بواسطة Firas Sulaiman | أبريل 22, 2020 | Poetry, غير مصنف
أتسلّى بإساءة فهمي
في هذا الفيء الرخيص
أخترع نفسي
.من دون آخرين
***
أقطع جذوري التي تصلني بي
أحرقها
.بقى لي أن أتعلم كيف أحتمل هذا الصقيع
***
على منصة هذه الشيخوخة المبكرة
أشجّع زوالي على أدائه
هو ممثل رديء
.وأنا مُشاهِد بذائقة تخرَب رويداً رويداً
***
كل الوعود التي لم أقطعها وفيت بها
كيف لي أن أفرح
أني حفيف وأوراق أشجاري
.تنمو… ترتفع مقلوبةً
***
أذهب إلى العالم وحدي
أنا و هو
وهمانِ نيئان
.بحماسة يتجادلان على منصّة غبار
***
لم أعد أحلم بشيء
أما هذه الرغبات الصغيرة
فمقاعد قليلة أرتبها
.لأشخاص ربما يحضرون جنازتي
***
خارج الانتظار
أقف
ألوّح لي
.أنا الذي مضى
***
هكذا
أتسلى بإساءة فهمي
.أكتبُ
***
أحب أن أصدّق أني حفرت بئري وحدي
لا أحب أني عندما أرمي دلوي
.أرفعه ممتلئاً ببقاياهم
***
تطقطق طفولتي آخر الليل
.لا أعيرها انتباهاً
***
في البرية هناك عندما ألتقي بنفسي
.أميّزني عني
***
لا يريدون أن يصدّقوا أن هذه الحافلة
لن تصل إلى مكان
من أنا لأوقظ الغفلة كلها؟
***
بعد الحفلة سيمضي الحشاشون
إلى بيوتهم
.وسأمضي أنا إلى خيالاتهم
***
تحررت من الزخرفة
بقي قليل من الأقنعة
سأٌبقي عليها
يحتاج إليها اسمي
.بعد أن أموت
***
.لا وطن لي لأرفع صورَهُ ورايته فوق عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ
.لا شعب لي لأصرخ باسمهِ وأنا أجرّ عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ
وحدي أمام هذا المنحدر العظيم
.أهمّ بقذف ما تبقى من جسدي فوق عربة الكلمات الذاهبة لتهترئ
.وحدي في هذا القاع العظيم المظلم مهترئاً أقلّد مواء أسراري
مايسترو
ظهره لهم
بعصاه النزقة يسوط الوقت
يمزّق جلده
يُحدِث ثقوباً زرقاء
كي يسمح لمياه الموسيقى أن تتدفق
وعندما يشعر المايسترو أن أرواح الجمهور
تبللت تماماً
.يستدير وينحني
أشباح
1
(في حضني سكين (صباح الخير
منذ عشرين عاماً وأنا أشحذها حالماً بأن أشق بها هذا الليل البارد الذي أقيم فيه
أو لعلّي أضعها في يد عابر ما
لكنّ العابرين أشباح
هكذا إذن سينتهي الأمر بسكين تلمع مغروسة في قلب رجل وحيد
.يقيم في ليل بارد منذ عشرين عاماً
2
إنها (الأنا) التي تعمل لأجلي وضدي
مصنع يعيد تدوير الندم
.مصنع يديره أشباح شجعون
3
ثقيلة رموزي
لا يستطيع حملها
.إلا أشباح حقيقيون
4
صباحات حزينة تلك التي يريد أن يهزها أشباح مغلوب على أمرهم
.عندما يخبطون بجزماتهم الهوائية على الأرض ملقين التحية على عالم ميت
5
يخرج شبحي مني كل صباح
لا أنتبه لعودته. بل كنت أظن واهماً أن داخلي مدينة من الأشباح
غير أنه أمس فقط رأيته
شبحي الذي ومنذ سنين طويلة لا يني يخرج ويدخل
رأيته حاملاً مسامير ومطرقة. تلك غنائمه من الخارج. إنه الآن يصلب نفسه
داخل جسدي. أي ألم عليه أن يحتمله شبحي الجميل!
.لقد أهانه العالم كثيراً
6
من عادات أصدقائي الأشباح،
بعد انتهاء الحفلة أن يلملموا قشور الفستق. لقد
.اتفقوا منذ وقت أن يبنوا منها فندقاً صغيراً
في فندق
أتعذب وأنا أتخيل الفندق
الزجاج يلمع
وقع الأسرار على البلاط
النوم محمولاً على عربات لا تصدر صوتاً
الموظفون يرتبون حياة طارئة
لنزلاء ينعسون في ذكرياتهم اللينة
السكون بديناً بخفيه الصوفيين يعبر بين الممرات
كل شيء مصقول
الثلج على القمم
الزمن على أجنحة الطيور
الله مفتتاً مثل القطن فوق الأشجار
أتعذّب
أتعذّب أكثر
وأنا أتخيلكِ بيدين متعبتين
تلّمين صوتك
البخار الذي أطلقه فمك
على زجاج الشباك
صوتك الذي اختفى
.حياتي القادمة التي تتبخر
غروب
تحت سقف صلاة يتداعى
العجوز يؤلف جيراناً في الجنة
لم يعتد بيتاً
لم يعتد أن يسجل ملاحظات ولا أن يروي
لذلك كلما همَّ بقول شيء
،ربط جذراً غامضاً بالهواء
تفاصيله أراجيح تحن إلى الأرض
أشياؤه أفكار مثل أرانب تخّرب المتن و لاتهدأ في الهوامش
لأنه لم يعتد أن يصدّق
يشكّ في هذه الفكرة أيضاً
وفي الوقت الضائع… الوقت المناسب
يلكز بكوعه البطن المنتفخة للشك
في الردهة إلى أحاجيه تتقافز أيامُه إلى لا مكان
ولأنه لا يحب أن يكذب دائماً أقواله منامات تعرج إلى النهار ولا تصل
لأنه لا يتذكر يطارده المستقبلُ
هو الذي لم يعتد أن يلحق بأحد
هو الذي لم يعتد بيتاً
يفكر بمحو كل ما كتبه
.خشية أن يسكن
كما يجب
قبل أن أموت بأيام قليلة، سأضع حياتي أمامي. سأوبّخها كجدّ قاس لئيم سأمطرها بأقذع النعوت، سأذكّرها كم هي حمقاء، غبية كسول مستهترة أنانية ووقحة بخيلة فاشلة.
.وربما بقسوة سأصفعها
،ولأنه ليس ثمة خطة واضحة تماماً
.كجدّ طيب رؤوف ربما سأُظهر لها من الحب والحنو ما لم تختبره حفيدة قطّ
.سأقول لها كم هي رائعة واستثنائية ذكية أصيلة حساسة ورقيقة، نبيلة وكريمة
وأندفع بعاطفة فائضة لأضمها طويلاً وأقبل رأسها، يديها
لكن لأنه ليس ثمة خطة واضحة تماماً
ولأسباب تتعلق بضيق الوقت بوهن الجسد ماضياً إلى غير رجعة
قد لا يحدث شيء كهذا
غير أنه من المؤكد لو تسنى لي
بعينين حزينتين وجسد مليء بالدموع سأقول لها حياتي :كم سرّني أني
.تعرفت عليكِ …كم آلمني أني لم أعرفك كما يجب
جسر
على جسر عال
أقف
لا لأتخيل مشاعر الذين قفزوا منتحرين
لا لأحزن لأجلهم
لا لأتحسّر على حيواتهم القانية عميقة في المياه القانية
أقف
ألملم ما بقي من كرات أنفاسهم النابضة
أنفاسهم التي ما تزال عالقة في الهواء
.ألملم ما استطعت من هبائهم كي أكمل عبور الجسر
بواسطة Safi Khattar | أبريل 21, 2020 | Reports, Roundtables, غير مصنف
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تنتشر بعض العبارات التي نسمعها بكثرة هذه الأيام حول “وصفات سحرية تشفي من الأمراض” أو “علاج طبيعي دون دواء” وغيرها الكثير، وخصوصاً في ظل انتشار وباء كورونا الذي اجتاح العالم وما رافقه من حالات الإحباط والخوف التي سيطرت على الجميع، بالإضافة إلى كشف هشاشة الكثير من الأنظمة الصحية وعجزها حيال الوباء، مما ساعد في انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة حول وصفات طبية وخلطات أعشاب وغيرها فيما يسميه البعض بالطب البديل.
علاجات بالطاقة أو باليوغا
في أغلب المدن يوجد نوادي ومراكز للعلاج باليوغا، الأمر الذي يُعد إيجابياً وله نتائج جيدة في أغلب الأحيان في تخفيف الضغط والتوتر من خلال ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل التي تساعد كثيراً في علاج الاضطرابات النفسية وتحسن المزاج العام؛ إلا أن الموضوع لم يقف عند حدود كونه رياضة فقط لها تعاليمها وأصولها بل تعدى ذلك للدخول بما يسميه البعض علوم الطاقة والروح وقدرات الجذب والبرمجة اللغوية العصبية وغيرها من المسميات التي تُصنف ضمن ما يعرف بالعلم الزائف حيث لا يوجد أي أدلة علمية تُثبته. الخطورة هنا هو عندما يتم التعامل مع هكذا نظريات بوصفها علوماً حقيقية وتصديقها بشكل كامل ورفض كل ما عداها وتفسير كل ما يحصل في حياة الفرد والمجتمع وفق تصوراتها فقط، فالفشل والحظ السيئ والمرض والفقر وكل ما يمكن أن يحدث من إشكاليات في الحياة يكون سببها فقط خلل في نظم الطاقة داخل الجسد على حد تعبيرهم. وكثيراً ما نرى هؤلاء وقد اقتنعوا بأن كل ما يحدث من ظواهر ومشكلات مردها إلى نظرية المؤامرة دون أخذ الأسباب الموضوعية والعلمية الكامنة وراءها.
(سليمان 41 عاماً، مهندس) أحد هؤلاء المقتنعين بهذه النظرية وقد حاول جاهداً إقناعي بصحة أفكاره دون أن يسمح لي بالرد عليه ومناقشته “بحجة جهلي لهذه العلوم وبأن طاقتي سلبية تجلب لي المشاكل دوما”. سليمان مقتنع تماماً بأن فيروس كورونا هو لعبة دولية وتضخيم إعلامي للتغطية على مشاكل أخرى وأن سبب المرض ليس بفيروس بل هو الموجات ذات التردد العالي لشبكات الجيل الخامس للإنترنيت، ولم تفلح معه كل الحجج التي قدمتها له وبقي مصراً على رأيه، وما أدهشني حقاً وأغضبني بنفس الوقت هو قراره بالامتناع عن تقديم اللقاحات لابنته الصغيرة بحجة أنها من ضمن ممارسات المؤامرة الكونية على البشرية وبأن الموضوع ليس أكثر من كذبة كبيرة لخداعنا، ما دفعني بالنهاية لان ألجأ لتهديده بالشكوى عنه إذا لم يتراجع عن قراره.
انتشار الشائعات بهذه الطريقة له أسبابه المعروفة والمفهومة أيضا وخصوصا عند الفئات الأقل تعليماً في المجتمع، لكن ما يثير الاستغراب حقا هو انتشار هذه الشائعات بين الأوساط المتعلمة والحاصلة على شهادات عالية، فكم كانت دهشتي كبيرة عندما سمعت طبيب الأسنان الذي أتعالج عنده وهو يفسر جائحة كورونا على أنها خدعة ومؤامرة بين الدول وأن الفيروس سلاح حربي مصنّع في المختبرات في الوقت الذي لا يعير أي اهتمام للتقارير الطبية والعلمية والإحصاءات الدولية التي تتكلم عن الوباء، كذلك الأمر مع جاري الصيدلاني الذي أصر على البقاء في المنزل ريثما ينتهي تأثير غاز السارين وتنتهي التجارب الكيمائية التي تنفذها الدول، مصدقا ما يشاع عن ذلك وبأن الفيروس لا وجود له من الأساس.
طب الأعشاب
ينتشر استخدام الأعشاب العطرية والطبية وخلطات الزهورات بشكل واسع لدى غالبية السوريين إما بتناولها كمشروبات ساخنة أو بإضافتها للطعام، لكن الأمر تعدى ذلك إلى اعتبارها أدوية تستطيع شفاء جميع الأمراض. وعن مخاطر هذه الادعاءات يقول (مازن، طبيب مخبري، 55 عاماً): “إن التعامل مع الأعشاب الطبية بوصفها علاجاً فيه الكثير من المغالطات والأخطار أيضاً، وخصوصاً عند اعتبارها بديلاً للأدوية، فالبعض يقوم أحيانا بإيقاف الأدوية واللجوء لخلطات الأعشاب مما يشكل خطراً حقيقيا قد يصل للموت أحياناً، إن العلاج بالأعشاب موجود منذ القديم وحتى اليوم وهناك شركات أدوية متخصصة في ذلك في أغلب الدول المتقدمة تُقدم خلطات أعشاب طبية بناء على تجارب ودراسات علمية تُحدد فاعليتها وآثارها، لكن للأسف لا يوجد لدينا شركات أو معاهد مماثلة، وفي أفضل الأحوال تبقى في حدود الخبرة الشخصية لبعض الأفراد.”
وتنتشر العديد من البرامج في محطات التلفزيون لأشخاص يُقدمون خلطات عشبية تُداوي أي مرض على حد زعمهم بما فيها الأمراض المستعصية كالسرطان مثلاً، وكذلك الأمر بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي حيث نرى الكثير من المواقع والصفحات تقوم بتقديم وتسويق الأمر ذاته. وبحسب رأي الدكتور مازن أيضاً فإن “المعلومة المتداولة بين الجميع عن أن الأدوية الطبيعية أو خلطات الأعشاب هي آمنة وبأنها في أسوأ حالاتها إذا لم تنفع فهي لا تضر هي معلومة خاطئة بالمطلق وتشكل خطراً حقيقياً على كثير من المرضى، فهناك العديد من الأعشاب التي لها تأثيرات قد تفاقم المشكلة الصحية دون أن ينتبه المريض، لذا أنصح الجميع بعدم استعمال أي خلطات عشبية على أنها أدوية فعالة والاكتفاء بتناول بعض الأعشاب كالنعناع والبابونج وغيرها من المشروبات التي يتناولها الجميع عادة دون أي ضرر وبكميات محدودة.”
كثيراً ما نسمع عن حالات تعرض فيها البعض لأخطار كبيرة نتيجة الجهل بالموضوع وتطبيق وصفات للتخلص من أوجاعهم بحيث تنتهي بهم القصة لمشكلة أكبر في أغلب الأحيان كما حدث مع أحد أقاربي عندما وصف له أحد المعالجين بالأعشاب بأن يضع نبات القريص مع مهروس الثوم على ظهره ليلة كاملة ليتخلص من آلام الفقرات، فكانت النتيجة حرقاً شديداً وحساسية كبيرة في الجلد بقي قرابة الشهر يُعالجها.
المعالجة بالغذاء
تعتبر نوعية الغذاء وتوازنه عاملاً حاسماً في الحفاظ على صحة جيدة، وكثيراً ما نسمع الأطباء يرددون بأن المعدة هي بيت الداء والدواء، لذلك فإن تطبيق حميات معينة في بعض الأمراض يكون أمراً ضرورياً و إلزامياً وخصوصاً فيما يتعلق بأمراض كالحساسية أو الهضم أو السكري أو ارتفاع الضغط وغيرها، لكن بشرط أن تكون هذه الحميات مترافقة مع العلاج الطبي ومتممة له.
(غادة، 41 عاماً، خبيرة تغذية) قُمت بزيارة عيادتها بسبب فضولي الكبير حول الموضوع من جهة وشهرتها وسمعتها الجيدة في هذا المجال من جهة أخرى، لم تبخل علي بالإجابات رغم كثرة أسئلتي وبدا لي لأول مرة أن الإجابات المقدمة منها مُقنعة وعلمية على عكس الكثير ممن يدعون الخبرة في هذا المجال خصوصاً وأن لي تجربة شخصية مع العلاج بالغذاء والحميات. تقول غادة: “إن عبارة غذاؤك دواؤك التي نسمعها كثيراً هي صحيحة بالعموم، فتنوع الطعام وتحديد كميته ووقته له الأثر الأكبر على الصحة، وما أراه اليوم من سوء التغذية الشديد لدى الكثيرين يُشعرني بالعجز والحزن، ويصبح الكلام عن تحقيق تغذية متوازنة أو علاج بالغذاء كمن يطلب المستحيل ويقابله الناس عادة بالكثير من التهكم والسخرية، فلتحقيق تغذية جيدة وصحية لأسرة من 5 أشخاص نحتاج لـ 300 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى وهو رقم يُعتبر أعلى كثيراً من دخل أغلب الأسر السورية.”
وتُضيف غادة: “يتم التعاطي مع العلاج بالغذاء بصورة خاطئة وخاصة اليوم في ظل انتشار الكورونا، فلا يوجد أي غذاء أو حمية قادرة على الشفاء من الأمراض أو أن تكون بديلاً لأي دواء، مجمل الموضوع أن النظام الغذائي الصحي والمتوازن يجب أن يتحول إلى نمط حياة متكامل بالنسبة للجميع حينها يكون له الدور الأكبر في تقوية المناعة وبناء نظام صحي فعال.” وبالنهاية تبقى هذه الوصفات والعلاجات تكميلية لها فوائدها في تخفيف بعض الأعراض والمساعدة على الشفاء، إلا أنها تتحول إلى مشكلة حقيقية إذا أسيئ استخدامها أو تم اعتبارها بديلاً عن الطب.
.Photo by Content Pixie on Unsplash*
بواسطة Syria in a Week Editors | أبريل 20, 2020 | Syria in a Week, غير مصنف
الأسد – ظريف
20 نيسان/ ابريل
أعلنت الخارجية الإيرانية أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قام الاثنين بزيارة دمشق.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سيد عباس موسوي أن ظريف سيلتقي في دمشق بالرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم.
وأضاف أن مباحثات ظريف خلال الزيارة، التي تستمر ليوم واحد، ستركز على العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية وآخر التطورات السياسية والميدانية في الحرب على الإرهاب.
“رسائل قاسية” من روسيا
19 نيسان/ ابريل
فوجئت دمشق بـ«رسائل قاسية» جاءت من وسائل إعلام ومراكز أبحاث روسية، تضمنت تململاً من أداء الرئيس بشار الأسد، وحديثاً عن «تدهور شعبيته»، فضلاً عن «فقدان الثقة» لدى السوريين بأنه سيكون قادراً على تحسين الأحوال في البلاد.
وجاءت في استطلاع مؤسسة تابعة للدولة إشارات لافتة، إذ رأى 37 في المائة تقريباً أن الوضع في البلاد غدا خلال العام الأخير أسوأ من السابق. والأوضح من ذلك كان الرد على سؤال عن استعداد المواطنين لمنح ثقتهم مجدداً للأسد في 2021؛ إذ رفض نحو 54 في المائة ذلك بشكل حاسم، كما أن 23 في المائة فقط وافقوا على ترشيح الأسد مجدداً.
وكانت موسكو قد وجهت «رسائل قوية» إلى دمشق عبر مقالات في وسائل إعلام حكومية. وشكل هجوم شنته أخيراً وكالة «الأنباء الفيدرالية»، وهي مؤسسة ليست حكومية لكنها قريبة من «الكرملين»، أحدث إشارة قوية إلى ذلك.
حدود بين قريتين
18 نيسان/ ابريل
أُفيد بتجميد قرار فتح «معبر تجاري» بين مناطق سيطرة قوات النظام السوري و«هيئة تحرير الشام» في بلدتي سرمين وسراقب في ريف إدلب.
وقال مدير مكتب العلاقات الإعلامية في «هيئة تحرير الشام»، تقي الدين عمر، على مواقع التواصل الاجتماعي حسب ما نقلته وكالة «شام» المعارضة: «المعبر تجاري وليس مدنياً، ولا خطورة من فتحه. إن الحاجة ماسة لفتحه، ذلك أن هناك مخاطر عدة تواجه المنطقة إن استمر الحال على ما هو عليه من توقف حركة التجارة وتصدير البضائع».
وقال تقي الدي: «لا شك أن قرار فتح المعبر استوفى نصيبه من المناقشة والدراسة مع المزارعين، لذلك كانت النتيجة تقول إن الحفاظ على أمن المحرر الغذائي واستمرار إنتاجه الذي يوفر معظم احتياجات الناس لا يكون إلا بتصريف هذه المنتجات والمحاصيل، ولا مكان لها إلا باتجاه مناطق سيطرة العدو سواء كان ترانزيت أو لمنطقة حماة وما حولها».
ونقلت «شام» عنه قوله: «هناك خياران؛ فكان الرأي المجمَع عليه أن يفتح المعبر لتصدير وتصريف هذه البضائع بالمقام الأول، مع أخذ تدابير واحتياطات فيما يتعلق بوباء (كورونا)»
وتعتمد «هيئة تحرير الشام» بشكل رئيس على المعابر الحدودية أو مع مناطق سيطرة النظام، وكذلك المعابر التي تقطع أوصال المحرر مع منطقة عفرين، لدعم اقتصادها.
الشرايين السورية – العراقية
18 نيسان/ ابريل
لحدودِ العراقِ نكهة استراتيجية خاصّة. كانت تُسمّى «الجبهة الشرقية» مع إيران. الطرف الغربي؛ أصبح حالياً «الجبهة». بإصرار غير معلن لا تعكّره سوى «غارات غامضة»، أصبحت الحدود العراقية – السورية في قبضة واشنطن وطهران وسط احتدام الصراع بينهما للسيطرة على الشرايين الاقتصادية بين البلدين، ذات البعد الاستراتيجي في المنطقة.
قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين، كان الثقل على الحدود الإيرانية، خصوصاً خلال حرب بغداد وطهران. الطرف السوري منها، كان مغلقاً… وممراً لـ«التآمر» بين جناحي «البعث» في بغداد ودمشق. في نهاية التسعينات؛ فُتحت ثغرة في جدار الحدود؛ مَرَدّها الحاجة السورية إلى نفط العراق.
بعد الغزو الأميركي في 2003، بدأت رحلة التركيز على الطرف الغربي. بداية؛ باتت حدود سوريا بوابة لتدفق المقاتلين الجوالين من كل العالم لمقارعة أميركا وإفشال «مشروعها» في المنطقة. كان هذا «النجاح» المدبَّر سورياً وإيرانياً، خميرة تطورات حصلت عسكرياً في سوريا في العقد الأخير.
ومع انسحاب أميركا من العراق واندلاع الاحتجاجات السورية في 2011، غرقت هذه المناطق في حضن «داعش». وخلال الحرب على التنظيم، استعرَ الصراع الأميركي – الإيراني. السباق على وراثة «داعش» كان يرسم مناطق النفوذ والتعايش على جانبي الحدود. الجديد، دخول روسيا في الحلبة بتوسيع وجودها العسكري في «منطقة نفوذ» أميركا والتحرش بقاعدة التنف والحديث عن «انشقاق» مقاتلين سوريين موالين لواشنطن و«اعترافهم» بالتدرّب على مهاجمة حقول النفط السورية «المحمية» أميركيّاً.
وفاة في منطقة كردية
17 نيسان/ ابريل
أعلنت الأمم المتحدة الجمعة تسجيل حالة وفاة جراء فيروس كورونا المستجد في شمال شرق سوريا، هي الأولى في هذه المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في البلد الذي تمزقه الحرب.
وكان مريض يبلغ الثالثة والخمسين من العمر قد توفي في الثاني من نيسان/ابريل، وقد وجهت الإدارة الكردية شبه المستقلة الاتهام إلى منظمة الصحة العالمية بعدم إبلاغها بهذه الحالة على الفور، وألقت باللوم على هذه المنظمة وعلى النظام السوري في الانتشار المحتمل للفيروس داخل الأراضي التي تسيطر عليها.
واتصلت وكالة فرانس برس بمنظمة الصحة العالمية لكنها لم تتلق ردا.
والجمعة، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن منظمة الصحة العالمية قدّمت معلومات عن وجود “حالة وفاة في يوم 2 نيسان/ابريل في مشفى القامشلي الوطني بشمال شرق سوريا” وأنه “تم لاحقا تأكيد إصابة” المتوفى بكوفيد-19.
وقالت الإدارة الكردية في بيان إن السلطات الكردية تحمّل “منظمة الصحة العالمية المسؤولية عن وجود أو انتشار فيروس كورونا بين مواطنينا لأنها تكتمت على وجود حالة مشتبه بها ولم تُعلم الإدارة الذاتية المسؤولة عن إدارة هذه المناطق”. كما اعتبرت أن “ممارسات الحكومة السورية (..) تعرض حياة مواطني شمال شرق سوريا للخطر”.
رقص عن بعد
17 نيسان/ ابريل
في منزلها وسط دمشق وأمام هاتف محمول، تتنقّل مدربة الرقص ألين سروجي بخفة شديدة، فترفع يديها وتحرّك جسدها برشاقة خلال أدائها رقصة سالسا لإرسالها إلى طلابها المحجورين في منزلهم في زمن كوفيد-19.
قبل أكثر من شهر، قرّرت ألين (35 عاماً) تعليق الدوام في مدرستها لتعليم الرقص في دمشق، في إطار إجراءات وقائية اتخذتها لحماية نفسها وطلابها بمواجهة فيروس كورونا المستجد. واستبقت بذلك التدابير الوقائية المشددة التي اتخذتها الحكومة في وقت سجلت دمشق 33 إصابة وحالتي وفاة.
على إيقاع أنغام موسيقى أغنية كولومبية، تسجّل المدرّبة من داخل صالون منزلها الأنيق مقاطع مصورة بشكل يومي. تقدّم من خلالها دروس رقص متنوّعة لطلابها وطالباتها في المراحل المختلفة، لا سيما رقصة السالسا اللاتينية. ثم تنقل مقاطع الفيديو الى حاسوبها وتشاركها مع طلابها على حساب مغلق على موقع “فيسبوك” أو تطبيق “واتساب”.
وتقول ألين، الشابة المفعمة بالحياة والإيجابية، لوكالة فرانس برس “كنا قد بدأنا هذه السنة بالتوسع وزيادة أعداد الراقصين، وكان من المفترض أن ننطلق بشكل واسع لولا أزمة كورونا التي جعلتنا نتراجع خطوات”.
منذ تأسيسها مدرستها الخاصة بالرقص اللاتيني في منطقة التجارة في قلب العاصمة السورية العام 2008، واظبت ألين على تدريب الراقصين من دون انقطاع، حتى خلال أقسى سنوات الحرب، رغم أن موقع المدرسة كان يُعد قريباً من خطوط النار.
اشتباك كيماوي
15 نيسان/ ابريل
اشتبكت روسيا ودول غربية حول “كيماوي” سوريا. وندّدت بريطانيا وألمانيا وإستونيا خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الأربعاء بعدم مساءلة سوريا في الاتّهامات الموجهة اليها بشنّ هجوم بالأسلحة الكيميائية عام 2017.
وجاء التنديد في مداخلات لممثلي الدول الثلاث خلال جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن الدولي عبر الفيديو، على غرار سائر الاجتماعات التي يعقدها راهناً.
وعلى الرغم من أنّ مداولات الجلسة المغلقة محكومة بقواعد السرية، إلا أن الدول الثلاث نشرت مداخلات ممثليها.
وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أصدرت في 8 نيسان/أبريل تقريرا حمّلت فيه الجيش السوري مسؤولية هجمات بالأسلحة الكيميائية على قرية اللطامنة في شمال سوريا عام 2017. لكن الحكومة السورية نفت بشدة هذا التقرير، مؤكّدة أنّه يتضمن “استنتاجات مزيفة ومختلقة”.
وما لبثت روسيا، التي يفتخر دبلوماسيوها بكونهم حماة القواعد الإجرائية في المجلس ومن بينها السرية، أن نشرت عصر الأربعاء بدورها مداخلة سفيرها فاسيلي نيبينزا في الجلسة.
وقال نيبينزا “الأسلحة الكيميائية السورية برنامج تم إغلاقه، ومخزونها من الأسلحة الكيميائية أزيل والقدرات الانتاجية دمرت”.
انشقاق “مغاوير”
15 نيسان/ابريل
كشف مصدر أمني سوري عن انشقاق 25 مسلحا من جيش “مغاوير الثورة” التابع للمعارضة السورية في قاعدة التنف على الحدود السورية -العراقية والمحمية من قبل القوات الأمريكية شرق سورية ، لافتا إلى أنهم توجهوا الى الجيش السوري النظامي.
وقال المصدر إن المنشقين من قوات النخبة بفصائل المعارضة الموجودة في قاعدة التنف بريف حمص الشرقي قرب الحدود السورية العراقية. وأضاف المصدر أن عدد مقاتلي جيش مغاوير الثورة في منطقة التنف حوالي
500 مقاتل إضافة إلى 300 آخرين من القوات الرديفة لحماية قاعدة التحالف في التنف من هجمات تنظيم داعش والقوات الإيرانية المتواجدة في المنطقة .
وتقدم قوات التحالف الدعم لجيش مغاوير الثورة إضافة الى جيش العشائر الذي كان يقاتل في ريف السويداء الشمالي الشرقي ضد تنظيم داعش والقوات الحكومية وبعد اتفاق بين الروس والقوات الأمريكية خرج مقاتلي جيش
العشائر الى منطقة التنف.
ويوجد بجانب قاعدة التحالف الدولي في التنف منطقة الـ 55 كم ومخيم الركبان الذي يعيش فيه حالية حوالي تسعة آلاف شخص وهذه المنطقة شملت بقرار خفض التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا .
قصف طريق دمشق – بيروت
15 نيسان/ابريل
استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية الأربعاء سيارة تابعة لحزب الله عند الجانب السوري من الحدود مع لبنان من دون أن تسفر الضربة عن سقوط قتلى، وفق ما أفاد مصدر مقرب من حزب الله لوكالة فرانس برس.
وقال المصدر، مفضلاً عدم كشف اسمه كونه غير مخول التصريح، “وجهت طائرة مسيرة إسرائيلية بداية ضربة قرب سيارة تقل عناصر من حزب الله”.
وأضاف “وبعدما خرج منها ركابها، تم استهدافها مباشرة بضربة ثانية”، مؤكداً عدم وقوع إصابات.
وأورد المرصد السوري لحقوق الإنسان من جهته أن “الطائرة الإسرائيلية استهدفت السيارة قرب معبر جديدة يابوس السوري” المواجه لنقطة المصنع اللبنانية في منطقة البقاع شرقاً.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب الإسرائيلي.
ويقاتل حزب الله في سوريا بشكل علني منذ العام 2013 دعماً لقوات النظام، وشارك في معارك أساسية عدة ساهمت في تغليب الكفة لصالح القوات الحكومية.
وكثّفت اسرائيل في الأعوام الأخيرة وتيرة قصفها في سوريا، مستهدفة بشكل أساسي مواقع للجيش السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله.
مقبرة جماعية
13 نيسان/ابريل
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان الاثنين إنه تم العثور على مقبرة جماعية جديدة تحتوي على عشرات الجثث في قرية في ريف الرقة الشرقي شمالي سورية.
وأضاف المرصد السوري لحقوق الإنسان ، ومقره بريطانيا ، أن فريقا من مجلس الرقة المدني اكتشف المقبرة الجماعية في قرية الحمرات.
وتابع المرصد ،الذي يوثق العنف في سورية منذ انتفاضةعام 2011 ، أن الجثث تعود لمدنيين ومقاتلين يُرجح أنهم قُتلوا خلال وجود تنظيم (داعش) في المنطقة.
وسيطرت قوات سورية الديمقراطية (قسد )بقيادة الأكراد على مدينة الرقة ، العاصمة الفعلية السابقة للتنظيم، في عام 2017 ، تاركةً مجلس الرقة المدني يسيطر على المنطقة.
يشار إلى أنه تم اكتشاف العديد من المقابر الجماعية في المنطقة العام الماضي.
بواسطة Haifa Hakim | أبريل 18, 2020 | غير مصنف
استوقفني في الطريق ونظر إلي نظرة تمتزج بها الدهشة بالذهول، لم يقل مرحبا بل همس: غريب لسه ما اعتقلوك! هو رجل سوري في الخمسين من عمره كان يعمل مُخلصاً جمركياً وحقق ثروة كبيرة بفضل الفساد الكبير في مرفأ اللاذقية، وكان يتباهى بثروته التي تعملقت بسبب الفساد ويُسمي سلوكه “شطارة”. ذلك أن نهب المال العام والفساد اسمه “شطارة” في سوريا. علاقتي بالرجل سطحية فهو جار لي في الحارة التي أسكنها. ورغم أنه طلب صداقتي على الفيس بوك إلا أنه لم يضع لي إطلاقاً “لايكاً واحداً”، وكنت أعذره كما أعذر الآلاف غيره الذين كانوا يوقفونني في الطريق ويقولون لي: نحب ما تكتبينه لكن لا نجرؤ أن نضع لك لايكاً.
ورغم أنني أعترف أن سقف الحرية واطئ جداً في سوريا وبأن قبضة الأمن على عنق كل سوري، وجدتُ نفسي أمام تساؤل مؤلم جداً وخاصة بعد مرور أكثر من تسع سنوات على الثورة السورية أو الجحيم السوري، حيث لم يبق بيت في سوريا إلا وخسر شباباً في عمر الورود وماتوا بتنوعات الموت في سوريا، والانهيار الإقتصادي الرهيب والفقر المدقع، وحالياً وباء كورونا حيث لا توجد أيه تجهيزات طبية في سوريا كلها يمكنها احتواء حالات كورونا التي لا نعرف عنها شيئاً لأن هناك تعتيماً إعلامياً عليها. بعد كل ما حصل يتعجب جاري السوري ابن اللاذقية كيف أنهم لم يعتقلوني بسبب كتاباتي على الفيس بوك أو مقالاتي! سؤاله هو سؤال ملايين السوريين المُروعين من الخوف من الأجهزة الأمنية، سؤاله يدل على انهيار الثقة التام بين الحكومة السورية والمواطن السوري. وأنا التي تحسب مئة حساب وأفكر بالاحتمالات الممكنه لكتابة أية فكرة أو نشر صورة على صفحتي أجدني أكتب بضمير كل سوري وكل إنسان يقف مع الحق والعدالة ضد الظلم والاستبداد، إلى أي حد يخاف السوري من قبضة الأمن! خوف مُروع، خوف تغلغل في الخريطة الوراثية لجيناته. أنا نفسي أخاف فقد استدعيت مراراً لمراجعة أجهزة الأمن في اللاذقية، ومُنعت من السفر ثلاث مرات، وكنتُ أبلغ بمنع السفر على الحدود السورية اللبنانية (العريضة)، ويتطلب إلغاء منع السفر اللجوء إلى وساطات عديدة.
الخوف السوري يمنعنا من كرامة الحياة، لأن الخوف وحده هو عدو الحياة وليس الموت فالموت مصير كل كائن حي، لكن الحياة المجبولة بالخوف تمسخ كرامة الإنسان وإحساسه بعزة النفس وتمنعه من الفرح، فالفرح قوة. المُخزي في كتابات معظم السوريين\ات على مواقع التواصل الاجتماعي أن معظمهم يكتب مثلاً عن لبنان أو دول الخليج أو أميركا أو أوروبا ويمارسون حريتهم في النقد وإيهام أنفسهم بأنهم يمارسون حريتهم بانتقاد سياسات تلك الدول. ولا يجرؤ أي منهم على انتقاد سياسة سوريا (وطنه). لا يجرؤ معظم السوريين أن يتحدث عن معتقلي الرأي والذين ماتوا تحت التعذيب في السجون السورية. وأعرف العديد من السوريين المعارضين الذين اضطروا للجوء إلى دول أوروبية كي لا يُعتقلوا فإنهم يكتبون بحذر على صفحاتهم خوفاً على أهاليهم في الداخل، لأن أجهزة الأمن تُعاقب أهل المُعارض الذي لجأ إلى دول تحترم حق التعبير.
إحدى صديقاتي في اللاذقية لديها رهاب من كلمة سياسة ولا تجرؤ أن تكتب عبارة تنتقد فيها حتى ذل انقطاع الكهرباء أو راتب الاحتقار الذي بالكاد يساوي 30 أو 40 دولاراً! كل صفحتها عبارة عن قوالب حلوى لمعايدة صديقاتها في أعياد ميلادهن أو أغاني عاطفية أو مناظر طبيعية، وقد استدعاها أمن الدولة لأن أختها التي تعيش في دولة خليجية مُعارضة تكتب ضد النظام السوري. وبكت في حضرة ضابط الأمن وقالت له إنها لا علاقة لها بأفكار أختها ووعدتهم أن تحظرها، وقد حظرتها بالفعل وأحست الأخت المُعارضة في دول الخليج بالذنب وتأنيب الضمير فتوقفت عن الكتابة حرصاً على أختها وأولاد أختها الذين يعيشون في اللاذقية.
المؤسف أن ثمة شرخ كبيرحصل في المجتمع السوري فلا يُمكن الاستهتانة بفئة الشبيحة والموالين والذين يخونون أي رأي آخر. وللأسف العديد منهم مثقفون وأطباء ويحملون شهادات جامعية عالية، حين نشرت صوراً لأهل أدلب ومأساتهم الإنسانية التي هي وصمة عار على جبين الإنسانية، وكانت الصورة لأطفال جياع وأمهاتهم ويعيشون على أنقاض بيوتهم، كتب لي أحد أشهر الأطباء في اللاذقية تعليقاً على الصورة: على نفسها جنت براقش! اضطررت أن أذكره أنه طبيب وعليه أن يتعاطف إنسانياً مع هؤلاء الفقراء التعساء مهما كانت جنسيتهم ومهما كان انتماؤهم السياسي! أي عار أن ينتفي الحس الإنساني بين الناس خاصة تعامل الأطباء مع فئة كبيرة من الفقراء المذلولين بعيشهم والمروعين من الخوف بحقد وتشفي وشماته، أي حقد مُخيف يختبئ وراء عبارة الطبيب إياه وهو يتأمل أهل وطنه في إدلب كم هم مذلولون تحصدهم آلات الموت كل يوم بالمئات ومعظمهم من الأطفال ويقول: على نفسها جنت براقش، حتى صار مجرد لفظ كلمة إدلب تهمة كتهمة لفظ كلمة ثورة. لا أحد ممن أعرفهم في اللاذقية تجرأ وتعاطف علناً مع أهالينا في إدلب. أعرف شاباً جامعياً من طرطوس تجمعني بأمه صداقة بدأ يكتب بجرأة خفيفة على صفحته منتقداً وزير الصحة السوري وراتب الاحتقار الخ. جن جنون أمه وعنفته أمامي وهي طائشة الصواب وقالت له: “يا حمار شو عم تكتب! أنت مجنون يعني بدك تروح مثل البولة في الحمام”. لا أنسى نظرة الألم في عيني الشاب، نظرة من أحس أن روحه تُسحق وطلبت مني أن أحكي معه وأنصحه ألا يكتب متحدياً النظام، لكن أصابني داء الخرس ولم أستطع النطق بكلمة لأنني تذكرت أيام الذعر حين كنت في باريس وقد قررت العودة إلى سوريا، حين كانت تبدأ عندي حالة من هياج القلق والأرق وأرسل العديد من الرسائل لأصدقاء كي يتحروا عن اسمي على الحدود وكي يتأكدوا أنني غير مطلوبة لفرع أمني (كما حصل معي سابقاً). أكتب للعديد من الأصدقاء وليس لصديق واحد، أحتاج لأكثر من إثبات أنني غير متهمة بأيه تهمة فالمواطن السوري يبقى بنظر النظام مُتهماُ حتى يثبت العكس، ويظل يشعر أن عليه تقديم براءة ذمة تجاه الدولة وهو المسحوق الجائع الذليل الذي مات أولاده في الجيش السوري أو المعتقل أو غرقاً في البحر أو تبعثروا في بلاد اللجوء، ومع ذلك تظل حالة الذعر في أعلى درجاته تلازمني حين أصل إلى الأمن العام السوري على الحدود السورية اللبنانية، وأحس بتسارع دقات قلبي وبانحلال في ركبتي إذا تأخر السائق لثوان في مبنى الأمن العام.
الخوف السوري يشل الحياة ويعيق بناء وطن الحرية والكرامة، أية معنويات عالية وإحساس بالكرامة والحرية يحسها شاب موهوب بالكتابة ويحتفي بحريته في التعبير حين تقول له أمه : “اصمت وإلا مصيرك مثل البولة في الحمام”! أي وجع وخزي أن تضطر أم أن تقول هذا الكلام المهين لابنها بدل أن تحتفي بموهبته. وحين يكسر الخوف نفوس الشباب والأطفال الذين هم المستقبل فكيف سيحبون وطناً أشبه بالسجن وأي أمان يحسونه أشبه بأمان الدجاجات في قفص. أي وجع أحسه ويحسه الكثيرين غيري حين كتبت عن الشابة السورية نيسم جلال عازفة الناي المشهورة التي تعيش حالياً في باريس والتي حكت أنها أرادت أن تشعر بهويتها السورية فسافرت إلى دمشق لثلاثة أشهر فقط لتلتحق بالمعهد الموسيقي وبأن عناصر الأمن كانوا يلاحقونها في كل تحركاتها رغم أنها كانت طالبة ولا تتكلم في السياسة أبداً وبأن أمها أوصتها: “إياك والكلام في سوريا”. لم يجرؤ أحد أن يحتفي معي بالمبدعة السورية نيسم جلال لأنها قالت “أحسست أنني سوريّة لما بدأت الثورة السورية” بل العديدون اتهموها بالخيانة والعمالة.
التوصية ذاتها أوصاني إياها أحد أقربائي الذي يحتل مركزاً هاماً قال لي: “تريدين العيش في اللاذقية يجب أن تبقي صامته وإلا غادري”. من قلب الخوف أكتب لأنني قرفتُ حالة الخوف، لأنني لا أشعر بإنسانيتي وأنا خائفة، ولأن الكتابة شرف كما يقول ألبير كامو؛ ولأن الحق يحررنا؛ ولأن دافعي في كل ما أشهد له هو الحب لشعبي السوري المُروع بالخوف من قبضة الأمن. ولا حياة ولا بناء وطن مع الخوف. الخوف الذي يحول الإنسان الحر إلى عبد بلا كرامة.
بواسطة Ibrahim Hamidi | أبريل 18, 2020 | Reports, غير مصنف
لحدودِ العراقِ نكهةٌ استراتيجيةٌ خاصّة. كانت تُسمّى «الجبهة الشرقية» مع إيران. الجهة الغربية؛ أصبحت حالياً «الجبهة» مع إيران أيضاً. بإصرار غير معلن لا تعكّره سوى «غارات غامضة»، هناك صراعُ خفيّ أميركيّ – إيرانيّ للقبض على الحدود العراقية – السورية…
جديده؛ دخول روسيا على الخط والانغماس براً في المسرح المعقّد بتوسيع الوجود العسكري في «منطقة النفوذ» الأميركية والتحرش بقاعدة التنف من بوابة مخيم «الركبان» والحديث عن «انشقاق» مقاتلين سوريين موالين لواشنطن و«اعترافهم» بالتدرّب على مهاجمة حقول النفط السورية «المحمية» أميركيّاً.
قبل سقوط نظام الرئيس صدام حسين، كان الثقل على الحدود الإيرانية، خصوصاً خلال حرب الثمانينات بين بغداد وطهران. الطرف السوري منها، كان مغلقاً وممراً لـ«التآمر» بين جناحي «البعث» في بغداد ودمشق. في نهاية التسعينات؛ فُتحت ثغرة في جدار الحدود؛ مَرَدُّها الحاجة السورية إلى النفط العراقي وعائدات اقتصادية.
بعد الغزو الأميركي، بدأت رحلة التركيز على الطرف الغربي. بدايةً؛ باتت الحدود السورية بوابة لتدفق الباحثين عن مقارعة الأميركيين والراغبين في إفشال «المشروع الأميركي» في الشرق الأوسط. باتت هذه الحدود ممراً لآلاف المقاتلين من كل العالم الراغبين في قتال الأميركيين. ساهم هذا في إغراق الأميركيين و«مشروعهم». كان هذا «النجاح» المدبَّر سورياً وإيرانياً، خميرة تطورات حصلت عسكرياً في سوريا في العقد الأخير.
ومع الانسحاب الأميركي من العراق واندلاع الاحتجاجات في سوريا في 2011، وقعت هذه المناطق رويداً رويداً في حضن «داعش». أول ما فعله التنظيم، الذي أعلن جغرافيته زعيمه السابق أبو بكر البغدادي من الموصل في منتصف 2014، إلغاء هذه الحدود. أسس «ولاية الفرات» على طرفيها وجذب البيئات المحلية.
خلال الحرب على «داعش»، اسْتَعَرَ الصراع للسيطرة عليها. السباق على وراثة «داعش» كان يرسم مناطق النفوذ والتعايش على جانبي الحدود السورية – العراقية بين أميركا وإيران وضفتي نهر الفرات بين أميركا وحلفائها السوريين وروسيا وحلفائها السوريين والإيرانيين. استعر سباق وتعاون وصراع. بدايةً؛ عززت واشنطن وجودها في غرب العراق وشرق سوريا وقطعت طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت بسيطرتها على معبر التنف – الوليد. ردّت طهران بالسيطرة على جيوب غرب الفرات ومناطق في دير الزور وطريق البوكمال – القائم للوصول إلى دمشق وبيروت والبحر المتوسط بالالتفاف على الطريق التقليدية عبر التنف – الوليد.
انتقلت الحدود من نقاط بين دولتين إلى جبهة بين قوى إقليمية ودولية. على الأرض العراقية؛ هناك «الحشد الشعبي» المدعوم إيرانيّاً والجيش العراقي والقوات الكردية المدعومة غربيّاً. شرق سوريا؛ هناك «قوات سوريا الديمقراطية» التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، وفصائل سورية في التنف. هناك أيضاً الجيش السوري بدعم إيران وروسيا. في الجو، هناك قوات التحالف غرب العراق وشرق سوريا. هناك القوات الروسية شرق سوريا عدا شرق الفرات. أيضاً، هناك الطائرات الإسرائيلية التي أغارت في العراق وسوريا وبينهما.
مع مرور الوقت؛ زاد الاهتمام الدولي والإقليمي بدينامية هذه المناطق واهتمام مراكز الأبحاث في محاولة لفهم الوقائع. في الأيام الأخيرة، صدرت دراسات مهمتان؛ إحداهما من «وقفة كارنيغي» الأميركية أجراها الباحثان خضر خضور وحارث حسن، والأخرى من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» أجراها حميد رضا عزيزي.
– عقارب الساعة
جرى ترسيم الحدود بين القائم والبوكمال في عام 1920، في أعقاب وقوع صدامات بين قوات عربية وقوات بريطانية كانت تحتل المنطقة بعد انسحاب القوات التركية. ولم يخْلُ ترسيم الحدود من بعض العشوائية؛ الأمر الذي بررته لندن بأن القائم النقطة الواقعة أقصى شرق منطقة نفوذ الدليم، أكبر اتحاد قبائل في غرب العراق. وكانت تلك بداية فترة انفصل خلالها القائم عن البوكمال وجرى دمج كل منهما في الدولتين العراقية والسورية. ورغم استمرار النزاع بين العراق وسوريا حول مناطق حدودية أخرى في فترات لاحقة، فإنه لم تطرأ تغييرات كبرى على منطقة القائم – البوكمال منذ ذلك الحين. وأقرت عصبة الأمم رسمياً الحدود العراقية ـ السورية عام 1932.
تقول ورقة «كارنيغي»؛ إنه على الأرض، تبلغ المسافة بين القائم والبوكمال 7 كيلومترات (كلم). على الجانب السوري من الحدود، تشكل البوكمال أقصى شرق سوريا، وتبعد 500 كلم عن دمشق. وتشكل القائم أقصى غرب محافظة الأنبار، وتبعد 400 كلم عن بغداد، وتقع عند النقطة التي يدخل عندها نهر الفرات العراق آتياً من سوريا. وتمتد القائم لـ26 كلم على الضفاف الجنوبية للنهر. أما في سوريا، فيقسم الفرات المنطقة إلى منطقتين فرعيتين؛ يطلق على الجانب الغربي «شامية» ويقع تحت سيطرة النظام السوري، بجانب ميليشيات مدعومة من طهران. في المقابل، يحمل الجانب الشرقي اسم «الجزيرة» ويخضع لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية».
عندما نجح الغزو في إسقاط نظام صدام في عام 2003، اختفت مؤسسات الدولة العراقية والأجهزة الأمنية التابعة لها فجأة من القائم والمناطق الحدودية. ولاحظت الورقة أن الفراغ سمح بظهور «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، الذي اشتهر باسم «القاعدة في العراق»، بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ونجح «القاعدة في العراق»، الذي تحول في نهاية الأمر إلى تنظيم «داعش»، في التغلغل داخل النسيج الاجتماعي بالمنطقة من خلال تجنيد مقاتلين محليين واستغلال الشعور المتنامي بالسخط بين العرب السُنًّة في العراق بعد سقوط نظام صدام.
وتحولت منطقة القائم، والحدود بوجه عام، إلى معقل للمتطرفين، لسببين؛ أولهما: سمحت المنطقة الخصبة للمقاتلين بممارسة الزراعة وتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء. ثانياً: كان من شأن المساحات الصحراوية الواسعة الممتدة على جميع أطراف المنطقة أن سمحت للشبكات بالتشتت والمناورة داخل مناطق غير مأهولة بالسكان، مع بقائها على مقربة من مراكز حضرية. يضاف سبب ثالث؛ هو التسهيلات التي قدمتها دمشق للمتطرفين وغضّ الطرف عن نشاطاتهم.
وخلق الانسحاب الأميركي من العراق في 2011 وبدء الانتفاضة السورية فرصاً جديدة أمام المتطرفين لإعادة نشاطهم والاندماج وصولاً إلى «داعش». كما دبّ النشاط من جديد في بعض شبكات التهريب التي كانت قائمة بفعل انسحاب قوات النظام. وقالت الورقة: «قاد واحدة من هذه الشبكات صدام الجمل في البوكمال، الذي أصبح لاحقاً أحد العناصر الرئيسيين في (داعش). بدأ الجمل نشاطاته التهريبية عبر الحدود في عام 1998 واستمر في ذلك حتى عام 2010. وبعد اشتعال الانتفاضة، حاول استغلال خبرته في تيسير حركة المتطرفين والمسلحين والأسلحة قبل أن يشكل جماعة مسلحة خاصة به في البوكمال. وفي وقت لاحق، انضم إلى (داعش) في مواجهة (جبهة النصرة)؛ جماعة منافسة كانت تسعى للسيطرة على البوكمال».
في 29 يونيو (حزيران) 2014، أعلن «داعش» بناءه خلافة مزعومة على مساحة واسعة من الأراضي شرق سوريا وغرب العراق. وقالت الورقة إن التنظيم ادّعى أنه أزال ما عدّها «حدود سايكس – بيكو بين العراق وسوريا» ؛ رغم أن ذلك الاتفاق الأنجلو – فرنسي، لم يحدد قط الحدود العراقية – السورية. الأمر المهم هنا أن «داعش» سعى لتحويل إعلانه إلى واقع من خلال تشكيل منطقة الفرات، التي تضمنت مناطق من عانة في غرب محافظة الأنبار العراقية والميادين في شرق سوريا. وأصبحت هذه المنطقة، التي تضمنت القائم والبوكمال، مركز المنطقة.
– ما بعد «داعش»
أدى طرد «داعش» من القائم عام 2017 على أيدي قوات عراقية مختلفة، إلى نشر كثير من القوات العسكرية وشبه العسكرية في منطقة القائم – البوكمال الحدودية. وارتبط كثير من الميليشيات بروابط وثيقة مع إيران و«الحرس الثوري» الإيراني. وساعدت هذه الروابط في إحداث تحول على مستوى المنطقة الحدودية لتصبح ممراً لإيران يمكنها من خلاله بسط نفوذها الإقليمي، خصوصاً بعد إغلاق معبر التنف – الوليد.
وفي مارس (آذار) 2019، أعلنت واشنطن القضاء الكامل على «داعش» جغرافياً بتحرير الباغوز بالتعاون مع حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية». عزز هذا نظرة الولايات المتحدة وإسرائيل إلى المنطقة الحدودية بوصفها جبهة محورية في الجهود الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني. وكتب خضور وحسن: «نتيجة وجود نظام أمني مختلط بالمنطقة الحدودية، مع انتشار قوات أمنية رسمية بالقرب من ميليشيات، ظهر وضع عام غير مستقر في جوهره. وتترك المشاحنات الجيوسياسية الإقليمية الكبيرة، بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة؛ وإيران من جهة أخرى، تأثيراً كبيراً على ديناميكيات الأوضاع بالمنطقة الحدودية. وعليه، تحولت منطقة القائم – البوكمال الحدودية إلى مسرح لجهود إعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي مع مساعي إيران الحثيثة للفوز بنفوذ أكبر».
ولوحظ أن الدعم الإيراني في السنوات الأخيرة للحكومتين السورية والعراقية في قتالهما ضد خصومهما المسلحين، عزز روابط طهران بالبلدين. ومع ذلك، أسس «الحرس الثوري» شبكة ممتدة من الجماعات شبه العسكرية عابرة للحدود تقيّد حرية الحكومتين في العمل على نحو مستقل عن المصالح الإيرانية. وتتضمن شبكة الجماعات التي يقودها «الحرس» مقاتلين من أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا قاتلوا إلى جانب القوات الحكومية العراقية والسورية في مواجهة «داعش» أو المعارضين السوريين، مما جعل الحكومتين معتمدتين على نحو متزايد على مثل هذا الدعم وإن كانت الصورة أكثر تعقيداً في سوريا جرّاء وجود روسيا ودخول تركيا على الخط.
علاوة على ذلك؛ اكتسبت هذه الجماعات نفوذاً بسيطرتها على مساحات من الأراضي وتأمينها موارد وحصولها على شرعية وحصانة من خلال دمجها لعناصرها في الدولة، مثلما حدث مع قوات «الحشد الشعبي» العراقية. ورغم أن هذه القوات على أرض الواقع أبقت على درجة واسعة من الاستقلال الذاتي الإداري والعملي عن سلسلة القيادة الرسمية، فإنها استغلت مظلة قوات «الحشد الشعبي» غطاءً شرعياً لنشر القوات؛ حسب الورقة.
– غايات إيران
تقدم الدراسات تقييماً متكاملاً للأسباب التي دفعت بإيران إلى تعزيز وجودها في القائم – البوكمال؛ إذ ذكرت ورقة «كارنيغي» أربعة أسباب؛ هي: أولاً: سعيها لحرمان «داعش» من فرصة إعادة بناء قواته داخل المناطق الواقعة على أطراف العراق وسوريا. ثانياً: تأمين ممر بري لربط المناطق الخاضعة للنفوذ الإيراني في العراق ولبنان سوريا، في مهمة تتطلب السيطرة على حركة الأشخاص والأسلحة والسلع عبر الحدود؛ أو المراقبة الوثيقة لها. ثالثاً: تودّ طهران إعاقة محاولات واشنطن وحلفائها لاستغلال المنطقة الحدودية قاعدةً للتصدي للنفوذ الإيراني. رابعاً: تحتاج إيران إلى الاحتفاظ بقدرتها على تعزيز «حزب الله» عسكرياً في لبنان ونشر ميليشيات أخرى مدعومة من «الحرس» الإيراني بمنطقة الهلال الخصيب حال اشتعال صراع مع إسرائيل عبر لبنان أو سوريا.
من جهته؛ يقول «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» إن إقامة إيران ممراً برياً للربط بينها وبين لبنان عبر العراق وسوريا سيمكّنها من دعم الجماعات التابعة لها في الدول الثلاث بشكل أفضل، إلى جانب نقل السلاح والمعدات بسلاسة وسهولة إلى تنظيم «حزب الله» في لبنان؛ «لكن، هناك مبالغة فيما يتعلق بأولوية ذلك الممر في الاستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا، فمنذ المراحل الأولى من الأزمة السورية وحتى نهاية عام 2017 استمرت إيران في دعم (حزب الله) بعدة طرق مختلفة، بينها استخدام ممر جوي، رغم عدم تمكُّنها من استخدام المعابر الواقعة على الحدود العراقية – السورية».
وبالنظر إلى الوجود العسكري الأميركي في أجزاء عدة من العراق وسوريا من جانب؛ والتفوق الاستخباراتي الإسرائيلي على الدولتين من جانب آخر، سيتضمن نقل الأسلحة والمعدات بشكل مباشر عبر ما يُسمى «الممر البري» مخاطر كبيرة، فقد قصفت إسرائيل أهدافاً إيرانية في سوريا أكثر من 200 مرة خلال الفترة ما بين 2016 و2018.
عليه، يرى المركز أن أهمية معبر البوكمال – القائم بالنسبة إلى إيران من منظور عسكري تكمن بدرجة أكبر في تيسير انتقال القوات العسكرية وشبه العسكرية عبر الحدود، لذا تجعل سيطرة إيران على مناطق واقعة على جانبي الحدود من السهل بالنسبة للقوات الإيرانية؛ الانتقال جيئة وذهاباً، وإعادة الانتشار والتموضع في مناطق أخرى. على سبيل المثال، جرى إرسال نحو 400 عنصر من «الحشد الشعبي» العراقية إلى إدلب من خلال هذا المعبر خلال شهري فبراير (شباط) ومارس 2020. ويمكن لازدياد حركة القوات المدعومة من إيران جعلها محصنة جزئياً من الهجمات الأميركية والإسرائيلية التي تحدث بين الحين والآخر.
– أهداف أميركا
أعلن مسؤولون أميركيون أكثر من مرة أن أحد أهدافهم الرئيسية في سوريا، هو «تحديد» أو «إنهاء» نفوذ إيران. وتدعم واشنطن عبر التحالف الدولي «قوات سوريا الديمقراطية» في سيطرتها على مناطق شرق الفرات بوجود قوات وقواعد برية وغطاء جوي ومعدات لحماية النفط، ولديها قاعدتان في العراق وسوريا. إحداهما في التنف، قرب معبر التنف – الوليد الحدودي المغلق حالياً بين سوريا والعراق، الأمر الذي أدى عملياً إلى إغلاق الطريق التقليدية بين بغداد ودمشق، حيث ينتشر في القاعدة مائة عنصر وراجمات صواريخ لحماية دائرة بقطر 55 كلم.
أما القاعدة الأخرى؛ وهي «عين الأسد»، فتقع داخل محافظة الأنبار قرب ضاحية البغدادي. وزار الرئيس الأميركي دونالد ترمب القاعدة في ديسمبر (كانون الأول) 2018 وأعلن أنه سيجري استخدامها في إبقاء عين واشنطن على النشاطات الإيرانية بالمنطقة.
بجانب ذلك، جرى نشر قوات أميركية في وقت سابق قرب محطة القطارات القديمة في القائم أثناء الحملة التي جرى شنها ضد «داعش». وتقول ورقة «كارنيغي» إن ميليشيات مدعومة من «الحرس» استغلت نشر قوات أميركية في غرب العراق لتبرير وجودها قرب الحدود. وقال مسؤولون عراقيون من الأنبار إن الولايات المتحدة تحاول بناء قواعد جديدة في مدينة الرمانة، شمال القائم.
وفي أغسطس (آب) 2019، قتلت هجمات بطائرات «درون» وأصابت العديد من أعضاء جماعة «كتائب حزب الله» قرب الحدود. واتهمت قوات «الحشد الشعبي» إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم. وفي بيانات أخرى، اتهمت قوات «الحشد» الولايات المتحدة بتيسير الهجمات الإسرائيلية، مما دفع بجماعتين سياسيتين مواليتين لـ«الحشد» بتكثيف المطالب برحيل القوات الأميركية.
في 29 ديسمبر 2019، شنت القوات الأميركية هجمات جوية ضد مواقع فصائل مدعومة من «الحرس» قرب الحدود؛ ثلاثاً منها بالعراق واثنتان في سوريا، مما أثار تنديدات قوية من الحكومة العراقية و«الحشد». وأعلنت واشنطن أن الضربات الجوية جاءت رداً على هجمات شنتها «كتائب حزب الله» ضد قاعدة عسكرية شمال العراق تنتشر بها قوات أميركية، ما أسفر عن مقتل مقاول عسكري أميركي.
وتسبب الهجوم في تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وجماعات مدعومة من إيران والحكومة العراقية، حيث أمرت إدارة ترمب باغتيال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس»، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد «الحشد». وثأرت إيران من هذا الهجوم بإطلاقها صواريخ ضد قاعدتين عسكريتين في العراق بهما قوات أميركية.
وفي 16 مارس 2020، أعلنت القوات الأميركية إعادة نشر هذه القوات إلى قاعدة مختلفة في كركوك بشمال العراق. وقام الجيش الأميركي بإخلاء مواقعه في قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل، والقصر الرئاسي السابق شمال الموصل، وقاعدتي «كيه1» قرب كركوك والقائم على الحدود مع سوريا، وسلمت قاعدة «الحبانية»، إلى الغرب من بغداد، للقوات العراقية، حيث جرى سحب القوات من المراكز الصغيرة وتجميعها في مجمعات أكبر لتوفير فرص أكبر لحمايتها من هجمات صاروخية ممكنة، عبر منظومات «باتريوت»، التي وصلت، بالفعل، إلى «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق مع توقع شحن منظومتين من الكويت في الأيام المقبلة تخطط القوات الأميركية لنشرهما في قاعدة «حرير» قرب أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
– جانب اقتصادي
هناك بُعد آخر للتنافس بين الولايات المتحدة وإيران بإعادة البناء والتشييد بمنطقة الحدود والطرق المؤدية للمنطقة. يذكر المركز الألماني سبباً اقتصادياً؛ إذ إنه من المعروف منذ عام 2013، لمبادرة «الحزام والطريق» الأولوية في السياسة الخارجية الصينية لتيسير التبادل التجاري بين الشرق والغرب. وجعلت في الخطط الأولية لربط الصين بأوروبا الأولوية لإقامة الطرق البرية الشمالية عبر روسيا ووسط آسيا، إلى جانب طريق بحرية عبر الخليج العربي. مع ذلك تحاول طهران جذب اهتمام بكين إلى طريق برية جنوبية تربط إيران والعراق وسوريا بالبحر المتوسط ثم بأوروبا.
وكشفت إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خطة لإنشاء خط سكة حديد يربط معبر الشلامجة الحدودي الواقع على الحدود الإيرانية – العراقية بميناء البصرة في جنوب شرقي العراق. ومن المفترض أن يمتد الخط بعد ذلك باتجاه الساحل السوري. جرى الإعلان في ربيع 2019 عن اعتزام إيران استئجار محطة الحاويات في ميناء اللاذقية. ومن المؤكد أن هناك مكوناً وعنصراً اقتصادياً للتدخل الإيراني في سوريا.
وبين الأمثلة على ذلك ما ذكرته مصادر لباحثي ورقة «كارنيغي» حول مشروع يتضمن بناء شبكة من الطرق السريعة بين بغداد والمعبرين الحدوديين طريبيل على الحدود الأردنية والتنف على الحدود السورية. أيضاً؛ ترتبط شبكة الطرق السريعة عبر طريق ثانوية آتية من الرطبة بمعبر القائم – البوكمال الحدودي، ثم بامتداد داخل سوريا من طريق القائم ـ البوكمال.
يذكر أن طريق بغداد – طريبيل السريعة الممتدة لـ570 كلم جرى إنشاؤها أواخر الثمانينات وأصبحت قناة الاتصال الرئيسية بين العراق والعالم الخارجي عندما خضعت البلاد لعقوبات في التسعينات. وتبعاً لبعض التقديرات، فإن نحو 40 في المائة من التجارة البرية في العراق مرت على هذا الطريق خلال تلك الفترة. وبعد 2003، أصبحت الطريق خطيرة بسبب هجمات جماعات مسلحة، خصوصاً «القاعدة»، التي اعتدت على المسافرين بالسرقة أو استولت على بضاعتهم أو سياراتهم لإعادة بيعها لهم.
في مارس 2017، وافقت حكومة حيدر البغدادي على مقترح من محافظة الأنبار لمنح الشركة الأميركية «أوليف غروب»، عقداً للاستثمار في إصلاح الطريق السريعة وحماية عمال البناء والمسافرين. وتضمن العقد، أيضاً، خطةً لتطوير طريق سريعة دولية تربط بغداد وعرعر على الحدود السعودية، بجانب بناء طريق سريعة جديدة تربط الأنبار مباشرة بالحدود.
لكن المشروع واجه معارضة من جانب كثير من أعضاء البرلمان العراقي، بمن فيهم جماعات متحالفة مع إيران. وأدت موجة الجدل إلى التخلي عن العقد وتكليف قوات الأمن العراقية بمهمة حماية الطريق السريعة.
ومع هذا، وتبعاً لما أفاد به مسؤول سابق من الأنبار كان مشاركاً على نحو مباشر في صياغة المشروع، لمعدّي البحث، فإن جماعات موالية لإيران حشدت ضد المشروع لأنها رأت فيه محاولة من جانب الولايات المتحدة لتوسيع نطاق نفوذها داخل الأنبار وغرب العراق. وبجانب حقيقة أن القوات الأميركية تسيطر على الفضاء الجوي بالمنطقة وتطلق مناطيد استطلاع من قاعدتها الجوية في الأنبار، رأت بعض الفصائل الموالية لإيران المشروع جزءاً من خطة طويلة الأجل لترسيخ الوجود الأميركي في المحافظة وتحويلها إلى قاعدة للنشاطات المناهضة لإيران.
وقد عبّر مسؤول من «كتائب حزب الله» عن هذه الأفكار عندما ندد بـ«محاولة قوات أميركية ضمان السيطرة الكاملة على الحدود العراقية ـ السورية، بذريعة الحيلولة دون استغلال إيران للحدود لدعم سوريا و(حزب الله)».
أيضاً، سعت جماعات موالية لإيران إلى تطوير خطط بديلة لاستغلال منظومة الطرق السريعة في العراق لتوسيع نطاق نفوذها وترسيخه على امتداد الحدود، وهناك محاولات لبناء طريق من كربلاء إلى منطقة القائم – البوكمال لتيسير حركة الجماعات المرتبطة بقوات «الحشد»، والأشخاص العاديين الذين يتوجهون إلى مزارات في سوريا.
وتتجلى أهمية معبر القائم ـ البوكمال لدى إيران عندما يدرك المرء أن مصالحها كانت العامل الأبرز وراء إعادة فتح المعبر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وتبعاً لما ذكره عضو في البرلمان من القائم، فإن الحدود أعيد فتحها بصورة أساسية لمعاونة الاقتصاد السوري وتخفيف حدة أزمة نقص النفط والوقود وتوفير فرصة للحكومة السورية لإحياء الإنتاج الصناعي داخل حلب.
واكتسب المعبر أهمية إضافية بالنظر إلى أن المعبرين الحدوديين الآخرين؛ أي التنف – الوليد، وربيعة – اليعربية، لا يزالان مغلقين. وتعوق قوات أميركية و«قوات سوريا الديمقراطية» قدرة دمشق على الوصول لهذين المعبرين.
ويعتقد بعض المسؤولين المحليين في القائم أن إعادة فتح المعبر ستخدم بصورة أساسية إيران وحلفائها. ويقولون إنه سيسمح فقط للشركات المرتبطة بإيران أو الجماعات المتحالفة معها بالمشاركة في نشاطات عبر الحدود، وهي في الجزء الأكبر منها شركات لبنانية وعراقية وسورية. وكانت الحكومة اللبنانية و«حزب الله» اللبناني قد أبديا اهتماماً كبيراً بتطورات المعبر، مشيرين إلى أنه سيسهم في جعل السوق العراقية الكبيرة متاحة بدرجة أكبر أمام السلع اللبنانية وسيساعد الاقتصاد اللبناني المتداعي.
وتسعى طهران وحلفاؤها إلى ربط منطقة القائم ـ البوكمال بشبكة أوسع من الجماعات الموالية لإيران لتوحيدها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أكد «مواصلة القوات الإيرانية و(حزب الله) اللبناني عمليات التجنيد لصالحها بشكل سري وعلني في الضفاف الغربية لنهر الفرات». وقال إن العدد «ارتفع إلى نحو 3600 من الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة، ممن جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة، في خضمّ الصراع الأميركي – الإيراني ودخول روسيا على الخط بتوسيع انتشارها شرق الفرات وإقامة قاعدة عسكرية في القامشلي ونشر منظومة صواريخ تحت المظلة الأميركية، إضافة إلى قاعدتي طرطوس واللاذقية وشن حملة على «معاناة» المدنيين في مخيم «الركبان» قرب قاعدة التنف، واستمرار الغارات الإسرائيلية على «مواقع عسكرية إيرانية» في البوكمال ونشر تركيا لقواتها وحلفائها شمال شرقي سوريا، تحولت الحدود السورية – العراقية إلى جبهة معقّدة لصراع إقليمي – دولي؛ إذ ترتبط استراتيجيات هذه الدول بخطوط تماس ونقاط صغيرة على الأرض وقدرة كل طرف على التغلغل في البيئة المحلية التي نقلت ولاءاتها عبر العقود والسنوات من طرف إلى طرف. بين التطورات التي ستترك آثارها المستقبلية، مستقبل الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات مع أن واشنطن أعلنت أكثر من مرة أنها باقية في التنف «حيث تتحقق أهداف استراتيجية كبرى باستثمار عسكري صغير»، إضافة إلى مدى جرأة التوسع الروسي والتوغل التركي في شرق الفرات، ومستقبل الأكراد في العراق وسوريا… والعلاقة مع المركز في دمشق وبغداد وما يجري في هاتين العاصمتين.
**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».
بواسطة مازن عرفة | أبريل 17, 2020 | Culture, غير مصنف
“دم على المئذنة”… ساحرة، وبقدر ما هي ساحرة هي قاسية، وبقدر ما هي قاسية هي حزينة… تكثف أوجاع الروح في بلاد منسية من التاريخ، مرمية في فيضانات الدم، حيث الموتى أرقام ليست للتأريخ… مرمية في مهب غبار أسود، يمضي بلا ذاكرة… لكن مهلاً، جان دوست يوقف زمن المجزرة هنا، يكثفه، بدهشة الألم، يعتصر القلب، فيلتقط الحنين الذي تختزنه ذاكرة الضحايا، كل باسمه، وهم يعومون في بحر الدماء… فلتهدأ الضحايا، لن ننساكم، ولن ننسى قاتلكم؛ ديكتاتوريات عسكرية بميليشياتها المتوحشة، حيث ينتعل القاتل في رأسه البوط المدمى بالضحايا، ويفكر به… عمائم دينية بتلونات العماء التاريخي واللطميات، وسيوفها السادية القروسطية تقطر دماً… أنظمة عنصرية فاشية، تدعي “الديمقراطية” تحقد على “الآخر” برؤى مجازر تاريخية، لا يمكن أن تتنصل منها، إلى حد إنكار وجوده التاريخي بمقتلة مستمرة… بنظام دولي، يسلع الناس لرائحة نفطه وتجارب أسلحته العابرة للقارات والألم… وفوق ذلك تنظيمات تدعي أنها “ثورية”، مزقت الإنسان جسداً وروحاً. جان دوست يفضح التاريخ المخزي للبلاد، ويؤصل لذاكرة الموتى ـ الأحياء في قلوبنا، ويجعلها عابرة للتاريخ، والآلام، كي لا ننسى المجزرة، ومن ارتكب المجزرة، ومن قاد المجزرة… كي لا ننسى من صرخ ذات مرة “حرية”، فتلاحقنا صرخته صدى مستمراً في الروح، ونعيدها وراءه في حاضرنا؛ “حرية، وسع المدى، بلا حدود، ندى القلب، بوصلة الأمل”.
يوثق جان دوست ذاكرة المجزرة، الغارقة أصولها في التاريخ، والمستمرة، بيد الأخوةـ الأعداء، وبيد الأعداء ـ الأعداء، فلا تتلمس رفيق درب سوى الموت. يوثق ذاكرة البلاد، منذ نهاية الاحتلال الفرنسي، مروراً بكل الأنظمة القمعية ـ الفاشية والطائفية العنصرية، التي تتوالى في المنطقة، وصولاً إلى لحظة صرخة “الربيع العربي”، الموؤدة بتكالب الجميع عليها، خوفاً من “فتنة الحرية”… هنا، تسير أحداث الرواية على حافة هاوية، بين خوف الانزلاق إلى الدعاية السياسية المباشرة الفجة، وبين تأصيل “الحكاية” للتاريخ وللمستقبل. هنا، يتحرك جان دوست بمهارة روائية على هذه الحافة، فلا يسقط في الهاوية، وإنما يمضي، فيفتح الفضاءات للذاكرة، فلا تعدو البلاد قطعة القلب فقط، وإنما كل البلاد المقهورة أيضاً.
وفي السير على حافة الهاوية، يلجأ جان دوست إلى تقنية بارعة، فيقدم سيرة للأحداث المختزنة في ذاكرة “طلقة دوشكا”، التي ستقتل سعد، المشارك في “ربيع الحرية”، ذات مظاهرة في شمال حرائق البلاد، في “عامودا”… ذاكرة الطلقة منذ خروجها من مصنعها الروسي، بلمسة آلينا الروسية، العاملة في مصنع السلاح، دون إدراك حملها للموت، ووصولها كإمدادات للموت في سوريا، ليتلقفها مقاتلو “حزب العمال الكردستاني” في إحدى قواعدهم في البقاع، كأدوات للنظام السوري في مساوماته مع تركيا، وسفرها مع مقاتلي هذا الحزب إلى الشمال، لتُخزن في أحد كهوف الجبال، حيث ستشهد نهاية مأساوية لعلاقة حب محرمة، بين مقاتل ومقاتلة من الحزب، كسروا حاجز المحرمات لديه، وفي النهاية تستقر الطلقة منتشية في جسد سعد، منطلقة من رشاش دوشكا الأخوة ـ الأعداء، “الأشاوس”، أدوات النظام السوري في قمع “انتفاضة الحرية” في الشمال الكردي… حكاية الطلقة، وليست “الوردة” أو “الكتاب”، على سبيل المثال، برمزيتها المختزنة للموت الغادر، هي أسلوب أدبي أخاذ، أنقذ العمل ببساطة من فخ المباشرة السياسية، وفي الوقت نفسه فتح أفقاً لتلمس علاقة إنسانية مقموعة.
لكن قوة الرواية ومهارة جان دوست تتبديان، ليس في النجاة من الانزلاق إلى المباشرة السياسية، التي كانت تهددها في كل صفحة ـ للتعبير عما تختزنه روح الكاتب ضد الأنظمة السياسية، وإنما في أفق الرواية الأسطوري، الذي ينطلق من حادثة مأساوية صغيرة، يؤسطرها الكاتب انطلاقاً من زمن محدد، فيكسره إلى زمن مطلق، ويجعل “الحكاية” عالمية بإنسانيتها، تخترق الأزمنة والأمكنة. يكتب حادثة “الدم الذي يسيل من المئذنة” بنوع من “الواقعية السحرية”، التي انطلقت ذات زمن من أمريكا اللاتينية. لكن”الواقعية السحرية” لدى جان دوست تتأصل بموروث المنطقة، وبحكايات المنطقة؛ “المئذنة” برمزيتها الإسلامية كـ”إصبع الرب”. هذا الرب، الذي لا يملك قوة ولا تأثيراً أمام سيل المجازر التي تحدث في البلاد، حتى في مئذنته التي تدعو الناس باسمه للخضوع له بطقوس غيبية… إله عاجز منزوي في خيالات وأوهام المستضعفين، لا يستطيع أن يفعل شيئاً أمام قسوة قناصين من “الأشاوس”، يعتلونها “ليقتلوا المؤمنين”. وفي رمزية الدم المسال من كواتها، إشارة إلى عجز هذا الإله أمام كل من يرفع السيف باسمه ليقتل بوحشية سادية، بمن فيهم المؤمنون به. هي رمزية تكاتف “الأشاوس”، الأخوة ـ الأعداء الكرد، عملاء النظام الديكتاتوري، مع “داعش” النظام القروسطي… فالوحشية واحدة. تنطلق برمزيتها من هنا، من المئذنة. وكأن جان دوست يلخص تاريخ المنطقة؛ تكاتف الأنظمة السياسية الديكتاتورية مع الأنظمة الدينية ـ وهل هناك نظام آخر في منطقتنا!!! ـ، يتكاتف التعذيب السادي الوحشي في المعتقلات مع التعذيب الوحشي للسيف الإسلامي ـ بما يتجاوز “داعش” إلى مثيلات عديدة لها ـ. من هنا نجح جان دوست ببناء “واقعيته السحرية” ـ الأسطورية بانفتاحها الإنساني وكسرها حدود الزمان والمكان. صحيح أن حادثة إطلاق النار من المئذنة كانت واقعية وحقيقية، إلا أن جان دوست التقطها من بين سلسلة الحوادث التي يذكرها في الرواية، ليبني عليها رمزية أسطوريته الناجحة بإسقاطاته الرمزية…. “المئذنة ـ الدم”، “الإله العاجزـ وحشية الإنسان”، “سادية الديكتاتور ـ وحشية الإسلامي”… وهذه الرمزيات ستتكرر في صفحات عديدة من الرواية، تعبيراً عن موقف ورؤية للعالم، إزاء ما يحدث في البلاد، وحتى في كامل المنطقة الواقعة في قلب حرائق لا تنتهي.
لكن حتى تنجح رمزية “واقعيته السحرية” كانت بحاجة إلى هلوسات شاعر، أقرب إلى الجنون بمظهره ولباسه ـ “التيشيرت الأحمر” ـ، كي ينطق “الحكمة” و”الرؤيا”، وهو يعيش جنون الحدث، ويرى الدم كيف يسيل من كوى المئذنة، ويتحول إلى سيل. ويتلقف هلوساته روائي عاجز في لحظات العنف هذه إلا عن المراقبة والتسجيل في الذاكرة، لكنه يختزن الحزن في قلبه ليفجره كتابة في اللحظة المناسبة، فتوثق شهادته “الحكاية” للتاريخ؛ “لن ننسى…”. والروائي صالح، بتأصيله للحكاية، يتحول إلى شاهد على المجزرة، وعلى المجازر، التي نالت الشعب الكردي عبر تاريخه.
في لعبة روائية متقنة نعرف منذ البداية أن الروائي صالح هو جان دوست نفسه، مما يعطي العمل شحنة توثيقية عالية، بوجود المؤلف ـ المراقب في قلب الحدث. لذلك، ومنذ البداية، يتداخل مع أحداث الرواية نوع من الأوتوبيوغرافياـ السيرة الذاتية للمؤلف، وبالأحرى لعائلة المؤلف، ابتداءً من الجد، مروراً بالأب والأم، وصولاً إلى المؤلف، وانتهاء بلحظة هجرته من البلاد إلى الغرب. لذلك، وبتقنية روائية مبدعة، تشبه المونتاج السينمائي، تتناوب الفصول بين حكاية العائلة، وبين حدث المجزرة. لكنهما ليسا حدثان منفصلين، وإنما متشابكان، يقودان إلى ذروة واحدة هي مجزرة المئذنة، على الرغم من أسبقية حدث العائلة في الماضي على حدث المجزرة في الحاضر. ينمو الحدثان معا، فكل تقدم في حكاية العائلة يشرح لنا لماذا وكيف حدثت المجزرة. وحكاية العائلة ليست هي حكاية شخصية لأفراد بقدر ما هي حكاية شعب، لم تضع أرضه فقط على طرفي خط حديدي يقسم البلاد بين تركيا وسوريا، بل ضاعت أرضه بين أربع دول، لا تعترف بوجوده التاريخي، ولا بهويته الإنسانية والثقافية ـ الأنتربولوجية. لكن الحكاية الشخصية للعائلة ـ الشعب هنا تتحدى العوائق بين هذه الدول، وتحتفظ بالهوية ذاكرة للشعب؛ تتحدى قمع الذاكرة الديكتاتورية، تتحدى قمع العقليات الإسلامية القادمة من نفط الخليج، تتحدى الخراب الإنساني، الذي حملته التنظيمات الكردية، المسماة “ثورية”، في تشويه جوهر الإنسان…وهكذا، تقود “حكاية” العائلة إلى “حكاية” المجزرة. وستتشابه “حكاية العائلة” مع “حكاية الطلقة”، حيث سيتم من خلالهما ذكر وثائقية أحداث تاريخية، دون الانزلاق إلى المباشرة السياسية. وبهاتين الحكايتين يتم توثيق جانب مهم من تاريخ البلاد بشكل روائي متميز.
وبدلاً من ضمير “المتكلم ـ أنا”، الذي يسكب الكثير من المشاعر الذاتية والشخصية على الحدث في أي رواية، فإن الحدث ـ المجزرة يحتاج إلى مراقب خارجي أقرب إلى الموضوعية. وبدلاً من آلام المشاعر لدى “الأنا” ـ وإن لم تختف نهائياً ـ فإن الحدث نفسه هو اللاعب الأساسي، هو البطل في الرواية.
يلتقط المؤلف الحدث بمهارة، ويحوله إلى مادة درامية، تثير المشاعر الإنسانية في ذروتها… وهي الهدف الإنساني الأخير في الرواية، فليس المهم هو التوثيق، بل هو تحويل الحدث إلى ذاكرة حية؛ “لن ننسى..”، ومن ثم إلى رد فعل قوي برفض الظلم، مع تحديد أطرافه بوضوح. في هذا السياق تبدو حكاية العاشقين، العضوين في حزب العمال الكردستاني، مأساوية إلى درجة الذهول. فالمفترض في مثل هذه الأحزاب “الثورية” أن تقوم بتحرير الأرض والإنسان، لا أن تمنع علاقات الحب، كشكل من العلاقات الإنسانية، بانتظار بناء الدولة الكردية، وهو ما لن يحصل حالياً أبداً في ظل الظروف الدولية القائمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحب هو حاجة إنسانية عليا، وبدونه لا يكون الإنسان إنساناً. ورغم أن كثيراً من الروائيين الكرد عالجوا هذه الحكاية في موضوعاتهم، إلا أن جان دوست يكثف “الواقع” المؤلم في حادثة الكهف، بحيث تنفجر المشاعر الحزينة إلى ذروتها. فالفتاة روجين الحامل، تنتحر بإطلاق رصاص بندقيتها على نفسها لكي تنقذ فتاها العشريني جودي. وبدلاً من إعدام الفتى بعد انكشاف أمره بطلقات تنهي حياته بسرعة، يقرر المسؤول الحزبي حبسه حياً في المغارة، وإغلاقها عليه بصخرة كبيرة حتى الموت. يقوم المؤلف بوصف تفاصيل الموت بطريقة مؤلمة، بحيث يشعر القارئ أنه هو المحبوس في المغارة وأن العقوبة نالته، فيصل التعاطف مع الفتى البريء إلى ذروته، والحقد على المسؤول الحزبي ونظامه “الثوري” إلى أوسع مدى، بطريقة مؤلمة، كي تصل الحقيقة إلى الجميع؛ و”لن ننسى…”. وبالطريقة نفسها يقدم حادثة احتراق الأطفال البشعة في السينما، في أقسى تراجيديتها، ليس فقط مع فيلم مصري سخيف، مليء بالرعب، أجبر الأطفال على حضوره رسمياً، مقابل قروش تؤخذ منهم لدعم “الثورة الجزائرية”. وتبلغ التراجيديا ذروتها في لحظة الحريق، عندما تشتعل الشاشة والجدران، وكأنها جزء من الفيلم، فيما أهالي الأطفال في الخارج، يلعبون الداما ويشربون الشاي.
كل الحوادث في الرواية رموز وإسقاطات، فالغراب برمزية التشاؤم، وهو يحط على مئذنة الجامع في تشرين، ينعق ولا يغادر مكانه، يرمز إلى حركة تشرين، التي أوصلت الديكتاتور إلى سدة الحكم، وخيمت على البلاد كابوس مجازر. ومع هذا الغراب جفت الينابيع وانقطع المطر، واختفى الكثيرون في سجون الدولة.
لكن ذروة الموت تحدث في المظاهرة السلمية ضد النظام السوري، حيث يتساقط المتظاهرون العزل واحداً تلو الآخر، فوق بعضهم البعض، تحت طلقات رشاشات الدوشكا. يسقط حتى من يقترب لينقذ صديقاً، تسقط قصة الحب الجميلة بين فتى وصبية، تسقط طفلة تحت عجلات سيارة برشاش دوشكا، تنقض على المتظاهرين.. يسقط كل شيء إنساني. هي الحقيقة، يقدمها جان دوست، ليس هناك بين المتظاهرين بطل “سوبرمان”، على طريقة الأفلام الأمريكية، هم أناس بسطاء، يكتبون رسائل حب، يدخنون، يشعرون بإنسانيتهم، ولا علاقة لهم بالسلاح والحروب، وهم سلميون، خرجوا بعفوية يطلبون “الحرية”، وتقف بوجههم ميليشيات شرسة وحشية، رباها النظام لمثل هذه المواقف. يتلقى المتظاهرون نيران رشاشات الدوشكا، ليس بقصد تفريقهم، وإنما بقصد قتل أكبر عدد منهم… وبهذا يتحول جان دوست إلى مؤرخ روائيً للثورة السورية السلمية ـ قبل أن تتشوه بالإسلاميين، لأن مثل حادثة القمع الدموي في هذه المظاهرة حدثت في جميع البلدات السورية، لا فرق إن كانت بلدات عربية أو كردية… وحادثة القمع الدموي للمظاهرة هي التي ستقود إلى حادثة المئذنة في اليوم التالي، حيث ستتكثف كل رمزية الرواية.
جان دوست روائي متمكن، تتماسك البنية الروائية لديه منذ البداية حتى النهاية، وهي نقطة مهمة تُحسب له، يمضي نحو هدفه بوضوح، دون أن يفقد بوصلته نحو موضوعه، ويبقى بعيداً عن الاستعراضية، والبوليسية، والمباشرة، وعن الفجوات، التي تخلخل الرواية، كانقطاعات، أو إضافات غير منطقية، فكسر حدة الرواية التقليدية. يكتب بلغة متينة، وإن كان غياب الفاصلة، كعلامة تنقيط، متعب أحياناً لإيصال الفكرة في جمله الطويلة. وهو في الوقت نفسه يمتع القارئ بتفاصيل صغيرة حميمية، مشبعة بالإنسانية: حكاية المرآة، التي تعكس وجه الحبيبة، ورمزية السنونوتين، حكاية البوصلة والمخبر، البناؤون المسيحيون ومنبر المسجد، موجبات الغسل، شتائم وتعليقات الشاعر..
في النهاية، يقدم جان دوست فصلاً صغيراً شديد الأهمية، عن هندسة الخراب، فبالإضافة للنظام يذكر دولاً وميليشيات بعينها، إيران وروسيا وتركيا، ساهمت في هندسة الخراب.. وهو يؤكد أن الثورة السورية أصيلة بسلميتها، ومن شوهها هم الإسلاميون، صنيعة النظام. وكما يؤكد أن لا فرق بين وحشية الطرف الكردي، المتعاون مع النظام، والداعشي، صنيعة النظام، وإن اختلفا في الأزياء والشعار.
صحيح أن جان دوست وثق في روايته كثيراً من الأسماء، الذين قتلتهم “الأشاوس الأكراد”، إلا أن هؤلاء كانوا رموزاً لما يقارب المليون قتيل في المجزرة السورية. وصحيح أن العاطفة الإنسانية، والموقف من الديكتاتوريات والأنظمة الدينية والتنظيمات الثورية، غلبت الناحية السياسية في بعض الصفحات، وهذا طبيعي، فهو ابن المنطقة وابن المرحلة المأساوية المستمرة، إلا أن “دم على المئذنة”.. هي رواية للذاكرة والتاريخ، رواية عن أوجاع أرواحنا المتشظية.