السوريون ينتظرون «كورونا»…خائفين جائعين معزولين

السوريون ينتظرون «كورونا»…خائفين جائعين معزولين

وصول «كورونا» إلى سوريا يعني الكثير. ثقل الوباء في هذه البلد يختلف عن غيره. سيكون توغله في أراضي هذه البلاد المنكوبة، أكثر وطأة من بلدان كثيرة.

لا بيوت يبقى فيها كثير من السوريين تحسباً لغارات الوباء، ولا مستشفيات يلجأون إليها. لسيارات الإسعاف صوت آخر، وخيمة مرمية في العراء، ملاذ المحظوظين من المشردين.
سوريا، خريطة مشرحة في 3 «مناطق نفوذ» على مائدة 5 جيوش بعد 9 سنوات من مخاض الحرب الدامية. كانت تترقب بأمل إشارات السلام، فإذا بأعراض الوباء تقبض رويداً على عنق البلاد وصدور أهلها.
الموعد السري لـ«تسونامي كورونا»، في مايو (أيار). ينتظره السوريون على الجمر. إلى حين ذلك، الحديث العلني في دمشق عن هذا الفيروس الخطير، خطير. تعزيزات قائمة لـ«معركة الحسم» ضده. هناك إصابات به ولا وفيات بسببه. «كورونا» لم يدخل بعد في القاموس الرسمي، سبباً للوفاة. «الالتهاب الرئوي» سبب مريح لقصة الموت. ونُقل عن شخصين في مستشفى دمشقي، أنهما تلقيا «أوامر شفهية بدفن قصص الموتى مع جثامينهم وعدم دق ناقوس الخطر».

في سوريا، تتراكم سلسلة من الأسباب تجعلها تقيم على حالة نادرة في التعاطي مع هذا الوباء:

أولاً، لم تعد الحكومة تسيطر على كامل أراضيها. منطقة فيها ثلثا سوريا ومعظم المدن الكبرى تدار من دمشق، لكن بنفوذ روسي وإيراني بقوتيه الخشنة والناعمة. الثلث الآخر، تدير معظمه الإدارة الذاتية الكردية تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة أميركا في شرق الفرات وفصائل معارضة بدعم الجيش التركي وأدواته «التتريكية» بوسائل عسكرية وخدماتية في شمال سوريا وشمالها الغربي.

ما يجمع «الدول الثلاث في الدولة الواحدة»، هو تدهور القطاع الصحي. في مناطق الحكومة، هاجر الأطباء هرباً من الملاحقات أو الخدمة الإلزامية أو بحثاً عن حياة جديدة أو أنهم بقوا لكن في إطار العمل العسكري. وفي المناطق الخارجة عن سيطرتها، دمرت مستشفيات بغارات سورية وروسية وتراجعت قدرات البنية التحتية التي أقامتها مؤسسات مدنية سورية وغربية.

ثانياً، بالنسبة إلى مؤسسات الأمم المتحدة، العمل متاح قانونياً في دمشق باعتبار أن الحكومة هي ممثل البلاد، حسب المنظمة الدولية، وليس في مناطق المعارضة. لكن إقامة مؤسسات الأمم المتحدة في العاصمة السورية، جعلها «أسيرة» قرار الحكومة ومعطياتها وخطابها في السنوات السابقة. منعكسات ذلك، بدأت تظهر أكثر لدى بدء الإعدادات لمواجهة «كورونا».

ثالثاً، استعادت الحكومة السورية معظم النقاط الحدودية والمطارات، لكنها لا تزال بعيداً عن أن تكون جميعها في عهدة دمشق. هناك نوافذ مع العراق وتركيا لا تزال تحت سيطرة الإدارة الكردية أو فصائل معارضة. كان هناك قرار دولي سمح بتمرير المساعدات الدولية عبر الحدود، لكن عدد البوابات المرخصة، قلص بإرادة روسية في بداية العام الجاري، وهو بانتظار التمديد في منتصف العام الماضي. هذا يضيف تعقيدات راهنة.

رابعاً، خروج أكثر من نصف الشعب السوري من بيوتهم. أكثر من 6 ملايين لاجئ في دول الجوار وخارجها والباقي في مخيمات مكتظة في مناطق مختلفة في البلاد. وهناك أيضاً، نازحون في مناطق الحكومة.

خامساً، وجود أزمة اقتصادية تصاعدت في الأشهر الأخيرة جراء طول الحرب والعقوبات الخارجية، إضافة إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي ليصل إلى 1200 ليرة مقابل الدولار، بعدما كان 46 ليرة في 2011. ويثير انقطاع الكهرباء ساعات طويلة قلقاً إضافياً في المنشآت الطبية.

سادساً، عقوبات أميركية وأوروبية على مؤسسات حكومية وشخصيات نافذة أو رجال أعمال بسبب دورهم في الحرب وقرب تطبيق «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي نهاية العام الماضي، الذي يعاقب أي جهة أو شخص بسبب المساهمة في إعمار سوريا. أيضاً، تستمر العزلة السياسية على دمشق وتغيب سفارات معظم الدول الغربية والعربية عنها.

أمام هذا الواقع، سارع كل طرف إلى «تسييس» الحرب على «كورونا». موسكو قادت مع بكين ودمشق حملة لرفع العقوبات عن دمشق. إلى الآن، لم تغث الصين سوريا بطائرة فيها معدات طبية كما فعلت مع إيطاليا. واشنطن ودول غربية بدأت حملة لإطلاق السجناء ووقف النار لـ«محاربة الوباء». أما الأمم المتحدة، فهي منقسمة. العاملون في دمشق يميلون إلى رأي الحكومة. يقودون حملة لـ«رفع العقوبات»، لكنهم لا يخوضون حواراً لدفع الحكومة كي تكون شفافية في التعاطي مع الوباء. عملياً، تدفع هذه المؤسسات إلى المساهمة في معالجة وباء غير موجود رسمياً. قبل أيام حصل اجتماع تنسيقي في دمشق لمؤسسات أممية، غاب عنه كبار المسؤولين السوريين. جرى تكرار المطالب نفسها، لكن من دون حوار يتضمن الوصول إلى ضمانات وتأكيدات بوصول المساعدات إلى جميع الأراضي السورية وقبول تقديمها عبر المعابر الحدودية، إضافة إلى شمول ذلك بإيصال المعدات عبر نقاط التماس إلى مخيم الركبان قرب الحدود الأردنية الذي يضم 45 ألفاً ومناطق شمال غربي سوريا أو شمالها الشرقي، حيث يقيم ملايين السوريين معظمهم نازحون.

لكن ماذا عن الواقع الصحي في سوريا؟ حسب تقرير داخلي للأمم المتحدة وبحث أعده «برنامج أبحاث النزاعات» التابع لكلية لندن للاقتصاد الممول من الخارجية البريطانية، يمكن رسم الصورة الآتية:

– نقاط الدخول

تأثرت المعابر الحدودية بوضوح بتفشي الوباء، مع اتخاذ سوريا والدول المجاورة عدداً من الإجراءات الاحترازية. وأعلن عن وقف الرحلات الجوية إلى مطار دمشق الدولي، مع فرض إجراء حجر صحي إجباري على القادمين من دول بعينها. وأجرت وزارة الصحة فحصاً للعابرين من نقاط عبور برية ومطارات دمشق واللاذقية والقامشلي قبل إغلاقها.

ومنذ 26 يناير (كانون الثاني)، أعلنت الإدارة الذاتية عن إغلاق معبر فيشخابور- سيمالكا البري غير الرسمي أمام جميع صور حركة المرور غير الطارئة، مع استثناء يوم واحد في الأسبوع للحالات الإنسانية. وفي 23 مارس (آذار)، أعلنت الإدارة الذاتية إلغاء هذه التصاريح وإغلاق المعبر لأجل غير مسمى.

حالياً، غالبية الحدود البرية إلى داخل سوريا مغلقة، مع بعض الاستثناءات المحدودة (من الأردن وتركيا ولبنان)، أمام الشحنات التجارية وشحنات الإغاثة وحركة العاملين بالمجال الإنساني والمنظمات الدولية.

وأفادت الأمم المتحدة بفرض بعض القيود على نقاط العبور داخل سوريا، بما في ذلك نقطتا الطبقة والتايهة شمال شرقي البلاد، حيث تنتشر فرق طبية لإجراء عمليات مسح ويجري فرض قيود على حركة المدنيين والسلع والشاحنات. وذكرت تقارير عن تقييد حركة الدخول والخروج في تل عبيد أمام التجار والعاملين بالمجال الإنساني والإداري. وأغلقت نقطة عبور شانان في الرقة، وكذلك أبو زندان وعون أدات (شمال ريف منبج). ورغم التوجيهات الرسمية، وردت أنباء عن بعض الحركة العشوائية حول بعض نقاط العبور، حسب تقرير أممي.

– صورة عامة وذعر

هناك ذعر بدرجات مختلفة وإقبال على شراء الحاجات في دمشق وإدلب والقامشلي. داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، يجري توفير أكثر السلع الأساسية من جانب عدد محدود للغاية من الهياكل الاحتكارية ذات الصلة بمؤسسات حكومية. ويجري دعم أكثر السلع الأساسية وإتاحتها فقط من خلال تلك المنافذ. هناك صفوف من المواطنين في كل مكان للحصول على الحاجات الأساسية، بينما تبدو الأسواق مرهقة. وتسود حالة حادة من الذعر مع إسراع الجميع لشراء وتخزين الإمدادات. ويحمل هذا الأمر صعوبة بالغة نظراً لأن غالبية الأفراد يعيشون على دخل يومي.

ولا يقف وراء حالة الذعر تلك غياب المعلومات، وإنما حقيقة أن الناس ليس أمامهم خيار آخر. في الشوارع، تبدو الحركة طبيعية، لكن المتاجر أغلقت أبوابها جبراً. والمؤكد أن الاستمرار على هذا النحو سيخلق تداعيات اقتصادية بالغة الخطورة، خصوصاً أن معدلات الفقر في سوريا تفوق 80 في المائة.

ارتفعت أسعار الخبز في سوريا كغيره من الحاجات. وحدث نقص في سلع أساسية (بنسب تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة) وكذلك في أدوات التعقيم والحماية الشخصية؛ مثل أقنعة الوجه والقفازات ومطهر اليدين التي ارتفعت أسعارها بنسب بلغت 5000 في المائة.

تشير تقديرات بعض المصادر إلى أنه في سوريا بأكملها فقط 12 ألف سرير في المستشفيات. ووصل إلى دمشق منذ يومين ألف جهاز اختبار، لكن لا تتشارك الحكومة معلوماتها مع أي جهة حتى الآن. وأكدت مصادر في دمشق أنه «لم يجرِ تخصيص أي موارد لمكافحة كورونا بسبب معاناة الموازنة من الإفلاس». وترفض الحكومة إشراك المؤسسات الدولية في جمع المعلومات وإحصاءات أعداد العاملين بالمجال الصحي. وفي الوقت ذاته، فإن الأشخاص الذين يعانون أعراض الفيروس يخشون الذهاب إلى المستشفيات. وبالتأكيد، يحمل هذا المستوى من الخوف تداعيات خطيرة على صعيد أعمال العنف والتصعيد.

يتوقع خبراء دوليون في دمشق أن يصل الوباء إلى ذروته داخل سوريا في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران). لكن حالياً، يجري الحديث عن الالتهاب الرئوي، وليس «كورونا»، تجنباً لإثارة مسألة الاستجابة الحكومية. وتفرض الحكومة حظر تجول جزئياً، لأنه في حال تسبب الفيروس في سقوط المئات أو الآلاف من الوفيات، فإن هناك قلقاً في دمشق من «منعكسات ذلك على الاستقرار للافتقار إلى القدرة على الاستجابة جراء تداعي منظومة الرعاية الصحية والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المروعة التي سيخلفها الوباء، في وقت أصبحت فيه قدرة البلاد على تحمل أي ضغوط إضافية محدودة للغاية»، حسب مسؤول غربي في دمشق.

يقول «مركز أبحاث النزاعات» إن العدد الأقصى لحالات الإصابة بالفيروس التي يمكن خضوعها للعلاج بصورة في سوريا يصل إلى 6500 حالة. ويضيف: «بمجرد تجاوز عدد الحالات المسجلة الحد المذكور البالغ 6500 حالة، من المتوقع انهيار نظام الرعاية الصحية مع الحاجة اللازمة لاتخاذ القرارات الترشيدية، مع توقعات بارتفاع المعدل الإجمالي للوفيات بما لا يقل عن نسبة 5 في المائة بين الحالات المصابة».

يضاف إلى ذلك، وجود نقص كبير في الوعي العام بمخاطر الفيروس، مع نقص كبير موازٍ في الموارد، وتدهور واضح ومستمر في الأوضاع العامة، الأمر الذي يجعلها معرضة وبشدة لمخاطر تفشي الوباء الفتاك على نطاق كبير تتعذر مواجهته أو تحمله.

– مناطق الحكومة

فرضت الحكومة مجموعة من الإجراءات الوقائية. في 24 مارس، أعلنت فرض حظر تجول ليلي بحلول مساء اليوم التالي. وأعلنت إغلاق جميع المدارس والجامعات والمعاهد حتى 2 أبريل (نيسان) 2020 على الأقل. كما جرى تعليق صلاة الجمعة والتجمعات داخل المساجد وجميع الفعاليات والتجمعات الكبرى وإغلاق جميع المطاعم والمقاهي والأندية الليلية والأندية الرياضية والثقافية. وقلصت مكاتب القطاع العام ساعات العمل بها وفرضت الحكومة تقليص قوة العمل الموجودة بالمكاتب إلى 40 في المائة.

في 22 مارس، أطلقت الحكومة السورية حملة تعقيم في المدارس والسجون والأماكن العامة، مثل المتنزهات ووسائل النقل العام بالمدن الكبرى والسفن التي ترسو بالموانئ. وجرى إرجاء الانتخابات البرلمانية من 13 أبريل حتى 20 مايو. وفرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول على المواطنين، بجانب إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد.

وأعلنت دمشق عن 5 حالات إصابة مؤكدة فقط بـ«كورونا». لكن كثيراً من المؤشرات يوحي بأن الفيروس أكثر انتشاراً من ذلك بكثير داخل البلاد قياساً إلى الأوضاع في الدول المجاورة يشارك بعضها في العمليات العسكرية في سوريا. وقال المركز: «تواجه إيران تفاقماً كارثياً في أعداد حالات الإصابة بالفيروس، في وقت تشارك فيه بقوات عسكرية في سوريا. حتى وقت قريب للغاية كان الآلاف يتحركون ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق عبر مطار دمشق أو عبر قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، خصوصاً في دير الزور الواقعة شرق البلاد، قرب الحدود مع العراق». ولوحظ أن دمشق قررت قبل أيام وضع أكثر من 100 شخص بالحجر الصحي بعد وصولهم من طهران.

الإعلان عن وجود إصابات أخذ منحى تدرجياً. في البداية اتخذت دمشق الإجراءات الوقائية قبل الإعلان عن إصابات. وكان لافتاً أنه بالتزامن مع نفي دمشق وجود مصابين أعلنت باكستان بداية الشهر، أن 7 أشخاص قادمين من سوريا تأكدت إصابتهم بالفيروس. وفي 24 مارس، أعلنت بغداد عن حالتي إصابة لشخصين جاءا من سوريا. وقال «مركز أبحاث النزاعات»: «هناك أدلة شفهية مهمة من داخل مناطق تخضع للسيطرة الحكومية حول وجود أفراد تظهر عليهم أعراض حادة للفيروس بعضهم توفي بالفعل. وهناك ارتفاع حاد في الوفيات الناجمة عن عدوى رئوية والالتهاب الرئوي بين مرضى تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، ظاهرة قائمة عبر أرجاء مختلفة من البلاد». ونقل عن شخصين في «مستشفى المجتهد» في دمشق أنهما تلقيا «أوامر شفهية» من ضباط بالاستخبارات بدفن هذه القصص مع الموتى وعدم دق أي أجراس خطر» عبر وسائل الإعلام.

– مخيمات ولاجئون

هناك 71 ألف شخص لا يزالون مشردين بلا مأوى في شمال شرقي البلاد و15 ألفاً موزعون في مآوٍ جماعية، إضافة إلى مائة ألف يعيشون في 4 مخيمات للإيواء. وبالتنسيق مع الجهات الصحية، وضعت منظمة الصحة العالمية خطة للتوعية بمخاطر «كورونا» في المخيمات والملاجئ الجماعية. وجرى توزيع مواد المعلومات، والتعليم والاتصالات ذات الصلة بتعزيز النظافة الشخصية على نطاق واسع داخل المخيمات والمرافق المدعومة، وتم تقاسمها مع السلطات بغية تعميمها على نطاق أوسع. كما جرى توسيع نطاق التعزيز والتوعية بشأن النظافة العامة داخل المخيمات.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت من أن مئات آلاف الأشخاص في شمال شرقي سوريا يواجهون مخاطر متزايدة بالإصابة بـ«كورونا» بسبب انقطاع إمدادات المياه.

ومنذ عدة أيام، أوقفت محطة مياه العلوك لإمدادات المياه في رأس العين، المدينة الواقعة على الحدود السورية – التركية والخاضعة لسيطرة تركيا وفصائل سورية مدعومة من أنقرة، ضخ المياه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية السورية. وأكد «المرصد» أن انقطاع المياه قررته تركيا.

وتؤمن محطة العلوك المياه لنحو 460 ألف نسمة، بينهم سكان مدينة الحسكة ومخيم الهول للنازحين، حيث يقيم الآلاف من عائلات عناصر «داعش». وأسفرت ضغوط عن إعادة تشغيل المحطة. لكن الإدارة الكردية حذرت من أن المناطق الخاضعة لسيطرتها غير مجهزة بشكل كافٍ لمواجهة احتمال انتشار الوباء. وقال الجنرال مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يدعمها التحالف الدولي بقيادة أميركا، إن «خطر انتشار الفيروس لدينا وارد جداً. لهذا قامت الإدارة باتخاذ عدة إجراءات مهمة من أجل مكافحة انتشار هذا الفيروس»، داعياً السكان إلى عزل أنفسهم في المنازل.

– «الكارثة الحقيقية»

للوضع الإنساني في «مثلث الشمال» في إدلب وبين أرياف حماة وحلب واللاذقية، حالة خاصة، بسبب الاكتظاظ البشري، حيث يقيم 3.5 مليون سوري معظمهم نازحون، وكان مسرحاً للعمليات العسكرية قبل وقف النار بموجب تفاهم روسي – تركي، إضافة إلى وجود تنظيمات مدرجة على قائمة مجلس الأمن بأنها «إرهابية».

منذ بداية العام، نزح أكثر من مليون مدني وهناك 60 ألفاً يعيشون في الحقول المفتوحة والمدارس والمساجد. وجرى إغلاق 62 منشأة صحية على مدار الشهرين الماضيين. كما فقد كثير من عمال الرعاية الصحية حياتهم أو أجبروا على الفرار خشية على أعمارهم. ونتيجة لذلك، لا يوجد في هذه المناطق أكثر من 166 طبيباً و64 منشأة صحية، من الذين يعملون بالحد الأدنى من البنية التحتية الممكنة بقدرات متدنية للغاية، حسب «برنامج أبحاث النزاعات». وقال أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط: «بدأ اختبار الحالات المُشتبه في إصابتهم بالفيروس في شمال غربي سوريا منذ يومين بعد وصول شحنة من 300 اختبار إلى أحد شركاء المنظمة. وسيصل 600 اختبار إضافي إلى المختبر في إدلب، ومن المقرر وصول شحنة من 5000 اختبار إلى مدينة إدلب الأسبوع المقبل. وتم توزيع معدات الوقاية الشخصية بالفعل على 21 مرفق رعاية صحية، كما تم شحن معدات وقاية شخصية إضافية للعاملين الصحيين في مدينتي إدلب وحلب هذا الأسبوع».

وتعاني المنظمات الصحية السورية غير الحكومية مع مديرية الصحة في إدلب من نقص مزمن في عدد الموظفين مع قلة التمويل. وقال الدكتور منذر خليل، رئيس المديرية الصحية في إدلب، إن «احتمالات تفشي فيروس كورونا مرتفعة للغاية» وسط مخاوف من كارثة. وحذر خليل من صعوبة أن تعمل خطة الاستجابة الطارئة بفاعلية كاملة في غياب الدعم الكامل من الجهات المانحة الدولية، وذلك بسبب تدهور قدرة المرافق الصحية الوطنية، ونقص الممرضين المدربين، ونقص وحدات العناية المركزة والتعطل المستمر لشبكات المياه والكهرباء، والحركة المستمرة للمواطنين النازحين داخلياً، مع عدم قدرة كثير من الناس على التكيف مع الضغوط الاقتصادية الناشئة عن العزل الذاتي مع تعليق الأنشطة الاقتصادية.

وتنظر منظمات المجتمع المدني في شراء أطقم الاختبار من الأسواق التركية، نظراً لانعدام الثقة مع دمشق. ودشنت حملات توعية مع تطوير كثير من استراتيجيات الاستجابة الأخرى التي تستكمل جهود مديرية الصحة في إدلب والمنظمات الصحية غير الحكومية الأخرى حيال مكافحة الوباء. كما قام عناصر «الدفاع المدني» بتعقيم مخيمات وأماكن مدمرة مستفيدين من وقف النار الذي قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة دمشق التقى خلال الرئيس بشار الأسد لتأكيد تثبيتها حالياً.

**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».

حملة في إدلب لمنع كارثة كورونا

حملة في إدلب لمنع كارثة كورونا

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات

بدأت كل من فرق الدفاع المدني وعدد من المنظمات الإنسانية والإغاثية بحملة تعقيم واسعة استهدفت المدارس والمخيمات والمرافق العامة والمساجد في شمال غرب سوريا خاصة في “إدلب ومخيمات النازحين”، كإجراء وقائي من فيروس كورونا، وذلك في الوقت الذي يعيش فيه النازحون والمهجرون حالة من الترقب الحذر لوقوع إصابات بفيروس “كورونا” المستجد والذي طال البشرية جمعاء.

واعتبر نشطاء حقوقيون وإعلاميون وكوادر الصحة والدفاع المدني ومسؤولو منظمات شمال غرب سوريا أن سبب المخاوف والحذر من انتشار فيروس كورونا، هو الاكتظاظ السكاني وضيق المساحة التي تعاني منها المخيمات، مما استدعى استنفار الفرق الطبية وكوادر المنظمات الإنسانية إلى التحرك وإطلاق حملات توعية وإرشادات للمدنيين تبعها حملات تعقيم واسعة وتوفير السبل اللازمة لذلك.

وتأتي هذه الحملة بالتعقيم، مع تفشي فيروس كورونا “كوفيد19” بكل أنحاء العالم والدول المجاورة، حيث تتخوف المنظمات الدولية والإنسانية من تفشي الفيروس في شمال غرب سوريا وعلى وجه الخصوص في المخيمات.

مدير مديرية الدفاع المدني “الخوذ البيضاء” في إدلب مصطفى حاج يوسف قال: “كنا قد أطلقنا قبل نحو أسبوع حملة توعية وإرشادات هامة للمدنيين والنازحين في شمال غرب سوريا، وعلى وجه الخصوص ’المخيمات والمناطق المأهولة بالسكان في إدلب‘ لتوعيتهم من خطر انتشار فيروس كورونا الذي اجتاح دول العالم وتسبب بوفاة الآلاف، وأتبعنا الحملة منذ أيام بحملة أخرى لفرق مدربة تابعة للدفاع المدني في إدلب لتعقيم المخيمات وأماكن تجمع المدنيين كالأسواق والأفران والمساجد تزامناً مع حملة التوعية للمدنيين من خلال لقاءات تجريها فرق الدفاع المدني والمدنيون لإطلاعهم على مخاطر فيروس كورونا فيما لو وصل إلى المخيمات والمدن والمناطق المأهولة بالسكان ضمن شعار ’خليك بالبيت‘”، ويضيف: “قمنا بتعقيم أكثر من 100 مسجد بالإضافة إلى تعقيم 40 حديقة وروضة أطفال بالتزامن مع حملة تعقيم متواصلة بدأت باستهداف المخيمات على نطاق واسع بالتنسيق والتعاون مع مديرية صحة إدلب ومديرية الصحة التركية.”

وأشار إلى أن هناك تواصلاً مستمراً بين إدارة الدفاع المدني في الشمال السوري وبين المنظمات العالمية لاستجرار الكميات الكافية من المواد المعقمة، لمواصلة حملات التعقيم في المخيمات وغيرها من المناطق المأهولة بالسكان للوقاية من مخاطر انتشار فيروس كورونا بين الناس .

الدكتور عارف أبو كرش المنسق الطبي في جمعية عطاء للإغاثة والتنمية قال: إ”منذ انتشار فيروس كورونا في عدد من دول العالم وخطره على الإنسان بدأت جمعية عطاء وعدد من المنظمات بإطلاق حملة توعية للتعريف بهذا الوباء العالمي وطرق الوقاية منه.”

ويضيف أنه تم استهداف 30 مخيماً على الحدود السورية التركية بحملات توعية رافقتها حملة تعقيم للخيام والكرفانات للنازحين والمدارس والمساجد المنتشرة في المخيمات، وتوزيع الكمامات الوقائية مع مواصلة فرق الإرشاد تقديم النصائح والتعليمات الوقائية ضد خطر انتشار فيروس كورونا.

ولفت إلى أنه تم إنشاء عدة خيام مجهزة طبياً لعزل المشتبه بهم بالإصابة بفيروس كورونا ونقلهم إلى مراكز مختصة لتلقي العلاج من جهة ومن جهة ثانية الحد من انتشار الفيروس فيما لو وصل إلى مخيمات النازحين.

دعوات إلى فض التجمعات والتزام الخيام والمنازل
الدكتور عبدالحكيم رمضان منسق الصحة العامة في مديرية صحة إدلب قال: “قمنا وعدد من الأطباء والنشطاء في إدلب والمخيمات بدعوة المدنيين لفض التجمعات وعدم الاختلاط والتزام الخيام خلال الفترة القادمة تجنباً لوصول فيروس كورونا إلى المخيمات، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليه بشكل سريع وذلك لعدة أسباب وأهمها طبيعة إنشاء المخيمات المزدحمة وتلاصق الخيام بعضها ببعض، وعدم توفر الفسحات المطلوبة لتوفير شروط عدم الاختلاط، وكذلك الأمر بالنسبة للأسواق والبازارات.”

ويضيف: “قمنا ببعض التجهيزات الطبية المتواضعة لمواجهة فيروس كورونا في عدد من المشافي والمراكز الطبية في شمال غرب سوريا، كمبادرات من المديريات وبعض المنظمات، رغم ضعف الامكانيات، ريثما يتم تنفيذ الأنشطة الخاصة بخطة الصحة العالمية، وبإنتظار الكيتات الخاصة لتحليل وفحص العينات المشتبة بإصابتها بالفيروس ونتوقع وصولها خلال الأيام القادمة من تركيا”، ولفت إلى أنه، حتى الآن لم تسجل إي إصابة بفيروس كورونا بين المدنيين في شمال غرب سوريا.

الناشط عبد الكريم العلي قال: “يبلغ عدد مخيمات اللجوء في الشمال السوري 1275 مخيماً، ويقطنها نحو مليون و22 ألفاً من النازحين، منها 348 مخيماً عشوائياً وخياماً متراكمة، فضلاً عن أن عشرات المدن شمال غرب سوريا تكتظ بالمدنيين وجلهم من المهحرين والنازحين، وحتماً أمام هذه الأرقام المرعبة من البشر في ظل تفشي فيروس كورونا في كثير من بلدان العالم واقترابه من المخيمات بعد أن وصل إلى تركيا، يتطلب ذلك تضافر الجهود بين مختلف الفعاليات والكوادر الطبية والدفاع المدني والناشطين وتعاون المدنيين معها للتقيد بالتوصيات والإرشادات المتعلقة بالوقاية من خطر انتشار كورونا في المخيمات.”

عزل شخصي 
الحاج محمود السعيد نازح من مدينة حلفايا بريف حماة، على الحدود السورية التركية قال إن هواجس الخوف والقلق من انتشار كورونا في المخيمات دفعته مؤخراً إلى التفكير بالانتقال من المخيم الذي يقيم فيه إلى جانب أكثر من 1000 أسرة وخيمة وسط حالة من الازدحام، واللجوء إلى منطقة جبلية بعيدة عن المخيمات.

وقال: “أحاول الآن أن أشتري بعض اللوازم الحياتية من طحين ومواد تموينية بالإضافة إلى المؤن المتوفرة لدينا لتمكننا من العيش بعض الوقت بمعزل عن الناس، خوفاً من وصول فيروس كورونا وعدم تمكن الفرق الطبية من السيطرة عليه في أسرع وقت، لأحافظ على حياة أسرتي وأطفالي بعد أن أنقذتهم مرات عديدة من الموت بالبراميل المتفجرة والكلور السام وصواريخ النظام، ولا أريد أن يلحق بهم الأذى والموت إلى المخيمات بفيروس كورونا الذي بات يشكل رعباً لكل دول العالم وخاصة المتطورة علمياً وطبياً منها”.ويضيف: “أن هذا القرار ليس هو فقط من اتخذه فحسب، وإنما هناك عدد كبير من أقربائي وأصدقائي في المخيمات سيرحلون إلى الجبال لذات الهدف.”

ولفت إلى هواجس الخوف والقلق الذي خيم على قاطني المخيمات من “كورونا” وانتشاره بين النازحين ليس فقط بسبب الازدحام، وإنما أيضاً بسبب الخدمات الصحية الجماعية كالتواليتات والحمامات وخزانات مياه الشرب وطبعاً هذا يشكل خطر انتقال العدوى بسرعة.

Syria in a Week (16 – 23 March 2020)

Syria in a Week (16 – 23 March 2020)

The following is a selection by our editors of significant weekly developments in Syria. Depending on events, each issue will include anywhere from four to eight briefs. This series is produced in both Arabic and English in partnership between Salon Syria and Jadaliyya. Suggestions and blurbs may be sent to info@salonsyria.com.

General “Corona” Empties Prisons

22 March 2020

Syrian President Bashar al-Assad on Sunday issued a legislative decree granting general amnesty for crimes committed before Sunday in an effort to combat the Corona virus.

The official Syrian news agency SANA reported that the decree provides for the replacement of the death penalty with a life sentence for hard labor, a life sentence for hard labor with a sentence for hard labor for a period of twenty years, and the sentence of life imprisonment with a twenty-year-sentence.

SANA said that the mitigation provisions in the decree do not apply to crimes that resulted in personal harm unless the victim forfeited their personal rights, adding that payment of compensation awarded to the victim is not considered as forfeiture of rights.

Syrian legal sources in Damascus said that the presidential decree is meant to empty the overcrowded prisons as part of the Syrian government’s effort to confront the Corona virus. The amnesty decree does not apply to people arrested and imprisoned for dealing with foreign currency.

Syrians in Cyprus

21 March 2020

Authorities in the northern part of Cyprus said that they saved a group of one hundred and seventy-five Syrians on board of a boat and stopped them from landing on the shores of Cyprus.

Police in the Turkish Republic of Northern Cyprus said that the refugees, including sixty-nine children, were spotted at night after their boat collapsed ten meters off the shore south of the Karpas Peninsula. They were transported to a sports stadium in Isklieh, northeast of the island where they will undergo medical exams, the police said.

On Friday, the authorities in Cyprus prevented a boat from landing in the southern part of the island, and they do not know where it came from.

Cyprus is one hundred kilometers far from Lebanon and eighty kilometers from Turkey. Both countries are host to more than four million Syrian refugees who fled the war in their country.

Several boats have landed in Cyprus in recent months coming from the shores of the Turkish city of Mersin.

The Army and the Pandemic

20 March 2020

The Syrian army has halted the conscription of new members in the military service due to the health situation and the outbreak of the Corona virus.

The Higher Command of the Syrian Army and Armed Forces on Friday announced the cessation of compulsory conscription until 22 April due to the health situation the world is currently witnessing.

Syria has prevented the entry of foreign visitors from various countries that have a Corona outbreak, in an effort to expand the procedures to confront the pandemic.

Death of Two Turkish Soldiers.

19 March 2020

Two Turkish soldiers were killed in Idlib, northwest of Syria, in a missile attack carried out by “some radical groups,” the Turkish defense ministry said on Thursday. Another soldier was hurt, and Turkish forces opened fire on targets in the area, the ministry added.

Turkey, which supports militants opposed to the Syrian President Bashar al-Assad, had reached a ceasefire agreement with Russia two weeks ago after confrontations that went on for months and displaced around one million people in Idlib. Moscow supports the Syrian government forces.

This is the first incident in which Turkish soldiers were killed in Idlib after the ceasefire agreement went into effect.

Reduced Salaries

10 March 2020

Turkey reduced the salaries of Syrian militants it sent to fight in Libya, the Syrian Observatory for Human Rights (SOHR) said on Thursday. The SOHR said that this came after “the number of militants exceeded the limit set by Turkey, which is six thousand fighters.”

This information could not be verified by other sources.

The SOHR also said that the number of militants allied to Turkey who died in the battles in Libya has risen to one hundred and twenty-nine fighters.

Tragedy of Idlib

18 March 2020

A relief organization on Wednesday cautioned against the tragic repercussions if the stranded refugees in northern Syria become a subject of a Corona virus outbreak.

“In light of its evident brutality, one can expect a genocide if the Corona virus reaches northwest of Syria,” said Derek Hegmanz, the Regional Coordinator of the German Anti-hunger Organization.

The government offensive, which began last April, destroyed dozens of hospitals.

Doctors Without Borders cautioned that an outbreak of the Corona virus in northwest Syria could rapidly lead to a critical situation if additional actions and procedures are not taken.

Raed Saleh, the head of the White Helmet Organization said, “we will carry out intensive awareness campaigns starting on Friday in coordination with health associations in northwest Syria.”

Idlib Battles

17 March 2020

Four soldiers in the Syrian government forces and a militant in the armed opposition factions were killed on Tuesday in fierce clashes in the southern countryside of Idlib, the last stronghold for the opposition which is subject to a ceasefire agreement that started on 6 March.

Despite the clashes in the early hours of the truce, which killed six people from government forces and nine jihadists, the agreement has brought forward noticeable tranquility in Idlib governorate. Idlib witnessed months-long bombardment by Syrian and Russian forces that caused a humanitarian catastrophe.

US Incitement

17 March 2020

For the first time, the United States on Tuesday held Russia responsible for the death of dozens of Turkish soldiers in Syria and imposed more sanctions on Syrian officials.

Thirty-four Turkish soldiers were killed in the previous month in Idlib in an airstrike. Ankara blamed Syrian forces and reached a new ceasefire agreement with Moscow.

In an announcement declaring new sanctions against Syrian officials, US Secretary of State Mike Pompeo blamed Russia, which supports Iran and the government of Syrian President Bashar al-Assad in his attempt to eliminate opposition militants in Idlib.

Punishment of a Minister and Passing away of Another

17 March 2020

The United States on Tuesday imposed new sanctions on the Syrian Defense Minister Major-General Ali Abdullah Ayyoub for his responsibility of the violence and humanitarian crisis in northern Syria.

The General Command of the Syrian Army and Armed Forces announced on 20 March that the former Defense Minister Major-General Ali Habib died at the age of eighty-one.

الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين

الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين

الخطر الجديد الذي يُهدد دول العالم كلها، يبدو أنه سيكون أكثر خطورة في سوريا المنكوبة جراء تعرض بعض مدنها لدمار كبير، وغياب أو ترهل البنية التحتية الطبية، واكتظاظ المهجرين\ات في مخيمات للنازحين\ات داخلياً أو مخيمات لللاجئين في دول مجاورة.

 ونظراً لغياب الشفافية في قضية مصيرية كهذه، في وقت تبدو الشفافية ضرورة قصوى من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومواجهة هذا الوباء،  يحاول موقع ”صالون سوريا“  تسليط الضوء على ردود فعل السوريين وآليات مقاومتهم، وما الذي يمكن أن يعولوا عليه في هذه “الحرب الجديدة”. ويستطلع من الميدان، آراء سوريين من خلفيات مختلفة وفي مدن مختلفة بحثاً عن حقيقة ما يجري على صعيد تفشي الوباء والإجراءات القائمة للحد من انتشاره، بالإضافة إلى مخاوف السوريين\ات.

 ستنشر المواد الواردة تباعاً وتفعل روابطها:

كورونا في سوريا، ومسرح اللامعقول

كورونا، حرب جديدة في دمشق

السويداء وكورونا واحتمالات المجهول المرعبة

حملة في إدلب لمنع كارثة كورونا

القامشلي تواجه كورونا بشوارع خاوية من إيقاع الحياة

كورونا في اللاذقية

فقراء دمشق لا يمتلكون حتى خيار الخوف من كورونا

فلسطينيو سورية على وقع جائحة كورونا يصرخون: يا وحدنا

الطب البديل :علاجات تزدهر في زمن الكورونا

أطفال اللاجئين والحجْر المزدوج

العنف غير المعلن في زمن الكورونا

كيف يواجه أطفال سوريا الكورونا؟

يوميات الحجر السوري: بعض الابتلاء الأسري!

مخترع سوريّ يبتكر نقالة معزولة للحماية من نقل عدوى كورونا

عيد الفطر في سوريا زمن الكورونا: فرحة مقننة

الحكومة تضع الكرة في ملعب الشعب: النجاة فردية!

كيف يؤثر وباء كورونا نفسياً واجتماعياً على السوريين

سوريا على حافة المجاعة

كورونا وطلاب الشهادات الثانوية العامة والإعدادية

حوامل سوريات في زمن الكورونا: مزيج من الفزع والفرح

إنجازات “التربية”: حفلة “ردح” وتصريحات فارغة

ما لا يُقال

ما لا يُقال

الجبال لا تعرى

 في الأوقات الصعبة أستبدل مدُني

بجبال خبأتُها في عينيَّ.

الجبال لا تَعْرى

قلبها من حجر

ورداؤها عويل ذئاب.

وحدها المدن تندثر

تعْرى وتغرق أو تحترق.

هنا أو هناك في هذه المواقيت

يتجمع الناس خلف النوافذ

يطفئون نيرانهم بالنظر.

 

المطرُ، واثقاً من موسيقاه

يدمع فوق كل شيء

وتشربه الحياة كاملاً.

 

 اللا نهاية

شجرة وحيدة في قرية مهجورة:

العالم كاملاً يعيش بداخلي.

*

ما لايقال،

يشغل الفسحة الأكبر من الحياة.

*

لم تعد مقاهي المدينة تكفي وحدتي

العزلة في صمت:

أحاول تجسيد اللانهاية.

  

خشخشة                                                                                                                             

كان فضولي إلى الغد يأكلني

يأتيني كل يوم بشكل مختلف

مرة يسحرني مثل سماء على صفحة الماء

وأحيانا ً مثل صحراء تبكي من العطش.

اعتدت على تبدل أهوائه وصرت الأرض التي تستجيب.

صار بعدها يركض محملاً بما بعد الأفق

ثم غيّر اسمه فأمسى أمساً

يذوي من مجرد لمسة مني.

وينزل الليل

الآن، أستدير إليه بكلي

فلا أراه

لكنني بالكاد أسمع خشخشة.

دون قصد

 لا تكتب شعراً وأنت حزين

ولا حين تغمرك سعادة صادمة

اكتب وأنت بين حياة وموت.

*

الموتى يكتبون الشعر دون قصد

يحفرونه في ذاكرتنا

من قلوب تساقطت

بعد أن شربت من نهر أعمى.

  

اليوم العاشر من دمشق

 في اليوم العاشر من دمشق

هناك طفلٌ على الأقل

لا يتوقف سعاله في هذه اللحظة من الفجر.

*

في جانبٍ من رأسي قصص هزلية حزينة،

وفي الجانب الأرحب منه جمال منقوص.

*

ترتعش يدي حين تصدق اللحظة.

*

الكلمة أشجع من الصورة،

توقعنا في فخ التحقق،

وأما الخيال فهو لا يستحي.

*

بالكلمة أمحو حزني على نفسي

وبها أيضاً أعبر الحقيقة.

*

في اليوم العاشر من دمشق

يزداد نباح الكلاب.

موت السينما والحياة الثقافية في اللاذقية

موت السينما والحياة الثقافية في اللاذقية

لا يليق باللاذقية التي تُسمى عروس الساحل أن تتعرض لكل تلك الإنتهاكات والتشويه، فلا يزال سكان اللاذقية (وغيرها من المدن) مُروعين بجريمة تبليط البحر وإزالة أجمل المقاهي البحرية بحجة توسيع المرفأ. لقد أصبحت اللاذقية مدينة ميته تماماً، فلا مسرح راقي حقيقي ولا سينما. وأريد أن أعرض واقع دور السينما في اللاذقية.

بداية أريد أن أحكي عن مرحلة في الستينيات والسبعينيات كانت فيها عدة دور سينما في اللاذقية تعرض أهم الأفلام، ولا أنسى يوم كنت لا أزال في بداية مراهقتي وكنت في مدرسة الكرمليت الخاصة التي تشرف عليها الراهبات كيف اصطحبونا (نحن المراهقات) إلى السينما لنحضر فيلم (رجل وامرأة). وأثناء دراستي للطب البشري من عام 1977 إلى 1984 في اللاذقية كنا نتفق أصدقائي وأنا بعد تقديم كل امتحان أن نحضر فيلماً سينمائياً، وفعلاً حضرنا أروع وأجمل الأفلام في صالات سينما اللاذقية وأشهرها: سينما الكندي، وسينما الأهرام، وسينما أوغاريت.

ولا أنسى كم تأثرت بفيلم (الفراشة) لداستن هوفمان لدرجة أنني حضرته مرة ثانية. وكان أخي مولعاً بأفلام الكاوبوي وحضر عشرات الأفلام، أما سينما أوغاريت الأكبر والأجمل والمؤلفة من طابقين، فقد اشتهرت بعرض الأفلام الهندية وكم ذرفنا من دموع ونحن نحضر هذه الأفلام. وكانت صالة سينما أوغاريت فخمة ونظيفة وجميلة وقد قدمت فيها المطربة المشهورة جين مانسون حفلة حضرها معظم شباب وشابات اللاذقية بكثير من الاستمتاع. كنتُ أكتب على دفتر صغير اسم كل فيلم أحضره وبضعة أسطر عنه. وتجاوز عدد الأفلام التي حضرتها في صالات السينما في اللاذقية المئتي فيلم.

كان الأجمل والأروع أن المسؤولين (في تلك الحقبة من السبعينات وبدااية الثمانينات) سمحوا للشباب والشابات ومعظمهم جامعيون\ات أو أنهوا دراستهم الجامعية أن يُحضروا أفلاماً مهمة أو حديثة قيمة في سينما الأهرام حيث كانت  تُقام بعد كل فيلم جلسة حوار لمناقشته. أذكر أنني كنت لا أزال طالبة في كلية الطب حين كنت أحضر كل خميس أروع الأفلام في سينما الكندي وسط جو فني وثقافي رائع، وبعد انتهاء الفيلم كان الصديقان الشاعر الصديق منذر مصري (والذي كان يملك مكتبة فكر وفن التي كانت علامة حضارية في اللاذقية) والصديق مصطفى عنتابلي يقفان على المنصة في سينما الكندي ويبدآن بالتحدث عن الفيلم وكل الحضور يشارك في الحوار. كم كانت هذه الحوارات مفيدة وغنية. ولا أذكر التاريخ الدقيق لانهيار أهم منبر ثقافي وفني في اللاذقية أي صالات السينما، إذ كنت قد انتقلت إلى دمشق للاختصاص في طب العيون عام 1986 وماتت السينما تماماً في اللاذقية، ولم يتم عرض أية أفلام إلا فيما ندر وتحديداً في سينما الكندي لأن سينما الأهرام وسينما أوغاريت تحولتا إلى خراب، وتكومت هضاب الزبالة في مدخلهما.أما سينما الكندي فكانت تعرض بشكل شبه حصري أفلام عبد اللطيف عبد الحميد، ولم تتم أيه صيانه لسينما الكندي إذ كانت مقاعدها مهترئة والصوت فيها مشوش. وأحب أن أذكر تلك الحادثة حين كان عمر ابنتي خمس سنوات، وأردت أن تعرف معنى السينما وأن تحضر فيلماً سينمائياً، وللعجب كانت سينما الكندي تعرض فيلماً لعمر الشريف هو المواطن مصري، وكنت أعرف أن الموضوع لا يناسب طفلة لكنني اصطحبت ابنتي إلى السينما، وكانت القاعة خالية تماماً! كنتُ وحدي مع طفلتي التي لم تكمل الخمس سنوات وصعب علي إقناعها بالجلوس فكانت تتسلى بصعود الدرج في صالة السينما والنزول، ولأنني كنت أعرف قاطع التذاكر في سينما الكندي فوجئت أنه أحضر لي طاولة صغيرة وضعها بجانبي وفنجان قهوة وبسكويت، وشعرتُ أنني في مقهى وأظنه كان ضجراً لحد الانفجار فأخذ يتحدث إلي متنقلاً من موضوع إلى موضوع فيما الصوت الرديء للفيلم مستمر ولم أعد أركز على أحداث الفيلم إذ أحسست أنني في مقهى أرشف القهوة وأتابع ابنتي تلهو في صالة السينما بصعود الدرج ونزوله. وخرجتُ بعدها بخيبة أمل كبيرة وغصة ولم أجرؤ أن أسأل طفلتي إن كانت السينما قد أعجبتها!

وفي بداية 2011 أصبح وضع صالات السينما كارثياً بدرجة أكبر مما ذكرته سابقاً؛ حيث تحولت سينما أوغاريت إلى ثكنه عسكرية وشُيد مقابلها بناء يضم عناصر من الجيش السوري، وتم إنشاء سور عريض يحيط بمساحة واسعة حول سينما أوغاريت . كان هذا السور مكوناً من دواليب الشاحنات السوداء العملاقة والتي يزداد إرتفاعها كل مدة، حتى أن بعض الجنود وضعوا أصص نباتات في قلب دواليب الشاحنات (أي سور ساحة سينما أوغاريت)، وبعضهم وضع بوطاً عسكرياً ضخماً في داخله تختنق وردة حمراء، ولأن سينما أوغاريت تحولت إلى ثكنة عسكرية وسجن أيضاً فمن وقت لآخر كان المواطنون السوريون في اللاذقية يشاهدون العديد من الجثث يُخرجونها من السينما، ولصق مدخل السينما امتدت بسطات تبيع أرخص وأردأ أنواع المكياج وملاقط الشعر الملونة والمقصات والأهم حبال من شحاطات النايلون. وكنتُ أشعر أن فن السينما الراقي تحول إلى شحاطة في اللاذقية، كنتُ أتعجب من هذا الكم الهائل من الشحاحيط حول سينما أوغاريت، وتعفنت اللافته التي تحمل اسم سينما أوغاريت وصار المشهد كله كما لو أننا في مسرح اللامعقول أو مسرح تمجيد القبح والرداءة واغتيال فن السينما. وإنتعشت محلات بيع الأفلام المُقرصنة، وكان حلاً لا بد منه بل رائعاً أن يحضر الشباب المحرومون من السينما أفلام الأوسكارات وأحدث الأفلام العالمية لكن جماليات شاشة السينما وصوت الديجيتال والجلوس باحترام في صالة السينما وذلك الشعور بالألفة مع الحاضرين حُرمنا منه في اللاذقية. واضطررنا لشراء الأفلام المُقرصنة، وتفجرت فضيحة سينما الأهرام التي يملكها ثري مسيحي عجوز ولا وريث له، وسطا عليها أحد كبار الشبيحة، وصارت ملك الشبيح، لكن مالك سينما الأهرام وبدعم من أصدقائه ومن كل الوطنيين من كل الطوائف لجأ إلى أشهر محامي في اللاذقية لتعود ملكية سينما الأهرام له. وحاول المحامي جهده وتمكن بعد جهود جبارة ووساطات عالية أن يُعيد سينما الأهرام لصاحبها لكنه نصحه أن يتبرع بها للكنيسة الأرثوذوكسية لأن احتمال أن ينقض عليها شبيح آخر ويسلبها من مالكها وارد جداً خاصة أن مالكها رجل عجوز وأعزب ولا وريث له. وفعلاً تم التبرع بسينما الأهرام إلى طائفة الروم الأورثوذكس في اللاذقية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تُجدد صالات السينما في اللاذقية؟ ولماذا أغلقت وتحولت إلى ثكنه عسكرية كسينما أوغاريت أو خرابة تزينها القمامة كسينما الكندي أو شبح سينما صغيرة هي سينما دمشق التي حضر فيها كل أهالي اللاذقية فيلم الفهد؟ لماذا تُصرف الملايين لتشويه أجمل شاطىء في اللاذقية ويُلون الفنار الحجري للكورنيش الجنوبي في اللاذقية بألوان فاقعة قبيحة كما لو أنها تتهافت لدخول موسوعة غينيس في القبح!! لماذا تُهدر الملايين مثلًاً في تبديل الأبواب الخشبية العالية في المشفى الوطني واستبدالها بأبواب من الخشب الرخيص الأشبه بالورق المُقوى! ومن سرق أجود أنواع الخشب (الأبواب في المشفى الوطني). وما معنى الملايين التي هُدرت لسد كل نوافذ غرف المرضى في المشفى الوطني بشبك معدني، بحجة أن المرضى يسرقون أغطية السرير بطريقة رميه من النافذة، لذا فحين يضعون شبكاً معدنياً على النوافذ لن يتمكن المريض من سرقة الغطاء الصوفي الرديء ورميه من النافذة.

تُهدر الملايين من أجل الفساد وتشويه المدينة بينما يقولون: لا توجد ميزانية لتجديد صالات السينما. ومنذ ثلاث سنوات تم تجديد سينما الكندي لكنها بقيت لسنتين دون أن يُعرض فيها أي فيلم! حتى أتحفونا منذ أشهر بفيلم لنجدت أنزور قد يبقى سنوات. وكي أقدم شهادة حق كانت وزارة الثقافة ترعى كل سنة أسبوعاً تعرض فيه الأفلام ذاتها في سينما الكندي وهي: رسائل شفهية لعبد اللطيف عبد الحميد؛ بيت الأرواح لإيزابيل إيلندي؛ وبضعة أفلام أخرى لا تسعفني ذاكرتي بتذكرها. المهزلة وقمة الاحتقار لسكان اللاذقية أنه على مدار أكثر من سبع سنوات كانت تُعرض الأفلام ذاتها في سينما الكندي تحت شعار: أسبوع الأفلام السينمائية. كم هو مُحزن ما يُمارس في حق مدينة جميلة كاللاذقية التي مسحوا فيها عن وجه الأرض أجمل سلسلة مقاهي بحرية كانت متنفساً لأهلها وتحول البحر إلى بحر واسع من الإسمنت، وماتت فيها كل صالات السينما وتحولت إلى ثكنات عسكرية أو خرابة تتراكم الزبالة حولها وتتقافز الجرذان فيها، ولا يجد جيل الشباب المسكين أي بديل أو معين لهم لصرف طاقات الشباب سوى في هدر الوقت في مقاهي الأركيلة المتكاثرة والتي تنافس محلات البالة، فعنوان الحياة في اللاذقية (وفي سوريا عامة) الأركيلة والبالة. أما الفن فلا وجود له، فالمحاضرات الثقافية كلها مختصرة لمواضيع حول الغزو والتطبيع ومعاداة أميركا. المحزن بالنسبة لي أن مدينة بدون سينما هي مدينة بلا روح. ولا زلت أحتفظ بالدفتر الصغير الذي شحبت أوراقه وقد سجلت فيه أسماء حوالي مئتي فيلم حضرتهم لما كانت اللاذقية حقاً عروس الساحل بمقاهيها البحرية ساحرة الجمال وصالات السينما فيها وجرائدها، أما الآن فاللاذقية شاحبة حزينة.