات من النادر أن تجد مدرساً أو موظفاً شاباً في تلك الدوائر.
ممنوع من السفر ومن العودة
تعتمد السويداء في اقتصادها بشكل أساسي على الموارد التي تأتيها من عمل أبنائها في الخارج سواء في المدن السورية الأخرى أو في دول الجوار وأميركا الجنوبية، إلا أن تفاقم مشكلة الخدمة العسكرية حرم الكثيرين من السفر، ومنع الكثيرين أيضاً من الزيارة، حتى أن بعض الشبان الذين جاؤوا لقضاء إجازتهم في البلد تفاجؤوا بطلبات الاحتياط تنتظرهم ليُمنعوا من السفر ويخسروا عملهم وأرزاقهم في الخارج، وبهذا أصبحت الكثير من العائلات منقسمة ومشتتة بين الداخل والخارج.
توضح قصة مهند هذه التداعيات، فهو مدرس تاريخ متزوج ولديه طفل، اعتاد في كل صيف الذهاب إلى لبنان للعمل في محلات أقربائه ثم العودة مع بداية العام الدراسي ليتابع عمله في سوريا. إلا أن حياته انقلبت إلى كارثة خلال إحدى سفراته الحديثة، عندما أخبرته زوجته بأنه طُلب للخدمة العسكرية، يقول مهند: “لا أستطيع التحمل أكثر، أشتاق إلى زوجتي وابني، هم وحيدون في السويداء وأنا هنا، والتكاليف المادية مرهقة لا أقوى على تحملها، زوجتي موظفة أيضاً ولم يُقبل طلب استقالتها لتنتقل للعيش معي، تضطر لزيارتي كل ستة أشهر، ولا حل يلوح في الأفق.”
ومن الأشخاص الذين تأثروا أيضاً بتداعيات الخدمة العسكرية، سليم الذي اعتاد العمل كسائق على خط دمشق—السويداء، حيث كان يذهب كل يوم بسيارته لسوق الهال في العاصمة ويأتي محملاً بالخضار والمواد الغذائية ليبيعها في السويداء. “منذ طلبت للخدمة، تغيرت حياتي بالكامل لا أستطيع الالتحاق لأسباب كثيرة، ولم يعد بمقدوري العمل على السيارة، فأصبحت عاطلاً عن العمل وخسرت كل شيء” يقول سليم.
إضافة لتشتت العائلات وقطع الأرزاق والسجن داخل المحافظة، يعاني الفارون من الخدمة من صعوبات صحية، إذ لا تتوفر الكثير من الخدمات الطبية الاختصاصية بالسويداء، ويضطر العديد من السكان أن يذهبوا لدمشق لقربها الجغرافي، إلا أن الحواجز على الطرقات الآن تمنع المطلوبين من فعل هذا.
يروي أحمد وهو شاب في الـ٣٧ من عمره ومطلوب للخدمة العسكرية: “تعرضت لأزمة قلبية وأحتاج لإجراء عملية قثطرة في دمشق، ولأن السويداء لا يتوفر فيها جهاز طبي لوضعي الصحي، بات خطر المرض يهدد حياتي”، وليس لدى أحمد أي حل فإما يعتقل لفراره من الخدمة أو ينتظر مصيره في السويداء.
تزداد مشكلة المتخلفين عن الخدمة اليوم تعقيداً في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها السويداء، ومع غياب الحلول وازدياد أعداد المطلوبين سقطت المدينة فيما يشبه الغيبوبة، وهي أمام خيارين إما أن تقدم صك براءتها أمام الحرب والاصطفافات و تدفع بأبنائها إلى الموت أو تتحول إلى سجن كبير لهم.
بواسطة سلوى زكزك | أكتوبر 15, 2018 | Cost of War, غير مصنف
في أواخر الألفية الثانية قايضت السوريات مصاغهن مقابل فرص عمل ورزق لأزواجهن وأبنائهن ولهن في حالات محدودة، فانتشرت في الشوارع أسراب من الحافلات الصغيرة الضيقة المعدة لنقل الركاب، دفعت ثمن العديد منها النساء من مصاغهن حتى انتشرت مقولة “أصبح ذهب السوريات كله في محلات الصاغة.”
ويعتبر المصاغ وخاصة الذهبي منه موضوعاً حياتياً عند العديد من السوريات، يعشن على أمل الظفر به، فهو كنزٌ من المال مخبأ في أيديهن وأعناقهن، وشرط لإتمام الزواج، وعلامة غنى وبحبوحة، و إشارات تترجم إلى: كل هذا لي، أو كل هذا كان مهري، أو أنني لم أخرج من الدنيا إلا بما يلمع في يدي من ذهب.
أتذكر ذاك الصباح، يوم سقطت قذيفة في بيت جارتي العازبة الستينية، كانت مدماة الوجه وشبه غائبة عن الوعي وهي تصرخ بي :الأساور!! تأمرني بأن أنزع أساورها الأربعة من يدها اليمنى وأخبئهم خوفاً من سرقتهم في المشفى أو موتهم معها.
فالحرب نشرت هستيريا تخبئة كل المصاغ حتى المحابس الزوجية، ونتج عن هذه الهستيريا فقدان المزيد من المصاغ بدلاً من حمايتها من اللصوص، فمن خبأت مصاغها في المدفأة أو في قماش الكنبة أو في الفرن أو الغسالة فقدته مع فقدان هذه الأدوات، وكأنها تهدي اللصوص أثاث بيتها مع جنى العمر، فلم يتخيل أحد أن عمليات “التعفيش” أي السرقة ستطال حتى محابس الزواج وملاعق الطعام وعكازات العجزة وأغطية كراسي التواليت.
في الحرب أيضاً تخلت النساء طوعاً عن المصاغ، لتغطية تكاليف رحلات الأبناء والرجال لترتيب حياة جديدة بعد فقدان البيت والعمل وموارد الدخل. كذلك وافقت العرائس الجديدات على اقتناء أنواع أرخص سعراً من الذهب كالبرازيلي أو الروسي، واضطرت العديدات منهن حتى للقبول بإسوارة “زردة” من حديد مصبوغ بالأصفر ومنقوشة بنقوش جميلة كي لا تشعر بالنقص.
وازدهرت على هامش الحرب تجارة الذهب “الفالصو” كما يسمونه في اللغة الشعبية، ونما سوق آخر لشراء المصاغ الذهبية الحقيقية من المحتاجين بأبخس الأثمان، لأن الصاغة توقفوا حتى عن الشراء لنقص السيولة ولتذبذب الأسعار بصورة دراماتيكية ما بين صعود مفاجئ وكبير وما بين هبوط مدمر.
تسببت هذه التغيرات بخلق حالة من الكساد في سوق الذهب، وأجبرت المضطرات على بيع ذهبهن لسيدات مقتنصات للفرص، يملكن أموالاً يرغبن بمقايضتها بالذهب خوفاً من هبوط قيمة أموالهن أو أن أموال “التعفيش” وتجارة الحرب صبت بين أيديهن وأردن تبديلها بسلعة أبقى وأكثر سهولة في الاقتناء.
في محل مشهور للصاغة في ساحة جورج خوري، الذي يسكنه ميسورو الحال، وتمتلك النساء القاطنات سياراتهن الخاصة ومصاغهن المشترى للزينة – لا لتوفير الأموال وادخارها- توافدت خلال خمس دقائق ثلاث سيدات، لبيع محابس الزواج، تذرعت الأولى والخجل يغمرها بأنها زوجة صائغ سابق خسر كل مالديه و المحبس لوالدتها المتوفاة وهي تريد بيعه لإكساء قبرها بالرخام المكلف، أما الثانية فقدمته للصائغ دونما مقدمات، وزنه، أعلن لها عن قيمته، هزت رأسها بالإيجاب، قبضت المبلغ الضئيل ومضت وعيناها متسمرتان في الفراغ، أما الثالثة فقالت إنه ضاق على إصبعها والموضة الآن هي الذهب الأبيض وبالتالي ستضع في إصبعها محبسها الماسي حسب ادعائها.
ورغم تردي سوق الذهب، إلا أن حركة البيع جعلته يحافظ على قوته، وخاصة لمن استطاع البقاء على قيد العمل من الصاغة، لكن البيع انحرف انحرافاً عميقاً من وفرة بيع المصاغ والطلب على الأحدث والأجمل وتبديله، إلى اقتصاره على الأونصات أو الليرات الذهبية لأنها أضمن اقتصادياً ولا تكلّف مقتنيها بدفع قيمة الشغل ( أي كلفة الصياغة) كمبلغ إضافي.
ويتركز هدف الأونصات أو الليرات على الادخار وتحويل الفائض من تجارة الحرب والتعفيش أو بيع العقارات إلى قوة رأس مال صافي وقابل للتدوير دونما خسارات تذكر خاصة بعد حالة الثبات النسبي لسعر الذهب.
ويُلاحظ الآن تغير ملفت، وهو الحضور الكثيف عند محال بيع الذهب في بعض المناطق، وأصبحت العديد من النساء يشترين ويرتدين الذهب ليبان علناً ويلفت الأنظار، لا ليحفظ فقط. وفي المقابل أيضا هناك حضور كثيف وإقبال أكثر كثافة على المجوهرات التقليدية التي شهد سوقها كساداً في السنوات الماضية، وأعلن بعض الصاغة عن عروض توفيرية ورخص على تلك المجوهرات، كعرض ثلاثة قطع بألف ليرة مثلاً، أو القطعة بخمسمائة ذهب روسي ومكتوب عليه مكفول!
يبرر أحد باعة الذهب هذه الظاهرة إلى أن عائلات مهاجرة ترسل لذويها مبالغ بالعملة الأجنبية لتشتري لها ذهباً، مضيفاً “الذهب عنا أحلى وأرخص.” كما أن بعض النساء يتلقين أموالاً محددة من أبنائهن لشراء الهدايا للزوجات الأجنبيات أو للأطفال حديثي الولادة وخاصة المصاحف وآية الكرسي والصلبان وصور القديسين. بالمُحصلة لا انتعاش يذكر في سوق الذهب، ولا اكتفاء يلحظ أو يشي بوفرة طارئة أو استقرار، هو تكيف مع الوضع الحالي.
و سوق المجوهرات التقليدية مبهر، يحتال باستنساخ كافة نقوش الحلي الذهبية، يخفف البائع من سطوة الخسارات في حال التلف السريع للحلية التقليدية قائلاً “ادهنيها بطلاء الأظافر كي لا يتغير لونها! البسيها فوق كنزة بقبة عالية كي لا تسبب لك التحسس، لا تقربيها من البارفان أو الصابون، لتحافظ على لمعانها!”
كل شيء يبان بنقيضه، والحياة تؤكد خساراتها -على حضور النساء -وحيواتهن بحلي قصيرة العمر، مثلها تماماً، وما كان زوادة للأفراح أو للأحزان الطارئة، التهمته الحرب بشراهة، وما تفتقده الأيدي والأصابع والأعناق ظل باهتاً ومخففاً لما تفتقده المشاعر والأحاسيس والأجساد وخاصة العيون والقلوب.
بواسطة Moataz Nader | أكتوبر 15, 2018 | News, غير مصنف
لم تكن مؤتمرات السلام السورية يوماً مشروعاً لصياغة عملية سلام تنهي الاقتتال، وإنما جزءاً من مشروع عسكري تتخلله بعض الوقفات السياسية، فبعد نهاية كل مؤتمر يتم التصعيد عسكريا في منطقة ما من البلاد، ويبدو هذا واضحاً عند مراجعة ما تخللته مؤتمرات جنيف وأستانة ومؤخراً سوتشي وانسحاب وفد المعارضة.
تكشف مراجعة هذه المؤتمرات أيضاً أن المجتمع الدولي مزيف وخائف وفقير إنسانيا مثلما لم يكن من قبل، كما تكشف تراجع الرؤية المبدئية للمعارضة الرسمية -وأعني هنا الائتلاف السوري المعارض- بوصفه كان الواجهة الجامعة لكل السوريين.
فالمعارضة فقدت مبدئيتها بالطرح وتراجعت عن منطق الثورة النقية لاحقاً وتدريجيّاً لدرجة تقبل العسكرة بكافة إيديولوجياتها ومن ثم الاقتناع بفصيل كجبهة النصرة إلى التحالفات الإقليمية غير البريئة، كذلك المساهمة باصطفافات مناطقية ذاتوية لا تفيد إلا النظام وحلفاءه.
ولذا على كافة القنوات والشخصيات الفكرية الثقافية أن تتبنى المسؤولية التاريخية في رفض هذا الظلم بحق سوريا المُتجسد عام٢٠١١ والتخلي عن الشكل السياسي العسكري القائم حاليا، وعليهم السعي لتصدير أفكار وقيم تمرّد ٢٠١١ للعالم دفاعاً عن مبدئية الثورة السورية وإنسانية قضيتها، بوصفها تمرداً شجاعاً بالمقام الأول –يهدف لمقارعة الظلم استنادا لاعتبار لا يقبل المقايضة مفاده: أن مُحيط الثورة السورية هو محيٌطٌ لكل إنسانٍ رافضٍ للظلم وعاشق للحرية في العالم أجمع.
البداية
لا يمكن اختزال الوضع السوري الراهن في نطاق مصطلحات مرحلية أو اجتماعية تقليدية سياسية تُعرّف تشابكات ذاك الوضع من الناحية السياسية الدولية من جهة، ومن زاوية التعقيد المحلي المغرق في الخصوصية والتكتل من جهة أخرى. لذلك من الوارد واقعياً أن يُنظر لفكرة إنهاء الثورة السورية من خلال زاوية التحالفات والتفاهمات الإقليمية والدولية ومن ثم المحلية، إلا أن الكلام عن وحشية النظام بات كلاسيكياً ينطق به كل من يدعّي التعاطف أو الولاء للثورة السورية بشكلٍ صادق أو بشكلٍ وسطي دون تصميم لاحق لتحقيق ما تصبو إليه تلك الثورة، وهنا السؤال إذاً، ما هو معيار الولاء الحقيقي الذي يمنح الدافع لبقاء فكرة التمرد؟
الغَاية من الاحتجاج الثوري
يقود السؤال الأول لمجموعة من التساؤلات: ما هي الغاية من الاحتجاج الثوري في ظل التعبئة التي تقوم بها الدول الراعية للحرب السورية على المستوى الشعبي الاجتماعي؟
فمثلاً تركيا الحليف “الظاهري” للثورة السورية تستضيف قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أرضها بشرط طبيعي، وهو ألا يعارضوا أي خطوة تركية داخل الأراضي السورية كأن يساندوا نَظريا العمليات العسكرية في الشمال السوري. فهل الولاء هو لسوريا الدولة كبقعة جغرافية؟
تعدد اليوم الولاءات بين السوريين عموماً لروسيا وإيران وتركيا، وللنقطة الأضعف حاليا – وهو تيار الثورة النقية أو إن جاز التعبير جيل ٢٠١١ في الحراك السوري العام الذي لا يملك إلا أفكاره المتجذرة وإيمانه الراسخ بالقضية، وعكس الولاءات الأخرى ليس لديه تحالفات تعبث بالواقع السوري لمصلحتها.
و الولاء لفكرة الثورة بنقائها وغايتها هو مصلحة محلية جامعة تغري الجيل الحالي أو القادم بتقليدها أو على الأقل على التمسك بفكرتها كقيمة تغييرية تنضوي تحتها النزعة الوطنية.
هو يعني ألا تصبح الغاية الوطنية بطبيعتها الفطرية شرعية للحد الذي يجعلنا كمعارضين نقبل بأي تحالف أو سلوك ميلشيوي يحقق غايتنا الثورية وينسينا من حيث المبدأ ما هو هدفنا من حقيقة الثورة السورية التي بدأت في ٢٠١١. ولاءات كولاء الائتلاف المعارض وفصائل الجيش الحر لتركيا مثلا، وولاء الأكراد لأمريكا وبطبيعة الحال ولاء النظام لروسيا وإيران.
تمّثل هذه الولاءات -باستثناء علاقة النظام بروسيا وإيران- شراكات مصلحية مؤقتة محكومة بظروف المرحلة، لكنها بالمحصلة تعبّر عن نية واضحة لدى تلك الأطراف بما يتعلق بالمستقبل السوري “المتشبع بالفكر التقسيمي.”
الفكرة النقية ليست وهماً
يتقاطع النقد اللاذع لتركيا أو للدول الخليجية الداعمة مع موقف عداء النظام لهذه الدول، لكن تشابهنا بالصدفة مع نقطة يتحدث بها إعلام النظام بشكل مزرٍ ومبتذل، لا يعني أبدا بأننا قريبون من عقليته، وإنما يعني بأننا ننظر للأمور بطريقة أعمق وأكثر شمولية تساعدنا على فهم إجرامه كي نستطيع أن نهزمه لاحقاً. بالصدفة أيضا سنجد أنفسنا كمعارضين نشترك مع النظام بأننا نتاج البيئة السورية، وهذا لا يعني بأننا نجابه كل ما هو سوري بشخصية النظام، وإنما نجابه ونكره كل ما هو مجرم وعدواني ومدمر بشخصيته.
الإعلام الكاذب والحقيقة الثورية
يعمل النظام في الداخل السوري على تعبئة الأجيال لصالحه، يجعلهم يصدقون أن كل معارض في الخارج هو إرهابي خارج عن القانون، وعلينا نحن المعارضين أن نصدّر لهم أفكاراً تجعلهم يلمسون الفارق بين الإعلام الكاذب والحقيقة الثورية، يجب أن يفهموا الفارق بين الثورة والإرهاب.
عندما يرى اليافعون بالداخل السوري مثلا أداء معارضة سياسية هشة لا ثقل لها، ولا تستطيع حتى أن تصدر بيان شجب يستهدف المدنيين في المناطق الساخنة، و يرون فصائل المعارضة المسلحة تقاتل لحساب دول معينة، إضافة لتلك المتشددة التي لا تمت لعقلية أي ثورة بالعالم بأي صلة، لن يصدقوا أن ثمة أنقياء وأوفياء بين ذلك الحشد، وهذا ما يجب تصديره لهم.
تغيير جذري ورؤية جديدة
يجب أن تتعلم الأجيال من ١٣ حتى ٢٠ سنة في الداخل معنى التمرد على الظلم، لا أن نجعل من تجربتنا الثورية التي لن تتكرر ركيزة لتقبّل الظلم.
ففي هذه المرحلة بالذات يجب ألا تتكرس لدى أي مثقف أو شاعر أو مفكر أو كاتب هاو فكرة أن مايكتبه في هذا الشأن دون قيمة، مامن شك بأن الشعور باللاجدوى يسود، لكن كتابة أي شيء جديد يهدف لنسف الولاءات الحالية السياسية والعسكرية، سيترك أثراً لاحقاً.
إذا صدقنا أن النظام انتصر يوماً ما فهو انتصر على فئات لم نعد نعتبر أنها تمثلنا، النظام لم ينتصر على إرادتنا. هو انتصر على محاكاة إرادتنا التي تمثلها تلك الفئات الغريبة عن جسم الثورة. فالثورة بمعناها الواقعي الذي لا يقبل اللبس، هي ليست الحدث السياسي ضد السلطة المستبدة، بل هي الموقف الرافض للظلم بكافة أشكاله.
بواسطة Syria in a Week Editors | أكتوبر 15, 2018 | Media Roundups, Syria in a Week, غير مصنف
انتهاء المهلة في إدلب
١٠-١٥ تشرين الأول/أكتوبر
رغم انتهاء المهلة التي حدّدها الاتّفاق الروسي – التركي للفصائل المتشددة لإخلاء المنطقة العازلة في إدلب، لم يتم رصد انسحاب أيّ من مقاتليها بحسب وكالة فرنس برس. وتسيطر فصائل متشددة أبرزها هيئة تحرير الشام على ثلثي المنطقة المنزوعة السلاح التي تشمل جزءاً من محافظة إدلب مع ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي. (فرانس برس)
وجاء انتهاء المهلة بعد ساعات من إعلان هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) تمسّكها بخيار “القتال” تزامناً مع تقديرها الجهود “لحماية المنطقة المحرّرة” وتحذيرها في الوقت ذاته من “مراوغة” روسيا. في موقف غامض فيه تلميح إلى أنها ستلتزم ببنود الاتفاق الذي توصلت إليه روسيا وتركيا لمنع هجوم الحكومة السورية على إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة. وقالت الهيئة إنها اتخذت موقفها بعد “التشاور مع باقي المكونات الثورية”، كما أنها تقدر “جهود كل من يسعى في الداخل والخارج إلى حماية المنطقة المحررة ويمنع اجتياحها وارتكاب المجازر فيها، إلا أننا نحذر في الوقت ذاته من مراوغة المحتل الروسي أو الثقة بنواياه ومحاولاته الحثيثة لإضعاف صف الثورة.” (رويترز)
وكانت جماعة رئيسية أخرى في إدلب من المعارضة المسلحة ومتحالفة مع تركيا، تعرف بالجبهة الوطنية للتحرير، قد أعلنت بالفعل تأييدها للاتفاق. وسعت تركيا لإقناع هيئة تحرير الشام بالالتزام بالاتفاق الذي أعدته مع روسيا الحليف الرئيسي للحكومة السورية لتجنب شن هجوم تخشى تركيا من أنه ربما يتسبب في موجة جديدة من اللاجئين باتجاه حدودها.
وقالت وزارة الدفاع التركية الأربعاء إن المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب السورية تشكلت وتم سحب الأسلحة الثقيلة. ونص الاتفاق على سحب الأسلحة الثقيلة والدبابات ونظم الصواريخ لجميع فصائل المعارضة بحلول العاشر من أكتوبر تشرين الأول وأن تراقب المنطقة بدوريات تركية وروسية.
وكانت روسيا وتركيا قد توصلتا في ١٧ أيلول/سبتمبر في سوتشي إلى اتفاق ينصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وتم سحب السلاح الثقيل منها الأربعاء الماضي، بينما كان يتوجّب على الفصائل المسلحة إخلاؤها بحلول اليوم الاثنين.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية الأربعاء إن أكثر من ١٠٠٠ متشدد غادروا المنطقة، دون أن توضح إلى أين انسحب المتشددون. وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية للصحفيين إن حوالي ١٠٠ وحدة أسلحة ثقيلة تم سحبها من المنطقة.
فتح ثلاثي للمعابر
١٤ تشرين الأول/أكتوبر
قالت سوريا والأردن الأحد إن المعبر الحدودي بينهما سيعاد فتحه رسمياً الاثنين بعد إغلاقه لمدة ثلاث سنوات، لكن لن تسير الحركة عبره بانتظام على الفور. واستعادت الحكومة السورية السيطرة على المنطقة المحيطة بمعبر نصيب في تموز/يوليو خلال هجوم مدعوم من روسيا، استمر عدة أسابيع، ضد مسلحي المعارضة في جنوب غرب سوريا. وتسبب إغلاق معبر جابر-نصيب عام ٢٠١٥ في قطع ممر نقل مهم لمئات الشاحنات يومياً والتي كانت تنقل البضائع بين تركيا والخليج وبين لبنان والخليج في تجارة تصل قيمتها لعدة مليارات من الدولارات سنوياً.
في الوقت نفسه ذكرت وسائل إعلام رسمية سورية أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم ناقش مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري سبل الإسراع في جهود إعادة فتح الحدود بين بلديهما. وكان الجيش الأمريكي قد أغلق طريق دمشق بغداد السريع الرئيسي لكن يوجد معبر آخر أصغر في البوكمال الواقعة إلى الشرق. لكن هذا المعبر مفتوح في الوقت الحالي لأغراض حكومية وعسكرية فحسب.
ولا تزال حدود سوريا مع تركيا مغلقة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية لكنها مفتوحة فقط في منطقة تسيطر عليها المعارضة.
في سياق متصل، قالت نيكي هيلي السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة يوم الجمعة إن إسرائيل وسوريا والأمم المتحدة اتفقت على إعادة فتح معبر القنيطرة في هضبة الجولان يوم الاثنين. وأضافت هيلي في بيان أن فتح المعبر “سيسمح لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بتكثيف جهودها لمنع الأعمال العدائية في منطقة مرتفعات الجولان.”
وتقوم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بمراقبة الوضع في منطقة منزوعة السلاح أنشئت في عام ١٩٧٤ بين الجولان الذي تحتله إسرائيل والقطاع السوري، إلا أن مهمة حفظ السلام تعطلت بسبب الحرب في سوريا. وتقوم شرطة عسكرية من روسيا، بدوريات على الجانب السوري من القنيطرة. واحتلت إسرائيل هضبة الجولان في حرب عام ١٩٦٧ وحاربت سوريا مرة أخرى على الهضبة الاستراتيجية في حرب تشرين الأول/أكتوبر عام ١٩٧٣. (رويترز)
آثار الدمار
١٢ تشرين الأول/أكتوبر
قالت منظمة العفو الدولية يوم الجمعة إن الضربات الجوية التي شنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة دمرت أجزاء كبيرة من مدينة الرقة السورية خلال محاربة تنظيم “داعش”، لكن التحالف لم يبذل جهوداً تذكر لمساعدة المدينة على التعافي.
وقالت أنيا نايستات مديرة قسم الأبحاث الدولية بالمنظمة إن الأنقاض تغطي ٨٠ في المئة من المدينة بعد مرور قرابة عام على المعركة وإن آلاف الجثث ما زالت مدفونة تحت الركام بينما تقترب الأموال المخصصة لانتشالها من النفاد. وقالت نايستات “٣٠ ألف منزل في الرقة دمرت تماماً و٢٥ ألفا دمرت جزئياً.” وأضافت “إنه لأمر صادم تماماً كيف لم يُنجز أي شيء يذكر بالفعل في الرقة خلال العام المنصرم لإعادة الحياة إلى المدينة.” كما ذكرت أن “التحالف كان يملك المال الكافي لتنفيذ هذه الحملة العسكرية المكلفة للغاية ومن ثم فينبغي أن يكون لديه المال الكافي للتعامل مع تبعاتها.”
وقالت نايستات “بالقدر الذي استطاعوا التعرف به على الجثث يعتقدون أن أغلبهم مدنيون. وأغلب هؤلاء المدنيين ماتوا نتيجة الضربات الجوية للتحالف.” وأضافت “لا أحد يعرف ماذا سيحدث لثلاثة آلاف جثة ما زالت ترقد تحت الأرض عندما يأتي ٣١ أكتوبر تشرين الأول وينفد التمويل لهذا الفريق” الذي يفتش عن الجثث.
ويقول التحالف إنه يعمل على إعادة الاستقرار إلى الرقة وليس إعادة الإعمار. وقال الكولونيل شون ريان المتحدث باسم التحالف إلى أن دول التحالف غير قادرة على العمل مع حكومة دمشق التي تعارض وجودها وأن هذه عقبة أمام إيصال المساعدات. (رويترز)
منبج تحت الرادار التركي
١١-١٢ تشرين الأول/أكتوبر
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة إن وحدات حماية الشعب الكردية السورية لم تغادر بلدة منبج في شمال البلاد وهو ما يخالف اتفاقاً بين أنقرة وواشنطن، مضيفا أن تركيا ستفعل اللازم. وقال أردوغان في تجمع بجنوب تركيا “إنهم يحفرون خنادق في منبج. ما معنى ذلك؟ معناه: أعددنا القبور.. تعالوا وادفنونا.” وأضاف “قالوا إنهم سيتركون المنطقة خلال ٩٠ يوما لكنهم لم يتركوها، سنفعل اللازم.” ونقلت صحيفة حريت عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قوله يوم الخميس إن الاتفاق بين بلاده والولايات المتحدة بخصوص مدينة منبج في شمال سوريا تأجل “لكن لم يمت تماماً.”
وتوصلت تركيا والولايات المتحدة إلى اتفاق في مايو أيار بشأن منبج بعد شهور من الخلافات. ويقضي الاتفاق بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية السورية من منبج وأن تقوم القوات التركية والأمريكية بالحفاظ على الأمن والاستقرار بالمدينة.
وأثار دعم واشنطن لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية غضب أنقرة التي تعتبر الوحدات امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور.
معاناة نازحي مخيم الركبان
١١ تشرين الأول/ أكتوبر
قال عمال إغاثة ونازحون الخميس إن السبل تقطعت بآلاف السوريين على الحدود الأردنية مع سوريا ويوشك ما لديهم من غذاء على النفاد بعد أن قطع الجيش السوري الطرق المؤدية إلى المخيم الذي يقيمون فيه وأوقف الأردن تسليم المساعدات.
وشدد الجيش السوري حصاره للمخيم في الركبان قرب الحدود الأردنية الشمالية الشرقية مع سوريا والعراق مما منع المهربين والتجار من توصيل الغذاء لنحو ٤٥ ألفاً يقيمون فيه، أغلبهم من النساء والأطفال.
ويقع مخيم الركبان قرب قاعدة للقوات الأمريكية في جنوب شرق سوريا في التنف على الحدود العراقية السورية. ويقع المخيم داخل ما يطلق عليها منطقة “عدم اشتباك” حددتها وزارة الدفاع الأمريكية بهدف حماية قاعدة التنف من هجمات قوات النظام. ومنع الأردن منذ بداية العام تسليم أي شحنات مساعدات عبر حدوده ويقول إنه لن يكون مسؤولاً عن توصيل المساعدات الآن بعد أن استعادت الحكومة السورية السيطرة على الأراضي المحيطة بالمخيم.
وقال جيرت كابيليري المدير الإقليمي ليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بيان “الوضع بالنسبة لمن يقدر عددهم بنحو ٤٥ ألف شخص- منهم العديد من الأطفال- سيزداد سوءاً في شهور الشتاء الباردة التي تقترب سريعاً، خاصة عندما تنخفض درجات الحرارة عن درجة التجمد في الظروف الصحراوية الصعبة.” وقال كابيليري إن رضيعين آخرين توفيا بالفعل في آخر ٤٨ ساعة.
ويريد الأردن من الأمم المتحدة وروسيا ممارسة ضغوط على دمشق لمنح التصريح الكتابي المطلوب للسماح بوصول الإمدادات إلى مخيم الركبان من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وقال أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني إن بلاده، التي تتحمل عبء مئات الألوف من اللاجئين الفارين من سوريا، لا يمكن تحميلها مسؤولية توصيل المساعدات للمخيم.
وتعتقد مصادر دبلوماسية غربية أن حصار المخيم يأتي في إطار جهود للحكومة السورية تدعمها روسيا للضغط على واشنطن للخروج من التنف. (رويترز)
العفو عن الفارين
٩ تشرين الأول/ أكتوبر
أعلنت الحكومة السورية يوم الثلاثاء عفواً عن الفارين من الخدمة العسكرية أو الهاربين من التجنيد ومنحتهم شهوراً لتسليم أنفسهم وإلا سيواجهون عقوبة. ويشمل العفو جميع العقوبات المتعلقة بالفرار من الخدمة العسكرية سواء داخل سوريا أو خارجها. ولا يشمل مرسوم العفو “المتوارين عن الأنظار والفارين عن وجه العدالة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ٤ أشهر بالنسبة للفرار الداخلي و٦ أشهر بالنسبة للفرار الخارجي.” ويشمل العفو الفرار من الخدمة العسكرية لكنه لا يشمل القتال ضد الحكومة أو الانضمام للمعارضين الذين تعتبرهم الحكومة السورية إرهابيين. وكان الكثير من الشباب في سن التجنيد أو الجنود قد فروا من الخدمة العسكرية، بعضهم للانضمام للمعارضين والبعض الآخر هرباً من القتال. (رويترز)
جدل الأوقاف.. من مرسوم إلى قانون
١٣ تشرين الأول/أكتوبر
تفاعل الجدل حول المرسوم رقم ١٦ تاريخ ٢٠ أيلول ٢٠١٨ المتعلق بدور وزارة الأوقاف، الذي اعتبر من قبل معظم أعضاء مجلس الشعب تحويرًا لهوية “الدولة العلمانية”، وتعزيزًا لصلاحيات وزير الأوقاف بشكل “غير مقبول”. فبعد جلسات ونقاشات في مجلس الشعب، اقترح الأعضاء ٢٦ تعديلًا على المرسوم، ليتم إقرار بعضها ويحول المرسوم إلى القانون ٣١ تاريخ ١٣ تشرين الأول ٢٠١٨.
وكان عضو مجلس الشعب نبيل صالح أول من أطلق شرارة مهاجمة مرسوم الأوقاف، فاتحًا الباب أمام عشرات الموالين من أعضاء مجلس الشعب والإعلاميين، لمهاجمة المرسوم بحدّية. حيث اعتبر صالح أن المرسوم يزيد من صلاحيات وزارة الأوقاف، ما يعني “استنساخ النظام الديني للمملكة السعودية” ليصبح نظامًا لسوريا. وتركز الانتقاد على عدد من المواد المنشورة في المرسوم، ومنها المادة /٨/ التي توسع قنوات إشراف الوزارة على الشؤون الدينية، وتمنحها فرصة الرقابة على أي منتج فكري أو إعلامي يتطرق لموضوع الأديان. والمادة /٥٤/ التي تمنح “مجلس الأوقاف الأعلى” صلاحيات مالية واسعة فيما يخص استثمارات الوقف. والمادة /٢/، التي تقضي بإنشاء “الفريق الديني الشبابي” الذي يلعب دورًا تمكينيًا وتوعويًا ويمهد لتواصل بنّاء مع المشايخ الأكبر سنًا. (عنب بلدي)
وطالت التعديلات شكل “الفريق الديني الشبابي” وحولته إلى مبادرة لتعزيز دور الأئمة الشباب دون تنظيمهم، وحاولت اللجنة أيضًا تقليل سيطرة الوزارة على التنظيمات الدينية الموجودة في سوريا، ومنها “معلمات القرآن” (القبيسيات سابقًا)، إذ تم تغيير الفقرة /س/ من المادة /٢/ والتي تمنح الوزارة دورًا في “الإشراف على الشؤون الدينية النسائية، وضبط وتوجيه معلمات القرآن، ومنح التراخيص لعملهن”، واستبدلت بـ “وضع ضوابط السماح بالتدريس الديني والإشراف عليه.” ومن الصلاحيات التي نزعت من الوزير في القانون، إلغاء الفقرة التي تتيح له تعيين اثنين من مستشاريه كأعضاء في “المجلس الفقهي العلمي”، وتعديل المادة /١٩/ التي تتيح للوزير أو من يكلفه التحقيق مع العاملين في المجال الديني، عبر منح تلك الصلاحية للجنة تحقيق تشكل من أجل هذا الغرض.
ومع التعديلات الجديدة، لا تزال البنود والمواد التي تجعل من وزارة الأوقاف أداة مركزية في يد الدولة لتحديد العمل الديني في سوريا، موجودة. ويقول محمد حبش، عضو مجلس الشعب السابق، لموقع عنب بلدي “حتى المفكر العلماني الذي يريد أن يكتب بشأن ديني يمكن أن يتعرض لسؤال من الأوقاف، الأوقاف الآن موجودة في مراقبة الكتب، لكن ستتوسع صلاحيتها بما يشمل كل ما ينشر ويطبع، وليس فقط الكتب الدينية والمتعلقة بالقرآن والتفسير، فلا يصدر أي مقال أو كتاب له صلة بالشأن الديني إلا بإذن الأوقاف وهذا سيولد خطابًا سلفيًا شديد التحجر على كل محاولات التجديد الديني.” (عنب بلدي)
بواسطة Sawsan Zakzak | أكتوبر 12, 2018 | Reports, غير مصنف
الجزء الثاني من بحث القبيسيات في السياق المجتمعي السوري
تمهيد
تناول الجزء الأول من هذه الدراسة نشأة القبيسيات التي يرجح أنها بداية سبعينيات القرن الماضي1، كما تناول انتشار هذه الظاهرة، أو امتداداتها، في عدد من الدول العربية (السحريات في لبنان جمعية “بيادر السلام” المعروفة في الكويت و”الطباعيات” في الأردن وبنات فدوى في فلسطين، أما في مصر فيُعتقد أنهن يعملن تحت اسم “جمعية الزهروان”)، إضافة للإضاءة على بداية نشاط عدد من القبيسيات السوريات اللواتي لجأن إلى لبنان بين اللاجئات السوريات في البقاع.
كما توسع الجزء الأول من تسليط الضوء على العقيدة التي تعتنقها الدعوة القبيسية من “الصوفية النقشبندية” التي أخذتها منيرة القبيسي عن مفتي سوريا السابق الشيخ أحمد كفتارو؛ إلى المكانة الكبيرة “للخالة الكبيرة” ومن بعدها “للآنسة” نظرا إلى الدور الكبير الذي يلعبه الشيخ/ة عند الصوفيين عامة، والنقشبندية منهم خاصة، انتهاء بتساؤلات جدية عن السمة الملاصقة للصوفية وهي “الابتعاد عن السياسة” وابتعاد القبيسيات، وبالتحديد قياداتهن، عن السياسة وقد كنّ ينشطن بظل تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة في المجتمع السوري كنكسة حزيران وهيمنة مطلقة للنظام الشمولي في سوريا بعد ١٩٧٠ و”توريث” رئاسة الجمهورية عام ٢٠٠٠ وهيمنة التيار الديني الأصولي الذي كان يمثله الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وصولا إلى انتفاضة ٢٠١١ بكل إفرازاتها. نتساءل من جديد: من هن القبيسيات؟
القبيسيات والثروة
من الملفت سرعة تأقلم القبيسيات مع التطورات الاقتصادية التي كانت تحدث في سوريا، وتحت هذا العنوان يمكن دراسة السياق الاقتصادي عند نشوء الحركة واستهداف النساء الغنيات إضافة لاستخدام المال والنفوذ كعصب لحياة الحركة.
فيما يتعلق بالسياق الاقتصادي عند نشوء الحركة، ذكرنا سابقاَ أن حركة السيدة منيرة القبيسي نشأت في ظروف سياسية معقدة تفاعلت مع تغيرات اقتصادية تسببت بقلب الواقع رأسا على عقب. تمثلت هذه التغيرات بسياسات الإصلاح الزراعي والتأميم التي بدأت في عهد دولة الوحدة بين مصر وسوريا (١٩٥٨-١٩٦١)، وتعمقت أكثر بعد وصول حزب البعث للسلطة عام ١٩٦٣، خاصة بعد حركة ٢٣ شباط/فبراير ١٩٦٦ التي كانت مغرقة في “يساريتها” و شموليتها، وهي التي بدأت بتأسيس المنظمات الشعبية من أجل احتكار العمل المجتمعي وتسخيره لخدمة “أهداف الثورة” بعد أن احتكرت السياسة والاقتصاد.
المواقف المناهضة لسياسات الإصلاح الزراعي والتأميم ارتدت عدّة لبوسات سياسية واقتصادية ودينية، وكانت تختلف بحسب “الحجة” الأكثر مناسبة لـ “تجييش الرأي العام”، إلا أن الثابت بينها هو اللبوس الديني القادر- دائما- على استنهاض “الغضب والنقمة” عند شرائح المؤمنين. ينسجم هذا اللبوس مع الموقف الديني المدافع عن الملكية الخاصة، والذي يرى في الإصلاح الزراعي والتأميم “حربا حكومية شرسة، ضد الملكية الخاصة للأراضي السنية التي ورثها أصحابها عن الآباء والأجداد2“. ومع أجواء “الانفراجات الاقتصادية الخجولة” التي جاءت مع استيلاء الرئيس حافظ الأسد على السلطة (١٩٧٠)، والتي عبر عنها تجار سوق الحميدية بشعار “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد”، بدأت القبيسيات باستهداف النساء الغنيات.
استهداف النساء الغنيات
لم تكن منيرة القبيسي بعيدة عن نساء الطبقات التي خسرت جراء سياسات الإصلاح الزراعي والتأميم، كانت منهن ولا تختلف عنهن إلا بصفاتها الشخصية المتميزة التي أهلتها لتلعب دورا رائدا ومحوريا في إنشاء التجمعات النسائية الدينية لتوحيد النساء المتطلعات للتأقلم مع الأوضاع الجديدة والحفاظ على قوة مؤثرة في المجتمع، وربما لاقتناص الفرص من أجل التأثير في الاقتصاد، ولاحقا في السياسة.
تقول سلام إسماعيل في هذا الخصوص “ازدادت القوة الاقتصادية لجماعة القبيسيات أثناء الحصار الاقتصادي على سوريا في ثمانينات القرن الماضي، حيث قامت الحكومة خلال تلك الفترة باعتقال وتصفية جميع مكتنزي الأموال المشهورين من الرجال بحجج أمنية، فبقيت نساء تلك الجماعة مع ثروة هائلة غير معلنة تحت تصرفهن، وظَّفنَها لدعم انتشار الجماعة عن طريق المشاريع والنوادي الاجتماعية والأعمال الخيرية في سوريا والخليج العربي3.”
وتشير السيدة ك إلى أن القبيسيات يجتهدن في الاحتفاظ بعلاقات جيدة وتواصل دائم مع المريدات الغنيات حتى ولو سافرن خارج البلاد، “وتقول رغم أنني تركتهن إلا أن التواصل بيني وبين آنستي لم ينقطع، وهذا ما شدني إليهن ثانية عندما واجهت مصاعب في حياتي الزوجية؛ كما استطاعت القبيسيات أيضا المحافظة على تواصل ممتاز مع الشيخة منيرة زوجة الأمير مشعل بن عبد العزيز4.” وعلى الرغم من أن هذا التنظيم بات يستقطب جميع الفئات الاقتصادية، ولم يعد محصوراً ضمن الطبقة الغنية كما كان سابقاً، غير أنه ما زال مرتبطاً بعلاقات قوية مع التجار وأصحاب رؤوس الأموال في دمشق، كما تؤكد السيدة ك. كما أن المكانة البارزة للنساء الغنيات بين القبيسيات لم تمنع بعض السيدات غير الغنيات من الوصول إلى مراتب متقدمة في الحركة، وكانت أولئك السيدات يستندن إلى مريداتهن الغنيات للتقرب من النساء الجديدات. تروي ك “في مرة من المرات طلبت آنستي مني شراء هدية ولادة لنقدمها لسيدة بدأت بالمشاركة في حلقاتنا5“. وتنوه السيدة ك أيضا لوجود تمييز طبقي داخل حركة القبيسيات كأن تجلس “الغنية على الكنبة بينما تجلس الفقيرة على الأرض6“.
المال والنفوذ، عصب الحياة
قد يبدو أن هناك تعارضاً صارخاً بين عقيدة القبيسيات (الصوفية) التي تتسم بالزهد والترفع عن مباهج الحياة، وبين إقبال القبيسيات على استهداف النساء الغنيات اللواتي يتبارين فيما بينهن بالبذخ على ما يظهر من لباسهن، وتحديدا الحقائب والأحذية7؛ إلا أن الحقيقة تشير إلى أمور ثلاثة لا بد من أخذها بعين الاعتبار. أولها أن صورة المتصوفين في المشرق العربي باتت تختلف كثيراً عن الصورة النمطية للمتصوفين الزاهدين، وإذا استثنينا الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي8 فمن الصعوبة بمكان حصر الثروات التي يملكها أبرز المشايخ المنتمين لهذه الطائفة؛ وثاني هذه الأمور هو المنبت الطبقي للسيدة القبيسية؛ أما ثالثها فيتلخص في أن الحصول على المال ليس غاية بحد ذاتها عند الحركة القبيسية، بل هو أداة فاعلة في استقطاب المزيد من النساء وفي توسيع نشاطات هذه الحركة.
في بلد مثل سوريا المال وحده لم يكن كافياً للحركة، فالحصول عليه يحتاج لشراكات مع المتنفذين في مواقع صنع القرار، كما أن الانفتاح الجديد باتجاه نساء المتنفذين في الدولة والحزب من أجل الجمع بين قوى الهيمنة المختلفة كان يتطلب المال أيضا، بل المزيد من المال، من أجل تقديم هدايا باهظة الثمن لنساء المتنفذين أو للمتنفذات أنفسهن9 مقابل المنافع التي قد تبدو بسيطة كتأمين الموافقة على تأسيس مدرسة خاصة أو تيسير الترخيص لجمعية غير حكومية، إلا أن تراكم هذه “المنافع البسيطة” كان قادرا على توفير أرضية مؤسساتية شرعية، ولدت فضاءات جديدة للقبيسيات للعمل بشكل رسمي ودون خوف من أية ملاحقات أمنية.
كما أن المال شكل وسيلة فعالة في العمل المجتمعي لكسب ود الفقراء بعد أن ازداد عديدهم وتعمّق فقرهم، خاصة بعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي واجهتها سوريا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، والتي أعقبتها سياسات الانفتاح الاقتصادي التي بدأت في ١٩٩١ وبدأت بالانهيار بعد عام ٢٠٠٠ مع بداية تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد احتكاري. وبهذا أصبحت المساعدات المادية والغذائية التي تقدمها الجمعيات الخيرية- التي تسيطر عليها القبيسيات- سندا كافيا لسد احتياجات ملحة عجزت الحكومات المتلاحقة عن تلبيتها، بل فاقمتها أكثر وأكثر، ولم تسمح بوجود أي آلية من آليات الضمان الاجتماعي الوطنية، وأصبحت مساعدات هذه الجمعيات هي الملاذ الوحيد لأولئك الفقراء، وبالمقابل يحصل مقدمو/مقدمات، هذه المساعدات على ولاء كبير.
ولم تكن هذه المساعدات تقدم بدون مقابل، بل كانت مشروطة بطلبات الواجبات الدينية من قدوم إلى الجامع والمواظبة على الدروس والالتزام باللباس الديني (الحجاب والمانطو)، وتتعداها أحياناً إلى اشتراطات بعدم العمل أو عدم الزواج بعد ترمل المرأة. ففي حادثة تلخص ما سبق ذكره اشترطت السيدة “أم د” (من جمعية حفظ النعمة) على السيدة التي توفي زوجها وترك لها ستة أطفال صغار ألا تعمل ولا تتزوج مرة ثانية مقابل شراء بيت لها في عين ترما وأخذ ثلاثة من أولادها للميتم وتأمين معاش شهري حتى تتمكن من إعالة الأطفال الثلاثة الباقين10!
وربما، توضح هذه الشروط واحدا من أسباب انخفاض نسب مشاركة النساء في قوة العمل في سوريا، والتي كانت تتناقص على الرغم من ارتفاع نسبة النساء المتعلمات، ووصلت إلى أقل من ١٤% عام ٢٠١٠ في الوقت الذي كانت تخطط الحكومة في خطتها الخمسية العاشرة (٢٠٠٥-٢٠١٠) لرفع النسبة إلى ٢٤%.
وتضاف هنا تساؤلات جديدة عن هذه الحركة التي “لا تعمل بالسياسة” ولكنها تملك مفاتيح أبواب عصية على الفتح في وجه الكثير ممن يُفترض أنهم متنفذون أو قريبون من المتنفذين، ولكنهم يختلفون عن أولئك القبيسيات بتوجهاتهم العلمانية. ولو افترضنا أن هناك انتخابات حقيقية ستقوم في البلاد، ودون التدخلات الأمنية، فعلى الأرجح، إن لم يكن من المؤكد، ستذهب أصوات معظم الناخبين والناخبات، خاصة الفقراء، إلى مرشحي ومرشحات من يقدّم المساعدات السخية والعديدات منهم من الحركة.
كذلك توظف حركة القبيسيات المال والنفوذ في مجال لا يمكن للاستثمار فيه أن يخيب، وهو التعليم، مما يضيف لعمل ونشاط القبيسيات بعدا استراتيجيا هاما ومؤثرا في تشكيل الهوية الفردية، وربما الهوية الجمعية عندما يتضافر هذا البعد مع نشاطاتهن الأخرى.
ولهذا سيكون التعليم موضوع الحلقة الثالثة من هذا البحث الذي يتكون من أربع حلقات، فيما ستتطرق الحلقة الرابعة لأهم الانتقادات التي توجه إلى القبيسيات من الحلفاء والخصوم، ومجموعة الاستخلاصات التي سيخرج بها البحث.
الهوامش:
1 أشار الباحث د. نبيل مرزوق، بعد قراءته للجزء الأول من هذا البحث، إلى أنه التقى بالسيدة منيرة القبيسي عام 1970 خلال عمله على جمع بيانات إحصاء عام 1970 في دمشق، وجاء لقاؤه بها في زيارته الثانية لمسكنها بعد زيارته الأولى التي فتحت له الباب وقتها شابة محجبة وقالت له: “الآنسة مو موجودة بالبيت هلق ولازم ترجع مرة تانية حتى تجاوبك”. وتؤشر هذه الشهادة إلى أن عمل السيدة منيرة القبيسي قد بدأ قبل سبعينيات القرن الماضي، ولكننا لم نصل بعد إلى التاريخ الدقيق لبدء الدعوة القبيسية.
2- ahmadjoma.blogspot.com/2013/07/blog-post
3- سلام إسماعيل، مركز برق للأبحاث والدراسات، جماعة الأخوات القبيسيات، دراسة تحليلية لنشوء وانتشار الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع العربي ي والإسلمي
4- المرجع السابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح
5- لمى راجح، رحلتي مع القبيسيات، موقع الجمهورية، عيون، 18 كانون الثاني ٢٠١٧
6- المرجع السابق، مقابلة خاصة لغرض هذا البحث، أجريت مع السيدة ك التي انخرطت مع القبيسيات لفترات متقاطعة، ورفضت الإفصاح عن اسمها الصريح.
7- قالت لي سيدة حضرت عدة لقاءات للقبيسيات إن “الآنسة صرخت مستنكرة غلاء الأحذية التي تنتعلها المشاركات في هذه الحلقة، وقالت: الكندرة مو ضروري تكون ب 500 أو 700 دولار أو أكثر، من شو بتشكي أم الميتين دولار؟! صار لي سنة ونص لابستها وعم خفق فيها من بيت لبيت ولساها جديدة.”
8- كثيرا ما يتردد في الأوساط الاجتماعية والدينية الحديث عن حالة الزهد التي كان يعيشها الشيخ البوطي وتعففه عن الحصول على الهدايا الثمينة والأموال.
9- جرت محادثة عام 2006 ضمت عضوة مجلس شعب (أ.خ) ورئيسة جمعية الندى، جمعية تديرها سيدة قبيسية (م.ر) وكاتبة البحث وجرى الحديث فيها عن تقديم هدايا ثمينة (ألماس) في مناسبات عديدة من رئيسة جمعية الندى لوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وقتها من أجل “تمشاية الشغل” بحسب قول رئيسة الجمعية.
10- مقابلة مع سيدة حصلت أختها على معونة من جمعية “حفظ النعمة”.
بواسطة Hadia Al Mansour | أكتوبر 12, 2018 | Cost of War, غير مصنف
نجا أحمد الشعراوي وهو في الـ٢٦ من عمره بأعجوبة من محاولة سرقة وقتل على الطريق الواصل بين سرمدا وريف إدلب الجنوبي. إذ هاجتمه عصابة من الملثمين محاولين إيقافه وسرقة سيارته، إلا أنهم لاذوا بالفرار عندما فاجأهم بإطلاق النار نحوهم.
يروي أحمد تفاصيل الحادثة قائلاً “أتوجه كل فترة إلى مدينة سرمدا للحصول على بعض البضائع لمحلي التجاري الواقع في مدينة كفرنبل، ولحرصي على سلامة بضائعي الثمينة والمكلفة مالياً، وتحسباً لأي طارئ، أحمل معي سلاحي أينما ذهبت وخاصة في ظل الانفلات الأمني الحاصل”، ويصف الشعراوي كيف أوقفته مجموعة من المسلحين في أحد الطرق الفرعية وطلبوا منه مغادرة سيارته (فان) ويتراوح سعرها بين ٧ و ١٠ آلاف دولار أمريكي ، فتظاهر بأنه على وشك الخروج حين باغتهم بإطلاق النار عليهم ما دفعهم للفرار بعد إصابة أحدهم .
يحمد أحمد الله أنه نجا من تلك المحاولة وإلا “لا شك سيكون مصيري مجهولاً كالكثيرين الذين تعرضوا لذات الحادثة” بحسب تعبيره.
قصص عديدة كقصة أحمد أصبحت تُسمع في ريف إدلب، إذ ازدادت جرائم القتل والخطف والسرقة تزامناً مع انتشار ظاهرة اللثام والملثمين بين الناس، مما يسمح لهم بارتكاب التجاوزات دون أن يتسنى لأحد رؤية وجوههم أو التعرف على شخصيتهم.
وإن كان أحمد قد نجا من محاولة السرقة غير أن الحاج حسين العمر (٥٠عاماً) لم يفلح في ذلك، فقد قامت عصابة مجهولة في منتصف شهر أبريل/نيسان ٢٠١٨ بسلب سيارته و بداخلها ٦ كيلو غرام من الذهب. عن تفاصيل الحادثة أوضح العمر بأن العصابة الملثمة أوقفته على الطريق الواصل بين بلدة معر تمصرين وقرية حر بنوش الواقعة في ريف إدلب الشمالي، وقامت بسرقة سيارته تحت تهديد السلاح، “كمية الذهب المسروقة كلها مصاغة ومخصصة للعرض في واجهة محلي التجاري، وبهذه السرقة خسرت كل ما أملك وأصبحت على هاوية الإفلاس” يقول الحاج حسين .
ولا تقتصر جرائم الملثمين على السرقة فحسب، وإنما يقومون أيضاً بالخطف بغرض طلب الفدية، وتكررت تلك الحوادث وازدادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة حتى وصلت للخطف من المنزل.
فقد قام ملثمون بخطف الشاب عمران الحسنى وهو طالب جامعي من بيته ومن بين أهله، اعتقد الأهل حينها بأن الخاطفين يتبعون لتنظيم هيئة تحرير الشام (المعروف سابقاً بالنصرة) والذي غالبا ما يعتقل المدنيين بتلك الطريقة، لكن ذوي الشاب تفاجؤوا فيما بعد بأنهم مخطئون حين بدأ الخاطفون بالتفاوض مع الأهل، حيث طلبوا فدية قدرها ٢٥ ألف دولار، وأمام عجز أهله عن تأمين الفدية، قامت العصابة بقتل الشاب ورمي جثته على حافة أحد الطرق المؤدية إلى قريته.
ولم ينج حتى مسلحو المعارضة من جرائم العصابات، كما حدث في قرية تلمنس بريف إدلب الشرقي، ففي تمام الساعة الحادية عشرة ليلاً بداية عام ٢٠١٨ قام سبعة عناصر ملثمين بمداهمة مكتب قائد اللواء الخامس في جيش إدلب الحر، ولم يكن في المكتب آنذاك سوى قائد اللواء وابنه. ترجل الملثمون من سيارتهم وهي طراز هونداي، وداهموا المكتب وقاموا بتكبيل الطفل وجره للسيارة، في حين كان والد الطفل يحاول إنقاذه، وعندما أثار الصراخ انتباه ساكني الحي وتوجهوا نحو المكتب هرب المهاجمون تاركين أحد عناصرهم الذي أصيب بعد أن أطلق والد الطفل عليه النار. وأشارات التحقيقات مع العنصر المصاب إلى أنه وعصابته ينتمون إلى تنظيم ما يسمى “حراس الدين” معترفاً بأن العملية كان هدفها الخطف وطلب الفدية.
لم يتوان الملثمون أيضاً عن تنفيذ عمليات تصفية طالت قياديين في الجيش الحر بل ومدنيين عزلاً وأطفالاً ونساءً، حيث تعرضت إدلب المدينة لعشرات التفجيرات التي راح ضحيتها عوائل بأكملها.
الشاب صبحي الراشد راح ضحية أحد تلك التفجيرات قبل حلول عيد الفطر بأيام قليلة، وذلك بعد انفجار عبوة ناسفة أمام المكان الذي كان يجتمع فيه مع أصدقائه من الشبان. يقول صديقه حسام متأثراً بما حدث لصبحي: “صبحي شاب طيب وخلوق، وليس له انتماء لأي فصيل أو حركة أو تنظيم، ومع ذلك فهو لم يسلم من غدر المجرمين وخفافيش الليل الذين همهم زرع الفتنة والرعب والإرهاب في كل مكان.”
الحاجة أم سامر (٥٥عاماً) شهدت إحدى جرائم الاغتيال هذه حيث تم إطلاق النار على شابين من قبل مجموعة ملثمين مسلحين، يستقلون سيارة بيك آب على الطريق المؤدي لمدينة جسر الشغور. تروي أم سامر التي كانت تقف على شرفة منزلها كيف كان الشابان على دراجة نارية حين باغتهما المسلحون بإطلاق النار عليهما واللوذ بالفرار، مما أدى لمقتل أحد الشبان فيما نقل الآخر إلى المشفى.
تقول الحاجة أم سامر “لم نعد نأمن على أنفسنا، فقد أصبح المجرمون في كل مكان وهم لا يتوانون عن قتل أي شخص لأهداف دنيئة متعددة”، وتتساءل ” إلى متى سيستمر هذا الانفلات الأمني؟”
الحقوقي نزير العوض (٣٢عاما ) يرى أن ما وصلت إليه الأوضاع الأمنية في المناطق المحررة يستدعي “التحرك السريع لفرض الأمن، والقضاء على المجرمين الذين راحوا يصولون ويجولون متخفين بلثامهم” متسائلا عن سبب وضع عناصر بعض الفصائل اللثام وكأنهم يشجعون على كل تلك الانتهاكات، “فلو أن ظاهرة اللثام انتهت لدى الفصائل المتشددة كالنصرة، ربما كان من الصعب على الملثمين المجرمين الاستمرار بأفعالهم تلك فأمرهم سيكون مكشوفاً لدى الجميع فيما سيشل تحركاتهم ، ويردعهم عن ممارسة أفعالهم” ويختم العوض بانتقاده للفصائل التي تتجاهل ما يجري “وكأن الأمر لا يعنيهم.”
من جهته أفاد القيادي في الجيش الحر أبو البراء (٤٢عاماً) بأنه تم العثور على عدة ألغام مزروعة على أطراف بلدة الهبيط الواقعة في ريف إدلب الجنوبي مهيئة للانفجار حيث تم تفكيك وتفجير بعضها، وأشار إلى حالات الاغتيالات التي كثرت في الآونة الأخيرة في إدلب وريفها ومنها العثور على جثتين مجهولتي الهوية بين بلدتي معصران بابيلا وذلك بقتلهما ورميهما في الأراضي الزراعية، بالإضافة للعثور على جثة أخرى في قرية الزعلانة وأخرى على طريق البارة كفرنبل وغيرها من الجرائم.
ويقول أبو البراء إنهم لا يزالوا يجهلون من يقوم بتلك التصفيات والجرائم “فمعظم الجرائم تتم في المناطق الحراجية أو الطرق الفرعية التي تخلو من وجود حواجز أمنية، وهو ما يجعل الكشف عن طبيعة تلك الجرائم أمراً بالغ الصعوبة، وخاصة في ظل ما تمر بها البلاد من فوضى” بحسب قوله.

من جهة أخرى قامت القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام بإعدام أربعة أشخاص في مدينة إدلب علناً بعد أن قالت عنهم بأنهم متورطون بعمليات التفجير والاغتيالات بحق عسكريين ومدنيين، كما استطاعت جبهة ثوار سراقب التابعة للجيش الحر إلقاء القبض على عصابة سرقة في مدينة سراقب جنوبي شرقي محافظة إدلب بتاريخ ٢٠ إبريل/نيسان ٢٠١٨. علما أن معظم الفصائل الثورية المسلحة تمتنع عن توجيه الاتهام إلى أي جهة معينة خشية إثارة بلبلة في المنطقة، قد تتطور إلى اشتباكات بين الفصائل.
وفي محاولة مدنية لمحاربة ظاهرة اللثام والحد منها أطلق ناشطون حملة “اللثام ليس منا” بغية الإشارة إلى وجود هذه الظاهرة الخطيرة وتحذير الأهالي من عواقبها.
المنسق العام للحملة ملهم سمير (٣٠عاماً) يقول لصالون سوريا “انطلقت الحملة في كل من محافظتي حلب وإدلب نتيجة تكرار حالات الخطف والقتل والسرقة التي يمارسها الملثمون مستغلين ضعف العامل الأمني وفوضى الحرب القائمة” ويبين سمير بأن هدف الحملة هو القضاء على ظاهرة اللثام والتي تساعد أصحابها على ارتكاب الجرائم والانتهاكات بكل سهولة.
وقد تضمنت الحملة ندوات توعوية وتوزيع بروشورات وملصقات في الأماكن الحيوية والعامة.
ورغم التفاعل الكبير مع الحملة من قبل الأهالي والمدنيين إلا أنها غير كافية للقضاء على هذه الظاهرة التي تستوجب سلطة وقوة تعمل على الحد منها، غير أن هذه السلطة غائبة حالياً في ظل ازدياد عدد الفصائل وتعدد قياداتها وتناحرها في المنطقة.