للمسرح والفن تأثيرٌ مباشرٌ على بناء ثقافة الأمم، فكما يُقال “أعطني مسرحاً أعطك شعباً”. وفي الحالة السورية قد لا يعرف كثيرون أن سوريا أطلقت أول مسارحها على يد رائد المسرح العربي، أبو خليل القباني السوري، في عام 1871، وهو صاحب الفضل الأول في سقاية بذرة الحركة المسرحية انطلاقاً من سوريا، لتصل إلى كل بلدان العرب لاحقاً.
قوبل القباني بالرفض حيناً والتكفير أحياناً أخرى، لكنه في النهاية انتصر وصار رواد مسرحه بالمئات لكل عرض حسب ما تخبرنا به الوثائق المحلية، وليس المجال هنا متاحاً للخوض في تفاصيل مسرح القباني، ولكن الإشارة إليه واجبةً لنقول أين وكيف تأسس المسرح السوري، الذي غاب لسنوات بعد وفاة رائده ومؤسسه، حتى شهدت الشام لاحقاً تأسيس أكثر من 30 فرقة مسرحية وموسيقية، أبرزها المسرح القومي في عام 1959 والذي نقل المسرحيين من الهواية إلى الاحتراف، وصولاً إلى مسرح الشوك الستيني.
مسرح الشوك
في ستينيات القرن الماضي أسس الفنان عمر حجو مسرح الشوك، ليضم لاحقاً خيرة فناني المسرح، في محاولة منهم لتصحيح ما يمكن من التردي الذي وصل إليه حال المجتمع، مؤمنين أن الفن طريق للخلاص، ومن بين أعضاء هذه الفرقة كان: “دريد لحام، رفيق السبيعي، ياسين بقوش، طلحت حمدي، ناجي جبر، مظهر الحكيم، هدى شعراوي وغيرهم كثر”.
جميعهم حاولوا ترميم آفات المجتمع، قد يكون الظرف الزماني وقتها لعب دوراً إيجابياً في مساعدتهم، وقد حالفهم النجاح أحياناً، ولكن العبرة في الاستمرار، وهذا المسرح قُتل لصالح الدراما التلفزيونية وثورة الشاشة الصغيرة، الشاشة التي دخلت بيوتنا عنوةً، وقولبت أفكارنا من حيث ندري ولا ندري، حتى صرنا عبيداً في طور النمو لثورة التكنولوجية التي وصلت ذروتها النسبية/المؤقتة بعيد عملية استمرار لتطوير ملامحها الهجومية والتي لم تتوقف، حتى اليوم.
الدراما السورية – صعوداً
تعتبر الدراما السورية سباقةً عربياً في دخولها على خط الإنتاج شبه المنظم، فالبداية كانت مع عام 1960، ومع انطلاق التلفزيون السوري انتقل إليه رواد المسرح، ولعلّ أول ظهور كان مع الممثل “نهاد قلعي”، يرافقه “دريد لحام، رفيق السبيعي”، إذ كان “قلعي” يقدم برنامجاً كوميدياً باسم “سهرة دمشق”.
أما العمل الدرامي الحقيقي فكان في ذات عام البداية، تحت اسم “تمثيلية الغريب”، يتحدث عن الثورة الجزائرية وأبطالها ومجرياتها، من بطولة “ثراء الدبسي، وياسر أبو الجبين، وبسام لطفي”، ومن إخراج “سليم قطايا”.
وكذا أخذت الدراما طريقها في الصعود بلا توقف، فكانت شخصية “غوار” لصاحبها “دريد لحام”، هي بذرة ما قد جاء بعدها، الشخصية التي شكلت مكوناً للذاكرة العربية في أعمال “كصح النوم” و”حمام الهنا”، وهكذا انهمرت الأعمال السورية بعد السبعينات دون توقف، وأبرزها في تلك الحقبة كان “الحب والشتاء”، “عطر البحر”، “القيد”، “طرائف أبي دلامة”، “الدولاب”، وغيرهم؛ ولعل عراب تلك المرحلة بإجماع معاصريها كان المخرج “غسان جبري”.
المرحلة الثانية – صعوداً
في هذه المرحلة نظمت الدراما نفسها أكثر، وامتلكت مفاتيح تأسيس النجاح المستديم، معتمدة على شخصيات بإمكانها رفع سوية الصنعة، كمثل شخصية غوار ومعه مرايا ياسر العظمة، السلسلة التي استمرت حتى منتصف الحرب السورية تقريباً.
المرحلة الثالثة – بطولة نجدة أنزور
في تسعينيات القرن الماضي، دخل الشاب نجدة اسماعيل أنزور إلى ساحة العمل الفني الحقيقي، المخرج الذي يقول عنه النقاد أنه صنع نقلةً تاريخية في تاريخ المهنة، تجلى ذلك في عمله “نهاية رجل شجاع” عام 1994، حيث قام الرجل المستند على خبرة عملياتية بإدخال سمة جديدة لنوعية الإخراج التقني والبصري والصوري، ومع العمل المذكور وبعده “إخوة التراب” و”الموت القادم إلى الشرق”، اخترق المخرج أبواب المنازل العربية ودخلها بالجمال الفني.
وإلى جانبه كان للمخرجان بسام الملا وهاني الروماني رغبتهما في منافسة الدراما المصرية، والتي أخذت تتفوق عربياً، لأسباب عدة، لا مكان لذكرها هنا، فالملا تخصص بالبيئة الشامية، والروماني أخرج العمل الخالد “حمام القيشاني”، وكلاهما ترك بصمة، لكن الدراما المصرية ظلت متفوقة لناحية الانتشار في زمن ذاك العمل وظروفه.
الكوميديا والدراما السورية – المرحلة الذهبية
في أواسط التسعينات لمع نجم الفنان “أيمن زيدان”، كعراب للكوميديا خاصة ً في عمله “يوميات مدير عام” سنة 1995. وشهدت هذه الفترة نجاحات لم تتوقف كخالدة ياسر العظمة سلسلة “مرايا”. وبعد بداية الألفية الجديدة، تربع الفن السوري على العرش؛ فصارت الصنعة أقرب لحرفة يجيدها السوريون، ويملكون تكتيك تحريك كرتها في الملعب؛ فالموسم الرمضاني في كل عام، أصبح الشغل الشاغل لأقلام النقاد، فما يصنعه أهل الاختصاص صار مدرسة تُدرس وقطعاً نادراً من عملة صعبة اكتشفها المحليون بالاجتهاد.
الغرور الدرامي
“الفن ابن بيئته، ومحيطه، ومعاناته”، هذه المقولة لا تنطبق على النجم السوري الذي انسلخ عن مجتمعه، وصار جليس برجه العاجي؛ فالشهرة إلى جانب الثراء وفيض النجومية، جعل منه آفة فكرية متعالية على مواطنيه، أكثر منه مرشداً وعارفاً وناصحاً.
كيف لا يكون ذلك، وقد صار النجم بحكم التبدلات تاجراً، لم يعد النص يهم الكثيرين، صار الأجر هو المهم، وبالمحصلة فإن أي عمل كان يصنع سيضيف لرصيدهم آلاف المعجبين، الغرور هنا قضى على المعايير؛ فالفنان السوري صار يعتبر نفسه هو المجتمع، لا المجتمع هو، وتالياً هو معصوم وصاحب إنجاز مهما بلغ سوؤه. لذا كان الأمر عاملاً أدى لتراجع السوية الفنية، لقدرات الفنان أولاً، وللنص ثانياً، وللعمل ثالثاً.
الاستثناء قائم هنا، وبشدة، فالبعض حافظ على سويته الأخلاقية والفنية، لكن الجمع يلغي الاستثناء، ولو كان ظلماً.
الانحدار الفني، خسارة المجد
الدراما التي وصلت قمتها، انهارت اليوم، فهاجرت رؤوس الأموال الممولة، وهاجر معها كثير من الفنانين السوريين،؛ فضعف التسويق والمردود عاملان جوهريان في التراجع، ولكن المشكلة هنا أن الدراما التي لطالما تحايلت على الممنوعات سائرة على حد الخطر، باتت اليوم تتمتع بهامش حرية واسع لم تحاول استثماره بمهنية، فسقطت معه إلى هاوية قد يصعب انتشالها منها.
الحرب فعلاً قد فعلت فعلتها، ولكن التحدي القائم هو ألا تعيد هذه الدراما إنتاج المشهد الإخباري السوري، مع العمل على ألا تنفصم عن الواقع المعاش، أكان اقتصادياً أم سياسياً، كأن تحاول مثلاً أن تقدم عملاً اجتماعياً كهدنة منظمة بين العقل الإنتاجي والعقل الاستنتاجي، ففي مؤلف “دراما النار والقلق” وهو بحث أكاديمي أصدره الناقد الصحفي “ماهر منصور”، يرى أن أقل من ربع الإنتاج السوري جاء محاكياً للحرب الحالية، وكذا في سنوات الحرب الأولى، كان هناك سنوياً 4 إلى 5 أعمال بيئة شامية، وهو أمر مطلوب للتسويق العربي.
كما أن الاصطدام السياسي والعسكري مع كثير من الدول العربية، جعل حصارهم للدراما السورية أمراً واقعاً، فتوقفت الكثير من الشركات المنتجة عن العمل، على حساب ولادة شركات أخرى هربت باتجاه أعمال عربية مشتركة، وهي عملياً لا تقدم مادةً فنيةً خالصةً أكثر منها ترفيهيةً مبهرةً بصريةً ببذخٍ إنتاجي مبالغ به.
الدولة السورية عملت ربما على ألا تحارب الصنعة في بعض الزوايا، فسمحت بإنتاج أعمال تُحاكي مواقف حساسةً في جسد الملف السوري، كالتظاهرات مثلاً، ولكنها في زاوية أخرى، جعلت من مؤسسة عريقة كمؤسسة السينما، وقفاً على مخرجين متنفذين، يحق لهم ما لا، ولن، يحق لغيرهم، في سابقةٍ، نسفت معها مدرسة لحام والماغوط، أصحاب المنجز السينمائي الخالد، “الحدود”.
The Syria Quarterly Report is a collection of articles, summaries, and links curated by Salon Syria and Jadaliyya. This report is a collaboration that includes Salon Syria’s series entitled “Syria in a Week” and Jadaliyya’s weekly media roundups that address the main events of that week, as well as articles about them, in relation to the Syrian conflict. The Syria Quarterly Report aims to assist in creating a selective but foundational archive of materials from 2018 onwards.
لم يفاجأ أحد بخروج الناس إلى الشارع في مدينة السويداء وخصوصاً بعد الانهيار الأخير الذي أصاب الليرة السورية والارتفاع الجنوني في الأسعار، سيما وأنّ مظاهراتٍ سابقة اندلعت في شهر كانون الثاني (يناير) تحت شعار “بدنا نعيش.” لكن أحداً لم يتوقع أن تكون هذه المرة الاحتجاجات سياسية ومباشرة وبهذه الصيغة الواضحة، حيث لم توارب كما في المرات السابقة بل أشارت صراحة إلى أصل المشكلة والمتمثل بالسلطة الحاكمة مناديةً علانيةً بإسقاط النظام وتنحي الرئيس السوري عن الحكم وإنهاء الاحتلالات والتدخلات الخارجية.
المظاهرات التي انطلقت في وسط المدينة ومقابل مبنى المحافظة كانت سلمية بالمطلق ولم تتعرض لأي مضايقات من أحد كما لم ينجم عنها أي أعمال شغب أو عنف، وكانت بشعاراتها الصريحة والمفاجئة قد لفتت أنظار الجميع مع إحساسٍ عام بالريبة والحذر، وسرعان ما بدأت ردود الأفعال تجاهها من كل الأطراف سواء من الداخل أو الخارج، من دائرة السلطة أو من دائرة المعارضة، وخصوصاً بعد أن تصدرت أحداثها نشرات الأخبار.
وكالعادة تجاهلت السلطة بدايةً هذه المظاهرات ثم أعلنت تخوينها وربطها بأجندات خارجية فتهمة الأصولية والتكفير لا تنفع في السويداء، إلا أنّ اتهاماتٍ أخرى تزعم وجود ارتباطات بين المتظاهرين ووليد جنبلاط وجهاتٍ خارجية أخرى تبقى جاهزة وحاضرة لتخوين المتظاهرين. أرسلت السلطة تعزيزاتٍ أمنية مشددة للمراكز الحكومية والأمنية وهددت بقمع المظاهرات بالعنف والقوة والترهيب، ثم سيّرت مسيراتٍ مؤيدة للسلطة، باتت أشبه بمسرحيات لا تنطلي على أحد، حيث أجُبر الموظفون والحزبيون وطلاب المدارس والجامعات على الخروج في مسيرات تحت الضغط والتهديد بالفصل من العمل، بدليل ما تسرب من تسجيلات صوتية لإحدى المسؤولات في حزب البعث تهدد وتتوعد بعقوباتٍ لكل من يتخلف عن المسيرة، وانتهاء بالصدام المباشر والاعتقالات وهو ما حدث فعلاً في اليومين الماضيين وأدى إلى فض المظاهرات بالقوة واعتقال عدد من المتظاهرين أيضاً.
تطرح الاحتجاجات الأخيرة في السويداء أسئلة كثيرة حول ما يمكن أن تحمله هذه الحركات وإلى أي مدى يمكن أن تؤدي إلى نتائج واضحة؟ كيف ستستمر؟ وما هي ردود الأفعال حولها ومنها؟ وكيف يمكن أن تقرأ بشكل عام؟
بدايةً كان من المحبط ما لاقته هذه الاحتجاجات من انتقادات وردود أفعال حولها وخصوصاً من جهات المعارضة وممن لا يزالون يحسبون أنفسهم أوصياء على العمل الثوري ومتعهديه الوحيدين وخصوصاً تلك الأصوات الموجودة في الخارج والتي تباينت ردود أفعالها بين الترحيب والحماس المبالغ فيه كما لو أن المظاهرات حدث كسر محرمات الصورة النمطية عن السويداء ومجتمعات الأقليات وأنها أخيراً التحقت بـ”ثورة الحرية والكرامة” على حد تعبيرهم وأنها ستقلب الموازين على الساحة السورية وغيرها من التهليلات السطحية التي اتسم بها هؤلاء في تعاملهم مع الحدث السوري منذ 10 سنوات حتى اليوم. والمقلق في هذا التأطير، أنّه أنتج حالة من التماهي مع هذه الفكرة عند العديد من السوريين سواء من الشباب المشاركين في الاحتجاجات أو من البعض في الخارج وكأنّ السويداء مطالبة بصك غفران واعتذار لا بدّ أن تقدمه عن موقفها المحايد سابقاً من الصراع المسلح لتنال شرف المشاركة في “الثورة السورية”، بدايةً من الهتافات ورفع “علم الثورة”، الذي رُفع لمرة واحدة، وليس انتهاءاً بأغنية سميح شقير ( قامت حقا قامت).
وعلى الرغم من أنّ الاحتجاجات والشعارات تكاد تتطابق من ناحية الشكل والمضمون مع تلك التي رُفعت عام 2011 في إشارةً غير ملتبسة وصريحة لغاياتها السياسية والمطلبية، إلا أنّ الكثير من الآراء اعتبرت الحراك متأخراً وعديم النفع وقابلته بالاستهتار والتشكيك وبردود فعل شامتة ومتعصبة مثل ( يطعمكم الحج والناس راجعة، هلق لتذكرتوا وجعنا وحسيتوا فيه، هذه ثورة جوع وما بترقى لثورة الكرامة) وغيرها من العبارات التي قللّت من أهميتها وشككت بها.
المقهورون لا سند لهم ولم يجدوا سوى الشارع للتعبير عما يريدون، شارع له خصوصية واضحة وفريدة في السويداء، فما يمكن تحقيقه في وسط المدينة وقبالة المربع الأمني فيها مباشرة من وقفات واعتصامات وحتى احتجاجات سياسية لا يمكن أن يتحقق في أي حي بضاحية أي مدينة أخرى، فوجود الميلشيات المحلية من جهة والتي يمكن أن تتدخل فيما لو حدث صدام مباشر وخصوصية المجتمع في السويداء من عصبية واضحة إزاء مواقف الأزمات من جهة ثانية شكلا فرصة لانطلاق المظاهرات فيها دون أن يتم قمعها مباشرة. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الحماس الواضح لجيل من الشباب الذي وعي وكبر في سنوات الحرب الماضية ويعاني ما يعانيه من فقدان هويته وانسداد الأفق أمامه كان طاغياً، فحضور هذه الفئة العمرية ضمن المحتجين والتي ليست لديها خبرة أو برامج واضحة ومدفوعة بحماس قد يبدو متهوراً في المشهد السوري بعد كل هذه السنوات الدامية، إلا أنه يبقى الأصدق تعبيراً عن ألم وبؤس حال جيلٍ محطمٍ ومهدور دفع وسيدفع فاتورة الحرب الكارثية.
تردّد الكثير من التبريرات السائدة اليوم بأنّ السويداء “قالت كلمتها ووقفت بشجاعة عندما تريد”، فهل يصح هذا القول فعلاً للاختباء والإفلات من سؤال وماذا بعد؟
تتجه الآراء اليوم في المدينة لانتقاد شعارات الاحتجاجات التي رفعت سقفها كثيراً وإن كانت محقة بكل ما قالته من جهة التدليل على أصل المشكلة والحل إلا أنها لم تقارب الصواب في طريقة انتشارها واستقطاب الناس لها أو في مدى تأثيرها على الأرض بشكل فعال ومباشر يؤدي إلى نتائج ويبني مواقف يمكن الاستناد إليها لاحقاً، فلو بقيت الاحتجاجات مطلبية ومعيشية واستفادت من الظروف الحالية لكانت حظيت بتأييد ومشاركة واسعة داخل السويداء وخارجها.
ما أزال أقف عند رأي بائع البسطة في الشارع الذي سمعته يقول: “بات من البديهي والواضح أن المسؤول عما نحن فيه هو النظام الحاكم والسلطة المستبدة بكل رموزها، لكن حتماً الهتاف ضدهم علانية في الشارع لن يفضي إلّا إلى العنف والعنف المضاد ولن يؤدي إلى أي نتيجة.”
قد يكون كلام البائع البسيط صحيحاً لكن لشباب الحراك المتحمس والبائس وفاقدي الأمل رأي آخر تماماً، فبحسب معتصم، أحد المتظاهرين: “لا جدوى من أي محاولة للإصلاح وإن كان الثمن هو الخراب فليأتي، فلم يعد هناك ما نخسره أكثر من ذلك على أي حال.”
يمكن تصنيف المواقف في السويداء اليوم حيال الحراك الاجتماعي إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى تضم الراغبين بضرب الناطور فقط دون تحصيل أي شيء لقناعتهم بأنه هو من يسرق العنب، ولا يكترثون لما يمكن أن تؤدي إليه خياراتهم من احتمالاتٍ ونتائج، ودون أن يخبرونا بكيفية ضرب الناطور أو إزاحته من المشهد! وهناك فئة أخرى أكثر عقلانية تريد العنب فقط، وهي فئة أكثر براغماتية إن صح التعبير تعتبر مسك العصا من الوسط هو الحل أو ما بات يعرف في المصطلح الشعبي “قدم في البور وقدم في الفلاحة،” وفي انتظار حدوث تغييرٍ من الخارج لقناعة مترسخة بعد كل هذه السنوات بأنّ المسالة السورية خرجت من أيدي أبنائها. أما الفئة ثالثة فمغلوب على أمرها وعانت وصبرت على ما قاسته لأنها تريد النجاة فقط من حرب عبثية تدمر ماتبقى أو كما يقال “تريد سلتها بلا عنب”. ما يجمع هذه الفئات الثلاث هو عدم قدرة أي منهم على شق أي طريق أو وضع أي خطة أو برنامج يضمن الوصول لأي هدف كان. هو مشهد عصيّ على النتائج ولا ينحصر بما يحدث اليوم في السويداء فقط بل يمكن أن يُعمّم على كافة المناطق ولعله المشهد الذي بات يسم المسألة السورية برمتها منذ استعصاء الحل فيها خلال السنوات الماضية إثر التدويل والعسكرة.
قوة اللحظة والمشهد في الاحتجاجات والتي فرضتها خصوصية المدينة بدت وكأنها تلاشت بعد حادثة فض الاحتجاج بالقوة واعتقال عدد من المشاركين فيه، فالتعويل الضمني والإحساس بالحماية التي وفرته الميليشيات والتوازنات التي أقيمت في المدينة بعد اغتيال وحيد البلعوس لم تعد موجودة اليوم أو هكذا بدا الواقع، وما تشير إليه المعطيات حتى الآن، فلم تتدخل أي من الفصائل المحلية والتي رفعت فيما مضى شعارات حماية شباب المدينة من الملاحقة والاعتقال وتعهدت بالحفاظ على السلم الأهلي وحماية الجميع وعلى رأسهم رجال الكرامة. بل على العكس فالمشهد ذهب إلى أبعد من ذلك، فالبيان الذي أصدرته الهيئة الدينية في السويداء (في 12 حزيران)، والذي أثار حفيظة “شباب الحراك السلمي،” كان موارباً في مضمونه بحيث يبدو أنه إدانة للعصابات والمنفلتين من القانون والذي قد تستغله السلطة كتفويض لاعتقال المتظاهرين وربما تصفيتهم بحجة أنهم مارقون وخارج القانون ويسعون لزعزعة أمن السويداء، وهذا ما يؤكده زج أتباع السلطة من أبناء المدينة لفض الاحتجاجات والاعتداء على المتظاهرين ما يجعل المدينة ممزقة بين موقفين يحدثان شرخاً في المجتمع وهو ما يسعى إليه الحل الأمني، المجرّب سابقاً بنجاح في عدة مناطق. فلو قررت هذه الفصائل مساندة الاحتجاجات والوقوف ضد السلطة بشكل مباشر لكانت أعطت النظام الفرصة الذهبية التي ينتظرها لتصفيه هذه الميليشيات، وهو بالضبط ما يفسر صمت هذه الفصائل إزاء ما يجري وخصوصاً أن ثمن المواجهة سيكون كارثياً ودموياً على الجميع ابتداءً بالتصفيات الفردية والاقتتال الداخلي ووصولاً إلى العقاب الجماعي للمنطقة على غرار باقي المناطق السورية، وخصوصاً في هذه الأوقات الحرجة التي يتم فيها الحديث عن تسويات سياسية قادمة للمنطقة بالإضافة لتقارير جديدة تُفيد بعودة نشاط خلايا داعش في بادية السويداء القريبة ما يخلط الأوراق ويجعل المشهد أكثر تعقيداً في السويداء مما يبدو عليه.
لا أحد يمتلك الإجابة عما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القادمة والى أين ستصل تطورات وتداعيات هذه الاحتجاجات، لكن تبقى الترجيحات المطروحة بقوة والتي يهمس بها الجميع، بأنّ السلطة لن تقدم أي تنازلات إزاء ما يحدث حتماً وخصوصاً وأنها ستستخدم فرض عقوبات “قانون قيصر” هذه المرة أيضاً كشماعة للهروب من تقديم أي حل هي بالأساس عاجزة عن إيجاده، ولا تريد إنجازه بالأحرى كما تجلى منذ 2011، وعليه فإنّ الشباب الذي خرجوا إلى الشارع لايمتلكون خيارات كثيرة، وربما يمكن اختصارها بخيارين لا ثالث لهما، إما فهم المعادلة الداخلية وربطها بتوازنات القوى العظمى في سوريا وعليه سيكون عليهم الانسحاب من الشارع، أو تحويل الشعارات لما يخدم تحقيق نتائج مباشرة على الأرض تلامس حاجات الناس وتخفف من قسوة الواقع المفروض عليهم، أو بحسب تعبير ريّان، وهو أحد المتظاهرين: “الشعب يريد تركيب ميكرفون” في دلالة ساخرة لحلقة “الشعب يريد”، من مسلسل الخربة الشهير، الذي تدور أحداثه في إحدى قرى السويداء، حين تحولت المطالب من إقالة مدير الناحية إلى المطالبة بتركيب ميكرفون للقرية. ويؤكد ريّان على ضرورة: “العمل على جعل ما حدث رابطاً يجمع الناس بدلاً من أن يفرقهم،” فأي نتيجة إيجابية في زمن الحرب تنقذ شخصاً من الجوع والحاجة أهم بما لا يقاس من أي نتيجة أخرى… وعلى رأي أحد شيوخ الدين الذي أعلنها في أكثر من مناسبة بأننا “لا نستطيع ولا نملك إلا خياراً واحداً ألا وهو ’مسك العصا من الوسط فقط‘؛ فالسويداء ليست على قلب واحد في ما يحدث، ولا كرامة لجائع في النهاية.”
الخيار الآخر المتاح سيقود إلى مواجهة مفتوحة ولن تبقى الاحتجاجات ذات طابع سلمي وقد تجر المنطقة للعنف والدمار والمزيد من الدماء وخصوصاً وأنّ كل مقومات النزاع متوافرة على الأرض بدءاً من انتشار السلاح والاحتقان والواقع الأمني والاقتصادي المتردي في المدينة، ووصولاً إلى من ينتظر تلك الفرصة من الخارج لتحقيق حسابات كثيرة، فمن يستثمر في الدمار لابدّ وأنه سيفرح حتماً إذا ما اتسعت دائرة استثماره في منطقة جديدة.
أعلنت وزارة الصحة السورية مساء السبت فرض حجر صحي على بلدة جديدة عرطوز الفضل جنوب غرب العاصمة دمشق، ذلك على خلفية تسجيل 20 إصابة بفيروس كورونا المستجد(كوفيد19-).
وقالت وزارة الصحة السورية في بيان لها تلقت وكالة الأنباء الألمانية نسخة منه، إنه تم “إخضاع بلدة جديدة عرطوز الفضل بمحافظة القنيطرة للحجر الصحي بعد تسجيل عدة إصابات بفيروس كورونا فيها وذلك منعاً لانتشار الفيروس وحفاظاً على الصحة العامة وسلامة المواطنين “.
وسجلت وزارة الصحة 20 إصابة في بلدة جديدة عرطوز الفضل، ووفاة سيدة يوم الأربعاء الماضي.
وتعتبر بلدة جديدة عرطوز الفضل هي البلدة الرابعة في ريف دمشق يفرض عليها الحجر الصحي بعد تسجيل إصابات بفيروس كورونا .
وبلغت حصيلة الإصابات المسجلة بفيروس كورونا في سورية حتى اليوم 198، شفيت منها 78 حالة، وتوفيت 7 حالات.
استهداف لروسيا بدرعا
20حزيران/ يونيو
قتل أمس 12 وجرح 25 آخرون من عناصر «الفيلق الخامس» التابع للقوات الروسية في سوريا، في تفجير استهدف حافلة في محافظة درعا جنوب البلاد.
وقال مصدر في محافظة درعا لوكالة الأنباء الألمانية، إن «العبوة انفجرت خلال مرور حافلة تقل عناصر من اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس قرب بلدة كحيل في ريف درعا الجنوبي الشرقي».
وتم تشكيل «اللواء الثامن» التابع لـ«الفيلق الخامس» من قبل الروس بالتنسيق مع أحمد العودة قائد قوات «شباب السنة» التابع لـ«الجيش السوري الحر» في مدينة بصرى الشام، في عام 2018 بعد تدخل القوات الروسية وقيادتها لـ«المصالحات» في محافظة درعا. ويضم الفيلق أكثر من 1500 عنصر، ولا يزال عناصره موجودين في بصرى الشام بالتنسيق مع قاعدة حميميم الروسية.
من جهته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن محافظة درعا «تشهد تصاعداً في الصراع الخفي بين الفيلق الخامس الذي أنشأته روسيا، من جانب، والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري من جانب آخر».
الأسد وزوجته على حاجز
20حزيران/ يونيو
نشر موالون في دمشق، صوراً للرئيس بشار الأسد وعائلته، خلال زيارتهم لحاجز عسكري في ريف دمشق، بعد أيام من إدراجه وزوجته أسماء على قائمة العقوبات الأميركية بموجب «قانون قيصر».
ومع تواصل الموقف الحكومي المندد بالقانون، كان لافتاً «السيران» العائلي الذي قام به الأسد وعقيلته وأبناؤهما إلى مدينة بلودان السياحية في ريف العاصمة، على طريق دمشق بيروت، حيث تناقل موالون، على صفحات «فيسبوك»، صوراً للأسد وعائلته مع عناصر للجيش النظامي على أحد الحواجز في منطقة الزبداني، في رسالة بأن العقوبات لا تعني له شيئاً، وأن ما لم تستطع واشنطن أخذه بالقوة العسكرية لن تأخذه بالعقوبات.
وتواصلت، أمس، في الأسواق، حالة الترقب لوضع الليرة، وأبلغ صرافون ومتعاملون في سوق الصرف، «الشرق الأوسط»، أن الهامش ما بين سعري المبيع والشراء للدولار أمام الليرة انخفض من 200 ليرة، مع البدء بتنفيذ «قانون قيصر»، الأربعاء الماضي، و100 ليرة، أمس، الذي ظهرت في ساعات المساء منه حركة جني أرباح، إذ ارتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة من 2600 إلى 2725 ليرة.
وذكرت المصادر، أن السوق في انتظار معرفة توجه الحكومة، (الأحد)، مع عودة الدوام الرسمي، وإذا ما كانت بصدد اتخاذ إجراءات جديدة أم لا، علماً أن الصيارفة والمتعاملين حدوا من عرض الدولار مؤخراً، واكتفوا بالشراء من المضطرين، نظراً لاعتقادهم أن السعر الحالي لليرة «وهمي»، وأنه قد يكون قابلاً للتراجع في أي وقت. لكن مصادر مقربة من الحكومة، أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن سعر الدولار قد لا يرتفع نتيجة إحكام الحكومة سيطرتها على حركة الليرة.
قلق عربي من تركيا
19حزيران/يونيو
أعربت مصادر عربية عن القلق من خطط تركية لإقامة وجود عسكري دائم في إدلب بشمال غربي سوريا بالتزامن مع زيادة تدخل أنقرة في ليبيا والعراق.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن بلاده «تسعى إلى تحويل إدلب لمنطقة آمنة، وإنه قد يتم إجراء ترتيبات جديدة وإعادة تمركز القوات التركية والاستخبارات الموجودة في نقاط المراقبة بإدلب».
ورداً على سؤال، في مقابلة تلفزيونية ليل الخميس – الجمعة، حول ما إذا كانت أنقرة ستزيل نقاط المراقبة من محافظة إدلب، قال جاويش أوغلو «نسعى الآن إلى تحويل منطقة إدلب إلى منطقة آمنة، ونناقش هذا الموضوع حالياً. عندما نحوّل إدلب إلى منطقة آمنة سيفكّر جيشنا بطريقة استراتيجية، وسيتمركز بشكل مختلف في المنطقة حسب الحاجة إلى المراقبة. الجيش التركي ووزارة الدفاع وأجهزة الأمن المعنية هم من سيقررون أين ستتمركز نقاط المراقبة، وكيف وأين سيعمل الجنود الأتراك والاستخبارات في المنطقة بعد بسط الأمن، لكن حالياً يواصلون عملهم في أماكن تمركزهم». وأضاف «من الممكن أن تجري ترتيبات جديدة حسب الوضع الجديد في المنطقة، أي بعد إقامة المنطقة الآمنة هناك».
ارتباك بعد “قيصر”
18حزيران/يونيو
بدت شوارع دمشق جامدة أمس، غداة تطبيق «قانون قيصر»، إذ أغلقت نسبة كبيرة من المحلات التجارية أبوابها، وخلت الأرصفة من زحمة المارة، في وقت كانت سيارات الأجرة تسير في الشوارع فارغة بحثاً عن ركاب. أما حافلات النقل العام، فبدت أنها تطبق قواعد الحجر الصحي من «كورونا».
وتحدثت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن خروج مواطنين في حمص بـ«وقفة تضامنية في ساحة الشهداء» وسط المدينة أمس، وأعلنوا «رفضهم واستنكارهم للإجراءات القسرية أحادية الجانب وتنديدهم بـ(قانون قيصر)».
لكن ردود فعل الحكومة أثقلت الشارع بأجواء الترقب والخوف وانعدام الثقة، إذ ترافقت مع الإمعان بالتشدد في مراقبة الأسواق والتضييق على الباعة وفرض الغرامات وجباية الإتاوات، وسط تراجع حاد في الإقبال على الشراء.
وإذ وصل سعر صرف الليرة السورية إلى نحو 2900 للدولار الأميركي، عاد سعر الذهب إلى الارتفاع، فأغلقت معظم محلات الصاغة، بينما شنّ النظام حملة اعتقالات الخميس لمنع الإغلاق، ومنع البيع بغير السعر الرسمي.
وفي ردّ فعل داعم لدمشق، اتهمت موسكو واشنطن بتعمد استهداف المدنيين تحت ذريعة «حمايتهم من النظام»، فيما اتصل مسؤولون إيرانيون بنظرائهم السوريين لـ«تعزيز التنسيق والالتفاف على العقوبات»، حسب مصادر دمشق.
إلى ذلك، كشف تقرير جديد لـ«البنك الدولي» أن الصراع في سوريا تسبب بتداعيات وآثار اقتصادية واجتماعية على دول الجوار في العراق والأردن ولبنان، وزيادة معدلات الفقر في هذه الدول.
“قيصر” يعاقب الأسد وزوجته
17حزيران/يونيو
دشّنت واشنطن أمس تطبيق «قانون قيصر» بفرض عقوبات على عشرات المؤسسات والأشخاص التابعين للنظام السوري، بينهم الرئيس بشار الأسد وزوجته أسماء وشقيقته بشرى وشقيقه ماهر؛ الأمر الذي عدّه محللون عقاباً أميركياً لعائلة الأسد، مشيرين إلى أن هذه العقوبات تُرجئ أي خطط لإعمار سوريا.
ولم تشمل العقوبات رجل الأعمال رامي مخلوف الذي دخل في نزاع مع ابن خاله بشار الأسد. وتزامنت الإجراءات مع قرار محكمة في باريس أمس، بسجن رفعت الأسد، عم الرئيس السوري، 4 سنوات بعد إدانته بـ«تبييض أموال واختلاس المال العام» في سوريا.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو صباح أمس بدء تنفيذ «قانون قيصر» بفرض عقوبات على 39 فرداً وكياناً، ثم أعلنت وزارة الخزانة إدراج 24 كياناً واسماً، بينهم رجال أعمال ومؤسسات بنية تحتية. وأعلن البيت الأبيض، أنه بـ«توجيه من الرئيس دونالد ترمب، تم إدراج على لوائح العقوبات، شخصيات وكيانات تدعم نظام الأسد القاتل والبربري في سوريا». وزاد «أهداف العقوبات المفروضة تشمل موالين للنظام وممولين سوريين يدعمون جهود إعادة البناء الفاسدة والأفراد المتورطين بشكل نشط في عرقلة التوصل إلى وقف إطلاق النار في شمال سوريا».
وبمجرد إعلان الإدارة الأميركية فرض العقوبات، تهافت المشرعون ترحيباً بهذه الخطوة التي انتظروها لأعوام طويلة. وقال النائب الجمهوري مايك مكول، إن العقوبات «ستقطع الموارد التي تسمح لبشار الأسد وعائلته ووكلائه بترهيب السوريين والاستفادة من تدمير بلادهم».
في المقابل، أكد عضو مجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير غباروف استمرار موسكو بـ«الدعم العسكري» لدمشق، قائلاً «سنواصل توسيع وتعزيز قاعدتينا في حميميم وطرطوس».
من جانبها، أعلنت الخارجية السورية، أن «الحزمة الأولى من الإجراءات الأميركية ضد بلاده تنفيذاً لما يسمى بقانون قيصر تكشف تجاوز واشنطن كافة القوانين والأعراف الدولية»، في وقت أعلن «مصرف سوريا المركزي» إجراءات لوقف تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي بعد ملامسته حاجز ثلاثة آلاف ليرة للدولار.
“قيصر” يبدأ
17حزيران/يونيو
يبدأ اليوم سريان «قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019» الأميركي، المعروف بـ«قانون قيصر»، ما يزيد من عزلة الرئيس السوري بشار الأسد، والضغوطات على حليفيه، روسيا وإيران.
ومن المقرر أن تجري فعاليات عدة في واشنطن اليوم، لإعلان بدء تنفيذ القانون الذي وقّعه الرئيس دونالد ترمب نهاية العام الماضي. ويمنح «قانون قيصر» ترمب سلطات لتجميد أرصدة أي فرد أو طرف يتعامل مع سوريا، بغضّ النظر عن جنسيته. كما يستهدف قانون العقوبات، للمرة الأولى، مَن يتعاملون مع كيانات روسية وإيرانية في سوريا.
وإذ حذّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، خلال اجتماع في مجلس الأمن، أمس، من أن «المجاعة تدق الأبواب» في ظل انهيار اقتصادي واسع و«التأثير الكبير» للأزمة المصرفية في لبنان، خيّرت المندوبة الأميركية كيلي كرافت، نظام الأسد بين متابعة المسار الدولي للعملية السياسية، أو استمرار حجب التمويل عن إعادة الإعمار وفرض العقوبات على النظام وداعميه الماليين.
في المقابل، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، محادثات وصفها بأنها «بنّاءة ومفيدة» مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، ركّزت في جزء كبير منها على الوضع في سوريا، وترتيبات المرحلة المقبلة، خصوصاً على صعيد الجهود الممكنة لمواجهة تداعيات «قانون قيصر». وأعلن الطرفان عن اتفاق على ترتيب قمة افتراضية، تجمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا خلال الأسابيع المقبلة، في إطار تنسيق الجهود المشتركة في سوريا.
وعشية دخول القانون حيز التنفيذ، شهد سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي تراجعاً بعدما تحسن نوعاً ما مؤخراً، وسط تفاقم الأزمة المعيشية في دمشق ومناطق عدة في البلاد، وتزايد مخاوف الأهالي من أن يزيد تنفيذ «قانون قيصر» من تدهور أوضاعهم المعيشية.
هجوم على تظاهرة السويداء
16حزيران/يونيو
هاجم عدد من «البعثيين» وقوات الأمن وحفظ النظام، متظاهرين خرجوا في السويداء، جنوب سوريا، طالبوا برحيل الرئيس بشار الأسد، وجرى اعتقال عدد منهم.
وبثت صفحة «السويداء 24» على «فيسبوك»، يوم الاثنين، مقطع فيديو وصوراً، قالت إنها «توثق» لحظة هجوم عناصر من «كتائب البعث» المؤيدين وعناصر من الأمن، على المتظاهرين السلميين.
جاء ذلك تزامناً مع توجيه الأسد، رسالة داخلية إلى «البعثيين» المرشحين لخوض انتخابات مجلس الشعب، الشهر المقبل، قُوبلت بانتقاد من «البعثيين»، في سابقة هي الأولى من نوعها داخل الحزب. وعدّ الأسد ما سماه «تجربة الاستئناس»، التي يخوضها الحزب لاختيار المرشحين للمرة الأولى، «دليلاً دامغاً على ديناميكية البعث، وتطوره».
في شأن آخر، أكدت تركيا وإيران اتفاقهما على تحقيق الاستقرار وتفعيل مسار آستانة، وتشكيل اللجنة الدستورية، لإتمام العملية السياسية في سوريا. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، في مؤتمر صحافي عقب مباحثاتهما في أنقرة، أمس (الاثنين)، إن قمة ثلاثية تركية – إيرانية – روسية ستعقد قريباً في طهران حول «مسار آستانة» وسبل تفعيله.
يعاني السوريون من تدهور شديد في أوضاعهم المعيشية بسبب السنوات التسع المتواصلة من النزاع. وفي الأشهر القليلة الماضية تفاقمت خسائر البلاد بسبب عوامل عديدة داخلية وخارجية من ضمنها مؤسسات مركزة على الصراع، معارك عسكرية، الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وباء كوفيد ١٩ وقانون قيصر. ومؤخراً شهد الاقتصاد تدهوراً غير مسبوق في سعر صرف الليرة السورية، وارتفاعاً في الأسعار ومعدلات الفقر وموجة ضخمة من فقدان الوظائف. وصار الانهيار الاقتصادي أولوية محورية للنزاع السوري. يناقش المحرر المشارك في صفحة سوريا في جدلية ربيع ناصر والباحث عارف دليلة تأثير عوامل بنيوية غذت الصراع ودور اقتصاد الصراع في التطورات الأخيرة بالإضافة إلى سيناريوهات وخيارات على المدى القصير.
ربيع ناصر باحث اقتصادي وأحد مؤسسي المركز السوري لأبحاث السياسة، ويعمل كباحث في سياسات الاقتصاد الكلي، النمو الشامل وديناميات الصراع. حصل على الإجازة الجامعية في الاقتصاد من جامعة دمشق في ١٩٩٩. كما حصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد من جامعة لايشستر في المملكة المتحدة.
في الحادي والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) عام 2019، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قانون سيزر – قيصر، الذي بدأ تطبيقه اعتباراً من يوم أمس في السابع عشر من حزيران) يونيو)، القانون يحمل اسماً يُنسب لشخص ما يزال مجهول الهوية، يُقال إنه خرج من سوريا، ولاحقاً، سرب آلاف الصور التي قيل عنها إنها صور لــ “ضحايا تعذيب” في سوريا.
بنود القانون تخبر عن قسوتها، وعن إجراءات ضمن حزمة عقوبات أشد من كل سابقاتها، فهذه المرة يعتبر القانون أن مصرف سوريا المركزي هو مؤسسة مالية رسمية هدفها غسل الأموال، وكذلك فإن هذه العقوبات ستطال كل دولة أو شخص يقدم أي من أنواع الدعم المالي أو التقني أو اللوجستي أو سواهم، للحكومة السورية، أو أي شخصية سياسية سورية. وتتضمن هذه العقوبات توفير القروض الخارجية وخطوط ائتمان التصدير، ما يجعل من سورية في عزلة من الناحية النظرية، إذا ما وجدت، كما وجدت خلال كل أعوام الحرب طرقاً عدة للالتفاف على العقوبات المقررة. ولكن يبدو أن العقوبات هذه المرة ستحاصر الحكومة أكثر من أي مرة سابقة؛ وسيحاصر القانون المدنيين أيضاً، فهو يمنع أي أحد من توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا للسوريين، ومعه منع تقديم أي دعم يهدف لتوسيع الإنتاج المحلي سواء في الغاز الطبيعي أو النفط وسواهما.
لا شك، إذن، أن حزمة العقوبات هذه ستحاصر البلد، أكثر مما هي محاصرة، ولكن هذه المرة لن تكون على الحكومة لاعتبارات سياسية فقط، إنما ستحقق تجويعاً إضافياً لسوريي الداخل، على ما يقوله خبراء اقتصاديون ومطلعون على بنود الملف وتأثيراته، فهذه المرة ستطال العقوبات كامل الاقتصاد السوري المنهك أساساً، والذي بات، حتى، قبل تطبيق هذا القانون، غير قادر على تلبية احتياجات السوق المحلية.. أما سياسياً فيبدو الأمر أنه تعزيز لمحاصرة الموقف الحكومي السوري، الذي حاولت روسيا دعمه في الأسابيع الماضية، عبر تفعيل البروتوكول رقم /1/ الذي يتيح لها توسيع استثماراتها في سورية.
قيصر دخل حيز التنفيذ
في لقاء مع وزيرة الاقتصاد والتجارة السابقة في الحكومة السورية، “لمياء عاصي” أكدت أن هدف الولايات المتحدة من إصدار قانون قيصر، هو تشديد الضغط على سورية في محاولة لتغيير موقفها وتحالفاتها: “العقوبات الأمريكية على سورية ليست جديدة بل تعود لعام 1979، وبعد 2011 شددت واشنطن عقوباتها واستهدفت مؤسسات عامة وخاصة وشخصيات من المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال بتهمة أنهم يقومون بمساعدة الحكومة السورية من خلال أعمالهم”. وتضيف: “قانون سيزر يحتوي على بند جديد وهو استهداف الأشخاص والشركات الأجنبية ممن يساعدون سورية سواء في تأمين احتياجاتها التقنية في مجالات النفط والغاز والطاقة أو الشركات التي تبرم عقود لإنجاز أي مشروع متعلق بإعادة الإعمار”.
عاصي تعتقد أن الالتفاف على العقوبات ما زال ممكنا ومتاحاً، وذلك عبر الاعتماد على الحلقات الوسيطة في ملفي الاستيراد والتصدير، مشيرةً أن الكلفة ستكون عالية على الشعب السوري أولاً.
ورغم أن القانون رافقه ما رافقه من تهويل إعلامي، ولكن الأمر قد يكون بمثابة فرصة ذهبية لسورية في إطار العودة إلى الاعتماد على الذات، سيما في مجال المنتجات الزراعية والصناعية. وتشير “عاصي” هنا إلي ضرورة التركيز على نقطتين أساسيتين: تتعلق النقطة الأولى باعتماد السياسات “الحمائية”، كبديل عن الانفتاح التجاري، مقابل الحرب والعداء الذي تفرضه أطراف دولية على سورية، مضيفة: “لا يمكن إكمال مشروع الإصلاح الاقتصادي وما سمي بــ “اقتصاد السوق الاجتماعي”، وبالتالي فإن الاعتماد الأساسي سيكون على الإنتاج المحلي في الزراعة والصناعة، وهذان القطاعان يمثلان (الاقتصاد الحقيقي)، وهذا ما سيرفع الناتج الإجمالي المحلي ويحسن دخل الفرد”. أما النقطة الثانية بحسب عاصي، فهي تتطلب الانضمام إلى اتفاقيات تبادل تجاري مع دول حليفة للموقف الرسمي السوري، وتشير إلى أن: “كثيراً من الدول بدأت بالخروج من سيطرة الدولار كعملة للتجارة الدولية مثل الصين التي أنشأت صندوقاً للتبادل التجاري بالعملات المحلية مع دول آسيا”، وتردف عاصي أن كثيراً من الدول مثل كوبا وغيرها تمكنت من التعامل مع العقوبات لتقليل آثارها.
انهيار العملة ما قبل قانون قيصر بأسابيع
قبل تنفيذ قانون سيزر انهارت الليرة السورية بنسبة ٢٠٠% منذ بداية ٢٠٢٠، قبل أن تعود للتحسن مؤخراً. وبما أنها ليست المرة الأولى التي تعاقب سوريا، ، توضح الوزيرة السابقة “لمياء عاصي” الأسباب العديدة التي تجعل تطبيق سيزر مختلفاً، أهمها التهويل الذي صاحب القانون، وكذلك الأزمة المالية/المصرفية في لبنان، ويضاف لذلك المضاربة من قبل عدد غير قليل من التجار، الذين راحوا باتجاه تحويل أموالهم إلى دولار، وتقول عاصي: “بالطبع هذه الرغبة، مصدرها الخوف من القانون، وبناء عليه تم طرح كميات كبيرة من العملة السورية مما أدى إلى هبوط قيمتها بشكل كبير، وتفاقم الأثر السلبي والنفسي لتدني سعر الصرف بدخول مضاربين في محافظة إدلب والشمال السوري (قسد) وغيرها، وبالتالي فإن انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية كان له انعكاس سلبي قوي على أسعار كل السلع ولاسيما الغذائية والأساسية والدوائية للمواطنين وأدى إلى ارتفاعها بشكل منفلت إلى حد كبير”.
حلم إعادة الإعمار بعد قيصر
لا شك أن التحديات التي تواجه السوريين اليوم غير قليلة، وربما أهمها ما يتعلق بالحياة المعيشية، المتأرجحة بين الأسعار من جهة، وتدني الدخل من جهة ثانية، وما يلحقهما من فوارق جوهرية تتعلق برؤية كل منهم للمستقبل ومعه (إن أمكن) الاتفاق على أجندة موحدة لأولوياتهم، وتالياً البحث في كيفية إدارة مواردهم المحلية بكفاءة عالية، على الأقل، لتناسب الضغوط التي تواجههم، وتقول عاصي في الإطار: “هذا يتطلب منهم محاربة الكثير من الظواهر المستشرية في المجتمع، مثل التهريب والاحتكار والفساد وغيرها، تلك القضايا تعيث خراباً بالاقتصاد السوري أكثر من العقوبات أيا كان شكلها”، وتكمل: “إن الهدف الأساسي من قانون قيصر وقبله العقوبات الأمريكية والأوروبية هو تكبيل إرادة الشعب السوري وبالطبع هذه العقوبات سيكون لها تأثير على مشاريع ومرحلة إعادة الإعمار، ولكن الشعب السوري الذي عانى كثيراً من العقوبات الغربية لا يمنعه قانون قيصر وغيره من الاستمرار في عملية إعادة إعمار بلده”.
أثرياء الحرب والتفاوت الطبقي
أفرزت ظروف الاقتصاد والعمل غير الشرعية في الحرب، طبقة من أثرياء الحرب الجدد، هؤلاء الذين اكتنزوا ثروات طائلة، ولا شك أنهم – قانونياً- متورطون بالكسب غير المشروع، وذلك كله في ظل غياب فعلي للمحاسبة، وفي أفضل الأحوال محاسبة صورية، أو دفعهم لمد السوق بمبالغ مالية، عسى أن تفعل شيئاً في دعم الاقتصاد، خارج مكتسبات اشتعال الحرب وسيطرة الفساد.
وفي العودة إلى بداية الملف، تحديداً قبل 14 عاماً، توضح عاصي: “بدأت الفجوة بين الأكثر غنى والأقل دخلاً تزداد بشكل كبير وملحوظ بعد البدء بتطبيق ما سمي باقتصاد السوق الاجتماعي عام 2006 مع بداية الخطة الخمسية العاشرة التي احتوت على الكثير من الأمور الاقتصادية التي تهدف إلى رفع كفاءة الاقتصاد الوطني”، وتكمل: “ولكن ما طبق من برنامج التحول كان الجزء المتعلق بالتحرير التجاري، وكان في مصلحة التجار والمستوردين المتنفذين بينما شرائح واسعة من صغار المنتجين وأصحاب الورش الصغيرة أغلقوا ورشاتهم وتحولوا إلى مستوردين بينما العمال تحولوا إلى متعطلين عن العمل، كما عانى الفلاحون وقاطنو الأرياف بشكل عام من قلة الفرص التنموية وبؤس الحياة المعيشية”.
تالياً، ساهمت الحرب بتكديس الثروات في أيدي فئة معينة سواء من الأثرياء التقليديين أو الجدد، ليزداد عمق الهوة بين قلة غنية وغالبية فقيرة ازدادت بؤساً بعد سنوات، “حيث أدت العمليات العسكرية والإرهابية والتخريبية إلى تدمير البنى التحتية والأحياء السكنية والتجارية في كثير من المناطق والى استنزاف الموارد وشحها، إضافة إلى نهب الثروات الباطنية (النفط) الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا واستهداف المحاصيل الأساسية مثل القمح الذي يتم إحراقه للسنة الثانية”، بحسب عاصي.
إذن، فإن كل ما سبق أدى إلى ارتفاع معدل الفقر والبؤس بين السوريين، ثم جاءت العقوبات ومنها سيزر لتزيد الطين بلة وتجعل حياة الناس أكثر صعوبة وبؤساً سواء بزيادة تكلفة المواد التي يستهلكونها أو بفقدان الكثير منها من أسواقهم في ظل دخولهم الثابتة التي باتت لا تلبي معظم احتياجاتهم الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
وتختصر جملة “البقاء على قيد الحياة” سقف حلم السوريين الذي تجاوزوا بنسبة 83% تحت خط الفقر، بحسب احصائيات دولية، هؤلاء الناس تعبوا، وملوا، وما عادوا يريدون تحليلات اقتصادية، واجتهادات سياسية، جل ما يريدون، حياةٌ كريمة، أكبر أحلامها، ألا يناموا فيها جائعين.